الجذع الثالث:
وأما ما استدليتم بقوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } فأقول: إنه لا نزاع فيما استجلبتموه من النصوص على كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يتعين القيام به على كل واحد يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر، إنما النزاع في المنكر حيث حملتموه على غير محمله، حسبما يقتضيه صنيعكم من إدخالكم حلق الذكر وما عليه المتصوفة تحت حيز المنكر الذي يجب تغييره، وفي ظني أن المنكر الذي أولى بالتغيير هو ما اعتقدتموه وأبديتموه في مرآتكم.
ثم أقول أن الخطاب في قوله تعالى {كنتم خير أمة} إما أن يكون راجعاً لعامة المؤمنين، وإما أن يكون راجعاً لخاصتهم، فإذا كان عائداً على عامتهم فيكون فيه دلالة على تخصيصهم بين الأمم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها وظيفة الصديقين والأنبياء والمرسلين، ويكون أمرهم ونهيهم عائدين على من سواهم من الأمم، ويكون المنكر عبارة عن شرك وما في معناه، والمعروف عبارة عن التوحيد وما والاه، وإذا كان الخطاب عائداً على خاصتهم فيكون الأمر والنهي فيما بينهم، ويكون المنكر عبارة عن كل خُلُق مذموم، وعكسه المعروف.
ثم إننا إذا حملنا الضمير على المعنى الآخر لا يتعين صرفه عن الوجه المطابق لما في نفس الأمر إلا لهداة الخلق الداعين للحق بالحق، الذين قال فيهم عليه الصلاة والسلام (لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرّحمن، فيهم تُسقَون وبهم تُرزقون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه الآخر ) وهكذا ما من نبي إلا وعلى قلبه طبقة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهاته الكتائب التي لا يخلو منها عصر ولا يُفقَدُ منها مِصر هي الّتي يتعلّق بها الخطاب على الوجه الأحق، لأنهم أُهّلوا لذلك وفطروا في الأزل على ما هنالك، فصفة الأمر
بالمعرف والنهي عن المنكر موجودة فيهم بالطبع لا بالتطبع، وقد توجد في غيرهم إلا أنها عَرَضٌ تغيرها العوارض، وفي ظني أن الطبقة المشار إليها لا توجد غالباً إلا في حيز الذاكرين المستهترين بذكر الله حسبما جاء في الحديث الآتي ذكره، ولا يوجد المستهتر بذكر الله أو المولع بذكر الله ـ على ما في بعض الروايات ـ أو المشتهر بذكر الله ـ على ما في أخرى ـ إلا في حيز المتصوفة التي قلت أنت بتبديعهم، وأما من سواهم فلا يبلغ في ذكر الله مبلغهم كائناً من كان، إلاّ إذا كان محباً لهم أو من أسلافهم أو من أهل سلسلتهم وهذا بقطع النّظر عن القرون الثلاثة المشهود لهم.
ولكن هذا يتضح عند من يعرف معنى التصوّف، ومن هم المتصوفة، وأما من يعتقد أنهم عبارة عن اجتماع غوغاء من أرذال النّاس فلا يهتدي لما ذكرناه، لأنه يقيس ما عرفه منهم على مالا يعرفه بجامع وهو الاسم، فيظن أن مسماهما واحد، فشتان بين ما عرفته وبين ما لم تعرفه، فو الله يا أخي لوا أطلعك الله على معنى التصوّف وما هي مباديه وغايته لاكتفيت من الله بالتطفل على أهله .
الجذع الرابع:
وأما ما استدليتم به من قوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } فأقول:إنكم أخذتم الشّق الآخر من الآية وأهملتم ما اشتمل عليه الشق الأول منها، مع أنه عمدة فيما بعده وهو يتعين من ولاية المؤمنين لبعضهم بعضا، وما يترتب على ذلك من حرمة أموالهم وأعراضهم ودمائهم فيما بينهم، وقبل هذا ينبغي أن نعرف معنى الإيمان الذي يوجب لنا الأخوة والولاية والتعاضد فيما بيننا،
فأقول: إنه سهل والله أعلم حسبما قرّره لنا الشّارع، وذلك أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فمن تحققت فيه هذه الخصلة وجبت موالاته وحرمت عداوته، وهي موجودة ـ والله أعلم ـ في سائر أفراد الأمة، وأن مع تعدد مذاهبهم واختلاف طرائقهم في الفرعيات فذلك غير مضر مهما سلمت الأصول، وعلى هذا ينبغي لمن أهّله الله للكلام أن لا يبسط لسانه إلا بما يقضي بالمحافظة على الروابط الإسلامية والأخوة الدّينية، ولا يجرح عقائد أهل القبلة، ولا يقبح معتقداتهم ولا يحكم ببطالتهم، لئلا يكون ذلك ذريعة للانشقاق والتنافر فيما بين المسلمين وعدم الوفاق، ألم يبلغك يا شيخ ما وصلت إليه الأمة فيما سبق من الارتباك؟ فكلّ ذلك سببه إغالة المتعصبين من أتباع المذاهب، فكلّ يشوه غيره ويحكم عليه بما أعتقده، والحالة أن الجميع مؤمن، إلا أنه بلغ التّعصب المذهبي بهم إلى انحلال رابطة الأخوة الدّينية المتحدة في الشهادتين، وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان وقراءة القرآن وغير ذلك ممّا هو من أهم الخصال الإسلامية.
والاشتغال بما سلف لا طائل تحته من الخير، فبالله عليك يا شيخ كيف قمت تسعى في تحريك الفتن الخامدة؟ فعمدت إلى هدم أعظم ركن في الإسلام، وأعظم قاعدة اعتمد عليها المسلمون وتربت قلوبهم عليها ـ أي على محبة أهل نسبة الله ـ فهم الآن يعتبرونهم ويعظمونهم بالجبليّة محسنين الظن في التصوف وأهله فقلت أنت: أن مذهب التصوف بطالة وجهالة وضلالة إلى آخر ما حملت عليه، فكسرت والله قلوباً يتعذر عليك جبرها إلا بتوبة نصوحا واعتذار لأربابها ، وكان من حقك أن لا تقدم على تنقيص المذهب حتى تعلم من هو واضعه ، وما هي مبادئه العشرة التي اشترطتم معرفتها في كل فن،ثم قل ما بدا لك أن تقول، وظني فيكم أن بضاعتكم في العلم قليلة، أو قريحتكم في الفهم كليلة، أو هما معا، وإن كان كذلك فمن المعلوم لا تجد ما يرشدكم لفن التصوف فيما بين أيديكم من المتون نحو الزنجاني وابن أجروم وعلى فرض ما ذكرناه من اقتصاركم على ما اختصر من المتون، لا يفوتكم المرشد المعين في العبادات والجوهر المكنون في البلاغة وهما ممن اعتنى بفن التصوف، الأول ذكره بالاستقلال، والثّاني نوّه به على سبيل الاستطراد تنبيهاً منه للطلبة ـ جزاه الله خيراً ـ ولست أدري هل رفضتها برفضك مذهب التصوف من أصله؟ أم جعلتهما في حيز الإهمال؟ وعلى كل حال فإنك غاليت في الجحود وإلاّ فشهرة مذهب أهل التّصوف تغني عن إقامة الشّهود، وعلى كل حال فإني أوصيك إن طالت بك الحياة، وأردت أن تجمع شيئاً من المسائل العلمية أو من النصائح الدّينية، فلا تأتي إلاّ بداعي الاتحاد بين أفراد الأمة المحمديّة، أي بما يؤكد بينهم الروابط الدّينية والأخوة الإسلامية، قاطع النّظر عمّا تشعب من الفروع {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ }فبالله عليك إلاّ ما أمعنت النّظر فيمن نزلت، ولأي سبب أنزلت، فيا ما أحسنه من تأليف، ولكن أين الثّرى من الثّريا؟
ولعلك تقول: نزلت في أهل الكتاب كما هو صريح الآية فأقول: وعلى الأقل من حقّك أن تنزّل الصّوفية منزّلة أهل الكتاب، لا تصدقهم ولا تكذبهم، وهذا أقل درجات الإنصاف، ولكن أين المنصفون ؟
وأما استدلالكم بما قاله الغزالي رضي الله عنه، فالاستدلال بكلامه غير لائق على ما تقتضيه قواعدكم، لأنه صوفي وأنت لا تقول بمذهب التصوف، وأما استدلالكم بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مؤمناً بالقرآن إلى آخـره ) وهل تظن أنه عليه الصّلاة والسّلام يريد بنفي الإيمان مطلقاً؟ كلا وإلا لهلكت الأمة، وإنما يريد به نفي الإيمان الكامل التي هي درجة الصّديقية، كما يشهد لذلك عدّة أحاديث منها (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه )
وأما الإيمان العمومي فقد تقدّم ذكره من أنّه سهولة محض، وحديث السّوداء المشهور ممّا يزُيده سهولة، ثبت أنّ بعض الصّحابة رضوان الله عليهم أعتق رقبه مؤمنة، فجاء بجارية سوداء إلى النبي ليمتحن إيمانها فقال لها عليه الصلاة والسلام: من ربّك ؟ فأشارت في السّماء فقال:مؤمنة فاعتقها والذي يشهد لهذا من أنّه فرض كفاية، ولكنّك بنيت بما قدّمته من الأحاديث التي تفيد الإطلاق، إذا كان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرض كفاية، وإن كان كذلك فما وجه تعيينه عليك دون من سواك؟
وأنا أقول لكم: ليس الشأن في جميع النصوص إن رمت الكتابة، إنما الشأن أن تضع النصوص مواضعها، وهي من أنواع الحكمة التي قال فيها تعالى:{ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً }.
وأما استدلالكم بقوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) الخ الحديث يجري فيه من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما تقدم، وأما ما يتعلق بما ذكرته من الحديث فأقول: يدخل في قوله: (من لم يرحم صغيرنا) عوام الأمة لأنهم صغار وإن كانوا كباراً في السن، ويدخل في الكبار خواصها وإن كانوا صغاراً في السن، لأن الإنسان يعتبر بنفسه لا ببدنه، وعلى هذا يكون لكم مساساً من الحديث أنكم ما ترحمتم بالصغار الذين هم عوام المسلمين، بأن خاطبتموهم باللين والملاطفة، وترحمتم عليهم ترحم الأب الكبير على الابن الصغير، بل خاطبتموهم بعنف وحملتم عليهم بكل ما عندكم، وما وقرتم الكبار أيضاً الذين هم ينابيع الحكمة ودعائم دين هذه الأمة، وقلتم ببطالتهم وجهالتهم واتخذتموهم أعداء بما نقلتموه من حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تقربوا إلى الله ببغض أهل المعاصي) الخ فطبقته عليهم فيا لله العجب! كيف تسنى لك أن تطلق هذه النقول على من اجتمع على ذكر الله وما في معناه؟!
وبالجملة أن جميع ما استطردتموه من الدلائل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا نزاع فيه، إنما النزاع في معنى المنكر ما هو؟
حتى لا ننكر حقاً أو ما هو بالحق أشبه منه بالباطل، ولئن تخطئ في تصويبات ما عليه إخوانك في الدين خير لك من أن تصيب في تخطيئاتهم،
ألم تعلم أن أعراض المسلمين معصومة كأموالهم ودمائهم بمجرد النطق بالشهادتين ؟ ثم أنكم استطردتم قول ابن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه في رسالته وهو قوله (ومن الفرائض؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من بسطت يده في الأرض وعلى كل من تصل يده إلى ذلك فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فبقلبه) فأقول: هذا معنى حديث، ولعله لم يصلكم ونصه: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) وهذا من حسن أسلوب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
الجذع الخامس:
وأما نقلكم عن ابن عرفة من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ليس فيه شيء مما يزيد في عزيمتك لجمع هذه الرسالة، فيا ليتك اقتصرت على ما ذكرته من الأحاديث السالفة من جميع ما تقدم؛ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين على كل من تميز لديه المنكر من المعروف، والحلال بيِّن والحرام بينِّ، وعند الشبهة يتعين الوقوف، غير أن كيفية التغيير تختلف باختلاف الأشخاص والأماكن قدرة وعجزا، فمن كانت له القدرة على تغيير المنكر كولاة الأمور فهو واجب عليه بالفعل، ولا مندوحة له في تركه مع القدرة كما تقدم، ومن لم يصل لهذه الرتبة من علماء المسلمين، ففرضه أن يغيره بلسانه، ومن لم يستطع لعارض فليغيره بقلبه، وذلك أضعف الإيمان كما تقدم في الحديث.
الجذع السادس:
وبعد ذلك استطردتم جملة ركيكة الألفاظ قلتم فيها: " فمن الواجب أيضاً اتباع الحق والسنة المحمدية، واقتفاء آثار السلف الصالح رضي الله عنهم، فإن من عادتهم أن من اتبع السنة أحبوه واعتقدوه وعظموه، ومن كان على غير ذلك تركوه وأهملوه ومقتوه، حتى كان من يريد الرفعة عندهم من الذين لا خير فيهم يظهر لهم الاتباع حتى يعتقدوه على ذلك" .
أما قولكم: "فمن الواجب أيضا اتباع الحق" أقول: إنه من أوجب الواجبات، لكن عند من عرف الحق واتضح لديه، أما من كان في لبس، يتخبطه الشيطان من المس، فمن أين له أن يعرف الحق؟ وحتى إذا عرفه يعرفه بالرجال، وهذا لا يتمكن له اتباع الحق إلا إذا فتح الله بصيرته، وطهر سريرته من سوء الظن بالصالحين ، قال الإمام علي كرم الله وجهه: ( لا تكن ممن يعرف الحق بالرجال ولكن اعرف الحق تعرف أهله )ثم أنكم ذكرتم من أوصاف السلف الصالح؛ أنهم يحبون من يتبع السنة، وأي مؤمن يؤمن بالله ورسوله لا يحب أهل السنة؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( ألا لا إيمان لمن لا محبة له ) ألم تعلم أن الصوفية التي قلت ببطالتهم وجهالتهم وضلالتهم، جعلوا المحبة أساساً لطريقتهم؟ ولكن لعلك تعني بأهل السنة من كان على شاكلتكم لا عموم المسلمين والله أعلم
الجذع السابع:
ثم إنكم ذكرتم من أعمال السلف؛ أن من كان على غير السنة تركوه وأهملوه ومقتوه إلى آخر كلام واهي التركيب، وإلى الآن لم يظهر ما أردتم بمن هو مخالف للسنة، لولا أنك أتيت بأبلغ تشبيه فيمن تقع عليه النصوص السابقة واللاحقة فقلتم: "كمتصوفة أهل زماننا" .
وإني أقول: "الآن استهل الجنين من بطن الشيخ صارخا " فعلمنا حينئذ ما هو المنكر الذي نوهت بـه، وما هو السبب الذي وضعت الرسالة من أجله، فكانت عندك نسبة القوم من أعظم المناكر وما ذكرته بعدها ونبهت عليه من الموبقات إنما هو على سبيل الاستطراد، لأن الأهم له الصدارة في كل شيء، إلا أن يقال: قدّم صاحب الرسالة ذكر المتصوفة لأجل التبرك بهم وما أظن.
وحاصل الأمر؛ أن ما أشرت إليه من المناكر، ونوهت به من البدع حصره التشبيه في قولك: كمتصوفة أهل زماننا، فلم يبق حينئذ منكر خارج على ما عليه المتصوفة حتى نتوقاه، وكل هذا لم يستفزنا حيث قيدت المتصوفة بأهل زماننا لو لم تستطرد ما ذكره الطرطوشي؛ من أن مذهب التصوف عموماً بطالة وجهالة وضلالة، ويا ليتها لم تبلغك مقالة الطرطوشي لتبقى نقي الفؤاد من الطعن فيمن مضى من أهل الإرشاد، والله يحكم بينك وبين من عاصرك من العباد.
الجذع الثامن:
ثم إنك قلت:"إن الغالب من حال أهل هذه الزمان الذين انغمسوا في خابية أهل البدع، النفورمن الذي ينهاهم عن بدعهم وعوائدهم الذميمة التي لم تصادف قولاً بالجوازولو خارج مذاهب الأئمة المقتدى بهم".
قلت: لعل المراد من قولكم: "الذين انغمسوا في خابية أهل البدع هم طوائف الفقراء" وإن كان كذلك فما أجسرك من فقيه! وما أحسنك من نبيه! فقد يظن المتهور أن من الشجاعة قلة الحياء، ولم يعلم أن الحياء من الإيمان، والذي أدهى وأمر من هذا هو؛ قولك في بدعتهم: إنك لم تصادف لها قولاً بالجواز ولو خارج المذاهب المقتدى بهم، فقد فحصت وأوجزت بارك الله فيك ، فقل لي بالله عليك: ما هو أسلوب التذكير فانقاد لهم بسبب ذلك الكبير والصغير، والجليل والحقير، كلامهم مقبول في الأسماع، لأن وعظهم بارز من القلوب لا من الكتب، والكلام إذا برز من القلب وقع فيه، فلهذا أثرت في القلوب موعظتُهم، وسرت في المريدين إشارتهم، وقد فهموا من الآية الكريمة أن الناس جاءت على أزواج ثلاث؛ والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (أنزلوا الناس منازلهم ).
فالقسم الأول من الأقسام لا ينقاد للمذكر إلا بالحكمة، وهم الخاصة من عباد الله، والقسم الثاني: تفيده الموعظة الحسنة الواقعة بين ترغيب وترهيب برفق وملاطفة، القسم الثالث: أهل المجادلة، وهو الذي أتعب المرشدين رسولاً وولياً فأباح الله تعالى للرسول فتح باب المجادلة معه، إلا أنه قيدها بالتي هي أحسن، وهكذا الأحسن فالأحسن، ولهذا كان السيف هو آخر درجات التبليغ، ومن تخلف عن هذه الخطة المشروعة للتذكير ففي الغالب يكون أمره مردوداً عليه، وكل ذلك يستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام(من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ) أي برفق ولين ليكون أدعى للقلوب والله أعلم.
الجذع التاسع:
وأما ما استدليتم بقوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } فأقول: إنه لا نزاع فيما استجلبتموه من النصوص على كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يتعين القيام به على كل واحد يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر، إنما النزاع في المنكر حيث حملتموه على غير محمله، حسبما يقتضيه صنيعكم من إدخالكم حلق الذكر وما عليه المتصوفة تحت حيز المنكر الذي يجب تغييره، وفي ظني أن المنكر الذي أولى بالتغيير هو ما اعتقدتموه وأبديتموه في مرآتكم.
ثم أقول أن الخطاب في قوله تعالى {كنتم خير أمة} إما أن يكون راجعاً لعامة المؤمنين، وإما أن يكون راجعاً لخاصتهم، فإذا كان عائداً على عامتهم فيكون فيه دلالة على تخصيصهم بين الأمم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها وظيفة الصديقين والأنبياء والمرسلين، ويكون أمرهم ونهيهم عائدين على من سواهم من الأمم، ويكون المنكر عبارة عن شرك وما في معناه، والمعروف عبارة عن التوحيد وما والاه، وإذا كان الخطاب عائداً على خاصتهم فيكون الأمر والنهي فيما بينهم، ويكون المنكر عبارة عن كل خُلُق مذموم، وعكسه المعروف.
ثم إننا إذا حملنا الضمير على المعنى الآخر لا يتعين صرفه عن الوجه المطابق لما في نفس الأمر إلا لهداة الخلق الداعين للحق بالحق، الذين قال فيهم عليه الصلاة والسلام (لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرّحمن، فيهم تُسقَون وبهم تُرزقون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه الآخر ) وهكذا ما من نبي إلا وعلى قلبه طبقة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهاته الكتائب التي لا يخلو منها عصر ولا يُفقَدُ منها مِصر هي الّتي يتعلّق بها الخطاب على الوجه الأحق، لأنهم أُهّلوا لذلك وفطروا في الأزل على ما هنالك، فصفة الأمر
بالمعرف والنهي عن المنكر موجودة فيهم بالطبع لا بالتطبع، وقد توجد في غيرهم إلا أنها عَرَضٌ تغيرها العوارض، وفي ظني أن الطبقة المشار إليها لا توجد غالباً إلا في حيز الذاكرين المستهترين بذكر الله حسبما جاء في الحديث الآتي ذكره، ولا يوجد المستهتر بذكر الله أو المولع بذكر الله ـ على ما في بعض الروايات ـ أو المشتهر بذكر الله ـ على ما في أخرى ـ إلا في حيز المتصوفة التي قلت أنت بتبديعهم، وأما من سواهم فلا يبلغ في ذكر الله مبلغهم كائناً من كان، إلاّ إذا كان محباً لهم أو من أسلافهم أو من أهل سلسلتهم وهذا بقطع النّظر عن القرون الثلاثة المشهود لهم.
ولكن هذا يتضح عند من يعرف معنى التصوّف، ومن هم المتصوفة، وأما من يعتقد أنهم عبارة عن اجتماع غوغاء من أرذال النّاس فلا يهتدي لما ذكرناه، لأنه يقيس ما عرفه منهم على مالا يعرفه بجامع وهو الاسم، فيظن أن مسماهما واحد، فشتان بين ما عرفته وبين ما لم تعرفه، فو الله يا أخي لوا أطلعك الله على معنى التصوّف وما هي مباديه وغايته لاكتفيت من الله بالتطفل على أهله .
الجذع الرابع:
وأما ما استدليتم به من قوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } فأقول:إنكم أخذتم الشّق الآخر من الآية وأهملتم ما اشتمل عليه الشق الأول منها، مع أنه عمدة فيما بعده وهو يتعين من ولاية المؤمنين لبعضهم بعضا، وما يترتب على ذلك من حرمة أموالهم وأعراضهم ودمائهم فيما بينهم، وقبل هذا ينبغي أن نعرف معنى الإيمان الذي يوجب لنا الأخوة والولاية والتعاضد فيما بيننا،
فأقول: إنه سهل والله أعلم حسبما قرّره لنا الشّارع، وذلك أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فمن تحققت فيه هذه الخصلة وجبت موالاته وحرمت عداوته، وهي موجودة ـ والله أعلم ـ في سائر أفراد الأمة، وأن مع تعدد مذاهبهم واختلاف طرائقهم في الفرعيات فذلك غير مضر مهما سلمت الأصول، وعلى هذا ينبغي لمن أهّله الله للكلام أن لا يبسط لسانه إلا بما يقضي بالمحافظة على الروابط الإسلامية والأخوة الدّينية، ولا يجرح عقائد أهل القبلة، ولا يقبح معتقداتهم ولا يحكم ببطالتهم، لئلا يكون ذلك ذريعة للانشقاق والتنافر فيما بين المسلمين وعدم الوفاق، ألم يبلغك يا شيخ ما وصلت إليه الأمة فيما سبق من الارتباك؟ فكلّ ذلك سببه إغالة المتعصبين من أتباع المذاهب، فكلّ يشوه غيره ويحكم عليه بما أعتقده، والحالة أن الجميع مؤمن، إلا أنه بلغ التّعصب المذهبي بهم إلى انحلال رابطة الأخوة الدّينية المتحدة في الشهادتين، وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان وقراءة القرآن وغير ذلك ممّا هو من أهم الخصال الإسلامية.
والاشتغال بما سلف لا طائل تحته من الخير، فبالله عليك يا شيخ كيف قمت تسعى في تحريك الفتن الخامدة؟ فعمدت إلى هدم أعظم ركن في الإسلام، وأعظم قاعدة اعتمد عليها المسلمون وتربت قلوبهم عليها ـ أي على محبة أهل نسبة الله ـ فهم الآن يعتبرونهم ويعظمونهم بالجبليّة محسنين الظن في التصوف وأهله فقلت أنت: أن مذهب التصوف بطالة وجهالة وضلالة إلى آخر ما حملت عليه، فكسرت والله قلوباً يتعذر عليك جبرها إلا بتوبة نصوحا واعتذار لأربابها ، وكان من حقك أن لا تقدم على تنقيص المذهب حتى تعلم من هو واضعه ، وما هي مبادئه العشرة التي اشترطتم معرفتها في كل فن،ثم قل ما بدا لك أن تقول، وظني فيكم أن بضاعتكم في العلم قليلة، أو قريحتكم في الفهم كليلة، أو هما معا، وإن كان كذلك فمن المعلوم لا تجد ما يرشدكم لفن التصوف فيما بين أيديكم من المتون نحو الزنجاني وابن أجروم وعلى فرض ما ذكرناه من اقتصاركم على ما اختصر من المتون، لا يفوتكم المرشد المعين في العبادات والجوهر المكنون في البلاغة وهما ممن اعتنى بفن التصوف، الأول ذكره بالاستقلال، والثّاني نوّه به على سبيل الاستطراد تنبيهاً منه للطلبة ـ جزاه الله خيراً ـ ولست أدري هل رفضتها برفضك مذهب التصوف من أصله؟ أم جعلتهما في حيز الإهمال؟ وعلى كل حال فإنك غاليت في الجحود وإلاّ فشهرة مذهب أهل التّصوف تغني عن إقامة الشّهود، وعلى كل حال فإني أوصيك إن طالت بك الحياة، وأردت أن تجمع شيئاً من المسائل العلمية أو من النصائح الدّينية، فلا تأتي إلاّ بداعي الاتحاد بين أفراد الأمة المحمديّة، أي بما يؤكد بينهم الروابط الدّينية والأخوة الإسلامية، قاطع النّظر عمّا تشعب من الفروع {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ }فبالله عليك إلاّ ما أمعنت النّظر فيمن نزلت، ولأي سبب أنزلت، فيا ما أحسنه من تأليف، ولكن أين الثّرى من الثّريا؟
ولعلك تقول: نزلت في أهل الكتاب كما هو صريح الآية فأقول: وعلى الأقل من حقّك أن تنزّل الصّوفية منزّلة أهل الكتاب، لا تصدقهم ولا تكذبهم، وهذا أقل درجات الإنصاف، ولكن أين المنصفون ؟
وأما استدلالكم بما قاله الغزالي رضي الله عنه، فالاستدلال بكلامه غير لائق على ما تقتضيه قواعدكم، لأنه صوفي وأنت لا تقول بمذهب التصوف، وأما استدلالكم بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مؤمناً بالقرآن إلى آخـره ) وهل تظن أنه عليه الصّلاة والسّلام يريد بنفي الإيمان مطلقاً؟ كلا وإلا لهلكت الأمة، وإنما يريد به نفي الإيمان الكامل التي هي درجة الصّديقية، كما يشهد لذلك عدّة أحاديث منها (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه )
وأما الإيمان العمومي فقد تقدّم ذكره من أنّه سهولة محض، وحديث السّوداء المشهور ممّا يزُيده سهولة، ثبت أنّ بعض الصّحابة رضوان الله عليهم أعتق رقبه مؤمنة، فجاء بجارية سوداء إلى النبي ليمتحن إيمانها فقال لها عليه الصلاة والسلام: من ربّك ؟ فأشارت في السّماء فقال:مؤمنة فاعتقها والذي يشهد لهذا من أنّه فرض كفاية، ولكنّك بنيت بما قدّمته من الأحاديث التي تفيد الإطلاق، إذا كان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرض كفاية، وإن كان كذلك فما وجه تعيينه عليك دون من سواك؟
وأنا أقول لكم: ليس الشأن في جميع النصوص إن رمت الكتابة، إنما الشأن أن تضع النصوص مواضعها، وهي من أنواع الحكمة التي قال فيها تعالى:{ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً }.
وأما استدلالكم بقوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) الخ الحديث يجري فيه من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما تقدم، وأما ما يتعلق بما ذكرته من الحديث فأقول: يدخل في قوله: (من لم يرحم صغيرنا) عوام الأمة لأنهم صغار وإن كانوا كباراً في السن، ويدخل في الكبار خواصها وإن كانوا صغاراً في السن، لأن الإنسان يعتبر بنفسه لا ببدنه، وعلى هذا يكون لكم مساساً من الحديث أنكم ما ترحمتم بالصغار الذين هم عوام المسلمين، بأن خاطبتموهم باللين والملاطفة، وترحمتم عليهم ترحم الأب الكبير على الابن الصغير، بل خاطبتموهم بعنف وحملتم عليهم بكل ما عندكم، وما وقرتم الكبار أيضاً الذين هم ينابيع الحكمة ودعائم دين هذه الأمة، وقلتم ببطالتهم وجهالتهم واتخذتموهم أعداء بما نقلتموه من حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تقربوا إلى الله ببغض أهل المعاصي) الخ فطبقته عليهم فيا لله العجب! كيف تسنى لك أن تطلق هذه النقول على من اجتمع على ذكر الله وما في معناه؟!
وبالجملة أن جميع ما استطردتموه من الدلائل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا نزاع فيه، إنما النزاع في معنى المنكر ما هو؟
حتى لا ننكر حقاً أو ما هو بالحق أشبه منه بالباطل، ولئن تخطئ في تصويبات ما عليه إخوانك في الدين خير لك من أن تصيب في تخطيئاتهم،
ألم تعلم أن أعراض المسلمين معصومة كأموالهم ودمائهم بمجرد النطق بالشهادتين ؟ ثم أنكم استطردتم قول ابن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه في رسالته وهو قوله (ومن الفرائض؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من بسطت يده في الأرض وعلى كل من تصل يده إلى ذلك فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فبقلبه) فأقول: هذا معنى حديث، ولعله لم يصلكم ونصه: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) وهذا من حسن أسلوب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
الجذع الخامس:
وأما نقلكم عن ابن عرفة من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ليس فيه شيء مما يزيد في عزيمتك لجمع هذه الرسالة، فيا ليتك اقتصرت على ما ذكرته من الأحاديث السالفة من جميع ما تقدم؛ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين على كل من تميز لديه المنكر من المعروف، والحلال بيِّن والحرام بينِّ، وعند الشبهة يتعين الوقوف، غير أن كيفية التغيير تختلف باختلاف الأشخاص والأماكن قدرة وعجزا، فمن كانت له القدرة على تغيير المنكر كولاة الأمور فهو واجب عليه بالفعل، ولا مندوحة له في تركه مع القدرة كما تقدم، ومن لم يصل لهذه الرتبة من علماء المسلمين، ففرضه أن يغيره بلسانه، ومن لم يستطع لعارض فليغيره بقلبه، وذلك أضعف الإيمان كما تقدم في الحديث.
الجذع السادس:
وبعد ذلك استطردتم جملة ركيكة الألفاظ قلتم فيها: " فمن الواجب أيضاً اتباع الحق والسنة المحمدية، واقتفاء آثار السلف الصالح رضي الله عنهم، فإن من عادتهم أن من اتبع السنة أحبوه واعتقدوه وعظموه، ومن كان على غير ذلك تركوه وأهملوه ومقتوه، حتى كان من يريد الرفعة عندهم من الذين لا خير فيهم يظهر لهم الاتباع حتى يعتقدوه على ذلك" .
أما قولكم: "فمن الواجب أيضا اتباع الحق" أقول: إنه من أوجب الواجبات، لكن عند من عرف الحق واتضح لديه، أما من كان في لبس، يتخبطه الشيطان من المس، فمن أين له أن يعرف الحق؟ وحتى إذا عرفه يعرفه بالرجال، وهذا لا يتمكن له اتباع الحق إلا إذا فتح الله بصيرته، وطهر سريرته من سوء الظن بالصالحين ، قال الإمام علي كرم الله وجهه: ( لا تكن ممن يعرف الحق بالرجال ولكن اعرف الحق تعرف أهله )ثم أنكم ذكرتم من أوصاف السلف الصالح؛ أنهم يحبون من يتبع السنة، وأي مؤمن يؤمن بالله ورسوله لا يحب أهل السنة؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( ألا لا إيمان لمن لا محبة له ) ألم تعلم أن الصوفية التي قلت ببطالتهم وجهالتهم وضلالتهم، جعلوا المحبة أساساً لطريقتهم؟ ولكن لعلك تعني بأهل السنة من كان على شاكلتكم لا عموم المسلمين والله أعلم
الجذع السابع:
ثم إنكم ذكرتم من أعمال السلف؛ أن من كان على غير السنة تركوه وأهملوه ومقتوه إلى آخر كلام واهي التركيب، وإلى الآن لم يظهر ما أردتم بمن هو مخالف للسنة، لولا أنك أتيت بأبلغ تشبيه فيمن تقع عليه النصوص السابقة واللاحقة فقلتم: "كمتصوفة أهل زماننا" .
وإني أقول: "الآن استهل الجنين من بطن الشيخ صارخا " فعلمنا حينئذ ما هو المنكر الذي نوهت بـه، وما هو السبب الذي وضعت الرسالة من أجله، فكانت عندك نسبة القوم من أعظم المناكر وما ذكرته بعدها ونبهت عليه من الموبقات إنما هو على سبيل الاستطراد، لأن الأهم له الصدارة في كل شيء، إلا أن يقال: قدّم صاحب الرسالة ذكر المتصوفة لأجل التبرك بهم وما أظن.
وحاصل الأمر؛ أن ما أشرت إليه من المناكر، ونوهت به من البدع حصره التشبيه في قولك: كمتصوفة أهل زماننا، فلم يبق حينئذ منكر خارج على ما عليه المتصوفة حتى نتوقاه، وكل هذا لم يستفزنا حيث قيدت المتصوفة بأهل زماننا لو لم تستطرد ما ذكره الطرطوشي؛ من أن مذهب التصوف عموماً بطالة وجهالة وضلالة، ويا ليتها لم تبلغك مقالة الطرطوشي لتبقى نقي الفؤاد من الطعن فيمن مضى من أهل الإرشاد، والله يحكم بينك وبين من عاصرك من العباد.
الجذع الثامن:
ثم إنك قلت:"إن الغالب من حال أهل هذه الزمان الذين انغمسوا في خابية أهل البدع، النفورمن الذي ينهاهم عن بدعهم وعوائدهم الذميمة التي لم تصادف قولاً بالجوازولو خارج مذاهب الأئمة المقتدى بهم".
قلت: لعل المراد من قولكم: "الذين انغمسوا في خابية أهل البدع هم طوائف الفقراء" وإن كان كذلك فما أجسرك من فقيه! وما أحسنك من نبيه! فقد يظن المتهور أن من الشجاعة قلة الحياء، ولم يعلم أن الحياء من الإيمان، والذي أدهى وأمر من هذا هو؛ قولك في بدعتهم: إنك لم تصادف لها قولاً بالجواز ولو خارج المذاهب المقتدى بهم، فقد فحصت وأوجزت بارك الله فيك ، فقل لي بالله عليك: ما هو أسلوب التذكير فانقاد لهم بسبب ذلك الكبير والصغير، والجليل والحقير، كلامهم مقبول في الأسماع، لأن وعظهم بارز من القلوب لا من الكتب، والكلام إذا برز من القلب وقع فيه، فلهذا أثرت في القلوب موعظتُهم، وسرت في المريدين إشارتهم، وقد فهموا من الآية الكريمة أن الناس جاءت على أزواج ثلاث؛ والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (أنزلوا الناس منازلهم ).
فالقسم الأول من الأقسام لا ينقاد للمذكر إلا بالحكمة، وهم الخاصة من عباد الله، والقسم الثاني: تفيده الموعظة الحسنة الواقعة بين ترغيب وترهيب برفق وملاطفة، القسم الثالث: أهل المجادلة، وهو الذي أتعب المرشدين رسولاً وولياً فأباح الله تعالى للرسول فتح باب المجادلة معه، إلا أنه قيدها بالتي هي أحسن، وهكذا الأحسن فالأحسن، ولهذا كان السيف هو آخر درجات التبليغ، ومن تخلف عن هذه الخطة المشروعة للتذكير ففي الغالب يكون أمره مردوداً عليه، وكل ذلك يستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام(من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ) أي برفق ولين ليكون أدعى للقلوب والله أعلم.
الجذع التاسع:
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin