..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2) Empty كتاب شرح الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم للعارف بالله عبد الكريم الجيلي ـ خطبة كتاب الكهف والرقيم (2)

    مُساهمة من طرف Admin 16/10/2020, 10:15


    الأحد في سمائه

    قوله رضي الله عنه : الأحد في سمائه .

    ( 1 ) اعلم أن الأحد اسم ذاتي لله تعالى ، وصفته الأحدية ، وهي عبارة عن مجلى ذاتي ليس للأسماء والصفات ولا لشيء من مؤثراتها فيه ظهور ، فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية ، إذ ليس لتجلي الأحدية في الأكوان مظهر أتم من ذاتك ، إذ الله في أنت من غير أن يثبت في ذاتك شيئا مما تستحقه من الأوصاف الحقية أو هو المنزه من كل [ الصفات ] الخلقية فهذه الحالة من الإنسان أتم مظهر للأحدية في الأكوان فافهم .
    واعلم أن تجلي الأحدية هو أحد تنزلات الذات من ظلمة العماء إلى نور المجالي ، فأعلى تجلياتها هو هذا التجلي ( 1 ) وتنزهها من الأوصاف والأسماء والإشارات ( 2 ) والاعتبارات جميعا بحيث وجود الجميع فيها من حكم البطون في هذا التجلي لا بحكم الظهور وهذه الأحدية في لسان العموم هي عين الكثرة [ المتبوعة ، المتنوعة ] وهذا في المثل كمن ينظر من بعيد إلى جدار قد بني ذلك الجدار من طين وآجر وجص وخشب ، ولكنه لا يرى شيئا من ذلك ، وما ينظر إلا جدارا [ إلى جدار ] فقط ، وكانت أحدية هذا الجدار مجموع تلك الطين والآجر والجص والخشب ، على أنه اسم لهذه الأشياء ، بل على أنه اسم لتلك الهيئة المخصوصة الجدارية ، كما أنك مثلا في [ أحديتك ] واستغراقك في إنيتك التي بها أنت أنت ، لا تشاهد إلا هويتك ، ولا يظهر لك في شهودك منك

    هذا المشهد شيء من حقائقك المنسوبة إليك ، على أنك مجموع تلك الحقائق ، فتلك هي هويتك ، على أنها اسم لمجلاك الذاتي باعتبار هويتك لا باعتبار أنك مجموع حقائق منسوبة إليك ، فإنك ولو كنت تلك الحقائق المنسوبة فالمجلى الذاتي الذي هو مظهر الأحدية فيك إنما هو اسم لذاتك باعتبار عدم الاعتبارات ، فالتجلي الأحدي في الجناب الإلهي عبارة عن صرافة الذات المجردة عن سائر الأسماء والصفات ومن جميع الأثر والمؤثرات ، فكان أعلى المجالي بأن كل مجلى بعده لا بد أن يتخصص حتى الألوهية ، فهي مخصصة بالعموم ، ومن ثمّ منع أهل الله تجلي الأحدية على المخلوق ، يعني : منعوا اتّصاف المخلوق بالألوهية ، لأن الأحدية صرافة الذات المجردة عن الحقية والمخلوقية ، فليس للخلق مجال من صرافة تلك المرتبة ، فتلك الصرافة الذاتية من خصائص الذات الإلهية ، ومن ثم عبّر النبي صلى الله عليه و [ آله ] وسلم بقوله : “ كان الله ولا شيء معه “ إشارة إلى الأحدية .

    وأما قولهم : “ وهو الآن على ما عليه كان “ ،

    إشارة إلى الواحدية ، قيل : وأول من قال ذلك الجنيد - قدس سره - فافهم ، والله بحقيقة الأمر أعلم .

    والمراد بقوله : الأحد في سمائه أي علاماته - جل من تنزه عن العلامات - يعني تجلى “ 1 “ على المعنى المفهوم من فحوى ما تقدم ذاته فهو المتجلي ، فإنه هو المتجلي - أي الظاهر - في جميع المظاهر التي دلت في احتياج صنعتها إلى صانع ، وذلك الظهور هو عين ما بطن في ذواتهم من ذات أحدية الحق - تعالى - من غير حلول فيها

    كما قال تعالى :سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ” سورة فصلت ( 41 ) : الآية 53 . “ - وهو ما ظهر من ذاتك -

    "وَفِي أَنْفُسِهِمْ" وهو ما بطن من صفاتك ، فالذات مرئية والصفات غير مرئية ، ألا ترى إلى الشجاع في الحرب إنما يرى منه اثر الشجاعة وهي الإقدام في الحرب لا الشجاعة نفسها ، فلا يرى من الصفة إلا أثرها ، [ ف ] إذا رأيت رجلا تعلم أنه موصوف مثلا بأوصاف متعددة ، فتلك الأوصاف الثابتة له إنما تقع عليها بالعلم والاعتقاد أنها فيه ولا تشهد لها عينا ،

    وأما [ الذات ، الصفة ] فأنت تراها بجملتها .

    فعلامات الحق معلومة ، وأحدية ذاته فيها غير معلومة ، على أن ما علم من الخلق إلا الحق لا غيره وهذا سر جليل لو كشفه الله لك ، يعني في قولنا : ما علم من الخلق إلا الحق ،" وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ " إلى الحق بالحق في الحق ، فما ثم إلا الحق .

    "سورة البقرة: الآية 213 ، وسورة النور: الآية 46 ."

    الأزلي في أبد أخرياته ، الأبدي في أزل أولياته

    قوله : الأزلي في أبد أخرياته ، الأبدي في أزل أولياته .

    المتوقفة على موجد ، وهو الله - تعالى - الغني بذاته عن كافل [ وباذل ] ، لا أنهم مضافون إليه من حيث الأولية المعقولة في حقه - تعالى - ، مع أنهم أيضا مضافون إليه في تلك الأولية المعقولة في حقه ، على المعنى اللائق بذاته : “ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا “ ، وإنّيّته المعبّر عنها بآخريته ، في كونه الأول والآخر عبارة عن صفة وجوده الذي ليس له نهاية ولا غاية فهو الآخر بذاته في صفاته لا باعتبار وجود مخلوقاته ، واسم هذه الصفة هو الآخر ، وهو من الأسماء الإضافية ، يعني أن كلا من الاسمين المتضايفين لا يمكن ظهوره إلا بالثاني ، فكلاهما موجودان لذاته إذ هما من صفاته .

    واعلم أنه كما فهمت عدم جواز قبلية الخلق في قبلية الحق - تعالى - ، تعلم أيضا انقطاع آخرية الخلق عن آخرية الحق ، فلا بد وأن يحكم بانقطاع ما سوى الله من حيث آخريته ، لئلا يلزم مسايرة آخرية الخلق لآخرية الحق .

    وإلى ذلك المعنى أشار عليه الصلاة والسلام بقوله : “ إن النار تقول : هل من مزيد ؟

    حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فتقول : قط قط ، - وهذا خطاب الذلة بين يدي العزة - فينبت محلها شجر الجرجير “ فغاية ما في الجنة خضرة ، وقد وجدت الخضرة - التي هي في دار النعيم - في النار - التي هي دار الجحيم - ، فتبدلت ملائكة الغضب

    بملائكة الرحمة ، فيبدل رضوان بمالك ، وانتشى بها شجر الجرير والأمر واقع ، أي لا شك فيه ولا مرية .

    واعلم أنه يترتب على هذا المعنى : أن الدار الآخرة وإن كانت مخلوقة للبقاء فلا بد وأن يحكم عليها بالانقطاع ، وإلا لزم تساوي مسايرتها الحق في الأبدية ، وذلك محال .

    فإذن زوال الدنيا عبارة عن انتقال أمرها إلى الآخرة ، وزوال الآخرة انتقال حكمها إلى الحق ، فافهم .

    واعلم : أن الجسم الإنساني لما كان كالعالم الدنياوي بالوضع والتفصيل ، كان حكم العالم الدنياوي إلى الزوال والفناء ، لأن ذلك من لازم الجسم الإنساني ، فكل منهما نسخة الآخر ، وعمر كل منهما على حسب هيكله ، فكان عمر الإنسان قصيرا ، لأن هيكله صغير ، وكان عمر العالم الدنياوي طويلا ، لأن هيكله كبير ، ولا بد من الانعدام والفناء ، كما أنه لا بد للإنسان من ذلك .

    ولمّا كان العالم الأخروية نسخة من باطن الإنسان وروحه - إذ كل منهما نسخة الآخر - وكانت الآخرة كالروح الإنسانية باقية بإبقاء الله تعالى ، فلا تتوهم أن الجنة والنار تفنى بحال ، وما ورد من : “ أن النار تفنى وينبت في محلها شجر الجرجير “ ، فإن ذلك من حيث أقوام مخصوصة ، ففنائها وزوالها فناء مقيد لا مطلق ، لأن [ كلا منهما ] محل شهود الأعيان الثابتة التي هي معلومات العلم الإلهية ، لأن الله - سبحانه وتعالى - يظهرها يومئذ ، فيرى منها [ فيها ] كل أحد على حسب حاله ومقامه عند الله - تعالى - ، ولا شك أن النار معلوم العلم الإلهي ، فلا سبيل إلى زوال المعلوم من العلم ،وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ - سورة الأحزاب : الآية 4 .

    قوله - رضي الله عنه - : البارز في كل صورة ومعنى بسوره وآياته .

    ( 1 ) بروزه - سبحانه وتعالى - عبارة عن ظهوره في كل مخلوق له لا بمعنى متصور ، بل بتجلي كما شاء ، كيف شاء ، على أي حال شاء :لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ سورة الأنبياء: الآية 23 .

    فاسمه الظاهر هو عين الموجودات المحسوسة والمعقولة والمعلولة والحكمية والشهادية والغيبية .

    وهذا الاسم الإضافي أيضا من أسماء الصفات ، وصفته الظهور ، وهي عبارة عن تعينه - تعالى - بجميع التعينات الشهادية ، والمظاهر العينية ، والمجالي الحكمية ، جميعها في المراتب العلوية ، والسفلية ، والتقديسية ، والتشبيهية من الحقية والخلقية .

    فلأجل ذلك بطن ، لأنه لا وجود لغيره حتى يظهر على ذلك الغير ، فكل وجود إنما هو وجوده ، فهو من حيث ظهوره باطن ، ومن حيث بطونه ظاهر ، فكل موجود سواه إنما يكون ظاهرا من جهة ، وباطنا من غير تلك الجهة ، بخلافه - سبحانه وتعالى - .

    ومنه قول الطائفة : “ احتجب الحق بشدة ظهوره “ .

    وإلى هذا المعنى أشار عبد الهادي السودي - قدس سره - في قوله :

    بالظهور الصرف محتجب ..... أنت هذا صح في الأثر

    أنت فيهم ظاهر وبهم ..... ولهم لولا بقاء الأثر

    لو تلاشت عنهم ظلم ..... وانمحوا عن عالم الصور

    شاهدوا معناك منبسطا ..... ساريا في سائر القطر

    ودروا أن الحجاب هم ..... عن شهود المنظر النضر

    وقضى يعقوب حاجته ..... وانتهى زيد إلى الوطر

    وكما علمت بروز الحق هو المعبر عنه بالظهور ، وأن ذلك الظهور هو عين بطون الحق من حيث اسمه الباطن ببطونه من وراء المحسوسات ، والمعقولات ، والحكميات ، والشهاديات ، والغيبيات .

    فكل ما تصور في الخيال ، أو خطر في البال ، أو شاهدته بالعين ، أو سمعته بالأذنين ، أو أدركته بالعلم ، أو ميزته بالفهم ، فالله - تعالى - من وراء ذلك كله ، باطن لا تعرفه ، محيط لا تحيط به فتنعته أو تصفه .

    واحذر من أن تميل إلى أحد الطرفين ، فتقف عند اسمه الباطن دون معرفة اسمه الظاهر ، أو تقف عند اسمه الظاهر دون معرفة اسمه الباطن ، والله - تعالى - هو الظاهر ، وهو الباطن .

    وهذا الاسم من أسماء الصفات الإضافية ، وصفته البطون ، وهو عبارة عن العماء الذاتي الذي هو صرافة الذات المحضة في حضرة لا ينسب فيها الوجود والعدم ولا حضرة فافهم .

    وهذه الحضرة باطن الأحدية ، نزلت الأحدية مستغرقة لجميع النسب والإضافات والنعوت والأسماء والصفات ، فهي وجود محض .

    وبذلك المشهد العمائي باطن لها ، وهناك نكتة لو فهمتها .

    وإشارته - رضي الله عنه - في كون بروزه في كل صورة ومعنى بسوره وآياته ، [ أن ] من آياته أن يبرز بلا كيف في أي صورة ومعنى بسوره وهي تنوعات جماله

    وآياته وهي ظهوراته ، وهذا هو التشبيه الإلهي ، لأنه عبارة عن صور الجمال الإلهية ، وهي الأسماء والصفات الإلهية ، وتجليات تلك الصور هي ما يظهر به الحق - سبحانه وتعالى - في ما يقع عليه من المحسوس والمعقول ، فالمحسوس كما في قوله : “ رأيت ربي في صورة شاب أمرد “ ، والمعقول كقوله : “ أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء “ .

    واعلم أن آيات الحق هي علاماته التي عرف بها وبأنه خالقها وصانعها ، لأنه لا بد للمخلوقات من خالق ، وللصنيعة من صانع ، وهو عين ذلك كله كما قال تعالى :فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، سورة البقرة : الآية 115

    والوجه هو الذات ، أين ما توليت لا تدرك ببصرك سوى مخلوق مثلك قال تعالى :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ سورة الأنعام ( 6 ) : الآية 103

    فلا تدركه الأبصار المخلوقة ، وهو يدركها بلطافة إدراكه ، لأن اسمه اللطيف هو الذي امتنع إدراكه بالأبصار ، وتنزه عن المكان فلا يتحيز في الجهات والأقطار ، وتعالى عن الحد فلا تعرفه العقول بالفهوم والأفكار ، وهو مع ذلك أقرب إلى الأشياء من ذواتها ، وأظهر عليها من صفاتها غاية الإظهار ، وهذا الاسم اسم صفة إلهية بهذا الاعتبار .

    ولهذا الاسم اعتبار آخر وهو أن اللطيف هو الذي يسرع بكشف الغمة عند حلول النقمة ، ويسبغ بابتداع النعمة من حيث لا تتوقعها الهمة ، وقد ورد الحديث عن النبي - صلى الله عليه و [ آله ] وسلم - أنه قال : " إن لله في كل طرفة سبعين ألف نظرة لطف إلى خلقه “ ، فبهذا الاعتبار اسمه اللطيف من أسماء صفات الأفعال ، وصفته اللطف ، وهو عبارة عن سريان الرحمة بأنواع الإعانة والنعمة من غير انقطاع ولا امتناع .

    وبالاعتبار الأول فاللطف عبارة عن غموض العلم به بحيث امتناع [ امتنع ] معرفته على الحقيقة للطفها عن مدارك الفهوم ، وتنزهه عن مبالغ غايات العلوم فافهم ، والله ورسوله أعلم .

    البائن عن كل محسوس ومقول وموهوم ومعقول بينا غير بائن في بيناته

    ثم قال - قدس سره - : البائن عن كل محسوس ومقول وموهوم ومعقول بينا غير بائن في بيناته .

    لتنزّهه - سبحانه وتعالى - عن كل ما لا يجوز عليه ، فهو المنزّه عن المحسوسية والمقولية والموهومية والمعقولية .

    هذا من باب تجليه في المرتبة لا من باب تجلّيه في الظهور ، فإن تجلّيه في الظهور يكون عن المحسوس والمقول والمرهوم والمعقول بينا يعني ظاهرا ، وهو في ذلك الظهور غير مباين في بيناته الجامعة لما يشمله البطون والظهور .

    وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الفرق بين تجلّيه - تعالى - في المرتبة وبين تجليه في الظهور عند قوله : المتجلي في سرادق تنزيهه بعبارة واضحة .

    ولمّا كان أمره - سبحانه وتعالى - مبنيا على التضادّ ، تحيرت الخلق في معرفته ، فكل تولّى وجهة هو مولّيها ""اقتباس من سورة البقرة: الآية 148 وهي كالتالي :وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها ""

    واحتجب عمّا تولّاه الآخر ، حيث شاهدوا الحق آخذا بنواصيهم على صراط مستقيم من ذاته ""اقتباس من الآية الشريفة :إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، سورة هود: الآية 56""

    فالمعتقد الذي لأهل الملة الفلانية هو غير المعتقد الذي للملة الأخرى ، فقد حصل لهم في أنفسهم تباين في ذلك المعتقد ، وهو في نفسه غير مباين لكل من الطائفتين في اعتقادهم ، بل بيّن في بيناته

    يعني أنه ظاهر بأحديته المقدسة عن مفهوم الأغيار في ظهوراته ، وهي مظاهره التي أوجدته في نفس المعتقدين ووجدته [ وجده ] المعتقدون فيها ، كما أن تلك المظاهر أيضا أدركت الظاهر فيها ، فيمن وجد الحق بواسطتها ، والمدرك - اسم فاعل - الحق في تلك المظاهر هو إدراك الحق نفسه من نفسه بنفسه بلا واسطة أغيار ، إذ الحادث لا يدرك القديم ،

    ومن ثمّ عبّر الجنيد - قدس سره - بقوله : “ إذا قورن الحادث بالقديم تلاشى “ .

    فإذا ينبغي يا أخي - وفقني الله وإياك ، ولا أخلاني من فيضه ولا أخلاك - أن تعلم وتفهم ما هو الناطق منك ، والعالم منك ، والسامع منك ، والباصر منك ، إلى آخر قواك المدركة لحقائق الأشياء على تفاصيلها . على أن مدركة السمع لا تقوم مقام مدركة البصر ولا العكس ، ولا مدركة اللمس تنوب عن مدركة الشم ولا العكس ، وهكذا جميع ما فيك .

    على أنها أيضا لا تقوم بنفسها بل قيامها بالروح المنفوخ في صورة جسمك ، فإذا هي شيء واحد باعتبار أحدية الروح ، وأنت تعلم أنها متعددة ، على أنها في نفسها غير متعددة ، فإذا حصل لك الجهل بنفسك فأنت ببارئك وخالقك أجهل وأجهل .

    فلّما كان ذلك كذلك عبر - عليه الصلاة والسلام - بقوله : “ من عرف نفسه فقد عرف ربه “ ، وكأنه - عليه الصلاة والسلام - علّق مستحيلا على مستحيل ، وعبّر عن نفسه صلى الله عليه و آله وسلم بقوله : “ عرفت ربي بربي “ ،

    فيكون معنى الحديثين - والله أعلم - : أن من عرف نفسه بربه عرف ربه بما عرف به نفسه وهو ربه ، فيكون قد عرف ربه بربه .

    فعدم معرفة الإنسان نفسه بنفسه مقسوم له على كل حال ، وذلك لأن الجهل ذاتي للإنسان ، فتقوم حجة الله عليه بدعواه ، فدعواه معرفة الأشياء بما هو عين الجهل منه ، إذ نفسه من جملة الأشياء وقد جهلها ، فجهله لربه أولى .

    وإلى ذلك أشار تبارك وتعالى بقوله - عز شأنه - :وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ. سورة الأنعام ( 6 ) : الآية 91 ، وسورة الزمر ( 39 ) : الآية 67

    يعني كما ينبغي له ذلك وهو مستحيل أن يقدر أحد الله حق قدره نفسه ، لأنه ذو الجلال والإكرام ، وذو الجلال والإكرام هو الذي عظمت ذاته ، وعظّمته مخلوقاته .

    فذو الجلال عبارة عن العظيم بذاته تعالى ، وذو الإكرام تعظيم الكون له ، فذو الجلال والإكرام هو العظيم المعظّم ، فوَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

    من حيث أنه ذو الجلال ، وقدروه حق تقديره حسب استطاعتهم من حيث أنه ذو الإكرام ، مع أن قدرهم إياه من حيث أنه ذو الإكرام ليس هو حق قدره ، لكن هو في الصفة المعبر عنها بالكرم صفة هذا الاسم ، حصل لهم ذلك بتطفلهم على عظيم كرمه ، إذ من كرمه إيجاده لهم من بطون العدم إلى ظهور الوجود ، فأوجدهم وعرّفهم نفسه ، وتفضل عليهم بتلك المعرفة بعد إيجادهم له ليعرفوه فعرفوه ، فمنهم العارف والأعرف ولا يكون غير هذا ، فالخلق عظموا صفات ذي الجلال والإكرام وجهلوا ذاته ، فلو شهدوه في حقائقهم من غير حلول لتجلت لهم العظمة الإلهية في الأكوان وهي هم ، فلا يشهدوا الشيء سواها وجودا ، ولكنهم لمّا عظّموه جلّوه أن يشهدوه في ذواتهم ، وما علموا أنهم أساءوا الأدب بجعلهم لنفوسهم وجودا مستقلا من دونه ، فوقعوا في عين ما احترزوا من الوقوع فيه ، فحجبوا بوجودهم عن العظمة الإلهية ، بل حجبوا بالعظمة عن العظمة ، لأنه لولا تعظيمهم له لما حجبوا عن شهوده في حقيقة الموجودات وهم منها .

    وقد نبّه على ذلك بقوله تعالى :فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. سورة البقرة: الآية 115

    لكن لمّا حجبوا جهلوا ذلك فما :وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ . سورة الأنعام: الآية 91 ، وسورة الزمر: الآية 67.

    وعلى الحقيقة أن هذه الآية واقعة على جميع المخلوقات محجوبين كانوا أو مقربين ، فالأنبياء والأولياء وغيرهم من الملائكة المقربين والكروبيين العلويين جميعا :"وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" على الإطلاق .



    وإلى هذا أشار في قوله - عليه الصلاة والسلام - : “ لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، فلا أحصي ثناء عليك “ إشارة إلى العجز عن الإدراك على ذات الحق - تعالى - ، وذاك من حيث ظاهره الذي هو عبد باعتبار عبديته ، “ وأنت كما أثنيت على نفسك “ إشارة إلى عدم العجز عن الثناء على ذات الحق - تعالى - وذاك من حيث باطنه الذي هو رب باعتبار ربيته فافهم .

    قال المصنف في الكمالات الإلهية :

    "اعلم أن العارفين من الكمل المحققين يجتمعون في مقام التوحيد ، عارفون له بالأحدية الخاصة التي لا تنكشف إلا لأوليائه وأنبيائه ، ولكنهم يتفاوتون في معرفة قدره وذلك أمر من وراء التوحيد ، وهو عبارة عن حقيقة التعظيم الإلهي المتجلي من منظر ذي الجلال والإكرام عظيما ومعظما ، فمن تحقق في هذا المقام كان هو القطب والختام ، ولا يفهم ما قلناه إلا الفرد الذي صحت له العظمة الإلهية ، فعظمته الموجودات بالضرورة ، وقال لسمائه وأرضه :ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ” 4 “ انتهى

    سورة فصلت: الآية 11

    فيكون المعطي ذلك المقام هو رحمة الله العامة في الأنام ، بشهادته لهم بأنهما أتيا طائعين ، وليس المقصود من السماء والأرض سوى أهليهما ، فلما أثبت لهم الطاعة أثابهم عليها ، لأن الطائع مستحق الثواب ، فلو شهد لهم أنهم أتوه عاصين لاستحقوا عقابه وهو عدله ، بإعطاء كل ذي حق حقه .

    وفيه قال تعالى : -إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ. سورة الأحزاب: الآية 72

    وهو القائل لسمائه وأرضه :ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. سورة فصلت ( 41 ) : الآية 11

    إِنَّهُ كانَ- أي “ الإنسان “ -ظَلُوماً- لنفسه حيث أنزلها أسفل سافلين بعد أن كانت في أحسن تقويم -ظَلُوماً جَهُولًا” 3 “ بقدرها أن لها عند الله هذه الكرامة العظمى بأن تنوب عن خالقها في مخلوقاته .

    وسر ذلك أنه : “ خلق آدم على صورة الرحمن “ الذي مظهره الرحمة العامة في قوله تعالى :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ. سورة الأعراف: الآية 156

    واعلم أن الإنسان جرمه صغير ، وقدره عند الله كبير ، فمن ثمّ قيل : “ أن الصغير كبير - وهو الإنسان - من حيث قدره عند الله ، والكبير صغير - وهو العالم - من حيث قدره عند الله بالنسبة إلى الإنسان “ .

    فالأشياء الموجودة في الإنسان هي أشرف الأمور ، كالعلم بالله مثلا فإن العالم الكبير ليس عنده مرتبة العلم بالله ولا مرتبة الوسع الإلهي المذكور في قوله : “ ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن “ .

    فهذا الوسع ليس للعالم الكبير إلا من حيث الحكم وهو كون الإنسان موجودا فيه ، فللإنسان خصوصيات شريفة ، وليس للعالم الكبير خصوصية بشيء دون الإنسان ، فكلما في العالم في الإنسان ولا عكس .

    ومن ثم كان الإنسان أصلا للعالم ، وكان هو المقصود من الوجود ، وله الركوع والسجود في حضرة الحق المعبود ، ومن ثم قال فيه : “ لولاك لما خلقت الأفلاك “ ، فخلق الله العالم للإنسان لا الإنسان للعالم ، ألا تراه - سبحانه وتعالى - يقول :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً. سورة الجاثية: الآية 13

    فالعالم كله مسخر للإنسان مخلوق من أجله فالإنسان هو الأصل في ذلك .

    ولا اعتبار بخلق السماوات والأرض والملائكة قبل الإنسان ، فإنما جرت سنة الله بذلك أن يخلق الشجرة قبل الثمرة ، والثمرة هي المقصود من الشجرة .

    فمثل الإنسان والعالم كمثل ملك لا يبرز من محل إلى محل إلا بعد تهيئة المراتب التي هي من لوازم السلطنة في ذلك المحل ، بحيث أنه لا يبرز عما هو فيه إلى ما هو قاصده إلا بعد أن يعد له جميع ما يحتاج إليه فكذلك لم يبرز الله الإنسان في الخارج إلا بعد أن أتقن نظام العالم ، فكان ما في الإمكان أبدع منه سوى الإنسان فكذا ربه .

    فإذا فهمت معنى قول أفضل الكائنات عليه الصلاة والسلام : “ بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “ فافهم لفظة “ لأتمم مكارم الأخلاق “ وإلا فارجع إلى الواحد الخلاق .

    قال المصنف - قدس سره - في الكمالات :

    “ درة يتيمة في لجة عظيمة :

    اعلم - وفقك الله لمعرفة نفسك ، وأخرجك من ضيق رمسك - أن باطنك لمّا كان مغيبا منك ، وكانت فيه أمور غريبة ونكات عجيبة ، تغرب

    عنك لجلالة قدرها ، فلا تكاد تفهمها للطافة أمرها ، لأنها بالكلية منافية ، لا مظاهر جارية على أسلوبه .

    "" في المصدر : منافية لأمر ظاهرك ، جارية على أسلوب . المحقق .""

    بخلاف ما تعلمه من نفسك ، أقاموا لك فلانا في الظاهر ليس له مسمى ، ثم وصفوه لك بما عرفوه من أوصافك فيك ، حتى تثبت أولا أن مثل هذه الأوصاف توجد في موجود من الموجودات ، فإذا دلّوك عليك عرفتها من نفسك ، ثم دلّوك على باطنك ، فقالوا : أنك نسخة من فلان المذكور بتلك الأوصاف ، أو أن فلانا نسخة منك ، فإنك لو أنصفت ذلك . "" في المصدر : فأنت ولو أنكرت ذلك . المحقق ""

    من نفسك - لعدم معرفتك بك - فإن تلك الأوصاف ليست إلا لك ، أفتراك إذا غفلت عن مثل تلك الأشياء الموجودة فيك ، ورحلت عن مثل هذه الدار ولم تعرفها حقيقة المعرفة ما كنت إلا خاسرا ، ولو أعطيت من الوجود ما ذا عسى أن تعطه ، فإن الجمال المنفصل عنك - كالأموال والأولاد وأمثالها - ليس كالجمال المتصل بك من حسن الخلقة وشرف النسب في جمال الهيئة وكمال مكارم الأخلاق ، لأن الجمال الذي هو عبارة عن وجودك هو الباقي لك ، وما سواه فلا بد من مفارقته ، فمن لا يحصل على ما فيه من الكمالات فإنه أنقص الناقصين ، فافهم هذه الإشارات ، واعرف هذه العبارات ، وتأمل في فلان تعرف ما أردنا به - إن وفقك الله تعالى - ، فالله الله في معرفة أوصاف فلان في طلبها منك بطرحك وجعلك عبارة عنه ، فإنك المراد بذكره ، وليس على هذا البيان مزيد ، فلنقبض العنان ، واللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ. سورة الشورى : الآية 13

    انتهى "" الكمالات الإلهية : نهاية الفصل الأول "".



    ولقد أطلنا الكلام في هذا الفصل ، حتى كاد يفهم السامع أنا خرجنا عن المقصود ولم نخرج بعون الملك المعبود .

    المتخلق بكل خلق في كل خلق من مخلوقاته

    ثم قال رضي الله عنه : المتخلق بكل خلق في كل خلق من مخلوقاته .

    لعدم شيء منسوب إلى سواه ، فهو المتخلق بكل خلق ، يعني هو الظاهر بكل صورة خلقية حسا ومعنى بلا حلول كما يشاء ، وهو السر القائم به ذات المخلوق ، لاحتياجه إلى قائم يقوم به ، وهو المكنى عنه بأنه المتخلق بكل خلق في كل خلق من مخلوقاته .

    والخلق - بضم الخاء المعجمة واللام - هو حسن السيرة مع كل أحد بما يناسبه ، كما قيل : “ من زاد عليك في التخلق زاد عليك في التصوف “ .

    وهذا معنى أسمائه المشار إليها في الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام : “ إن لله ثلاثمأة خلق ، من تخلق بواحد منها دخل الجنة “ ، ومن ثم كان الثلاثمأة على قلب آدم ، وإن كان خلقه هنا يشمل جميع مخلوقاته التي منها الإنسان وغيره لكنه المقصود من الوجود من أصله بلا جحود ، فالفرع أحق بأصله ، وعدد النخل كامن في تمره ، فوقع تخلقه في غير نوع الإنسان ، لأن كل موجود وجد هو فرع الحبيب ، وأقرب الفروع إليه وأزكاها لديه هو من كان له نسبة الإنسانية الجامعة بين الفرع وأصله ، ولهذا كان هذا النوع مخلوقا له على الصورة بخلاف غيره .

    فإذا الأفضلية للحبيب بالأصالة ، ولغيره بالمجاز ، ولغير الغير بالتبعية ، فلا يمكن لغير الغير أن يصل إلى الحقيقة إلا بالعبور على قنطرة الحقيقة وهي المجاز ، فكان واسطة بين أصله وبين من له اللحوق بالحبيب بحكم التبعية ، وهم بقية الأكوان من غير نوع الإنسان .

    واعلم أن هذه الأخلاق المشار إليها في الحديث لا ينالها أحد من بني آدم إلا من كانت نشأته يعني أنه لا يقبل التخلق بها إلا من كانت نشأته من نبيه وصار ترجمان آدم وقته ، وأما من لم يكمل كمال آدم فله منها على قدره أعطي من الكمال ، فمنهم الكامل والأكمل .

    قال الإمام الأكبر - قدس سره - في الفتوحات في الفصل السادس والأربعين من مسائل الترمذي : “ إن هذه الأخلاق خارجة عن الاكتساب ، لا تكسب بعمل ،

    بل يعطيها الله اختصاصا ، ولا يصح التخلق بها ، لأنها لا أثر لها في الكون ، وإنما هي إعدادات بأنفسها لتجليات إلهية على عددها ، لا يكون شيء من تلك التجليات إلا لمن له هذه الأخلاق ،

    فناهيك من أخلاق لا تعلق لها لمن كان عليها واتصف بها إلا بالله خاصة ، ليس بينه وبين المخلوقين نسب أصلا ، فقول النبي - صلى الله عليه و [ آله ] وسلم - : “ من تخلق بواحد منها “ المراد . من اتصف بشيء منها ، أي من قامت به ، فإن الأخلاق على أقسام ثلاثة :

    [ الأول ] : منها أخلاق لا يمكن التخلق بها إلا مع الكون كالرحيم .

    [ الثاني ] : وأخلاق يتخلق بها مع الكون ومع الله ، كالغفور فإنه يقتضي الستر لما يتعلق بالله من كونه غفورا ويتعلق بالكون .

    [ الثالث ] : وأخلاق لا يتخلق بها إلا مع الله خاصة وهي هذه الثلاثمأة ، ولها من الجنات جنة مخصوصة لا ينالها إلا أهل هذه الأخلاق ، وتجلياتها لا تكون لغيرها من

    الجنات ، ولكن هذه الأخلاق هي لهم كالخلوق الذي يتطيب بها الإنسان ، فإنه وجود الريح من الطيب لا تعمل فيه للمتطيب به ، فإنه يقتضي تلك الريح لذاته ، والتخلق تعمل في تحصيل هذا الخلق ، وهذا ليس كذلك ، فالثناء على الطيب ، لا على من قام به ، فكذلك هذا الخلق إذا رئي على عبد اتصف به لم يقع منه ثناء عليه أصلا ، وإنما يقع الثناء على الخلق خاصة ، فكل خلق تجده بهذه المثابة فهو من هذه الأخلاق الثلاثمأئة “ انتهى ." الفتوحات المكية المجلد الثاني ص 72 من طبعة بولاق"

    فإن قلت : قولكم أن الحق جلّ وعلا تخلق في كل [ واحد ] من مخلوقاته يدل على أنه عينها ، فإذا كان هو عينها فما هذا التعدد الموجود في العالم وهو واحد - سبحانه - ، فكيف [ يقال أنه ] واحد وهو متعدد ؟ وكيف يظهر متعددا وهو واحد ؟ وما هذا التغير الواقع في هذا المتعدد وهو منزه عن ذلك التغير . ؟

    الجواب : أن تعدد الظاهر في الوجود غير مناف للواحدية الإلهية ، لأن الواحد إذا قابلت به مرائي كثيرة فإن الواحد يتعدد فيها ولا يتعدد في نفسه ، فهو واحد من حيث هو ، ومتعدد من حيث تلك المرائي ، فهذا التعدد الواحدي لواحد غير متعدد ، والتغيير الواقع في الصور لا فيه ، فإن العالم في المثال بالنسبة إلى الله تعالى :وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى” سورة النحل: الآية 60

    مثال الصورة المتخيلة في ذهنك المفروضة أنها غيرك بالنسبة إليك ، فهل تري التغير الواقع بتلك الصورة راجع إليك من حيث حقيقتك أم راجع إلى ذلك المتخيل المفروض ، وأنت على ما أنت عليه قبل ظهوره في مخيلتك وبعد زواله . ؟

    وأيضا فإن وجود ذلك التغير اللاحق بذلك المفروض المتخيل غير حقيقي ، لأن وجود ذلك المفروض نفسه وجود مجازي غير حقيقي ، إذ لا استقلال له إلا من حيث

    الفرض ، فافهم وتأمل هذه العبارات ، واخرج عن ظاهر اللفظ ، واعرف ما هو وراء ذلك ، فالله - تعالى - منزه عن المثل والممثل به ، وهو عين من نزهته عنه بدليل :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ. سورة الجاثية: الآية 13 .

    والله يهدي من يشاء إليه ."" اقتباس من سورة البقرة: الآية 213 ، وسورة النور: الآية 46 :وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.""


      الوقت/التاريخ الآن هو 22/11/2024, 19:15