مع الحبيب المصطفى: فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
42ـ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: فإنَّ شَهرَ رَمضانَ شَهرُ المُواساةِ، ويقولُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: المُواساةُ أن يَجعَلَ صاحِبُ المالِ يَدَهُ ويَدَ صاحِبِهِ في مَالِهِ سواءً. اهـ.
كما تَكونُ بالدُّعاءِ والاستِغفارِ لهم، والتَّوَجُّعِ عليهِم، وعلى قَدْرِ الإيمانِ تَكونُ المُواساةُ، فكُلَّما قَوِيَ الإيمانُ قَوِيَتِ المُواساةُ، وكُلَّما ضَعُفَ الإيمانُ ضَعُفَتِ المُواساةُ.
وما دامَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أكملَ المؤمنينَ إيماناً، فهوَ أعظَمُ النَّاسِ مُواساةً لأصحابِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، فكانَ يُواسيهِم بالقَليلِ والكَثيرِ.
من مُواساةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام أحمد عن عُثْمَانَ بنِ عفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ وهوَ يَخطُبُ: إِنَّا والله قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
وروى الإمام مسلم عن جَابِرَ بْن عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً فِي دَارِي، فَمَرَّ بِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَدَخَلَ ثُمَّ أَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا.
فَقَالَ: «هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟»
فَقَالُوا: نَعَمْ.
فَأُتِيَ بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيٍّ ـ مَائِدَةٍ مِنْ خُوصٍ ـ فَأَخَذَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُرْصاً فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ قُرْصاً آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَيْنِ، فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ.
ثُمَّ قَالَ: «هَلْ مِنْ أُدُمٍ؟»
قَالُوا: لَا، إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ.
قَالَ: «هَاتُوهُ، فَنِعْمَ الْأُدُمُ هُوَ».
تَوجيهُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للأمَّةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد وَجَّهَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ إلى خُلُقِ المُواساةِ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيض، وَفُكُّوا الْعَانِيَ».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِيناً وَشِمَالاً.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ».
قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.
وروى الطبراني عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن لَقِيَ أخاهُ المسلِمَ بِما يُحِبُّ لِيُسِرَّهُ بذلك، سَرَّهُ اللهُ يومَ القيامَةِ».
وفي رواية للطبراني أيضاً في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى الله بَعْدَ الْفَرَائِضِ، إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ».
أثَرُ هذا التَّوجيهِ على السَّلَفِ الصَّالِحِ:
أيُّها الإخوة الكرام: تعالَوا لِنَنظُرَ إلى سَلَفِنا الصَّالِحِ كيفَ استَجابوا لِتَوجيهِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأقولُ لِكُلِّ من يَدَّعي أنَّهُ من أتباعِ السَّلَفِ وأنَّهُ حَريصٌ على الاتِّباعِ، وأنَّهُ يُحارِبُ البِدَعَ: أينَ نحنُ من السَّلَفِ الصَّالِحِ من حيثُ السُّلوكُ والعَمَلُ؟
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ.
فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الْأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالاً، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ، فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ.
فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئاً مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى جَاءَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ ـ أي: لَطخٌ من خَلوقٍ أو طِيبٍ ـ
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَهْيَمْ» أي: ما الخبر؟
قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِن الْأَنْصَارِ.
فَقَالَ: «مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟»
قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ـ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ ـ.
فَقَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».
وروى الإمام البخاري كذلك عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: المُواساةُ على قَدْرِ الإيمانِ بالله تعالى، وكُلَّما عَظُمَ الإيمانُ عَظُمَتِ المُواساةُ، والسَّعيدُ الذي يَغتَنِمُ غِناهُ قَبلَ فَقرِهِ، السَّعيدُ من كانَ في عَونِ أخيهِ، السَّعيدُ من صَنَعَ المعروفَ في سَوادِ اللَّيلِ حيثُ لا يَعرِفُهُ أحَدٌ.
يُذكَرُ بأنَّ عليَّ بنَ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهُما كانَ يَحمِلُ الخُبزَ باللَّيلِ على ظَهرِهِ يَتَّبِعُ به المساكينَ في الظُّلمَةِ، ويقولُ: إنَّ الصَّدَقَةَ في سَوادِ اللَّيلِ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.
فلمَّا ماتَ عليُّ بنُ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فَقَدَ ناسٌ من أهلِ المدينَةِ الذينَ كانوا يُؤتَونَ باللَّيلِ ما كانَ يَأتيهِم.
أسألُ الله تعالى أن يَجعَلَ خُلُقَ المُواساةِ فينا، وأن يُخرِجَ من قُلوبِنا حُبَّ الدُّنيا، إنَّهُ على ما يَشاءُ قَديرٌ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
42ـ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: فإنَّ شَهرَ رَمضانَ شَهرُ المُواساةِ، ويقولُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: المُواساةُ أن يَجعَلَ صاحِبُ المالِ يَدَهُ ويَدَ صاحِبِهِ في مَالِهِ سواءً. اهـ.
كما تَكونُ بالدُّعاءِ والاستِغفارِ لهم، والتَّوَجُّعِ عليهِم، وعلى قَدْرِ الإيمانِ تَكونُ المُواساةُ، فكُلَّما قَوِيَ الإيمانُ قَوِيَتِ المُواساةُ، وكُلَّما ضَعُفَ الإيمانُ ضَعُفَتِ المُواساةُ.
وما دامَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أكملَ المؤمنينَ إيماناً، فهوَ أعظَمُ النَّاسِ مُواساةً لأصحابِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، فكانَ يُواسيهِم بالقَليلِ والكَثيرِ.
من مُواساةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام أحمد عن عُثْمَانَ بنِ عفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ وهوَ يَخطُبُ: إِنَّا والله قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
وروى الإمام مسلم عن جَابِرَ بْن عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً فِي دَارِي، فَمَرَّ بِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَدَخَلَ ثُمَّ أَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا.
فَقَالَ: «هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟»
فَقَالُوا: نَعَمْ.
فَأُتِيَ بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيٍّ ـ مَائِدَةٍ مِنْ خُوصٍ ـ فَأَخَذَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُرْصاً فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ قُرْصاً آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَيْنِ، فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ.
ثُمَّ قَالَ: «هَلْ مِنْ أُدُمٍ؟»
قَالُوا: لَا، إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ.
قَالَ: «هَاتُوهُ، فَنِعْمَ الْأُدُمُ هُوَ».
تَوجيهُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للأمَّةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد وَجَّهَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ إلى خُلُقِ المُواساةِ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيض، وَفُكُّوا الْعَانِيَ».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِيناً وَشِمَالاً.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ».
قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.
وروى الطبراني عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن لَقِيَ أخاهُ المسلِمَ بِما يُحِبُّ لِيُسِرَّهُ بذلك، سَرَّهُ اللهُ يومَ القيامَةِ».
وفي رواية للطبراني أيضاً في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى الله بَعْدَ الْفَرَائِضِ، إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ».
أثَرُ هذا التَّوجيهِ على السَّلَفِ الصَّالِحِ:
أيُّها الإخوة الكرام: تعالَوا لِنَنظُرَ إلى سَلَفِنا الصَّالِحِ كيفَ استَجابوا لِتَوجيهِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأقولُ لِكُلِّ من يَدَّعي أنَّهُ من أتباعِ السَّلَفِ وأنَّهُ حَريصٌ على الاتِّباعِ، وأنَّهُ يُحارِبُ البِدَعَ: أينَ نحنُ من السَّلَفِ الصَّالِحِ من حيثُ السُّلوكُ والعَمَلُ؟
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ.
فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الْأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالاً، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ، فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ.
فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئاً مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى جَاءَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ ـ أي: لَطخٌ من خَلوقٍ أو طِيبٍ ـ
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَهْيَمْ» أي: ما الخبر؟
قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِن الْأَنْصَارِ.
فَقَالَ: «مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟»
قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ـ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ ـ.
فَقَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».
وروى الإمام البخاري كذلك عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: المُواساةُ على قَدْرِ الإيمانِ بالله تعالى، وكُلَّما عَظُمَ الإيمانُ عَظُمَتِ المُواساةُ، والسَّعيدُ الذي يَغتَنِمُ غِناهُ قَبلَ فَقرِهِ، السَّعيدُ من كانَ في عَونِ أخيهِ، السَّعيدُ من صَنَعَ المعروفَ في سَوادِ اللَّيلِ حيثُ لا يَعرِفُهُ أحَدٌ.
يُذكَرُ بأنَّ عليَّ بنَ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهُما كانَ يَحمِلُ الخُبزَ باللَّيلِ على ظَهرِهِ يَتَّبِعُ به المساكينَ في الظُّلمَةِ، ويقولُ: إنَّ الصَّدَقَةَ في سَوادِ اللَّيلِ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.
فلمَّا ماتَ عليُّ بنُ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فَقَدَ ناسٌ من أهلِ المدينَةِ الذينَ كانوا يُؤتَونَ باللَّيلِ ما كانَ يَأتيهِم.
أسألُ الله تعالى أن يَجعَلَ خُلُقَ المُواساةِ فينا، وأن يُخرِجَ من قُلوبِنا حُبَّ الدُّنيا، إنَّهُ على ما يَشاءُ قَديرٌ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin