( 825 ) المجوسي يعبد النار ولكنها مع ذلك تحرقه لو أنه اقترب منها .
“ 498 “
وشبيه بهذا ما قاله سعدي في الگلستان ( الباب الأول ، القصة 16 ) :اگر صد صد گبر آتش فروزد * چو يك دم اندر آن افتاد بسوزدومعناه : “ لو أن المجوسي يشعل النار مائة عام ، فإنها - رغم ذلك - تحرقه لو وقع فيها لحظة واحدة “ .
( 834 ) النار التي تبعث الغم في النفس ، وتحرقها هي نار الحقد والشهوات والأهواء الدنيوية .
( 835 ) النار التي تبعث السرور في النفس هي نار المحبة ، وهي عند الصوفية مصدر السعادة ، فكلما ازدادت حدَّتها زاد اقترابهم من هدفهم المنشود .
( 838 ) سبق الشاعر أن تحدّث عن إدراك الجماد ( انظر البيتين رقم 512 ، 513 ) .
وقد ذكر الشاعر قصصاً يدلل بها على أن الإدراك ليس مقصوراً على الإنسان منها قصة الريح التي أهلكت الكفار من قوم عاد ، على حين أنها لم تؤذ من آمن منهم .
( البيتان 854 ، 855 ) ، وكذلك قصة الجذع الحنان ) الأبيات 2113 - 2120 ( .
( 840 - 848 )يتحدّث الشاعر في هذه الأبيات عن الأسباب المباشرة وهل هي محدثةُ الأفعال أم أنّ وراء تلك الأسباب الظاهرة الخالق مسبب الأسباب . ويرى الشاعر أنّ الخالق هو مسبب جميع الأسباب .
وقول الشاعر هذا يتصل بمبحث كلامي ظهر عند المعتزلة واختلفوا حوله ، ويتعلق هذا المبحث بالسبب المباشر والسبب غير المباشر . وقد قادهم إلى ذلك بحثهم في أفعال العباد ومسؤولتيهم عن تلك الأفعال . فالمعتزلة بوجه عام قد آمنوا بخلق الإنسان لأفعاله ، وعلى هذا آمنوا بمسؤوليته الكاملة عن كل ما يفعل ، ولكنهم اختلفوا حول صلة الإنسان بالأحداث التي تتولد عن أفعاله.
فإذا رمى عليّ زيداً بسهم فقتله ، فالعمل الذي قام به عليّ هو الرمي . ولكن من الذي أحدث القتل الذي قضى على زيد ، هل هو رامي السهم أو اللَّه ؟ وقد ذهب بشر بن المعتمر ( توفي 210 ه )
“ 499 “
إلى أن ما تولد من أفعال الإنسان يعتبر من خلفه ، على حين ذهب أبو الهذيل العلاف ( 135 - 135235 - 135235 - 235 هـ ) إلى التمييز بين الأفعال المولدة ، فما كان الإنسان عالماً بكيفيته فهو من فعله ، وما لم يكن عالماً بكيفيته فليس من فعله . فالألم الحادث عن الضرب من فعله لأنه يعلم كيفية وقوعه .
أما الإحساس بالحلاوة الناشئة عن أكل السكر مثلًا فمن فعل اللَّه ، لأن الإنسان لا يدري كيفية إحداث هذا الإحساس .
أما النظّام ( توفي 221 هـ ) فكان يرى أن الإنسان لا يفعل سوى الحركة . أما ما يتولد عن الحركة فليس من فعله ، بل هو من فعل اللَّه .
وهناك آراء عديدة أخرى في هذا الموضوع يمكن الرجوع إليها في كتب الفرق ، ومن أهمها مقالات الإسلاميين للأشعري .
ويذكر جلال الدين في هذه الأبيات الأسباب الروحية ، وفي رأيه أنّ هذه الأسباب كامنة وراء الأسباب الظاهرة ، التي يألفها عامة البشر .
( 849 ) يحذّر الشاعر هنا من اعتبار الفلك علة لأحداث هذه الدنيا .
فالعلة الحقيقية هي مدير الفلك . فمن الملحوظ أن الشاعر - شأنه شأن علماء عصره - لا ينفي صلة الفلك والكواكب بالأحداث ، ولكنه يقول إن هذا الدوران - وهو السبب المباشر - يخفي وراءه السبب الحقيقي وهو الخالق ، مدير الأفلاك ، ومسبب الأسباب .
( 850 ) المرخ خشب سريع الاحتراق .
( 854 - 855 ) قصة هود مع قوم عاد ذكرت في القرآن الكريم ( 11 : 61 ) . يقول الثعلبي في قصص الأنبياء ( ص 64 ) .” سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماًأي دائمة متتابعة ، فلم تدع أحداً من عاد إلا أهلكته .
وكان هود ومن معه قد اعتزالوا في حظيرة ، ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم ، وتلذ به الأنفس ، وإنها من عاد لطعن، فتحملهم ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا “ .
( 856 )شيبان الراعي ، أبو محمد الدمشقي ، كان صديقاً لسفيان
“ 500 “
الثوري . وكان هذا الرجل من الزهاد العباد ، وقد ترك الدنيا وعكف على رعي الأغنام في جبل لبنان ولهذا لقب بالراعي . وقد ذكره القشيري في رسالته ( ص 181 ) بقوله : هذا أحمد بن حنبل كان عند الشافعي رضي اللَّه عنما ، فجاء شيبان الراعي ، فقال أحمد : “ أريد يا أبا عبد اللَّه أن أنبِّه هذا على نقصان علمه ليشتغل بتحصيل بعض العلوم “ .
فقال الشافعي : “ لا تفعل “ . فلم يقتنع . فقال لشيبان : “ ما تقول فمين نسي صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يدري أي صلاه نسيها : ما الواجب عليه يا شبيان ؟ “ فقال شيبان : “ يا أحمد ! هذا قلب غفل عن اللَّه تعالى ، فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل عن مولاه بعد . فغشي على أحمد ، فلما أفاق قال له الشافعي : “ ألم أقل لك لا تحرك هذا ؟ “ وشيبان الراعي كان أمياً منهم . فإذا كان الأمي منهم هكذا فماالظن بأئمتهم ؟ “ .
( 860 ) عندما ينزل الموت بالعارفين ، لا تجزع نفوسهم لذلك ، بل يُلاقون الموت بقلوب راضية ، مطمئنة إلى مصيرها بعد الموت ، ولهذا يكون الموت بالنسبة إليهم أمراً يسيراً يرحبون بملاقاته .
( 863 ) قصة موسى مع فرعون ، وكيف فلق موسى البحر حتى عبر هو وقومه ، فلماتبعهم فرعون وأتباعه غشيهمم البحر وأغرقهم ، من القصص والمعروفة . وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله :” وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ “. ( 2 : 50 ) .
( 864 ) قصة قارون أيضاً من قصص القرآن الكريم . وقد رُويت في سورة القصص ، قال تعالى :” إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ “. ( 28 : 76 )
وقد ذكر القرآن زهوه بماله حتى تمنى الجلاء منهم لو أن لهم مثل ما أوتي . وتكبر بماله وتجبر فحاق به عقاب اللَّه . قال تعالى :
“ 501 “
“ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ “.
انظر سورة القصص ، 28 : 76 - 81 ) .
وقد ذكر الثعلبي في قصص الأنبياء تفصيلات متعددة لقصة قارون مع موسى وقومه ( ص 232 - 236 ) .
ومن بين ما ذكره أنَّ قارون حاول أن يكيد لموسى ، لأن موسى فرض عليه الزكاة على أمواله ، فلما وجد أن الزكاة المفروضة تبلغ قدراً كبيراً من المال دبر لموسى كيداً فضحه اللَّه . ودعا عليه موسى فابتلعته الأرض .
( 866 ) الإنسان - وهو الذي فطر جسمه من الماء والطين - يسبّح الخالقه . فهذا التسبيح المتصاعد من بني البشر هو بخار الماء والطين .
ولكن هذا البخار يصير طيوراً في الجنة ، ذلك لأن قلب المؤمن الصدوق قد نفخ فيه أنفاسه .
( 867 ) نور موسى هنا هو نور اللَّه الذي أشرق على موسى في سيناء .
وقد دك الجبل حينما تجلى هذا النور . وهذا الدك هو الذي عبرّ عنه الشاعر بالرقص ، فالجبل حينما شهد تلك الأنوار تعشقها كأنه صوفي .
( 879 ) الماء المحتبس في الحوض كالروح في الجسد . تخلّصه الريح من هذا الحبس لأن الماء من العناصر الأولية .
وكذلك الروح ، تتصاعد من الجسد ، لأنها غريبة عنه غربة الماء عن الوعاء الذي يحتويه . وكأنما الريح هنا ترمز إلى التسبيح والدعاء الذي يتصاعد من قلب المؤمن .
وقد ترمز إلى انقضاء العمر .
( 882 ) في هذا البيت اقتباس من قوله تعالى :” مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ “. ( 35 : 10 ) .
( 899 ) قصة كليلة ودمنة التي اقتبسها الشاعر هنا هي قصة “ الأرنب التي صرعت الأسد “ ، وهي قصة صغيرة خلاصتها أن أسداً كان يعيش بالقرب من أحد المروج ذات الماء والعشب الكثير ، وأن ذلك المرج كان
“ 502 “
مرتعاً لكثير من وحوش البرية ، تعيش فيه مستمتعة بمائه وعشبه .
ولكن الأسد كان يفسد عليها عيشها بمهاجمتها لاقتباص غذائه . وقد رأت هذه الوحوش أن تخلص من شرّ الأسد بأن تقدم له كل يوم فريسة يأكلها على أن يكف الأسد عن مهاجمتها .
وكانت الفريسة التي تُرسل إلى الأسد تختار بطريق الاقتراع . وذات يوم أصابت القرعة أرنباً ليذهب إلى فتأخر عن الموعد الذي اعتاد الأسد أن يتلقى فيه فريسة ، ثم ذهب إلى الأسد . إلى الأسد ، بعد ذلك ، وأخبره بأنه تأخر ، لأن أسداً آخر اعترض طريقه ، وأخذ منه غذاء الملك ، وكان أرنباً آخر سميناً أرسله إليه الوحوش .
ودعا الأسد إلى أن يطهّر الطريق من ذلك الأسد الدخيل حتى يصله طعامه دون تأخر . فطلب الأسد من الأرنب أن يدله على مكان ذلك العدو . فأخذه الأرنب إلى بئر تطلع فيها ، فرأى خياله ، فظنه عدوه ، فوثب إليه ليقاتله ، فغرق في البئر وخلصت الوحوش من شره . ( كليلة ودمنه ، ص 116 ، 117 . المطبعة الأميرية القاهرة ، 1931 ) .
وقد اتخذ الشاعر من هذه القصة - التي استغرقت رواية وقائعها خمسين بيتاً - هيكلًا صاغ حوله الكثير من آرائه وأفكاره . فتناول موضوعات كالجبر والاختيار ، والاجتهاد والتوكل ، وعالم الروح ، وعالم الظاهر ، وطبيعة الشر وغير ذلك . واستغرقت القصة بكل ما أداره حولها من حوار فلسفي خمس مائة من الأبيات .
.
شرح حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى بسبب تعصبه
( 746 ) البشر تجري في عروقهم دماء الصلاح والاستقامة أو دماء الفساد ، حتى ينفخ في الصور .
( 748 ) كل ضراعة يتوجه بها الصالحون إلى ربهم ليست إلا أشعة من شمس النبوة بمعنى أنها انعكاس لسيرة الرسول وتعاليمه التي أشعلت في في قلوبهم محبة الخالق .
( 749 ) هؤلاء الصالحون دائرون في فلك الحقيقة المحمدية . فهم كالأشعة التي تدور مع الجوهر ، وتتجه إلى حيث يكون .
[ شرح من بيت 750 إلى 900 ]
( 750 ) وكما أنّ الشمس تنتقل من برج إلى ، برج ، فيتبعها النور وينتقل في أثرها ، كذلك النور المحمدي ، يشرق على البشر في مختلف البقاع .
( 751 - 759 ) في هذه الأبيات يذكر الشاعر بعض الكواكب وما كان يتصل بها من أفكار عن أحكام النجوم ، وتحكم كل كوكب فيمن يرتبط طالعهم به .
ولكنه ينتقل من ذلك إلى الحديث عن آفاق الروح ، التي تشرق بها كواكب قد خلت من النحس ، كواكب راسخة في وهج أنوار اللَّه ، تكون طوالع سعد لمن بلغوا تلك الآفاق الروحية ، ونقمة على أعدائهم .
( 759 ) النور الغالب هو نور قلب المحب الواصل . وهذا النور
“ 493 “
يكون آمناً من النقص ، فالظلمة لا تستطيع النفوذ إلى قلب أصبح بين إصبعي الحق .
( 760 ) يُنسب إلى الرسول عليه السلام أنه قال : “ إن اللَّه خلق الخلق في ظملة ثم رش عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضلّ عن سواء السبيل “ .
( 762 ) كل من كتب له أن يكون محروماً من نعمة المحبة الإلهية فقد حُرم من ذلك النور الذي نثره اللَّه على العباد .
( 763 ) إنّ العشق هو المحرّك للأجزاء ، يدفعها إلى كلها الذي صدرت عنه ، كما أن العشق هو الذي يحرك البلابل فيجعلها تبثّ الورود أشواقها .
( 764 - 765 ) هذان البيتان من أروع ما كتب جلال الدين . فهو يذهب إلى تقدير الناس - لا بحسب ألوانهم الظاهرة - وإنما وفق قيمتهم الحقيقية ، فاللون الحقيقي هو لون الباطن ، لون القلب والضمير ، لا لون الجلد . واللون الجميل هو لون الصفاء والصدق والاستقامة وأما اللون القبيح فهو لون الشرور والآثام .
( 766 ) اللون اللطيف هو لون قلوب المؤمنين والعارفين . فهو صبغة اللَّه التي صبغ بها هذه القلوب .
أما اللون الكثيف المظلم الذي اصطبغت به قلوب الكفار والجاحدين فتفوح منه لعنة اللَّه .
( 767 - 768 ) إنّ الأرواح في الأصل فاضت عن الواحد . وهي لا بد عائدة إليه ، منطلقة نحوه ، يدفعها إلى الحب والحنين .
وشبيه بذلك تلك الأمواج التي تصدر عن البحر ثم تعود إليه في نهاية الأمر .
( 769 - 770 ) إن الملك اليهودي المذكور بهذه القصة ، تطابق أوصافه وأفعاله يوسف ذا نواس ملك حمير الذي أحرق النصارى بنجران في أخذود أشعل به النار ، فسمّوا أصحاب الأخدود .
ولكن من المشا كل التي تحتاج هنا إلى تفسير أنّ الشاعر وصف الملك بأنه يهودي ،
“ 494 “
ولكنه عاد فنسب إليه أنّه نصب إلى جانب النار صنماً ، وأمر الناس بالسجود له . وليس من اليهودية في شيء عبادة الأصنام . فهل كان هذا الملك الحميري غير متعمق في دينه ، فأبقى على بعض مظاهر الوثنية ؟
ومن الممكن أيضاً أنْ يكون الصنم المقصود هنا رمزاً للهوى الذي سيطر على الملك ، فحاول أن يخضع الناس له . وهذا المعنى الرمزي يتضح في البيت التالي
( 771 ) وفيه يقول : “ إنّ الملك - لما لم يوقع بصنم النفس ما هو أهل له من الهلاك - تولّد من صنم نفسه صنم آخر “ . وقبل ذلك قال القشيري : “ وصنم كل إنسان نفسه فمن خالف هواه فهو فتى على الحقيقة “ . ( الرسالة ، ص 103 ) .
( 772 ) النفس هي أم الشرور والآثام . هي التي تصنع للإنسان الأصنام وتدفعه إلى تقديسها . ومن الأصنام ما هو ماديّ ، ومنها ما هو معنوي . وكلها لا خطر لها لولا تعلّق النفس بها .
( 773 - 774 ) في هذين البيتين صورة جميلة تبين انبثاق الشرور من النفس .
فقد شبّهها الشاعر بالحجر والحديد اللذين تتولد النار من احتكاكهما .
فالشرر المنبثق يمكن اطفاؤه بالماء . ولكن هل يستطيع إنسان أنْ يطفئ النار الكامنة في كل من الحجر والحديد ؟
( 775 ) الصنم قدر محدود من الشر يمكن القضاء عليه ، أما النفس فنبع يفيض بالشرور ، فهي التي صنعت الصنم وما شاكله .
( 778 ) يصل الشاعر هنا إلى النتيجة التي قدّم لها في أبياته السابقة على هذا البيت ، وهي أنّ الصنم يمكن التخلص منه . ولكنّ الصعوبة هي في السيطرة على النفس وإخضاعها . ( انظر ما كتبه الجيلي عن النفس في كتاب الإنسان الكامل ص 39 ) ، وقد قدم لحديثه عنها بقوله : “ إنّها محتد إبليس ومن تبعه من الشياطين من أهل التلبيس “ .
( 779 - 780 ) ينتقل الشاعر هنا إلى الحديث عن أثر النفس بعد أنْ تكلم عن طبيعتها . إنّها مهلكة كجهنم ذات الأبواب السبعة . ولها في
“ 495 “
كل لحظة مكر يهلك مائة فرعون مع أتباعهم . وفي هذا إشارة إلى قصة فرعون مع موسى ، ومحاولته القضاء على موسى ، وهلاكه هو وأتباعه من جراء تلك المحاولة التي دفعته إليها نفسه المتكبرة ، العنيدة الكافرة .
( 785 - 793 ) جاء في قصة أصحاب الأخدود ما يلي ، “ وكانت امرأة قد أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاثة أحدهم رضيع ، فقال لها الملك أترجعين عن دينك ، وإلا ألقيتك أنت وأولادك في النار ، فأبت ، فأخذ ابنها الأكبر فألقي في النار ، ثم أخذ الأوسط ، وقال لها ارجعي عن دينك ، فأبت ، فألقي أيضاً في النار ، ثم أخذ الرضيع وقال لها ارجعي فأبت ، فأمر بالقائه في النار ، فهمت المرأة بالرجوع . فقال لها الصبيّ الصغير : يا أماه ! لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحقّ ، ولا بأس عليك ، فألقي الصبيّ في النار وأمه على أثره “ . ( قصص الأنبياء للثعلبي ص 496 ) .
والقصة كما رواها جلال الدين تختلف عن ذلك .
فحوادث القصة عند جلال الدين تقتصر على إلقاء الصبيّ في النار . ولكنّ الشاعر أجرى على لسان الصبيّ
- بعد أن أُلقي في النار
- مجموعة من الأبيات الرائعة ، حافلة بالصور والعاطفة الجيّاشة المعبرة عن روعة الفداء ، وجمال التضحية في سبيل العقيدة والمبدأ .
وقد اتخذ الشاعر من الاحتراق بالنار هنا رمزاً لإفناء الذات . فهذا قد يبدو صعباً عسير المنال ، مخوفاً ، ولكنّه في نظر الصوفية سعادة لا تعدلها أيّة سعادة دينوية . فكما أنّ الرحم يكون عالم الجنين قبل أن يولد في هذه الدنيا الواسعة ، فكذلك هذه الدنيا - إذا قيست بعالم الروح الذي ينتقل إليه الأصفياء بعد المات - بعد سجناً ضيّقاً ، شبيهاً بالرحم إذا قيس بهذه الدنيا الواسعة
“ 496 “
( 794 ) الفناء عن الذات وروابهطا المادية كشف له عالماً رحباً فسيحاً حافلا بالحياة .
( 795 ) هذا العالم الذي تكشّف له - بإفناء الذات - يبدو لأهل الدنيا عدماً ، مع أنّه هو الوجود الحقيقي .
وعلى العكس من ذلك تخدع الدنيا من يتمسكون بها فيحسبون أنّها هي الوجود الحقّ ، وليست من ذلك في شيء . إنّها مظهر خادع لا دوام له لأنّ مآلها إلى الفناء
( 800 ) إنّ اللَّه قد أعدّ السعادة والنعيم لمن خلصوا من وجودهم الدنيوي وأقبلوا إلى الخالق بقلوب صادقة ، ونفوس راضية مطمئنة ، وأرواح متعشّقة لجماله .
( 812 ) يقول البلاذري : “ وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد اللَّه عن الزهري ، وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده ، وفي أحد الحديثين زيادة على الآخر ، فسقتهما ،
ورددت بعضهما على بعض : إن الحكم بن أبي العاص بن أمية عم عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، كان جاراً لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية ، وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة ، وكان مغموصاً عليه في دينه فكان يمر خلف رسول اللَّه فيغمز به ويحكيه ، ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلى قام خلفه وأشار بأصابعه فبقي على تخليجه وأصابته خبلة “ . ( أنساب الأشراف ، ح 5 ، ص 27 ، 125 ، القدس ، 1936 “ .
وقد بقي منفياً من المدينة طيلة حكم أبي بكر وعمر ، ثم عاد إليها في خلافة عثمان .
وقد هجا عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري مروان بن الحكم بقوله :إن اللعين أباك فارم عظامه * إن ترم ترم مخلّجا مجنوناً
“ 497 “
( 817 - 822 ) عقد القشيري بابا للحزن في رسالته . وقد أورد فيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الحزن . وبيّن أنّ الصوفية يعدون الحزن لوناً من الخشوع والإيمان . ومما ذكره القشيري من أقوال الصوفية أن رابعة العدوية سمعت رجلًا يقول : « واحزناه » ، فقالت : « قل واقلة حزناه ! لو كنت محزوناً لم يتهياً لك أن تتنفس ! » وقال سفيان بن عيينة : « لو أن محزوناً بكى في أمة لرحم اللَّه تعالى تلك الأمة ببكائه » .
والحزن عند الصوفية من أهم الرياضات التي يجب أخذُ النفس بها .
يقول الترمذي .
وفي الجملة ينبغي أن يتفقد ( الإنسان ) كل حال وكل أمر للنفس فيه فرح واستبشار ، من نعمة أو وجود لذة أو أنس بشيء ، فيقطعه عنها ، وأنه كلها هويت النفس شيئاً أعطاها فرحت به ، فينبغي أن يمنعها ولو شربة من ماء بارد تريد أن تشربها . فيمنعها من تلك الفورة التي تشوفت لوجود بردها ولذتها ، حتى تكسن تلك الفورة ، وينغِّص عليها ، ثم يسقيها بعد ذلك حتى يملأها غماً ويوقرها هماً ، لأن من شأنها إذا حبس عنها الفرح بهذه الأشياء وبهذه الأحوال ، فكأنه يصيرها في سجن ، فيتقرب إلى اللَّه عز وجل بغمها وهمها ، فيجعل اللَّه عز وجل ثوابه نوراً على القلب . . » ( الرياضة وأدب النفس ، ص 62 ) .
وقد غلبت طبيعة الحزن على كثير من الفنانين . ومن أحزان هؤلاء شهد العالم كثيراً من روائع الفن العالمي .
وقد أبدع أوسكار وايلد التعبير عن ذلك في كتابه « من الأعماق » deprofundis ومن أقواله في ذلك :
" فحيثما يكون الحزن فهناك حرم مقدّس . وسوف يعلم الناس ذات يوم مدلول هذا القول . ولن يحيطوا علماً بشيء في الحياة مالم يعرفوا ذلك " ..
....................................................................
( 825 ) المجوسي يعبد النار ولكنها مع ذلك تحرقه لو أنه اقترب منها .
“ 498 “
وشبيه بهذا ما قاله سعدي في الگلستان ( الباب الأول ، القصة 16 ) :اگر صد صد گبر آتش فروزد * چو يك دم اندر آن افتاد بسوزدومعناه : “ لو أن المجوسي يشعل النار مائة عام ، فإنها - رغم ذلك - تحرقه لو وقع فيها لحظة واحدة “ .
( 834 ) النار التي تبعث الغم في النفس ، وتحرقها هي نار الحقد والشهوات والأهواء الدنيوية .
( 835 ) النار التي تبعث السرور في النفس هي نار المحبة ، وهي عند الصوفية مصدر السعادة ، فكلما ازدادت حدَّتها زاد اقترابهم من هدفهم المنشود .
( 838 ) سبق الشاعر أن تحدّث عن إدراك الجماد ( انظر البيتين رقم 512 ، 513 ) .
وقد ذكر الشاعر قصصاً يدلل بها على أن الإدراك ليس مقصوراً على الإنسان منها قصة الريح التي أهلكت الكفار من قوم عاد ، على حين أنها لم تؤذ من آمن منهم .
( البيتان 854 ، 855 ) ، وكذلك قصة الجذع الحنان ) الأبيات 2113 - 2120 ( .
( 840 - 848 )يتحدّث الشاعر في هذه الأبيات عن الأسباب المباشرة وهل هي محدثةُ الأفعال أم أنّ وراء تلك الأسباب الظاهرة الخالق مسبب الأسباب . ويرى الشاعر أنّ الخالق هو مسبب جميع الأسباب .
وقول الشاعر هذا يتصل بمبحث كلامي ظهر عند المعتزلة واختلفوا حوله ، ويتعلق هذا المبحث بالسبب المباشر والسبب غير المباشر . وقد قادهم إلى ذلك بحثهم في أفعال العباد ومسؤولتيهم عن تلك الأفعال . فالمعتزلة بوجه عام قد آمنوا بخلق الإنسان لأفعاله ، وعلى هذا آمنوا بمسؤوليته الكاملة عن كل ما يفعل ، ولكنهم اختلفوا حول صلة الإنسان بالأحداث التي تتولد عن أفعاله.
فإذا رمى عليّ زيداً بسهم فقتله ، فالعمل الذي قام به عليّ هو الرمي . ولكن من الذي أحدث القتل الذي قضى على زيد ، هل هو رامي السهم أو اللَّه ؟ وقد ذهب بشر بن المعتمر ( توفي 210 ه )
“ 499 “
إلى أن ما تولد من أفعال الإنسان يعتبر من خلفه ، على حين ذهب أبو الهذيل العلاف ( 135 - 135235 - 135235 - 235 هـ ) إلى التمييز بين الأفعال المولدة ، فما كان الإنسان عالماً بكيفيته فهو من فعله ، وما لم يكن عالماً بكيفيته فليس من فعله . فالألم الحادث عن الضرب من فعله لأنه يعلم كيفية وقوعه .
أما الإحساس بالحلاوة الناشئة عن أكل السكر مثلًا فمن فعل اللَّه ، لأن الإنسان لا يدري كيفية إحداث هذا الإحساس .
أما النظّام ( توفي 221 هـ ) فكان يرى أن الإنسان لا يفعل سوى الحركة . أما ما يتولد عن الحركة فليس من فعله ، بل هو من فعل اللَّه .
وهناك آراء عديدة أخرى في هذا الموضوع يمكن الرجوع إليها في كتب الفرق ، ومن أهمها مقالات الإسلاميين للأشعري .
ويذكر جلال الدين في هذه الأبيات الأسباب الروحية ، وفي رأيه أنّ هذه الأسباب كامنة وراء الأسباب الظاهرة ، التي يألفها عامة البشر .
( 849 ) يحذّر الشاعر هنا من اعتبار الفلك علة لأحداث هذه الدنيا .
فالعلة الحقيقية هي مدير الفلك . فمن الملحوظ أن الشاعر - شأنه شأن علماء عصره - لا ينفي صلة الفلك والكواكب بالأحداث ، ولكنه يقول إن هذا الدوران - وهو السبب المباشر - يخفي وراءه السبب الحقيقي وهو الخالق ، مدير الأفلاك ، ومسبب الأسباب .
( 850 ) المرخ خشب سريع الاحتراق .
( 854 - 855 ) قصة هود مع قوم عاد ذكرت في القرآن الكريم ( 11 : 61 ) . يقول الثعلبي في قصص الأنبياء ( ص 64 ) .” سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماًأي دائمة متتابعة ، فلم تدع أحداً من عاد إلا أهلكته .
وكان هود ومن معه قد اعتزالوا في حظيرة ، ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم ، وتلذ به الأنفس ، وإنها من عاد لطعن، فتحملهم ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا “ .
( 856 )شيبان الراعي ، أبو محمد الدمشقي ، كان صديقاً لسفيان
“ 500 “
الثوري . وكان هذا الرجل من الزهاد العباد ، وقد ترك الدنيا وعكف على رعي الأغنام في جبل لبنان ولهذا لقب بالراعي . وقد ذكره القشيري في رسالته ( ص 181 ) بقوله : هذا أحمد بن حنبل كان عند الشافعي رضي اللَّه عنما ، فجاء شيبان الراعي ، فقال أحمد : “ أريد يا أبا عبد اللَّه أن أنبِّه هذا على نقصان علمه ليشتغل بتحصيل بعض العلوم “ .
فقال الشافعي : “ لا تفعل “ . فلم يقتنع . فقال لشيبان : “ ما تقول فمين نسي صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يدري أي صلاه نسيها : ما الواجب عليه يا شبيان ؟ “ فقال شيبان : “ يا أحمد ! هذا قلب غفل عن اللَّه تعالى ، فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل عن مولاه بعد . فغشي على أحمد ، فلما أفاق قال له الشافعي : “ ألم أقل لك لا تحرك هذا ؟ “ وشيبان الراعي كان أمياً منهم . فإذا كان الأمي منهم هكذا فماالظن بأئمتهم ؟ “ .
( 860 ) عندما ينزل الموت بالعارفين ، لا تجزع نفوسهم لذلك ، بل يُلاقون الموت بقلوب راضية ، مطمئنة إلى مصيرها بعد الموت ، ولهذا يكون الموت بالنسبة إليهم أمراً يسيراً يرحبون بملاقاته .
( 863 ) قصة موسى مع فرعون ، وكيف فلق موسى البحر حتى عبر هو وقومه ، فلماتبعهم فرعون وأتباعه غشيهمم البحر وأغرقهم ، من القصص والمعروفة . وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله :” وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ “. ( 2 : 50 ) .
( 864 ) قصة قارون أيضاً من قصص القرآن الكريم . وقد رُويت في سورة القصص ، قال تعالى :” إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ “. ( 28 : 76 )
وقد ذكر القرآن زهوه بماله حتى تمنى الجلاء منهم لو أن لهم مثل ما أوتي . وتكبر بماله وتجبر فحاق به عقاب اللَّه . قال تعالى :
“ 501 “
“ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ “.
انظر سورة القصص ، 28 : 76 - 81 ) .
وقد ذكر الثعلبي في قصص الأنبياء تفصيلات متعددة لقصة قارون مع موسى وقومه ( ص 232 - 236 ) .
ومن بين ما ذكره أنَّ قارون حاول أن يكيد لموسى ، لأن موسى فرض عليه الزكاة على أمواله ، فلما وجد أن الزكاة المفروضة تبلغ قدراً كبيراً من المال دبر لموسى كيداً فضحه اللَّه . ودعا عليه موسى فابتلعته الأرض .
( 866 ) الإنسان - وهو الذي فطر جسمه من الماء والطين - يسبّح الخالقه . فهذا التسبيح المتصاعد من بني البشر هو بخار الماء والطين .
ولكن هذا البخار يصير طيوراً في الجنة ، ذلك لأن قلب المؤمن الصدوق قد نفخ فيه أنفاسه .
( 867 ) نور موسى هنا هو نور اللَّه الذي أشرق على موسى في سيناء .
وقد دك الجبل حينما تجلى هذا النور . وهذا الدك هو الذي عبرّ عنه الشاعر بالرقص ، فالجبل حينما شهد تلك الأنوار تعشقها كأنه صوفي .
( 879 ) الماء المحتبس في الحوض كالروح في الجسد . تخلّصه الريح من هذا الحبس لأن الماء من العناصر الأولية .
وكذلك الروح ، تتصاعد من الجسد ، لأنها غريبة عنه غربة الماء عن الوعاء الذي يحتويه . وكأنما الريح هنا ترمز إلى التسبيح والدعاء الذي يتصاعد من قلب المؤمن .
وقد ترمز إلى انقضاء العمر .
( 882 ) في هذا البيت اقتباس من قوله تعالى :” مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ “. ( 35 : 10 ) .
( 899 ) قصة كليلة ودمنة التي اقتبسها الشاعر هنا هي قصة “ الأرنب التي صرعت الأسد “ ، وهي قصة صغيرة خلاصتها أن أسداً كان يعيش بالقرب من أحد المروج ذات الماء والعشب الكثير ، وأن ذلك المرج كان
“ 502 “
مرتعاً لكثير من وحوش البرية ، تعيش فيه مستمتعة بمائه وعشبه .
ولكن الأسد كان يفسد عليها عيشها بمهاجمتها لاقتباص غذائه . وقد رأت هذه الوحوش أن تخلص من شرّ الأسد بأن تقدم له كل يوم فريسة يأكلها على أن يكف الأسد عن مهاجمتها .
وكانت الفريسة التي تُرسل إلى الأسد تختار بطريق الاقتراع . وذات يوم أصابت القرعة أرنباً ليذهب إلى فتأخر عن الموعد الذي اعتاد الأسد أن يتلقى فيه فريسة ، ثم ذهب إلى الأسد . إلى الأسد ، بعد ذلك ، وأخبره بأنه تأخر ، لأن أسداً آخر اعترض طريقه ، وأخذ منه غذاء الملك ، وكان أرنباً آخر سميناً أرسله إليه الوحوش .
ودعا الأسد إلى أن يطهّر الطريق من ذلك الأسد الدخيل حتى يصله طعامه دون تأخر . فطلب الأسد من الأرنب أن يدله على مكان ذلك العدو . فأخذه الأرنب إلى بئر تطلع فيها ، فرأى خياله ، فظنه عدوه ، فوثب إليه ليقاتله ، فغرق في البئر وخلصت الوحوش من شره . ( كليلة ودمنه ، ص 116 ، 117 . المطبعة الأميرية القاهرة ، 1931 ) .
وقد اتخذ الشاعر من هذه القصة - التي استغرقت رواية وقائعها خمسين بيتاً - هيكلًا صاغ حوله الكثير من آرائه وأفكاره . فتناول موضوعات كالجبر والاختيار ، والاجتهاد والتوكل ، وعالم الروح ، وعالم الظاهر ، وطبيعة الشر وغير ذلك . واستغرقت القصة بكل ما أداره حولها من حوار فلسفي خمس مائة من الأبيات .
“ 498 “
وشبيه بهذا ما قاله سعدي في الگلستان ( الباب الأول ، القصة 16 ) :اگر صد صد گبر آتش فروزد * چو يك دم اندر آن افتاد بسوزدومعناه : “ لو أن المجوسي يشعل النار مائة عام ، فإنها - رغم ذلك - تحرقه لو وقع فيها لحظة واحدة “ .
( 834 ) النار التي تبعث الغم في النفس ، وتحرقها هي نار الحقد والشهوات والأهواء الدنيوية .
( 835 ) النار التي تبعث السرور في النفس هي نار المحبة ، وهي عند الصوفية مصدر السعادة ، فكلما ازدادت حدَّتها زاد اقترابهم من هدفهم المنشود .
( 838 ) سبق الشاعر أن تحدّث عن إدراك الجماد ( انظر البيتين رقم 512 ، 513 ) .
وقد ذكر الشاعر قصصاً يدلل بها على أن الإدراك ليس مقصوراً على الإنسان منها قصة الريح التي أهلكت الكفار من قوم عاد ، على حين أنها لم تؤذ من آمن منهم .
( البيتان 854 ، 855 ) ، وكذلك قصة الجذع الحنان ) الأبيات 2113 - 2120 ( .
( 840 - 848 )يتحدّث الشاعر في هذه الأبيات عن الأسباب المباشرة وهل هي محدثةُ الأفعال أم أنّ وراء تلك الأسباب الظاهرة الخالق مسبب الأسباب . ويرى الشاعر أنّ الخالق هو مسبب جميع الأسباب .
وقول الشاعر هذا يتصل بمبحث كلامي ظهر عند المعتزلة واختلفوا حوله ، ويتعلق هذا المبحث بالسبب المباشر والسبب غير المباشر . وقد قادهم إلى ذلك بحثهم في أفعال العباد ومسؤولتيهم عن تلك الأفعال . فالمعتزلة بوجه عام قد آمنوا بخلق الإنسان لأفعاله ، وعلى هذا آمنوا بمسؤوليته الكاملة عن كل ما يفعل ، ولكنهم اختلفوا حول صلة الإنسان بالأحداث التي تتولد عن أفعاله.
فإذا رمى عليّ زيداً بسهم فقتله ، فالعمل الذي قام به عليّ هو الرمي . ولكن من الذي أحدث القتل الذي قضى على زيد ، هل هو رامي السهم أو اللَّه ؟ وقد ذهب بشر بن المعتمر ( توفي 210 ه )
“ 499 “
إلى أن ما تولد من أفعال الإنسان يعتبر من خلفه ، على حين ذهب أبو الهذيل العلاف ( 135 - 135235 - 135235 - 235 هـ ) إلى التمييز بين الأفعال المولدة ، فما كان الإنسان عالماً بكيفيته فهو من فعله ، وما لم يكن عالماً بكيفيته فليس من فعله . فالألم الحادث عن الضرب من فعله لأنه يعلم كيفية وقوعه .
أما الإحساس بالحلاوة الناشئة عن أكل السكر مثلًا فمن فعل اللَّه ، لأن الإنسان لا يدري كيفية إحداث هذا الإحساس .
أما النظّام ( توفي 221 هـ ) فكان يرى أن الإنسان لا يفعل سوى الحركة . أما ما يتولد عن الحركة فليس من فعله ، بل هو من فعل اللَّه .
وهناك آراء عديدة أخرى في هذا الموضوع يمكن الرجوع إليها في كتب الفرق ، ومن أهمها مقالات الإسلاميين للأشعري .
ويذكر جلال الدين في هذه الأبيات الأسباب الروحية ، وفي رأيه أنّ هذه الأسباب كامنة وراء الأسباب الظاهرة ، التي يألفها عامة البشر .
( 849 ) يحذّر الشاعر هنا من اعتبار الفلك علة لأحداث هذه الدنيا .
فالعلة الحقيقية هي مدير الفلك . فمن الملحوظ أن الشاعر - شأنه شأن علماء عصره - لا ينفي صلة الفلك والكواكب بالأحداث ، ولكنه يقول إن هذا الدوران - وهو السبب المباشر - يخفي وراءه السبب الحقيقي وهو الخالق ، مدير الأفلاك ، ومسبب الأسباب .
( 850 ) المرخ خشب سريع الاحتراق .
( 854 - 855 ) قصة هود مع قوم عاد ذكرت في القرآن الكريم ( 11 : 61 ) . يقول الثعلبي في قصص الأنبياء ( ص 64 ) .” سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماًأي دائمة متتابعة ، فلم تدع أحداً من عاد إلا أهلكته .
وكان هود ومن معه قد اعتزالوا في حظيرة ، ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم ، وتلذ به الأنفس ، وإنها من عاد لطعن، فتحملهم ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا “ .
( 856 )شيبان الراعي ، أبو محمد الدمشقي ، كان صديقاً لسفيان
“ 500 “
الثوري . وكان هذا الرجل من الزهاد العباد ، وقد ترك الدنيا وعكف على رعي الأغنام في جبل لبنان ولهذا لقب بالراعي . وقد ذكره القشيري في رسالته ( ص 181 ) بقوله : هذا أحمد بن حنبل كان عند الشافعي رضي اللَّه عنما ، فجاء شيبان الراعي ، فقال أحمد : “ أريد يا أبا عبد اللَّه أن أنبِّه هذا على نقصان علمه ليشتغل بتحصيل بعض العلوم “ .
فقال الشافعي : “ لا تفعل “ . فلم يقتنع . فقال لشيبان : “ ما تقول فمين نسي صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يدري أي صلاه نسيها : ما الواجب عليه يا شبيان ؟ “ فقال شيبان : “ يا أحمد ! هذا قلب غفل عن اللَّه تعالى ، فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل عن مولاه بعد . فغشي على أحمد ، فلما أفاق قال له الشافعي : “ ألم أقل لك لا تحرك هذا ؟ “ وشيبان الراعي كان أمياً منهم . فإذا كان الأمي منهم هكذا فماالظن بأئمتهم ؟ “ .
( 860 ) عندما ينزل الموت بالعارفين ، لا تجزع نفوسهم لذلك ، بل يُلاقون الموت بقلوب راضية ، مطمئنة إلى مصيرها بعد الموت ، ولهذا يكون الموت بالنسبة إليهم أمراً يسيراً يرحبون بملاقاته .
( 863 ) قصة موسى مع فرعون ، وكيف فلق موسى البحر حتى عبر هو وقومه ، فلماتبعهم فرعون وأتباعه غشيهمم البحر وأغرقهم ، من القصص والمعروفة . وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله :” وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ “. ( 2 : 50 ) .
( 864 ) قصة قارون أيضاً من قصص القرآن الكريم . وقد رُويت في سورة القصص ، قال تعالى :” إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ “. ( 28 : 76 )
وقد ذكر القرآن زهوه بماله حتى تمنى الجلاء منهم لو أن لهم مثل ما أوتي . وتكبر بماله وتجبر فحاق به عقاب اللَّه . قال تعالى :
“ 501 “
“ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ “.
انظر سورة القصص ، 28 : 76 - 81 ) .
وقد ذكر الثعلبي في قصص الأنبياء تفصيلات متعددة لقصة قارون مع موسى وقومه ( ص 232 - 236 ) .
ومن بين ما ذكره أنَّ قارون حاول أن يكيد لموسى ، لأن موسى فرض عليه الزكاة على أمواله ، فلما وجد أن الزكاة المفروضة تبلغ قدراً كبيراً من المال دبر لموسى كيداً فضحه اللَّه . ودعا عليه موسى فابتلعته الأرض .
( 866 ) الإنسان - وهو الذي فطر جسمه من الماء والطين - يسبّح الخالقه . فهذا التسبيح المتصاعد من بني البشر هو بخار الماء والطين .
ولكن هذا البخار يصير طيوراً في الجنة ، ذلك لأن قلب المؤمن الصدوق قد نفخ فيه أنفاسه .
( 867 ) نور موسى هنا هو نور اللَّه الذي أشرق على موسى في سيناء .
وقد دك الجبل حينما تجلى هذا النور . وهذا الدك هو الذي عبرّ عنه الشاعر بالرقص ، فالجبل حينما شهد تلك الأنوار تعشقها كأنه صوفي .
( 879 ) الماء المحتبس في الحوض كالروح في الجسد . تخلّصه الريح من هذا الحبس لأن الماء من العناصر الأولية .
وكذلك الروح ، تتصاعد من الجسد ، لأنها غريبة عنه غربة الماء عن الوعاء الذي يحتويه . وكأنما الريح هنا ترمز إلى التسبيح والدعاء الذي يتصاعد من قلب المؤمن .
وقد ترمز إلى انقضاء العمر .
( 882 ) في هذا البيت اقتباس من قوله تعالى :” مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ “. ( 35 : 10 ) .
( 899 ) قصة كليلة ودمنة التي اقتبسها الشاعر هنا هي قصة “ الأرنب التي صرعت الأسد “ ، وهي قصة صغيرة خلاصتها أن أسداً كان يعيش بالقرب من أحد المروج ذات الماء والعشب الكثير ، وأن ذلك المرج كان
“ 502 “
مرتعاً لكثير من وحوش البرية ، تعيش فيه مستمتعة بمائه وعشبه .
ولكن الأسد كان يفسد عليها عيشها بمهاجمتها لاقتباص غذائه . وقد رأت هذه الوحوش أن تخلص من شرّ الأسد بأن تقدم له كل يوم فريسة يأكلها على أن يكف الأسد عن مهاجمتها .
وكانت الفريسة التي تُرسل إلى الأسد تختار بطريق الاقتراع . وذات يوم أصابت القرعة أرنباً ليذهب إلى فتأخر عن الموعد الذي اعتاد الأسد أن يتلقى فيه فريسة ، ثم ذهب إلى الأسد . إلى الأسد ، بعد ذلك ، وأخبره بأنه تأخر ، لأن أسداً آخر اعترض طريقه ، وأخذ منه غذاء الملك ، وكان أرنباً آخر سميناً أرسله إليه الوحوش .
ودعا الأسد إلى أن يطهّر الطريق من ذلك الأسد الدخيل حتى يصله طعامه دون تأخر . فطلب الأسد من الأرنب أن يدله على مكان ذلك العدو . فأخذه الأرنب إلى بئر تطلع فيها ، فرأى خياله ، فظنه عدوه ، فوثب إليه ليقاتله ، فغرق في البئر وخلصت الوحوش من شره . ( كليلة ودمنه ، ص 116 ، 117 . المطبعة الأميرية القاهرة ، 1931 ) .
وقد اتخذ الشاعر من هذه القصة - التي استغرقت رواية وقائعها خمسين بيتاً - هيكلًا صاغ حوله الكثير من آرائه وأفكاره . فتناول موضوعات كالجبر والاختيار ، والاجتهاد والتوكل ، وعالم الروح ، وعالم الظاهر ، وطبيعة الشر وغير ذلك . واستغرقت القصة بكل ما أداره حولها من حوار فلسفي خمس مائة من الأبيات .
.
شرح حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى بسبب تعصبه
( 746 ) البشر تجري في عروقهم دماء الصلاح والاستقامة أو دماء الفساد ، حتى ينفخ في الصور .
( 748 ) كل ضراعة يتوجه بها الصالحون إلى ربهم ليست إلا أشعة من شمس النبوة بمعنى أنها انعكاس لسيرة الرسول وتعاليمه التي أشعلت في في قلوبهم محبة الخالق .
( 749 ) هؤلاء الصالحون دائرون في فلك الحقيقة المحمدية . فهم كالأشعة التي تدور مع الجوهر ، وتتجه إلى حيث يكون .
[ شرح من بيت 750 إلى 900 ]
( 750 ) وكما أنّ الشمس تنتقل من برج إلى ، برج ، فيتبعها النور وينتقل في أثرها ، كذلك النور المحمدي ، يشرق على البشر في مختلف البقاع .
( 751 - 759 ) في هذه الأبيات يذكر الشاعر بعض الكواكب وما كان يتصل بها من أفكار عن أحكام النجوم ، وتحكم كل كوكب فيمن يرتبط طالعهم به .
ولكنه ينتقل من ذلك إلى الحديث عن آفاق الروح ، التي تشرق بها كواكب قد خلت من النحس ، كواكب راسخة في وهج أنوار اللَّه ، تكون طوالع سعد لمن بلغوا تلك الآفاق الروحية ، ونقمة على أعدائهم .
( 759 ) النور الغالب هو نور قلب المحب الواصل . وهذا النور
“ 493 “
يكون آمناً من النقص ، فالظلمة لا تستطيع النفوذ إلى قلب أصبح بين إصبعي الحق .
( 760 ) يُنسب إلى الرسول عليه السلام أنه قال : “ إن اللَّه خلق الخلق في ظملة ثم رش عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضلّ عن سواء السبيل “ .
( 762 ) كل من كتب له أن يكون محروماً من نعمة المحبة الإلهية فقد حُرم من ذلك النور الذي نثره اللَّه على العباد .
( 763 ) إنّ العشق هو المحرّك للأجزاء ، يدفعها إلى كلها الذي صدرت عنه ، كما أن العشق هو الذي يحرك البلابل فيجعلها تبثّ الورود أشواقها .
( 764 - 765 ) هذان البيتان من أروع ما كتب جلال الدين . فهو يذهب إلى تقدير الناس - لا بحسب ألوانهم الظاهرة - وإنما وفق قيمتهم الحقيقية ، فاللون الحقيقي هو لون الباطن ، لون القلب والضمير ، لا لون الجلد . واللون الجميل هو لون الصفاء والصدق والاستقامة وأما اللون القبيح فهو لون الشرور والآثام .
( 766 ) اللون اللطيف هو لون قلوب المؤمنين والعارفين . فهو صبغة اللَّه التي صبغ بها هذه القلوب .
أما اللون الكثيف المظلم الذي اصطبغت به قلوب الكفار والجاحدين فتفوح منه لعنة اللَّه .
( 767 - 768 ) إنّ الأرواح في الأصل فاضت عن الواحد . وهي لا بد عائدة إليه ، منطلقة نحوه ، يدفعها إلى الحب والحنين .
وشبيه بذلك تلك الأمواج التي تصدر عن البحر ثم تعود إليه في نهاية الأمر .
( 769 - 770 ) إن الملك اليهودي المذكور بهذه القصة ، تطابق أوصافه وأفعاله يوسف ذا نواس ملك حمير الذي أحرق النصارى بنجران في أخذود أشعل به النار ، فسمّوا أصحاب الأخدود .
ولكن من المشا كل التي تحتاج هنا إلى تفسير أنّ الشاعر وصف الملك بأنه يهودي ،
“ 494 “
ولكنه عاد فنسب إليه أنّه نصب إلى جانب النار صنماً ، وأمر الناس بالسجود له . وليس من اليهودية في شيء عبادة الأصنام . فهل كان هذا الملك الحميري غير متعمق في دينه ، فأبقى على بعض مظاهر الوثنية ؟
ومن الممكن أيضاً أنْ يكون الصنم المقصود هنا رمزاً للهوى الذي سيطر على الملك ، فحاول أن يخضع الناس له . وهذا المعنى الرمزي يتضح في البيت التالي
( 771 ) وفيه يقول : “ إنّ الملك - لما لم يوقع بصنم النفس ما هو أهل له من الهلاك - تولّد من صنم نفسه صنم آخر “ . وقبل ذلك قال القشيري : “ وصنم كل إنسان نفسه فمن خالف هواه فهو فتى على الحقيقة “ . ( الرسالة ، ص 103 ) .
( 772 ) النفس هي أم الشرور والآثام . هي التي تصنع للإنسان الأصنام وتدفعه إلى تقديسها . ومن الأصنام ما هو ماديّ ، ومنها ما هو معنوي . وكلها لا خطر لها لولا تعلّق النفس بها .
( 773 - 774 ) في هذين البيتين صورة جميلة تبين انبثاق الشرور من النفس .
فقد شبّهها الشاعر بالحجر والحديد اللذين تتولد النار من احتكاكهما .
فالشرر المنبثق يمكن اطفاؤه بالماء . ولكن هل يستطيع إنسان أنْ يطفئ النار الكامنة في كل من الحجر والحديد ؟
( 775 ) الصنم قدر محدود من الشر يمكن القضاء عليه ، أما النفس فنبع يفيض بالشرور ، فهي التي صنعت الصنم وما شاكله .
( 778 ) يصل الشاعر هنا إلى النتيجة التي قدّم لها في أبياته السابقة على هذا البيت ، وهي أنّ الصنم يمكن التخلص منه . ولكنّ الصعوبة هي في السيطرة على النفس وإخضاعها . ( انظر ما كتبه الجيلي عن النفس في كتاب الإنسان الكامل ص 39 ) ، وقد قدم لحديثه عنها بقوله : “ إنّها محتد إبليس ومن تبعه من الشياطين من أهل التلبيس “ .
( 779 - 780 ) ينتقل الشاعر هنا إلى الحديث عن أثر النفس بعد أنْ تكلم عن طبيعتها . إنّها مهلكة كجهنم ذات الأبواب السبعة . ولها في
“ 495 “
كل لحظة مكر يهلك مائة فرعون مع أتباعهم . وفي هذا إشارة إلى قصة فرعون مع موسى ، ومحاولته القضاء على موسى ، وهلاكه هو وأتباعه من جراء تلك المحاولة التي دفعته إليها نفسه المتكبرة ، العنيدة الكافرة .
( 785 - 793 ) جاء في قصة أصحاب الأخدود ما يلي ، “ وكانت امرأة قد أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاثة أحدهم رضيع ، فقال لها الملك أترجعين عن دينك ، وإلا ألقيتك أنت وأولادك في النار ، فأبت ، فأخذ ابنها الأكبر فألقي في النار ، ثم أخذ الأوسط ، وقال لها ارجعي عن دينك ، فأبت ، فألقي أيضاً في النار ، ثم أخذ الرضيع وقال لها ارجعي فأبت ، فأمر بالقائه في النار ، فهمت المرأة بالرجوع . فقال لها الصبيّ الصغير : يا أماه ! لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحقّ ، ولا بأس عليك ، فألقي الصبيّ في النار وأمه على أثره “ . ( قصص الأنبياء للثعلبي ص 496 ) .
والقصة كما رواها جلال الدين تختلف عن ذلك .
فحوادث القصة عند جلال الدين تقتصر على إلقاء الصبيّ في النار . ولكنّ الشاعر أجرى على لسان الصبيّ
- بعد أن أُلقي في النار
- مجموعة من الأبيات الرائعة ، حافلة بالصور والعاطفة الجيّاشة المعبرة عن روعة الفداء ، وجمال التضحية في سبيل العقيدة والمبدأ .
وقد اتخذ الشاعر من الاحتراق بالنار هنا رمزاً لإفناء الذات . فهذا قد يبدو صعباً عسير المنال ، مخوفاً ، ولكنّه في نظر الصوفية سعادة لا تعدلها أيّة سعادة دينوية . فكما أنّ الرحم يكون عالم الجنين قبل أن يولد في هذه الدنيا الواسعة ، فكذلك هذه الدنيا - إذا قيست بعالم الروح الذي ينتقل إليه الأصفياء بعد المات - بعد سجناً ضيّقاً ، شبيهاً بالرحم إذا قيس بهذه الدنيا الواسعة
“ 496 “
( 794 ) الفناء عن الذات وروابهطا المادية كشف له عالماً رحباً فسيحاً حافلا بالحياة .
( 795 ) هذا العالم الذي تكشّف له - بإفناء الذات - يبدو لأهل الدنيا عدماً ، مع أنّه هو الوجود الحقيقي .
وعلى العكس من ذلك تخدع الدنيا من يتمسكون بها فيحسبون أنّها هي الوجود الحقّ ، وليست من ذلك في شيء . إنّها مظهر خادع لا دوام له لأنّ مآلها إلى الفناء
( 800 ) إنّ اللَّه قد أعدّ السعادة والنعيم لمن خلصوا من وجودهم الدنيوي وأقبلوا إلى الخالق بقلوب صادقة ، ونفوس راضية مطمئنة ، وأرواح متعشّقة لجماله .
( 812 ) يقول البلاذري : “ وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد اللَّه عن الزهري ، وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده ، وفي أحد الحديثين زيادة على الآخر ، فسقتهما ،
ورددت بعضهما على بعض : إن الحكم بن أبي العاص بن أمية عم عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، كان جاراً لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية ، وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة ، وكان مغموصاً عليه في دينه فكان يمر خلف رسول اللَّه فيغمز به ويحكيه ، ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلى قام خلفه وأشار بأصابعه فبقي على تخليجه وأصابته خبلة “ . ( أنساب الأشراف ، ح 5 ، ص 27 ، 125 ، القدس ، 1936 “ .
وقد بقي منفياً من المدينة طيلة حكم أبي بكر وعمر ، ثم عاد إليها في خلافة عثمان .
وقد هجا عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري مروان بن الحكم بقوله :إن اللعين أباك فارم عظامه * إن ترم ترم مخلّجا مجنوناً
“ 497 “
( 817 - 822 ) عقد القشيري بابا للحزن في رسالته . وقد أورد فيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الحزن . وبيّن أنّ الصوفية يعدون الحزن لوناً من الخشوع والإيمان . ومما ذكره القشيري من أقوال الصوفية أن رابعة العدوية سمعت رجلًا يقول : « واحزناه » ، فقالت : « قل واقلة حزناه ! لو كنت محزوناً لم يتهياً لك أن تتنفس ! » وقال سفيان بن عيينة : « لو أن محزوناً بكى في أمة لرحم اللَّه تعالى تلك الأمة ببكائه » .
والحزن عند الصوفية من أهم الرياضات التي يجب أخذُ النفس بها .
يقول الترمذي .
وفي الجملة ينبغي أن يتفقد ( الإنسان ) كل حال وكل أمر للنفس فيه فرح واستبشار ، من نعمة أو وجود لذة أو أنس بشيء ، فيقطعه عنها ، وأنه كلها هويت النفس شيئاً أعطاها فرحت به ، فينبغي أن يمنعها ولو شربة من ماء بارد تريد أن تشربها . فيمنعها من تلك الفورة التي تشوفت لوجود بردها ولذتها ، حتى تكسن تلك الفورة ، وينغِّص عليها ، ثم يسقيها بعد ذلك حتى يملأها غماً ويوقرها هماً ، لأن من شأنها إذا حبس عنها الفرح بهذه الأشياء وبهذه الأحوال ، فكأنه يصيرها في سجن ، فيتقرب إلى اللَّه عز وجل بغمها وهمها ، فيجعل اللَّه عز وجل ثوابه نوراً على القلب . . » ( الرياضة وأدب النفس ، ص 62 ) .
وقد غلبت طبيعة الحزن على كثير من الفنانين . ومن أحزان هؤلاء شهد العالم كثيراً من روائع الفن العالمي .
وقد أبدع أوسكار وايلد التعبير عن ذلك في كتابه « من الأعماق » deprofundis ومن أقواله في ذلك :
" فحيثما يكون الحزن فهناك حرم مقدّس . وسوف يعلم الناس ذات يوم مدلول هذا القول . ولن يحيطوا علماً بشيء في الحياة مالم يعرفوا ذلك " ..
....................................................................
( 825 ) المجوسي يعبد النار ولكنها مع ذلك تحرقه لو أنه اقترب منها .
“ 498 “
وشبيه بهذا ما قاله سعدي في الگلستان ( الباب الأول ، القصة 16 ) :اگر صد صد گبر آتش فروزد * چو يك دم اندر آن افتاد بسوزدومعناه : “ لو أن المجوسي يشعل النار مائة عام ، فإنها - رغم ذلك - تحرقه لو وقع فيها لحظة واحدة “ .
( 834 ) النار التي تبعث الغم في النفس ، وتحرقها هي نار الحقد والشهوات والأهواء الدنيوية .
( 835 ) النار التي تبعث السرور في النفس هي نار المحبة ، وهي عند الصوفية مصدر السعادة ، فكلما ازدادت حدَّتها زاد اقترابهم من هدفهم المنشود .
( 838 ) سبق الشاعر أن تحدّث عن إدراك الجماد ( انظر البيتين رقم 512 ، 513 ) .
وقد ذكر الشاعر قصصاً يدلل بها على أن الإدراك ليس مقصوراً على الإنسان منها قصة الريح التي أهلكت الكفار من قوم عاد ، على حين أنها لم تؤذ من آمن منهم .
( البيتان 854 ، 855 ) ، وكذلك قصة الجذع الحنان ) الأبيات 2113 - 2120 ( .
( 840 - 848 )يتحدّث الشاعر في هذه الأبيات عن الأسباب المباشرة وهل هي محدثةُ الأفعال أم أنّ وراء تلك الأسباب الظاهرة الخالق مسبب الأسباب . ويرى الشاعر أنّ الخالق هو مسبب جميع الأسباب .
وقول الشاعر هذا يتصل بمبحث كلامي ظهر عند المعتزلة واختلفوا حوله ، ويتعلق هذا المبحث بالسبب المباشر والسبب غير المباشر . وقد قادهم إلى ذلك بحثهم في أفعال العباد ومسؤولتيهم عن تلك الأفعال . فالمعتزلة بوجه عام قد آمنوا بخلق الإنسان لأفعاله ، وعلى هذا آمنوا بمسؤوليته الكاملة عن كل ما يفعل ، ولكنهم اختلفوا حول صلة الإنسان بالأحداث التي تتولد عن أفعاله.
فإذا رمى عليّ زيداً بسهم فقتله ، فالعمل الذي قام به عليّ هو الرمي . ولكن من الذي أحدث القتل الذي قضى على زيد ، هل هو رامي السهم أو اللَّه ؟ وقد ذهب بشر بن المعتمر ( توفي 210 ه )
“ 499 “
إلى أن ما تولد من أفعال الإنسان يعتبر من خلفه ، على حين ذهب أبو الهذيل العلاف ( 135 - 135235 - 135235 - 235 هـ ) إلى التمييز بين الأفعال المولدة ، فما كان الإنسان عالماً بكيفيته فهو من فعله ، وما لم يكن عالماً بكيفيته فليس من فعله . فالألم الحادث عن الضرب من فعله لأنه يعلم كيفية وقوعه .
أما الإحساس بالحلاوة الناشئة عن أكل السكر مثلًا فمن فعل اللَّه ، لأن الإنسان لا يدري كيفية إحداث هذا الإحساس .
أما النظّام ( توفي 221 هـ ) فكان يرى أن الإنسان لا يفعل سوى الحركة . أما ما يتولد عن الحركة فليس من فعله ، بل هو من فعل اللَّه .
وهناك آراء عديدة أخرى في هذا الموضوع يمكن الرجوع إليها في كتب الفرق ، ومن أهمها مقالات الإسلاميين للأشعري .
ويذكر جلال الدين في هذه الأبيات الأسباب الروحية ، وفي رأيه أنّ هذه الأسباب كامنة وراء الأسباب الظاهرة ، التي يألفها عامة البشر .
( 849 ) يحذّر الشاعر هنا من اعتبار الفلك علة لأحداث هذه الدنيا .
فالعلة الحقيقية هي مدير الفلك . فمن الملحوظ أن الشاعر - شأنه شأن علماء عصره - لا ينفي صلة الفلك والكواكب بالأحداث ، ولكنه يقول إن هذا الدوران - وهو السبب المباشر - يخفي وراءه السبب الحقيقي وهو الخالق ، مدير الأفلاك ، ومسبب الأسباب .
( 850 ) المرخ خشب سريع الاحتراق .
( 854 - 855 ) قصة هود مع قوم عاد ذكرت في القرآن الكريم ( 11 : 61 ) . يقول الثعلبي في قصص الأنبياء ( ص 64 ) .” سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماًأي دائمة متتابعة ، فلم تدع أحداً من عاد إلا أهلكته .
وكان هود ومن معه قد اعتزالوا في حظيرة ، ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم ، وتلذ به الأنفس ، وإنها من عاد لطعن، فتحملهم ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا “ .
( 856 )شيبان الراعي ، أبو محمد الدمشقي ، كان صديقاً لسفيان
“ 500 “
الثوري . وكان هذا الرجل من الزهاد العباد ، وقد ترك الدنيا وعكف على رعي الأغنام في جبل لبنان ولهذا لقب بالراعي . وقد ذكره القشيري في رسالته ( ص 181 ) بقوله : هذا أحمد بن حنبل كان عند الشافعي رضي اللَّه عنما ، فجاء شيبان الراعي ، فقال أحمد : “ أريد يا أبا عبد اللَّه أن أنبِّه هذا على نقصان علمه ليشتغل بتحصيل بعض العلوم “ .
فقال الشافعي : “ لا تفعل “ . فلم يقتنع . فقال لشيبان : “ ما تقول فمين نسي صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يدري أي صلاه نسيها : ما الواجب عليه يا شبيان ؟ “ فقال شيبان : “ يا أحمد ! هذا قلب غفل عن اللَّه تعالى ، فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل عن مولاه بعد . فغشي على أحمد ، فلما أفاق قال له الشافعي : “ ألم أقل لك لا تحرك هذا ؟ “ وشيبان الراعي كان أمياً منهم . فإذا كان الأمي منهم هكذا فماالظن بأئمتهم ؟ “ .
( 860 ) عندما ينزل الموت بالعارفين ، لا تجزع نفوسهم لذلك ، بل يُلاقون الموت بقلوب راضية ، مطمئنة إلى مصيرها بعد الموت ، ولهذا يكون الموت بالنسبة إليهم أمراً يسيراً يرحبون بملاقاته .
( 863 ) قصة موسى مع فرعون ، وكيف فلق موسى البحر حتى عبر هو وقومه ، فلماتبعهم فرعون وأتباعه غشيهمم البحر وأغرقهم ، من القصص والمعروفة . وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله :” وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ “. ( 2 : 50 ) .
( 864 ) قصة قارون أيضاً من قصص القرآن الكريم . وقد رُويت في سورة القصص ، قال تعالى :” إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ “. ( 28 : 76 )
وقد ذكر القرآن زهوه بماله حتى تمنى الجلاء منهم لو أن لهم مثل ما أوتي . وتكبر بماله وتجبر فحاق به عقاب اللَّه . قال تعالى :
“ 501 “
“ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ “.
انظر سورة القصص ، 28 : 76 - 81 ) .
وقد ذكر الثعلبي في قصص الأنبياء تفصيلات متعددة لقصة قارون مع موسى وقومه ( ص 232 - 236 ) .
ومن بين ما ذكره أنَّ قارون حاول أن يكيد لموسى ، لأن موسى فرض عليه الزكاة على أمواله ، فلما وجد أن الزكاة المفروضة تبلغ قدراً كبيراً من المال دبر لموسى كيداً فضحه اللَّه . ودعا عليه موسى فابتلعته الأرض .
( 866 ) الإنسان - وهو الذي فطر جسمه من الماء والطين - يسبّح الخالقه . فهذا التسبيح المتصاعد من بني البشر هو بخار الماء والطين .
ولكن هذا البخار يصير طيوراً في الجنة ، ذلك لأن قلب المؤمن الصدوق قد نفخ فيه أنفاسه .
( 867 ) نور موسى هنا هو نور اللَّه الذي أشرق على موسى في سيناء .
وقد دك الجبل حينما تجلى هذا النور . وهذا الدك هو الذي عبرّ عنه الشاعر بالرقص ، فالجبل حينما شهد تلك الأنوار تعشقها كأنه صوفي .
( 879 ) الماء المحتبس في الحوض كالروح في الجسد . تخلّصه الريح من هذا الحبس لأن الماء من العناصر الأولية .
وكذلك الروح ، تتصاعد من الجسد ، لأنها غريبة عنه غربة الماء عن الوعاء الذي يحتويه . وكأنما الريح هنا ترمز إلى التسبيح والدعاء الذي يتصاعد من قلب المؤمن .
وقد ترمز إلى انقضاء العمر .
( 882 ) في هذا البيت اقتباس من قوله تعالى :” مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ “. ( 35 : 10 ) .
( 899 ) قصة كليلة ودمنة التي اقتبسها الشاعر هنا هي قصة “ الأرنب التي صرعت الأسد “ ، وهي قصة صغيرة خلاصتها أن أسداً كان يعيش بالقرب من أحد المروج ذات الماء والعشب الكثير ، وأن ذلك المرج كان
“ 502 “
مرتعاً لكثير من وحوش البرية ، تعيش فيه مستمتعة بمائه وعشبه .
ولكن الأسد كان يفسد عليها عيشها بمهاجمتها لاقتباص غذائه . وقد رأت هذه الوحوش أن تخلص من شرّ الأسد بأن تقدم له كل يوم فريسة يأكلها على أن يكف الأسد عن مهاجمتها .
وكانت الفريسة التي تُرسل إلى الأسد تختار بطريق الاقتراع . وذات يوم أصابت القرعة أرنباً ليذهب إلى فتأخر عن الموعد الذي اعتاد الأسد أن يتلقى فيه فريسة ، ثم ذهب إلى الأسد . إلى الأسد ، بعد ذلك ، وأخبره بأنه تأخر ، لأن أسداً آخر اعترض طريقه ، وأخذ منه غذاء الملك ، وكان أرنباً آخر سميناً أرسله إليه الوحوش .
ودعا الأسد إلى أن يطهّر الطريق من ذلك الأسد الدخيل حتى يصله طعامه دون تأخر . فطلب الأسد من الأرنب أن يدله على مكان ذلك العدو . فأخذه الأرنب إلى بئر تطلع فيها ، فرأى خياله ، فظنه عدوه ، فوثب إليه ليقاتله ، فغرق في البئر وخلصت الوحوش من شره . ( كليلة ودمنه ، ص 116 ، 117 . المطبعة الأميرية القاهرة ، 1931 ) .
وقد اتخذ الشاعر من هذه القصة - التي استغرقت رواية وقائعها خمسين بيتاً - هيكلًا صاغ حوله الكثير من آرائه وأفكاره . فتناول موضوعات كالجبر والاختيار ، والاجتهاد والتوكل ، وعالم الروح ، وعالم الظاهر ، وطبيعة الشر وغير ذلك . واستغرقت القصة بكل ما أداره حولها من حوار فلسفي خمس مائة من الأبيات .
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin