ثم يتلو هذا المنزل منزل الوعيد :
ويشتمل على منازل منها :
منزل الجود ، ومنزل الاستمساك بالكون وبين المنزلين ( ك ) .
وفي هذا المنزل أقول :
إنّ الوعيد لمنزلان هما لمن .... ترك السّلوك على الصّراط الأقوم
فإذا تحقق بالكمال وجوده .... ومشى على حكم السّناء الأقدم
عاد نعيما عنده فنعيمه .... في النّار وهي نعيم كلّ مكرم
ثم يتلو هذا المنزل منزل الأمر :
ويشتمل على منازل منها :
منزل الروحانيات البرزخية ،
ومنزل التعليم ، ومنزل السّرى ،
ومنزل النسب ،
ومنزل التمائم ،
ومنزل القطب والإمامين .
فبين منزل الروحانيات البرزخية وبين منزل التعليم ( كب ) ،
وبينه وبين منزل السرى ( له ) ،
وبينه وبين منزل النسب ( لح ) ،
وبينه وبين منزل التمائم ( لط ) ،
وبينه وبين منزل القطب والإمامين ( مر ) .
وبين منزل التعليم وبين منزل السر ( يب ) ،
وبينه وبين منزل النسب ( نه ) ،
وبينه وبين منزل التمائم ( يو ) ،
وبينه وبين منزل القطب والإمامين ( يز ) .
وبين منزل السر ومنزل النسب ( ر ) ،
وبينه وبين منزل التمائم ( ح ) ،
وبينه وبين منزل القطب والإمامين ( د ) .
وليس بين منزل النسب ومنزل التمائم منزل .
وبينه وبين منزل القطب والإمامين ( أ ) .
وليس بين منزل التمائم ومنزل القطب والإمامين منزل .
وفي هذا المنزل أقول :
منازل الأمر فهوانيّة الذّات .... بها تحصل أفراحي ولذّات
فليتني قائم فيها مدى عمري .... ولا أزول إلى وقت الملاقاة
فقرّة العين للمختار كان له .... إذا تبرّز في صدر المناجاة
فبهذا قد ذكرنا المنازل المعينة بأسمائها ، وذكرنا كم بين منزل ومنزل من المنازل ولم نسمها ، وإنما ذكرناها من أجل السالك ، إذا سلك عليها ليتقدم له الخير بكيفيتها ، وسكتنا عن كيفياتها من أجل المدّعي .
فإن المدّعي متى حصل الكيفيات ظهر بصورة الصدق ، ولا يعرفه الأجنبي فتمشي دعواه ولا يفرق بينه وبين الصادق .
فلهذا لا نصرح بالكيفيات ، ولا بنتائج الأعمال مربوطة بأعمالها .
بل نسوق الأعمال في أبواب المعاملات ، ونسوق النتائج في أبواب الأحوال ، وأبواب الأسرار .
ولا نقول هذا الحال نتيجة العمل الفلاني ، ولا هذا السر طريقه العمل العلاني من أجل ما ذكرناه ولا نبالي من المدّعي .
لو قلته إذا ادعاه عبد ما فأخذه مني . وإنما نخاف من انقياد الخلق إليه واتباعه ، فيمزج ذلك الحق بهواه فيضل به الغير ، ومن هنا ظهرت الإباحية وأصحاب الحلول في طريق القوم ، فظهروا بالصورة لعيون العامة ولزوم الناموس .
فإذا خلوا فهم شر الخلق .
قلوبهم قلوب الذباب . تاب اللّه علينا وعليهم وراجع بنا ، وبهم .
فلمزجهم الحق بهواهم ، وأكاذيبهم .
لم نبين ذلك حتى لا يكون في صحيفتي .
فمنهم أشبه الخلق بالشياطين عندما يسترقون السمع .
فيأخذ كلمة الحق فيضيف إليها سبعين كذبة من السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعا في جهنم ، فيأت بها إلى وليه ليضله بها .
"" لعل الشيخ الأكبر رحمه اللّه تعالى يشير إلى
قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : « إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه لا يرى بها بأسا فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا ». رواه ابن ماجة في سننه "".
كذا قال تعالى :وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ[ الأنعام : 121 ] .
كذا قال اللّه تعالى :وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ[ الأحزاب : 4 ] .
* فأمّا منزل المدح :
فله أسرار كثيرة ، ووجوه . لكن أخص أوصافه : تعلق العلم بما لا يتناهى .
* وأمّا منزل الرموز :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : خواص العدد والأسماء والحروف .
* وأمّا منزل النداء :
فكذلك ، لكن أوصافه : علوم الإشارة والتحلية .
* وأمّا منزل الأفعال :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الآن .
* وأمّا منزل الابتداء :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم المبدأ والمعاد ومعرفة الأوائل من كل شيء .
* وأمّا منزل التنزيه :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الخلع والسلخ . وهو علم شريف إن لم يحققه الإنسان وإلا ضل .
ومنه ضلت طائفتان كبيرتان : الباطنية والحشوية .
* وأمّا منزل التقريب :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الدلالات .
* وأمّا منزل التوقع :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم النسب والإضافات .
* وأمّا منزل البركات :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الأسباب وارتباطاتها بالمسببات ، والعلل والمعلولات ، والشروط والمشروطات .
* وأمّا منزل الأقسام :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم العظمة .
* وأمّا منزل الدهر :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الأزل واستمرار وجود الباري ووجود الملائكة .
* وأمّا منزل الإنيّة :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الذات .
* وأمّا منزل لام الألف :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم نسبة الكون إلى المكون .
* وأمّا منزل التقرير :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الحضور .
* وأمّا منزل فناء الكون :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم قلب الأعيان .
* وأمّا منزل الألفة :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الالتحام بين الموجودات عموما .
* وأمّا منزل الوعيد :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم المواطن والتمييز في كل شيء .
* وأمّا منزل الاستفهام :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم ليس كمثله شيء .
فإنهم إذا أحالوك عند استفهامك عن منازل أحبابك على لفظه .
فقد عزّ وجوههم في قلبك حيث لم يتمكن تصورهم ولا يتعلق بهم علم .
فلم يجبلوك على قلبك ، ولا على أعيانهم .
فإن أعيانهم لا تشهد :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ.
فلا القلب يملكهم ولا العين تدركهم . فما بقي عندك سوى أسمائهم .
* وأمّا منزل الأمر :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم العبودية .
فبهذا قد ذكرنا ما تعطيه أمهات المنازل التي هي تسعة عشر ، وإنما كانت تسعة عشر لأن المنزول عليه في هذه المنازل يعطي حقيقة تسع عشرة حقيقة لا تنقال يكون عنها تسعة عشرة حقيقة تنقال بصورة الموجودات على صورة هذه الحقائق .
ولم يكن عندنا علم بحصر هذه الحقائق حتى نظرنا هذه المنازل عندما أردنا أن نظهرها في عالم العبارة . فرأيناها تسعة عشر منزلا .
فنظرنا في مراتب كثيرة في الوجود فوجدنا التسع عشرة محاولة في الموجودات . فارتفعنا بالنظر إلى الجانب العالي فوجدناها هناك تقتضي هذا العدد .
فمن ذلك : الممكنات : تسعة عشر نوعا .
والملائكة : نوع واحد ،
وعالم الأجسام : ثمانية عشر نوعا .
والأفلاك : أحد عشر نوعا ،
والأركان : أربعة أنواع
والمولدات : ثلاثة أنواع .
ومن ذلك :
صدور الذوات عن الذات ، وصدور الأعراض عن الصفات ، وصدور الزمان عن الأزل ، وصدور المكان عن قبولها للنعوت ، وصدور الإضافات عن الإضافات ، وصدور الأوضاع عن الفهوانية ، وصدور الكميات عن الأسماء ،
وصدور الكيفيات عن التجليات ، وصدور التأثيرات عن الجود ، وصدور الانفعالات عن التجلي في صورة الاعتقادات ، وصدور الخاصية عن الأحدية ، ولا تتجلى أسماؤه لأحد أبدا .
لأن سلطانها لا يقبل عينا سواها ولذلك إذا ضربت الواحد في الواحد لم يخرج إلّا واحد ، وقد تكلمنا على هذا المقام في « كتاب الأحدية » .
"" وهو كتاب « الألف » مطبوع ضمن رسائل ابن العربي ""
ومن هذا المقام يكون لكل مخلوق ومبدع وموجود خاصية تخصه . بها يتميز من غيره ، وهي أحدية كل موجود . ولهذا كان مبنى الوجود على التوحيد .
قال القائل "أبو العتاهية" : وفي كل شيء له آية .... تدل على أنه واحد
والآية هي أحدية كل معلوم ، وصدور الحيرة عن العمى وصدور حياة الكائنات عن الحي ، وصدور العلم عن العليم ، وصدور الهواجس والعزمات والإرادات والقصود والنيات عن المريد ، وصدور الإبصار عن البصير ، وصدور السمع عن السميع ، وصدور الإنسان عن الكمال ، وصدور الأنوار والظلم عن النور .
"" هو أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العنزي ، توفي في بغداد سنة 211 هـ ، 826 م وكانت ولادته سنة 130 هـ 747 م . ""
ومن ذلك :
أن السور من القرآن العزيز التي في أوائلها حروف الهجاء هي على خمس مراتب :
* مرتبة على حرف واحد مثل : « ن » ، « ص » .
* ومرتبة على حرفين مثل : « طه » ، « يس » وشبه ذلك .
* ومرتبة على ثلاثة أحرف مثل : « آلم » و « ألر » . وشبهه .
* ومرتبة على أربعة أحرف مثل : « ألمص » و « ألمر » .
* ومرتبة على خمسة أحرف مثل : « كهيعص » .
فهذه خمس مراتب وحروفها أربعة عشر حرفا . فذلك تسعة عشر حرفا .
ومن ذلك : جهنم . عليها تسعة عشر شرعا .
ومن ذلك : الجنة . عليها تسعة عشر خازنا كشفا .
ومن ذلك : وجود الآثار في الكون العنصري على أيدي تسعة عشر بتقدير العزيز العليم .
وهي : البروج اثني عشر ، والدراري سبعة فعند حلول هذه السيارة في هذه البروج يحدث اللّه سبحانه هذه الآثار في عالم الكون .
والدراري غير مسخرة . لا تتصرف إلّا عن حقائق إلاهية بالتصريف ، وكذلك الاثني عشر برجا . فلا بد من الحقائق الإلهية لأن يكون توجهها مختلفا .
قال تعالى :وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ[ النحل : 12 ] .
ومن ذلك :
الرجال الذين يحفظ اللّه بهم نظام العالم تسعة عشر .
اثني عشر منهم النجباء .
ويقال لهم في الأمة الإسرائيلية : النقباء .
والسبعة ومنهم : الأبدال .
ومنهم : القطب ، والأوتاد ، والأئمة .
ومن ذلك : الجنة مقسمة على تسعة عشر رتبة . على أربعة أصناف لكل صنف أربعة . ويتميزون في هذه المراتب على ثلاثة أحوال . فأربعة في أربعة بستة عشر ، والأحوال الثلاثة متميزة بعضها عن بعض بالمرتبة . فذلك تسعة عشر .
والأصناف الأربعة هم : الرسل ، والأنبياء ، والأولياء ، والمؤمنون ونعهدهم على تسعة عشر قاعدة .
كل صنف منهم يتنعم من حيث عقله ، وحسّه ، ونفسه بأربعة . وهي : منابر ، وأسرّة ، وكراسي ، ومراتب .
وتقع التفاصيل في النعيم بين الأصناف على حسب حقائقهم ، وأعمالهم ، واختصاصاتهم ، وجدّتهم .
نقسمه على أهلها بهذه المثابة من المنابر ، والأسرّة قدما بقدم . والمراتب على حد سواء .
وقد ذكرنا هذا الفصل مستوفيا محققا في كتاب : « أسرار الصلاة من التنزلات الموصلية » .
ومن ذلك أيضا : أنّا تتبعنا ما صحّ من الأخبار في باب الجبر والنزول إلى محل التنشئة . فوجدناها تسعة عشر وهي :
الصورة ، والعين ، واليد ، واليمين ، والقبض ، والقدم ، والتحول ، والفرح ، والضحك ، والعجب ، والنفس ، والذراع ، والمعية ، والامتحان ، والأنامل ، والاستواء ، والظرفية ، والمكانية ، والنزول .
ومن ذلك : أنه اتفق أنا نظرنا سور القرآن فوجدناها تسعة عشر نوعا .
منها :
* سور أوائلها : الحروف المجهولة .
* وسور أوائلها : الحمد .
* وسور أوائلها : يا أيها .
* وسور أوائلها : الأفعال المستقبلية .
* وسور أوائلها : الأفعال الماضية .
* وسور أوائلها : أفعال الأمر .
* وسور أوائلها : التسبيح .
* وسور أوائلها : إذا .
* وسور أوائلها : ويل .
* وسور أوائلها : ألم .
* وسور أوائلها : القسم .
* وسور أوائلها : الاستفهام .
* وسورة أولها : حرف النفي .
* وسور مفردات أولها : الابتداء .
* وسور أولها : تبارك .
* وسور أولها : اقترب .
* وسور أولها : إنّا .
* وسور أوائلها : لام الألف .
* وسور أولها : قد .
فهذه تسعة عشر نوعا .
ومن ذلك : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم تسعة عشر حرفا .
والبسملة للأولياء بمنزلة « كن » للحضرة الإلهية . فإذا أراد الولي كون أمر .
قال : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فيقع ما يريده .
وقال الحلاج : « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم منك بمنزل « كن » منه واشتركت في ظهور الآثار عن التسعة عشر والكواكب التي ذكرناها مجهولة سببا بتقدير العزيز العليم » .
وربما لو تتبعنا الوجود وجدنا من ذلك كثير . فليكتف هذا القدر . ولنرجع إلى ما يدل عليه هذا المنزل الذي هو منزل المنازل .
ونقول :
العروج في هذه المنازل على نوعين : أعني المنازل المعنوية التي لا يصح النزول منها لعالم الأجسام ، لأنها ليست أجساما وأمّا العروج فيها بالميم .
فعلى الحقيقة : اللطائف الإنسانية هي المنزلة لهذه المعاني الإلهية ، والأسرار الفهوانية ، وغيرها مما هو لغير الحضرة الفهوانية .
وأما العروج بالأجسام فلا يصح إلّا في عالم الأجسام . وذلك مخصوص بمحمد صلى اللّه عليه وسلم اختصاص عناية إلهية .
فإنه أسري به صلى اللّه عليه وسلم وبجسمه فاخترق الجود ، الأركان والعناصر ، وذلك بالحركة ، وكان محمولا بالبراق . والحكمة القسرية غير منكورة عندنا وعند المحيلين لهذا الإسراء الجسماني .
فإنّا نأخذ الحجر وطبعه النزول . فيرمى به في الهواء فصعوده في الهواء بخلاف طبعه ، وبطبعه .
فإن طبعه يقتضي الحركة نحو المركز . فصعوده في الهواء عرضي بالحركة القسرية ، وهي رمي به علوا .
وأما قولنا : وبطبعه .
فإنه على طبيعة تقبل بها الحركة القسرية . ولو لم يكن ذلك في طبعه لما انفعل لها ، ولا قبلها .
وكذلك اختراقه صلى اللّه عليه وسلم الفلك الأثير ، وهو نار . والجسم الإنساني مهيأ مستعد لقبول الإحراق .
ثم إن المانع من الإحراق أمور يسلمها الخصم . فتلك الأمور كانت الحجب ، التي خلقها اللّه سبحانه في جسم المسمى به .
فلم يكن عنده استعداد الانفعال للحرق ، أو أمر آخر وهو الطريق الذي اخترقه . ليس النار إلّا محمول في جسم لطيف .
وذلك الجسم هو المحرق بالنار فسلب عنه النار وجعل ضده كنار إبراهيم عليه السلام وبأي وجه كان ، فليس بمحال .
ولنا على ذلك طريقة أخرى من جهة الدليل العقلي .
ليس هذا الكتاب موضعه . فإنا إنما نتكلم مع المسلمين لنا أن اللّه فاعل كل شيء . فلا أبالي .
ثم اخترق الأفلاك من غير أن يسكنها عن تحريكها كاختراق الماء والهواء إلى أن وصل السدرة المنتهى فترك البراق بها ، وقعد على الرفرف الأزهى .
وارتقى في تلك المحفة العظمى إلى المكانة الزلفى . فاخترق عوالم الأنوار إلى أن حار موضع القدمين إلى الكون المحيط بالأكوان وهي الدائرة الكبرى ، والمحيط الأعظم ، وحامل الشكل الأول .
كل ذلك بجسمه صلى اللّه عليه وسلم . فعاين محل الاستواء ، وخلع عليه بذلك المكان خلعة البهاء .
فلما فارق عالم التركيب والتدبير لم يبق له أنيس من جنسه . فاستوحش من حيث مركبه فنودي بصوت أبي بكر : يا محمد قف . إن ربك رضي .
فارتاع لذلك النداء ، واضطرب . فسكن جانبيه بأن تلي عليه عند ذلك :هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ[ الأحزاب : 43 ] .
هذا لسان الأحباب . وخطاب الأخلاء والأصحاب . وهذا أول الأبواب المعنوية . من هنا تقع في بحر الإشارات والمعاني ، وهو الإسراء البسيط .
فيقع المشاهد بالبصر لا بالجارحة لأعيان الأرواح المهيمة التي لا مدخل لها في عالم الأجسام .
فترك الرفرف في الحين وانسلخ من الرسم والاسم وسافر برفرف همته فحطت العين بساحل بحر العماء حيث لا حيث ولا أين .
فأدركت ما أدركت من خلف حجاب العزة الأحمى الذي لا يرتفع أبدا .
ثم عادت بلا مسافة الشهود علينا . ثم إلى تركيب كونها المتروك بالمستوى مع الرفرف الأزهى . فنزلت به على معراجها الأقدس من عرشه الأعلى إلى كرسيه الأبهى ، إلى السدرة المنتهى .
فأشرف على الاستعداد بالعدوة القصوى ، واطلع على السعداء بالعدوة الدنيا .
ثم نزل إلى السماوات العلى سماء بعد سماء إلى بيته الأشرف بالحرم المكي الأحمى غير الكعبة العظمى فأصبح في حرمه آمنا .
لا أثر عليه من إسرائه . وقد أخذ بأبصار القوم عن إدراكهم نور بهائه .
وأخبر القوم بحاله فآمنت طائفة ، وأنكرت طائفة .
فنعت لهم بيت المقدس لرفع التلبيس فازدادوا كفرا ولهم عذاب أليم .
ثم له صلى اللّه عليه وسلم إسراءات روحانية خلاف هذا الإسراء .
ومعارج معنوية غير هذا المعراج .
مثل : معراج عائشة .
ومنتهى ما انتهت في ذلك الروايات في علمي من طريق ما رويت إلى أربعة وثلاثين معراجا .
فجمع له صلى اللّه عليه وسلم من المعراجين الظاهر والباطن ، جسما ومعنى .
وأمّا نحن : فالإسراء بنا رؤيا نراها في حال النوم أو الفناء .
فإن كانت نوما فهو الرؤيا والمبشرات وإن كانت فناء فهو المكاشفات .
* والفناء لا ينقض الطهارة ، والنوم ينقضها .
* والنوم حالة تعم الخاص والعام .
* والكشف مخصوص بالخصوص .
* والكشف نتائج الأحوال ، والرؤيا نتائج الأعمال .
وبينهما فرقان يعلمه أهل هذا الشأن .
* فللمؤمنين والأولياء كشف واستطلاع على هذه المنازل الجسمانية في الأفلاك العلوية .
فنعاين ترقيها وتواضعها ، وأشكالها ، وترتيب عوالمها وما أودع اللّه تعالى فيها من الخصائص ، وغير ذلك . وليس لهم في عالم المعاني معراج أصلا للمؤمنين وأمّا الأولياء المختصون فلهم عروج شريف في عالم المعاني مطلقا .
ثم انتقال عنه إلى المشاهد الإلهية التي لا تتغير بالمكان ولا نحكم عليها الآن.
"" في أصل الكتاب المخطوط قال الشيخ إسماعيل بن سودكين تلميذ الشيخ محيي الدين بن العربي : « سمعت جميع هذا الكتاب ، وهو كتاب « منزل المنازل الفهوانية » على منشئه الإمام العالم المحقق الراسخ : أبي عبد اللّه محمد بن علي العربي ، رضي اللّه عنه . مع أبي . وسمع بعضه جماعة منهم : أبو بكر بن عيسى الناعوري .
وشمس الدين محمد بن الأمير سعد الدين المعظمي الشيخ المسمع وأجازهما الشيخ على ما بهما في المجلس .
وذلك في ثاني المحرم سنة ثمان عشرة وستمائة عليه جميعه وقال إسماعيل بن سودكين . وللّه الحمد والمنّة وهو حسبنا ونعم الوكيل » . ""
*
تم بحمد الله رب العالمين
عبد الله المسافر بالله
ويشتمل على منازل منها :
منزل الجود ، ومنزل الاستمساك بالكون وبين المنزلين ( ك ) .
وفي هذا المنزل أقول :
إنّ الوعيد لمنزلان هما لمن .... ترك السّلوك على الصّراط الأقوم
فإذا تحقق بالكمال وجوده .... ومشى على حكم السّناء الأقدم
عاد نعيما عنده فنعيمه .... في النّار وهي نعيم كلّ مكرم
ثم يتلو هذا المنزل منزل الأمر :
ويشتمل على منازل منها :
منزل الروحانيات البرزخية ،
ومنزل التعليم ، ومنزل السّرى ،
ومنزل النسب ،
ومنزل التمائم ،
ومنزل القطب والإمامين .
فبين منزل الروحانيات البرزخية وبين منزل التعليم ( كب ) ،
وبينه وبين منزل السرى ( له ) ،
وبينه وبين منزل النسب ( لح ) ،
وبينه وبين منزل التمائم ( لط ) ،
وبينه وبين منزل القطب والإمامين ( مر ) .
وبين منزل التعليم وبين منزل السر ( يب ) ،
وبينه وبين منزل النسب ( نه ) ،
وبينه وبين منزل التمائم ( يو ) ،
وبينه وبين منزل القطب والإمامين ( يز ) .
وبين منزل السر ومنزل النسب ( ر ) ،
وبينه وبين منزل التمائم ( ح ) ،
وبينه وبين منزل القطب والإمامين ( د ) .
وليس بين منزل النسب ومنزل التمائم منزل .
وبينه وبين منزل القطب والإمامين ( أ ) .
وليس بين منزل التمائم ومنزل القطب والإمامين منزل .
وفي هذا المنزل أقول :
منازل الأمر فهوانيّة الذّات .... بها تحصل أفراحي ولذّات
فليتني قائم فيها مدى عمري .... ولا أزول إلى وقت الملاقاة
فقرّة العين للمختار كان له .... إذا تبرّز في صدر المناجاة
فبهذا قد ذكرنا المنازل المعينة بأسمائها ، وذكرنا كم بين منزل ومنزل من المنازل ولم نسمها ، وإنما ذكرناها من أجل السالك ، إذا سلك عليها ليتقدم له الخير بكيفيتها ، وسكتنا عن كيفياتها من أجل المدّعي .
فإن المدّعي متى حصل الكيفيات ظهر بصورة الصدق ، ولا يعرفه الأجنبي فتمشي دعواه ولا يفرق بينه وبين الصادق .
فلهذا لا نصرح بالكيفيات ، ولا بنتائج الأعمال مربوطة بأعمالها .
بل نسوق الأعمال في أبواب المعاملات ، ونسوق النتائج في أبواب الأحوال ، وأبواب الأسرار .
ولا نقول هذا الحال نتيجة العمل الفلاني ، ولا هذا السر طريقه العمل العلاني من أجل ما ذكرناه ولا نبالي من المدّعي .
لو قلته إذا ادعاه عبد ما فأخذه مني . وإنما نخاف من انقياد الخلق إليه واتباعه ، فيمزج ذلك الحق بهواه فيضل به الغير ، ومن هنا ظهرت الإباحية وأصحاب الحلول في طريق القوم ، فظهروا بالصورة لعيون العامة ولزوم الناموس .
فإذا خلوا فهم شر الخلق .
قلوبهم قلوب الذباب . تاب اللّه علينا وعليهم وراجع بنا ، وبهم .
فلمزجهم الحق بهواهم ، وأكاذيبهم .
لم نبين ذلك حتى لا يكون في صحيفتي .
فمنهم أشبه الخلق بالشياطين عندما يسترقون السمع .
فيأخذ كلمة الحق فيضيف إليها سبعين كذبة من السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعا في جهنم ، فيأت بها إلى وليه ليضله بها .
"" لعل الشيخ الأكبر رحمه اللّه تعالى يشير إلى
قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : « إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه لا يرى بها بأسا فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا ». رواه ابن ماجة في سننه "".
كذا قال تعالى :وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ[ الأنعام : 121 ] .
كذا قال اللّه تعالى :وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ[ الأحزاب : 4 ] .
* فأمّا منزل المدح :
فله أسرار كثيرة ، ووجوه . لكن أخص أوصافه : تعلق العلم بما لا يتناهى .
* وأمّا منزل الرموز :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : خواص العدد والأسماء والحروف .
* وأمّا منزل النداء :
فكذلك ، لكن أوصافه : علوم الإشارة والتحلية .
* وأمّا منزل الأفعال :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الآن .
* وأمّا منزل الابتداء :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم المبدأ والمعاد ومعرفة الأوائل من كل شيء .
* وأمّا منزل التنزيه :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الخلع والسلخ . وهو علم شريف إن لم يحققه الإنسان وإلا ضل .
ومنه ضلت طائفتان كبيرتان : الباطنية والحشوية .
* وأمّا منزل التقريب :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الدلالات .
* وأمّا منزل التوقع :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم النسب والإضافات .
* وأمّا منزل البركات :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الأسباب وارتباطاتها بالمسببات ، والعلل والمعلولات ، والشروط والمشروطات .
* وأمّا منزل الأقسام :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم العظمة .
* وأمّا منزل الدهر :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الأزل واستمرار وجود الباري ووجود الملائكة .
* وأمّا منزل الإنيّة :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الذات .
* وأمّا منزل لام الألف :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم نسبة الكون إلى المكون .
* وأمّا منزل التقرير :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الحضور .
* وأمّا منزل فناء الكون :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم قلب الأعيان .
* وأمّا منزل الألفة :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم الالتحام بين الموجودات عموما .
* وأمّا منزل الوعيد :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم المواطن والتمييز في كل شيء .
* وأمّا منزل الاستفهام :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم ليس كمثله شيء .
فإنهم إذا أحالوك عند استفهامك عن منازل أحبابك على لفظه .
فقد عزّ وجوههم في قلبك حيث لم يتمكن تصورهم ولا يتعلق بهم علم .
فلم يجبلوك على قلبك ، ولا على أعيانهم .
فإن أعيانهم لا تشهد :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ.
فلا القلب يملكهم ولا العين تدركهم . فما بقي عندك سوى أسمائهم .
* وأمّا منزل الأمر :
فكذلك ، لكن أخص أوصافه : علم العبودية .
فبهذا قد ذكرنا ما تعطيه أمهات المنازل التي هي تسعة عشر ، وإنما كانت تسعة عشر لأن المنزول عليه في هذه المنازل يعطي حقيقة تسع عشرة حقيقة لا تنقال يكون عنها تسعة عشرة حقيقة تنقال بصورة الموجودات على صورة هذه الحقائق .
ولم يكن عندنا علم بحصر هذه الحقائق حتى نظرنا هذه المنازل عندما أردنا أن نظهرها في عالم العبارة . فرأيناها تسعة عشر منزلا .
فنظرنا في مراتب كثيرة في الوجود فوجدنا التسع عشرة محاولة في الموجودات . فارتفعنا بالنظر إلى الجانب العالي فوجدناها هناك تقتضي هذا العدد .
فمن ذلك : الممكنات : تسعة عشر نوعا .
والملائكة : نوع واحد ،
وعالم الأجسام : ثمانية عشر نوعا .
والأفلاك : أحد عشر نوعا ،
والأركان : أربعة أنواع
والمولدات : ثلاثة أنواع .
ومن ذلك :
صدور الذوات عن الذات ، وصدور الأعراض عن الصفات ، وصدور الزمان عن الأزل ، وصدور المكان عن قبولها للنعوت ، وصدور الإضافات عن الإضافات ، وصدور الأوضاع عن الفهوانية ، وصدور الكميات عن الأسماء ،
وصدور الكيفيات عن التجليات ، وصدور التأثيرات عن الجود ، وصدور الانفعالات عن التجلي في صورة الاعتقادات ، وصدور الخاصية عن الأحدية ، ولا تتجلى أسماؤه لأحد أبدا .
لأن سلطانها لا يقبل عينا سواها ولذلك إذا ضربت الواحد في الواحد لم يخرج إلّا واحد ، وقد تكلمنا على هذا المقام في « كتاب الأحدية » .
"" وهو كتاب « الألف » مطبوع ضمن رسائل ابن العربي ""
ومن هذا المقام يكون لكل مخلوق ومبدع وموجود خاصية تخصه . بها يتميز من غيره ، وهي أحدية كل موجود . ولهذا كان مبنى الوجود على التوحيد .
قال القائل "أبو العتاهية" : وفي كل شيء له آية .... تدل على أنه واحد
والآية هي أحدية كل معلوم ، وصدور الحيرة عن العمى وصدور حياة الكائنات عن الحي ، وصدور العلم عن العليم ، وصدور الهواجس والعزمات والإرادات والقصود والنيات عن المريد ، وصدور الإبصار عن البصير ، وصدور السمع عن السميع ، وصدور الإنسان عن الكمال ، وصدور الأنوار والظلم عن النور .
"" هو أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العنزي ، توفي في بغداد سنة 211 هـ ، 826 م وكانت ولادته سنة 130 هـ 747 م . ""
ومن ذلك :
أن السور من القرآن العزيز التي في أوائلها حروف الهجاء هي على خمس مراتب :
* مرتبة على حرف واحد مثل : « ن » ، « ص » .
* ومرتبة على حرفين مثل : « طه » ، « يس » وشبه ذلك .
* ومرتبة على ثلاثة أحرف مثل : « آلم » و « ألر » . وشبهه .
* ومرتبة على أربعة أحرف مثل : « ألمص » و « ألمر » .
* ومرتبة على خمسة أحرف مثل : « كهيعص » .
فهذه خمس مراتب وحروفها أربعة عشر حرفا . فذلك تسعة عشر حرفا .
ومن ذلك : جهنم . عليها تسعة عشر شرعا .
ومن ذلك : الجنة . عليها تسعة عشر خازنا كشفا .
ومن ذلك : وجود الآثار في الكون العنصري على أيدي تسعة عشر بتقدير العزيز العليم .
وهي : البروج اثني عشر ، والدراري سبعة فعند حلول هذه السيارة في هذه البروج يحدث اللّه سبحانه هذه الآثار في عالم الكون .
والدراري غير مسخرة . لا تتصرف إلّا عن حقائق إلاهية بالتصريف ، وكذلك الاثني عشر برجا . فلا بد من الحقائق الإلهية لأن يكون توجهها مختلفا .
قال تعالى :وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ[ النحل : 12 ] .
ومن ذلك :
الرجال الذين يحفظ اللّه بهم نظام العالم تسعة عشر .
اثني عشر منهم النجباء .
ويقال لهم في الأمة الإسرائيلية : النقباء .
والسبعة ومنهم : الأبدال .
ومنهم : القطب ، والأوتاد ، والأئمة .
ومن ذلك : الجنة مقسمة على تسعة عشر رتبة . على أربعة أصناف لكل صنف أربعة . ويتميزون في هذه المراتب على ثلاثة أحوال . فأربعة في أربعة بستة عشر ، والأحوال الثلاثة متميزة بعضها عن بعض بالمرتبة . فذلك تسعة عشر .
والأصناف الأربعة هم : الرسل ، والأنبياء ، والأولياء ، والمؤمنون ونعهدهم على تسعة عشر قاعدة .
كل صنف منهم يتنعم من حيث عقله ، وحسّه ، ونفسه بأربعة . وهي : منابر ، وأسرّة ، وكراسي ، ومراتب .
وتقع التفاصيل في النعيم بين الأصناف على حسب حقائقهم ، وأعمالهم ، واختصاصاتهم ، وجدّتهم .
نقسمه على أهلها بهذه المثابة من المنابر ، والأسرّة قدما بقدم . والمراتب على حد سواء .
وقد ذكرنا هذا الفصل مستوفيا محققا في كتاب : « أسرار الصلاة من التنزلات الموصلية » .
ومن ذلك أيضا : أنّا تتبعنا ما صحّ من الأخبار في باب الجبر والنزول إلى محل التنشئة . فوجدناها تسعة عشر وهي :
الصورة ، والعين ، واليد ، واليمين ، والقبض ، والقدم ، والتحول ، والفرح ، والضحك ، والعجب ، والنفس ، والذراع ، والمعية ، والامتحان ، والأنامل ، والاستواء ، والظرفية ، والمكانية ، والنزول .
ومن ذلك : أنه اتفق أنا نظرنا سور القرآن فوجدناها تسعة عشر نوعا .
منها :
* سور أوائلها : الحروف المجهولة .
* وسور أوائلها : الحمد .
* وسور أوائلها : يا أيها .
* وسور أوائلها : الأفعال المستقبلية .
* وسور أوائلها : الأفعال الماضية .
* وسور أوائلها : أفعال الأمر .
* وسور أوائلها : التسبيح .
* وسور أوائلها : إذا .
* وسور أوائلها : ويل .
* وسور أوائلها : ألم .
* وسور أوائلها : القسم .
* وسور أوائلها : الاستفهام .
* وسورة أولها : حرف النفي .
* وسور مفردات أولها : الابتداء .
* وسور أولها : تبارك .
* وسور أولها : اقترب .
* وسور أولها : إنّا .
* وسور أوائلها : لام الألف .
* وسور أولها : قد .
فهذه تسعة عشر نوعا .
ومن ذلك : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم تسعة عشر حرفا .
والبسملة للأولياء بمنزلة « كن » للحضرة الإلهية . فإذا أراد الولي كون أمر .
قال : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فيقع ما يريده .
وقال الحلاج : « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم منك بمنزل « كن » منه واشتركت في ظهور الآثار عن التسعة عشر والكواكب التي ذكرناها مجهولة سببا بتقدير العزيز العليم » .
وربما لو تتبعنا الوجود وجدنا من ذلك كثير . فليكتف هذا القدر . ولنرجع إلى ما يدل عليه هذا المنزل الذي هو منزل المنازل .
ونقول :
العروج في هذه المنازل على نوعين : أعني المنازل المعنوية التي لا يصح النزول منها لعالم الأجسام ، لأنها ليست أجساما وأمّا العروج فيها بالميم .
فعلى الحقيقة : اللطائف الإنسانية هي المنزلة لهذه المعاني الإلهية ، والأسرار الفهوانية ، وغيرها مما هو لغير الحضرة الفهوانية .
وأما العروج بالأجسام فلا يصح إلّا في عالم الأجسام . وذلك مخصوص بمحمد صلى اللّه عليه وسلم اختصاص عناية إلهية .
فإنه أسري به صلى اللّه عليه وسلم وبجسمه فاخترق الجود ، الأركان والعناصر ، وذلك بالحركة ، وكان محمولا بالبراق . والحكمة القسرية غير منكورة عندنا وعند المحيلين لهذا الإسراء الجسماني .
فإنّا نأخذ الحجر وطبعه النزول . فيرمى به في الهواء فصعوده في الهواء بخلاف طبعه ، وبطبعه .
فإن طبعه يقتضي الحركة نحو المركز . فصعوده في الهواء عرضي بالحركة القسرية ، وهي رمي به علوا .
وأما قولنا : وبطبعه .
فإنه على طبيعة تقبل بها الحركة القسرية . ولو لم يكن ذلك في طبعه لما انفعل لها ، ولا قبلها .
وكذلك اختراقه صلى اللّه عليه وسلم الفلك الأثير ، وهو نار . والجسم الإنساني مهيأ مستعد لقبول الإحراق .
ثم إن المانع من الإحراق أمور يسلمها الخصم . فتلك الأمور كانت الحجب ، التي خلقها اللّه سبحانه في جسم المسمى به .
فلم يكن عنده استعداد الانفعال للحرق ، أو أمر آخر وهو الطريق الذي اخترقه . ليس النار إلّا محمول في جسم لطيف .
وذلك الجسم هو المحرق بالنار فسلب عنه النار وجعل ضده كنار إبراهيم عليه السلام وبأي وجه كان ، فليس بمحال .
ولنا على ذلك طريقة أخرى من جهة الدليل العقلي .
ليس هذا الكتاب موضعه . فإنا إنما نتكلم مع المسلمين لنا أن اللّه فاعل كل شيء . فلا أبالي .
ثم اخترق الأفلاك من غير أن يسكنها عن تحريكها كاختراق الماء والهواء إلى أن وصل السدرة المنتهى فترك البراق بها ، وقعد على الرفرف الأزهى .
وارتقى في تلك المحفة العظمى إلى المكانة الزلفى . فاخترق عوالم الأنوار إلى أن حار موضع القدمين إلى الكون المحيط بالأكوان وهي الدائرة الكبرى ، والمحيط الأعظم ، وحامل الشكل الأول .
كل ذلك بجسمه صلى اللّه عليه وسلم . فعاين محل الاستواء ، وخلع عليه بذلك المكان خلعة البهاء .
فلما فارق عالم التركيب والتدبير لم يبق له أنيس من جنسه . فاستوحش من حيث مركبه فنودي بصوت أبي بكر : يا محمد قف . إن ربك رضي .
فارتاع لذلك النداء ، واضطرب . فسكن جانبيه بأن تلي عليه عند ذلك :هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ[ الأحزاب : 43 ] .
هذا لسان الأحباب . وخطاب الأخلاء والأصحاب . وهذا أول الأبواب المعنوية . من هنا تقع في بحر الإشارات والمعاني ، وهو الإسراء البسيط .
فيقع المشاهد بالبصر لا بالجارحة لأعيان الأرواح المهيمة التي لا مدخل لها في عالم الأجسام .
فترك الرفرف في الحين وانسلخ من الرسم والاسم وسافر برفرف همته فحطت العين بساحل بحر العماء حيث لا حيث ولا أين .
فأدركت ما أدركت من خلف حجاب العزة الأحمى الذي لا يرتفع أبدا .
ثم عادت بلا مسافة الشهود علينا . ثم إلى تركيب كونها المتروك بالمستوى مع الرفرف الأزهى . فنزلت به على معراجها الأقدس من عرشه الأعلى إلى كرسيه الأبهى ، إلى السدرة المنتهى .
فأشرف على الاستعداد بالعدوة القصوى ، واطلع على السعداء بالعدوة الدنيا .
ثم نزل إلى السماوات العلى سماء بعد سماء إلى بيته الأشرف بالحرم المكي الأحمى غير الكعبة العظمى فأصبح في حرمه آمنا .
لا أثر عليه من إسرائه . وقد أخذ بأبصار القوم عن إدراكهم نور بهائه .
وأخبر القوم بحاله فآمنت طائفة ، وأنكرت طائفة .
فنعت لهم بيت المقدس لرفع التلبيس فازدادوا كفرا ولهم عذاب أليم .
ثم له صلى اللّه عليه وسلم إسراءات روحانية خلاف هذا الإسراء .
ومعارج معنوية غير هذا المعراج .
مثل : معراج عائشة .
ومنتهى ما انتهت في ذلك الروايات في علمي من طريق ما رويت إلى أربعة وثلاثين معراجا .
فجمع له صلى اللّه عليه وسلم من المعراجين الظاهر والباطن ، جسما ومعنى .
وأمّا نحن : فالإسراء بنا رؤيا نراها في حال النوم أو الفناء .
فإن كانت نوما فهو الرؤيا والمبشرات وإن كانت فناء فهو المكاشفات .
* والفناء لا ينقض الطهارة ، والنوم ينقضها .
* والنوم حالة تعم الخاص والعام .
* والكشف مخصوص بالخصوص .
* والكشف نتائج الأحوال ، والرؤيا نتائج الأعمال .
وبينهما فرقان يعلمه أهل هذا الشأن .
* فللمؤمنين والأولياء كشف واستطلاع على هذه المنازل الجسمانية في الأفلاك العلوية .
فنعاين ترقيها وتواضعها ، وأشكالها ، وترتيب عوالمها وما أودع اللّه تعالى فيها من الخصائص ، وغير ذلك . وليس لهم في عالم المعاني معراج أصلا للمؤمنين وأمّا الأولياء المختصون فلهم عروج شريف في عالم المعاني مطلقا .
ثم انتقال عنه إلى المشاهد الإلهية التي لا تتغير بالمكان ولا نحكم عليها الآن.
"" في أصل الكتاب المخطوط قال الشيخ إسماعيل بن سودكين تلميذ الشيخ محيي الدين بن العربي : « سمعت جميع هذا الكتاب ، وهو كتاب « منزل المنازل الفهوانية » على منشئه الإمام العالم المحقق الراسخ : أبي عبد اللّه محمد بن علي العربي ، رضي اللّه عنه . مع أبي . وسمع بعضه جماعة منهم : أبو بكر بن عيسى الناعوري .
وشمس الدين محمد بن الأمير سعد الدين المعظمي الشيخ المسمع وأجازهما الشيخ على ما بهما في المجلس .
وذلك في ثاني المحرم سنة ثمان عشرة وستمائة عليه جميعه وقال إسماعيل بن سودكين . وللّه الحمد والمنّة وهو حسبنا ونعم الوكيل » . ""
*
تم بحمد الله رب العالمين
عبد الله المسافر بالله
أمس في 21:08 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
أمس في 21:05 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
أمس في 21:02 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
أمس في 20:59 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
أمس في 20:54 من طرف Admin
» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
أمس في 20:05 من طرف Admin
» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
9/11/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
9/11/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin