..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Emptyاليوم في 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Emptyاليوم في 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Emptyاليوم في 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Emptyاليوم في 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Emptyاليوم في 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Emptyاليوم في 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7) Empty كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (7)

    مُساهمة من طرف Admin 18/10/2020, 20:39

    وفي معركة الزاوية حض ابن الأشعث جيشه، وذكر قوتهم وفعالهم، وخاض في أهل الشام ذماً، ثم حملوا فخرقوا الصفوف، واقتتل الفريقان، وبعد أيام ثلاثة أمر الحجاج عبد الرحمن بن مسلم أن يأخذ على المسناة حتى يأتي البصرة، فثاروا والتقوا على الجسر، وقُتل عبد الرحمن بن عوسجة صاحب ميمنة ابن الأشعث، وغيرهم، وقُتل في هذه المعركة عقبة بن عبد الغافر في جماعة من القراء، وقتل عبد اللَّه بن عامر في نحو ثلاثمائة، وقُتل مئتان من الموالي، وانهزم الناس حتى دخلوا البصرة، فقتلوا، ثم قتل أربعمائة أو أكثر([259]).

    وقد خرج مع ابن الأشعث علماء كثيرون، وأذكر هنا الأسماء التي أوردها خليفة بن خياط([260]):

    مُسلم بْن يسَار مزني.

    عقبَة بْن عَبْد الغافر العوذي قتل فِي المعركة.

    عقبَة بْن وساج البرْسَانِي قتل فِي المعركة.

    عبد اللَّه بْن غَالب الْجَهْضَمِي قتل فِي المعركة.

    النضْر بْن أنس بْن مَالك.

    أَبُو الجوزاء، قتل فِي المعركة.

    عمْرَان بْن عِصَام الضبعِي، قتل صبراً.

    سيار بْن سَلامَة أَبُو الْمنْهَال الريَاحي.

    مَالك بْن دِينَار.

    مرَّة بْن دباب الههرادي.

    أَبُو نجيد الْجَهْضَمِي.

    أَبُو شيخ الْهنائِي.

    الْحسن بْن أَبِي الْحسن (البصري) أخرج كرهاً لم يقتل.

    وَمن أهل الْكُوفَة: سعيد بْن جُبَير.

    عامر الشّعبِيّ.

    عبد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَاد، فُقد لَيْلَة دجيل.

    عبد الرَّحْمَن بْن أَبِي ليلى، فُقد لَيْلَة دجيل.

    أَبُو عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود.

    المعرور بْن سُوَيْد.

    مُحَمّد بْن سعد بْن مَالك، قُتل صبراً.

    طَلْحَة بْن مصرف الأيامي.

    زبيد بْن الْحَارِث الأيامي.

    عَطَاء بْن السَّائِب، مولى ثَقِيف.

    أَبُو البخْترِي الطَّائِي، قتل فِي المعركة.

    طفيل بْن عَامر بن وائلة رضي الله عنه قتل في المعركة.

    مَيْمُون بْن أَبِي شبيب، قتل فِي الجماجم.

    كميل بْن زِيَاد النَّخعِيّ.

    ويذكر خليفة بن خياط عن المدائني أعداد القتلى في هذه المعارك فيقول: «قَالَ أَبُو الْحسن: قَالَ عوَانَة: قتل الْحجَّاج بمسكن خَمْسَة آلَاف أَسِير، أَو أَرْبَعَة آلَاف»([261]).

    وهذه أقوال بعض هؤلاء العلماء الأعلام في هذه الحروب التي خاضوها مع ولاة بني أمية:

    وروى ابن سعد في حديثه عن سعيد بن جبير، وهو من أشهر من قتل من جراء هذه الحروب: «كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ: يَوْمَ دَيْرِ الْجَمَاجِمِ وَهُمْ يُقَاتِلُونَ: قَاتِلُوهُمْ عَلَى جَوْرِهِمْ فِي الْحُكْمِ، وَخُرُوجِهِمْ مِنَ الدِّينِ، وَتَجَبُّرِهِمْ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، وَإِمَاتَتِهِمُ الصَّلَاةَ، وَاسْتِذْلَالِهِمُ الْمُسْلِمِينَ»([262]).

    وقصة سعيد بن جبير ؒ انتشرت، واشتهرت، خصوصاً إذا علمنا أن الحجاج كان يقتل الذين يمسك بهم من هؤلاء، ولكنه يحاججهم قبل الإعدام، ومحاججته لسعيد بن جبير من أشهر ما انتشر في كتب التاريخ والأدب، وليس هذا الكلام دفاعاً عن الحجاج، فالتاريخ يشهد بكثرة ظلمه للعباد، ونشره للخوف والذعر في ولايته، ولكن هذا الحوار الذي جرى بين الحجاج وبين ابن جبير يوحي بخطأ ابن جبير، أكثر مما يوحي بخطأ الحجاج، فتقول الرواية: «أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ قَدْ جَعَلَهُ عَلَى نَفَقَاتِ الْجُنْدِ حِينَ بعثه مع ابن الأشعث إلى قتال رتبيل ملك الترك، فَلَمَّا خَلَعَهُ ابْنُ الْأَشْعَثِ خَلَعَهُ مَعَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَلَمَّا ظَفِرَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الْأَشْعَثِ وَأَصْحَابِهِ، هَرَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى نَائِبِهَا أَنْ يَبْعَثَهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ سَعِيدٌ هَرَبَ مِنْهَا، ثُمَّ كَانَ يَعْتَمِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَيَحُجُّ، ثُمَّ إِنَّهُ لَجَأَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ وَلِيَهَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ، فَأَشَارَ مَنْ أَشَارَ عَلَى سَعِيدٍ بِالْهَرَبِ مِنْهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللَّهِ مما أَفِرُّ، وَلَا مَفَرَّ مِنْ قَدَرِهِ؟ وَتَوَلَّى عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانُ بْنُ حَيَّانَ بَدَلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَجَعَلَ يَبْعَثُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ أصحاب ابن الأشعث من الْعِرَاقِ إِلَى الْحَجَّاجِ فِي الْقُيُودِ، فَتَعَلَّمَ مِنْهُ خالد بن عبد اللَّه الْقَسْرِيُّ، فَعَيَّنَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ مَكَّةَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدَ بن جبر، وعمرو بن دينار، وطلق ابن حبيب، ويقال إن الحجاج أرسل إِلَى الْوَلِيدِ يُخْبِرُهُ أَنَّ بِمَكَّةَ أَقْوَامًا مِنْ أَهْلِ الشِّقَاقِ، فَبَعَثَ خَالِدٌ بِهَؤُلَاءِ إِلَيْهِ، ثُمَّ عَفَا عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَبَعَثَ بِأُولَئِكَ الثَّلَاثَةِ، فَأَمَّا طَلْقٌ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ، وأما مجاهد فحبس، فما زال في السجن حتى مات الحجاج، وأما سعيد بن جبير، فلما أوقف بَيْنَ يَدَيِ الْحَجَّاجِ

    قَالَ لَهُ: يَا سَعِيدُ، أَلَمْ أُشْرِكْكَ فِي أَمَانَتِي! أَلَمْ أَسْتَعْمِلْكَ؟ أَلَمْ أَفْعَلْ، أَلَمْ أَفْعَلْ؟

    كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: نَعَمْ.

    حَتَّى ظَنَّ مَنْ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَيُخْلِي سَبِيلَهُ.

    حتى قال له: فما حملك على الخروج عَلَيَّ، وَخَلَعْتَ بَيْعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟

    فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ ابْنَ الْأَشْعَثِ أَخَذَ مِنِّي الْبَيْعَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَعَزَمَ عَلَيَّ.

    فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَجَّاجُ غضباً شديداً، وانتفخ حتى سقط طرف رِدَائِهِ عَنْ مَنْكِبِهِ، وَقَالَ لَهُ:

    وَيْحَكَ، أَلَمْ أَقْدَمْ مَكَّةَ فَقَتَلْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذْتُ بَيْعَةَ أَهْلِهَا، وَأَخَذْتُ بَيْعَتَكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ؟

    قَالَ: بَلَى.

    قَالَ: ثُمَّ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ وَالِيًا عَلَى الْعِرَاقِ، فَجَدَّدْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَيْعَةَ، فَأَخَذْتُ بَيْعَتَكَ لَهُ ثَانِيَةً؟

    قَالَ: بَلَى.

    قَالَ: فَتَنْكُثُ بَيْعَتَيْنِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَفِي بِوَاحِدَةٍ لِلْحَائِكِ ابْنِ الْحَائِكِ؟

    يَا حَرَسِيُّ اضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: فَضُرِبَتْ عنقه، فبدر رأسه عليه لاطئة صغيرة بيضاء، وقد ذكر الواقدي نحو هذا، وقال له:

    أما أعطيتك مائة ألف؟ أما فعلت، أما فعلت»([263]).

    ولا أدري كيف يرى العلماء وخصوصاً المحدثين أن رجلاً يتحجج ببيعته للإمام المتأخر، وأنه لا يحق له نقضها، وهو نقض بيعتين اثنتين بايعهما قبل هذه البيعة المتأخرة؟

    وكما قلت ليس الحجاج إلا أحد الظلمة في كثير من أحواله، وشهد على ذلك أئمة كبار، كأنس بن مالك رضي الله عنه، ومحمد بن سيرين ؒ، ولكن الخصومة والمشكلة هنا ليست مع الحجاج، وإنما مع الدولة التي يقودها عبد الملك بن مروان، ولم يطالبه الحجاج بالبيعة لنفسه، ولم يكن يدافع عن إمارته وولايته، وإنما كان يقوم بأمر الخليفة في دمشق، ولن يكون أمره أفضل من أمر الصحابي العظيم ابن الزبير رضي الله عنه، ولذلك أرى أن يُعاد النظر في كثير من هذه الأحداث من منظور دولة الخلافة التي كانت قائمة بأمر الدين، ورافعة راية الجهاد، وفتح الله على يديها بلاداً كثيرة واسعة، وانتشر نور الإسلام في عهدها على الأرض مشرقها وغربها.

    وقال إن العلماء الذين في جيش ابن الأشعث كانوا كثيرين، وكانوا يُسمّون بالقراء: «فَقَالَ الْقُرَّاءُ - وَكَانَ عَلَيْهِمْ جَبَلَةُ بْنُ زَحْرٍ -: أَيُّهَا النَّاس لَيْسَ الْفِرَارُ مِنْ أَحَدٍ بأقبح مِنْكُمْ فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ»([264]).

    وَأما التابعي الجليل الإمام الشعبي، يقول للجنود مشجعاً لهم: «قَاتِلُوهُمْ عَلَى جَوْرِهِمْ، وَاسْتِذْلَالِهِمُ الضُّعَفَاءَ، وَإِمَاتَتِهِمُ الصَّلَاةَ»([265]).

    «وَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَاتِلُوهُمْ عَلَى دِينِكُمْ، وَدُنْيَاكُمْ»([266]).

    وعدد من الأعلام الذين رفضوا الخوض في هذه الفتنة، فقد قام المهلب بن أبي صفرة بنصح ابن الأشعث، وتحذيره من عاقبة نكثه لبيعة الخليفة الأموي، ولم يسمع له ابن الأشعث، قال الإمام ابن كثير ؒ: «وَبَلَغَ الْمُهَلَّبَ خَبَرُ ابْنِ الْأَشْعَثِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَبَى عَلَيْهِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ، وَكَتَبَ الْمُهَلَّبُ إِلَى ابْنِ الْأَشْعَثِ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكَ يَا ابْنَ الْأَشْعَثِ قَدْ وَضَعْتَ رَجْلَكَ فِي رِكَابٍ طَوِيلٍ، أَبْقِ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، انظر إلى نفسك، فَلَا تُهْلِكْهَا، وَدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا تَسْفِكْهَا، وَالْجَمَاعَةِ، فَلَا تُفَرِّقْهَا، وَالْبَيْعَةِ، فَلَا تَنْكُثْهَا، فَإِنْ قُلْتَ أَخَافُ النَّاسَ عَلَى نَفْسِي، فاللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخَافَهُ مِنَ النَّاسِ، فَلَا تُعَرِّضْهَا للَّه فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ، أَوِ اسْتِحْلَالِ مُحَرَّمٍ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ»([267]).

    ولما تم الأمر لبني أمية، وسقطت حركة ابن الأشعث، بدأ الحجاج بحواراته مع الخارجين مع ابن الأشعث، فبدأ هؤلاء الأعلام بالاعتراف في العمل الخاطئ: «وَكَانَ الشَّعْبِيُّ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ الْقُرَّاءِ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَشَهِدَ دَيْرَ الْجَمَاجِمِ، وَكَانَ فِيمَنْ أَفْلَتَ، فَاخْتَفَى زَمَانًا، وَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ أَنْ يُكَلِّمَ فِيهِ الْحَجَّاجَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ:

    إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ تَحَيَّنْ جُلُوسَهُ لِلْعَامَّةِ، ثُمَّ ادْخُلْ عَلَيْهِ حَتَّى تَمْثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَتَكَلَّمَ بِعُذْرِكَ، وَأَقِرَّ بِذَنْبِكَ، وَاسْتَشْهِدْنِي عَلَى مَا أَحْبَبْتَ، أَشْهَدْ لَكَ، قَالَ: فَفَعَلَ الشَّعْبِيُّ، فَلَمْ يَشْعُرِ الْحَجَّاجُ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ.

    قَالَ لَهُ: الشَّعْبِيُّ؟

    قَالَ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ.

    قَالَ: أَلَمْ أَقْدَمِ الْبَلَدَ، وَعَطَاؤُكَ كَذَا وَكَذَا، فَزَدْتُكَ فِي عَطَائِكَ، وَلَا يُزَادُ مِثْلُكَ؟

    قَالَ: بَلَى، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ.

    قَالَ: أَلَمْ آمُرْ أَنْ تَؤُمَّ قَوْمَكَ، وَلَا يَؤُمُّ مِثْلُكَ؟

    قَالَ: بَلَى، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ.

    قَالَ: أَلَمْ أُعَرِّفْكَ عَلَى قَوْمِكَ، وَلَا يُعَرَّفُ مِثْلُكَ؟

    قَالَ: بَلَى، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ.

    قَالَ: أَلَمْ أُوفِدْكَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يُوفَدُ مِثْلُكَ؟

    قَالَ: بَلَى، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ.

    قَالَ: فَمَا أَخْرَجَكَ مَعَ عَدُوِّ الرَّحْمَنِ؟

    قَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، خَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ، فَمَا كُنَّا فِيهَا بِأَبْرَارٍ أَتْقِيَاءَ، وَلَا فُجَّارٍ أَقْوِيَاءَ، وَقَدْ كَتَبْتُ إِلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ أُعْلِمُهُ نَدَامَتِي عَلَى مَا فَرَطَ مِنِّي، وَمَعْرَفَتِي بِالْحَقِّ الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ الْأَمِيرَ، وَيَأْخُذَ لِي مِنْهُ أَمَانًا، فَلَمْ يَفْعَلْ.

    فَالْتَفَتَ الْحَجَّاجُ إِلَى يَزِيدَ:

    فَقَالَ: أَكَذَلِكَ يَا يَزِيدُ؟

    قَالَ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ.

    قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي بِكِتَابِهِ.

    قَالَ: الشُّغْلُ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْأَمِيرُ.

    فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَوَّلًا انْصَرِفْ.

    فَانْصَرَفَ الشَّعْبِيُّ إِلَى مَنْزِلِهِ آمِنًا»([268]).

    ورواية خليفة بن خياط مختصرة جداً، وفيها « عَن مَالك بْن دِينَار قَالَ:

    خرج مَعَ ابْن الْأَشْعَث خَمْسمِائَة من الْقُرَّاء، كلهم يرَوْنَ الْقِتَال، وَقتل طفيل بْن عَامر بن واثلة.

    قَالَ الْأَصْمَعِي: وَحَدَّثَنِي عُثْمَان الشحام، قَالَ:

    لما أَتَى الْحجَّاج بالشعبي عاتبه.

    فَقَالَ الشّعبِيّ: أجدب بِنَا الجناب، وأحزن بِنَا الْمنزل، واستحلسنا الْخَوْف، وخبطتنا فتْنَة لم نَكُنْ فِيهَا بررة أتقياء، وَلَا فجرة أقوياء.

    فَقَالَ لَهُ: لله أَبوك»([269]).

    فعفا عنه، وأطلقه.

    وأما الحسن البصري، فله أمر آخر، لأن الحجاج كان يريد قتله، فيذكر ابن كثير: «وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: إِنَّ الْحَجَّاجَ أَرَادَ قَتْلَ الْحَسَنِ مِرَارًا، فَعَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ مَعَهُ مُنَاظَرَاتٍ، عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَرَى الْخُرُوجَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَنْهَى أَصْحَابَ ابْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مَعَهُمْ مُكْرَهًا كَمَا قَدَّمْنَا، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ نِقْمَةٌ، فَلَا تُقَابَلُ نِقْمَةُ اللَّهِ بِالسَّيْفِ، وَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ، وَالسَّكِينَةِ، وَالتَّضَرُّعِ»([270]).

    وقال أَيُّوب السختياني: «مَا صرع مَعَ ابْن الْأَشْعَث أحد إِلَّا رغب لَهُ عَن مصرعه، وَلَا نجا مِنْهُم أحد إِلَّا حمد اللَّه الَّذِي سلمه»([271]).

    وينقل خليفة بن خياط كلاماً لزبيد بن الحارث اليامي فيقول: «وَحدثت عَن مُحَمَّد بْن طَلْحَة قَالَ رَآنِي زبيد مَعَ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم، وَنحن نضحك، فَقَالَ: لَو شهِدت الجماجم مَا ضحِكت، ولوددت أَن يَدي، أَو قَالَ: يَمِيني قطعت من الْعَضُد، وَأَنِّي لم أكن شهِدت»([272]).

    وكلام الإمام ابن كثير في تعليقه على أحداث ابن الأشعث كلام فيه من الفقه، والرأي الحصيف، لما حدث في هذه الفتنة، واشتراك القراء فيها، يقول: «وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوهُ بِالْإِمَارَةِ، وَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَإِنَّما هُوَ كِنْدِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ الصَّحَابَةُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ عَلَى أَنَّ الْإِمَارَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمُ الصِّدِّيقُ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ الْأَنْصَارَ سَأَلُوا أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ مَعَ أَمِيرِ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَبَى الصِّدِّيقُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، ثُمَّ مَعَ هَذَا كُلِّهِ ضَرَبَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الَّذِي دَعَا إِلَى ذَلِكَ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَكَيْفَ يَعْمِدُونَ إِلَى خَلِيفَةٍ قَدْ بُويِعَ لَهُ بِالْإِمَارَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ سِنِينَ، فَيَعْزِلُونَهُ، وَهُوَ مِنْ صليبة قُرَيْشٍ، وَيُبَايِعُونَ لِرَجُلٍ كِنْدِيٍّ بَيْعَةً لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ؟ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتْ هذه زلة، وفلتة، نشأ بسببها شر كبير، هلك فيه خلق كثير، فإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ»([273]).

    ح- قتيبة بن مسلم:

    قتيبة بن مسلم ؒ من القواد العظام الذين قادوا الفتح الإسلامي في عهد بني أمية رحمهم اللَّه، قال ابن كثير ؒ: «وَقَدْ كَانَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُصَيْنِ بْنِ رَبِيعَةَ أَبُو حَفْصٍ الْبَاهِلِيُّ، مِنْ سَادَاتِ الْأُمَرَاءِ وَخِيَارِهِمْ، وَكَانَ مِنَ الْقَادَةِ النُّجَبَاءِ الْكُبَرَاءِ، وَالشُّجْعَانِ وذوي الحروف، وَالْفُتُوحَاتِ السَّعِيدَةِ، وَالْآرَاءِ الْحَمِيدَةِ، وَقَدْ هَدَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ خَلْقًا لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ، فَأَسْلَمُوا وَدَانُوا لِلَّهِ U، وَفَتَحَ مِنَ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ الْكِبَارِ، وَالْمُدُنِ الْعِظَامِ شَيْئًا كَثِيرًا، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُضِيعُ سَعْيَهُ، وَلَا يُخَيِّبُ تَعَبَهُ وَجِهَادَهُ»([274]).

    ولكن قتيبة بن مسلم لما مات الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي، أحس بشيء من الضعف في الدولة، فبدأ يفكر بأمر قد يستطيعه في إعادة البناء لهذه الدولة، ولكن من معه لم يرض بهذه الخطوات التي أرادها ابن قتيبة، يقول الإمام الذهبي ؒ: «وَلَمَّا مَاتَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نَزَعَ الطَّاعَةَ، فَلَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ النَّاسِ.

    وَكَانَ قُتَيْبَةُ قَدْ عَزَلَ وَكِيعَ بْنَ حَسَّانِ بْنِ قَيْسٍ الْغُدَانِيَّ عَنْ رِيَاسَةِ تَمِيمٍ، فَحَقَدَ عَلَيْهِ، وَسَعَى فِي تَأْلِيبِ الْجُنْدِ، ثُمَّ وَثَبَ عَلَى قُتَيْبَةَ فِي أَحَدَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَتَلُوهُ فِي ذي الحجة سنة ست وتسعين([275])، وله ثمان وأربعون سنة»([276]).

    ويذكر الإمام ابن كثير كيفية محاولة قتيبة ؒ في التمرد على الخلافة، ولماذا لم يتبعه جنوده، بل وثبوا عليه وقتلوه ؒ: «وَذَلِكَ أَنَّهُ جَمَعَ الْجُنْدَ وَالْجُيُوشَ، وَعَزَمَ عَلَى خلع سليمان بن عبد الملك من الخلافة، وَتَركِ طَاعَتِهِ، وَذَكَرَ لَهُمْ هِمَّتَهُ، وَفُتُوحَهُ، وَعَدْلَهُ فِيهِمْ، وَدَفْعَهُ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى مَقَالَتِهِ، فَشَرَعَ فِي تَأْنِيبِهِمْ، وَذَمِّهِمْ، قَبِيلَةً قَبِيلَةً، وَطَائِفَةً طَائِفَةً، فَغَضِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ، وَنَفَرُوا عَنْهُ، وَتَفَرَّقُوا، وَعَمِلُوا عَلَى مُخَالَفَتِهِ، وَسَعَوْا فِي قَتْلِهِ، وَكَانَ الْقَائِمُ بِأَعْبَاءِ ذَلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ وَكِيعُ بْنُ أَبِي سُودٍ، فَجَمَعَ جُمُوعًا كَثِيرَةً، ثُمَّ نَاهَضَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ»([277]).

    ويعتبر الإمام ابن كثير ؒ هذا الأمر الذي أراده قتيبة ؒ زلة، وكبيرة وقع فيها، مع ذكره لقيمة قتيبة ؒ، فيقول: «وَلَكِنْ زَلَّ زَلَّةً كَانَ فِيهَا حَتْفُهُ، وَفَعَلَ فَعْلَةً رَغِمَ فِيهَا أَنْفُهُ، وَخَلَعَ الطاعة، فبادرت المنية إليه، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، لَكِنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا قَدْ يُكَفِّرُ اللَّه به سيئاته، ويضاعف به حسناته، وَاللَّهُ يُسَامِحُهُ، وَيَعْفُو عَنْهُ، وَيَتَقَبَّلُ مِنْهُ مَا كَانَ يُكَابِدُهُ مِنْ مُنَاجَزَةِ الْأَعْدَاءِ»([278]).

    وطويت صفحة قتيبة بن مسلم الباهلي ؒ بعد جهاد طويل، وفتوحات رائعة، وانتشار للإسلام في الأصقاع البعيدة عن دار الخلافة، ولكنها طويت بمأساة، كانت نهاية هذه المأساة مصرع هذا البطل العنيد، والقائد الصنديد، الذي دوّخ ملوك قواد الترك والصغد، وفتح الأقطار والأمصار، ونشر التوحيد، والعدل بين العباد.

    ولكن الزلة التي زلها قتيبة بن مسلم كما ذكر الحافظ ابن كثير، كانت في منطقة بعيدة عن مركز الخلافة، وفي نطاق محدود، وأكثر جنده أنكروا عليه خروجه، ولم يتبعوه أو يطيعوه، فقُتل ؒ، وماتت هذه الحركة في مهدها، دون أثر لها في التاريخ العربي الإسلامي.

    ط- يزيد بن المهلب

    وفي سنة إحدى ومئة في العصر الأموي المجيد «خَرَجَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ فَخَلَعَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مُحَاصَرَةٍ طَوِيلَةٍ، وَقِتَالٍ طَوِيلٍ، فَلَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا بَسَطَ الْعَدْلَ فِي أَهْلِهَا، وَبَذَلَ الْأَمْوَالَ»([279]).

    وقد خرج يزيد، ومعه جند كثير نَحْوٌ من مائة ألف، وعشرين ألفاً، وقد بَايَعُوهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَعَلَى كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى أن لا يطأ الْجُنُودُ بِلَادَهُمْ، وَعَلَى محاربة سِيرَةُ الْفَاسِقِ الْحَجَّاجِ، فَمَنْ بَايَعَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ خَالَفَ قوتل.

    ولَمَّا تَوَاجَهَتْ الجيوش تَبَارَزَ الناس قليلاً، ولم ينشب الحرب شديداً حتى فر أهل العراق من المعارك سَرِيعًا([280]).

    وبقي يزيد بن المهلب يحارب، وثبت معه عِصَابَة مِنْ أَصْحَابِهِ، ثمَّ جَعَلَ بَعْضُهُمْ يتسللون منه، حتى بقي في شرذمة قَلِيلَةٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَسِيرُ قُدُمًا لَا يمر بخيل إلا هزمهم، وأهل الشام يتجاوزون عنه يميناً وشمالاً، وقد قتل أخوه حبيب بن المهلب، فازداد غضباً وحنقاً وغيظاً، وقَصَدَ نَحْوَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ، فَلَمَّا وَاجَهَهُ حَمَلَتْ عَلَيْهِ خُيُولُ الشَّامِ فَقَتَلُوهُ، وَقَتَلُوا مَعَهُ أَخَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، وَقَتَلُوا السَّمَيْدَعَ، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ، وَالَّذِي قَتَلَ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْقَحْلُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَقُتِلَ إِلَى جَانِبِ يَزِيدَ بن المهلب، وجاءوا برأس يزيد إِلَى مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَرْسَلَهُ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيطٍ إِلَى أَخِيهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَاسْتَحْوَذَ مَسْلَمَةُ عَلَى مَا فِي مُعَسْكَرِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، وَأَسَرَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى الْكُوفَةِ، وَبَعَثَ إلى أخيه فيهم، فجاء كتابه بقتلهم، فسار مسلمة فنزل الحيرة، ولما انتهت هزيمة ابن الْمُهَلَّبِ إِلَى ابْنِهِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ بِوَاسِطٍ، عَمَدَ إِلَى نَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ أَسِيرًا فِي يَدِهِ فقتلهم، منهم نائب أمير المؤمنين عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ ؒ وَابْنُهُ، وَمَالِكٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ ابْنَا مَسْمَعٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَشْرَافِ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَتَى الْبَصْرَةَ وَمَعَهُ الْخَزَائِنُ مِنَ الْأَمْوَالِ»([281]).

    وبعد ذلك انتقل آل المهلب فارين حَتَّى أَتَوْا جِبَالَ كَرْمَانَ «فَنَزَلُوهَا، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ جماعة ممن فلَّ من الجيش الذي كَانَ مَعَ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، وَقَدْ أَمَّرُوا عليهم المفضل بن المهلب، فأرسل مسلمة جيشاً عليهم هلال بن ماجور المحاربي فِي طَلَبِ آلِ الْمُهَلَّبِ، وَيُقَالُ إِنَّهُمْ أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مُدْرِكُ بْنُ ضَبٍّ الْكَلْبِيُّ، فَلَحِقَهُمْ بِجِبَالِ كَرْمَانَ، فَاقْتَتَلُوا هُنَالِكَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُفَضَّلِ، وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَانْهَزَمَ بَقِيَّتُهُمْ، ثُمَّ لَحِقُوا الْمُفَضَّلَ، فَقَتَلُوهُ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَقْبَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، فَأَخَذُوا لَهُمْ أَمَانًا مِنْ أَمِيرِ الشَّامِ، مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ النَّخَعِيُّ، ثُمَّ أَرْسَلُوا بِالْأَثْقَالِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالنِّسَاءِ، وَالذُّرِّيَّةِ، فَوَرَدَتْ عَلَى مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَمَعَهُمْ رأس المفضل، ورأس عبد الملك بن المهلب، فبعث مسلمة بالرؤوس، وتسعة من الصبيان الْحِسَانِ إِلَى أَخِيهِ يَزِيدَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِ أولئك، ونصبت رؤوسهم بِدِمَشْقَ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا إِلَى حَلَبَ فَنُصِبَتْ بِهَا، وَحَلَفَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَيَبِيعَنَّ ذَرَارِيَّ آلِ الْمُهَلَّبِ، فَاشْتَرَاهُمْ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ إِبْرَارًا لِقَسَمِهِ بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَأَعْتَقَهُمْ وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَسْلَمَةُ مِنْ ذَلِكَ الْأَمِيرِ شَيْئًا»([282]).

    وقد اختتمت فتنة آل المهلب ببيعتهم عبيدة، ولولا أن قيض اللَّه لهم أخذ الأمراء ليدفع عنهم ذل العبودية، فاشتراهم إبراراً لقسم مسلمة، وإلا لعاشوا عبيداً أذلاء، بعد ان كانوا قادة مجاهدين في سبيل اللَّه، وقد سبق ذكر قول أبيهم المهلب ناصحاً عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بألا يقوم على الخليفة، ووقع أولاده فيما حذر هو عنه، فكان من أمرهم ما كان.

    وإن هذه الفتنة مات فيها خلق كثير دون تحقيق أي هدف من أهدافها، فهي لم تأمر بمعروف، ولم تنه عن منكر، وقد رأينا أن معاوية بن يزيد بن المهلب عندما جاء خبر مقتل أبيه، كيف قتل عدداً من الأفاضل الكبار منهم عدي بن أرطاة، وابنه محمد بن عدي، ومالك، وعبد الملك ابني سمع، والقاسم بن مسلم، وعبد اللَّه بن عمر النصري، وغيرهم([283])، قتلهم انتقاماً لأبيه، ولم يكن لهم ذنب إلا أنهم أسرى عنده.

    ومن الملفت للنظر أيضاً أن الحاكم القائم ينتقم من خصومه مهما كان وضعهم، أو مقامهم، وقد يكون انتقامه تتناسب مع مقامه كأمير، أو حاكم، فهذا مسلمة بن عبد الملك الذي قضى الشطر الكبير من حياته مجاهداً في سبيل اللَّه يقسم يميناً ببيع ذراري آل المهلب في سوق النخاسة، فهو بعد قتل آبائهم قرر إذلال الأبناء.

    وقد يقول قائل أين مكان العلماء من فتنة ابن المهلب، هل كانوا لها من المؤيدين، أم كانوا يخالفونها؟.

    وهذا مثال من هؤلاء العلماء، وهو الحسن البصري ؒ فقد «كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى الْكَفِّ، وَتَرْكِ الدُّخُولِ فِي الْفِتْنَةِ، وَيَنْهَاهُمْ أَشَدَّ النهى، وذلك لما وقع من القتال الطَّوِيلِ الْعَرِيضِ فِي أَيَّامِ ابْنِ الْأَشْعَثِ، وَمَا قتل بسبب ذَلِكَ مِنَ النُّفُوسِ الْعَدِيدَةِ، وَجَعَلَ الْحَسَنُ يَخْطُبُ الناس، ويعظهم في ذلك، ويأمرهم بالكف، فبلغ ذلك نائب البصرة عبد الملك بْنَ الْمُهَلَّبِ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، فَأَمَرَهُمْ بالجد والجهاد، والنفر إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ الضَّالَّ الْمُرَائِيَ- وَلَمْ يُسَمِّهِ- يُثَبِّطُ الناس، أَمَا وَاللَّهِ لَيَكُفَنَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، وَلَأَفْعَلَنَّ، وَتَوَعَّدَ الْحَسَنَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحَسَنَ قَوْلُهُ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَكْرَهُ أَنْ يُكْرِمَنِي اللَّهُ بِهَوَانِهِ، فَسَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى زَالَتْ دَوْلَتُهُمْ»([284]).

    وبذلك مضت دولة آل المهلب بعجرها، وبجرها، وسلّم اللَّه العلماء منها، وقد مات بسببها خلق كثير، ولا ندري إلى متى ستبقى اللوثة السبئية تستنزف الدولة الأموية منذ بدايتها، وتشغلها كثيراً عما كانت أعدتن نفسها له من جهاد وفتوح، وفعلاً مع كل ما يصيبها من هذه الفتن، لم ينسَ خلفاء بني أمية الجهاد والفتح.

    ي- زيد بن علي بن الحسين

    زيد بن علي بن الحسين ؒ، كان من أفاضل العلماء، وأبعد الناس عن الانحراف، والسوء، وهو الذي أطلق على الفئة التي خرجت على الدين باسم الدين والإمامة، فسمّاهم الرافضة، لأنهم رفضوا الحق الذي أخبرهم به، وهو أن أبا بكر وعمر ب وزيرا النبي صلى الله عليه وسلم، وليسا خارجين عنه، وعن دين الإسلام.

    وجاء إلى زيد بن علي أناس كثيرون يريدونه إعادة الحق – حسب اجتهادهم – إلى نصابه، والدولة إلى الشورى، فبايعه على إمامته:  «خَمْسَة عشر ألف رجل من أهل الْكُوفَة، وَخرج بهم على والي الْعرَاق، وَهُوَ يُوسُف بن عمر الثقفي عَامل هِشَام بن عبد الْملك على الْعِرَاقِيّين، فَلَمَّا اسْتمرّ الْقِتَال بَينه وَبَين يُوسُف بن عمر الثقفي، قَالُوا لَهُ: إنا ننصرك على أعدائك بعد أَن تخبرنا بِرَأْيِك فِي أبي بكر وَعمر اللَّذين ظلما جدك علي بْن أبي طَالب، فَقَالَ زيد: إِنِّي لَا أَقُول فيهمَا إِلَّا خيراً، وَمَا سَمِعت أبي يَقُول فيهمَا إلا خيراً، وإنما خرجت على بني أمية الَّذين قَاتلُوا جدي الْحُسَيْن، وأغاروا على الْمَدِينَة يَوْم الْحرَّة، ثمَّ رموا بَيْتاً للَّه بِحجر المنجنيق وَالنَّار، ففارقوه عِنْد ذَلِك، حَتَّى قَالَ لَهُم: رفضتموني، وَمن يَوْمئِذٍ سموا رافضة، وَثَبت مَعَه نصر بن حريمة العنسي، وَمُعَاوِيَة بن إسحاق بن يزِيد بن حَارِثَة فِي مِقْدَار مائتي رجل، وقاتلوا جند يُوسُف بن عمر الثقفي، حَتَّى قتلوا عَن آخِرهم، وَقتل زيد، ثمَّ نبش من قَبره، وصلب، ثمَّ أحرق بعد ذَلِك»([285]).

    ومن الروايات التي أوردها مصعب بن الزبير عن سبب خروج زيد بن علي: «ويقال إن زيد بن علي كان قائماً على باب هشام في خصومة عبد اللَّه بن حسين في الصدقة ؛ فورد كتاب يوسف بن عمر في زيد، وداوود ابني علي، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وأيوب بن سلمة، فحبس زيداً، وبعث إلى أولئك؛ فقدم بهم، ثم حملهم إلى يوسف بن عمر غير أيوب بن سلمة؛ فإنه أطلقه لأنه من أخواله؛ فقدم زيد على هشام، فبعث به إلى يوسف بن عمر بالكوفة؛ فاستحلفه ما عند لخالد من مال، وخلى سبيله؛ وخرج زيد حتى إذا كان بالقادسية، لحقته الشيعة؛ فسألوه الرجوع معهم والخروج؛ ففعل؛ فتفرقوا عنه إلا نفراً، فنسبوا إلى الزيدية؛ ونسب من تفرق عنه إلى الرافضة، يزعمون أنهم سألوه عن أبي بكر وعمر؛ فتولاهما؛ فرفضته الرافضة؛ وثبت معه قوم؛ فسموا بالزيدية؛ فقتل زيد وانهزموا أصحابه»([286]).

    وهذا الجيش الذي حارب مع زيد بن علي تجعله بعض الروايات أربعين ألفاً حين بايعوه([287])، ولكن من بداية القتال كان معه مئتان وثمانية عشر رجلاً([288])، «فَجَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ!! أَيْنَ النَّاسُ؟ فَقِيلَ: هُمْ فِي المسجد محصورون، وكتب الحكم إلى يوسف يُعْلِمُهُ بِخُرُوجِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ سِرِّيَّةً إِلَى الْكُوفَةِ، وَرَكِبَتِ الْجُيُوشُ مَعَ نَائِبِ الْكُوفَةِ، وَجَاءَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَيْضًا فِي طائفة كبيرة من الناس، فالتقى بمن معه جرثومة منهم فيهن خمسمائة فارس، ثُمَّ أَتَى الْكُنَاسَةَ فَحَمَلَ عَلَى جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَهَزَمَهُمْ([289])، ثُمَّ اجْتَازَ بِيُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ وَاقِفٌ فَوْقَ تَلٍّ، وَزَيْدٌ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ، وَلَوْ قَصَدَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ لقتله، ولكن أخذ ذات اليمين، وكلما لقي طائفة هَزَمَهُمْ، وَجَعَلَ أَصْحَابَهُ يُنَادُونَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ اخْرُجُوا إِلَى الدِّينِ وَالْعِزِّ وَالدُّنْيَا، فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي دِينٍ وَلَا عِزٍّ وَلَا دُنْيَا، ثُمَّ لَمَّا أَمْسَوُا انْضَافَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَدْ قُتِلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي اقْتَتَلَ هُوَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَانْصَرَفُوا عَنْهُ بِشَرِّ حَالٍ، وَأَمْسَوْا فَعَبَّأَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ جَيْشَهُ جِدًّا، ثُمَّ أَصْبَحُوا فالتقوا مع زيد، فَكَشَفَهُمْ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ إِلَى السَّبْخَةِ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ تَبِعَهُمْ فِي خَيْلِهِ، وَرَجِلِهِ حَتَّى أَخَذُوا عَلَى الساه، ثُمَّ اقْتَتَلُوا هُنَاكَ قِتَالًا شَدِيدًا جِدًّا، حَتَّى كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ رُمِيَ زَيْدٌ بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ جَانِبَ جَبْهَتَهُ الْيُسْرَى، فَوَصَلَ إِلَى دِمَاغِهِ، فَرَجَعَ وَرَجَعَ أَصْحَابُهُ، وَلَا يَظُنُّ أَهْلُ الشَّامِ أَنَّهُمْ رجعوا إلا لأجل المساء وَاللَّيْلِ، وَأُدْخِلَ زَيْدٌ فِي دَارٍ فِي سِكَّةِ الْبَرِيدِ، وَجِيءَ بِطَبِيبٍ فَانْتَزَعَ ذَلِكَ السَّهْمَ مِنْ جَبْهَتِهِ، فَمَا عَدَا أَنِ انْتَزَعَهُ حَتَّى مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ»([290]).

    ودفن زيد، وعمي قبره، «وَجَاءَ مَوْلًى لِزَيْدٍ سِنْدِيٌّ قَدْ شَهِدَ دَفْنَهُ، فَدَلَّ عَلَى قَبْرِهِ، فَأُخِذَ مِنْ قَبْرِهِ، فَأَمَرَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ بِصلْبِهِ عَلَى خَشَبَةٍ بِالْكُنَاسَةِ، وَمَعَهُ نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَزِيَادٌ النَّهْدِيُّ، وَيُقَالُ إِنَّ زَيْدًا مَكَثَ مَصْلُوبًا أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأُحْرِقَ، فاللَّه أَعْلَمُ»([291]).

    وكلمة الإمام ابن كثير :: ويقال: إن زيداً... يدل على عدم اطمئنانه لهذه الرواية، فصاغها بصيغة التضعيف «يقال».

    وهكذا طويت صفحة زيد بن علي ؒ بعد مأساة قتل فيها عدد من رؤوس الناس، وكان رأيه أن الظلم عند الحاكم كافٍ للدعوة إلى إصلاحه بالتغيير، ونقض البيعة، ولذلك عندما جاءه الشيعة الدين كانوا يبحثون عن أي شخصية يستغلونها لنقض الحكم الأموي، لا لإثبات الحكم الشرعي المطلوب، فسألوه عن رأيه في أبي بكر وعمر ب، فتولاهما، ولم ينكر إمامتهما، بل دافع عنهما، أحسوا أنه لا يستفاد منه في إثبات، وإيجاد ما يريدون من نقض كامل لحكم بني أمية، فتركوه، وانفضوا عنه، مع أنه كان يرفع راية التمرد على بني أمية، قال الإمام ابن كثير ؒ: «فَلَمَّا عَلِمَتِ الشِّيعَةُ ذَلِكَ، اجْتَمَعُوا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالُوا لَهُ: مَا قَوْلُكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا، مَا سَمِعْتُ أحداً من أهل بيتي تبرأ مِنْهُمَا، وَأَنَا لَا أَقُولُ فِيهِمَا إِلَّا خَيْرًا، قَالُوا: فَلِمَ تَطْلُبُ إِذًا بِدَمِ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ اسْتَأْثَرُوا عَلَيْنَا بِهِ، وَدَفَعُونَا عَنْهُ، وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِهِمْ كُفْرًا، قَدْ وَلُوا فَعَدَلُوا، وَعَمِلُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالُوا: فَلِمَ تُقَاتِلُ هَؤُلَاءِ إِذًا؟ قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا كَأُولَئِكَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ ظَلَمُوا النَّاسَ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنِّي أَدْعُو إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِحْيَاءِ السُّنَنِ، وَإِمَاتَةِ الْبِدَعِ، فَإِنْ تَسْمَعُوا يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ وَلِي، وَإِنْ تَأْبَوْا فَلَسْتُ عَلَيْكُمْ بوكيل، فرفضوه، وَانْصَرَفُوا عَنْهُ، وَنَقَضُوا بَيْعَتَهُ، وَتَرَكُوهُ، فَلِهَذَا سُمُّوا الرَّافِضَةَ مِنْ يَوْمِئِذٍ»([292]).

    وهذه الرواية تنقض رواية عبد القاهر الجرجاني التي سبقتها، فهذه تبين أن اجتهاد الإمام زيد كان لنصرة الإسلام، والعودة به – على حسب رأيه – إلى وجهه الصحيح.

    وأما من عاصره من وجوه الناس، وأهل البيت، فقد خالفوه، ونصحه الكثير منهم بترك هذا الأمر، إلا أنه أصر على موقفه، وقد أورد الطبري أن سلمة بن كهيل لما سمع بخروجه استأذن عليه، فأذن له، فذكر قرابته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحقه فأحسن.

    ثم تكلم زيد فأحسن.

    فقال له سلمة: اجعل لي الأمان.

    فقال: سبحان اللَّه! مثلك يسأل مثلي الأمان!

    وإنما أراد سلمة أن يسمع ذلك أصحابه.

    ثم قَالَ: لك الأمان.

    فقال: نشدتك باللَّه، كم بايعك؟

    قَالَ: أربعون ألفاً.

    قَالَ: فكم بايع جدك؟

    قَالَ: ثمانون ألفاً.

    قَالَ: فكم حصل معه؟

    قال: ثلاثمائة.

    قَالَ: نشدتك اللَّه، أنت خير أم جدك؟

    قَالَ: بل جدي.

    قَالَ: أفقرنك الذي خرجت فيهم خير أم القرن الذي خرج فيهم جدك؟

    قَالَ: بل القرن الذي خرج فيهم جدي.

    قَالَ: أفتطمع أن يفي لك هؤلاء، وقد غدر أولئك بجدك!

    قَالَ: قد بايعوني، ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم.

    قَالَ: أفتأذن لي أن أخرج من البلد؟

    قَالَ: لم؟

    قَالَ: لا آمن أن يحدث في أمرك حدث، فلا أملك نفسي.

    قَالَ: قد أذنت لك.

    فخرج إلى اليمامة »([293]).

    وخرج سلمة بن كهيل فاراً من المكان الذي ستحدث فيه الفتنة، خشي أن يقع فيها، لأنه لن يصبر على محنة زيد بن علي.

    وقد نصح زيداً بن علي أيضاً أهل البيت بترك هذا الأمر، وهذه بعض نصائحهم:

    يروي الطبري نصيحة محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب فيقول: «فرجع زيد إلى الكوفة، فاستخفى، قَالَ:

    فقال له محمد بْن عمر بْن علي بْن أبي طالب حيث أراد الرجوع إلى الكوفة: أذكرك اللَّه يا زيد لما لحقت بأهلك، ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك إلى ما يدعونك إليه، فإنهم لا يفون لك، فلم يقبل منه ذلك، ورجع»([294]).

    وكذلك كتب إليه، وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ إِلَى زَيْدٍ « أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ نَفْخُ الْعَلَانِيَةِ، خَوَرُ السَّرِيرَةِ، هَرَجٌ فِي الرَّخَاءِ، جَزَعٌ فِي اللِّقَاءِ، تَقَدَمُهُمْ أَلْسِنَتُهُمْ، وَلَا تُشَايِعُهُمْ قُلُوبُهُمْ، وَلَقَدْ تَوَاتَرَتْ إِلَيَّ كُتُبُهُمْ بِدَعْوَتِهِمْ، فَصَمَمْتُ عَنْ نِدَائِهِمْ، وَأَلْبَسْتُ قَلْبِي غِشَاءً عَنْ ذِكْرِهِمْ يَأْسًا مِنْهُمْ، وَاطِّرَاحًا لَهُمْ، وَمَا لَهُمْ مَثَلٌ إِلَّا مَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إِنْ أُهْمِلْتُمْ خُضْتُمْ، وَإِنْ حُورِبْتُمْ خِرْتُمْ، وَإِنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ، وَإِنْ أَجَبْتُمْ إِلَى مَشَاقَّةٍ نَكَصْتُمْ، فَلَمْ يُصْغِ زَيْدٌ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ»([295]).

    ويروي ابن الأثير نصيحة داود بن علي بن عبد اللَّه بن العباس «فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَا ابْنَ عَمِّ، إِنَّ هَؤُلَاءِ يَغُرُّونَكَ مِنْ نَفْسِكَ، أَلَيْسَ قَدْ خَذَلُوا مَنْ كَانَ أَعَزَّ عَلَيْهِمْ مِنْكَ، جَدَّكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى قُتِلَ؟ وَالْحَسَنَ مِنْ بَعْدِهِ بَايَعُوهُ، ثُمَّ وَثَبُوا عَلَيْهِ، فَانْتَزَعُوا رِدَاءَهُ وَجَرَحُوهُ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ أَخْرَجُوا جَدَّكَ الْحُسَيْنَ، وَحَلَفُوا لَهُ، وَخَذَلُوهُ، وَأَسْلَمُوهُ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلُوهُ؟ فَلَا تَرْجِعْ مَعَهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا لَا يُرِيدُ أَنْ تَظْهَرَ أَنْتَ، وَيَزْعُمَ أَنَّهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ.

    فَقَالَ زَيْدٌ لِدَاوُدَ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ يُقَاتِلُهُ مُعَاوِيَةُ بِدَهَائِهِ، وَنَكْرَائِهِ بِأَهْلِ الشَّامِ، وَإِنَّ الْحُسَيْنَ قَاتَلَهُ يَزِيدُ، وَالْأَمْرُ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمْ.

    فَقَالَ دَاوُدُ: إِنِّي خَائِفٌ إِنْ رَجَعْتَ مَعَهُمْ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ أَشَدَّ عَلَيْكَ مِنْهُمْ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ.

    وَمَضَى دَاوُدُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ زَيْدٌ إِلَى الْكُوفَةِ»([296]).

    وهكذا سار زيد ؒ إلى حتفه، وهو يرى باجتهاده أنه سيزيل الظلم، والفساد، وراح ضحية هذا الأمر مئات الناس، وتركه الذين أخرجوه، وطلبوا منه الخروج.

    وحركته هذه أدت إلى ولادة طائفتين جديدتين من الطوائف المنسوبة إلى الإسلام: الزيدية، والرافضة.

      الوقت/التاريخ الآن هو 25/11/2024, 18:03