20- عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
قال الإمام ابن قتيبة ؒ: «عبادة بن الصامت بن قيس من الخزرج، ويكنى: أبا الوليد... أحد النّقباء الاثني عشر، وشهد بدراً، والمشاهد كلها، وشهد «العقبة» مع السبعين... وكان عبادة طويلاً جميلاً، جسيماً، وتوفى بالرّملة، من الشام سنة أربع وثلاثين، وهو يومئذ ابن اثنتين وسبعين سن» ([217]).
وقال الإمام ابن سعد ؒ: «وَشَهدَ عُبَادَةُ الْعَقَبَةَ مَعَ السَّبْعينَ منَ الْأَنْصَار في روَايَتهمْ جَميعًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاء الاثْنَيْ عَشَرَ، وآخَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عُبَادَةَ بْن الصَّامت وَأَبي مَرْثَدٍ الْغَنَويّ، وَشَهدَ عُبَادَةُ بَدْرًا، وَأُحُدًا، وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ عُبَادَةُ عَقَبيًّا نَقيبًا بَدْريًّا أَنْصَاريًّا»([218]).
وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «ذكر معاوية الفرار من الطّاعون، فذكر قصة له مع عبادة، فقام معاوية عند المنبر بعد صلاة العصر، فقال: الحديث كما حدّثني عبادة، فاقتبسوا منه، فهو أفقه مني.
ولعبادة قصص متعددة مع معاوية، وإنكاره عليه أشياء، وفي بعضها رجوع معاوية له، وفي بعضها شكواه إلى عثمان منه، تدلّ على قوته في دين اللَّه، وقيامه في الأمر بالمعروف» ([219]).
21- عبد الله بن أرطاة:
قال الإمام الحافظ ابن حجر ؒ: «وذكر ابن الكلبيّ أنه كان مع ابن عمه سلمان وقومه لما اعتزلوا القتال بالرقة مع عليّ ومعاوية، قال: وكانوا ثمانين رجلاً، وذكر له قصة مع بشر بن مروان لما كان أمير الكوفة، وأنه خطب يوماً، فتكلّم بشيء، فقام إليه، فقال له: اتّق اللَّه، فإنك ميت ومحاسب، فأمر بضربه، فضرب بالسياط فمات»([220]).
22- عبد الله بن عمر بن الخطاب:
قال الإمام الحافظ ابن حبان ؒ: «كان مولده قبل الوحي بسنة، لم يشهد بدراً، وعرض على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد، وهو بن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، ولم يره بلغ، ثم عرض عليه يوم الخندق، وهو ابن خمس عشرة، فأجازه وكان من صالحي الصحابة وقرائهم، وزهادهم، ولم يشتغل في هذه الدنيا بالصفراء، ولا بالتمتع بالبيضاء، ولا ضم درهماً إلى درهم، وكان من أكثرهم تتبعاً لآثار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم استعمالاً لها، اعتزل الفتن، وقعد في البيت عن الناس، إلا أن يخرج حاجاً أو معتمراً، أو غازياً، إلا أن أدركته المنية على حالته تلك بمكة، وهو حاج سنة ثلاث وسبعين، وبها دفن رضي الله عنه»([221]).
وقال الإمام الحافظ الذهبي ؒ: «السيد الفقيه القدوة، استصغر يوم أحد، وقد عين للخلافة يوم الحكمين مع وجود علي والكبار y، وقال سعيد بن المسيب يوم مات ابن عمر: ما بقي في الأرض أحد أحب إلي أن ألقى اللَّه بمثل عمله منه، وهذا كنحو ما قال علي في عمر يوم مات»([222]).
وقال الحافظ الصفدي ؒ: «وَكَانَ شَديد التَّحَرّي وَالاحْتيَاط في فتواه، وكل مَا يَأْخُذ به نَفسه، وَكَانَ لَا يتَخَلَّف عَن السَّرَايَا في حَيَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثمَّ كَانَ بعد مَوته مُولَعا بالْحَجّ قبل الْفتْنَة، وَفي الْفتْنَة، وَيُقَال إنَّه كَانَ أعلم الصَّحَابَة بمناسك الْحَج، وَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لزوجته حَفْصَة بنت عمر: إن أَخَاك عبد اللَّه رجلٌ صَالح لَو كَانَ يقوم من اللَّيْل، فَمَا ترك بعْدهَا ابْن عمر قيام اللَّيْل، وَكَانَ رضي الله عنه لورعه قد أشكلت عَلَيْه حروب عَليّ بن أبي طَالب، فَقعدَ عَنهُ، وَنَدم على ذَلك حين حَضرته الْوَفَاة، وَسُئلَ عَن تلْكَ الْمشَاهد فَقَالَ: كَفَفْت يَدي فَلم أقدم، والمقاتل على الْحق أفضل، وَقَالَ جَابر بْن عبد اللَّه: مَا منا أحدٌ إلَّا مَالَتْ به الدُّنْيَا، وَمَال بهَا خلا عمر وَابْنه عبد اللَّه، وَأفْتى في الْإسْلَام ستّينَ سنة، وَنشر نَافع عَنهُ علماً جماً»([223]).
وقال الإمام ابن سعد ؒ: «كَتَبَ عَبْدُ الْعَزيز بْنُ هَارُونَ إلَى ابْن عُمَرَ: أَن ارْفَعْ إلَيَّ حَاجَتَكَ، قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْه عَبْدُ اللَّه: سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ابْدَأْ بمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ منَ الْيَد السُّفْلَى»، وَإنّي لَا أَحْسَبُ الْيَدَ الْعُلْيَا إلَّا الْمُعْطيَةَ، وَالسُّفْلَى إلَّا السَّائلَةَ، وَإنّي غَيْرُ سَائلكَ، وَلَا رَادٌّ رزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إلَيَّ منْكَ»...
حَدَّثَنَا مَالكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ، قَالَ: لَو اجْتَمَعَتْ عَلَيَّ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ إلَّا رَجُلَيْن مَا قَاتَلْتُهُمَا»([224])...
سَمعْتُ الْحَسَنَ، يُحَدّثُ قَالَ: لَمَّا قُتلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالُوا لعَبْد اللَّه بْن عُمَرَ: إنَّكَ سَيّدُ النَّاس وَابْنُ سَيّدٍ، فَاخْرُجْ نُبَايعْ لَكَ النَّاسَ، قَالَ: إنّي وَاللَّه لَئن اسْتَطَعْتُ لَا يُهَرَاقُ في سَبَبي محْجَمَةٌ منْ دَمٍ، فَقَالُوا: لَتَخْرُجَنَّ أَوْ لَنَقْتُلَنَّكَ عَلَى فرَاشكَ، فَقَالَ لَهُمْ مثْلَ قَوْله الْأَوَّل، قَالَ الْحَسَنُ: فَأَطْمَعُوهُ وَخَوَّفُوهُ، فَمَا اسْتَقْبَلُوا منْهُ شَيْئًا حَتَّى لَحقَ باللَّه»...
حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ سُمَيْرٍ، قَالَ: قيلَ لابْن عُمَرَ: لَوْ أَقَمْتَ للنَّاس أَمْرَهُمْ فَإنَّ النَّاسَ قَدْ رَضُوْا بكَ كُلُّهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إنْ خَالَفَ رَجُلٌ بالْمَشْرق؟ قَالُوا: إنْ خَالَفَ رَجُلٌ قُتلَ، وَمَا قَتْلُ رَجُلٍ في صَلَاح الْأُمَّة، فَقَالَ: وَاللَّه مَا أُحبُّ لَوْ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَخَذَتْ بقَائمَة رُمْحٍ وَأَخَذْتُ بزُجّهٍ، فَقُتلَ رَجُلٌ منَ الْمُسْلمينَ وَليَ الدُّنْيَا وَمَا فيهَا»([225]).
وقال الإمام ابن عبد البر ؒ: «وذلك أن الْحَجَّاج خطب يوماً، وأخر الصلاة، فَقَالَ ابْن عُمَر: إن الشمس لا تنتظرك، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاج: لقد هممت أن أضرب الَّذي فيه عيناك، قَالَ: إن تفعل فإنك سفيه مسلط»([226]).
وقال الإمام ابن كثير ؒ: «أَنَّ الْحَجَّاجَ أَطَالَ الْخُطْبَةَ، فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ مرَارًا، ثمَّ قال فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَقَامَ النَّاسُ، فَصَلَّى الْحَجَّاجُ بالنَّاس، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لابْن عُمَرَ: مَا حَمَلَكَ على ذلك؟ فقال: إنما نجيء للصلاة، فصلّ الصلاة لوقتها، ثم تفتق ما شئت بعد من تفتقه»([227]).
وفي رواية لابن سعد ؒ: «أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَابْنُ عُمَرَ في الْمَسْجد، فَخَطَبَ النَّاسَ حَتَّى أَمْسَى، فَنَادَاهُ ابْنُ عُمَرَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ الصَّلَاةَ فَاقْعُدْ، ثُمَّ نَادَاهُ الثَّانيَةَ: فَاقْعُدْ، ثُمَّ نَادَاهُ الثَّالثَةَ: فَاقْعُدْ، فَقَالَ لَهُمْ في الرَّابعَة: أَرَأَيْتُمْ إنْ نَهَضْتُ أَتَنْهَضُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَضَ، فَقَالَ: الصَّلَاةَ، فَإنّي لَا أَرَى لَكَ فيهَا حَاجَةً، فَنَزَلَ الْحَجَّاجُ، فَصَلَّى، ثُمَّ دَعَا به، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إنَّمَا نَجيءُ للصَّلَاة، فَإذَا حَضَرَت الصَّلَاةُ فَصَلّ بالصَّلَاة لوَقْتهَا، ثُمَّ بَقْبقْ بَعْدَ ذَلكَ مَا شئْتَ منْ بَقْبَقَةٍ»([228]).
وأخرج البخاري عَن ابْن عُمَرَ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَوسَاتُهَا تَنْطُفُ، قُلْتُ: قَدْ كَانَ منْ أَمْر النَّاس مَا تَرَيْنَ، فَلَمْ يُجْعَلْ لي منَ الأَمْر شَيْءٌ، فَقَالَتْ: الحَقْ فَإنَّهُمْ يَنْتَظرُونَكَ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ في احْتبَاسكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ، فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاويَةُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُريدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ في هَذَا الأَمْر فَلْيُطْلعْ لَنَا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ به منْهُ وَمنْ أَبيه، قَالَ حَبيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَحَلَلْتُ حُبْوَتي، وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بهَذَا الأَمْر منْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإسْلاَم، فَخَشيتُ أَنْ أَقُولَ كَلمَةً تُفَرّقُ بَيْنَ الجَمْع، وَتَسْفكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنّي غَيْرُ ذَلكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ في الجنَان، قَالَ حَبيبٌ: حُفظْتَ وَعُصمْتَ»([229]).
وفي رواية عن زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَرَ عَنْ أَبيه قَالَ أُنَاسٌ لابْن عُمَرَ: إنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَاننَا فَنَقُولُ لَهُمْ خلَافَ مَا نَتَكَلَّمُ إذَا خَرَجْنَا منْ عنْدهمْ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نفَاقًا»([230]).
وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «وَوَقع في روَايَة حبيب بن أبي ثَابت أَيْضاً قَالَ ابن عُمَرَ مَا حَدَّثْتُ نَفْسي بالدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمَئذٍ أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ لَهُ: يَطْمَعُ فيه مَنْ ضَرَبَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الْإسْلَام حَتَّى أَدْخَلَكُمَا فيه، فَذَكَرْتُ الْجَنَّةَ فَأَعْرَضْتُ عَنْهُ»([231]).
وفي رواية: «فَخَشيتُ أَنْ يَكُونَ في قَوْلي هرَاقَةُ الدّمَاء وَأَنْ يُحْمَلَ قَوْلي عَلَى غَيْر الَّذي أَرَدْتُ قَوْلُهُ»([232]).
23- عبد الله بن عمر بن العاص ب:
أخرج الإمام أحمد ؒ عَنْ عَبْد الله بْن أَبي الْهُذَيْل، حَدَّثَني شَيْخٌ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجدًا بالشَّام، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْن، ثُمَّ جَلَسْتُ، فَجَاءَ شَيْخٌ يُصَلّي إلَى السَّاريَة، فَلَمَّا انْصَرَفَ، ثَابَ النَّاسُ إلَيْه، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّه بْنُ عَمْرٍو، فَأَتَى رَسُولُ يَزيدَ بْن مُعَاويَةَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا يُريدُ أَنْ يَمْنَعَني أَنْ أُحَدّثَكُمْ، وَإنَّ نَبيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللهُمَّ إنّي أَعُوذُ بكَ منْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمنْ علْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، اللهُمَّ إنّي أَعُوذُ بكَ منْ هَؤُلَاء الْأَرْبَع»([233]).
24- عبد الله بن قرط الثمالي:
قال الحافظ ابن حجر: حديث عبد اللَّه بن قرط الثّمالي أمير حمص لعمر، أخرج أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق مسكين بن ميمون المؤذن، عن عروة بن رويم- أن عبد اللَّه بن قرط الثّمالي كان يعس بحمص ذات ليلة، وكان عاملاً لعمر، فمرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها، فضربهم بدرّته حتى تفرقوا عن عروسهم، فلما أصبح قعد على منبره فحمد اللَّه وأثنى عليه فقال: إن أبا جندلة نكح أمامة، فصنع لها حثيات من طعام، فرحم اللَّه أبا جندلة، وصلى على أمامة، ولعن اللَّه عروسكم البارحة، أوقدوا النيران، وتشبّهوا بالكفرة، واللَّه مطفئ نورهم؛ قال: وعبد اللَّه بن قرط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم([234]).
25- عبد الله بن محيريز الجمحي:
قال الإمام ابن حبان ؒ: «عبد اللَّه بن محيريز القرشي، كان يتيماً في حجر أبي محذورة، وكان يشبه لعبد اللَّه بن عمر في العبادة والفضل، مات في ولاية عبد الملك»([235]).
وقال الصفدي ؒ: «قَالَ رَجَاء بن حَيْوَة: إن يفخر علينا أهل الْمَدينَة بعابدهم عبد اللَّه بن عمر، فَإنَّا نفخر عَلَيْهم بعابدنا عبد اللَّه بن محيريز، توفّي سنة تسعٍ وَتسْعين»([236]).
وقال الإمام الحافظ ابن كثير ؒ: «تَابعيٌّ جليل...وَأَثْنَى عَلَيْه جَمَاعَةٌ منَ الْأَئمَّة...قَالُوا: وَكَانَ صَمُوتًا مُعْتَزلًا للْفتَن، وَكَانَ لَا يَتْرُكُ الْأَمْرَ بالْمَعْرُوف، والنَّهي عَن الْمُنْكَر، وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا منْ خصَاله الْمَحْمُودَة، وَرَأَى عَلَى بَعْض الْأُمَرَاء حُلَّةً منْ حَريرٍ فَأَنْكَرَ عَلَيْه، فَقَالَ: إنَّمَا أَلْبَسُهَا منْ أَجْل هَؤُلَاء - وَأَشَارَ إلَى عَبْد الْمَلك بْن مَرْوَانَ أَمير الْمُؤْمنينَ - فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُحَيْريزٍ: لَا تَعْدلْ بخَوْفكَ منَ اللَّه خَوْفَ أحد من المخلوقين»([237]).
وقال ابن سعد ؒ: «لَقيَ ابْنُ مُحَيْريزٍ قَبيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، فَقَالَ: «يَا أَبَا إسْحَاقَ، عَطَّلْتُم الثُّغُورَ، وَأَغْزَيْتُمُ الْجُيُوشَ إلَى الْحَرَم، وَإلَى مُصْعَب بْن الزُّبَيْر»، فَقَالَ لَهُ قَبيصَةُ: «احْذَرْ منْ لسَانكَ، فَوَاللَّه مَا فُعلَ»، فَأَرْسَلَ إلَيْه عَبْدُ الْمَلك، فَأُتيَ به مُتَقَنّعًا، فَأُوقفَ بَيْنَ يَدَيْه، فَقَالَ: «مَا كَلمَةٌ قُلْتَهَا نُغضَ لَهَا مَا بَيْنَ الْفُرَات إلَى الْعَريش يَعْني عَريشَ مصْرَ»، ثُمَّ لَانَ لَهُ، فَقَالَ: «الْزَم الصَّمْتَ، فَإنَّ مَنْ رَأَى الْبَقيَّةَ في قُرَيْشٍ وَالْحلْمَ عَنْهَا»، قَالَ: «فَرَأَى ابْنُ مُحَيْريزٍ أَنَّهُ قَدْ غَنمَ نَفْسَهُ يَوْمَئذٍ»([238]).
26- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
قال ابن حبان ؒ: «عبد اللَّه بن مسعود بن الحارث... بن هذيل حليف بنى زهرة، وقيل إنه عبد اللَّه بن مسعود بن غافل ... كنيته أبو عبد الرحمن، سكن الكوفة، ومات بالمدينة سنة ثنتين وثلاثين، وأوصى أن يدفن بجنب قبر عثمان بن مظعون، فدفن بالبقيع، وكان له يوم مات نيف وستون سنة»([239]).
وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «أسلم قديماً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد بعدها، ولازم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب نعليه...
لما بعث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالقدوم إلى المدينة اجتمع الناس، فقالوا: أقم، ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فقال: إن له عليّ حقّ الطاعة، ولا أحبّ أن أكون أول من فتح باب الفتن»([240]).
27- عبد الله بن المغفل:
قال ابن حبان ؒ: «من جلة الصحابة، كنيته أبو زياد، وقد قيل: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سعيد، مات سنة تسع وخمسين، وصلى عليه أبوبرزة الأسلمي»([241]).
قال الشيرازي ؒ: «قال الحسن [البصري]: هو أحد النفر العشرة الذين بعث إلينا عمر ليفقهوا أهل البصرة»([242]).
قال الحافظ ابن حجر ؒ: «قال البخاريّ: له صحبة، سكن البصرة، وهو أحد البكّاءين في غزوة تبوك، وشهد بيعة الشجرة، ثبت ذلك في الصحيح، وهو أحد العشرة الذين بعثهم عمر ليفقّهوا الناس بالبصرة، وهو أول من دخل من باب مدينة تستر.
ومات بالبصرة سنة تسع وخمسين، قاله مسدّد، وقيل: سنة ستين، فأوصى أن يصلّي عليه أبو برزة الأسلمي، فصلّى عليه. ومات سنة إحدى وستين»([243]).
وقال ابن سعد ؒ: «عَنْ زيَاد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل الْمُزَنيّ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْمَرَضُ الَّذي مَاتَ فيه عَبْدُ اللَّه بْنُ الْمُغَفَّل أَوْصَى أَهْلَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا يَليني إلَّا أَصْحَابي، وَلَا يُصَلّي عَلَيَّ ابْنُ زيَادٍ، فَلَمَّا مَاتَ أَرْسَلُوا إلَى أَبي بَرْزَةَ الْأَسْلَميّ، وَإلَى عَائذ بْن عَمْرٍو، وَإلَى نَفَرٍ منْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالْبَصْرَة، فَوُلُّوا غُسْلَهُ وَتَكْفينَه، قَالَ: فَمَا زَادُوا عَلَى أَنْ طَوَوْا أَيْديَ قُمُصهمْ، وَدَسُّوا قُمُصَهُمْ في حُجَزهمْ، ثُمَّ غَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ، ثُمَّ لَمْ يَزد الْقَوْمُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأُوا، فَلَمَّا أَخْرَجُوهُ منْ دَاره إذَا ابْنُ زيَادٍ في مَوْكبه بالْبَاب، فَقيلَ لَهُ: إنَّهُ قَدْ أَوْصَى أَنْ لَا يُصَلّيَ عَلَيْه، قَالَ: فَسَارَ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ حذَاءَ الْبَيْضَاء، فَمَالَ إلَى الْبَيْضَاء وَتَرَكَهُ»([244]).
28- عمران بن حصين:
عَن الْحَسَن [البصري]، أَنَّ زيَادًا اسْتَعْمَلَ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغفَاريَّ عَلَى جَيْشٍ فَلَقيَهُ عمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ في دَار الْإمَارَة فيمَا بَيْنَ النَّاس، فَقَالَ لَهُ: أَتَدْري فيمَ جئْتُكَ؟ أَمَا تَذْكُرُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَلَغَهُ الَّذي قَالَ لَهُ أَميرُهُ: قُمْ فَقَعْ في النَّار، فَقَامَ الرَّجُلُ لَيَقَعَ فيهَا فَأَدْرَكَهُ فَأَمْسَكَهُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ وَقَعَ فيهَا لَدَخَلَ النَّارَ، لَا طَاعَةَ في مَعْصيَة اللَّه» قَالَ الْحَكَمُ: بَلَى، قَالَ عمْرَانُ: إنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُذَكّرَكَ هَذَا الْحَديثَ»([245]).
29- عمرو بن أراكة:
قال الحافظ ابن حجر ؒ: «ذكره البخاريّ في الصحابة، وقال: سكن البصرة، ... عن الحسن- أنّ عمرو بن أراكة صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع زياد بن أبي سفيان على سريره، فأتي بشاهد فتتعتع في شهادته، فقال له زياد: واللَّه لأقطعنّ لسانك، فقال عمرو بن أراكة: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة»([246]).
30- عمير بن حكيم:
قال الحافظ ابن كثير ؒ: «عمير بن حكيم الْعَنْسيُّ الشَّاميُّ، لَهُ روَايَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ في الشَّام يَسْتَطيعُ أَنْ يَعيبَ الْحَجَّاجَ عَلَانيَةً إلا هو، وابن محيريز أبو الأبيض» ([247]).
31- عياض بن غنم الأشعري
أخرج الحاكم ؒ »أَنَّ عيَاضَ بْنَ غَنْمٍ الْأَشَريَ وَقَعَ عَلَى صَاحبٍ دَارَا حينَ فُتحَتْ، فَأَتَاهُ هشَامُ بْنُ حَكيمٍ، فَأَغْلَظَ لَهُ الْقَوْلَ، وَمَكَثَ هشَامٌ لَيَاليَ، فَأَتَاهُ هشَامٌ مُعْتَذرًا، فَقَالَ لعيَاضٍ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إنَّ أَشَدَّ النَّاس عَذَابًا يَوْمَ الْقيَامَة أَشَدُّ النَّاس عَذَابًا للنَّاس في الدُّنْيَا» فَقَالَ لَهُ عيَاضٌ: يَا هشَامُ إنَّا قَدْ سَمعْنَا الَّذي قَدْ سَمعْتُ، وَرَأَيْنَا الَّذي قَدْ رَأَيْتَ، وَصَحبْنَا مَنْ صَحبْتَ، أَلَمْ تَسْمَعْ يَا هشَامُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كَانَتْ عنْدَهُ نَصيحَةٌ لذي سُلْطَانٍ فَلَا يُكَلّمُهُ بهَا عَلَانيَةً، وَلْيَأْخُذْ بيَده، وَلْيُخْل به، فَإنْ قَبلَهَا قَبلَهَا، وَإلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذي عَلَيْه وَالَّذي لَهُ»، وَإنَّكَ يَا هشَامُ، لَأَنْتَ الْمُجْتَرئُ، أَنْ تَجْتَرئَ عَلَى سُلْطَان اللَّه فَهَلَّا خَشيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ سُلْطَانُ اللَّه، فَتَكُونَ قَتيلَ سُلْطَان اللَّه »([248]).
«جَلَدَ عيَاضُ بْنُ غَنْمٍ صَاحبَ دَارَا حينَ فُتحَتْ، فَأَغْلَظَ لَهُ هشَامُ بْنُ حَكيمٍ الْقَوْلَ حَتَّى غَضبَ عيَاضٌ، ثُمَّ مَكَثَ لَيَاليَ، فَأَتَاهُ هشَامُ بْنُ حَكيمٍ فَاعْتَذَرَ إلَيْه، ثُمَّ قَالَ هشَامٌ لعيَاضٍ: أَلَمْ تَسْمَع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إنَّ منْ أَشَدّ النَّاس عَذَابًا، أَشَدَّهُمْ عَذَابًا في الدُّنْيَا للنَّاس)؟ فَقَالَ عيَاضُ بْنُ غَنْمٍ: يَا هشَامُ بْنَ حَكيمٍ، قَدْ سَمعْنَا مَا سَمعْتَ، وَرَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لسُلْطَانٍ بأَمْرٍ، فَلَا يُبْد لَهُ عَلَانيَةً، وَلَكنْ ليَأْخُذْ بيَده، فَيَخْلُوَ به، فَإنْ قَبلَ منْهُ فَذَاكَ، وَإلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذي عَلَيْه لَهُ "، وَإنَّكَ يَا هشَامُ لَأَنْتَ الْجَريءُ، إذْ تَجْتَرئُ عَلَى سُلْطَان الله، فَهَلَّا خَشيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ السُّلْطَانُ، فَتَكُونَ قَتيلَ سُلْطَان الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى)»([249]).
وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «عن عياض بن غنم أنه رأى نبطا يشمّسون في الجزية، فقال لعاملهم: إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّ اللَّه يعذّب الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا) .
وقد قيل في هذا: عن عروة، عن هشام بن حكيم.
أورده ابن منده في ترجمة عياض بن غنم الفهري أو الأشعري، وعروة لم يدرك الفهري، لكن قد أخرج ابن منده من طريق ابن عائذ، عن جبير بن نفير- أنّ عياض بن غنم وقع على صاحب داريا حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم ... فذكر قصة.
وفيها: فقال عياض لهشام: ألم تسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يقل له علانية»([250]).
32- قيس بن سعد بن عبادة:
قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي أبو القاسم، سيد مطاع، كريم، ممدح، شجاع، خدم النبي صلى الله عليه وسلم، سكن تفليس، صحابي ابن صحابي، جواد ابن جواد، كان من فضلاء الصحابة، وأحد دهاة العرب، وذوي الرأي الصائب والمكيدة في الحرب والنجدة، وكان شريف قومه غير مدافع، ومن بيت سيادتهم، كان يحمل راية الأنصار مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي جوده أخبار كثيرة مشهورة، ورووا أنه كان فى سرية فيها أبو بكر، وعمر ب، فكان يستدين ويطعم الناس، صحب عليًا في خلافته، وكان معه في حروبه، واستعمله على مصر. توفي سنة ستين([251]).
قال الإمام ابن كثير ؒ: «كَانَ قَيْسٌ سَيّدًا مُطَاعًا كَريمًا مُمَدَّحًا شُجَاعًا، وَلَّاهُ عَليٌّ نيَابَةَ مصْرَ، وَكَانَ يُقَاومُ بدَهَائه وَخَديعَته وَسيَاسَته لمُعَاويَةَ وَعَمْرو بْن الْعَاص، وَلَمْ يَزَلْ مُعَاويَةُ يَعْمَلُ عَلَيْه حَتَّى عَزَلَهُ عَليٌّ عَنْ مصْرَ وَوَلَّى عَلَيْهَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبي بكر الصديق...
كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ منَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بمَنْزلَة صَاحب الشُّرْطَة منَ الْأَمير.
وَحَمَلَ لوَاءُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بَعْض الْغَزَوَات، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَة، وَلَمَّا بُعثَ رَسُولُ اللَّه ... وَكَانَ يُقَاومُ بدَهَائه وَخَديعَته وَسيَاسَته لمُعَاويَةَ وَعَمْرو بْن الْعَاص، وَلَمْ يَزَلْ مُعَاويَةُ يَعْمَلُ عَلَيْه حَتَّى عَزَلَهُ عَليٌّ عَنْ مصْرَ وَوَلَّى عَلَيْهَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبي بكر الصديق...
وَأَقَامَ قَيْسٌ عنْدَ عَليٍّ، فَشَهدَ مَعَهُ صفّينَ وَالنَّهْرَوَانَ، وَلَزمَهُ حَتَّى قُتلَ، ثمَّ صَارَ إلَى الْمَدينَة، فَلَمَّا اجْتَمَعَت الْكَلمَةُ عَلَى مُعَاويَةَ جَاءَهُ ليُبَايعَهُ كَمَا بَايَعَهُ أَصْحَابُهُ...
قَسَّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَالَهُ بَيْنَ أَوْلَاده وَخَرَجَ إلَى الشَّام فَمَاتَ بهَا، فَوُلدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ وَفَاته، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إلَى قَيْس بْن سَعْدٍ فَقَالَا: إنَّ أَبَاكَ قَسَّمَ مَالَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بحَال هَذَا الْوَلَد إذْ كَانَ حَمْلًا، فَاقْسمُوا لَهُ مَعَكُمْ، فَقَالَ قَيْسٌ: إنّي لَا أُغَيّرُ مَا فَعَلَهُ سَعْدٌ، وَلَكنَّ نَصيبي لَهُ.
عَنْ قَيْس بْن سَعْدٍ قَالَ: لَوْلَا إنّي سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " الْمَكْرُ وَالْخَديعَةُ في النَّار: لَكُنْتُ منْ أَمْكَر هَذه الْأُمَّة.
وَقَالَ الزُّهْريُّ: دُهَاةُ الْعَرَب حينَ ثَارَت الْفتْنَةُ خَمْسَةٌ: مُعَاويَةُ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاص، وَالْمُغيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ بُدَيْلٍ، وَكَانَا مَعَ عَليٍّ، وَكَانَ الْمُغيرَةُ مُعْتَزلًا بالطَّائف حتى حكم الخصمان فصارا إلَى مُعَاويَةَ.
سار قَيْسٌ إلَى الْمَدينَة، ثُمَّ سَارَ إلَى عَليٍّ بن أبي طالب إلى العراق، فَكَانَ مَعَهُ في حُرُوبه حَتَّى قُتلَ عَليٌّ، ثم كان مع الحسن بن علي حين سار إلى معاوية ليقاتله، فكان قيس على مقدمة الجيش، فَلَمَّا بَايَعَ الْحَسَنُ مُعَاويَةَ سَاءَ قَيْسًا ذَلكَ، وما أحبه، وامتنع من طاعته مُعَاويَةَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إلَى الْمَدينَة، ثُمَّ قَدمَ عَلَى مُعَاويَةَ في وَفْدٍ منَ الْأَنْصَار، فَبَايَعَ معاوية بعد معاتبة شديدة وقعت بينهما، وَكَلَام فيه غلْظَةٌ، ثُمَّ أَكْرَمَهُ مُعَاويَةُ وَقَدَّمَهُ، وحظي عنده، فبينما هو مع الوفد عنْدَ مُعَاويَةَ إذْ قَدمَ كتَابُ مَلك الرُّوم عَلَى مُعَاويَةَ، وَفيه: أَن ابْعَثْ إليَّ بسَرَاويل أطول رجل في العرب، فقال معاوية: ما أرنا إلا قد احتجنا إلا سَرَاويلكَ؟ - وَكَانَ قَيْسٌ مَديدُ الْقَامَة جدًّا لَا يَصلُ أَطْوَلُ الرّجَال إلَى صَدْره، ثُمَّ خَلَعَ سَرَاويلَهُ، فَأَلْقَاهَا إلَى مُعَاويَةُ، فَقَالَ له معاوية: لو ذَهَبْتَ إلَى مَنْزلكَ ثُمَّ أَرْسَلْتَ بهَا إلَيْنَا»([252]).
33- كعب بن عجرة:
قال الإمام الذهبي ؒ: «كعب بن عجرة الأنصاري من أهل بيعة الرضوان»([253]).
وأخرج مسلم ؒ: «عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، عَنْ كَعْب بْن عُجْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ الْمَسْجدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَن ابْنُ أُمّ الْحَكَم يَخْطُبُ قَاعدًا، فَقَالَ: انْظُرُوا إلَى هَذَا الْخَبيث يَخْطُبُ قَاعدًا، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإذَا رَأَوْا تجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائمًا﴾ [الجمعة: 11]» ([254]).
34- أبو مسلم الخولاني:
قال أبو نعيم ؒ: «عَنْ أَبي عَبْد الله الْحَرَسَيّ، وَكَانَ منْ حَرَس عُمَرَ بْن عَبْد الْعَزيز قَالَ: دَخَلَ أَبُو مُسْلمٍ الْخَوْلَانيُّ عَلَى مُعَاويَةَ بْن أَبي سُفْيَانَ وَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَجيرُ» فَقَالَ النَّاسُ الْأَميرُ يَا أَبَا مُسْلمٍ ثُمَّ قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَجيرُ» فَقَالَ النَّاسُ: الْأَميرُ فَقَالَ مُعَاويَةُ: دَعُوا أَبَا مُسْلمٍ هُوَ أَعْلَمُ بمَا يَقُولُ قَالَ أَبُو مُسْلمٍ: «إنَّمَا مَثَلُكَ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجيرًا فَوَلَّاهُ مَاشيَتَهُ وَجَعَلَ لَهُ الْأَجْرَ عَلَى أَنْ يُحْسنَ الرَّعيَّةَ وَيُوَفّرَ جَزَازَهَا وَأَلْبَانَهَا فَإنْ هُوَ أَحْسَنَ رَعيَّتَهَا، وَوَفَّرَ جَزَازَهَا حَتَّى تَلْحَقَ الصَّغيرَةُ، وَتَسْمَنَ الْعَجْفَاءُ أَعْطَاهُ أَجْرَهُ، وَزَادَهُ منْ قبَله زيَادَةً، وَإنْ هُوَ لَمْ يُحْسنْ رَعيَّتَهَا، وَأَضَاعَهَا حَتَّى تَهْلَكَ الْعَجْفَاءُ، وَتَعْجَفَ السَّمينَةُ، وَلَمْ يُوَفّرْ جَزَازَهَا، وَأَلْبَانَهَا غَضبَ عَلَيْه صَاحبُ الْأَجْر، فَعَاقَبَهُ وَلَمْ يُعْطه الْأَجْرَ» فَقَالَ مُعَاويَةُ: مَا شَاءَ اللهُ كَانَ...
كَانَ أَبُو مُسْلمٍ الْخَوْلَانيُّ يَطُوفُ يَنْعي الْإسْلَام فَأَتَى مُعَاويَةَ، فَقيلَ لَهُ فَأَرْسَلَ إلَيْه فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ مُعَاويَةُ: قَالَ: «بَلْ أَنْتَ حَدُّوثَةُ قَبْرٍ عَنْ قَليلٍ، إنْ عَملْتَ خَيْرًا أُجْزَيْتَ به، وَإنْ عَملْتَ شَرًّا أُجْزَيْتَ يَا مُعَاويَةُ إنْ عَدَلْتَ عَلَى أَهْل الْأَرْض جَميعًا، ثُمَ جُرْتَ عَلَى رَجُلٍ وَاحدٍ مَالَ جَوْرُكَ بعَدْلكَ...
عَنْ أَبي مُسْلمٍ الْخَوْلَانيّ: أَنَّهُ نَادَى مُعَاويَةَ بْنَ أَبي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالسٌ عَلَى منْبَر دمَشْقَ، فَقَالَ: «يَا مُعَاويَةُ إنَّمَا أَنْتَ قَبْرٌ منَ الْقُبُور، إنْ جئْتَ بشَيْءٍ كَانَ لَكَ شَيْءٌ، وَإنْ لَمْ تَجئْ بشَيْءٍ فَلَا شَيْءَ لَكَ، يَا مُعَاويَةُ لَا تَحْسَبَنَّ الْخلَافَةَ جَمْعَ الْمَال، وَتَفَرُّقَهُ، وَلَكنَّ الْخلَافَةَ الْعَمَلُ بالْحَقّ، وَالْقَوْلُ بالْمَعْدَلَة، وَأَخْذُ النَّاس في ذَات الله U، يَا مُعَاويَةُ، إنَّا لَا نُبَالي بكَدَر الْأَنْهَار مَا صَفَتْ لَنَا رَأْسُ عَيْننَا، وَإنَّكَ رَأْسُ عَيْننَا، يَا مُعَاويَةُ إيَّاكَ أَنْ تَحيفَ عَلَى قَبيلَةٍ منْ قَبَائل الْعَرَب، فَيَذْهَبَ حَيْفُكَ بعَدْلكَ»، فَلَمَّا قَضَى أَبُو مُسْلمٍ مَقَالَتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْه مُعَاويَةُ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللهُ...
عَنْ أَبي مُسْلمٍ الْخَوْلَانيّ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن أَبي سُفْيَانَ: أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ، وَقَدْ حُبسَ الْعَطَاءُ شَهْرَيْن أَوْ ثَلَاثَةً، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُسْلمٍ: يَا مُعَاويَةُ، إنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ بمَالكَ وَلَا مَالَ أَبيكَ، وَلَا مَال أُمّك، فَأَشَارَ مُعَاويَةُ إلَى النَّاس أَن امْكُثُوا، وَنَزَلَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَبَا مُسْلمٍ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ بمَالي، وَلَا بمَال أَبي وَلَا أُمّي، وَصَدَقَ أَبُو مُسْلمٍ، إنّي سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْغَضَبُ منَ الشَّيْطَان، وَالشَّيْطَانُ منَ النَّار، وَالْمَاءُ يُطْفئُ النَّارَ، فَإذَا غَضبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسلْ» اغْدُوا عَلَى عَطَايَاكُمْ عَلَى بَرَكَة الله U»([255]).
روى اللالكائي عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبي مُسْلمٍ الْخَوْلَانيّ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن أَبي سُفْيَانَ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ، وَقَدْ حَبَسَ الْعَطَاءَ شَهْرَيْن أَوْ ثَلَاثَةً، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُسْلمٍ: يَا مُعَاويَةُ، إنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ بمَالكَ، وَلَا مَال أَبيكَ وَلَا مَال أُمّكَ، فَأَشَارَ مُعَاويَةُ إلَى النَّاس أَن امْكُثُوا، وَنَزَلَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَبَا مُسْلمٍ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ بمَال أَبي، وَلَا مَال أُمّي، وَصَدَقَ أَبُو مُسْلمٍ، وَإنّي سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (الْغَضَبُ منَ الشَّيْطَان، وَالشَّيْطَانُ منَ النَّار، وَالْمَاءُ يُطْفئُ النَّارَ)، فَإذَا غَضبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسلْ، اغْدُوا عَلَى أُعْطيَاتكُمْ عَلَى بَرَكَة اللَّه»([256]).
35- معقل بن يسار:
معقل بن يسار المزني من أصحاب الشجرة، له الخطة المعروفة بالبصرة، وهو الّذي حفر نهر معقل بالبصرة بأمر عمر، فنسب، أسلم قبل الحديبيّة، وشهد بيعة الرضوان، ونزل البصرة، وبنى بها داراً، ومات بها في ولاية عبيد اللَّه بن زياد في خلافة معاوية([257]).
روى مسلم ؒ «عَن الْحَسَن، قَالَ: عَادَ عُبَيْدُ الله بْنُ زيَادٍ مَعْقلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنيَّ في مَرَضه الَّذي مَاتَ فيه، فَقَالَ مَعْقلٌ: إنّي مُحَدّثُكَ حَديثًا سَمعْتُهُ منْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لَوْ عَلمْتُ أَنَّ لي حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ، إنّي سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (مَا منْ عَبْدٍ يَسْتَرْعيه اللهُ رَعيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لرَعيَّته، إلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْه الْجَنَّةَ).
وفي رواية: عَن الْحَسَن، قَالَ: دَخَلَ عُبَيْدُ الله بْنُ زيَادٍ، عَلَى مَعْقَل بْن يَسَارٍ، وَهُوَ وَجعٌ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إنّي مُحَدّثُكَ حَديثًا لَمْ أَكُنْ حَدَّثْتُكَهُ إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يَسْتَرْعي اللهُ عَبْدًا رَعيَّةً، يَمُوتُ حينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا، إلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْه الْجَنَّةَ)، قَالَ: أَلَّا كُنْتَ حَدَّثْتَني هَذَا قَبْلَ الْيَوْم؟ قَالَ: «مَا حَدَّثْتُكَ»، أَوْ لَمْ أَكُنْ لأُحَدّثَكَ.
وفي رواية عَنْ أَبي الْمَليح أَنَّ عُبَيْدَ الله بْنَ زيَادٍ عَادَ مَعْقلَ بْنَ يَسَارٍ في مَرَضه، فَقَالَ لَهُ مَعْقلٌ: إنّي مُحَدّثُكَ بحَديثٍ لَوْلَا أَنّي في الْمَوْت لَمْ أُحَدّثْكَ به، سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَا منْ أَميرٍ يَلي أَمْرَ الْمُسْلمينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ، وَيَنْصَحُ، إلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ)([258]).
قال ابن كثير ؒ: «صَحَابيٌّ جَليلٌ، شَهدَ الحديبية، وكان هو الذي كان يَرْفَعُ أَغْصَانَ الشَّجَرَة عَنْ وَجْه رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُبَايعُ النَّاسَ تَحْتَهَا، وَكَانَتْ منَ السَّمُر، وَهيَ الْمَذْكُورَةُ في الْقُرْآن في قَوْله تَعَالَى: ﴿لَقَدْ رَضيَ اللَّهُ عَن الْمُؤْمنينَ إذْ يُبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة﴾ [الفتح: 18]، وَقَدْ وَلَّاهُ عُمَرُ إمْرَةَ الْبَصْرَة فَحَفَرَ بهَا النَّهْرَ الْمَنْسُوبَ إلَيْه، فَيُقَالُ نَهْرُ مَعْقلٍ، وَلَهُ بهَا دَارٌ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْريُّ: دَخَلَ عُبَيْدُ اللَّه بْنُ زيَادٍ عَلَى مَعْقل بْن يَسَارٍ يَعُودُهُ في مَرَضه الَّذي مَاتَ فيه، فَقَالَ لَهُ مَعْقلٌ: إنّي مُحَدّثُكَ حَديثًا سَمعْتُهُ منْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لو لَمْ أَكُنْ عَلَى حَالَتي هَذه لَمْ أُحَدّثْكَ به، سَمعْتُهُ يَقُولُ: (مَن اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعيَّةً فَلَمْ يُحطْهَا بْنصيحَةٍ لَمْ يَجدْ رَائحَةَ الْجَنَّة، وإنَّ ريحَهَا لَيُوجَدُ منْ مَسيرَة مائَة عَامٍ)»([259]).
36- أبو هريرة
قال الصفدي ؒ: «عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، أَبُو هُرَيْرَة الدوسي رضي الله عنه في اسْمه وَاسم أَبيه اخْتلَاف كثير، ... وأشهرها عبد الرَّحْمَن بن صَخْر كَانَ اسْمه قبل الْإسْلَام عبد شمس، وَقَالَ كناني رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأَنّي كنت أحمل هرة في كمي ... كَانَ أحد الْحفاظ الْمَعْدُودين في الصَّحَابَة قدم من أَرض دوس هُوَ وَأمه مُسلما وَقت فتح خَيْبَر»([260]).
وقال ابن كثير ؒ: «عَن الْوَليد بْن رَبَاحٍ قَالَ: سَمعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ لمَرْوَانَ: وَاللَّه مَا أَنْتَ بوالٍ، وَإنَّ الْوَاليَ لَغَيْرُكَ فَدَعْهُ - يَعْني حينَ أَرَادُوا يدفنون الْحَسَنَ مَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم - ولكن تدخل فيما لا يعنيك، إنما يريد بهَذَا إرْضَاءَ مَنْ هُوَ غَائبٌ عَنْكَ - يَعْني مُعَاويَةَ - قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْه مَرْوَانُ مُغْضَبًا فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا إنك أكثرت عَلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الْحَديثَ، وَإنَّمَا قَدمْتَ قَبْلَ وَفَاة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بيَسيرٍ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نعم! قدمت وَرَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بخَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَأَنَا يَوْمَئذٍ قَدْ زدْتُ عَلَى الثَّلَاثينَ سَنَةً سَنَوَاتٍ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى تُوُفّيَ، أَدُورُ مَعَهُ في بُيُوت نسَائه وَأَخْدمُهُ، وَأَنَا واللَّه يومئذٍ مقلٍ، وأصلي خلفه وأحج وأغزو مَعَهُ، فَكُنْتُ وَاللَّه أَعْلَمَ النَّاس بحَديثه، قَدْ واللَّه سبقني قوم بصحبته والهجرة إليه من قريش والأنصار، وكانوا يَعْرفُونَ لُزُومي لَهُ فَيَسْأَلُوني عَنْ حَديثه، منْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَليٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَلَا وَاللَّه ما يخفى عليّ كل حديث كَانَ بالْمَدينَة، وَكُلُّ مَنْ أحبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ لَهُ عنْدَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْزلَةٌ، وَكُلُّ صَاحبٍ له، وكان أبو بكر صاحبه في الغار وغيره، وقد أَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَاكنَهُ - يُعَرّضُ بأَبي مَرْوَانَ الْحَكَم بْن العاص -....
ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ليَسْأَلْني أَبُو عَبْد الْمَلك عَنْ هَذَا وَأَشْبَاهه، فَإنَّهُ يَجدُ عنْدي منْهُ علْمًا جَمًّا وَمَقَالًا، قَالَ: فَوَاللَّه مَا زَالَ مَرْوَانُ يَقْصُرُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَيَتَّقيه بَعْدَ ذَلكَ وَيَخَافُهُ وَيَخَافُ جَوَابَهُ....
وَفي روَايَةٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لمَرْوَانَ: إنّي أَسْلَمْتُ وَهَاجَرْتُ اخْتيَارًا وَطَوْعًا، وَأَحْبَبْتُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حُبًّا شَديدًا، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الدَّار وَمَوْضعُ الدَّعْوَة، أَخْرَجْتُمُ الدَّاعيَ منْ أَرْضه، وَآذَيْتُمُوهُ وَأَصْحَابَهُ، وَتَأَخَّرَ إسْلَامُكُمْ عَنْ إسْلَامي إلَى الْوَقْت الْمَكْرُوه إلَيْكُمْ، فَنَدمَ مَرْوَانُ عَلَى كَلَامه له واتقاه»([261]).
الخلاصة
قال الإمام ابن قتيبة ؒ: «عبادة بن الصامت بن قيس من الخزرج، ويكنى: أبا الوليد... أحد النّقباء الاثني عشر، وشهد بدراً، والمشاهد كلها، وشهد «العقبة» مع السبعين... وكان عبادة طويلاً جميلاً، جسيماً، وتوفى بالرّملة، من الشام سنة أربع وثلاثين، وهو يومئذ ابن اثنتين وسبعين سن» ([217]).
وقال الإمام ابن سعد ؒ: «وَشَهدَ عُبَادَةُ الْعَقَبَةَ مَعَ السَّبْعينَ منَ الْأَنْصَار في روَايَتهمْ جَميعًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاء الاثْنَيْ عَشَرَ، وآخَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عُبَادَةَ بْن الصَّامت وَأَبي مَرْثَدٍ الْغَنَويّ، وَشَهدَ عُبَادَةُ بَدْرًا، وَأُحُدًا، وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ عُبَادَةُ عَقَبيًّا نَقيبًا بَدْريًّا أَنْصَاريًّا»([218]).
وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «ذكر معاوية الفرار من الطّاعون، فذكر قصة له مع عبادة، فقام معاوية عند المنبر بعد صلاة العصر، فقال: الحديث كما حدّثني عبادة، فاقتبسوا منه، فهو أفقه مني.
ولعبادة قصص متعددة مع معاوية، وإنكاره عليه أشياء، وفي بعضها رجوع معاوية له، وفي بعضها شكواه إلى عثمان منه، تدلّ على قوته في دين اللَّه، وقيامه في الأمر بالمعروف» ([219]).
21- عبد الله بن أرطاة:
قال الإمام الحافظ ابن حجر ؒ: «وذكر ابن الكلبيّ أنه كان مع ابن عمه سلمان وقومه لما اعتزلوا القتال بالرقة مع عليّ ومعاوية، قال: وكانوا ثمانين رجلاً، وذكر له قصة مع بشر بن مروان لما كان أمير الكوفة، وأنه خطب يوماً، فتكلّم بشيء، فقام إليه، فقال له: اتّق اللَّه، فإنك ميت ومحاسب، فأمر بضربه، فضرب بالسياط فمات»([220]).
22- عبد الله بن عمر بن الخطاب:
قال الإمام الحافظ ابن حبان ؒ: «كان مولده قبل الوحي بسنة، لم يشهد بدراً، وعرض على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد، وهو بن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، ولم يره بلغ، ثم عرض عليه يوم الخندق، وهو ابن خمس عشرة، فأجازه وكان من صالحي الصحابة وقرائهم، وزهادهم، ولم يشتغل في هذه الدنيا بالصفراء، ولا بالتمتع بالبيضاء، ولا ضم درهماً إلى درهم، وكان من أكثرهم تتبعاً لآثار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم استعمالاً لها، اعتزل الفتن، وقعد في البيت عن الناس، إلا أن يخرج حاجاً أو معتمراً، أو غازياً، إلا أن أدركته المنية على حالته تلك بمكة، وهو حاج سنة ثلاث وسبعين، وبها دفن رضي الله عنه»([221]).
وقال الإمام الحافظ الذهبي ؒ: «السيد الفقيه القدوة، استصغر يوم أحد، وقد عين للخلافة يوم الحكمين مع وجود علي والكبار y، وقال سعيد بن المسيب يوم مات ابن عمر: ما بقي في الأرض أحد أحب إلي أن ألقى اللَّه بمثل عمله منه، وهذا كنحو ما قال علي في عمر يوم مات»([222]).
وقال الحافظ الصفدي ؒ: «وَكَانَ شَديد التَّحَرّي وَالاحْتيَاط في فتواه، وكل مَا يَأْخُذ به نَفسه، وَكَانَ لَا يتَخَلَّف عَن السَّرَايَا في حَيَاة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثمَّ كَانَ بعد مَوته مُولَعا بالْحَجّ قبل الْفتْنَة، وَفي الْفتْنَة، وَيُقَال إنَّه كَانَ أعلم الصَّحَابَة بمناسك الْحَج، وَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لزوجته حَفْصَة بنت عمر: إن أَخَاك عبد اللَّه رجلٌ صَالح لَو كَانَ يقوم من اللَّيْل، فَمَا ترك بعْدهَا ابْن عمر قيام اللَّيْل، وَكَانَ رضي الله عنه لورعه قد أشكلت عَلَيْه حروب عَليّ بن أبي طَالب، فَقعدَ عَنهُ، وَنَدم على ذَلك حين حَضرته الْوَفَاة، وَسُئلَ عَن تلْكَ الْمشَاهد فَقَالَ: كَفَفْت يَدي فَلم أقدم، والمقاتل على الْحق أفضل، وَقَالَ جَابر بْن عبد اللَّه: مَا منا أحدٌ إلَّا مَالَتْ به الدُّنْيَا، وَمَال بهَا خلا عمر وَابْنه عبد اللَّه، وَأفْتى في الْإسْلَام ستّينَ سنة، وَنشر نَافع عَنهُ علماً جماً»([223]).
وقال الإمام ابن سعد ؒ: «كَتَبَ عَبْدُ الْعَزيز بْنُ هَارُونَ إلَى ابْن عُمَرَ: أَن ارْفَعْ إلَيَّ حَاجَتَكَ، قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْه عَبْدُ اللَّه: سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ابْدَأْ بمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ منَ الْيَد السُّفْلَى»، وَإنّي لَا أَحْسَبُ الْيَدَ الْعُلْيَا إلَّا الْمُعْطيَةَ، وَالسُّفْلَى إلَّا السَّائلَةَ، وَإنّي غَيْرُ سَائلكَ، وَلَا رَادٌّ رزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إلَيَّ منْكَ»...
حَدَّثَنَا مَالكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ، قَالَ: لَو اجْتَمَعَتْ عَلَيَّ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ إلَّا رَجُلَيْن مَا قَاتَلْتُهُمَا»([224])...
سَمعْتُ الْحَسَنَ، يُحَدّثُ قَالَ: لَمَّا قُتلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالُوا لعَبْد اللَّه بْن عُمَرَ: إنَّكَ سَيّدُ النَّاس وَابْنُ سَيّدٍ، فَاخْرُجْ نُبَايعْ لَكَ النَّاسَ، قَالَ: إنّي وَاللَّه لَئن اسْتَطَعْتُ لَا يُهَرَاقُ في سَبَبي محْجَمَةٌ منْ دَمٍ، فَقَالُوا: لَتَخْرُجَنَّ أَوْ لَنَقْتُلَنَّكَ عَلَى فرَاشكَ، فَقَالَ لَهُمْ مثْلَ قَوْله الْأَوَّل، قَالَ الْحَسَنُ: فَأَطْمَعُوهُ وَخَوَّفُوهُ، فَمَا اسْتَقْبَلُوا منْهُ شَيْئًا حَتَّى لَحقَ باللَّه»...
حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ سُمَيْرٍ، قَالَ: قيلَ لابْن عُمَرَ: لَوْ أَقَمْتَ للنَّاس أَمْرَهُمْ فَإنَّ النَّاسَ قَدْ رَضُوْا بكَ كُلُّهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إنْ خَالَفَ رَجُلٌ بالْمَشْرق؟ قَالُوا: إنْ خَالَفَ رَجُلٌ قُتلَ، وَمَا قَتْلُ رَجُلٍ في صَلَاح الْأُمَّة، فَقَالَ: وَاللَّه مَا أُحبُّ لَوْ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَخَذَتْ بقَائمَة رُمْحٍ وَأَخَذْتُ بزُجّهٍ، فَقُتلَ رَجُلٌ منَ الْمُسْلمينَ وَليَ الدُّنْيَا وَمَا فيهَا»([225]).
وقال الإمام ابن عبد البر ؒ: «وذلك أن الْحَجَّاج خطب يوماً، وأخر الصلاة، فَقَالَ ابْن عُمَر: إن الشمس لا تنتظرك، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاج: لقد هممت أن أضرب الَّذي فيه عيناك، قَالَ: إن تفعل فإنك سفيه مسلط»([226]).
وقال الإمام ابن كثير ؒ: «أَنَّ الْحَجَّاجَ أَطَالَ الْخُطْبَةَ، فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ مرَارًا، ثمَّ قال فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَقَامَ النَّاسُ، فَصَلَّى الْحَجَّاجُ بالنَّاس، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لابْن عُمَرَ: مَا حَمَلَكَ على ذلك؟ فقال: إنما نجيء للصلاة، فصلّ الصلاة لوقتها، ثم تفتق ما شئت بعد من تفتقه»([227]).
وفي رواية لابن سعد ؒ: «أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَابْنُ عُمَرَ في الْمَسْجد، فَخَطَبَ النَّاسَ حَتَّى أَمْسَى، فَنَادَاهُ ابْنُ عُمَرَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ الصَّلَاةَ فَاقْعُدْ، ثُمَّ نَادَاهُ الثَّانيَةَ: فَاقْعُدْ، ثُمَّ نَادَاهُ الثَّالثَةَ: فَاقْعُدْ، فَقَالَ لَهُمْ في الرَّابعَة: أَرَأَيْتُمْ إنْ نَهَضْتُ أَتَنْهَضُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَضَ، فَقَالَ: الصَّلَاةَ، فَإنّي لَا أَرَى لَكَ فيهَا حَاجَةً، فَنَزَلَ الْحَجَّاجُ، فَصَلَّى، ثُمَّ دَعَا به، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إنَّمَا نَجيءُ للصَّلَاة، فَإذَا حَضَرَت الصَّلَاةُ فَصَلّ بالصَّلَاة لوَقْتهَا، ثُمَّ بَقْبقْ بَعْدَ ذَلكَ مَا شئْتَ منْ بَقْبَقَةٍ»([228]).
وأخرج البخاري عَن ابْن عُمَرَ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَوسَاتُهَا تَنْطُفُ، قُلْتُ: قَدْ كَانَ منْ أَمْر النَّاس مَا تَرَيْنَ، فَلَمْ يُجْعَلْ لي منَ الأَمْر شَيْءٌ، فَقَالَتْ: الحَقْ فَإنَّهُمْ يَنْتَظرُونَكَ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ في احْتبَاسكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ، فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاويَةُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُريدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ في هَذَا الأَمْر فَلْيُطْلعْ لَنَا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ به منْهُ وَمنْ أَبيه، قَالَ حَبيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَحَلَلْتُ حُبْوَتي، وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بهَذَا الأَمْر منْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإسْلاَم، فَخَشيتُ أَنْ أَقُولَ كَلمَةً تُفَرّقُ بَيْنَ الجَمْع، وَتَسْفكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنّي غَيْرُ ذَلكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ في الجنَان، قَالَ حَبيبٌ: حُفظْتَ وَعُصمْتَ»([229]).
وفي رواية عن زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَرَ عَنْ أَبيه قَالَ أُنَاسٌ لابْن عُمَرَ: إنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَاننَا فَنَقُولُ لَهُمْ خلَافَ مَا نَتَكَلَّمُ إذَا خَرَجْنَا منْ عنْدهمْ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نفَاقًا»([230]).
وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «وَوَقع في روَايَة حبيب بن أبي ثَابت أَيْضاً قَالَ ابن عُمَرَ مَا حَدَّثْتُ نَفْسي بالدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمَئذٍ أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ لَهُ: يَطْمَعُ فيه مَنْ ضَرَبَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الْإسْلَام حَتَّى أَدْخَلَكُمَا فيه، فَذَكَرْتُ الْجَنَّةَ فَأَعْرَضْتُ عَنْهُ»([231]).
وفي رواية: «فَخَشيتُ أَنْ يَكُونَ في قَوْلي هرَاقَةُ الدّمَاء وَأَنْ يُحْمَلَ قَوْلي عَلَى غَيْر الَّذي أَرَدْتُ قَوْلُهُ»([232]).
23- عبد الله بن عمر بن العاص ب:
أخرج الإمام أحمد ؒ عَنْ عَبْد الله بْن أَبي الْهُذَيْل، حَدَّثَني شَيْخٌ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجدًا بالشَّام، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْن، ثُمَّ جَلَسْتُ، فَجَاءَ شَيْخٌ يُصَلّي إلَى السَّاريَة، فَلَمَّا انْصَرَفَ، ثَابَ النَّاسُ إلَيْه، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّه بْنُ عَمْرٍو، فَأَتَى رَسُولُ يَزيدَ بْن مُعَاويَةَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا يُريدُ أَنْ يَمْنَعَني أَنْ أُحَدّثَكُمْ، وَإنَّ نَبيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللهُمَّ إنّي أَعُوذُ بكَ منْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمنْ علْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، اللهُمَّ إنّي أَعُوذُ بكَ منْ هَؤُلَاء الْأَرْبَع»([233]).
24- عبد الله بن قرط الثمالي:
قال الحافظ ابن حجر: حديث عبد اللَّه بن قرط الثّمالي أمير حمص لعمر، أخرج أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق مسكين بن ميمون المؤذن، عن عروة بن رويم- أن عبد اللَّه بن قرط الثّمالي كان يعس بحمص ذات ليلة، وكان عاملاً لعمر، فمرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها، فضربهم بدرّته حتى تفرقوا عن عروسهم، فلما أصبح قعد على منبره فحمد اللَّه وأثنى عليه فقال: إن أبا جندلة نكح أمامة، فصنع لها حثيات من طعام، فرحم اللَّه أبا جندلة، وصلى على أمامة، ولعن اللَّه عروسكم البارحة، أوقدوا النيران، وتشبّهوا بالكفرة، واللَّه مطفئ نورهم؛ قال: وعبد اللَّه بن قرط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم([234]).
25- عبد الله بن محيريز الجمحي:
قال الإمام ابن حبان ؒ: «عبد اللَّه بن محيريز القرشي، كان يتيماً في حجر أبي محذورة، وكان يشبه لعبد اللَّه بن عمر في العبادة والفضل، مات في ولاية عبد الملك»([235]).
وقال الصفدي ؒ: «قَالَ رَجَاء بن حَيْوَة: إن يفخر علينا أهل الْمَدينَة بعابدهم عبد اللَّه بن عمر، فَإنَّا نفخر عَلَيْهم بعابدنا عبد اللَّه بن محيريز، توفّي سنة تسعٍ وَتسْعين»([236]).
وقال الإمام الحافظ ابن كثير ؒ: «تَابعيٌّ جليل...وَأَثْنَى عَلَيْه جَمَاعَةٌ منَ الْأَئمَّة...قَالُوا: وَكَانَ صَمُوتًا مُعْتَزلًا للْفتَن، وَكَانَ لَا يَتْرُكُ الْأَمْرَ بالْمَعْرُوف، والنَّهي عَن الْمُنْكَر، وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا منْ خصَاله الْمَحْمُودَة، وَرَأَى عَلَى بَعْض الْأُمَرَاء حُلَّةً منْ حَريرٍ فَأَنْكَرَ عَلَيْه، فَقَالَ: إنَّمَا أَلْبَسُهَا منْ أَجْل هَؤُلَاء - وَأَشَارَ إلَى عَبْد الْمَلك بْن مَرْوَانَ أَمير الْمُؤْمنينَ - فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُحَيْريزٍ: لَا تَعْدلْ بخَوْفكَ منَ اللَّه خَوْفَ أحد من المخلوقين»([237]).
وقال ابن سعد ؒ: «لَقيَ ابْنُ مُحَيْريزٍ قَبيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، فَقَالَ: «يَا أَبَا إسْحَاقَ، عَطَّلْتُم الثُّغُورَ، وَأَغْزَيْتُمُ الْجُيُوشَ إلَى الْحَرَم، وَإلَى مُصْعَب بْن الزُّبَيْر»، فَقَالَ لَهُ قَبيصَةُ: «احْذَرْ منْ لسَانكَ، فَوَاللَّه مَا فُعلَ»، فَأَرْسَلَ إلَيْه عَبْدُ الْمَلك، فَأُتيَ به مُتَقَنّعًا، فَأُوقفَ بَيْنَ يَدَيْه، فَقَالَ: «مَا كَلمَةٌ قُلْتَهَا نُغضَ لَهَا مَا بَيْنَ الْفُرَات إلَى الْعَريش يَعْني عَريشَ مصْرَ»، ثُمَّ لَانَ لَهُ، فَقَالَ: «الْزَم الصَّمْتَ، فَإنَّ مَنْ رَأَى الْبَقيَّةَ في قُرَيْشٍ وَالْحلْمَ عَنْهَا»، قَالَ: «فَرَأَى ابْنُ مُحَيْريزٍ أَنَّهُ قَدْ غَنمَ نَفْسَهُ يَوْمَئذٍ»([238]).
26- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
قال ابن حبان ؒ: «عبد اللَّه بن مسعود بن الحارث... بن هذيل حليف بنى زهرة، وقيل إنه عبد اللَّه بن مسعود بن غافل ... كنيته أبو عبد الرحمن، سكن الكوفة، ومات بالمدينة سنة ثنتين وثلاثين، وأوصى أن يدفن بجنب قبر عثمان بن مظعون، فدفن بالبقيع، وكان له يوم مات نيف وستون سنة»([239]).
وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «أسلم قديماً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد بعدها، ولازم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب نعليه...
لما بعث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالقدوم إلى المدينة اجتمع الناس، فقالوا: أقم، ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فقال: إن له عليّ حقّ الطاعة، ولا أحبّ أن أكون أول من فتح باب الفتن»([240]).
27- عبد الله بن المغفل:
قال ابن حبان ؒ: «من جلة الصحابة، كنيته أبو زياد، وقد قيل: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سعيد، مات سنة تسع وخمسين، وصلى عليه أبوبرزة الأسلمي»([241]).
قال الشيرازي ؒ: «قال الحسن [البصري]: هو أحد النفر العشرة الذين بعث إلينا عمر ليفقهوا أهل البصرة»([242]).
قال الحافظ ابن حجر ؒ: «قال البخاريّ: له صحبة، سكن البصرة، وهو أحد البكّاءين في غزوة تبوك، وشهد بيعة الشجرة، ثبت ذلك في الصحيح، وهو أحد العشرة الذين بعثهم عمر ليفقّهوا الناس بالبصرة، وهو أول من دخل من باب مدينة تستر.
ومات بالبصرة سنة تسع وخمسين، قاله مسدّد، وقيل: سنة ستين، فأوصى أن يصلّي عليه أبو برزة الأسلمي، فصلّى عليه. ومات سنة إحدى وستين»([243]).
وقال ابن سعد ؒ: «عَنْ زيَاد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل الْمُزَنيّ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْمَرَضُ الَّذي مَاتَ فيه عَبْدُ اللَّه بْنُ الْمُغَفَّل أَوْصَى أَهْلَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا يَليني إلَّا أَصْحَابي، وَلَا يُصَلّي عَلَيَّ ابْنُ زيَادٍ، فَلَمَّا مَاتَ أَرْسَلُوا إلَى أَبي بَرْزَةَ الْأَسْلَميّ، وَإلَى عَائذ بْن عَمْرٍو، وَإلَى نَفَرٍ منْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالْبَصْرَة، فَوُلُّوا غُسْلَهُ وَتَكْفينَه، قَالَ: فَمَا زَادُوا عَلَى أَنْ طَوَوْا أَيْديَ قُمُصهمْ، وَدَسُّوا قُمُصَهُمْ في حُجَزهمْ، ثُمَّ غَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ، ثُمَّ لَمْ يَزد الْقَوْمُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأُوا، فَلَمَّا أَخْرَجُوهُ منْ دَاره إذَا ابْنُ زيَادٍ في مَوْكبه بالْبَاب، فَقيلَ لَهُ: إنَّهُ قَدْ أَوْصَى أَنْ لَا يُصَلّيَ عَلَيْه، قَالَ: فَسَارَ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ حذَاءَ الْبَيْضَاء، فَمَالَ إلَى الْبَيْضَاء وَتَرَكَهُ»([244]).
28- عمران بن حصين:
عَن الْحَسَن [البصري]، أَنَّ زيَادًا اسْتَعْمَلَ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغفَاريَّ عَلَى جَيْشٍ فَلَقيَهُ عمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ في دَار الْإمَارَة فيمَا بَيْنَ النَّاس، فَقَالَ لَهُ: أَتَدْري فيمَ جئْتُكَ؟ أَمَا تَذْكُرُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَلَغَهُ الَّذي قَالَ لَهُ أَميرُهُ: قُمْ فَقَعْ في النَّار، فَقَامَ الرَّجُلُ لَيَقَعَ فيهَا فَأَدْرَكَهُ فَأَمْسَكَهُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ وَقَعَ فيهَا لَدَخَلَ النَّارَ، لَا طَاعَةَ في مَعْصيَة اللَّه» قَالَ الْحَكَمُ: بَلَى، قَالَ عمْرَانُ: إنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُذَكّرَكَ هَذَا الْحَديثَ»([245]).
29- عمرو بن أراكة:
قال الحافظ ابن حجر ؒ: «ذكره البخاريّ في الصحابة، وقال: سكن البصرة، ... عن الحسن- أنّ عمرو بن أراكة صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع زياد بن أبي سفيان على سريره، فأتي بشاهد فتتعتع في شهادته، فقال له زياد: واللَّه لأقطعنّ لسانك، فقال عمرو بن أراكة: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة»([246]).
30- عمير بن حكيم:
قال الحافظ ابن كثير ؒ: «عمير بن حكيم الْعَنْسيُّ الشَّاميُّ، لَهُ روَايَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ في الشَّام يَسْتَطيعُ أَنْ يَعيبَ الْحَجَّاجَ عَلَانيَةً إلا هو، وابن محيريز أبو الأبيض» ([247]).
31- عياض بن غنم الأشعري
أخرج الحاكم ؒ »أَنَّ عيَاضَ بْنَ غَنْمٍ الْأَشَريَ وَقَعَ عَلَى صَاحبٍ دَارَا حينَ فُتحَتْ، فَأَتَاهُ هشَامُ بْنُ حَكيمٍ، فَأَغْلَظَ لَهُ الْقَوْلَ، وَمَكَثَ هشَامٌ لَيَاليَ، فَأَتَاهُ هشَامٌ مُعْتَذرًا، فَقَالَ لعيَاضٍ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إنَّ أَشَدَّ النَّاس عَذَابًا يَوْمَ الْقيَامَة أَشَدُّ النَّاس عَذَابًا للنَّاس في الدُّنْيَا» فَقَالَ لَهُ عيَاضٌ: يَا هشَامُ إنَّا قَدْ سَمعْنَا الَّذي قَدْ سَمعْتُ، وَرَأَيْنَا الَّذي قَدْ رَأَيْتَ، وَصَحبْنَا مَنْ صَحبْتَ، أَلَمْ تَسْمَعْ يَا هشَامُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كَانَتْ عنْدَهُ نَصيحَةٌ لذي سُلْطَانٍ فَلَا يُكَلّمُهُ بهَا عَلَانيَةً، وَلْيَأْخُذْ بيَده، وَلْيُخْل به، فَإنْ قَبلَهَا قَبلَهَا، وَإلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذي عَلَيْه وَالَّذي لَهُ»، وَإنَّكَ يَا هشَامُ، لَأَنْتَ الْمُجْتَرئُ، أَنْ تَجْتَرئَ عَلَى سُلْطَان اللَّه فَهَلَّا خَشيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ سُلْطَانُ اللَّه، فَتَكُونَ قَتيلَ سُلْطَان اللَّه »([248]).
«جَلَدَ عيَاضُ بْنُ غَنْمٍ صَاحبَ دَارَا حينَ فُتحَتْ، فَأَغْلَظَ لَهُ هشَامُ بْنُ حَكيمٍ الْقَوْلَ حَتَّى غَضبَ عيَاضٌ، ثُمَّ مَكَثَ لَيَاليَ، فَأَتَاهُ هشَامُ بْنُ حَكيمٍ فَاعْتَذَرَ إلَيْه، ثُمَّ قَالَ هشَامٌ لعيَاضٍ: أَلَمْ تَسْمَع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إنَّ منْ أَشَدّ النَّاس عَذَابًا، أَشَدَّهُمْ عَذَابًا في الدُّنْيَا للنَّاس)؟ فَقَالَ عيَاضُ بْنُ غَنْمٍ: يَا هشَامُ بْنَ حَكيمٍ، قَدْ سَمعْنَا مَا سَمعْتَ، وَرَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لسُلْطَانٍ بأَمْرٍ، فَلَا يُبْد لَهُ عَلَانيَةً، وَلَكنْ ليَأْخُذْ بيَده، فَيَخْلُوَ به، فَإنْ قَبلَ منْهُ فَذَاكَ، وَإلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذي عَلَيْه لَهُ "، وَإنَّكَ يَا هشَامُ لَأَنْتَ الْجَريءُ، إذْ تَجْتَرئُ عَلَى سُلْطَان الله، فَهَلَّا خَشيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ السُّلْطَانُ، فَتَكُونَ قَتيلَ سُلْطَان الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى)»([249]).
وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «عن عياض بن غنم أنه رأى نبطا يشمّسون في الجزية، فقال لعاملهم: إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّ اللَّه يعذّب الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا) .
وقد قيل في هذا: عن عروة، عن هشام بن حكيم.
أورده ابن منده في ترجمة عياض بن غنم الفهري أو الأشعري، وعروة لم يدرك الفهري، لكن قد أخرج ابن منده من طريق ابن عائذ، عن جبير بن نفير- أنّ عياض بن غنم وقع على صاحب داريا حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم ... فذكر قصة.
وفيها: فقال عياض لهشام: ألم تسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يقل له علانية»([250]).
32- قيس بن سعد بن عبادة:
قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي أبو القاسم، سيد مطاع، كريم، ممدح، شجاع، خدم النبي صلى الله عليه وسلم، سكن تفليس، صحابي ابن صحابي، جواد ابن جواد، كان من فضلاء الصحابة، وأحد دهاة العرب، وذوي الرأي الصائب والمكيدة في الحرب والنجدة، وكان شريف قومه غير مدافع، ومن بيت سيادتهم، كان يحمل راية الأنصار مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي جوده أخبار كثيرة مشهورة، ورووا أنه كان فى سرية فيها أبو بكر، وعمر ب، فكان يستدين ويطعم الناس، صحب عليًا في خلافته، وكان معه في حروبه، واستعمله على مصر. توفي سنة ستين([251]).
قال الإمام ابن كثير ؒ: «كَانَ قَيْسٌ سَيّدًا مُطَاعًا كَريمًا مُمَدَّحًا شُجَاعًا، وَلَّاهُ عَليٌّ نيَابَةَ مصْرَ، وَكَانَ يُقَاومُ بدَهَائه وَخَديعَته وَسيَاسَته لمُعَاويَةَ وَعَمْرو بْن الْعَاص، وَلَمْ يَزَلْ مُعَاويَةُ يَعْمَلُ عَلَيْه حَتَّى عَزَلَهُ عَليٌّ عَنْ مصْرَ وَوَلَّى عَلَيْهَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبي بكر الصديق...
كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ منَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بمَنْزلَة صَاحب الشُّرْطَة منَ الْأَمير.
وَحَمَلَ لوَاءُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بَعْض الْغَزَوَات، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَة، وَلَمَّا بُعثَ رَسُولُ اللَّه ... وَكَانَ يُقَاومُ بدَهَائه وَخَديعَته وَسيَاسَته لمُعَاويَةَ وَعَمْرو بْن الْعَاص، وَلَمْ يَزَلْ مُعَاويَةُ يَعْمَلُ عَلَيْه حَتَّى عَزَلَهُ عَليٌّ عَنْ مصْرَ وَوَلَّى عَلَيْهَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبي بكر الصديق...
وَأَقَامَ قَيْسٌ عنْدَ عَليٍّ، فَشَهدَ مَعَهُ صفّينَ وَالنَّهْرَوَانَ، وَلَزمَهُ حَتَّى قُتلَ، ثمَّ صَارَ إلَى الْمَدينَة، فَلَمَّا اجْتَمَعَت الْكَلمَةُ عَلَى مُعَاويَةَ جَاءَهُ ليُبَايعَهُ كَمَا بَايَعَهُ أَصْحَابُهُ...
قَسَّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَالَهُ بَيْنَ أَوْلَاده وَخَرَجَ إلَى الشَّام فَمَاتَ بهَا، فَوُلدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ وَفَاته، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إلَى قَيْس بْن سَعْدٍ فَقَالَا: إنَّ أَبَاكَ قَسَّمَ مَالَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بحَال هَذَا الْوَلَد إذْ كَانَ حَمْلًا، فَاقْسمُوا لَهُ مَعَكُمْ، فَقَالَ قَيْسٌ: إنّي لَا أُغَيّرُ مَا فَعَلَهُ سَعْدٌ، وَلَكنَّ نَصيبي لَهُ.
عَنْ قَيْس بْن سَعْدٍ قَالَ: لَوْلَا إنّي سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " الْمَكْرُ وَالْخَديعَةُ في النَّار: لَكُنْتُ منْ أَمْكَر هَذه الْأُمَّة.
وَقَالَ الزُّهْريُّ: دُهَاةُ الْعَرَب حينَ ثَارَت الْفتْنَةُ خَمْسَةٌ: مُعَاويَةُ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاص، وَالْمُغيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ بُدَيْلٍ، وَكَانَا مَعَ عَليٍّ، وَكَانَ الْمُغيرَةُ مُعْتَزلًا بالطَّائف حتى حكم الخصمان فصارا إلَى مُعَاويَةَ.
سار قَيْسٌ إلَى الْمَدينَة، ثُمَّ سَارَ إلَى عَليٍّ بن أبي طالب إلى العراق، فَكَانَ مَعَهُ في حُرُوبه حَتَّى قُتلَ عَليٌّ، ثم كان مع الحسن بن علي حين سار إلى معاوية ليقاتله، فكان قيس على مقدمة الجيش، فَلَمَّا بَايَعَ الْحَسَنُ مُعَاويَةَ سَاءَ قَيْسًا ذَلكَ، وما أحبه، وامتنع من طاعته مُعَاويَةَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إلَى الْمَدينَة، ثُمَّ قَدمَ عَلَى مُعَاويَةَ في وَفْدٍ منَ الْأَنْصَار، فَبَايَعَ معاوية بعد معاتبة شديدة وقعت بينهما، وَكَلَام فيه غلْظَةٌ، ثُمَّ أَكْرَمَهُ مُعَاويَةُ وَقَدَّمَهُ، وحظي عنده، فبينما هو مع الوفد عنْدَ مُعَاويَةَ إذْ قَدمَ كتَابُ مَلك الرُّوم عَلَى مُعَاويَةَ، وَفيه: أَن ابْعَثْ إليَّ بسَرَاويل أطول رجل في العرب، فقال معاوية: ما أرنا إلا قد احتجنا إلا سَرَاويلكَ؟ - وَكَانَ قَيْسٌ مَديدُ الْقَامَة جدًّا لَا يَصلُ أَطْوَلُ الرّجَال إلَى صَدْره، ثُمَّ خَلَعَ سَرَاويلَهُ، فَأَلْقَاهَا إلَى مُعَاويَةُ، فَقَالَ له معاوية: لو ذَهَبْتَ إلَى مَنْزلكَ ثُمَّ أَرْسَلْتَ بهَا إلَيْنَا»([252]).
33- كعب بن عجرة:
قال الإمام الذهبي ؒ: «كعب بن عجرة الأنصاري من أهل بيعة الرضوان»([253]).
وأخرج مسلم ؒ: «عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، عَنْ كَعْب بْن عُجْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ الْمَسْجدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَن ابْنُ أُمّ الْحَكَم يَخْطُبُ قَاعدًا، فَقَالَ: انْظُرُوا إلَى هَذَا الْخَبيث يَخْطُبُ قَاعدًا، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإذَا رَأَوْا تجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائمًا﴾ [الجمعة: 11]» ([254]).
34- أبو مسلم الخولاني:
قال أبو نعيم ؒ: «عَنْ أَبي عَبْد الله الْحَرَسَيّ، وَكَانَ منْ حَرَس عُمَرَ بْن عَبْد الْعَزيز قَالَ: دَخَلَ أَبُو مُسْلمٍ الْخَوْلَانيُّ عَلَى مُعَاويَةَ بْن أَبي سُفْيَانَ وَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَجيرُ» فَقَالَ النَّاسُ الْأَميرُ يَا أَبَا مُسْلمٍ ثُمَّ قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَجيرُ» فَقَالَ النَّاسُ: الْأَميرُ فَقَالَ مُعَاويَةُ: دَعُوا أَبَا مُسْلمٍ هُوَ أَعْلَمُ بمَا يَقُولُ قَالَ أَبُو مُسْلمٍ: «إنَّمَا مَثَلُكَ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجيرًا فَوَلَّاهُ مَاشيَتَهُ وَجَعَلَ لَهُ الْأَجْرَ عَلَى أَنْ يُحْسنَ الرَّعيَّةَ وَيُوَفّرَ جَزَازَهَا وَأَلْبَانَهَا فَإنْ هُوَ أَحْسَنَ رَعيَّتَهَا، وَوَفَّرَ جَزَازَهَا حَتَّى تَلْحَقَ الصَّغيرَةُ، وَتَسْمَنَ الْعَجْفَاءُ أَعْطَاهُ أَجْرَهُ، وَزَادَهُ منْ قبَله زيَادَةً، وَإنْ هُوَ لَمْ يُحْسنْ رَعيَّتَهَا، وَأَضَاعَهَا حَتَّى تَهْلَكَ الْعَجْفَاءُ، وَتَعْجَفَ السَّمينَةُ، وَلَمْ يُوَفّرْ جَزَازَهَا، وَأَلْبَانَهَا غَضبَ عَلَيْه صَاحبُ الْأَجْر، فَعَاقَبَهُ وَلَمْ يُعْطه الْأَجْرَ» فَقَالَ مُعَاويَةُ: مَا شَاءَ اللهُ كَانَ...
كَانَ أَبُو مُسْلمٍ الْخَوْلَانيُّ يَطُوفُ يَنْعي الْإسْلَام فَأَتَى مُعَاويَةَ، فَقيلَ لَهُ فَأَرْسَلَ إلَيْه فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ مُعَاويَةُ: قَالَ: «بَلْ أَنْتَ حَدُّوثَةُ قَبْرٍ عَنْ قَليلٍ، إنْ عَملْتَ خَيْرًا أُجْزَيْتَ به، وَإنْ عَملْتَ شَرًّا أُجْزَيْتَ يَا مُعَاويَةُ إنْ عَدَلْتَ عَلَى أَهْل الْأَرْض جَميعًا، ثُمَ جُرْتَ عَلَى رَجُلٍ وَاحدٍ مَالَ جَوْرُكَ بعَدْلكَ...
عَنْ أَبي مُسْلمٍ الْخَوْلَانيّ: أَنَّهُ نَادَى مُعَاويَةَ بْنَ أَبي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالسٌ عَلَى منْبَر دمَشْقَ، فَقَالَ: «يَا مُعَاويَةُ إنَّمَا أَنْتَ قَبْرٌ منَ الْقُبُور، إنْ جئْتَ بشَيْءٍ كَانَ لَكَ شَيْءٌ، وَإنْ لَمْ تَجئْ بشَيْءٍ فَلَا شَيْءَ لَكَ، يَا مُعَاويَةُ لَا تَحْسَبَنَّ الْخلَافَةَ جَمْعَ الْمَال، وَتَفَرُّقَهُ، وَلَكنَّ الْخلَافَةَ الْعَمَلُ بالْحَقّ، وَالْقَوْلُ بالْمَعْدَلَة، وَأَخْذُ النَّاس في ذَات الله U، يَا مُعَاويَةُ، إنَّا لَا نُبَالي بكَدَر الْأَنْهَار مَا صَفَتْ لَنَا رَأْسُ عَيْننَا، وَإنَّكَ رَأْسُ عَيْننَا، يَا مُعَاويَةُ إيَّاكَ أَنْ تَحيفَ عَلَى قَبيلَةٍ منْ قَبَائل الْعَرَب، فَيَذْهَبَ حَيْفُكَ بعَدْلكَ»، فَلَمَّا قَضَى أَبُو مُسْلمٍ مَقَالَتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْه مُعَاويَةُ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللهُ...
عَنْ أَبي مُسْلمٍ الْخَوْلَانيّ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن أَبي سُفْيَانَ: أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ، وَقَدْ حُبسَ الْعَطَاءُ شَهْرَيْن أَوْ ثَلَاثَةً، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُسْلمٍ: يَا مُعَاويَةُ، إنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ بمَالكَ وَلَا مَالَ أَبيكَ، وَلَا مَال أُمّك، فَأَشَارَ مُعَاويَةُ إلَى النَّاس أَن امْكُثُوا، وَنَزَلَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَبَا مُسْلمٍ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ بمَالي، وَلَا بمَال أَبي وَلَا أُمّي، وَصَدَقَ أَبُو مُسْلمٍ، إنّي سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْغَضَبُ منَ الشَّيْطَان، وَالشَّيْطَانُ منَ النَّار، وَالْمَاءُ يُطْفئُ النَّارَ، فَإذَا غَضبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسلْ» اغْدُوا عَلَى عَطَايَاكُمْ عَلَى بَرَكَة الله U»([255]).
روى اللالكائي عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبي مُسْلمٍ الْخَوْلَانيّ، عَنْ مُعَاويَةَ بْن أَبي سُفْيَانَ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ، وَقَدْ حَبَسَ الْعَطَاءَ شَهْرَيْن أَوْ ثَلَاثَةً، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُسْلمٍ: يَا مُعَاويَةُ، إنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ بمَالكَ، وَلَا مَال أَبيكَ وَلَا مَال أُمّكَ، فَأَشَارَ مُعَاويَةُ إلَى النَّاس أَن امْكُثُوا، وَنَزَلَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَبَا مُسْلمٍ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ بمَال أَبي، وَلَا مَال أُمّي، وَصَدَقَ أَبُو مُسْلمٍ، وَإنّي سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (الْغَضَبُ منَ الشَّيْطَان، وَالشَّيْطَانُ منَ النَّار، وَالْمَاءُ يُطْفئُ النَّارَ)، فَإذَا غَضبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسلْ، اغْدُوا عَلَى أُعْطيَاتكُمْ عَلَى بَرَكَة اللَّه»([256]).
35- معقل بن يسار:
معقل بن يسار المزني من أصحاب الشجرة، له الخطة المعروفة بالبصرة، وهو الّذي حفر نهر معقل بالبصرة بأمر عمر، فنسب، أسلم قبل الحديبيّة، وشهد بيعة الرضوان، ونزل البصرة، وبنى بها داراً، ومات بها في ولاية عبيد اللَّه بن زياد في خلافة معاوية([257]).
روى مسلم ؒ «عَن الْحَسَن، قَالَ: عَادَ عُبَيْدُ الله بْنُ زيَادٍ مَعْقلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنيَّ في مَرَضه الَّذي مَاتَ فيه، فَقَالَ مَعْقلٌ: إنّي مُحَدّثُكَ حَديثًا سَمعْتُهُ منْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لَوْ عَلمْتُ أَنَّ لي حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ، إنّي سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (مَا منْ عَبْدٍ يَسْتَرْعيه اللهُ رَعيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لرَعيَّته، إلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْه الْجَنَّةَ).
وفي رواية: عَن الْحَسَن، قَالَ: دَخَلَ عُبَيْدُ الله بْنُ زيَادٍ، عَلَى مَعْقَل بْن يَسَارٍ، وَهُوَ وَجعٌ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إنّي مُحَدّثُكَ حَديثًا لَمْ أَكُنْ حَدَّثْتُكَهُ إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يَسْتَرْعي اللهُ عَبْدًا رَعيَّةً، يَمُوتُ حينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا، إلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْه الْجَنَّةَ)، قَالَ: أَلَّا كُنْتَ حَدَّثْتَني هَذَا قَبْلَ الْيَوْم؟ قَالَ: «مَا حَدَّثْتُكَ»، أَوْ لَمْ أَكُنْ لأُحَدّثَكَ.
وفي رواية عَنْ أَبي الْمَليح أَنَّ عُبَيْدَ الله بْنَ زيَادٍ عَادَ مَعْقلَ بْنَ يَسَارٍ في مَرَضه، فَقَالَ لَهُ مَعْقلٌ: إنّي مُحَدّثُكَ بحَديثٍ لَوْلَا أَنّي في الْمَوْت لَمْ أُحَدّثْكَ به، سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَا منْ أَميرٍ يَلي أَمْرَ الْمُسْلمينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ، وَيَنْصَحُ، إلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ)([258]).
قال ابن كثير ؒ: «صَحَابيٌّ جَليلٌ، شَهدَ الحديبية، وكان هو الذي كان يَرْفَعُ أَغْصَانَ الشَّجَرَة عَنْ وَجْه رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُبَايعُ النَّاسَ تَحْتَهَا، وَكَانَتْ منَ السَّمُر، وَهيَ الْمَذْكُورَةُ في الْقُرْآن في قَوْله تَعَالَى: ﴿لَقَدْ رَضيَ اللَّهُ عَن الْمُؤْمنينَ إذْ يُبَايعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة﴾ [الفتح: 18]، وَقَدْ وَلَّاهُ عُمَرُ إمْرَةَ الْبَصْرَة فَحَفَرَ بهَا النَّهْرَ الْمَنْسُوبَ إلَيْه، فَيُقَالُ نَهْرُ مَعْقلٍ، وَلَهُ بهَا دَارٌ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْريُّ: دَخَلَ عُبَيْدُ اللَّه بْنُ زيَادٍ عَلَى مَعْقل بْن يَسَارٍ يَعُودُهُ في مَرَضه الَّذي مَاتَ فيه، فَقَالَ لَهُ مَعْقلٌ: إنّي مُحَدّثُكَ حَديثًا سَمعْتُهُ منْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لو لَمْ أَكُنْ عَلَى حَالَتي هَذه لَمْ أُحَدّثْكَ به، سَمعْتُهُ يَقُولُ: (مَن اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعيَّةً فَلَمْ يُحطْهَا بْنصيحَةٍ لَمْ يَجدْ رَائحَةَ الْجَنَّة، وإنَّ ريحَهَا لَيُوجَدُ منْ مَسيرَة مائَة عَامٍ)»([259]).
36- أبو هريرة
قال الصفدي ؒ: «عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، أَبُو هُرَيْرَة الدوسي رضي الله عنه في اسْمه وَاسم أَبيه اخْتلَاف كثير، ... وأشهرها عبد الرَّحْمَن بن صَخْر كَانَ اسْمه قبل الْإسْلَام عبد شمس، وَقَالَ كناني رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأَنّي كنت أحمل هرة في كمي ... كَانَ أحد الْحفاظ الْمَعْدُودين في الصَّحَابَة قدم من أَرض دوس هُوَ وَأمه مُسلما وَقت فتح خَيْبَر»([260]).
وقال ابن كثير ؒ: «عَن الْوَليد بْن رَبَاحٍ قَالَ: سَمعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ لمَرْوَانَ: وَاللَّه مَا أَنْتَ بوالٍ، وَإنَّ الْوَاليَ لَغَيْرُكَ فَدَعْهُ - يَعْني حينَ أَرَادُوا يدفنون الْحَسَنَ مَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم - ولكن تدخل فيما لا يعنيك، إنما يريد بهَذَا إرْضَاءَ مَنْ هُوَ غَائبٌ عَنْكَ - يَعْني مُعَاويَةَ - قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْه مَرْوَانُ مُغْضَبًا فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا إنك أكثرت عَلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الْحَديثَ، وَإنَّمَا قَدمْتَ قَبْلَ وَفَاة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بيَسيرٍ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نعم! قدمت وَرَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بخَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَأَنَا يَوْمَئذٍ قَدْ زدْتُ عَلَى الثَّلَاثينَ سَنَةً سَنَوَاتٍ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى تُوُفّيَ، أَدُورُ مَعَهُ في بُيُوت نسَائه وَأَخْدمُهُ، وَأَنَا واللَّه يومئذٍ مقلٍ، وأصلي خلفه وأحج وأغزو مَعَهُ، فَكُنْتُ وَاللَّه أَعْلَمَ النَّاس بحَديثه، قَدْ واللَّه سبقني قوم بصحبته والهجرة إليه من قريش والأنصار، وكانوا يَعْرفُونَ لُزُومي لَهُ فَيَسْأَلُوني عَنْ حَديثه، منْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَليٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَلَا وَاللَّه ما يخفى عليّ كل حديث كَانَ بالْمَدينَة، وَكُلُّ مَنْ أحبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ لَهُ عنْدَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْزلَةٌ، وَكُلُّ صَاحبٍ له، وكان أبو بكر صاحبه في الغار وغيره، وقد أَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَاكنَهُ - يُعَرّضُ بأَبي مَرْوَانَ الْحَكَم بْن العاص -....
ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ليَسْأَلْني أَبُو عَبْد الْمَلك عَنْ هَذَا وَأَشْبَاهه، فَإنَّهُ يَجدُ عنْدي منْهُ علْمًا جَمًّا وَمَقَالًا، قَالَ: فَوَاللَّه مَا زَالَ مَرْوَانُ يَقْصُرُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَيَتَّقيه بَعْدَ ذَلكَ وَيَخَافُهُ وَيَخَافُ جَوَابَهُ....
وَفي روَايَةٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لمَرْوَانَ: إنّي أَسْلَمْتُ وَهَاجَرْتُ اخْتيَارًا وَطَوْعًا، وَأَحْبَبْتُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حُبًّا شَديدًا، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الدَّار وَمَوْضعُ الدَّعْوَة، أَخْرَجْتُمُ الدَّاعيَ منْ أَرْضه، وَآذَيْتُمُوهُ وَأَصْحَابَهُ، وَتَأَخَّرَ إسْلَامُكُمْ عَنْ إسْلَامي إلَى الْوَقْت الْمَكْرُوه إلَيْكُمْ، فَنَدمَ مَرْوَانُ عَلَى كَلَامه له واتقاه»([261]).
الخلاصة
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin