كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
خطبة كتاب الكهف والرقيم:-
الحمد للّه الكامن في كنه ذاته ، الكائن في عماء غيبيّاته ، الكامل في أسمائه وصفاته ، الجامع في ألوهيّة مضاداته ، الأحد في ذاته ، الواحد في تعدّداته ، المتحيّز أوصافه في استيفاء آياته.
الأزليّ في أبد أخرياته ، الأبديّ في أزل أوّليّائه ، البارز في كلّ صورة ومعنى بسوره وآياته ، البائن عن كلّ محسوس ومقول وموهوم ومعقول .
بيّنا غير مبائن في بيّناته ، المتخلّق بكلّ خلق في كلّ خلق من مخلوقاته ، المتجلّيّ بصورة العالم من إنسانه وحيوانه ونباته وجماداته .
المتخلّي في سرادق تنزيهه عن الفصل والوصل والضّدّ والنّدّ والكمّ والكيف والتّجسيم والتّحديد والتّقييد بتشبيهه أو تنزيهاته ، سبّوح سبحت أسماؤه في بحار كنهه ، فغرقت دون الوصول إلى غاياته .
متّصف بكلّ وصف ، مؤتلف بكلّ إلف ، مجتمع بكلّ جمع ، ممتنع بكلّ منع ، مفترق بكلّ فرق ، منطلق بكلّ طلق ، مقيّد بكلّ تقييد ، محدود بكلّ تحديد ، مقدّس منزّه في تشبيهاته ، لا يحصره الأين ولا يخلو منه ، ولا تدركه العين ولا تتستّر عنه.
خالق معنى الخلق عرض على جوهر هو حقيقة ذلك الجوهر ولا عرض يعتريه ، رازق معنى الرّزق تنزّله في رتبة سمّاها خلقا ليوفي بها حكم مرتبته الأخرى على ما تطلبه الحكمة أو يقتضيه حكم تقديراته .
مجهول في حقيقة غيب : “ كنت كنزا مخفيّا لم أعرف “ بعد تعرّفه إلى خلقه بما عرف من تعريفاته ، جعل لاسم الخلق محلّا من ذاته [ لذاته ] لا يتعدّاه سواه ، ورسم لاسم الحقّ حكما من ذاته لا يقيّده سواه ، وحكم للألوهيّة جمعهما .
فلم يك مرمى لغيره وراء اللّه ، لألوهيّته الحيطة بأحديّته ، ولأحديّته السّلطنة على واحديّته في مرتبياته ، تعرّف إلى كلّ موجود بحسب المرتبة الّتي أبرزه فيها من غيبه ، وما عرّفه إلّا نفسه في جماله ، وزيّنه من جميع مكوّناته .
أحمده حمده لنفسه من خلف سرادق غيبه الأنهى ، وأثني عليه بلسان جماله الأكمل الأبهى ، فهو كما أثنى على نفسه لديه ، إذ كنت “ لا أحصي ثناء عليه “ .
وأستمدّ من الجناب الأعظم ، غيب غيب الجمع الأبهم ، نقطة عين الحرف المعجم ، محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم .
سيّد العرب - أي : المعروف من صفاته والعجم ، مركز حقائق كنه التّوحيد ، مجمع دقائق التّنزيه والتّحديد ، مجلى معاني جمال القديم والجديد ، صورة كمال الذّات ، الأزليّ التّخليد في جنّات الصّفات ، الأبديّ الإطلاق في ميدان الألوهيّات .
صلّى اللّه عليه وسلّم ، وعلى آله السّادة القداة الهداة المتحلّين بحليته ، المتحوّلين في أحواله ، القائمين عنه له في مقامه بأقواله وأفعاله ، وعلى آله وعلى أصحابه وعترته وأنسابه ، وشرّف وكرّم ، ومجّد وعظّم .
أمّا بعد ، فإنّي استخرت اللّه تعالى في إملاء هذا الكتاب المسمّى بالكهف والرّقيم في شرح بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، وذلك بعد باعث رحمانيّ ، وإجابة لسؤال أخ عارف ربّاني ، هو ذو الفهم الثّاقب ، والذّكاء الباهر الرّاسخ النّاسب ، والتّجريد والتّفريد والقدم الصّدق في المطالب ، عماد الدّين يحيى بن أبي القاسم التّونسيّ المغربيّ - سبط الحسن بن علي - بعد مدافعتي إيّاه ، وتأخّري عن التّقدّم إلى ما يهواه .
فلمّا لم يسمح بالإقالة ، ولم يجنح إلّا إلى ما قاله ، بعثني صدق رغبته إلى موافقته ، فاستخرت اللّه تعالى ولجأت إليه ، أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع به ممليه ، والسّامعين وقارئيه ، وهو الأولى بالإجابة ، والأجدر لتوفيقي بالإصابة .
والملتمس من أهل اللّه ساداتنا الإخوان النّاظرين في هذا الكتاب - سلام اللّه عليهم ورضوانه - أن يفصحوا في معنى كلّ كلمة حتّى ينحلّهم تبيانه من وجوه عباراتها وإشاراتها ، وتصريحاتها وتلويحاتها وكناياتها ، وتقديمها وتأخيرها مع المراعاة للقواعد الشّرعيّة والأصول الدّينيّة .
فإن وقفوا على معنى من معاني التّوحيد يشهد لهم فيه الكتاب والسّنّة ، فذلك مطلوبي الّذي أمليت الكتاب لأجله ، وإن فهموا منه خلاف ذلك فأنا برئي من ذلك الفهم ، فليرفضوه وليطلبوا ما أمليته مع الجمع بالكتاب والسّنّة ، فإنّ اللّه سيؤيّدهم ذلك ، سنّة جرى بها كرمه في خلقه ، وهو على كلّ شيء قدير .
ثمّ المسؤول منهم أن يمدّونا بأنفاسهم الإلهيّة ، ويقبلونا على ما فينا ، وهذا جهد المقلّ قدّمتها بين أيديهم ، راجيا دعوة نجيّ أو نظرة وليّ .
فإن تجد عيبا فسدّ الخللا …… فجلّ من لا عيب فيه وعلا
وها أنا أشرع فيما ذكرت مستعينا باللّه ، ناظرا إلى اللّه ، آخذا باللّه عن اللّه ، فما ثمّ إلّا اللّه. وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ.
شرح خطبة الجيلي . كتاب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم ابن إبراهيم الجيلي
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله قدس سره : بسم اللّه الرحمن الرحيم الباء متعلق بمحذوف - وهو الفعل المقدر بعد البسملة - نحو أبتدئ أو أستعين أو أتبارك ، والمراد هنا :
أفتتح حقائق الوجود بمفتاح فاتح الجود ، وهو الكريم الذي جعل مفتاح خزائن هذه العلوم نقطة سرّه المختوم ، المعبر عنه بقوله : “ كنت كنزا لا أعرف “ لعالم أو معلوم .
وتعلق الباء البارزة في عالم الشهادة بتجلّي الذات الأقدسية عن الإحاطة ، وهو النقطة القائلة بلسان حالها عن فصيح مقالها : “ فنفخت “ في ( باي )مِنْ رُوحِي” 1 “ “ فتعلقت الباء بمعناها ، ليستقيم لك في الخارج مبناها .
وتقدير الفعل بلسان الإشارة : بسم الله تعرف الله ، لأنه لا سبيل إلى معرفته إلا بعد تجلي هذا الاسم المفني منك كل رسم ، والمبقي لك كل وسم ، لأنه وضع مرآة للكمالات مشاهدا لها [ فيها ] وجهك ، فلا سبيل إلى مشاهدة وجهك إلا في المرآة .
والاسم ما يعين المسمى في الفهم ، ويصوّره في الخيال ، ويحضره في النفس ، ويدبّره في الفكر ، ويحفظه في الذكر ، ويوجده في العقل ، - سواء كان المسمى موجودا أو معدوما ، حاضرا أو غائبا - .
فأول ما تعرف المسمى إلى من يجهله بالاسم ، فنسبته من المسمى نسبة الظاهر من الباطن ، فهو بهذا الاعتبار عين المسمى .
وأنه علم على الذات الواجب الوجود عند المتكلمين . وهو عند المحققين اسم تحت حيطته جميع الحقائق الحقية والخلقية ،
ولذلك قيل :
أن الوجود والعدم متقابلان ، وذلك الألوهة محيط بها [ بهما ] ، والألوهة صفة هذا الاسم .
واعلم أن هذا الاسم للذات ، لكنه غير مقيد بالإشارة إلى الذات فقط ، فله ثلاثة أطوار :
[ الأول ] : فطورا يطلق هذا الاسم على صرافة الذات .
[ الثاني ] : وطورا يطلق على المرتبة من حيث تجلي الذات في الألوهية .
[ الثالث ] : وطورا يطلق على اسم مخصوص - كائنا ما كان الاسم - من أسماء الله لوجود قرينة من القرائن ، كما ذكر الإمام محيي الدين ابن العربي - رضي الله عنه - في قول التائب يا الله : “ إنما يراد به يا تواب ، وفي قول المريض يا الله إنما يراد به يا شافي “ .
قال المصنف في الكمالات الإلهية في الصفات المحمديّة : “ وفي هذا دليل واضح على أن هذا الاسم اسم ذاتي ، لأن الذات هي المتجلية بسائر الأسماء والصفات ، وقد وجدنا هذا الاسم ينوب عن جميع تلك الأسماء والصفات ، فعلمنا أن هذا الاسم اسم الذات “ انتهى “ 1 “ .
"" من قوله “ هذا الاسم للذات لكنه “ إلى قوله “ فعلمنا أن هذا الاسم اسم للذات “ ، مأخوذ من الكمالات الإلهية الفصل الخاص ببيان الأسماء الإلهية : الاسم الله ، وكلمة وفي في قوله : وفي هذا دليل واضح ، غير موجودة في المصدر – المحقق"".
والإشارة بمقابلة العدم والوجود إلى ما ذكرناه من دون هذا الاسم شاملا لجميع الحقائق الحقية والخلقية ، وليس ذلك لغيره ، فإن الرحمن هو علم على الوجود المطلق الذي لا تنحصر وجوديته بشيء من الموجود [ ات] من دون غيره ، فهو عبارة عن ذي الوجود الساري في الموجودات بحكم الواحدية الظاهرة في الكثرات من تقييد بمرتبة أو جهة أو شبهة أو اعتبار ، والألف والنون فيه للمبالغة ، لأن الزيادة في الاسم دالة على الزيادة في الاتصاف بمعنى ذلك الاسم ، بل هذا امتنع أن يسمى أحد من المخلوقين بهذا الاسم ، ولم يمتنع أن يسمى أحد بالرحيم لأن [ هذا الاسم ] ليس إلا لله تعالى ، فكان هذا الاسم من خصوصيات الحق تعالى .
واعلم أن هذا الاسم من أسماء المرتبة ، وهي في مدلولها تختص بالأسماء الكمالية والمظاهر العلوية ، وهذا الفرق بين اسمه الرحمن واسمه الله ، لأنه [ لأن ] اسمه اللّه يظهر به مرتبتي الوجود من العلو والسفل والحقية والخلقية ، واسمه الرحمن إنما يظهر بالمرتبة الكمالية الحقية ليس إلا ، ويجتمعان في وقوعهما على الذات إطلاقا من حيث أن هذا الاسم عبارة عن ذي الوجود الساري فلا يتقيد كما تقدم بموجود دون غيره .
واسمه الله عبارة عن الذات المطلقة من غير تقييد بصفة دون أخرى ، فاجتمعا في الإطلاق ، وافترقا في كون وقوع الاسم الجامع على الذات ووقوع الاسم الرحمن على وجود الذات ، فالاسم الرحمن اسم كمالي تحت حيطته جميع الكمالات الحقية لا غير ، فعلم الفرق بينه وبين الاسم الجامع ، لأن الاسم الجامع من حيث إطلاقه على المرتبة يكون صفة كمالية ، وصفة هذا الاسم بهذا الاعتبار هي الألوهية ، وهي عبارة عن شمول مراتب الوجود وأعلاها وأسفلها بإعطاء الحقائق الإلهية حقها ، والحقائق الخلقية حقها من سائر الوجوه بالقيد والإطلاق .
"" تجد العبارة في الكمالات الإلهية : هكذا بإعطاء الحقائق الحقية الخلقية حقها من سائر الوجود والإطلاق . – المحقق"".
وهذا هو الفرق بين الرحمانية والألوهية فالرحمانية مختصة بأعلى مراتب الحقائق ، والألوهة جامعة للأعالي والأسافل .
قال المصنف رضي الله عنه في الكمالات : “ ولهذا كان عباد الله ، الكمل ، وعباد الرحمن دونهم ، لأن عباد الرحمن على النصف من معرفة الله وعباد الله على الكمال من معرفته ولو كانوا هم أيضا في مرتبة الكمال متفاوتين فكل على قدر معرفته وعلو محتده فهذا الاسم للأسماء كالذات للصفات “ ،وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان كل منهما في محله .
والرحيم اسم جمالي صفته الرحمة المحضة التي لم يشوّبها كدر من الأكدار ، بل هي نعمة محضة ، وهي الرحمة السابقة للغضب المسبوق في قوله تعالى شأنه : “ سبقت رحمتي غضبي “ .
وأما الرحمة الواسعة لكل شيء في قوله :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فهي صفة الاسم الرحمن ، فهي الشاملة للرحمة السابقة والغضب المسبوق ، لأنها وسعت كل شيء ، والغضب شيء فقد وسعته .
واعلم أن الرحمة صفة ذاتية لله ، ولهذا انسحب حكمها من أول الوجود إلى آخره ، فكان إيجاد العالم رحمة بهم ، لأنه أوجدهم منه ، إذ كانوا موجودين له في علمه ،
وكانت بداية العالم منه رحمة بهم لقوله تعالى :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ. سورة الجاثية ( 45 ) : الآية 13
والأمر إلى الله في الآخرة كما قال تعالى :وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى. سورة النجم ( 53 ) : الآية 42
وهذه أيضا رحمة بهم ، فعمت الرحمة جميع الوجود أولا وآخرا ظاهرا وباطنا ، بخلاف الغضب ، فإنه - كما سبق بيانه - صفة للعدل ، والعدل من صفات الأفعال ، والرحمة من صفات الذات فافهم .
وسنبسط الكلام في معنى الرحمن والرحيم في آخر الكتاب - إن شاء الله تعالى - كما هو موضع الكلام عليهما .
الحمد لله
قوله قدس سره: الحمد لله ، أثنى الله على نفسه بما يستحقه ، وثنائه على نفسه عين ظهوره وتجليه فيما هو له ، فمن ثم قيل : هو الحمد والحامد والمحمود .
واعلم أن ألف الحمد ولامه عند أهل السنة للعموم ، وعند المعتزلة - ووافقهم بعض أهل السنة - أن الألف واللام في الحمد للعهد .
فالمعنى على الوجه الأول : أن كل المحامد لله .
وعلى المعنى الثاني : أن الحمد اللائق بالله لله .
قلت : فلا يكون حمد لائق بالله لله إلا حمد الله ، فهو الحامد لنفسه حق حمدها ، وهو المحمود .
وإضافة الحمد بالاسم الله دون سائر الأسماء لأنه الاسم الجامع الذي ترجع إليه سائر الأسماء والصفات لاستمدادها ، فالاسم [ الله ] هو الجامع للكمالات الإلهية كلها ، فتحصل منه الإجابة بواسطة الاسم الذي يناسب المطلوب ، فاستندت إليه الأسماء استناد الصفة إلى الموصوف فلهذا استحق إضافة الحمد إليه دون غيره من الأسماء .
واعلم أن الحق - سبحانه وتعالى - جعل هذا الاسم هيولى كمال لصور المعاني الإلهية ، وكان كل من تجليات الحق التي لذاته في ذاته - جلّ وعلا - تحت حيطة هذا الاسم ، “ فهو الذي أكسب الوجود فحقّقه بحقيقته ، وبه اتضحت له سبيل طريقته ، فكان ختما على المعنى الكامل في الإنسان ، وبه افتقار المرحوم إلى الرحمن . "" الإنسان الكامل
قال المصنف - قدس سره - في الإنسان الكامل : ( فمن نظر نقش الخاتم فهو مع الله تعالى بالاسم ، ومن قرأ المنقوشات فهو مع الله بالصفات ، ومن فك الختم وجاوز الوصف والاسم فهو مع الحق بذاته غير محجوب عن صفاته ، فإن أقام الجدار الذي يريد أن ينقض ، وأحكم الختم الذي يريد أن ينفض ، بلغ يتيما حقه وخلقه أشدهما واستخرجا كنزهما “ انتهى "" الجزء الأول الباب الثاني .""
فليس ورائه عند القوم إلا الظلمة المحضة ، وهو نور تلك الظلمة فافهم .
الكامن في كنه ذاته
قوله رضي الله عنه : الكامن في كنه ذاته ، اعلم أن الكمون هو البطون الخفائي ، وكنهه الذاتي هو أم الكتاب المشار إليه بقوله تعالى :وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ سورة الرعد ( 13 ) : الآية 39
فأم الكتاب في الاصطلاح هو الكنه الذاتي البطوني الخفائي المنزه عن أن يراه سواه ، والكتاب هو الوجود المطلق ، فبطونه عن غيره - سبحانه وتعالى - .
ولا يشهد هذا البطون لغيره لا دنيا ولا أخرى ، لإعطاء الحقائق حقها .
وقولي : “ لإعطاء الحقائق حقها “ هو أن الوجود منقسم بين ظهور وبطون ، فمهما ظهر في الدنيا والآخرة فهو من تجلي اسمه الظاهر ، وما بطن في الدنيا والآخرة فهو من تجلّي اسمه الباطن ، فسبحان من لم يظهر لغيره ، ولم يبطن عن نفسه ، فهو - سبحانه وتعالى - من حيث اسمه الباطن باطن ، ومن حيث اسمه الظاهر ظاهر وبطونه وظهوره من جهة واحدة ، لا أن بطونه غير ظهوره ، وظهوره غير بطونه ، بل ظهوره عين بطونه وبطونه عين ظهوره ، فسبحان من حارت الألباب في معرفته ، وضلت الأفكار خاسرة وحاسرة أن تدرك كنه ذاته .
ولما كان اعتبار الظهور والبطون من جهة واحدة يحصل الله تعالى فيه تردد ، قال الله تعالى :إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا” سورة طه ( 20 ) : الآية 14 “
يقول تعالى شأنه : أن الهوية المشار إليها بلا إله إلا هو ، هي عين الإنيّة المشار إليها بلفظة أنا ، فكانت الهوية معقولة في الإنية ،
فهذا معنى قول أهل الله : ظاهر الحق عين باطنه وباطنه عين ظاهره ، ألا ترى إلى الحق - سبحانه وتعالى - كيف أنه أكد الجملة بأنّ ، فأتى بها مؤكدة لأن كل كلام ينكره السامع يحق التأكيد فيه ، بخلاف ما لو كان السامع خالي الذهن فإنه لا يحتاج فيه إلى تأكيد .
وأما فائدة التقسيم بالظاهر والباطن فيه فللنفس في هذه المسألة إما تردد وإما إنكار ، فلهذا أكد الحق بلفظة “ إنّ “ فقال لموسى عليه الصلاة والسلام : إن هو [ إنّني ] .
يعني : إن الأحدية الباطنة المشار إليها بالهوية هي الإنية الظاهرة المشار إليها بلفظة أنا ، فلا تزعم أن بينهما تغايرا وانفصالا وانفكاكا بوجه .
ثم فسّر الأمر بالبدلية ، وهو العلم الذاتي على اسم الله ، إشارة إلى ما تقتضيه الألوهية من الجمع والشمول ، لأنه لما قال له أن بطونه وغيبوبته عين ظهوره وشهادته ، نبّه عليها أن ذلك من حقيقة ما هو عليه الله ، فإن الألوهية في نفسها تقتضي شمول النقيضين وجمع الضدين بحكم الأحدية وعدم التغاير في نفس حصول التغاير ، وهذه مسألة حيرة .
ثم فسر الجملة بقوله :لا إِلهَ إِلَّا أَنَايعني الإلهية المعبودة ليست إلا أنا فأنا الظاهر في تلك الأديان والأملاك والطبائع وفي كل ما يعبدونه أهل كل ملة [ نحلة ] لذلك الإلهية إلا أنا ، ولهذا ثبت لهم لفظ الإله .
وتسميته لهم بهذه اللفظة - من جهة ما هم عليه في الحقيقة - تسمية حقيقية ، لا مجازية ولا كما يزعم من زعم أن الحق إنما أراد بذلك أنهم يسمونهم آلهة لا من حيث أنهم من أنفسهم لهم هذه التسمية ، وهذا غلو منهم وافتراء على الحق ،
لأن هذه الأشياء كلها بل جميع ما في الوجود من جهة ذات الله تعالى في الحقيقة ، هذه التسمية تسمية حقيقية لا كما يزعم أنها تسمية مجازية ، ولو كان كذلك لكان الكلام أن تلك الحجارة والكواكب والطبائع والأشياء التي يعبدونها ليست بآلهة ، وإنما لا إله إلا أنا فاعبدوني ، لكنه إنما أراد الحق أن يبين لهم أن تلك الآلهة مظاهر له ، وأن حكم الألوهية فيهم حقيقة ، وأنهم ما عبدوا في جميع ذلك إلا هو ، فقال :لا إِلهَ إِلَّا أَنَاأي ما ثم ما يطلق عليه اسم الإله إلا وهو أنا ، فما في العالم من عبد غيري ،
وكيف يعبدون غيري وأنا خلقتهم ليعبدوني ؟
وما يكون إلا ما خلقته له .
قال عليه الصلاة والسلام في هذا المقام : “ كل ميسر لما خلق “ أي لعبادة الحق ، لأن الحق - سبحانه وتعالى - قال :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” سورة الذاريات ( 51 ) : الآية 56
طهّر الله أسرارنا بحقائق معرفته ، وأزال غين قلوبنا بإرادته :وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ سورة الزخرف ( 43 ) : الآية 4
الكائن في عمى غيابا
قوله قدس سره : الكائن في عمى غياباته : ( 1 ) قبل خلق مخلوقاته بل قبل ظهور أسمائه وصفاته ، وبعد الظهور هو كائن في ذلك [ تلك ] العماء ، لعدم جواز التغير والانتقال عليه من حال إلى سواها ، بل كما شاء ظهر وبلا كيف ، وكما شاء بطن وبلا كيف .
وأشار بالعماء إلى قوله - عليه الصلاة والسلام - لما سئل : أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : “ في عماء ما فوقه هواء ولا تحته هواء “ .
فالعماء عند المحققين - رضي الله عنهم - إشارة إلى حقيقة الحقائق التي هي أول المراتب الإلهية الحقية .
ومن جعل العماء من المراتب الثواني نظرا إلى قوله [ لما سئل ] : “ أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟ قال في عماء “ فيجعل هذا القائل المرتبة الربّيّة مقدمة على مرتبة العماء ، فصارت العماء عنده من المراتب الثواني .
وقوله : “ ما فوقه هواء ولا تحته هواء “ يعني ليست فوقه لا نسبة ولا صفة ولا تحته صفة ولا نسبة ، بل ذات محض [ ة ] مجردة عن النسب والإضافات والاعتبارات ، هذا على تقدير أن “ ما “ نافية ، وإن كانت موصولة فيكون المعنى : الذي فوقه هواء ، والذي تحته هواء ، إشارة إلى الحق والخلق .
فالذات هي الجامعة لوجهتي الحق والخلق ، فإن مبنى أمر الذات عند المحققين - رضي الله عنهم - أن كلا من الحق والخلق له وجه إلى الذات ، وهي الجامعة مع تنزهها ، فهذا المعنى ما أريد [ من قوله : الكائن ] في عماء غياباته ، والله أعلم بمراداته .
وكما فهمت من أمر الذات أنها الجامعة لوجهي الحق والخلق ، فتلك الجمعية هي المشار إليها بقولهم : الوجود المطلق ، فإنها لا تقيد بوجه دون الآخر .
وإن تعول [ تقول ] على من قال : بأن وصفكم لها بالوجود المطلق مقيد بالإطلاق ، رد عليه : بأن مفهوم الإطلاق هو الذي لا غاية له ، فاندفع ما قال فافهم ، والله بحقيقة الأمر أعلم .
الكامل في أسمائه وصفاته
قوله : الكامل في أسمائه وصفاته .
- اعلم أن كمال الحق - سبحانه وتعالى - عبارة عن ماهيته ، وماهيته غير قابلة للاشتراك والغاية ، فليس لكماله غاية ولا نهاية ، فلقد تكرّر النفي بذات الغاية له - سبحانه وتعالى - لاستحقاقه شمول العلم ، ولعدم جواز الجهل عليه تعالى ، فبهذا الاعتبار قيل : أن لكماله غاية من حيثه لا من حيث غيره ، يعني أنه يدرك ذاته ويدركها لأنه لا تدرك، لا يدرك له ولا لغيره. ""أي تكون العلة الغائية ذاته تعالى – المحقق""
.
ومعنى أنه يدركها : أنها لا تدرك له ولا لغيره ، لاستحقاق ذاته [ العظمة ] والكبرياء ، ولأنه لا يدرك إلا ما يتناهى "" لأن العلم في مرتبة دون الذات فهو متناه ولو بالتناهي الصفاتي فلا يكون متعلقه غير متناه بعد الالتفات إلى وحدة العلم والمعلوم والعالم - المحقق . ""
، وذاته غير متناهية ، وإدراك ما ليس له [ نهاية ] مستحيل "" فلا يكون إدراكه لذاته بعلمه بل بذاته – المحقق""
وكماله سبحانه وتعالى لا ككمال غيره فإن كمال غيره يكون بأمر زائد على ذاته ، وهو أن غير الله سبحانه وتعالى لازم له النقص ذاتا وصفاتا ،
فإذا أراد الله - سبحانه وتعالى - تكميل عبد من عباده حلاه بصفاته ، وخلع عليه خلع آياته ، فتخلق بأخلاق الله ، فصار كاملا ، ومعلوم أن التخلق يفتقر إلى صفات الغير ،
فصار كمال هذا الكامل - كما قلنا - إنما هو بأمر زائد على ذاته ، وليس في ذات الحق - تعالى - أمر زائد عليها ، بل الكمال الإلهي لذات واجب الوجود ذاتي له ، وكل اسم وصفة استند إلى الذات المقدسة فهو كامل ، فجميع أسمائه وصفاته كاملة .
وما ورد من مقالات أهل التحقيق من كون أسمائه منقسمة إلى [ الجمالية والجلالية ، الكمالية وغير الكمالية ] لا يفهم منه أن الاسم الجلالي أو الاسم الجمالي ناقصين بالنظر إلى الاسم الكمالي حاشا وكلا من فهم ذلك ، فهم بريئون من ذلك الفهم ، بل جميع أوصاف الجمال راجع إلى وصفين : العلم واللطف ، كما أن جميع أوصاف الجلال راجع إلى وصفين : العظمة والاقتدار ، ونهاية الوصفين الأولين إليهما ، فكأنهما وصف واحد ، وذلك الوصف الواحد هو عين كمال الحق ، فتجلياتهما في المثل –"وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى". سورة النحل ( 16 ) : الآية 60
كالفجر الذي هو مبادئ ضياء الشمس إلى نهاية طلوعها ، فنسبة الجمال نسبة الفجر ، ونسبة الجلال نسبة الإشراق ، وهذا الإشراق [ يكون ] لذلك الفجر ،
وذلك الفجر لهذا الإشراق ، فهذا معنى الجمال والجلال المعبر عنهما بجمال الجلال وجلال الجمال فافهم .
قال المصنف في الإنسان الكامل :
“ اعلم أن جلال الله عبارة عن ذاته بظهوره في أسمائه وصفاته كما هي عليه ، هذا على الإجمال .
وأما على التفصيل : فإن الجلال عبارة عن صفة العظمة والكبرياء والمجد والسنا ، وكل جمال له ، فإن شدة ظهوره يسمى جلالا
كما أن كل جلال له ، فهو في مبادئ ظهوره على الخلق يسمى جمالا ، ومن هنا قال من قال : إن لكل جمال جلالا ، ولكل جلال جمالا ، وأن الخلق لا يظهر لهم من جمال الله - تبارك وتعالى - إلا جمال الجلال أو جلال الجمال ، وأما الجمال المطلق والجلال فإنه لا يكون شهوده إلا به وحده ، "" الإنسان الكامل الجزء الأول الباب الرابع والعشرون في الجلال . الجامع بألوهيته شمل مضاداته ""
وأما الخلق فما لهم فيه قدم ، فإنا قد عبّرنا عن الجلال بأنه ذاته باعتبار أسمائه وصفاته كما هي عليه له حقيقة ، ويستحيل هذا الشهود ، وعبّرنا عن الجمال بأنه أوصافه العلى وأسمائه الحسنى ، واستيفاء صفاته وإحصاء أسمائه في الخلق محال “ انتهى .
فافهم أرشدك الله للصواب وما أوردته فيه مقنع لأولى الألباب .
قال رضي الله عنه : الجامع بألوهيته شمل مضاداته .
اعلم أن جميع حقائق الوجود وحفظها في مراتبها تسمى الألوهية ،
ونعني بحقائق الوجود أحكام المظاهر مع الظاهر فيها ، أي : الحق والخلق .
فشمول المراتب الإلهية ، وجميع المراتب الكونية ، وإعطاء كل [ ذي ] حق حقه من مرتبة الوجود هو معنى الألوهية ، والله اسم لـ [ صاحب ] هذه المرتبة ، ولا يكون ذلك إلا لذات واجب الوجود - تعالى وتقدس - .
فأعلى المراتب مظهر للألوهية ، إذ له الحيطة والشمول على كل مظهر ، وهيمنة على كل وصف واسم ، فالألوهية أم الكتاب ، والقرآن هو الأحدية ، والفرقان هو الواحدية ، والكتاب [ الموجود ] هو الرحمانية ، كل ذلك باعتبار ، وإلا فأم الكتاب بالاعتبار الأول - الذي عليه اصطلاح القوم - هو ماهية كنه الذات ، والقرآن هو الذات ، والفرقان هو الصفات ، والكتاب هو الوجود المطلق .
فإذا عرفت الاصطلاح ، وعرفت ما أشار إليه المحققون - رضي الله عنهم - علمت أن هذا عين ذلك ، ولا خلاف في القولين إلا في العبارة ، والمعنى واحد ، فإذا علمت ما ذكر تبين لك جمع الألوهية لشتى الأضداد ، ومن جملة جمعها للأضداد إحاطة فلكها بالوجود والعدم ، لأن الألوهية لها الجمع بين الضدين من القديم والحديث ، والحق والخلق ، والوجود والعدم ، ففيها يظهر الواجب مستحيلا بعد ظهوره واجبا، وفيها يظهر المستحيل واجبا بعد ظهوره مستحيلا.
ويظهر فيها الحق بصورة الخلق مثل قوله عليه الصلاة والسلام : “ رأيت ربي في صورة شاب أمرد “ الحديث .
ويظهر الخلق بصورة الحق ، كما في قوله : “ إن الله خلق آدم على صورته “ .
ومن ثمّ عبّر أبو سعيد الخزاز - رضي الله عنه - بقوله حين سئل بما عرفت الله قال :
“ بجمعه بين الأضداد “ ، فلا تفهم منه مطلق الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، والقريب والبعيد ، والقديم والحديث ، والواجب والمستحيل ، والوجود والعدم ، وعلى هذا التضاد ، فإنها تعطي لكل شيء مما شملته من الحقائق حقه .
واعلم أن ظهور الحق في الألوهية على أكمل مرتبة وأعلاها وأفضل المظاهر وأسماها .
وظهور الخلق في الألوهية على ما يستحقه الممكن من تنوعاته وتغيراته وانعدامه ووجوده .
وظهور الوجود في الألوهية على مثال ما يستحقه مراتبه من حيث الحق والخلق وأفراد كل منهما .
وظهور العدم في الألوهية على بطونه وصرافته وإنمحائه في الوجه الأكمل غير موجود في فنائه المحض .
واعلم يا أخي - وفقني الله وإياك لصراطه المستقيم واتباع الدين المحمدي القويم - أن ما نقش في طروس صفات الله العظيم لا يقبله ( 1 ) أهل الإيمان والتعظيم وإلا فالعقل لا يدركه من حيث طريق ( 2 ) الفكري فهو لا يدرك بالفكر ولكنه يحصل بالكشف الإلهي المعبّر عنه بالتجلي الذاتي ، فإذا كشف ذلك عبد من عباد الله ذاق هذا العلم المخصوص المحض من هذا التجلي العام المعروف بالتجلي الإلهي ، وهو موضع حيرة الكمّل من أهل الله تعالى .
وإلى ذلك أشار سيد أهل هذا المعنى بقوله عليه الصلاة والسلام : “ أنا أعرفكم بالله وأشدكم خوفا منه “ فما خاف صلى الله وسلم من الرحمان ولا من الرب ، وإنما خاف من الله ، وإليه الإشارة بقوله تعالى :وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ. سورة الأحقاف ( 46 ) : الآية 9 .
على أنه أعرف الموجودات بالله ، فالمعنى - من باب الإشارة في معنى الآية - أنه ربما يبرز من ذلك الجانب الإلهي أي لا أدري أي صفة [ أظهرها في المعنى الإلهي ] ولا أظهر إلا بما يقتضيه حكمها وليس لحكمه قانون لا نقيض له ، فهو يعلم ولا يعلم ، ويجهل ولا يجهل ، فسبحان من جعل غاية المعرفة في حقه العجز [ عن معرفته ] .
اعلم أن للألوهية سرا ، وهو أن كل فرد من الأشياء التي يطلق عليها اسم الشيئية - قديما كان أو محدثا ، معدوما كان أو موجودا - فهو يحوي بذاته جميع بقية أفراد الأشياء الداخلة تحت هيمنة الألوهية - بتأخير النون عن الميم - لأنها عبارة عن التجلي الإلهي الإطلاعي التصريف بحكم الاستقلال في التصريف والشمول .
وأما الهينمة - بتأخير الميم عن النون - فهي عبارة عن سريان وجود الحق في المراتب الإلهية والخلقية بحكم الظهور في الجميع على ما تستحقه كل مرتبة من الأحكام ، والشؤون ، والمقتضيات ، والظهور ، فافهم .
فمثل الموجودات كمثل مرآي متقابلات توجد جميعها في كل واحدة .
فإن قلت : أن المرايا المتقابلات قد وجد في كل منهما ما وجد في الأخرى ، فما جمعت الواحدة من المرائي إلا ما بقي عليه ، وبقيت الأفراد المتعددات من المرائي التي تحت كل فرد منها جميع المجموع ، ساغ بهذا الاعتبار أن تقول ما حوى كل فرد من أفراد الوجود إلا ما استحقته ذاته ، لا زائد على ذلك .
وإن قلت : باعتبار وجود الجميع من المرايا في كل واحدة أن كل فرد من أفراد الوجود فيه جميع الموجودات جاز لك ذلك فافهم .
واعلم أن الألوهية مرتبة الذات الإلهية ، ومعنى كون الألوهية مرتبة الذات هو أن كل شيء له ذات ومرتبة ، فللحق سبحانه ذات ومرتبة ، فذاته واجب الوجوب لا كلام فيها ، وهو منزه عن العالمين بذاته ، وليس للمخلوقين تعلق النسبة بالذات إلا بمرتبتها ، فبها اتصل المرحوم بالرحمن ، وبها ظهر العدل والإحسان ،وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ” سورة الأحزاب ( 33 ) : الآية 4 “ وهو “ المستعان “ وعليه التكلان .
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
خطبة كتاب الكهف والرقيم:-
الحمد للّه الكامن في كنه ذاته ، الكائن في عماء غيبيّاته ، الكامل في أسمائه وصفاته ، الجامع في ألوهيّة مضاداته ، الأحد في ذاته ، الواحد في تعدّداته ، المتحيّز أوصافه في استيفاء آياته.
الأزليّ في أبد أخرياته ، الأبديّ في أزل أوّليّائه ، البارز في كلّ صورة ومعنى بسوره وآياته ، البائن عن كلّ محسوس ومقول وموهوم ومعقول .
بيّنا غير مبائن في بيّناته ، المتخلّق بكلّ خلق في كلّ خلق من مخلوقاته ، المتجلّيّ بصورة العالم من إنسانه وحيوانه ونباته وجماداته .
المتخلّي في سرادق تنزيهه عن الفصل والوصل والضّدّ والنّدّ والكمّ والكيف والتّجسيم والتّحديد والتّقييد بتشبيهه أو تنزيهاته ، سبّوح سبحت أسماؤه في بحار كنهه ، فغرقت دون الوصول إلى غاياته .
متّصف بكلّ وصف ، مؤتلف بكلّ إلف ، مجتمع بكلّ جمع ، ممتنع بكلّ منع ، مفترق بكلّ فرق ، منطلق بكلّ طلق ، مقيّد بكلّ تقييد ، محدود بكلّ تحديد ، مقدّس منزّه في تشبيهاته ، لا يحصره الأين ولا يخلو منه ، ولا تدركه العين ولا تتستّر عنه.
خالق معنى الخلق عرض على جوهر هو حقيقة ذلك الجوهر ولا عرض يعتريه ، رازق معنى الرّزق تنزّله في رتبة سمّاها خلقا ليوفي بها حكم مرتبته الأخرى على ما تطلبه الحكمة أو يقتضيه حكم تقديراته .
مجهول في حقيقة غيب : “ كنت كنزا مخفيّا لم أعرف “ بعد تعرّفه إلى خلقه بما عرف من تعريفاته ، جعل لاسم الخلق محلّا من ذاته [ لذاته ] لا يتعدّاه سواه ، ورسم لاسم الحقّ حكما من ذاته لا يقيّده سواه ، وحكم للألوهيّة جمعهما .
فلم يك مرمى لغيره وراء اللّه ، لألوهيّته الحيطة بأحديّته ، ولأحديّته السّلطنة على واحديّته في مرتبياته ، تعرّف إلى كلّ موجود بحسب المرتبة الّتي أبرزه فيها من غيبه ، وما عرّفه إلّا نفسه في جماله ، وزيّنه من جميع مكوّناته .
أحمده حمده لنفسه من خلف سرادق غيبه الأنهى ، وأثني عليه بلسان جماله الأكمل الأبهى ، فهو كما أثنى على نفسه لديه ، إذ كنت “ لا أحصي ثناء عليه “ .
وأستمدّ من الجناب الأعظم ، غيب غيب الجمع الأبهم ، نقطة عين الحرف المعجم ، محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم .
سيّد العرب - أي : المعروف من صفاته والعجم ، مركز حقائق كنه التّوحيد ، مجمع دقائق التّنزيه والتّحديد ، مجلى معاني جمال القديم والجديد ، صورة كمال الذّات ، الأزليّ التّخليد في جنّات الصّفات ، الأبديّ الإطلاق في ميدان الألوهيّات .
صلّى اللّه عليه وسلّم ، وعلى آله السّادة القداة الهداة المتحلّين بحليته ، المتحوّلين في أحواله ، القائمين عنه له في مقامه بأقواله وأفعاله ، وعلى آله وعلى أصحابه وعترته وأنسابه ، وشرّف وكرّم ، ومجّد وعظّم .
أمّا بعد ، فإنّي استخرت اللّه تعالى في إملاء هذا الكتاب المسمّى بالكهف والرّقيم في شرح بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، وذلك بعد باعث رحمانيّ ، وإجابة لسؤال أخ عارف ربّاني ، هو ذو الفهم الثّاقب ، والذّكاء الباهر الرّاسخ النّاسب ، والتّجريد والتّفريد والقدم الصّدق في المطالب ، عماد الدّين يحيى بن أبي القاسم التّونسيّ المغربيّ - سبط الحسن بن علي - بعد مدافعتي إيّاه ، وتأخّري عن التّقدّم إلى ما يهواه .
فلمّا لم يسمح بالإقالة ، ولم يجنح إلّا إلى ما قاله ، بعثني صدق رغبته إلى موافقته ، فاستخرت اللّه تعالى ولجأت إليه ، أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع به ممليه ، والسّامعين وقارئيه ، وهو الأولى بالإجابة ، والأجدر لتوفيقي بالإصابة .
والملتمس من أهل اللّه ساداتنا الإخوان النّاظرين في هذا الكتاب - سلام اللّه عليهم ورضوانه - أن يفصحوا في معنى كلّ كلمة حتّى ينحلّهم تبيانه من وجوه عباراتها وإشاراتها ، وتصريحاتها وتلويحاتها وكناياتها ، وتقديمها وتأخيرها مع المراعاة للقواعد الشّرعيّة والأصول الدّينيّة .
فإن وقفوا على معنى من معاني التّوحيد يشهد لهم فيه الكتاب والسّنّة ، فذلك مطلوبي الّذي أمليت الكتاب لأجله ، وإن فهموا منه خلاف ذلك فأنا برئي من ذلك الفهم ، فليرفضوه وليطلبوا ما أمليته مع الجمع بالكتاب والسّنّة ، فإنّ اللّه سيؤيّدهم ذلك ، سنّة جرى بها كرمه في خلقه ، وهو على كلّ شيء قدير .
ثمّ المسؤول منهم أن يمدّونا بأنفاسهم الإلهيّة ، ويقبلونا على ما فينا ، وهذا جهد المقلّ قدّمتها بين أيديهم ، راجيا دعوة نجيّ أو نظرة وليّ .
فإن تجد عيبا فسدّ الخللا …… فجلّ من لا عيب فيه وعلا
وها أنا أشرع فيما ذكرت مستعينا باللّه ، ناظرا إلى اللّه ، آخذا باللّه عن اللّه ، فما ثمّ إلّا اللّه. وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ.
شرح خطبة الجيلي . كتاب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم ابن إبراهيم الجيلي
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله قدس سره : بسم اللّه الرحمن الرحيم الباء متعلق بمحذوف - وهو الفعل المقدر بعد البسملة - نحو أبتدئ أو أستعين أو أتبارك ، والمراد هنا :
أفتتح حقائق الوجود بمفتاح فاتح الجود ، وهو الكريم الذي جعل مفتاح خزائن هذه العلوم نقطة سرّه المختوم ، المعبر عنه بقوله : “ كنت كنزا لا أعرف “ لعالم أو معلوم .
وتعلق الباء البارزة في عالم الشهادة بتجلّي الذات الأقدسية عن الإحاطة ، وهو النقطة القائلة بلسان حالها عن فصيح مقالها : “ فنفخت “ في ( باي )مِنْ رُوحِي” 1 “ “ فتعلقت الباء بمعناها ، ليستقيم لك في الخارج مبناها .
وتقدير الفعل بلسان الإشارة : بسم الله تعرف الله ، لأنه لا سبيل إلى معرفته إلا بعد تجلي هذا الاسم المفني منك كل رسم ، والمبقي لك كل وسم ، لأنه وضع مرآة للكمالات مشاهدا لها [ فيها ] وجهك ، فلا سبيل إلى مشاهدة وجهك إلا في المرآة .
والاسم ما يعين المسمى في الفهم ، ويصوّره في الخيال ، ويحضره في النفس ، ويدبّره في الفكر ، ويحفظه في الذكر ، ويوجده في العقل ، - سواء كان المسمى موجودا أو معدوما ، حاضرا أو غائبا - .
فأول ما تعرف المسمى إلى من يجهله بالاسم ، فنسبته من المسمى نسبة الظاهر من الباطن ، فهو بهذا الاعتبار عين المسمى .
وأنه علم على الذات الواجب الوجود عند المتكلمين . وهو عند المحققين اسم تحت حيطته جميع الحقائق الحقية والخلقية ،
ولذلك قيل :
أن الوجود والعدم متقابلان ، وذلك الألوهة محيط بها [ بهما ] ، والألوهة صفة هذا الاسم .
واعلم أن هذا الاسم للذات ، لكنه غير مقيد بالإشارة إلى الذات فقط ، فله ثلاثة أطوار :
[ الأول ] : فطورا يطلق هذا الاسم على صرافة الذات .
[ الثاني ] : وطورا يطلق على المرتبة من حيث تجلي الذات في الألوهية .
[ الثالث ] : وطورا يطلق على اسم مخصوص - كائنا ما كان الاسم - من أسماء الله لوجود قرينة من القرائن ، كما ذكر الإمام محيي الدين ابن العربي - رضي الله عنه - في قول التائب يا الله : “ إنما يراد به يا تواب ، وفي قول المريض يا الله إنما يراد به يا شافي “ .
قال المصنف في الكمالات الإلهية في الصفات المحمديّة : “ وفي هذا دليل واضح على أن هذا الاسم اسم ذاتي ، لأن الذات هي المتجلية بسائر الأسماء والصفات ، وقد وجدنا هذا الاسم ينوب عن جميع تلك الأسماء والصفات ، فعلمنا أن هذا الاسم اسم الذات “ انتهى “ 1 “ .
"" من قوله “ هذا الاسم للذات لكنه “ إلى قوله “ فعلمنا أن هذا الاسم اسم للذات “ ، مأخوذ من الكمالات الإلهية الفصل الخاص ببيان الأسماء الإلهية : الاسم الله ، وكلمة وفي في قوله : وفي هذا دليل واضح ، غير موجودة في المصدر – المحقق"".
والإشارة بمقابلة العدم والوجود إلى ما ذكرناه من دون هذا الاسم شاملا لجميع الحقائق الحقية والخلقية ، وليس ذلك لغيره ، فإن الرحمن هو علم على الوجود المطلق الذي لا تنحصر وجوديته بشيء من الموجود [ ات] من دون غيره ، فهو عبارة عن ذي الوجود الساري في الموجودات بحكم الواحدية الظاهرة في الكثرات من تقييد بمرتبة أو جهة أو شبهة أو اعتبار ، والألف والنون فيه للمبالغة ، لأن الزيادة في الاسم دالة على الزيادة في الاتصاف بمعنى ذلك الاسم ، بل هذا امتنع أن يسمى أحد من المخلوقين بهذا الاسم ، ولم يمتنع أن يسمى أحد بالرحيم لأن [ هذا الاسم ] ليس إلا لله تعالى ، فكان هذا الاسم من خصوصيات الحق تعالى .
واعلم أن هذا الاسم من أسماء المرتبة ، وهي في مدلولها تختص بالأسماء الكمالية والمظاهر العلوية ، وهذا الفرق بين اسمه الرحمن واسمه الله ، لأنه [ لأن ] اسمه اللّه يظهر به مرتبتي الوجود من العلو والسفل والحقية والخلقية ، واسمه الرحمن إنما يظهر بالمرتبة الكمالية الحقية ليس إلا ، ويجتمعان في وقوعهما على الذات إطلاقا من حيث أن هذا الاسم عبارة عن ذي الوجود الساري فلا يتقيد كما تقدم بموجود دون غيره .
واسمه الله عبارة عن الذات المطلقة من غير تقييد بصفة دون أخرى ، فاجتمعا في الإطلاق ، وافترقا في كون وقوع الاسم الجامع على الذات ووقوع الاسم الرحمن على وجود الذات ، فالاسم الرحمن اسم كمالي تحت حيطته جميع الكمالات الحقية لا غير ، فعلم الفرق بينه وبين الاسم الجامع ، لأن الاسم الجامع من حيث إطلاقه على المرتبة يكون صفة كمالية ، وصفة هذا الاسم بهذا الاعتبار هي الألوهية ، وهي عبارة عن شمول مراتب الوجود وأعلاها وأسفلها بإعطاء الحقائق الإلهية حقها ، والحقائق الخلقية حقها من سائر الوجوه بالقيد والإطلاق .
"" تجد العبارة في الكمالات الإلهية : هكذا بإعطاء الحقائق الحقية الخلقية حقها من سائر الوجود والإطلاق . – المحقق"".
وهذا هو الفرق بين الرحمانية والألوهية فالرحمانية مختصة بأعلى مراتب الحقائق ، والألوهة جامعة للأعالي والأسافل .
قال المصنف رضي الله عنه في الكمالات : “ ولهذا كان عباد الله ، الكمل ، وعباد الرحمن دونهم ، لأن عباد الرحمن على النصف من معرفة الله وعباد الله على الكمال من معرفته ولو كانوا هم أيضا في مرتبة الكمال متفاوتين فكل على قدر معرفته وعلو محتده فهذا الاسم للأسماء كالذات للصفات “ ،وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان كل منهما في محله .
والرحيم اسم جمالي صفته الرحمة المحضة التي لم يشوّبها كدر من الأكدار ، بل هي نعمة محضة ، وهي الرحمة السابقة للغضب المسبوق في قوله تعالى شأنه : “ سبقت رحمتي غضبي “ .
وأما الرحمة الواسعة لكل شيء في قوله :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فهي صفة الاسم الرحمن ، فهي الشاملة للرحمة السابقة والغضب المسبوق ، لأنها وسعت كل شيء ، والغضب شيء فقد وسعته .
واعلم أن الرحمة صفة ذاتية لله ، ولهذا انسحب حكمها من أول الوجود إلى آخره ، فكان إيجاد العالم رحمة بهم ، لأنه أوجدهم منه ، إذ كانوا موجودين له في علمه ،
وكانت بداية العالم منه رحمة بهم لقوله تعالى :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ. سورة الجاثية ( 45 ) : الآية 13
والأمر إلى الله في الآخرة كما قال تعالى :وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى. سورة النجم ( 53 ) : الآية 42
وهذه أيضا رحمة بهم ، فعمت الرحمة جميع الوجود أولا وآخرا ظاهرا وباطنا ، بخلاف الغضب ، فإنه - كما سبق بيانه - صفة للعدل ، والعدل من صفات الأفعال ، والرحمة من صفات الذات فافهم .
وسنبسط الكلام في معنى الرحمن والرحيم في آخر الكتاب - إن شاء الله تعالى - كما هو موضع الكلام عليهما .
الحمد لله
قوله قدس سره: الحمد لله ، أثنى الله على نفسه بما يستحقه ، وثنائه على نفسه عين ظهوره وتجليه فيما هو له ، فمن ثم قيل : هو الحمد والحامد والمحمود .
واعلم أن ألف الحمد ولامه عند أهل السنة للعموم ، وعند المعتزلة - ووافقهم بعض أهل السنة - أن الألف واللام في الحمد للعهد .
فالمعنى على الوجه الأول : أن كل المحامد لله .
وعلى المعنى الثاني : أن الحمد اللائق بالله لله .
قلت : فلا يكون حمد لائق بالله لله إلا حمد الله ، فهو الحامد لنفسه حق حمدها ، وهو المحمود .
وإضافة الحمد بالاسم الله دون سائر الأسماء لأنه الاسم الجامع الذي ترجع إليه سائر الأسماء والصفات لاستمدادها ، فالاسم [ الله ] هو الجامع للكمالات الإلهية كلها ، فتحصل منه الإجابة بواسطة الاسم الذي يناسب المطلوب ، فاستندت إليه الأسماء استناد الصفة إلى الموصوف فلهذا استحق إضافة الحمد إليه دون غيره من الأسماء .
واعلم أن الحق - سبحانه وتعالى - جعل هذا الاسم هيولى كمال لصور المعاني الإلهية ، وكان كل من تجليات الحق التي لذاته في ذاته - جلّ وعلا - تحت حيطة هذا الاسم ، “ فهو الذي أكسب الوجود فحقّقه بحقيقته ، وبه اتضحت له سبيل طريقته ، فكان ختما على المعنى الكامل في الإنسان ، وبه افتقار المرحوم إلى الرحمن . "" الإنسان الكامل
قال المصنف - قدس سره - في الإنسان الكامل : ( فمن نظر نقش الخاتم فهو مع الله تعالى بالاسم ، ومن قرأ المنقوشات فهو مع الله بالصفات ، ومن فك الختم وجاوز الوصف والاسم فهو مع الحق بذاته غير محجوب عن صفاته ، فإن أقام الجدار الذي يريد أن ينقض ، وأحكم الختم الذي يريد أن ينفض ، بلغ يتيما حقه وخلقه أشدهما واستخرجا كنزهما “ انتهى "" الجزء الأول الباب الثاني .""
فليس ورائه عند القوم إلا الظلمة المحضة ، وهو نور تلك الظلمة فافهم .
الكامن في كنه ذاته
قوله رضي الله عنه : الكامن في كنه ذاته ، اعلم أن الكمون هو البطون الخفائي ، وكنهه الذاتي هو أم الكتاب المشار إليه بقوله تعالى :وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ سورة الرعد ( 13 ) : الآية 39
فأم الكتاب في الاصطلاح هو الكنه الذاتي البطوني الخفائي المنزه عن أن يراه سواه ، والكتاب هو الوجود المطلق ، فبطونه عن غيره - سبحانه وتعالى - .
ولا يشهد هذا البطون لغيره لا دنيا ولا أخرى ، لإعطاء الحقائق حقها .
وقولي : “ لإعطاء الحقائق حقها “ هو أن الوجود منقسم بين ظهور وبطون ، فمهما ظهر في الدنيا والآخرة فهو من تجلي اسمه الظاهر ، وما بطن في الدنيا والآخرة فهو من تجلّي اسمه الباطن ، فسبحان من لم يظهر لغيره ، ولم يبطن عن نفسه ، فهو - سبحانه وتعالى - من حيث اسمه الباطن باطن ، ومن حيث اسمه الظاهر ظاهر وبطونه وظهوره من جهة واحدة ، لا أن بطونه غير ظهوره ، وظهوره غير بطونه ، بل ظهوره عين بطونه وبطونه عين ظهوره ، فسبحان من حارت الألباب في معرفته ، وضلت الأفكار خاسرة وحاسرة أن تدرك كنه ذاته .
ولما كان اعتبار الظهور والبطون من جهة واحدة يحصل الله تعالى فيه تردد ، قال الله تعالى :إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا” سورة طه ( 20 ) : الآية 14 “
يقول تعالى شأنه : أن الهوية المشار إليها بلا إله إلا هو ، هي عين الإنيّة المشار إليها بلفظة أنا ، فكانت الهوية معقولة في الإنية ،
فهذا معنى قول أهل الله : ظاهر الحق عين باطنه وباطنه عين ظاهره ، ألا ترى إلى الحق - سبحانه وتعالى - كيف أنه أكد الجملة بأنّ ، فأتى بها مؤكدة لأن كل كلام ينكره السامع يحق التأكيد فيه ، بخلاف ما لو كان السامع خالي الذهن فإنه لا يحتاج فيه إلى تأكيد .
وأما فائدة التقسيم بالظاهر والباطن فيه فللنفس في هذه المسألة إما تردد وإما إنكار ، فلهذا أكد الحق بلفظة “ إنّ “ فقال لموسى عليه الصلاة والسلام : إن هو [ إنّني ] .
يعني : إن الأحدية الباطنة المشار إليها بالهوية هي الإنية الظاهرة المشار إليها بلفظة أنا ، فلا تزعم أن بينهما تغايرا وانفصالا وانفكاكا بوجه .
ثم فسّر الأمر بالبدلية ، وهو العلم الذاتي على اسم الله ، إشارة إلى ما تقتضيه الألوهية من الجمع والشمول ، لأنه لما قال له أن بطونه وغيبوبته عين ظهوره وشهادته ، نبّه عليها أن ذلك من حقيقة ما هو عليه الله ، فإن الألوهية في نفسها تقتضي شمول النقيضين وجمع الضدين بحكم الأحدية وعدم التغاير في نفس حصول التغاير ، وهذه مسألة حيرة .
ثم فسر الجملة بقوله :لا إِلهَ إِلَّا أَنَايعني الإلهية المعبودة ليست إلا أنا فأنا الظاهر في تلك الأديان والأملاك والطبائع وفي كل ما يعبدونه أهل كل ملة [ نحلة ] لذلك الإلهية إلا أنا ، ولهذا ثبت لهم لفظ الإله .
وتسميته لهم بهذه اللفظة - من جهة ما هم عليه في الحقيقة - تسمية حقيقية ، لا مجازية ولا كما يزعم من زعم أن الحق إنما أراد بذلك أنهم يسمونهم آلهة لا من حيث أنهم من أنفسهم لهم هذه التسمية ، وهذا غلو منهم وافتراء على الحق ،
لأن هذه الأشياء كلها بل جميع ما في الوجود من جهة ذات الله تعالى في الحقيقة ، هذه التسمية تسمية حقيقية لا كما يزعم أنها تسمية مجازية ، ولو كان كذلك لكان الكلام أن تلك الحجارة والكواكب والطبائع والأشياء التي يعبدونها ليست بآلهة ، وإنما لا إله إلا أنا فاعبدوني ، لكنه إنما أراد الحق أن يبين لهم أن تلك الآلهة مظاهر له ، وأن حكم الألوهية فيهم حقيقة ، وأنهم ما عبدوا في جميع ذلك إلا هو ، فقال :لا إِلهَ إِلَّا أَنَاأي ما ثم ما يطلق عليه اسم الإله إلا وهو أنا ، فما في العالم من عبد غيري ،
وكيف يعبدون غيري وأنا خلقتهم ليعبدوني ؟
وما يكون إلا ما خلقته له .
قال عليه الصلاة والسلام في هذا المقام : “ كل ميسر لما خلق “ أي لعبادة الحق ، لأن الحق - سبحانه وتعالى - قال :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” سورة الذاريات ( 51 ) : الآية 56
طهّر الله أسرارنا بحقائق معرفته ، وأزال غين قلوبنا بإرادته :وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ سورة الزخرف ( 43 ) : الآية 4
الكائن في عمى غيابا
قوله قدس سره : الكائن في عمى غياباته : ( 1 ) قبل خلق مخلوقاته بل قبل ظهور أسمائه وصفاته ، وبعد الظهور هو كائن في ذلك [ تلك ] العماء ، لعدم جواز التغير والانتقال عليه من حال إلى سواها ، بل كما شاء ظهر وبلا كيف ، وكما شاء بطن وبلا كيف .
وأشار بالعماء إلى قوله - عليه الصلاة والسلام - لما سئل : أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : “ في عماء ما فوقه هواء ولا تحته هواء “ .
فالعماء عند المحققين - رضي الله عنهم - إشارة إلى حقيقة الحقائق التي هي أول المراتب الإلهية الحقية .
ومن جعل العماء من المراتب الثواني نظرا إلى قوله [ لما سئل ] : “ أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟ قال في عماء “ فيجعل هذا القائل المرتبة الربّيّة مقدمة على مرتبة العماء ، فصارت العماء عنده من المراتب الثواني .
وقوله : “ ما فوقه هواء ولا تحته هواء “ يعني ليست فوقه لا نسبة ولا صفة ولا تحته صفة ولا نسبة ، بل ذات محض [ ة ] مجردة عن النسب والإضافات والاعتبارات ، هذا على تقدير أن “ ما “ نافية ، وإن كانت موصولة فيكون المعنى : الذي فوقه هواء ، والذي تحته هواء ، إشارة إلى الحق والخلق .
فالذات هي الجامعة لوجهتي الحق والخلق ، فإن مبنى أمر الذات عند المحققين - رضي الله عنهم - أن كلا من الحق والخلق له وجه إلى الذات ، وهي الجامعة مع تنزهها ، فهذا المعنى ما أريد [ من قوله : الكائن ] في عماء غياباته ، والله أعلم بمراداته .
وكما فهمت من أمر الذات أنها الجامعة لوجهي الحق والخلق ، فتلك الجمعية هي المشار إليها بقولهم : الوجود المطلق ، فإنها لا تقيد بوجه دون الآخر .
وإن تعول [ تقول ] على من قال : بأن وصفكم لها بالوجود المطلق مقيد بالإطلاق ، رد عليه : بأن مفهوم الإطلاق هو الذي لا غاية له ، فاندفع ما قال فافهم ، والله بحقيقة الأمر أعلم .
الكامل في أسمائه وصفاته
قوله : الكامل في أسمائه وصفاته .
- اعلم أن كمال الحق - سبحانه وتعالى - عبارة عن ماهيته ، وماهيته غير قابلة للاشتراك والغاية ، فليس لكماله غاية ولا نهاية ، فلقد تكرّر النفي بذات الغاية له - سبحانه وتعالى - لاستحقاقه شمول العلم ، ولعدم جواز الجهل عليه تعالى ، فبهذا الاعتبار قيل : أن لكماله غاية من حيثه لا من حيث غيره ، يعني أنه يدرك ذاته ويدركها لأنه لا تدرك، لا يدرك له ولا لغيره. ""أي تكون العلة الغائية ذاته تعالى – المحقق""
.
ومعنى أنه يدركها : أنها لا تدرك له ولا لغيره ، لاستحقاق ذاته [ العظمة ] والكبرياء ، ولأنه لا يدرك إلا ما يتناهى "" لأن العلم في مرتبة دون الذات فهو متناه ولو بالتناهي الصفاتي فلا يكون متعلقه غير متناه بعد الالتفات إلى وحدة العلم والمعلوم والعالم - المحقق . ""
، وذاته غير متناهية ، وإدراك ما ليس له [ نهاية ] مستحيل "" فلا يكون إدراكه لذاته بعلمه بل بذاته – المحقق""
وكماله سبحانه وتعالى لا ككمال غيره فإن كمال غيره يكون بأمر زائد على ذاته ، وهو أن غير الله سبحانه وتعالى لازم له النقص ذاتا وصفاتا ،
فإذا أراد الله - سبحانه وتعالى - تكميل عبد من عباده حلاه بصفاته ، وخلع عليه خلع آياته ، فتخلق بأخلاق الله ، فصار كاملا ، ومعلوم أن التخلق يفتقر إلى صفات الغير ،
فصار كمال هذا الكامل - كما قلنا - إنما هو بأمر زائد على ذاته ، وليس في ذات الحق - تعالى - أمر زائد عليها ، بل الكمال الإلهي لذات واجب الوجود ذاتي له ، وكل اسم وصفة استند إلى الذات المقدسة فهو كامل ، فجميع أسمائه وصفاته كاملة .
وما ورد من مقالات أهل التحقيق من كون أسمائه منقسمة إلى [ الجمالية والجلالية ، الكمالية وغير الكمالية ] لا يفهم منه أن الاسم الجلالي أو الاسم الجمالي ناقصين بالنظر إلى الاسم الكمالي حاشا وكلا من فهم ذلك ، فهم بريئون من ذلك الفهم ، بل جميع أوصاف الجمال راجع إلى وصفين : العلم واللطف ، كما أن جميع أوصاف الجلال راجع إلى وصفين : العظمة والاقتدار ، ونهاية الوصفين الأولين إليهما ، فكأنهما وصف واحد ، وذلك الوصف الواحد هو عين كمال الحق ، فتجلياتهما في المثل –"وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى". سورة النحل ( 16 ) : الآية 60
كالفجر الذي هو مبادئ ضياء الشمس إلى نهاية طلوعها ، فنسبة الجمال نسبة الفجر ، ونسبة الجلال نسبة الإشراق ، وهذا الإشراق [ يكون ] لذلك الفجر ،
وذلك الفجر لهذا الإشراق ، فهذا معنى الجمال والجلال المعبر عنهما بجمال الجلال وجلال الجمال فافهم .
قال المصنف في الإنسان الكامل :
“ اعلم أن جلال الله عبارة عن ذاته بظهوره في أسمائه وصفاته كما هي عليه ، هذا على الإجمال .
وأما على التفصيل : فإن الجلال عبارة عن صفة العظمة والكبرياء والمجد والسنا ، وكل جمال له ، فإن شدة ظهوره يسمى جلالا
كما أن كل جلال له ، فهو في مبادئ ظهوره على الخلق يسمى جمالا ، ومن هنا قال من قال : إن لكل جمال جلالا ، ولكل جلال جمالا ، وأن الخلق لا يظهر لهم من جمال الله - تبارك وتعالى - إلا جمال الجلال أو جلال الجمال ، وأما الجمال المطلق والجلال فإنه لا يكون شهوده إلا به وحده ، "" الإنسان الكامل الجزء الأول الباب الرابع والعشرون في الجلال . الجامع بألوهيته شمل مضاداته ""
وأما الخلق فما لهم فيه قدم ، فإنا قد عبّرنا عن الجلال بأنه ذاته باعتبار أسمائه وصفاته كما هي عليه له حقيقة ، ويستحيل هذا الشهود ، وعبّرنا عن الجمال بأنه أوصافه العلى وأسمائه الحسنى ، واستيفاء صفاته وإحصاء أسمائه في الخلق محال “ انتهى .
فافهم أرشدك الله للصواب وما أوردته فيه مقنع لأولى الألباب .
قال رضي الله عنه : الجامع بألوهيته شمل مضاداته .
اعلم أن جميع حقائق الوجود وحفظها في مراتبها تسمى الألوهية ،
ونعني بحقائق الوجود أحكام المظاهر مع الظاهر فيها ، أي : الحق والخلق .
فشمول المراتب الإلهية ، وجميع المراتب الكونية ، وإعطاء كل [ ذي ] حق حقه من مرتبة الوجود هو معنى الألوهية ، والله اسم لـ [ صاحب ] هذه المرتبة ، ولا يكون ذلك إلا لذات واجب الوجود - تعالى وتقدس - .
فأعلى المراتب مظهر للألوهية ، إذ له الحيطة والشمول على كل مظهر ، وهيمنة على كل وصف واسم ، فالألوهية أم الكتاب ، والقرآن هو الأحدية ، والفرقان هو الواحدية ، والكتاب [ الموجود ] هو الرحمانية ، كل ذلك باعتبار ، وإلا فأم الكتاب بالاعتبار الأول - الذي عليه اصطلاح القوم - هو ماهية كنه الذات ، والقرآن هو الذات ، والفرقان هو الصفات ، والكتاب هو الوجود المطلق .
فإذا عرفت الاصطلاح ، وعرفت ما أشار إليه المحققون - رضي الله عنهم - علمت أن هذا عين ذلك ، ولا خلاف في القولين إلا في العبارة ، والمعنى واحد ، فإذا علمت ما ذكر تبين لك جمع الألوهية لشتى الأضداد ، ومن جملة جمعها للأضداد إحاطة فلكها بالوجود والعدم ، لأن الألوهية لها الجمع بين الضدين من القديم والحديث ، والحق والخلق ، والوجود والعدم ، ففيها يظهر الواجب مستحيلا بعد ظهوره واجبا، وفيها يظهر المستحيل واجبا بعد ظهوره مستحيلا.
ويظهر فيها الحق بصورة الخلق مثل قوله عليه الصلاة والسلام : “ رأيت ربي في صورة شاب أمرد “ الحديث .
ويظهر الخلق بصورة الحق ، كما في قوله : “ إن الله خلق آدم على صورته “ .
ومن ثمّ عبّر أبو سعيد الخزاز - رضي الله عنه - بقوله حين سئل بما عرفت الله قال :
“ بجمعه بين الأضداد “ ، فلا تفهم منه مطلق الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، والقريب والبعيد ، والقديم والحديث ، والواجب والمستحيل ، والوجود والعدم ، وعلى هذا التضاد ، فإنها تعطي لكل شيء مما شملته من الحقائق حقه .
واعلم أن ظهور الحق في الألوهية على أكمل مرتبة وأعلاها وأفضل المظاهر وأسماها .
وظهور الخلق في الألوهية على ما يستحقه الممكن من تنوعاته وتغيراته وانعدامه ووجوده .
وظهور الوجود في الألوهية على مثال ما يستحقه مراتبه من حيث الحق والخلق وأفراد كل منهما .
وظهور العدم في الألوهية على بطونه وصرافته وإنمحائه في الوجه الأكمل غير موجود في فنائه المحض .
واعلم يا أخي - وفقني الله وإياك لصراطه المستقيم واتباع الدين المحمدي القويم - أن ما نقش في طروس صفات الله العظيم لا يقبله ( 1 ) أهل الإيمان والتعظيم وإلا فالعقل لا يدركه من حيث طريق ( 2 ) الفكري فهو لا يدرك بالفكر ولكنه يحصل بالكشف الإلهي المعبّر عنه بالتجلي الذاتي ، فإذا كشف ذلك عبد من عباد الله ذاق هذا العلم المخصوص المحض من هذا التجلي العام المعروف بالتجلي الإلهي ، وهو موضع حيرة الكمّل من أهل الله تعالى .
وإلى ذلك أشار سيد أهل هذا المعنى بقوله عليه الصلاة والسلام : “ أنا أعرفكم بالله وأشدكم خوفا منه “ فما خاف صلى الله وسلم من الرحمان ولا من الرب ، وإنما خاف من الله ، وإليه الإشارة بقوله تعالى :وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ. سورة الأحقاف ( 46 ) : الآية 9 .
على أنه أعرف الموجودات بالله ، فالمعنى - من باب الإشارة في معنى الآية - أنه ربما يبرز من ذلك الجانب الإلهي أي لا أدري أي صفة [ أظهرها في المعنى الإلهي ] ولا أظهر إلا بما يقتضيه حكمها وليس لحكمه قانون لا نقيض له ، فهو يعلم ولا يعلم ، ويجهل ولا يجهل ، فسبحان من جعل غاية المعرفة في حقه العجز [ عن معرفته ] .
اعلم أن للألوهية سرا ، وهو أن كل فرد من الأشياء التي يطلق عليها اسم الشيئية - قديما كان أو محدثا ، معدوما كان أو موجودا - فهو يحوي بذاته جميع بقية أفراد الأشياء الداخلة تحت هيمنة الألوهية - بتأخير النون عن الميم - لأنها عبارة عن التجلي الإلهي الإطلاعي التصريف بحكم الاستقلال في التصريف والشمول .
وأما الهينمة - بتأخير الميم عن النون - فهي عبارة عن سريان وجود الحق في المراتب الإلهية والخلقية بحكم الظهور في الجميع على ما تستحقه كل مرتبة من الأحكام ، والشؤون ، والمقتضيات ، والظهور ، فافهم .
فمثل الموجودات كمثل مرآي متقابلات توجد جميعها في كل واحدة .
فإن قلت : أن المرايا المتقابلات قد وجد في كل منهما ما وجد في الأخرى ، فما جمعت الواحدة من المرائي إلا ما بقي عليه ، وبقيت الأفراد المتعددات من المرائي التي تحت كل فرد منها جميع المجموع ، ساغ بهذا الاعتبار أن تقول ما حوى كل فرد من أفراد الوجود إلا ما استحقته ذاته ، لا زائد على ذلك .
وإن قلت : باعتبار وجود الجميع من المرايا في كل واحدة أن كل فرد من أفراد الوجود فيه جميع الموجودات جاز لك ذلك فافهم .
واعلم أن الألوهية مرتبة الذات الإلهية ، ومعنى كون الألوهية مرتبة الذات هو أن كل شيء له ذات ومرتبة ، فللحق سبحانه ذات ومرتبة ، فذاته واجب الوجوب لا كلام فيها ، وهو منزه عن العالمين بذاته ، وليس للمخلوقين تعلق النسبة بالذات إلا بمرتبتها ، فبها اتصل المرحوم بالرحمن ، وبها ظهر العدل والإحسان ،وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ” سورة الأحزاب ( 33 ) : الآية 4 “ وهو “ المستعان “ وعليه التكلان .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin