فصل ومن ذلك قال : فلمّا قام بنفس الملك خاطر السعادة
ومن ذلك قال :
فلمّا قام بنفس الملك خاطر السعادة ، والتوجه إلى طريق الاستفادة ، والبحث عن الأمر الذي به دوام الملك فقام بعض حكمائه ، وأخصّاء علمائه
وقال :
أيها الملك مطلبك في قدرتي ، وحاجتك تحت قوّتي ، ولكن قد لا تعرف قدرها فيحرمك اللّه خيرها .
فأنا أنبهك أولا عن كيفية إيجادها ، وحسن إسعادها ، بأنها من اللّه بمكان ، وكأنها شاركت القدرة في إيجاد الأعيان ، فهي حكمة علوية ، مدرجة في صناعة علمية ، لتعلم أيها الملك أن اللّه هو الحكيم الخبير ، وأنه على كل شيء قدير ، وأنه قبل كل شيء ، وأنه أوجد الأشياء لا من شيء ، ولكن مع اتصافه بهذه القدرة المحققة ، النافذة المطلقة ، لم يوجد لهذي المعادن ابتداء ، حتى خلق الأفلاك ، العلوية والروحانية السماوية ، واللمحات الأفقية ، وأودع كل فلك روحانية كوكبية تحتوي على خاصية بها ، وعند وجودها خلق الأرض والسماء والهواء والأثير .
ثم أوجد فيها منها دائرة الزمهرير ، ثم أجرى الشمس والقمر ، والنجوم مسخرات بأمره ، وخصّ كل متكون من هذه الأجرام بسرّ من مكنون سرّه ، تظهر المعادن في أعيانها ، وتخلصت بكرور أزمانها .
فإذا كان اللّه مع قدرته ونفوذ إرادته ، وقوة علمه لم يوجد شيئا من المعادن إلا بعد خلق هذه الأدوات ، وأجرى هذه المسخرات . فكيف تطمع أنت أيها الملك أن تكون فعالا لهذه الحكمة مع عدم هذه الأدوات وتحصيل هذه الآلات .
فإن قدرتك قاصرة ، وصفقتك إن لم تحصّل هذه الآلات خاسرة ، وما فعل اللّه شيئا من هذه الأدوات ، وقدم هذه الآلات مع غنائه عنها إلّا لحكمة علمها من علمها ، وجهلها من جهلها .
قال الملك : فكيف السبيل إلى تحصيل هذه الأدوات ، وتركيب هذه المقامات .
فقال الحكيم : أيها الملك ألست ساكنا تحت خطّ الاستواء ، وإنّك من أهل السواء ؟
فقال الملك : نعم .
فقال الحكيم : من أراد أن يعلم أصل نشأة العالم، وترتيب هيئتي من خط الاستواء نعرّفه.
فقال الملك : كيف أصنع ؟
فإني لا أجد في نفسي قوة تصور هذه الأسباب والمقدمات ، وإيجاد هذه التأليفات والمركبات .
فقال الحكيم : إن اللّه تعالى قد منحني للقوة على نبأ ما يماثلها ، وإقامة ما يشاكلها ، ووهبني أسرار كيفياتها وكمياتها ولي أصحاب من الحكماء أهل الفطنة والذكاء أشدّ بهم أزري ، وأحكم بمشاورتهم أمري ، ليقضي غرضي المولى وتقوم له هذه الروحانية العلى .
فسرّ الملك بما قاله الحكيم ، وزال عنه ما كان أحاط به من الهموم .
فقال الحكيم : فاخترق مخاريق هذا الجبل العظيم ، ينظر فيه ؛ أين نقطة دائرة المركز الذي تقوم النشأة به ، وترتب عليه نظام الهيئة فرأى الرياح والنجورات التي تنحل من مسام ذلك الجبل تصير كالدائرة تتحرك في موضعها ، ولا تتعدى إلى غير مهيّئها ، فعمل الحيلة حتى روح ذاته فالتحق بالأطيار ، وسوّى جناحيه وطار ، واخترق معظم تلك الرياح محلقا في جوهرها ينزل بنزولها ويسمو بسموّها إلى أن انتهى إلى موضع لا يتعدى النازل فيه على الصاعد ولا الصاعد على النازل .
فقال الحكيم : اللّه أكبر . قام الملك ؛ وظهر .
فأراد بذلك المركز المعتدل أرضا ذات أشجار وبقول ، وأدار عليها الماء فدار ، وأدار عليها الهوى فصفق النسر بجناحيه وطار ، وأدار به دائرة الزمهرير وخلق به الفلك الأسير .
فلما أكمل هذه الأركان لإنشاء ما يريده من المعادن والنبات والحيوان ، لم ينفصل عنها ما أراد لأنها أشباح بلا أرواح وإناث بلا ذكور .
فاحتاج إلى إقامة النجوم الثابتة ، والبروج الحاكمة ، والكواكب السيّارة ، وحركة أفلاكها ، وفتح مسالك أملاكها فأقامها فكانت الآباد العلويات ، وهذه الأمهات السفليات فتناكح بالحقائق الروحانيات ، والرقائق السماويات ، فتولد بينهما أبناء الحكيم ؛ المعدنيات ، والنباتيات ، والحيوانيات ، ولم تبلغ قوة هذا الحكيم فوق هذا الحد ، ولكنه وفّى بالقصد .
فلما استوت هذه البنية على حسب ما أعطته الرؤية ، وحسن النيّة ، وجرت الأقلام ، وأعطت قواها الروحانيات ، وظهرت التكوينات والانفعالات ، وأشرف الملك الكريم ، على ما فعله الحكيم ، وعاين تكوين الحكمة في هذه الأجزاء ، وعرف أن الأمر لا يقوم إلّا بوجود الأرض والسماء ، فأعجبه ما رأى من حسن الرأي ، فأدركه الطيش والوله .
فخاف عليه الحكيم التأله فأعمل الحيلة والنظر حتى لاح له ما أراد ،
فظهر وشرع في إنشاء بستان ذي أفنان ، ففيه من كل وليد وقهرمان ، ومن الحور الحسان ، والنخيل والرمان ضروب وألوان ، ينساب فيها الجداول انسياب الشعابين بين تلك الأزهار والبساتين ، وأنشأ فيها قصورا من الذهب والفضة البيضاء ، وأسكنها من كل جارية غضاء ، وفرشها بالحرير من السندس والإستبرق والعبقري المرفود .
وجعل حصباءها الياقوت والمرجان ، والزمرد ، والجوهر وترابها المسك ، فثبت الملك . وآكامها العنبر .
ثم شرع في بناء دار أخرى ذات لهب وسعير ، وبرد وزمهرير ، وقيود وأغلال ، وسرابيل من قطران وأفاعي كأنها النحت ، وأساور عظيمة السحت ، وعقارب مكنونة من الشحت ، وبيوت مظلمة ومسالك ضيقة ، وكروب ، وغموم ، ومصائب ، وهموم .
ثم أشرف الملك على الدّارين فقال : انظر ما بين المنزلتين فرأى ما رآه ، وسأله ما السبب الذي دعاه ؟
فقال الحكيم : جعلت لك هذه الدار دار الرضا ، تنعم بها من أطاعك وأولاك ، وجعلت هذه الأخرى دار الغضب تعذب بها من عصاك وعاداك .
واعلم :
أن اللّه تعالى ما أسكنك في هذه الدّار إلّا لتجعلها دار اعتبار ، فتتفكر وتعتبر ، وتتذكر وتزدجر ، وتعظم من سوّاك وعدلك ، وصوّرك فجمّلك ، وأولاك وملكك وعلمك ، وإن كنت طائعا لربك عادلا لرعيتك فتصير إلى النعيم عند اللّه تعالى ، كما تصير أنت ومن أطاعك إلى هذا النعيم . وإن كنت عاصيا جائرا ، في حكمك ظالما ، فستصير إلى ضيق وعذاب أليم ، فخف ربك ودينك وأصلح مع اللّه قلبك ، وأنذر قومك ، وطهر ثوبك ، ولا يحجبك سلطان عادتك ، عن تحصيل أسباب سعادتك ، فإن الدنيا لمحة بارق ، وخيال طارق . كم ملك مثلك قد ملكها ، ثم رحل عنها وتركها ، ولا بد لك من الرحلة عنها إلى الأخرى . فإمّا أن يعمر درجها وإمّا أن يعمر دركها .
واعلم :
أن اللّه تعالى قد جعلك ملكا على خلقه ، وأقامك بين الحق والباطل في مقام حقّه ، لا لقصور قدرته عن صلاح الخلق وتدبيره ، وتصريفه في إظهار الملك وتسخيره ، وإنما ضرب لك بك مثالا في عالم الفناء ، لتستدل به على ترتيب الملك الإلهي في دار البقاء ، ولهذا جعل في هذه الدنيا ظلا زائلا ، وغرضا مائلا ، وجعلك عنها راحلا ، فهي جسر منصوب على بحر الهلاك ، قد أبادت من القرون الماضية ،
والأمم الخالية ، والجبابرة الطاغية ، والفضلاء ، والحكماء ، والأدباء ، والعقلاء ، والأولياء ، والأنبياء فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ( 8 ) [ الحاقة : 8 ] .
وأنت أيها الملك على قاعدة مذهبهم ، وعن قريب تلحق بهم ، فإمّا إلى النعيم في دار الخلود بجوار الصمد ، وإمّا إلى عذاب الأبد . فاجهد في تحصيل أدوات النجاة ، والبقاء فإن الدنيا متاع ، والآخرة خير لمن اتقى .
فصل ومن ذلك ثم قال الحكيم
ومن ذلك :
ثم قال الحكيم : فأدر سماواتك ، واستنزل روحانياتك ، عسى ينجلي عنك غمامها ، ويبدو لك بدر تمامها .
فإن الحقائق الروحانية والرقائق السماوية تتأذّى ( مما تتأذى ) به الإنسانية ، فالحذر الحذر من صفقة القدر ، واطلب الشيء من معدنه ، ودبره في موطنه ، فإنه من تولد من الحقائق الطيبة الممزوجة بالأثقال ، لا بد لمن أراد أن يكمل ذاته من مباشرة الأزبال . فإنه عنها تتكون وبها يتحقق وجوده ، ولا يغرنّك التحاق الأسافل بالأعالي ، والتحام الأباعد بالأداني . فإن للمعادن مواطنا ، ولكل ساكن مسكنا ، فمن حال بينها وبين معادنها ، ودبرها في غير موطنها ، تسقط في يديه ، ودار وباله عليه ، وكانت صفقته خاسرة وتجارته بايرة .
فإن كنت إلى تدبير هذه الصنعة ، وإيجاد هذه الحكمة بالأشواق ، فانزل عن هذه الطباق ، وسل عن الجبل المعروف فتجد مطلوبك وإني أودعك إياه ، وأنزلك في محيّاه وأعرفك بمعنّاه ، وأتحفك بسره ومعناه ، وأفرق لك حكمته في مماته وحكمته في محياه ، فانهض معي بلا حول ولا قوة إلّا باللّه .
فرحل بي إلى خط الاستواء .
فإذا بالجبل المذكور يعانق عنان السماء . فنزل إليه شخص من سراة الأرواح في نسيم الأرواح ، لطيف الإشارة ، فصيح العبارة .
فقال : مرحبا ، وأهلا وسهلا .
فقال الشيخ : هذا الغلام قد أنزلته عليك ، وسلمته إليك ، له همّة في طلب الحكمة ، وتشوق إلى معدن الرحمة ، فسلمني إليه ووقف ، وقبلني الآخر ولم يتوقف ، وسرّى معه وانصرف ، إلى أن أدخلني على الملك فقبلت يمنى بساطه ، وانبسط فسررت بانبساطه فعرف مقصدي فأخذ بيدي ، وأشار إلى بعض رعيته .
وقال : سر به في ملكي ثم مكّنه من حاجاته .
فأخذني المملوك ، وكان من أحسن المماليك ، فاخترق بي جميع المسالك ، فرأيت ملكا عظيما ، وسلطانا جسيما ، بديع الترتيب والنظم ، رفيع الكيف مدوّن الكم .
ما من مسلك فيه إلّا عليه حافظ ، ولا مجلس إلّا وعليه واعظ ، فمن عرف ما أودع في تدبيره الحكيم من العلوم ، دبّر منه حكمته بصفة تقويه ينظر إليها روحانيات النجوم .
ومما رأيت في ذلك الجبل صهريجا معلقا في الهواء عليه قبّة عظيمة محكمة البناء ، يسقط من تلك القبة حجارة رخوة بصفة هندسية روحانية في ذلك الصهريج ، وفيه سرب ينتهي إلى صهريج آخر .
معلق في الهواء فترسب تلك الحجارة فتثقل .
وعندهم نهر يسمى نهر الغريب يجري في طرقات مدبرة في سرب حتى ينتهي إلى ذلك الصهريج ، فإذا امتلأ طفت الحجارة حتى تسامت فم صهريج مصنوع من الكبريت فيعود ذلك الماء حميما فيطبخ تلك الأحجار ، فتكون منها الحكمة وهي التي تسمى الكيمياء .
فصل ومن ذلك حضرة موسوية ثم رجعنا نبتغي سماء الكلام
ومن ذلك :
حضرة موسوية ثم رجعنا نبتغي سماء الكلام ، لنقف على ما ورثناه من موسى عليه الصلاة والسلام ، فلما دخلنا عليه ، وخضعنا بين يديه ، سلّمنا وخدمنا ، فأكرمنا واحترمنا ، وجمع لنا بين إقبال الأخوّة والأبوّة ، إثبات الشرف مقام النبي محمد عليه الصلاة والسلام ووفى بمقام النبوة .
فقلنا له : ما حظّنا منك لنخبر به عنك ، وأوقفنا على ما لديك ، وما صرف الرحمن فيه النظر إليك .
فشال الحجاب ، وانفتح الباب من خلفه جنتان ،ذَواتا أَفْنانٍ،فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ،فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ،فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ،كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ.
فقال : هذا لمن حرم في دنياه الأمان .
ثم شال عن يساره الحجاب فانفتح الباب من خلفه جنّتان ،مُدْهامَّتانِ،فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ،فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌفِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ،حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ،لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ،مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ.
فقال : هنا لمن عاش بالأمانة وبقيت الأعيان ، فاطلب الأعيان بالعيان ، فشاهدنا ما أخبر اللّه به في السورة التي يذكر فيها :الرَّحْمنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 ) خَلَقَ الْإِنْسانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيانَ ( 4 )[ الرحمن : 1 - 4 ] غير أن جنى الجنتين ليس بدان ، فلما قصرت أيدينا عن تناول شيء منها ، سألته ما السبب الذي قصر بنا عنها .
فقال : يا ولي تناولها موقوف على التركيب الثاني ، إن فهمت بتعظيم معرفته الثاني وأنت في التركيب الأول فاصبر حتى تتحول .
فإذا سرت روحانيتك في جسمك ، ووسمت وسمك وعرفت سعادتك ، وتقف على سر حجرها وأحجارها ، فهنا يبدو لك شرف الاعتدال ، وصورة التمام والكمال ، ويظهر لعينك استواء المنحرف الميّال ، ويبقى العلم ويذهب الخيال ، وتتضح المعاني ويزول الإشكال ، وينحفظ التركيب باعتدال التركيب ، وتبرز حقيقة الأبد ، ويدوم البقاء بالديمومة الإلهية ، من غير أمد ، وتلوح كيفية التولد ، وماهية التعبد ، والتحاق الأجانب بالأقارب ، وتنوع المراتب باختلاف المذاهب ، وسرور الروح والنفس ، بتحصيل الجمال والأنس ، وتقف على سر إجابة دعوة المضطر ، وإن كان كافرا ، وهدى الطالب وإن كان جائرا ، وتعلم أن اللّه لا يضره معصية عاص ، ولا تنفعه طاعة طائع ، ولم يسم بالمانع ، والجوادّ ليس بالمانع .
ثم قال : نادى يا حنّان يا منّان ، يا رؤوف يا قديم الإحسان ، يا من جعل معدن النبوّة أشرف المعادن ، وموطن الأحكام أرفع المواطن ، أنت الذي سوّيت فعدّلت ، وفي أي صورة ما شئت ركّبت ما سويت .
يا واهب إذ لا واهب ، ويا مانح المثوبات لأهل المكاسب ، أنت الذي وهبت التوفيق ، وأخذت عبدك ومشيت به على الطريق ، وخلفت فيه الأعمال المرضيّة ، والأقوال الزكية ، وأنطقته بالتوحيد والشهادة ، ويسّرت له أسباب السعادة ، ثم أدخلته دارك ، ومنحته جوارك ،
وقلت له : هذا بعملك ولك ما انتهى إليه خاطر أملك ، فناديته كما أمرتني فأجاب ، وقرعت بابه بهذه الكلمات ففتح ورفع الحجاب . فلما تجلى ذلك الجبل الراسي ، وخررت على رأسي ، فانصرف الإدراك إلى القلب فأبصر ،
وقال : أين هذا من مقام اللّه أكبر .
قال : فأستره فيسترني فيبدو .... لذي السّترين آيات جسام
فمنها العين والتّحكيم فيها .... ومنها الانزعاج والاصطلام
أكاسير تردّ الميت حيّا .... ويمطر عند رؤيتها الجهام
فهذا للقرآن قد فكّرت فيه .... وجدت الحقّ حقّا يا غلام
ثم قال : إنّا نظمنا لك الدرر والجواهر في المسلك الواحد ، وأبرزنا لك القول في حضرة الفرق المتباعد، ولهذا ترى الواقف عليها لا يكاد يعثر على سرّ النسبة التي أودعها لديك.
قال :
حمدت إلهي والمقام عظيم .... فأبدى سرورا والفؤاد كظيم
وما عجبي من فرحتي كيف قورنت .... بترحة قلب جلّ فيه عظيم
وما ناله الصّدّيق في وقت كونه .... وشمس سماء الغرب منه عديم
مذاق ولكن الفؤاد مشاهد .... إلى كلّ ما يبديه وهو كتوم
فأشخاصنا خمس وخمس وخمسة .... عليهم ترى أمر الوجود يقوم
ومن قال إنّ الأربعين نهاية .... لهم فهو قول يرتضيه كليم
وإن شئت أخبر عن ثمان ولا تزد .... طريقهم فرد إليه قويم
فسبعتهم في الأرض لا يجهلونها .... وثامنهم عند النّجوم لزيم
فعند فنا حاء الزّمان ودالها .... على فاء مدلول الكرور يقوم
مع السّبعة الأعلام والنّاس غفّل .... عليم بتدبير الأمور حكيم
وفي الرّوضة الخضراء اسم عداته .... وصاحبها بالمؤمنين رحيم
ويختصّ بالتّدبير من دون غيره .... إذا فاح زهر أو يهبّ نسيم
تراه إذ ناوأه في الأمر جاهل .... كثير الدّعاوى أو يكيد زنيم
فظاهره الإعراض عنه وقلبه .... غيور على الأمر العزيز زعيم
إذا ما بقي من يومه نصف ساعة .... إلى ساعة أخرى وحلّ صريم
فيهتزّ غصن العدل بعد سكونه .... ويحيى نبات الأرض وهو هشيم
ويظهر عدل اللّه شرقا ومغربا .... وشخص إمام المؤمنين رحيم
وقال :
تدبّر أيّها الحبر اللّبيب .... أمورا قالها الفطن المصيب
وحقّق ما رمى لك من معان .... حواها لفظه العذب العجيب
ولا تنظر إلى الأكوان تشقى .... ويتعب جسمك الفذّ الغريب
أمّا بعد حمد اللّه الذي تقدم ، والصلاة التي ختم بها الحمد وتمم .
ثم قال :
وكنت نويت أن أجعل في هذا الكتاب ما أوضحته تارة وأخفيه أخرى .
فأوّله أين يكون من هذه النسخة الإنسانية مقام الأنبياء ،
وثانيه مقام الإمام المهدي المنسوب إلى بيت النبي مقام الطيبين ، وأين يكون ختم الأولياء وطائفة الأصفياء إذ الحاجة إلى معرفة المقامين ، والإنسان آكد من كل مضاهاتها الأكوان الحدثان .
لكنني خفت نزعة العدوّ الشيطان ، أن يصرخ بي في حضرة السلطان .
فيقول على ما لا أنويه ، وأحصل من أجله في بيت التنويه فسترت الشاة بالقززان صيانة لهذا الجسمان .
ثم رأيت ما أودع الحق من الأسرار لديه ، وتوكلت في إبرازه عليه .
فجعلت هذا الكتاب لمعرفة هذين المقامين ومتى تكلمت على مثل هذا فأنا أذكر العالمين ، ليتبين الأمر للسامع في العالم الكبير الذي يعرفه ويعقله ، ثم أضاهيه بسرّه المودع في الإنسان الذي ينكره ويجهله ، فليس غرضي في كل ما أصنّف في هذا الفن معرفة كل ما ظهر في الكون ، وإنما الغرض تنبيه الغافل على ما وجد في هذا العين الإنساني ، والشخص الآدمي . ثم أبين لك ما يجهله من الشيء الذي تعقله وتعرفه بأولى الإشارات في أصداف العبارات .
تنبيه : ولما لم يتمكن القاصد للبيت العتيق
ولما لم يتمكن القاصد للبيت العتيق ، أن يصل إليه حتى يقطع كل فج عميق ، ويترك الإلف والوطن ، ويهجر الخلد والفطن ، ويفارق الأهل والولد ، ويستوحش في سيره من كل أحد ، حتى إذا وصل الميقات ، خرج من رقّ الأوقات ، وتجرد عن مخيطه ، وخرج من مركزه إلى بسيطه ، وأخذ يلبي من دعاه ، بشيء ما كان قبل ذلك وعاه فصعد وقد لاح له على علم الهدى ، ودخل الحرم ولثم الحجر .
فإن الطريق الذي سلكت عليه ، والمقام الذي طلبته وانفردت إليه ، هو مقام فردانية الأحد ، ونفي الكثرة والعدد ، لا يصح معه التعريج على كون ، ولا يقبل إلّا ما تحققه عين .
ولما لم تعلم بحوادث الكون همتي ، وتشوقت إليه كلمتي ، كان الحق سبحانه وتعالى وجهتي ، ونزهتي ، عن ملاحظة جهتي ، وكنت لا أشهد أينا ، ولا أبصر كونا .
ومن ذلك أقول :
أقول وروح القدس تنفث في النّفس .... بأنّ وجود الحقّ في العدد الخمس
ولكنّني أدعى على القرب والنّوى .... بلا كيف بالبعل الكريم وبالعرس
فقال :
فالجسم فلك بحر الجود يزعجه .... ريح من الغرب بالأسحار مشحون
وراكب الفلك ما دامت تسيّره .... ريح الشّريعة محفوظ وميمون
فلا تزال كموج الملّقيات به .... يقول للكائنات في الورى كونوا
فكلّ قلب سها عن سرّ حكمته .... في كلّ كون فذاك القلب مغبون
فافهم فديتك سرّ اللّه فيك ولا .... تظهره فهو عن الأغيار مكنون
وغر عليه وصنه ما حييت به .... فالسّرّ ميت بقلب الحرّ مدفون
ثم عطف عليّ عطف النشوان يغازلني مغازلة الهيمان ،
ويقول :
« ردّني برداء الكتم ، فإني أنا الختم . بفقدي تذهب الدول وتلحق الأواخر بالأول » .
قد كان ما كان ممّا لست أذكره .... فظنّ خيرا ، ولا تسأل عن الخبر
ثم قال :
فمن كان ذا كشف علوي ، وعزم قوي ، شقّ على قلبي حتى يرى شمس ربي .
فمن امتطى عنق الأشياء طلب ولحق ، ومن نزل إلى زلول الكتم نجا والتحق ، إلّا إن كان كما فعله وفعله من قبلي خفي رمز ، ودرج معنى في معمى ، ومن دون ذلك البحر المذكور أرخينا الستور .
ولمّا صحّ أن الختم متقدم الجماعة يوم قيام الساعة ، ثبت أن له حشرين ، وأنه صاحب حكمين . وصاحب هذا السرّ هو رهن بيدك وقد علق فلا تيأس ، وأمسك عليه فتنكس ، ووجه الأمر عند ذلك في إفشاء هذا السر المكتوم ، والكتاب المختوم إفشاء تعريض لا تصريح وإعلام وتنبيه وتنويه .
ولمّا تلقيت منه الأمر على هذا الحدّ ، دخلت تحت هذا العقد ، فلزمني الوفاء بالعهد ، فأنا الآن أبدي وأعرض ، وإيّاك أعني واسمعي يا جارة .
وكيف أبوح بسرّي ، وأبدي مكنون أمري ، وأنا الموصي به غيري ، فيما يوضح نظمي ونثري .
ثم قال :
نبّه على السّرّ ولا تفشه .... فالبوح بالسّرّ له مقت
على الّذي تبديه فاصبر .... واكتمه حتّى يصل الوقت
فمن كان له قلب وفطنة ، شغله طلب الحكمة عن البطنة ، ووقف على ما رمزناه ، وفك المعمى الذي لغزناه ، ولولا خوف إفشاء السرّ الإلهي لشافهنا به الوارد والصادر ، وجعلناه قوت المقيم وزاد المسافر .
واللّه الكفيل بالهداية إلى سواء السبيل .
ولو شاء لهداكم أجمعين .
فصل بل وصل ولمّا نزّل عليّ الأسرار
بل وصل ولمّا نزّل عليّ الأسرار ، وسطعت عن مسام أشعته الأنوار ، اغتسلت بالماء القراح ، فأعكست الأنوار إلى محل الإلهام فجرت جداولها ، وأنهارها ، واشتد الريح الغربي فتموجت بحارها ، فدخل الموج بعضه إلى بعض ، وأسرع إلى ما أبرمه بالمبرم والنقض فلا تبصر إلّا سحابا مركوما ، وموجا مختوما ، في بحر لجّيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض .
فتأمل هذه الإشارات في نفسك ، واجمع عليها بقلبك وحسّك ، فإن الزمان شديد ، جبار عنيد ، وشيطان مريد .
فانسلخ منهم انسلاخ النهار من الليل ، وإلّا لحقت بأصحاب الشرور والويل ، وقد نصحتك فاعلم ، وأوضحت لك السّبل فالزم . فأقامني الحق مقام البحر الذي علا موجه فطما ، ودخل بعضه في بعض فهما ، وأنا في حالة لا يعرفه إلّا من كابدها ،
ولا يصفها إلّا من شاهدها كما قيل :
لا يعرف الشّوق إلّا من يكابده .... ولا الصّبابة إلّا من يعانيها
فأقمت متكئا إلى اليمين ، ونزّلت قلبي في مقام عليين ، إذ هو محلّ الحق ، ومقعد الصدق ، وقد غمره الماء ، وأحاط به الأنواء ، فلم تزل أمواجه تصفق ،
وأرياحه تزعج وتسبق إلى أن برقت لي منه بارقة كخرق الإبرة ، فرشح منها قدر رأس الشعرة ، رأيت فيها عبرة ، ولم ير إلّا شخصا ملكيا أنشأها نشأ فلكيا لاقترابه ، فعرفت أن ذلك الشخص جسمانية هذا الكتاب ، الذي أنزل الحق عليّ ، وأبرزه للعيان على يديّ ، وإنه قطرة من ذلك البحر المتموّج ،
ورشحة من ذلك الموج الأوهج ، فانظر وتأمل أيها المولى الأكمل ، هذه الأسرار التي لا تتخلص بالفكر ، إذ هي من حضرة ما لا خطر على قلب بشر ، ولا وعتها أذن واعية ، ولا أدركتها حقيقة بصر .
عجبت من بحر بلا ساحل .... وساحل ليس له بحر
وصبحة ليس لها ظلمة .... وليلة ليس لها فجر
وكرة ليس لها موضع .... يعرفها الجاهل والحير
وقبّة خضراء منصوبة .... جارية مركزها العمر
من خطب الحسناء في خدرها .... متيّما لم يغله المهر
أعطيتها المهر وأنكحتها .... في ليلة حتّى دنى الفجر
فالشّمس قد أدرج في ضوئها .... القمر السّاطع والزّهر
فقد رمزنا في الصفات أمرا يعجز عنه ، ولا يصل إليه أحد إلّا ما قدّر منه ، فإن الموج والغبار بالامتزاج يزيد النار .
لغزت أمورا إن تحقّقت يسرّها .... فذلك علم ربّك النّافع
غطس الغاطس ليخرج ياقوتها الأحمر في صدفة الأزهر ، فيخرج من بعد ذلك البحر صفر اليدين ، مكسور الجناحين ، مكفوف العين ، أخرس لا ينطق ، مبهوت لا يعقل ، فسئل بعد ما رجع إليه النّفس ، وخرج من سدفة الغلس .
فقيل له : ما رأيت ، وما هذا الذي أصابك ؟
فقال : هيهات لما تطلبون ، وبعدا لما ترومون ، واللّه لا ناله أحد ، ولا تضمن معرفته روح ولا جسد ، وهو العزيز الذي لا يدرك ، والموجود الذي لا يهلك ولا يملك ،
وإذا حارت العقول وطاشت الألباب في تلقي صفاته هذا مقام الأنبياء ، ومنزل الأمناء ، وحضرة البلغاء وكل واحد من الواصلين إليه على قدر علمه ، وقوة عزمه .
فما كان شملهم المقام وعمّ ، فمنهم التامّ الأتم ، فإنه من يقف على هذا العلم ، ولا مقام لهذا الحكم ، يروم ما لا يحصل له وذلك لما ذهل عنه وجهله وكفاك أن تعلم وهذا غاية العجز .
قل للباحث على ما لا يصل إليه ، والطالب فوق ما يبتغيه : هل يعرف من الحق غير ما أوجده فيه ؟
ثم قال للعارف :
أخرنا على المريد بالتعلّق ، وعلى اللّه الإيجاد والتخلق ، ولو فتحنا عليك بابا لوسعها ، والتجأ بعضها إلى بعض لرأيت أمرا يهولك شطره ، ويطيب لك خيره وخبره ولكن فيما ذكرناه تنبيها على ما سكتنا عنه وتركناه ،
وصيّره الحق سبحانه وتعالى ، فزانه صبره ، وهو موضوع نفوذ أمره إلّا منه وهو حجاب تجليه ، وترقي تدلّيه ، ثم نظر طالبا أين موضع قدميه ؟
وأين موضع نعليه ؟
فانبعث من تلك الطريقة أشعة في الخلاة ، استدارت أنوارها كاستدارة المرآة اللطيفة الكيف ، الفارغة الجوف ، معلومة المنازل ، عند السالك والداخل ،
فجعل ذلك الكور ، وأنشأ ذلك الدّور ، كرسيا لقدميه ، وحضرة لنفوذ ما يصدر من الأمر بين يديه ، فيخرج الأمر منه متحد العين ، حتى وصل الكرسي انقسم قسمين ، إذ كان المخاطب من ذلك الموضع إلى أسفل موجودين اثنين ،
وإن كان واحدا فمن جهة أخرى ، وعلى ذلك الواحد تتابع الرسل تترى ، فإن المخاطب لجميع الأشياء إنما هو الإنسان ليس ملك ولا جان ، فإن الملك والجان جزء منه ، وأنموذج خرج عنه ، فله بعض الخطاب ، والإنسان كل الكتاب المنبّه عليه بقوله :ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ[ الأنعام : 38 ] .
ثم بقوله :ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ[ الأنعام : 38 ] .
كما نبّه على الحقيقة المحمدية التي هي أصل الإنشاء ، وأوّل الابتداء فقال :وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ[ الرعد : 39 ] .
فنحن الكتاب الأجلى ، وهو الإمام الأعلى . فالإنسان الكتاب الجامع ، والليل المظلم ، والنهار المشرق الساطع .
فمن علوّ مرتبه وسموّ منزلته ، وإنه واحد بالنظر إلى قواعده ، وخمسة بالنظر إلى مملكته ، وستة بالنظر إلى جهاته ، وسبعة بالنظر إلى صفاته ،
وثمانية بالنظر إلى سجيّته ، وتسعة بالنظر إلى مراتبه ، وعشرة بالنظر إلى إحاطته ، وإحدى عشر بالنظر إلى ولايته ، وهو روح القدس .
ثم قال : وتركنا تعين ما ذكرته موقوفا على نفسك حتى تطّلع على ذلك ببصرك عند شروق شمسك ، وقد نبّهنا عليها في هذا الكتاب بالتضمين .
ففد فؤادك وقوّ اجتهادك . عسى أن يفتح لك بابا من عنده عند مواظبتك على الوفاء والتصديق بوعيده ووعده .
ومن ذلك إشارة :
مناقب المعارف والحكم موقوفة على ارتفاع الهمم .
فقلت له : ارفع الهمّة .
فقال : مضى زمان رفع الهمّة .
فقلت : اللهم ارفع بي الزمان ، وبغير زمان زال الزمان فلا زمان .
ارفع الهمة في الزمان تنل ما نبهتك عليه ، فالترقّي دائما أبدا .
ومن ذلك : ما لك يضرب لك المثل بعد المثل ، ولا تتفكر كم تخبط في الظلمة وتحسب أنك في النور ، لا يغرنّك اتساع أرضه كلها شوك ولا فعل لك .
كم مات فيها من أمثالك ؟
كم خرقت من نعال ؟
فوقفوا ولم يتقدموا ، ولم يتأخروا جوعا وعطشا .وصية
لا راحة مع الخلق ، فارجع إلى الحق فهو أولى لك .
فإن عاشرتهم على ما هم عليه بعدت من الحق .
وإن عاشرتهم على ما أنت عليه قتلوك .
فالستر أولى لك .
تنبيه : تحفّظ من الصاحب فهو العدوّ الملازم .
تحفّظ من الصاحب فهو العدوّ الملازم .
فدلّه على الحق ، واشغله به ، فإنه سيشكر لك ذلك عند اللّه .
وبعد :
أن سهّل اللّه بضروب نعمه بإنجاز هذا الكتاب من إشارات الصوفية .
فإن العلم محصور المعلومات في ثلاثة :
فإمّا علم يتعلق بحضرة الدنيا وأسبابها ، وما يحصل منها .
وإمّا علم يتعلق بالآخرة .
وإمّا علم يتعلق بالحق تعالى .
علم الأذواق من :
الصحو ، والسكر ، والشرب ، والهيبة ، والأنس ، والإثبات ، والمحو ، والمحق ، ومحق المحو ، وفناء العين .
والأنبياء عليهم السلام هم الذين جمعوا هذه العلوم . والعلماء الذين هم ورثة لهم . وما عدا هذين الصنفين . فإنما بالبعض .
وأقول للناظر في هذه العجالة :
قد أثبتّ لك فيه كثيرا من دقائق الحقائق فيما يتعلق بك وفيما يتعلق بالأسرار الإلهية ، ولقد نبهتك على الكنزين ، وأجريت لك كلاما من إشارات الصوفية ،
وتنبيهات حكمية ، ومقامات فردانية لتفهم ما قلت لك ، فإني أظهرت لك معنى من معاني ، ورفعت لك الستر .
واعلم ، وفقك اللّه ، أن هذه الأسرار من العلوم التي يجب سترها ولا يجوز كشفها .
واللّه الموفق بمنّه وكرمه .
*
تم بحمد الله رب العالمين
عبد الله المسافر بالله
ومن ذلك قال :
فلمّا قام بنفس الملك خاطر السعادة ، والتوجه إلى طريق الاستفادة ، والبحث عن الأمر الذي به دوام الملك فقام بعض حكمائه ، وأخصّاء علمائه
وقال :
أيها الملك مطلبك في قدرتي ، وحاجتك تحت قوّتي ، ولكن قد لا تعرف قدرها فيحرمك اللّه خيرها .
فأنا أنبهك أولا عن كيفية إيجادها ، وحسن إسعادها ، بأنها من اللّه بمكان ، وكأنها شاركت القدرة في إيجاد الأعيان ، فهي حكمة علوية ، مدرجة في صناعة علمية ، لتعلم أيها الملك أن اللّه هو الحكيم الخبير ، وأنه على كل شيء قدير ، وأنه قبل كل شيء ، وأنه أوجد الأشياء لا من شيء ، ولكن مع اتصافه بهذه القدرة المحققة ، النافذة المطلقة ، لم يوجد لهذي المعادن ابتداء ، حتى خلق الأفلاك ، العلوية والروحانية السماوية ، واللمحات الأفقية ، وأودع كل فلك روحانية كوكبية تحتوي على خاصية بها ، وعند وجودها خلق الأرض والسماء والهواء والأثير .
ثم أوجد فيها منها دائرة الزمهرير ، ثم أجرى الشمس والقمر ، والنجوم مسخرات بأمره ، وخصّ كل متكون من هذه الأجرام بسرّ من مكنون سرّه ، تظهر المعادن في أعيانها ، وتخلصت بكرور أزمانها .
فإذا كان اللّه مع قدرته ونفوذ إرادته ، وقوة علمه لم يوجد شيئا من المعادن إلا بعد خلق هذه الأدوات ، وأجرى هذه المسخرات . فكيف تطمع أنت أيها الملك أن تكون فعالا لهذه الحكمة مع عدم هذه الأدوات وتحصيل هذه الآلات .
فإن قدرتك قاصرة ، وصفقتك إن لم تحصّل هذه الآلات خاسرة ، وما فعل اللّه شيئا من هذه الأدوات ، وقدم هذه الآلات مع غنائه عنها إلّا لحكمة علمها من علمها ، وجهلها من جهلها .
قال الملك : فكيف السبيل إلى تحصيل هذه الأدوات ، وتركيب هذه المقامات .
فقال الحكيم : أيها الملك ألست ساكنا تحت خطّ الاستواء ، وإنّك من أهل السواء ؟
فقال الملك : نعم .
فقال الحكيم : من أراد أن يعلم أصل نشأة العالم، وترتيب هيئتي من خط الاستواء نعرّفه.
فقال الملك : كيف أصنع ؟
فإني لا أجد في نفسي قوة تصور هذه الأسباب والمقدمات ، وإيجاد هذه التأليفات والمركبات .
فقال الحكيم : إن اللّه تعالى قد منحني للقوة على نبأ ما يماثلها ، وإقامة ما يشاكلها ، ووهبني أسرار كيفياتها وكمياتها ولي أصحاب من الحكماء أهل الفطنة والذكاء أشدّ بهم أزري ، وأحكم بمشاورتهم أمري ، ليقضي غرضي المولى وتقوم له هذه الروحانية العلى .
فسرّ الملك بما قاله الحكيم ، وزال عنه ما كان أحاط به من الهموم .
فقال الحكيم : فاخترق مخاريق هذا الجبل العظيم ، ينظر فيه ؛ أين نقطة دائرة المركز الذي تقوم النشأة به ، وترتب عليه نظام الهيئة فرأى الرياح والنجورات التي تنحل من مسام ذلك الجبل تصير كالدائرة تتحرك في موضعها ، ولا تتعدى إلى غير مهيّئها ، فعمل الحيلة حتى روح ذاته فالتحق بالأطيار ، وسوّى جناحيه وطار ، واخترق معظم تلك الرياح محلقا في جوهرها ينزل بنزولها ويسمو بسموّها إلى أن انتهى إلى موضع لا يتعدى النازل فيه على الصاعد ولا الصاعد على النازل .
فقال الحكيم : اللّه أكبر . قام الملك ؛ وظهر .
فأراد بذلك المركز المعتدل أرضا ذات أشجار وبقول ، وأدار عليها الماء فدار ، وأدار عليها الهوى فصفق النسر بجناحيه وطار ، وأدار به دائرة الزمهرير وخلق به الفلك الأسير .
فلما أكمل هذه الأركان لإنشاء ما يريده من المعادن والنبات والحيوان ، لم ينفصل عنها ما أراد لأنها أشباح بلا أرواح وإناث بلا ذكور .
فاحتاج إلى إقامة النجوم الثابتة ، والبروج الحاكمة ، والكواكب السيّارة ، وحركة أفلاكها ، وفتح مسالك أملاكها فأقامها فكانت الآباد العلويات ، وهذه الأمهات السفليات فتناكح بالحقائق الروحانيات ، والرقائق السماويات ، فتولد بينهما أبناء الحكيم ؛ المعدنيات ، والنباتيات ، والحيوانيات ، ولم تبلغ قوة هذا الحكيم فوق هذا الحد ، ولكنه وفّى بالقصد .
فلما استوت هذه البنية على حسب ما أعطته الرؤية ، وحسن النيّة ، وجرت الأقلام ، وأعطت قواها الروحانيات ، وظهرت التكوينات والانفعالات ، وأشرف الملك الكريم ، على ما فعله الحكيم ، وعاين تكوين الحكمة في هذه الأجزاء ، وعرف أن الأمر لا يقوم إلّا بوجود الأرض والسماء ، فأعجبه ما رأى من حسن الرأي ، فأدركه الطيش والوله .
فخاف عليه الحكيم التأله فأعمل الحيلة والنظر حتى لاح له ما أراد ،
فظهر وشرع في إنشاء بستان ذي أفنان ، ففيه من كل وليد وقهرمان ، ومن الحور الحسان ، والنخيل والرمان ضروب وألوان ، ينساب فيها الجداول انسياب الشعابين بين تلك الأزهار والبساتين ، وأنشأ فيها قصورا من الذهب والفضة البيضاء ، وأسكنها من كل جارية غضاء ، وفرشها بالحرير من السندس والإستبرق والعبقري المرفود .
وجعل حصباءها الياقوت والمرجان ، والزمرد ، والجوهر وترابها المسك ، فثبت الملك . وآكامها العنبر .
ثم شرع في بناء دار أخرى ذات لهب وسعير ، وبرد وزمهرير ، وقيود وأغلال ، وسرابيل من قطران وأفاعي كأنها النحت ، وأساور عظيمة السحت ، وعقارب مكنونة من الشحت ، وبيوت مظلمة ومسالك ضيقة ، وكروب ، وغموم ، ومصائب ، وهموم .
ثم أشرف الملك على الدّارين فقال : انظر ما بين المنزلتين فرأى ما رآه ، وسأله ما السبب الذي دعاه ؟
فقال الحكيم : جعلت لك هذه الدار دار الرضا ، تنعم بها من أطاعك وأولاك ، وجعلت هذه الأخرى دار الغضب تعذب بها من عصاك وعاداك .
واعلم :
أن اللّه تعالى ما أسكنك في هذه الدّار إلّا لتجعلها دار اعتبار ، فتتفكر وتعتبر ، وتتذكر وتزدجر ، وتعظم من سوّاك وعدلك ، وصوّرك فجمّلك ، وأولاك وملكك وعلمك ، وإن كنت طائعا لربك عادلا لرعيتك فتصير إلى النعيم عند اللّه تعالى ، كما تصير أنت ومن أطاعك إلى هذا النعيم . وإن كنت عاصيا جائرا ، في حكمك ظالما ، فستصير إلى ضيق وعذاب أليم ، فخف ربك ودينك وأصلح مع اللّه قلبك ، وأنذر قومك ، وطهر ثوبك ، ولا يحجبك سلطان عادتك ، عن تحصيل أسباب سعادتك ، فإن الدنيا لمحة بارق ، وخيال طارق . كم ملك مثلك قد ملكها ، ثم رحل عنها وتركها ، ولا بد لك من الرحلة عنها إلى الأخرى . فإمّا أن يعمر درجها وإمّا أن يعمر دركها .
واعلم :
أن اللّه تعالى قد جعلك ملكا على خلقه ، وأقامك بين الحق والباطل في مقام حقّه ، لا لقصور قدرته عن صلاح الخلق وتدبيره ، وتصريفه في إظهار الملك وتسخيره ، وإنما ضرب لك بك مثالا في عالم الفناء ، لتستدل به على ترتيب الملك الإلهي في دار البقاء ، ولهذا جعل في هذه الدنيا ظلا زائلا ، وغرضا مائلا ، وجعلك عنها راحلا ، فهي جسر منصوب على بحر الهلاك ، قد أبادت من القرون الماضية ،
والأمم الخالية ، والجبابرة الطاغية ، والفضلاء ، والحكماء ، والأدباء ، والعقلاء ، والأولياء ، والأنبياء فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ( 8 ) [ الحاقة : 8 ] .
وأنت أيها الملك على قاعدة مذهبهم ، وعن قريب تلحق بهم ، فإمّا إلى النعيم في دار الخلود بجوار الصمد ، وإمّا إلى عذاب الأبد . فاجهد في تحصيل أدوات النجاة ، والبقاء فإن الدنيا متاع ، والآخرة خير لمن اتقى .
فصل ومن ذلك ثم قال الحكيم
ومن ذلك :
ثم قال الحكيم : فأدر سماواتك ، واستنزل روحانياتك ، عسى ينجلي عنك غمامها ، ويبدو لك بدر تمامها .
فإن الحقائق الروحانية والرقائق السماوية تتأذّى ( مما تتأذى ) به الإنسانية ، فالحذر الحذر من صفقة القدر ، واطلب الشيء من معدنه ، ودبره في موطنه ، فإنه من تولد من الحقائق الطيبة الممزوجة بالأثقال ، لا بد لمن أراد أن يكمل ذاته من مباشرة الأزبال . فإنه عنها تتكون وبها يتحقق وجوده ، ولا يغرنّك التحاق الأسافل بالأعالي ، والتحام الأباعد بالأداني . فإن للمعادن مواطنا ، ولكل ساكن مسكنا ، فمن حال بينها وبين معادنها ، ودبرها في غير موطنها ، تسقط في يديه ، ودار وباله عليه ، وكانت صفقته خاسرة وتجارته بايرة .
فإن كنت إلى تدبير هذه الصنعة ، وإيجاد هذه الحكمة بالأشواق ، فانزل عن هذه الطباق ، وسل عن الجبل المعروف فتجد مطلوبك وإني أودعك إياه ، وأنزلك في محيّاه وأعرفك بمعنّاه ، وأتحفك بسره ومعناه ، وأفرق لك حكمته في مماته وحكمته في محياه ، فانهض معي بلا حول ولا قوة إلّا باللّه .
فرحل بي إلى خط الاستواء .
فإذا بالجبل المذكور يعانق عنان السماء . فنزل إليه شخص من سراة الأرواح في نسيم الأرواح ، لطيف الإشارة ، فصيح العبارة .
فقال : مرحبا ، وأهلا وسهلا .
فقال الشيخ : هذا الغلام قد أنزلته عليك ، وسلمته إليك ، له همّة في طلب الحكمة ، وتشوق إلى معدن الرحمة ، فسلمني إليه ووقف ، وقبلني الآخر ولم يتوقف ، وسرّى معه وانصرف ، إلى أن أدخلني على الملك فقبلت يمنى بساطه ، وانبسط فسررت بانبساطه فعرف مقصدي فأخذ بيدي ، وأشار إلى بعض رعيته .
وقال : سر به في ملكي ثم مكّنه من حاجاته .
فأخذني المملوك ، وكان من أحسن المماليك ، فاخترق بي جميع المسالك ، فرأيت ملكا عظيما ، وسلطانا جسيما ، بديع الترتيب والنظم ، رفيع الكيف مدوّن الكم .
ما من مسلك فيه إلّا عليه حافظ ، ولا مجلس إلّا وعليه واعظ ، فمن عرف ما أودع في تدبيره الحكيم من العلوم ، دبّر منه حكمته بصفة تقويه ينظر إليها روحانيات النجوم .
ومما رأيت في ذلك الجبل صهريجا معلقا في الهواء عليه قبّة عظيمة محكمة البناء ، يسقط من تلك القبة حجارة رخوة بصفة هندسية روحانية في ذلك الصهريج ، وفيه سرب ينتهي إلى صهريج آخر .
معلق في الهواء فترسب تلك الحجارة فتثقل .
وعندهم نهر يسمى نهر الغريب يجري في طرقات مدبرة في سرب حتى ينتهي إلى ذلك الصهريج ، فإذا امتلأ طفت الحجارة حتى تسامت فم صهريج مصنوع من الكبريت فيعود ذلك الماء حميما فيطبخ تلك الأحجار ، فتكون منها الحكمة وهي التي تسمى الكيمياء .
فصل ومن ذلك حضرة موسوية ثم رجعنا نبتغي سماء الكلام
ومن ذلك :
حضرة موسوية ثم رجعنا نبتغي سماء الكلام ، لنقف على ما ورثناه من موسى عليه الصلاة والسلام ، فلما دخلنا عليه ، وخضعنا بين يديه ، سلّمنا وخدمنا ، فأكرمنا واحترمنا ، وجمع لنا بين إقبال الأخوّة والأبوّة ، إثبات الشرف مقام النبي محمد عليه الصلاة والسلام ووفى بمقام النبوة .
فقلنا له : ما حظّنا منك لنخبر به عنك ، وأوقفنا على ما لديك ، وما صرف الرحمن فيه النظر إليك .
فشال الحجاب ، وانفتح الباب من خلفه جنتان ،ذَواتا أَفْنانٍ،فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ،فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ،فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ،كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ.
فقال : هذا لمن حرم في دنياه الأمان .
ثم شال عن يساره الحجاب فانفتح الباب من خلفه جنّتان ،مُدْهامَّتانِ،فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ،فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌفِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ،حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ،لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ،مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ.
فقال : هنا لمن عاش بالأمانة وبقيت الأعيان ، فاطلب الأعيان بالعيان ، فشاهدنا ما أخبر اللّه به في السورة التي يذكر فيها :الرَّحْمنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 ) خَلَقَ الْإِنْسانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيانَ ( 4 )[ الرحمن : 1 - 4 ] غير أن جنى الجنتين ليس بدان ، فلما قصرت أيدينا عن تناول شيء منها ، سألته ما السبب الذي قصر بنا عنها .
فقال : يا ولي تناولها موقوف على التركيب الثاني ، إن فهمت بتعظيم معرفته الثاني وأنت في التركيب الأول فاصبر حتى تتحول .
فإذا سرت روحانيتك في جسمك ، ووسمت وسمك وعرفت سعادتك ، وتقف على سر حجرها وأحجارها ، فهنا يبدو لك شرف الاعتدال ، وصورة التمام والكمال ، ويظهر لعينك استواء المنحرف الميّال ، ويبقى العلم ويذهب الخيال ، وتتضح المعاني ويزول الإشكال ، وينحفظ التركيب باعتدال التركيب ، وتبرز حقيقة الأبد ، ويدوم البقاء بالديمومة الإلهية ، من غير أمد ، وتلوح كيفية التولد ، وماهية التعبد ، والتحاق الأجانب بالأقارب ، وتنوع المراتب باختلاف المذاهب ، وسرور الروح والنفس ، بتحصيل الجمال والأنس ، وتقف على سر إجابة دعوة المضطر ، وإن كان كافرا ، وهدى الطالب وإن كان جائرا ، وتعلم أن اللّه لا يضره معصية عاص ، ولا تنفعه طاعة طائع ، ولم يسم بالمانع ، والجوادّ ليس بالمانع .
ثم قال : نادى يا حنّان يا منّان ، يا رؤوف يا قديم الإحسان ، يا من جعل معدن النبوّة أشرف المعادن ، وموطن الأحكام أرفع المواطن ، أنت الذي سوّيت فعدّلت ، وفي أي صورة ما شئت ركّبت ما سويت .
يا واهب إذ لا واهب ، ويا مانح المثوبات لأهل المكاسب ، أنت الذي وهبت التوفيق ، وأخذت عبدك ومشيت به على الطريق ، وخلفت فيه الأعمال المرضيّة ، والأقوال الزكية ، وأنطقته بالتوحيد والشهادة ، ويسّرت له أسباب السعادة ، ثم أدخلته دارك ، ومنحته جوارك ،
وقلت له : هذا بعملك ولك ما انتهى إليه خاطر أملك ، فناديته كما أمرتني فأجاب ، وقرعت بابه بهذه الكلمات ففتح ورفع الحجاب . فلما تجلى ذلك الجبل الراسي ، وخررت على رأسي ، فانصرف الإدراك إلى القلب فأبصر ،
وقال : أين هذا من مقام اللّه أكبر .
قال : فأستره فيسترني فيبدو .... لذي السّترين آيات جسام
فمنها العين والتّحكيم فيها .... ومنها الانزعاج والاصطلام
أكاسير تردّ الميت حيّا .... ويمطر عند رؤيتها الجهام
فهذا للقرآن قد فكّرت فيه .... وجدت الحقّ حقّا يا غلام
ثم قال : إنّا نظمنا لك الدرر والجواهر في المسلك الواحد ، وأبرزنا لك القول في حضرة الفرق المتباعد، ولهذا ترى الواقف عليها لا يكاد يعثر على سرّ النسبة التي أودعها لديك.
قال :
حمدت إلهي والمقام عظيم .... فأبدى سرورا والفؤاد كظيم
وما عجبي من فرحتي كيف قورنت .... بترحة قلب جلّ فيه عظيم
وما ناله الصّدّيق في وقت كونه .... وشمس سماء الغرب منه عديم
مذاق ولكن الفؤاد مشاهد .... إلى كلّ ما يبديه وهو كتوم
فأشخاصنا خمس وخمس وخمسة .... عليهم ترى أمر الوجود يقوم
ومن قال إنّ الأربعين نهاية .... لهم فهو قول يرتضيه كليم
وإن شئت أخبر عن ثمان ولا تزد .... طريقهم فرد إليه قويم
فسبعتهم في الأرض لا يجهلونها .... وثامنهم عند النّجوم لزيم
فعند فنا حاء الزّمان ودالها .... على فاء مدلول الكرور يقوم
مع السّبعة الأعلام والنّاس غفّل .... عليم بتدبير الأمور حكيم
وفي الرّوضة الخضراء اسم عداته .... وصاحبها بالمؤمنين رحيم
ويختصّ بالتّدبير من دون غيره .... إذا فاح زهر أو يهبّ نسيم
تراه إذ ناوأه في الأمر جاهل .... كثير الدّعاوى أو يكيد زنيم
فظاهره الإعراض عنه وقلبه .... غيور على الأمر العزيز زعيم
إذا ما بقي من يومه نصف ساعة .... إلى ساعة أخرى وحلّ صريم
فيهتزّ غصن العدل بعد سكونه .... ويحيى نبات الأرض وهو هشيم
ويظهر عدل اللّه شرقا ومغربا .... وشخص إمام المؤمنين رحيم
وقال :
تدبّر أيّها الحبر اللّبيب .... أمورا قالها الفطن المصيب
وحقّق ما رمى لك من معان .... حواها لفظه العذب العجيب
ولا تنظر إلى الأكوان تشقى .... ويتعب جسمك الفذّ الغريب
أمّا بعد حمد اللّه الذي تقدم ، والصلاة التي ختم بها الحمد وتمم .
ثم قال :
وكنت نويت أن أجعل في هذا الكتاب ما أوضحته تارة وأخفيه أخرى .
فأوّله أين يكون من هذه النسخة الإنسانية مقام الأنبياء ،
وثانيه مقام الإمام المهدي المنسوب إلى بيت النبي مقام الطيبين ، وأين يكون ختم الأولياء وطائفة الأصفياء إذ الحاجة إلى معرفة المقامين ، والإنسان آكد من كل مضاهاتها الأكوان الحدثان .
لكنني خفت نزعة العدوّ الشيطان ، أن يصرخ بي في حضرة السلطان .
فيقول على ما لا أنويه ، وأحصل من أجله في بيت التنويه فسترت الشاة بالقززان صيانة لهذا الجسمان .
ثم رأيت ما أودع الحق من الأسرار لديه ، وتوكلت في إبرازه عليه .
فجعلت هذا الكتاب لمعرفة هذين المقامين ومتى تكلمت على مثل هذا فأنا أذكر العالمين ، ليتبين الأمر للسامع في العالم الكبير الذي يعرفه ويعقله ، ثم أضاهيه بسرّه المودع في الإنسان الذي ينكره ويجهله ، فليس غرضي في كل ما أصنّف في هذا الفن معرفة كل ما ظهر في الكون ، وإنما الغرض تنبيه الغافل على ما وجد في هذا العين الإنساني ، والشخص الآدمي . ثم أبين لك ما يجهله من الشيء الذي تعقله وتعرفه بأولى الإشارات في أصداف العبارات .
تنبيه : ولما لم يتمكن القاصد للبيت العتيق
ولما لم يتمكن القاصد للبيت العتيق ، أن يصل إليه حتى يقطع كل فج عميق ، ويترك الإلف والوطن ، ويهجر الخلد والفطن ، ويفارق الأهل والولد ، ويستوحش في سيره من كل أحد ، حتى إذا وصل الميقات ، خرج من رقّ الأوقات ، وتجرد عن مخيطه ، وخرج من مركزه إلى بسيطه ، وأخذ يلبي من دعاه ، بشيء ما كان قبل ذلك وعاه فصعد وقد لاح له على علم الهدى ، ودخل الحرم ولثم الحجر .
فإن الطريق الذي سلكت عليه ، والمقام الذي طلبته وانفردت إليه ، هو مقام فردانية الأحد ، ونفي الكثرة والعدد ، لا يصح معه التعريج على كون ، ولا يقبل إلّا ما تحققه عين .
ولما لم تعلم بحوادث الكون همتي ، وتشوقت إليه كلمتي ، كان الحق سبحانه وتعالى وجهتي ، ونزهتي ، عن ملاحظة جهتي ، وكنت لا أشهد أينا ، ولا أبصر كونا .
ومن ذلك أقول :
أقول وروح القدس تنفث في النّفس .... بأنّ وجود الحقّ في العدد الخمس
ولكنّني أدعى على القرب والنّوى .... بلا كيف بالبعل الكريم وبالعرس
فقال :
فالجسم فلك بحر الجود يزعجه .... ريح من الغرب بالأسحار مشحون
وراكب الفلك ما دامت تسيّره .... ريح الشّريعة محفوظ وميمون
فلا تزال كموج الملّقيات به .... يقول للكائنات في الورى كونوا
فكلّ قلب سها عن سرّ حكمته .... في كلّ كون فذاك القلب مغبون
فافهم فديتك سرّ اللّه فيك ولا .... تظهره فهو عن الأغيار مكنون
وغر عليه وصنه ما حييت به .... فالسّرّ ميت بقلب الحرّ مدفون
ثم عطف عليّ عطف النشوان يغازلني مغازلة الهيمان ،
ويقول :
« ردّني برداء الكتم ، فإني أنا الختم . بفقدي تذهب الدول وتلحق الأواخر بالأول » .
قد كان ما كان ممّا لست أذكره .... فظنّ خيرا ، ولا تسأل عن الخبر
ثم قال :
فمن كان ذا كشف علوي ، وعزم قوي ، شقّ على قلبي حتى يرى شمس ربي .
فمن امتطى عنق الأشياء طلب ولحق ، ومن نزل إلى زلول الكتم نجا والتحق ، إلّا إن كان كما فعله وفعله من قبلي خفي رمز ، ودرج معنى في معمى ، ومن دون ذلك البحر المذكور أرخينا الستور .
ولمّا صحّ أن الختم متقدم الجماعة يوم قيام الساعة ، ثبت أن له حشرين ، وأنه صاحب حكمين . وصاحب هذا السرّ هو رهن بيدك وقد علق فلا تيأس ، وأمسك عليه فتنكس ، ووجه الأمر عند ذلك في إفشاء هذا السر المكتوم ، والكتاب المختوم إفشاء تعريض لا تصريح وإعلام وتنبيه وتنويه .
ولمّا تلقيت منه الأمر على هذا الحدّ ، دخلت تحت هذا العقد ، فلزمني الوفاء بالعهد ، فأنا الآن أبدي وأعرض ، وإيّاك أعني واسمعي يا جارة .
وكيف أبوح بسرّي ، وأبدي مكنون أمري ، وأنا الموصي به غيري ، فيما يوضح نظمي ونثري .
ثم قال :
نبّه على السّرّ ولا تفشه .... فالبوح بالسّرّ له مقت
على الّذي تبديه فاصبر .... واكتمه حتّى يصل الوقت
فمن كان له قلب وفطنة ، شغله طلب الحكمة عن البطنة ، ووقف على ما رمزناه ، وفك المعمى الذي لغزناه ، ولولا خوف إفشاء السرّ الإلهي لشافهنا به الوارد والصادر ، وجعلناه قوت المقيم وزاد المسافر .
واللّه الكفيل بالهداية إلى سواء السبيل .
ولو شاء لهداكم أجمعين .
فصل بل وصل ولمّا نزّل عليّ الأسرار
بل وصل ولمّا نزّل عليّ الأسرار ، وسطعت عن مسام أشعته الأنوار ، اغتسلت بالماء القراح ، فأعكست الأنوار إلى محل الإلهام فجرت جداولها ، وأنهارها ، واشتد الريح الغربي فتموجت بحارها ، فدخل الموج بعضه إلى بعض ، وأسرع إلى ما أبرمه بالمبرم والنقض فلا تبصر إلّا سحابا مركوما ، وموجا مختوما ، في بحر لجّيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض .
فتأمل هذه الإشارات في نفسك ، واجمع عليها بقلبك وحسّك ، فإن الزمان شديد ، جبار عنيد ، وشيطان مريد .
فانسلخ منهم انسلاخ النهار من الليل ، وإلّا لحقت بأصحاب الشرور والويل ، وقد نصحتك فاعلم ، وأوضحت لك السّبل فالزم . فأقامني الحق مقام البحر الذي علا موجه فطما ، ودخل بعضه في بعض فهما ، وأنا في حالة لا يعرفه إلّا من كابدها ،
ولا يصفها إلّا من شاهدها كما قيل :
لا يعرف الشّوق إلّا من يكابده .... ولا الصّبابة إلّا من يعانيها
فأقمت متكئا إلى اليمين ، ونزّلت قلبي في مقام عليين ، إذ هو محلّ الحق ، ومقعد الصدق ، وقد غمره الماء ، وأحاط به الأنواء ، فلم تزل أمواجه تصفق ،
وأرياحه تزعج وتسبق إلى أن برقت لي منه بارقة كخرق الإبرة ، فرشح منها قدر رأس الشعرة ، رأيت فيها عبرة ، ولم ير إلّا شخصا ملكيا أنشأها نشأ فلكيا لاقترابه ، فعرفت أن ذلك الشخص جسمانية هذا الكتاب ، الذي أنزل الحق عليّ ، وأبرزه للعيان على يديّ ، وإنه قطرة من ذلك البحر المتموّج ،
ورشحة من ذلك الموج الأوهج ، فانظر وتأمل أيها المولى الأكمل ، هذه الأسرار التي لا تتخلص بالفكر ، إذ هي من حضرة ما لا خطر على قلب بشر ، ولا وعتها أذن واعية ، ولا أدركتها حقيقة بصر .
عجبت من بحر بلا ساحل .... وساحل ليس له بحر
وصبحة ليس لها ظلمة .... وليلة ليس لها فجر
وكرة ليس لها موضع .... يعرفها الجاهل والحير
وقبّة خضراء منصوبة .... جارية مركزها العمر
من خطب الحسناء في خدرها .... متيّما لم يغله المهر
أعطيتها المهر وأنكحتها .... في ليلة حتّى دنى الفجر
فالشّمس قد أدرج في ضوئها .... القمر السّاطع والزّهر
فقد رمزنا في الصفات أمرا يعجز عنه ، ولا يصل إليه أحد إلّا ما قدّر منه ، فإن الموج والغبار بالامتزاج يزيد النار .
لغزت أمورا إن تحقّقت يسرّها .... فذلك علم ربّك النّافع
غطس الغاطس ليخرج ياقوتها الأحمر في صدفة الأزهر ، فيخرج من بعد ذلك البحر صفر اليدين ، مكسور الجناحين ، مكفوف العين ، أخرس لا ينطق ، مبهوت لا يعقل ، فسئل بعد ما رجع إليه النّفس ، وخرج من سدفة الغلس .
فقيل له : ما رأيت ، وما هذا الذي أصابك ؟
فقال : هيهات لما تطلبون ، وبعدا لما ترومون ، واللّه لا ناله أحد ، ولا تضمن معرفته روح ولا جسد ، وهو العزيز الذي لا يدرك ، والموجود الذي لا يهلك ولا يملك ،
وإذا حارت العقول وطاشت الألباب في تلقي صفاته هذا مقام الأنبياء ، ومنزل الأمناء ، وحضرة البلغاء وكل واحد من الواصلين إليه على قدر علمه ، وقوة عزمه .
فما كان شملهم المقام وعمّ ، فمنهم التامّ الأتم ، فإنه من يقف على هذا العلم ، ولا مقام لهذا الحكم ، يروم ما لا يحصل له وذلك لما ذهل عنه وجهله وكفاك أن تعلم وهذا غاية العجز .
قل للباحث على ما لا يصل إليه ، والطالب فوق ما يبتغيه : هل يعرف من الحق غير ما أوجده فيه ؟
ثم قال للعارف :
أخرنا على المريد بالتعلّق ، وعلى اللّه الإيجاد والتخلق ، ولو فتحنا عليك بابا لوسعها ، والتجأ بعضها إلى بعض لرأيت أمرا يهولك شطره ، ويطيب لك خيره وخبره ولكن فيما ذكرناه تنبيها على ما سكتنا عنه وتركناه ،
وصيّره الحق سبحانه وتعالى ، فزانه صبره ، وهو موضوع نفوذ أمره إلّا منه وهو حجاب تجليه ، وترقي تدلّيه ، ثم نظر طالبا أين موضع قدميه ؟
وأين موضع نعليه ؟
فانبعث من تلك الطريقة أشعة في الخلاة ، استدارت أنوارها كاستدارة المرآة اللطيفة الكيف ، الفارغة الجوف ، معلومة المنازل ، عند السالك والداخل ،
فجعل ذلك الكور ، وأنشأ ذلك الدّور ، كرسيا لقدميه ، وحضرة لنفوذ ما يصدر من الأمر بين يديه ، فيخرج الأمر منه متحد العين ، حتى وصل الكرسي انقسم قسمين ، إذ كان المخاطب من ذلك الموضع إلى أسفل موجودين اثنين ،
وإن كان واحدا فمن جهة أخرى ، وعلى ذلك الواحد تتابع الرسل تترى ، فإن المخاطب لجميع الأشياء إنما هو الإنسان ليس ملك ولا جان ، فإن الملك والجان جزء منه ، وأنموذج خرج عنه ، فله بعض الخطاب ، والإنسان كل الكتاب المنبّه عليه بقوله :ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ[ الأنعام : 38 ] .
ثم بقوله :ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ[ الأنعام : 38 ] .
كما نبّه على الحقيقة المحمدية التي هي أصل الإنشاء ، وأوّل الابتداء فقال :وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ[ الرعد : 39 ] .
فنحن الكتاب الأجلى ، وهو الإمام الأعلى . فالإنسان الكتاب الجامع ، والليل المظلم ، والنهار المشرق الساطع .
فمن علوّ مرتبه وسموّ منزلته ، وإنه واحد بالنظر إلى قواعده ، وخمسة بالنظر إلى مملكته ، وستة بالنظر إلى جهاته ، وسبعة بالنظر إلى صفاته ،
وثمانية بالنظر إلى سجيّته ، وتسعة بالنظر إلى مراتبه ، وعشرة بالنظر إلى إحاطته ، وإحدى عشر بالنظر إلى ولايته ، وهو روح القدس .
ثم قال : وتركنا تعين ما ذكرته موقوفا على نفسك حتى تطّلع على ذلك ببصرك عند شروق شمسك ، وقد نبّهنا عليها في هذا الكتاب بالتضمين .
ففد فؤادك وقوّ اجتهادك . عسى أن يفتح لك بابا من عنده عند مواظبتك على الوفاء والتصديق بوعيده ووعده .
ومن ذلك إشارة :
مناقب المعارف والحكم موقوفة على ارتفاع الهمم .
فقلت له : ارفع الهمّة .
فقال : مضى زمان رفع الهمّة .
فقلت : اللهم ارفع بي الزمان ، وبغير زمان زال الزمان فلا زمان .
ارفع الهمة في الزمان تنل ما نبهتك عليه ، فالترقّي دائما أبدا .
ومن ذلك : ما لك يضرب لك المثل بعد المثل ، ولا تتفكر كم تخبط في الظلمة وتحسب أنك في النور ، لا يغرنّك اتساع أرضه كلها شوك ولا فعل لك .
كم مات فيها من أمثالك ؟
كم خرقت من نعال ؟
فوقفوا ولم يتقدموا ، ولم يتأخروا جوعا وعطشا .وصية
لا راحة مع الخلق ، فارجع إلى الحق فهو أولى لك .
فإن عاشرتهم على ما هم عليه بعدت من الحق .
وإن عاشرتهم على ما أنت عليه قتلوك .
فالستر أولى لك .
تنبيه : تحفّظ من الصاحب فهو العدوّ الملازم .
تحفّظ من الصاحب فهو العدوّ الملازم .
فدلّه على الحق ، واشغله به ، فإنه سيشكر لك ذلك عند اللّه .
وبعد :
أن سهّل اللّه بضروب نعمه بإنجاز هذا الكتاب من إشارات الصوفية .
فإن العلم محصور المعلومات في ثلاثة :
فإمّا علم يتعلق بحضرة الدنيا وأسبابها ، وما يحصل منها .
وإمّا علم يتعلق بالآخرة .
وإمّا علم يتعلق بالحق تعالى .
علم الأذواق من :
الصحو ، والسكر ، والشرب ، والهيبة ، والأنس ، والإثبات ، والمحو ، والمحق ، ومحق المحو ، وفناء العين .
والأنبياء عليهم السلام هم الذين جمعوا هذه العلوم . والعلماء الذين هم ورثة لهم . وما عدا هذين الصنفين . فإنما بالبعض .
وأقول للناظر في هذه العجالة :
قد أثبتّ لك فيه كثيرا من دقائق الحقائق فيما يتعلق بك وفيما يتعلق بالأسرار الإلهية ، ولقد نبهتك على الكنزين ، وأجريت لك كلاما من إشارات الصوفية ،
وتنبيهات حكمية ، ومقامات فردانية لتفهم ما قلت لك ، فإني أظهرت لك معنى من معاني ، ورفعت لك الستر .
واعلم ، وفقك اللّه ، أن هذه الأسرار من العلوم التي يجب سترها ولا يجوز كشفها .
واللّه الموفق بمنّه وكرمه .
*
تم بحمد الله رب العالمين
عبد الله المسافر بالله
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin