كتاب العظمة الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
كتاب العظمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الحمد للّه مبدع الثاني في المثاني ، ومودع المعاني في المعاني ، مقيم السّبعة أعلاما ، ومنزّل القرآن العظيم إماما ، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما .
حضرة تميّز الأول باب أوله باء ، وآخره ميم
ولما كانت الباء أول موجود مقيّد ، وكانت في المرتبة الثانية من الوجود . كان لها العمل في عالم الكون السّفلي .
فأول معمول يليها هي الحاكمة عليه بالذات .
ثم إذا كان معمولا ممن يطلب وجودا آخر يستند إليه ، عمل فيه ذلك الاستناد عمل الباء ، وإن اختلف وجه الحكم ؛ فصورة العمل واحدة .
غير أن في هذا الباب الذي في هذه الحضرة ،
أربع كلمات قدسية :
اسم الاسم وهو مكون الباء .
ثم الاسم : وهو مكون اسم الاسم .
ثم كلمة العموم الإيجادي .
ثم كلمة الاختصاص .
وهذه الكلمات كلها ( صدرت على حكم الكون الأسفل ، مع علوها ورفعتها ، ولهذه الكلمات الوجودية ) عشرون شخصا . منهم أموات ، وأحياء ، ونوّم .
فالأحياء : عشرة أشخاص ، منهم ستة حياتهم سفلية ، وأربعة حياتهم برزخية ، وما فيهم من له حياة علوية .
والأموات : ثمانية .
والنّوم : اثنان .
ولكل واحد من هؤلاء الأشخاص منازل يعرفون بها ، ومن هذه المنازل يكون لهم الحكم في العالم .
فالحيّ الأول : له منزلتان .
والثاني : له أربعون منزلة
والثالث : له خمس منازل .
والرابع : له خمسون منزلة .
والخامس : له ثماني منازل .
والسادس : له أربعون منزلة .
وهذه منازل أهل الحياة السفلية .
وأمّا أهل الحياة البرزخية :
فالأول : له ثلاثون منزلة .
والثاني : له مائتا منزلة .
والثالث : له أربعون منزلة .
والرابع : له مائتا منزلة .
والميّت :
الأول : له منزلة واحدة .
والثاني : له ثلاثون منزلة .
والثالث : له منزلة واحدة .
والرابع : له ثلاثون منزلة .
والخامس : له منزلة واحدة .
والسادس : له منزلة واحدة .
والسابع : له ثلاثون منزلة .
والثامن : له عشر منازل .
والنائم الأول : له ثلاث مائة منزلة .
والنائم الثاني : له ثمانية منازل .
فإذا مرّ السالك على هؤلاء الأشخاص أفاده كل شخص من العلوم والأسرار على قدر منازله .
فأول ما يمر على الحي الأول ، ثم على النائم الأول ، ثم على الحي الثاني ، ثم على الميت الأول ، ثم على الميت الثاني ، ثم على الحي الثالث ، ثم على الحي الرابع ، ثم على الميت الثالث ، ثم على الميت الرابع ، ثم على الحي الخامس ، ثم على النائم الثاني ، ثم على الحي السادس ، ثم على الميت الخامس ، ثم على الحي السابع ، ثم على الميت السادس ، ثم على الميت السابع ، ثم على الحي الثامن ، ثم على الحي التاسع ، ثم على الميت الثامن ، ثم على الحي العاشر .
فليلزم السالك مع هؤلاء الأشخاص الروحانيين ، إذا مرّ بهم في سفره الروحاني ما يستحقون من الآداب .
فإن للحي آدابا تخصّ حضرته ، وللميت كذلك ، وللنائم كذلك .
وإذا تلقى السالك منهم أسرارهم ، وما يهبونه من الحكم الإلهية ، يتلقاها بالقبول والتسليم .
فإنها من العلوم الإلهية الرفيعة المنار ، المحرقات سبحاتها ، والظاهرة آياتها .
وجماع أدبه أن يلقي السمع وهو شهيد . فإذا تميّز في هذه المشاهدة غاب ثمّة المشهود في الشاهد .
عرف حينئذ خلاف علماء الكشف الإيماني في هذا الباب لماذا يرجع .
فإن طائفة من أهل الكشف الإيماني ألحقت هذا الباب بمقام العظمة ،
وقالت : إنه جزء منها ووصف لها ، ولا بد .
وطائفة قالت : إنه ليس من مقام العظمة ، ولكنه مفتاح لكل مقام إلهي ، إلّا لمقام القهر والغلبة ، فإنه يناقض معناه .
فلعدم المناسبة لم يصح أن يكون له مفتاحا أصلا . غير أن في هذا الباب ثلاثة أشخاص لم تدركهم المشاهدة لأنهم في حال فناء محقق .
ومعنى قولي : الفناء المحقق تحرز من الفناء غير المحقق . والفرق بينهما : أن الفناء المحقق : كما يفنى صاحبه عن شهود نفسه .
كذلك يفنى عنه الغير ، لتحققه بحالة الفناء ؛ فلا تظهر له صورة أصلا مشهودة ، لغلبة الحق عليه ظاهرا وباطنا ، فلا يرى كما أن الحق لا يرى .
والفناء الذي هو غير المحقق :
يفنى عن نفسه ، وصورته ظاهرة لغير جليسه فقد استحكمت المشاهدة على باطنه خاصة .
ومقام الفناء المحقق : يكون في الدار الآخرة مطلقا لكل مشاهد ، لأن المشاهدة هناك تعم ذات المشاهد . وهنا ليس كذلك في حق كل شخص .
فهؤلاء الثلاثة أشخاص المغيّبون على هذه الحالة . فإن أردت أن تعرف أماكنهم ، فانظر الواحد منهم بين الحي الأول والنائم الأول تثبّت هناك عسى تشملك بركة غيبته . وما له سوى منزل واحد .
وأمّا الثاني فمكانه من الحي الثالث والرابع ، فتثبّت هناك أيضا طالبا بركته ، وما له سوى منزل واحد .
وأمّا الثّالث : فمكانه بين الحي الرابع والميت الثالث فتثبت هناك قليلا . وله ست منازل . وهو أخفى من صاحبيه . فإنه ما ثم ما يدل عليه ألبتّة . لأنه هو الدليل على نفسه .
فجماعهم ثلاثة وعشرون شخصا لا غير فإذا أحكم الإنسان مسائل هذا الباب وتحققها وقبلها علما .
أحاط علما بأمور تكاد لا تتناهى ، فأحرى بالموجودات .
وقد أشبعنا القول في هذا الباب في كثير من كتبنا على ضروب مختلفة .
وهذا الكتاب من الفتوحات فهو جار على ما أعطاه الفتح الإلهي المكي . وإن قيدناه في غيره فالتنزل لها وبقوتها .
واعلم :
أن هؤلاء الأشخاص وإن كانوا ثلاثة وعشرين فليسوا من جنس واحد بل من عشرة أجناس .
ومعنى أجناس حضرات إلهية . صدر كل جنس عن حضرة مخصوصة بإذن اللّه .
فمنهم من ظهر من جنسه شخص واحد فصاعدا ، فمنها حضرة البهاء ، والرفعة ، والشرف ، والإنيّة ، واللطف ، والهوية ، والحياة ، والنور ، والرحمة ، واليمن .
فالحي الأول : من حضرة البهاء .
والنائم الأول : من حضرة الرفعة .
والحي الثاني والسادس والعاشر من حضرة الشرف .
والميت الأول والثالث والخامس والسادس والفانين المحققين من حضرة الإنيّة .
والميت الثاني والحي الثالث والميت الرابع والسابع من حضرة اللطف .
والحي الرابع : من حضرة الهوية .
والحي الخامس والثامن : من حضرة الرحمة .
والنائم الثاني والحي التاسع من حضرة الحياة .
والحي السابع : من حضرة النور .
والميت الثامن : من حضرة اليمن .
والفاني الثالث : من حضرة أخرى خلاف هذه العشرة وهي حضرة الوقاية ولها اسم الواقي مهيمن عليها .
فإذا أردت أن تعرف كم مسألة إلهية في هذا الباب فانظر ما يجتمع لك من المنازل التي فيه .
فهي عيون المسائل مع أعداد الأشخاص ضعفين من أجل نعوتهم بالحياة والموت والنوم والفناء .باب من الحضرة عينها أوله ألف ، وآخره نون وهو الباب الثاني من سبعة أبواب من هذا الكتاب
ولمّا كان هذا الكتاب يتضمن مقامات السبعة الأبدال لهذا بيّنّاه على سبعة أبواب . وهؤلاء الأبدال وإن كانوا سبعة فمنهم أربعة هم أوتاد الأرض .
وهؤلاء الأوتاد وإن كانوا أربعة . فمنهم القطب والإمامان .
وقد تكلمنا في حقيقة القطب والإمامين في كتاب « منزل القطب والإمامين » من « الفتوحات المكية » ، ونبهنا على طرف منه في كتاب " مواقع النجوم " .
فالقطب : يحفظ المركز .
والإمام الأيمن : يحفظ عالم الأرواح .
والإمام الأيسر : يحفظ عالم الأجسام .
والأوتاد الأربعة : يحفظون الشرق والغرب والجنوب والشمال .
والأبدال السبعة : يحفظون أقاليم الكرة علوا وسفلا فهم سبعة بالشخص ، وأربعة عشر بالحكم .
فأول هذا الباب ألف المدح ، وآخره نون الكون ويتصرف الثناء بين المكوّن والمكوّن فيثني المكوّن على المكوّن فثناؤه على نفسه . ويثني المكوّن على المكوّن حقيقة ويجني ثمرة ثنائه بما يليق بحقيقته .قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ[ الإسراء : 84 ] .
فثناء المكوّن قول القائل :فإذا مدحت فإنّما أثني على نفسي * فنفسي عين ذات ثناءوثناء المكوّن قول الآخر :إذا نحن أثنينا عليك بصالح * فأنت الّذي تثني فوق الّذي نثني لكن الثناء على الألوهية بالربوبية من أعجب ما سمعته الآذان وسطرته الأقلام .
ولكن لما قامت الألوهية هنا مقام الذات ، ونابت منابها ؛ لأنها الوصف الأخص والنعت الأعلى ، والاسم الأسنى لذلك أثنى عليها بالربوبية وغيرها من أسماء الثناء كالملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، إلى غير ذلك .
هذا وإن كان الثناء من المكوّن بأي اسم كان . فإن كل كون يكون حظه من الثناء بذلك الاسم على قدره في علمه بمنشئه من وجه حقه لا من وجه سببه ، وقدره في علمه راجع إلى قدر قبوله ، وقبوله على قدر استعداده .
واستعداده الأكمل على قدر نشأته ، مفردا كان أو مركبا ، ذا جسم أو غير جسم
والعالم كله أعلام منصوبة للدلالة عليه سبحانه من حيث ما هو ناصب لها ومن حيث ما أودع فيها ، لا من حيث ما هو عليه تعالى ، ومن حيث ما يعرف نفسه .
لأنه يتقدس ويتعالى عن تعلّق الأفكار به ، وتحصيلها له عند منتهى سفرها وإلقائها عصا تسيارها ، فإنها ما انتهت في سفرها ،
وما ألقت عصاها بعدما وفّت حقيقتها في المطلب ، إلّا في بحر العجز والحيرة ، وخلف حجاب العزّة والغيرة ، ولكن نعم ما سافرت هذه الأفكار ، ونعم ما حصلت في طريقها من الأسرار ،
لكن ما أوتي عليها إلّا من مفارقة ذاتها وجولانها في غير ميدانها ، والمطلوب إليها أقرب من حبل الوريد .
وقد قال القائل :
قد يرحل المرء لمطلوبه ... والسّبب المطلوب في الرّاحل
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ[ السجدة : 17 ]
هو قرة الأعين ، وشفاء لما في الصدور ، من علل طلبه والبحث فيما لا مبحث فيه . فلو سكنت لرأته منها مخبرا عنها ، وله ما سكن لا لغيره . ولغيره ما لم يكن لا له . فهو أغنى الشركاء عن الشرك .
من قال هذا للّه ولوجوهكم فهو لوجوهكم ليس للّه منه شيء .
لا تقبل الحضرة الإلهية حكما دنّسه الكون بظهوره فيه شركا .
يا ناظرا لحكمة من خارج .... إنسانك الحكمة يا ناظر
يقول العبد :
الكبرياء للّه ، والعظمة للّه ، أو الحمد للّه .
فيأخذها الحق منه ، أخذ عزيز مقتدر ، من عبد لاه غير مفتكر .
عندما يصل النطق إلى لام الخفض من الحمد للّه . يأخذه الحق مقدسا قبل أن يدنسه الكون وتبقى « لاه » صفة محققة للعبد حيث أراد أن يحمده .
وهو غير قادر على ذلك .
فجهل نفسه فكيف يعرف غيره وهذا باب عظيم أسراره كثيرة لولا التطويل لعرفناك بعددها وأشخاصها ونعوتهم وحضراتهم مثل الأول
ولكن مداره من جهة جناب الحق على ثلاثة أقطاب :
* قطب يتضمن أربعين ركنا من أركان المجد .
* وقطب يتضمن ثمانية أركان من أركان الحياة الأزلية .
* وقطب يتضمن أربعة أركان من أركان الديمومة ، فتفيض أركان المجد من سبحاتها على سبحات الديمومة ، فتنتشر على صفاء بحر الألوهية ؛ فيضرب لها شعاع في حقائق الربوبية ؛ فيضيء منها العالم .
فهو النور الذي فيه يسعون ، كما تفيض أيضا أركان المجد من سبحاتها على سبحات الحياة ، فينتشر على صفاء بحر المعرفة الإنيّة.
فيضرب لها شعاع في أكناف الرحمة الإيمانية ، فيكون عنها الوجود المحفوظ .
فهذا روح هذا الباب ومعناه ، لخّصناه لأصحابنا ؛ أهل الكشف والوجود والجمع ؛ ليتحققوا به إذا وقفوا عليه . وباللّه التوفيق .
باب من الحضرة نفسها وهو باب أوله ألف وآخره ميم وهو الباب الثالث من سبعة
هذا ألف الثناء وميم الوصف ، وبينهما بحور زواخر كيانية تموجها رياح إلهية ، زعازع لا تبقي هذه الرياح على ظهر هذه فلكا يجري إلا تكسّر ألواحه ، وتغرق أهله ، ثم ترمي بالكل إلى السيف ، فينشأون خلقا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين .
لكن مدار هذا الباب ، وإن كان عسير المدرك ، سامي التجلي على أربعة أقطاب :
قطب : يتضمن مائتا ركن من أركان الرحمانية .
وقطب : يتضمن أربعمائة ركن متصلة من أركان التوبة . وخمسة أركان من أركان الهوية .
وقطب : يتضمن ثمانية أركان من أركان الجناب الرحموتي .
وقطب : يتضمن أربعين ركنا من أركان الملك والشرف .
فتفيض أركان الجناب الرحموتي من سبحاتها على صفاء نهر الرحمانية ، فيضرب له شعاع في زوايا الكون فيعرفون من ذلك النور .
العارفون المفتوحة أبصارهم بنور الكشف مآل الكون وعاقبته ، وإلى أين يرجع بعد انقضاء مدته ؟
وفي الباب الذي قبله يعرف من أين صدر ؟
وتفيض أركان الملك والشرف من سبحاتها على أركان صفاء نهر الهوية . فيضرب لها شعاع في زوايا البرزخ فيضيء على أهله ويشرف فيعرفون بذلك النور . من كشف غطاؤه عنه مراتب الخلق ونتائج أعمالهم وكشوفات أبصارهم ومطالعات أسرارهم ، فطوبى لمن أشرقت أرضه بهذه الأنوار ، وجمع بين الدارين في هذه الدار ، فاستراح من ذلة الوقفة ولحق بأهل الاستثناء عند نفخة الصعقة ، ثم طوبى له وحسن مآب .
فهذا أخصر ما يمكنني من إيضاح ما يتضمنه هذا الباب ، ومسائله أكثر من نصف مسائل الباب الأول من هذا الكتاب .
وطلب الاختصار منعنا من ذكر أعداد المسائل في كل باب لكن أكثرها مسائل الباب السابع الآتي آخر الكتاب
باب من الحضرة نفسها وهو باب أوله ميم ، وآخره نون وهو الباب الرابع من سبعة
ميم الثناء ، ونون نتائج الأعمال . وبينهما أفلاك تدور ومياه تغور وتدور على العالم بأسره .
هذه الأفلاك ثمانية عشر ألف ألف دورة . تعطي للسعداء في هذه الدورات نورا شعشعانيا لا ظلمة بعده ، وتعطي للأشقياء ظلمة ظلمانية لا نور بعدها .
وتعطي للعصاة من أهل التوحيد سدفة بعد انقضائها .
أعني الدورات يعقبها نور لا ظلمة بعده .
وتعطي للمنافقين المتظاهرين بأكمل الطاعات سدفة يعقبها ظلمة مركزية سفلية لا نور بعدها ولا علو .
وفي هذا الباب ، وعند وجود هذه الحركات تتمايل أغصان سدرة المنتهى ، تحمل خزائن الأعمال مملوءة نورا ،
وترتفع أغصان شجرة الزقوم ؛ تحمل خفراء من الأعمال مملوءة ظلمة ،
فتتفتح خزائن السدرة ، فتنتشر الأنوار بين يدي عمّالها ، فترى نورهم يسعى بين أيديهم ،
وتنفتح خزائن الشجرة الملعونة فتنتشر ظلماتها بين يدي عمالها ، حتى أن أحدهم إذا أخرج يده لم يكد يراها ،
ويضرب بالخزائن بعضها في بعض ؛ فترمي بخزائن أخر ليس فيها شيء ، وترمي بخزائن أخر فيها نور وظلمة على السواء ،
وترمي بخزائن أخر نورها يغلب على ظلمتها ، وترمي بخزائن أخر ظلمتها تغلب على نورها . فتبدو المراتب على حسب ما ذكرنا .
فإذا انقضى الأمر بعد تعاقب هذه الأدوار ، وتكرير النهار على النهار . يتعلق العالم بأغصان الشجرتين فترتفع هذه بأصحابها إلى الجوار ، وتنزل هذه بأصحابها إلى الدرك الأسفل من النار .
ومدار هذا الباب وإن عظمت خطوبه وكثرت أسراره ،
وفاتت الإحصاء على ثلاثة أقطاب :
قطب : يتضمن سبعة أركان من أركان العزّة .
وقطب : يتضمن ثلاثة أركان من أركان الجمال المطلق .
وقطب : يتضمن ركنا واحدا من أركان الحقيقة .
وينقسم هذا الركن إلى شعبتين :
شعبة : تعم جميع أركان المقامات كلها .
وشعبة : تخص مقام الإنيّة من حيث التحقق بها لا من حيث السريان .
فتفيض أركان العزّة من سبحاتها على صفاء مرآة ذلك الجمال المطلق .
فيضرب لها شعاع على عالم الرحمة الاختصاصية فيتزاورون بها في جنات المعارف والأسرار ويتسامرون له .
وبهذا النور تقع المشاهدة هنا لأصحابها والرؤية هناك لأهلها ، كما تفيض أيضا أركان العزّة من سبحاتها على صفاء نهر الحقيقة ، فيضرب لها شعاع في زوايا مقامات العبودية فيرون بها من يلجأون إليه فيخاطبونه تأنيسا لتوقع الحاجة .
كما ورد : " تعرّف إليّ في الرخاء أعرفك في الشّدّة " أورده العجلوني ولفظه : « تعرّف إلى اللّه في الرّخاء يعرفك في الشدّة ".
غير أن هذه الأنوار إذا انتشرت على صفاء نهر الحقيقة ، اكتسبت من ذلك النهر صفاء ، يندرج صفاء سبحاتها فيه اندراج نور الكواكب في نور الشمس ، فتسري الأنوار المتولدة منهما ، من حيث الشّعبة العامة في جميع المعلومات على ضروبها من النفي والإثبات .
وبذلك النور يدرك العلماء معلوماتهم على مراتبها ومن حيث الشعب الخاصة لمقام الإنيّة تسري في الصدور خاصة فتنشرح بها .
وذلك هو النور الإسلامي المعوّل عليه :
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ[ الزمر : 22 ] . وقوله :نُورٌ عَلى نُورٍ[ النور : 35 ] .
فهذا نور الشرح والفتح لتحصيل المعارف والعلوم بذلك النور الآخر المتقدم ذكره . فافهم .
وباللّه التوفيق .
كتاب العظمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الحمد للّه مبدع الثاني في المثاني ، ومودع المعاني في المعاني ، مقيم السّبعة أعلاما ، ومنزّل القرآن العظيم إماما ، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما .
حضرة تميّز الأول باب أوله باء ، وآخره ميم
ولما كانت الباء أول موجود مقيّد ، وكانت في المرتبة الثانية من الوجود . كان لها العمل في عالم الكون السّفلي .
فأول معمول يليها هي الحاكمة عليه بالذات .
ثم إذا كان معمولا ممن يطلب وجودا آخر يستند إليه ، عمل فيه ذلك الاستناد عمل الباء ، وإن اختلف وجه الحكم ؛ فصورة العمل واحدة .
غير أن في هذا الباب الذي في هذه الحضرة ،
أربع كلمات قدسية :
اسم الاسم وهو مكون الباء .
ثم الاسم : وهو مكون اسم الاسم .
ثم كلمة العموم الإيجادي .
ثم كلمة الاختصاص .
وهذه الكلمات كلها ( صدرت على حكم الكون الأسفل ، مع علوها ورفعتها ، ولهذه الكلمات الوجودية ) عشرون شخصا . منهم أموات ، وأحياء ، ونوّم .
فالأحياء : عشرة أشخاص ، منهم ستة حياتهم سفلية ، وأربعة حياتهم برزخية ، وما فيهم من له حياة علوية .
والأموات : ثمانية .
والنّوم : اثنان .
ولكل واحد من هؤلاء الأشخاص منازل يعرفون بها ، ومن هذه المنازل يكون لهم الحكم في العالم .
فالحيّ الأول : له منزلتان .
والثاني : له أربعون منزلة
والثالث : له خمس منازل .
والرابع : له خمسون منزلة .
والخامس : له ثماني منازل .
والسادس : له أربعون منزلة .
وهذه منازل أهل الحياة السفلية .
وأمّا أهل الحياة البرزخية :
فالأول : له ثلاثون منزلة .
والثاني : له مائتا منزلة .
والثالث : له أربعون منزلة .
والرابع : له مائتا منزلة .
والميّت :
الأول : له منزلة واحدة .
والثاني : له ثلاثون منزلة .
والثالث : له منزلة واحدة .
والرابع : له ثلاثون منزلة .
والخامس : له منزلة واحدة .
والسادس : له منزلة واحدة .
والسابع : له ثلاثون منزلة .
والثامن : له عشر منازل .
والنائم الأول : له ثلاث مائة منزلة .
والنائم الثاني : له ثمانية منازل .
فإذا مرّ السالك على هؤلاء الأشخاص أفاده كل شخص من العلوم والأسرار على قدر منازله .
فأول ما يمر على الحي الأول ، ثم على النائم الأول ، ثم على الحي الثاني ، ثم على الميت الأول ، ثم على الميت الثاني ، ثم على الحي الثالث ، ثم على الحي الرابع ، ثم على الميت الثالث ، ثم على الميت الرابع ، ثم على الحي الخامس ، ثم على النائم الثاني ، ثم على الحي السادس ، ثم على الميت الخامس ، ثم على الحي السابع ، ثم على الميت السادس ، ثم على الميت السابع ، ثم على الحي الثامن ، ثم على الحي التاسع ، ثم على الميت الثامن ، ثم على الحي العاشر .
فليلزم السالك مع هؤلاء الأشخاص الروحانيين ، إذا مرّ بهم في سفره الروحاني ما يستحقون من الآداب .
فإن للحي آدابا تخصّ حضرته ، وللميت كذلك ، وللنائم كذلك .
وإذا تلقى السالك منهم أسرارهم ، وما يهبونه من الحكم الإلهية ، يتلقاها بالقبول والتسليم .
فإنها من العلوم الإلهية الرفيعة المنار ، المحرقات سبحاتها ، والظاهرة آياتها .
وجماع أدبه أن يلقي السمع وهو شهيد . فإذا تميّز في هذه المشاهدة غاب ثمّة المشهود في الشاهد .
عرف حينئذ خلاف علماء الكشف الإيماني في هذا الباب لماذا يرجع .
فإن طائفة من أهل الكشف الإيماني ألحقت هذا الباب بمقام العظمة ،
وقالت : إنه جزء منها ووصف لها ، ولا بد .
وطائفة قالت : إنه ليس من مقام العظمة ، ولكنه مفتاح لكل مقام إلهي ، إلّا لمقام القهر والغلبة ، فإنه يناقض معناه .
فلعدم المناسبة لم يصح أن يكون له مفتاحا أصلا . غير أن في هذا الباب ثلاثة أشخاص لم تدركهم المشاهدة لأنهم في حال فناء محقق .
ومعنى قولي : الفناء المحقق تحرز من الفناء غير المحقق . والفرق بينهما : أن الفناء المحقق : كما يفنى صاحبه عن شهود نفسه .
كذلك يفنى عنه الغير ، لتحققه بحالة الفناء ؛ فلا تظهر له صورة أصلا مشهودة ، لغلبة الحق عليه ظاهرا وباطنا ، فلا يرى كما أن الحق لا يرى .
والفناء الذي هو غير المحقق :
يفنى عن نفسه ، وصورته ظاهرة لغير جليسه فقد استحكمت المشاهدة على باطنه خاصة .
ومقام الفناء المحقق : يكون في الدار الآخرة مطلقا لكل مشاهد ، لأن المشاهدة هناك تعم ذات المشاهد . وهنا ليس كذلك في حق كل شخص .
فهؤلاء الثلاثة أشخاص المغيّبون على هذه الحالة . فإن أردت أن تعرف أماكنهم ، فانظر الواحد منهم بين الحي الأول والنائم الأول تثبّت هناك عسى تشملك بركة غيبته . وما له سوى منزل واحد .
وأمّا الثاني فمكانه من الحي الثالث والرابع ، فتثبّت هناك أيضا طالبا بركته ، وما له سوى منزل واحد .
وأمّا الثّالث : فمكانه بين الحي الرابع والميت الثالث فتثبت هناك قليلا . وله ست منازل . وهو أخفى من صاحبيه . فإنه ما ثم ما يدل عليه ألبتّة . لأنه هو الدليل على نفسه .
فجماعهم ثلاثة وعشرون شخصا لا غير فإذا أحكم الإنسان مسائل هذا الباب وتحققها وقبلها علما .
أحاط علما بأمور تكاد لا تتناهى ، فأحرى بالموجودات .
وقد أشبعنا القول في هذا الباب في كثير من كتبنا على ضروب مختلفة .
وهذا الكتاب من الفتوحات فهو جار على ما أعطاه الفتح الإلهي المكي . وإن قيدناه في غيره فالتنزل لها وبقوتها .
واعلم :
أن هؤلاء الأشخاص وإن كانوا ثلاثة وعشرين فليسوا من جنس واحد بل من عشرة أجناس .
ومعنى أجناس حضرات إلهية . صدر كل جنس عن حضرة مخصوصة بإذن اللّه .
فمنهم من ظهر من جنسه شخص واحد فصاعدا ، فمنها حضرة البهاء ، والرفعة ، والشرف ، والإنيّة ، واللطف ، والهوية ، والحياة ، والنور ، والرحمة ، واليمن .
فالحي الأول : من حضرة البهاء .
والنائم الأول : من حضرة الرفعة .
والحي الثاني والسادس والعاشر من حضرة الشرف .
والميت الأول والثالث والخامس والسادس والفانين المحققين من حضرة الإنيّة .
والميت الثاني والحي الثالث والميت الرابع والسابع من حضرة اللطف .
والحي الرابع : من حضرة الهوية .
والحي الخامس والثامن : من حضرة الرحمة .
والنائم الثاني والحي التاسع من حضرة الحياة .
والحي السابع : من حضرة النور .
والميت الثامن : من حضرة اليمن .
والفاني الثالث : من حضرة أخرى خلاف هذه العشرة وهي حضرة الوقاية ولها اسم الواقي مهيمن عليها .
فإذا أردت أن تعرف كم مسألة إلهية في هذا الباب فانظر ما يجتمع لك من المنازل التي فيه .
فهي عيون المسائل مع أعداد الأشخاص ضعفين من أجل نعوتهم بالحياة والموت والنوم والفناء .باب من الحضرة عينها أوله ألف ، وآخره نون وهو الباب الثاني من سبعة أبواب من هذا الكتاب
ولمّا كان هذا الكتاب يتضمن مقامات السبعة الأبدال لهذا بيّنّاه على سبعة أبواب . وهؤلاء الأبدال وإن كانوا سبعة فمنهم أربعة هم أوتاد الأرض .
وهؤلاء الأوتاد وإن كانوا أربعة . فمنهم القطب والإمامان .
وقد تكلمنا في حقيقة القطب والإمامين في كتاب « منزل القطب والإمامين » من « الفتوحات المكية » ، ونبهنا على طرف منه في كتاب " مواقع النجوم " .
فالقطب : يحفظ المركز .
والإمام الأيمن : يحفظ عالم الأرواح .
والإمام الأيسر : يحفظ عالم الأجسام .
والأوتاد الأربعة : يحفظون الشرق والغرب والجنوب والشمال .
والأبدال السبعة : يحفظون أقاليم الكرة علوا وسفلا فهم سبعة بالشخص ، وأربعة عشر بالحكم .
فأول هذا الباب ألف المدح ، وآخره نون الكون ويتصرف الثناء بين المكوّن والمكوّن فيثني المكوّن على المكوّن فثناؤه على نفسه . ويثني المكوّن على المكوّن حقيقة ويجني ثمرة ثنائه بما يليق بحقيقته .قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ[ الإسراء : 84 ] .
فثناء المكوّن قول القائل :فإذا مدحت فإنّما أثني على نفسي * فنفسي عين ذات ثناءوثناء المكوّن قول الآخر :إذا نحن أثنينا عليك بصالح * فأنت الّذي تثني فوق الّذي نثني لكن الثناء على الألوهية بالربوبية من أعجب ما سمعته الآذان وسطرته الأقلام .
ولكن لما قامت الألوهية هنا مقام الذات ، ونابت منابها ؛ لأنها الوصف الأخص والنعت الأعلى ، والاسم الأسنى لذلك أثنى عليها بالربوبية وغيرها من أسماء الثناء كالملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، إلى غير ذلك .
هذا وإن كان الثناء من المكوّن بأي اسم كان . فإن كل كون يكون حظه من الثناء بذلك الاسم على قدره في علمه بمنشئه من وجه حقه لا من وجه سببه ، وقدره في علمه راجع إلى قدر قبوله ، وقبوله على قدر استعداده .
واستعداده الأكمل على قدر نشأته ، مفردا كان أو مركبا ، ذا جسم أو غير جسم
والعالم كله أعلام منصوبة للدلالة عليه سبحانه من حيث ما هو ناصب لها ومن حيث ما أودع فيها ، لا من حيث ما هو عليه تعالى ، ومن حيث ما يعرف نفسه .
لأنه يتقدس ويتعالى عن تعلّق الأفكار به ، وتحصيلها له عند منتهى سفرها وإلقائها عصا تسيارها ، فإنها ما انتهت في سفرها ،
وما ألقت عصاها بعدما وفّت حقيقتها في المطلب ، إلّا في بحر العجز والحيرة ، وخلف حجاب العزّة والغيرة ، ولكن نعم ما سافرت هذه الأفكار ، ونعم ما حصلت في طريقها من الأسرار ،
لكن ما أوتي عليها إلّا من مفارقة ذاتها وجولانها في غير ميدانها ، والمطلوب إليها أقرب من حبل الوريد .
وقد قال القائل :
قد يرحل المرء لمطلوبه ... والسّبب المطلوب في الرّاحل
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ[ السجدة : 17 ]
هو قرة الأعين ، وشفاء لما في الصدور ، من علل طلبه والبحث فيما لا مبحث فيه . فلو سكنت لرأته منها مخبرا عنها ، وله ما سكن لا لغيره . ولغيره ما لم يكن لا له . فهو أغنى الشركاء عن الشرك .
من قال هذا للّه ولوجوهكم فهو لوجوهكم ليس للّه منه شيء .
لا تقبل الحضرة الإلهية حكما دنّسه الكون بظهوره فيه شركا .
يا ناظرا لحكمة من خارج .... إنسانك الحكمة يا ناظر
يقول العبد :
الكبرياء للّه ، والعظمة للّه ، أو الحمد للّه .
فيأخذها الحق منه ، أخذ عزيز مقتدر ، من عبد لاه غير مفتكر .
عندما يصل النطق إلى لام الخفض من الحمد للّه . يأخذه الحق مقدسا قبل أن يدنسه الكون وتبقى « لاه » صفة محققة للعبد حيث أراد أن يحمده .
وهو غير قادر على ذلك .
فجهل نفسه فكيف يعرف غيره وهذا باب عظيم أسراره كثيرة لولا التطويل لعرفناك بعددها وأشخاصها ونعوتهم وحضراتهم مثل الأول
ولكن مداره من جهة جناب الحق على ثلاثة أقطاب :
* قطب يتضمن أربعين ركنا من أركان المجد .
* وقطب يتضمن ثمانية أركان من أركان الحياة الأزلية .
* وقطب يتضمن أربعة أركان من أركان الديمومة ، فتفيض أركان المجد من سبحاتها على سبحات الديمومة ، فتنتشر على صفاء بحر الألوهية ؛ فيضرب لها شعاع في حقائق الربوبية ؛ فيضيء منها العالم .
فهو النور الذي فيه يسعون ، كما تفيض أيضا أركان المجد من سبحاتها على سبحات الحياة ، فينتشر على صفاء بحر المعرفة الإنيّة.
فيضرب لها شعاع في أكناف الرحمة الإيمانية ، فيكون عنها الوجود المحفوظ .
فهذا روح هذا الباب ومعناه ، لخّصناه لأصحابنا ؛ أهل الكشف والوجود والجمع ؛ ليتحققوا به إذا وقفوا عليه . وباللّه التوفيق .
باب من الحضرة نفسها وهو باب أوله ألف وآخره ميم وهو الباب الثالث من سبعة
هذا ألف الثناء وميم الوصف ، وبينهما بحور زواخر كيانية تموجها رياح إلهية ، زعازع لا تبقي هذه الرياح على ظهر هذه فلكا يجري إلا تكسّر ألواحه ، وتغرق أهله ، ثم ترمي بالكل إلى السيف ، فينشأون خلقا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين .
لكن مدار هذا الباب ، وإن كان عسير المدرك ، سامي التجلي على أربعة أقطاب :
قطب : يتضمن مائتا ركن من أركان الرحمانية .
وقطب : يتضمن أربعمائة ركن متصلة من أركان التوبة . وخمسة أركان من أركان الهوية .
وقطب : يتضمن ثمانية أركان من أركان الجناب الرحموتي .
وقطب : يتضمن أربعين ركنا من أركان الملك والشرف .
فتفيض أركان الجناب الرحموتي من سبحاتها على صفاء نهر الرحمانية ، فيضرب له شعاع في زوايا الكون فيعرفون من ذلك النور .
العارفون المفتوحة أبصارهم بنور الكشف مآل الكون وعاقبته ، وإلى أين يرجع بعد انقضاء مدته ؟
وفي الباب الذي قبله يعرف من أين صدر ؟
وتفيض أركان الملك والشرف من سبحاتها على أركان صفاء نهر الهوية . فيضرب لها شعاع في زوايا البرزخ فيضيء على أهله ويشرف فيعرفون بذلك النور . من كشف غطاؤه عنه مراتب الخلق ونتائج أعمالهم وكشوفات أبصارهم ومطالعات أسرارهم ، فطوبى لمن أشرقت أرضه بهذه الأنوار ، وجمع بين الدارين في هذه الدار ، فاستراح من ذلة الوقفة ولحق بأهل الاستثناء عند نفخة الصعقة ، ثم طوبى له وحسن مآب .
فهذا أخصر ما يمكنني من إيضاح ما يتضمنه هذا الباب ، ومسائله أكثر من نصف مسائل الباب الأول من هذا الكتاب .
وطلب الاختصار منعنا من ذكر أعداد المسائل في كل باب لكن أكثرها مسائل الباب السابع الآتي آخر الكتاب
باب من الحضرة نفسها وهو باب أوله ميم ، وآخره نون وهو الباب الرابع من سبعة
ميم الثناء ، ونون نتائج الأعمال . وبينهما أفلاك تدور ومياه تغور وتدور على العالم بأسره .
هذه الأفلاك ثمانية عشر ألف ألف دورة . تعطي للسعداء في هذه الدورات نورا شعشعانيا لا ظلمة بعده ، وتعطي للأشقياء ظلمة ظلمانية لا نور بعدها .
وتعطي للعصاة من أهل التوحيد سدفة بعد انقضائها .
أعني الدورات يعقبها نور لا ظلمة بعده .
وتعطي للمنافقين المتظاهرين بأكمل الطاعات سدفة يعقبها ظلمة مركزية سفلية لا نور بعدها ولا علو .
وفي هذا الباب ، وعند وجود هذه الحركات تتمايل أغصان سدرة المنتهى ، تحمل خزائن الأعمال مملوءة نورا ،
وترتفع أغصان شجرة الزقوم ؛ تحمل خفراء من الأعمال مملوءة ظلمة ،
فتتفتح خزائن السدرة ، فتنتشر الأنوار بين يدي عمّالها ، فترى نورهم يسعى بين أيديهم ،
وتنفتح خزائن الشجرة الملعونة فتنتشر ظلماتها بين يدي عمالها ، حتى أن أحدهم إذا أخرج يده لم يكد يراها ،
ويضرب بالخزائن بعضها في بعض ؛ فترمي بخزائن أخر ليس فيها شيء ، وترمي بخزائن أخر فيها نور وظلمة على السواء ،
وترمي بخزائن أخر نورها يغلب على ظلمتها ، وترمي بخزائن أخر ظلمتها تغلب على نورها . فتبدو المراتب على حسب ما ذكرنا .
فإذا انقضى الأمر بعد تعاقب هذه الأدوار ، وتكرير النهار على النهار . يتعلق العالم بأغصان الشجرتين فترتفع هذه بأصحابها إلى الجوار ، وتنزل هذه بأصحابها إلى الدرك الأسفل من النار .
ومدار هذا الباب وإن عظمت خطوبه وكثرت أسراره ،
وفاتت الإحصاء على ثلاثة أقطاب :
قطب : يتضمن سبعة أركان من أركان العزّة .
وقطب : يتضمن ثلاثة أركان من أركان الجمال المطلق .
وقطب : يتضمن ركنا واحدا من أركان الحقيقة .
وينقسم هذا الركن إلى شعبتين :
شعبة : تعم جميع أركان المقامات كلها .
وشعبة : تخص مقام الإنيّة من حيث التحقق بها لا من حيث السريان .
فتفيض أركان العزّة من سبحاتها على صفاء مرآة ذلك الجمال المطلق .
فيضرب لها شعاع على عالم الرحمة الاختصاصية فيتزاورون بها في جنات المعارف والأسرار ويتسامرون له .
وبهذا النور تقع المشاهدة هنا لأصحابها والرؤية هناك لأهلها ، كما تفيض أيضا أركان العزّة من سبحاتها على صفاء نهر الحقيقة ، فيضرب لها شعاع في زوايا مقامات العبودية فيرون بها من يلجأون إليه فيخاطبونه تأنيسا لتوقع الحاجة .
كما ورد : " تعرّف إليّ في الرخاء أعرفك في الشّدّة " أورده العجلوني ولفظه : « تعرّف إلى اللّه في الرّخاء يعرفك في الشدّة ".
غير أن هذه الأنوار إذا انتشرت على صفاء نهر الحقيقة ، اكتسبت من ذلك النهر صفاء ، يندرج صفاء سبحاتها فيه اندراج نور الكواكب في نور الشمس ، فتسري الأنوار المتولدة منهما ، من حيث الشّعبة العامة في جميع المعلومات على ضروبها من النفي والإثبات .
وبذلك النور يدرك العلماء معلوماتهم على مراتبها ومن حيث الشعب الخاصة لمقام الإنيّة تسري في الصدور خاصة فتنشرح بها .
وذلك هو النور الإسلامي المعوّل عليه :
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ[ الزمر : 22 ] . وقوله :نُورٌ عَلى نُورٍ[ النور : 35 ] .
فهذا نور الشرح والفتح لتحصيل المعارف والعلوم بذلك النور الآخر المتقدم ذكره . فافهم .
وباللّه التوفيق .
أمس في 21:08 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
أمس في 21:05 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
أمس في 21:02 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
أمس في 20:59 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
أمس في 20:54 من طرف Admin
» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
أمس في 20:05 من طرف Admin
» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
9/11/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
9/11/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin