..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: ينابيع المودة ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:59 من طرف Admin

» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:56 من طرف Admin

» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:51 من طرف Admin

» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:47 من طرف Admin

» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:35 من طرف Admin

» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:33 من طرف Admin

» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:27 من طرف Admin

» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:25 من طرف Admin

» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:23 من طرف Admin

» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:20 من طرف Admin

» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:16 من طرف Admin

» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Emptyاليوم في 19:09 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Empty كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري

    مُساهمة من طرف Admin 23/10/2020, 21:29

    إحسان الإحسان - 6 -
    المحدثون والصوفية

    يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:

    [والمحدث ما شرطه لكي يكافئ الصوفي؟ ماذا ذهب السيوطي يفعل عند الشاذلية يشيد طريقتهم ويشيد بها؟ أليس هو العلم البارز في عصره الجامع لشتات العلوم، المشارك المحدث الذي حقق المشروع الضخم أو كاد، مشروع جمع الحديث وتخريجه؟]:

    إن السيوطي كان من العلماء العاملين؛ وكل عالم يعمل بعلمه، فلا بد من أن يطمح إلى الترقي وسلوك الطريق إلى ما هو فوق المرتبة العامة المشتركة من الدين؛ وإلا يكون غاشا لنفسه، قبل أن يغش المسلمين. وإن انضمام أعيان الفقهاء والمحدثين عبر الزمان، إلى أهل زمانهم من المسلكين، لم يكن بدعة ولا شذوذا عن القاعدة؛ بل هو ما ينبغي أن يكون عليه الصادقون، بعكس ما هم عليه المتأخرون ممن لم يبق لهم من الفقه الأول إلا بعض كلام مقطوع عن أصله، وكأنه لا طريق إلى الله يُطلب ولا وصول يُرجى. ولقد وصل الناس مع هؤلاء، إلى مثل ما هم عليه الكتابيون، من لزوم تدين جامد، يُستعاض فيه عن الحركة (الترقي) بالتعصب للمظاهر المذهبية، في غفلة شبه تامة عن المآل والمصير. إن ما يدل عليه الكاتب هنا ركن من أركان الدين، ما تزال الأمة بخير ما اعتبرته وعملت عليه. هذا من حيث المبدأ؛ ويبقى من جهة التنزيل ما لا بد من تبيّنه، حتى لا يكون الضلال نهاية من يبغي تحقيق الغاية. والنية وحدها لا تكفي، إلا لمن كان بالحال من المتوكلين؛ وهم قليل.

    [مازال بين أهل الحديث على مر العصور حوار ووصال منذ العهد الأول مع من تسموا بالصوفية. وما نقرأ عنه من خصام عنيف عند أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو المحدث الناطق عن نفسه وعن طائفة من أهل الحديث الحنابلة، ما كان يستهدف الصوفية الصادقين، بل كان موجها لمن اعتبرهم أهل الحديث المتأخرون أدعياء منحرفين.]:

    هذا الكلام فيه مغالطات كبيرة، ما كان ينبغي للأستاذ الوقوع فيها. فابن تيمية ليس شيخا للإسلام إلا عند الضالين من أتباعه الذين زاغوا عن طريق الإسلام حقيقة، من دون أن نكفّرهم. وهو لم يُعرف بما عُرف به من ابتداع في العقيدة، بسبب كونه محدثا؛ بل لأنه فهم الوحي -قرآنا وسنة- فهما عقليا ظلاميا بحسبه، وإن زعم غير ذلك. فعلى أقل تقدير، كان ينبغي لابن تيمية أن لا يُلزم الناس ببنات عقله، وهو يزعم التزام السنة. نعم، لا شك أن زمن ابن تيمية كانت تغلب فيه الغفلة على العامة، وإلا ما كان أحد سار خلفه في ضلالاته؛ ولكن الأعجب من هذا، هو وقوع عبد السلام ياسين في حباله، مع زعمه أنه قد "شب عن الطوق" وأنه قد صار ينادي في الناس: "من هنا الطريق"، على غرار أئمة الهدى من كل عصر. فكيف يدعو إلى الطريق من لا يعرفه، ويدل على ضال مضل سبقه في مخالفة شطر من أصول الدين وفروعه؟!... وقول الكاتب بأن ابن تيمية لم يكن يستهدف الصوفية الصادقين جهل، إن لم يكن كذبا؛ لأن ابن تيمية اشتد نكيره على من هو إمام أهل الطريق جميعا وختمهم: الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قُدّس سره؛ ومن طعن في إمام قوم، فقد طعن في جميعهم بالتبع؛ لا ينقص من هذا، قدح بعض عوام الصوفية أنفسهم في الإمام. بل إن ابن تيمية اجترأ على أبي حامد الغزالي وهو من هو في رجاحة العقل وسعة الأفق!... لكن هذا غير مستغرب ممن عميت بصيرته، فاستوى عنده النور بالظلمة. وإيراد الكاتب لموقف ابن تيمية من التصوف للمرة الثانية، يدل منه على أمرين: الأول، أنه هو نفسه ما عرف التصوف؛ لأنه لو عرفه، لاكتفى بما وقف عليه منه بنفسه؛ ولأمكنه بعد ذلك من معرفة مدى صواب أو خطأ كلام ابن تيمية وغيره، ممن أبدوا رأيهم في التصوف من مرتبة الإسلام المشتركة. ومتى كان يسوغ للأدنى أن يحكم على الأعلى، لولا الانتكاس الحاصل لدى من تكلم ولدى من سمع!... والأمر الثاني: أن عبد السلام ياسين يسير على نهج ابن تيمية في ضلاله، لتشابه بين الرجلين سيظهر جليا فيما بعد إن شاء الله. وهذا الذي وصلنا إليه وحده، كفيل بأن يجعلنا نتوقف عن النظر في كتاب "الإحسان"، الذي ليس إحسانا إلا للتدليس إن جاز الجمع بين اللفظين؛ لولا ما نراه من انحرافٍ لكثيرين به...
    وقبل أن نمضي، لا بد من أن نقرر أن أهل الحديث وظيفتهم معرفة درجات الحديث بمعرفة رجال الأسناد؛ فمهمتهم تمحيصية تثبُّتية لا غير. نعني من هذا، لو أن الناس لم يجر عليهم الكذب ولم يصبهم النسيان، ما كنا عرفنا علما اسمه "علم الحديث". أما فهم "المحدثين" في الحديث، وإخراجه للناس على أنه مذهب أهل الحديث، فلا يصح؛ لأن إدراك معنى الحديث، لا يدخل في اختصاص المحدث، إلا إن كان هو نفسه مشتغلا بمجال الفقه العام، فيكون تحديثه خادما لفقهه؛ وهذا هو ما كان عليه الإمام أحمد رضي الله عنه. وأما ابن تيمية، فليس من هذا الطراز؛ لأنه دخل بفهمه في الحديث إلى مجال العقائد، الذي يُعد الكلام فيه من الأصل بدعة. فنتج عن بدعته الأولى، بدعة أشد منها وأسوأ، وهي تحريف الدين باستحداث "سلف" للأمة على صورة عقله ذاته، في عملية إعادة صياغة للدين، ستكون أخطر ما طرأ على الأمة من التحريف وأشد ما أصابها من إضلال. ولعل الرد على ابن تيمية فيما اعتبره كاتبنا تمييزا منه للتصوف الحق من تصوف الضلال، سيأتي عند الدخول في تفاصيل الأقوال؛ لأن مذهبنا في تناول المسائل هنا، هو محاكمة الكلام لا المتكلم، عند حسابه على هذه الطائفة أو تلك. نعني من هذا، أننا نتتبع العلم لا الرجال، وأننا نبني رأينا بناء علميا نستغني فيه عن الاستناد إلى مكانة القائلين للأقوال؛ لأن هذا المنهج قد أضر كثيرا بالأمة، عندما صار الحق يُعرف بالرجال، بعكس ما دل الإمام عليّ عليه السلام بجوابه لحارث بن حوط، وقد قال له الحارث: يا علي! أتظن أن طلحة والزبير على باطل؟ وأنت على حق؟ فقال عليه السلام: "يا حارث! إنه ملبوس عليك؛ وإن الحق والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف من أتاه."[1].

    [في العهود الأولى كان احترام متبادل وتعاون على البر والتقوى. كان من الصوفية من تخرجوا في علم الرواية، وكان من المحدثين من تصوفوا على يد مشايخ متصوفين. لم تكن هناك قطيعة ولا سوء ظن. ومن أئمة الحديث، أولياء الله إن كان لله ولي، من جلس في مجالس القوم ومن آخى مشايخ القوم، مع التسليم والمصافاة.]:

    في الكلام تدليس ومغالطة، تجعل القارئ يتوهم أن الاشتغال برواية الحديث، يكافئ التصوف الذي ينبني في أساسه على "التزكية" التي هي فرض عين على العباد، من حيث هي محور التدين كله. ورغم ما لعلم الحديث من مكانة في حفظ الدين من جهة النصوص المؤسِّسة (في شطر منها)، فإنه ليس من التكاليف الفردية؛ بل إن الله لم يكلف عباده الاشتغال بحفظ القرآن نفسه -وهو أعلى مكانة من الحديث- عن ظهر قلب كله، ويجزئ منه -كما هو معلوم- ما تقوم به صلاة العبد على الخصوص. وهذه التسوية بين ما هو من التكاليف الفردية، وما هو من الواجبات الكفائية، تدليس يُقصد منه أخذ الناس إلى ما يراد منهم، من غير تبصير لهم بحقيقة ما هم مقبلون عليه. ولقد اعتمد هذا الأسلوب الضلالي كثير من أئمة الضلال الذين نجد أكبرهم في تاريخ الأمة ابن تيمية نفسه. لكن انخراط الأستاذ عبد السلام في هذا الطريق، بالبناء على بنائه وانتهاج طريقه باتباع طريقته، يجعلنا نحذّر منه، ولا نوافقه في شيء من كلامه إلا بعد فحصه فحصا، لكي لا يكون حسنُ الظن به سببا في الضلال لأحد من الناظرين في هذا الكتاب. وقبل أن نمضي في تعليقاتنا، لا بد من أن نذكر لمَ كان إضلال ابن تيمية من أكبر صنوف الإضلال؛ حتى يعلم الناس بعض وجوه ردنا لكلامه، فنقول: إن المـُضِل من شياطين الإنس والجن الذي يدعو الناس إلى الكفر الصُّراح، أو إلى المعصية المبينة، لا يُخاف على عوام المسلمين منه، لأنهم سيتجنبونه ولا يلتفتون إلى شيء مما يقول، لعلمهم بمخالفته لديهم للأصول؛ لكن من يستدل بآيات القرآن وبالأحاديث على غير معانيها، ويحض على طاعة الله -بزعمه- ويحذر من المعصية في مقابلها، ويشتد على المبتدعة -بحسبه- إلى حد التكفير المبالغ فيه، لن يعلم العوام منه السم الذي يدسه في عسله، لكونهم ليسوا من أهل العلم ولا من أهل النور. لهذا كله، كان هذا الصنف من الضلال، أشده. ولقد عمل إضلال ابن تيمية في الأمة، ما لم يعمله ضلال الضالين من الفرق الضالة نفسها، كالباطنية وغيرهم. ويكفي ما تعرفه الأمة من اقتتال في هذه الحقبة، والذي نجد أصحابه يستندون في كثير منه، إلى آرائه وإيحاءاته. وبانضمام عبد السلام ياسين إلى فرقة المعظمين لابن تيمية، نكون شاهدين على ميلاد فرع من فروع الضلال التيمي من أحد وجوهه الجديدة، ضمن تصوف تيمي إن صحت النسبة؛ بما أن الأستاذ قد عافاه الله من اعتقاد الباطل الذي عليه ابن تيمية فيما يتعلق بمرتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووساطته التعريفية في الحد الأدنى. وهذا لأننا بدأنا نستشف من الكلام، أن الكاتب لم يكن له خبر عن الوساطة المحمدية الوجودية؛ ونعني بهذا، أنه لم يكن على علم بالحقيقة المحمدية. وبالنتيجة، يكون غير واصل في عرف القوم؛ ما دام الوصول يُشترط فيه معرفة ما ذكرنا. وهذا يجعله محتاجا بعدُ إلى شيخ يكمل به الطريق، بحسب القواعد والأصول... وإن إمامة الناقص في التربية القلبية لمن هو أنقص منه، لا يمكن أن تعطي ثمارا حقيقية لدى المتدينين. ولعل هذا، هو ما جعل جماعة "العدل والإحسان" لا تَعُد ضمن صفوفها عارفا واحدا؛ بل إننا نخاف مع الانحراف المذكور آنفا، أن لا يخرج من بينهم مؤمن واحد (من أهل مرتبة الإيمان)، كما نعلمها من القرآن والسنة -اللذين ما فتئ الأستاذ يؤكد التزامه لهما- لا كما يدل عليها بكلامه.
    ثم إن كلام الكاتب، يوهم بضرورة اجتماع المحدّثين والصوفية على معلوم واحد؛ وهو غير صحيح البتة؛ لأن أهل الحديث لا نأخذ منهم إلا لفظ الحديث وحده، وأما فهمهم فيه أو عقائدهم التي يكونون عليها، فهو شأن آخر يخصهم؛ بل إن علماء الدين عموما -ومنهم المحدثون- لا يستغنون عن سلوك طريق التزكية على أيدي الصوفية، إن هم أرادوا تحقيق كمال تدينهم بالترقي في الدين. ونعني -بعكس ما يذهب إليه الأستاذ- أن الموفقين من أهل الحديث لم يكونوا أندادا للصوفية، وإنما كانوا تلاميذ!...

    [نقل تاج الدين ابن السبكي في «طبقات الشافعية» عن الحافظ الكبير أبي عبد الله الحاكم قصة الإمام أحمد ابن حنبل مع الشيخ الحارث المحاسبي. قال الحاكم بسنده المتصل إلى إسماعيل بن إسحاق السراج، قال إسماعيل: «قال لي أحمد بن حنبل: بلغني أن الحارث هذا يكثر الكون عندك (يكثر من الحضور في بيتك) فلو أحضرته منزلك وأجلستني من حيث لا يراني فأستمع كلامه. فقصدت الحارث وسألته أن يحضر تلك الليلة وأن يحضر أصحابه. فقال: فيهم كثرة، فلا تزدهم على الكسب (الخبز) والتمر، فأتيت أبا عبد الله (ابن حنبل) فأعلمته فحضر إلى غرفة واجتهد في ورده. وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا. ثم صلوا العتمة (العشاء) ولم يصلوا بعدها. وقعدوا بين يدي الحارث لا ينطقون إلى قريب نصف الليل. ثم ابتدأ رجل منهم فسأل مسألة، فأخذ الحارث في الكلام، وأصحابه يستمعون كأن على رؤوسهم الطير. فمنهم من يبكي، ومنهم من يحن، ومنهم من يزعق وهو في كلامه. فصعدت الغرفة لأتعرف حال أبي عبد الله، فوجدته قد بكى حتى غشي عليه.]:

    الحكاية -إن صحت- بها عِبر ينبغي الوقوف عندها، وتحتوي حكما لا يُستغنى عن إبرازها؛ لأن القارئ غير الخبير، لا يكاد يخرج منها بأمر يقيني يعمل به في تدينه؛ ونحن نبغي تزويد العباد بما يعينهم في طريقهم الخاص. ومما يستخلص ما يلي:
    1. إن الإمام (في الفقه) أحمد بن حنبل رحمه الله، لا يتجاوز علمُه المنشور، مرتبة الإسلام من الدين؛ وأما الحارث المحاسبي فقد كان من علماء المراتب العليا. وتوهُّم ابن حنبل المقدرة على الحكم على المحاسبي، هو ما استمر في الأمة إلى اليوم، من تسويغ حكم الأدنى على الأعلى، الذي لا يصح من الناحية المنهجية في أي علم من العلوم.
    2. طلب الإمام أحمد من صاحب البيت أن يُجلسه حيث لا يراه المحاسبي، لا يجوز شرعا؛ لأنه من التجسس المنهي عنه. وبالنظر إلى مكانة الإمام أحمد الفقهية، فإنه كان يجدر به مجالسة القوم، وإبداء رأيه لهم فيما هم عليه؛ فربما قد يسمع منهم ما ليس عنده. ولكن الفقهاء هذا دأبهم، مع كون الإمام أحمد من مبرزيهم، الذين لا يتطرق الشك إلى أحد فيهم.
    3. اختيار المحاسبي لأن يكون الطعام خبزا وتمرا وحدهما، ينبئ عن فقه يجمع بين عدم تكليف رب البيت ما لا يطيق، وإلزام أصحابه الكفاية وما به البلاغ. وهذا من التحقق بالزهد، في بعض وجوهه.
    4. قعود الضيوف بين يدي المحاسبي إلى منتصف الليل من دون كلام، يدل على أنهم كانوا من أهل المراقبة، التي هي أولى درجتي الإحسان.
    5. كلام المحاسبي لأصحابه، كان عن سؤال؛ لأن القوم لا يشتغلون بالوعظ كما قد يتوهم الناس. وهذا الكلام من التعليم الذي يشمل ما يعرض للسالكين في أثناء سيرهم؛ وهو ما سميناه من قبل فقه السلوك. وقد يخلط الشيخ المربي الكلام في فقه السلوك، بشيء من الكلام في الحقائق، ليشحذ الهمم ويقوي القلوب، على احتمال المشاق في سبيل ما ينتظر الواصل من كرامة. وهذا الصنف من الكلام هو أعلى ما يكون من العلوم الدينية، لتعلقه بالجناب العلي الأقدس.
    6. بكاء الإمام أحمد إلى حد أن يُغشى عليه، يدل على صدقه رضي الله عنه، وعلى صفاء سريرته وإخلاصه في علمه وعمله. فهذا الصنف من الناس عندما يسمع كلام الربانيين، يكاد يموت؛ بل إن منهم من يموت، كما حدث للشاب الذي سأل شيخه أن يرى البسطامي رضي الله عنه، فلما أخذه إليه سقط ميتا من مجرد الرؤية. وهذا كله يدل على علو مكانة أئمة الطريق رضي الله عنهم.

    [فانصرفت إليهم. ولم تزل تلك حالهم حتى أصبحوا وذهبوا. فصعدت إلى أبي عبد الله فقال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل. ومع هذا فلا أرى لك صحبتهم. ثم قام فخرج».]:

    شهادة الإمام أحمد بأنه لم ير مثل أولئك القوم، ولا سمع مثل كلام المحاسبي، شهادة حق من عالم بفقه مرتبة الإسلام، يؤديها بصدق؛ معتبرا من جهة لما وجده من أثر في قلبه من جراء سماع ما سمع؛ ومن جهة أخرى لجهله بمعاني الكلام وخروجه عن إدراكه. وهذا الجهل، هو ما دفعه إلى أن ينصح المضيف بعدم صحبة القوم؛ فإنه لا يريد أن يدل على ما لا يعلم. هذا ما تعطيه مرتبة الإمام أحمد، وهذا ما ينبغي عليه قوله. وكل من يدعي أنه ما كان عليه أن ينهى عن صحبة الصوفية، فهو جاهل بأحكام المراتب، راغب في استصدار شهادة زور من الإمام أحمد. وأما من سيفسرون من الصوفية كلامه على أنه كان على علم خاص يجعله يقول ما يقول، فهو من الانحجاب بحسن الظن؛ وهو أيضا جهل.

    [وفي رواية أخرى أن أحمد قال: «لا أنكر من هذا شيئا». قال ابن السبكي: «قلت: تأمل هذه الحكاية بعين البصيرة واعلم أن أحمد بن حنبل إنما لم ير لهذا الرجل صحبتهم لقصوره عن مقامهم. فإنهم في مقام ضيق لا يسلكه كل أحد، فيخاف على سالكه. وإلا فأحمد قد بكى وشكر الحارث هذا الشكر. ولكل رأي واجتهاد، حشرنا الله معهم أجمعين في زمرة سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم». وأضيف بضراعة المقصرين الراجين عفوه تعالى: اللهم آمين.]:

    عدم إنكار الإمام أحمد لشيء مما سمع صحيح، لأن الإنكار ينبغي أن يكون عن بينة، كالإثبات سواء بسواء. وعدم الإنكار مع عدم الإثبات، هو ما يُسمى التوقف. فهذا ما ينبغي أن يكون عليه أولو العلم، عندما يغيب عنهم الدليل؛ وأما من يسارع إلى إثبات شيء أو إلى إنكاره، من دون أن يكون له سند من الوحي، فلا يمكن أن يُنسب إلى العلم، بل إلى الهوى. وأما كلام السبكي فليس صحيحا؛ لأن نهي الإمام أحمد لم يكن عن علم بما يسمع من جهة الدليل الفقهي المعلوم له؛ وإلا فإنه سيكون كاتما للعلم، حاكما بغير ما يعلم؛ وهو ما لا يليق بأمثاله رضي الله عنه. ولقد غلب على السبكي في حكمه على صاحب البيت عند نسبة القصور إليه، تعظيم أئمة الفقه -الذين منهم الإمام أحمد- تعظيما مطلقا لا يستند إلى العلم؛ بل هو مما يُشرَّبُه الناس منذ طفولتهم. والتعظيم عندما يسبق إلى القلب، فإنه يحجب عن النظر إلى حقيقة حال الرجال، بالمعايير العلمية المجردة. ولو كان الرجل قاصرا كما يقول السبكي، ما كان ليصحب المحاسبي ويدعوه مرارا إلى بيته، حتى يعلم بعد ذلك الإمام أحمد به. وهذا يعني أن السبكي راعى مقام الإمام أحمد، ولم يراع مرتبة المحاسبي؛ بسبب شيوع الإنكار على الصوفية في الأمة، بأكثر مما يكون على أئمة الفقه. وهذا أيضا، يحدث بسبب غلبة منطق العوام، على منطق الخواص؛ وإن أثر هذه الغلبة يبلغ في مداه، حتى إلى آراء العلماء من أمثال السبكي، من دون أن يشعروا. ولقد استمر هذا الكلام غير الدقيق بين العلماء في الأمة، من القرون الأولى إلى أيامنا هذه؛ وهو وإن كان يحفظ حرمة أئمة الفقه بإبراز مكانتهم للعامة حتى يتبعوهم في العمل بالشريعة كما هو مأمول، فإنه قد طمس معالم مراتب الدين، حتى ما عاد أحد يفرق بين فقه مرتبة الإسلام، وفقه المراتب الأخرى. ولهذا السبب، نجد المسلمين يقطعون بعلو درجة الأئمة الأربعة في الولاية على كل ولي من أولياء الأمة، من دون أن يترددوا؛ خصوصا عندما يكون الولي تابعا في الفقه لأحد الأربعة، كما كان في ظاهر الأمر الشيخ عبد القادر الجيلاني حنبليا، والإمام الرفاعي شافعيا، وأبو الحسن الشاذلي مالكيا. وهذا الظن غير صحيح البتة!... وهذه المسألة، لَهِي مما ينبغي تصحيحه في زماننا، إن كنا نريد العودة بالأمة إلى أصل الدين، كما عرفه الصحابة رضي الله عنهم.

    [ماذا ذهب شيخ المحدثين يفعل عند البكائين؟ وهل يغشى عليه من وعظهم لو لم يكن أبكى منهم وأخشع؟ له ورده يجتهد فيه كما لهم أوراد. ويزيد عليهم بخدمة العلم.]:

    هذا ليس صحيحا بالضرورة!... وإنما هو تسرع في الحكم، ومجاوزة للمعايير. ولقد وقع الكاتب، فيما وقع فيه السبكي ذاته؛ بل لعل كلام السبكي وأضرابه، هو ما جعل الكاتب يسلّم لأئمة الفقه بالسبق في كل العلوم، عند تأثره به!... وقد قلنا إنه غير صحيح. وهذا كله من باب معرفة الحق بالرجال الذي مررنا به في فقرة سابقة، والذي ليس خليقا بالعلماء (بالمعنى اللغوي).

    [إن أهل الحديث رضي الله عنهم هم أهل الإحسان بالمعاني المتعددة للكلمة: إحسان في العبادة، وإتقان لصناعتهم الجليلة، وإحسان للخلق كافة بما حفظوا عليهم من هذا الدين. صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة خدمة واتباع ومحبة. خدموه بأبدانهم يرحلون الرحلات الشاقة البعيدة لسماع حديث أو تحقيق كلمة. وخدموه بعقولهم في تصحيح إسناد ونقد رجال وإثبات تاريخ وتقويم متن. وخدموه بقلوبهم غيرة على حديث خير البرية أن يزور أو يحرف. لا جرم يعم فضلهم الأمة ويوصي ابن حنبل صاحب الدار، ولعله كان تلميذا له، أن يترك حلق الذكر الخاصة الخاص نفعها ليتفرغ للعلم الذي يعم نفعه كل طائفة وكل مكان وكل جيل.]:

    إن كل ما يذكره الكاتب من فضائل أهل الحديث، هو مما لا يُنكر بل يُشكر؛ لكنه لا يخرج بهم عن مرتبة الإسلام، إلا بقرينة. وإن كان الكاتب من ذكره لإحسانهم (بالمعنى اللغوي) يريد أن يجعل لهم قدما في مرتبة الإحسان، فهو واهم. وقولنا عنهم إنهم لا يخرجون عن مرتبة الإسلام، لا يعني أنهم مساوون لكل مسلم من العوام في الدرجة، كما يخشى أن يفهم من لا علم له؛ لأنهم أئمة في مرتبة الإسلام لا من آحاد أفرادها. والإمام من كل مرتبة، لا يستوي هو ومن يكون من أتباعه فيها، أو من أتباع أحد أقرانه. كل هذا من مقتضيات العلم بالمراتب، الذي أصبح مجهولا عند الخاص والعام.
    وأما ما ذكره الكاتب، من تفسيره لما نصح به الإمام صاحب البيت، فلا يصح؛ لأن مجلس المحاسبي، لم يكن مجلس ذكر وحده؛ بل كان مجلس علم أعلى مما كان لدى الإمام أحمد؛ يدل على هذا، جواب المحاسبي لمن سأله من تلامذته. وبالتالي، فإن هذا العلم، أعلى مما يعقل الكاتب نفسه؛ وإلا لَكان تبيّن ما نذكره نحن هنا. وحتى لو كان المجلس مجلس ذكر، فإنه يفضل مجلس العلم الذي يتعلق به فقه الفقهاء بما لا يقارن؛ إلا فيما يعود إلى إثبات الأحكام عند الضرورة؛ لأن الأعمال عند الضرورات، هو ما يسميه العلماء واجب الوقت؛ وواجب الوقت أولى من غيره من الأعمال، وإن كان العمل الآخر أعلى منه في الاعتبار العام المجرد. نقول كل هذا، مع إصرارنا على التفريق بين الذكر صورة والذكر من حيث المعنى؛ لأن هذا التفريق من مقتضيات العلم بالمراتب. وقول الكاتب، بأن ما يعم نفعه كعلمي الفقه والحديث أولى بالاعتبار مما خص كعلم المحاسبي، لا يصح أيضا؛ لكون علم السلوك مما يعم نفعه، بسبب كون الخطاب بالتزكية متوجها من الشارع إلى كل مسلم. وعلم الفقه المعلوم -مع العلوم المجاورة له كالحديث والتفسير- لا يجزئ في مجال التزكية؛ بل قد يكون مانعا عنها. وهذا نعلمه نحن من ذوقنا للسلوك، وليس منا تحكما كما قد يبدو؛ ويبقى علم الحقائق بعد ذلك، خاصا بأعلى طبقة من أهل الدين. فهذا هو ما لا يجوز بثه للعموم وحده، من كونه فوق إدراكهم، لا من كونه لا ينفعهم. ومن خوطب بما لا يدرك، انقلب عليه الخطاب فتنة، إلا إن صحبه التسليم؛ وهو قليل. ومن أخص أسباب ذهاب التسليم، حكم الفقهاء المقلدين (بعكس الأئمة) على ما لا يعلمون بعدم الصحة. فهم أئمة الإنكار في الأمة، وأئمة سوء الظن، بجدارة واستحقاق.

    [ما كل من حمل الحديث بمنزلة الإمام أحمد ولا كل من تسمى صوفيا بمعزل عن اللوم.]:

    الشطر الأول من الكلام صحيح، وإن كان لا يعم؛ لأن من أهل الحديث من يفضل الإمام أحمد في صنعة الحديث نفسها؛ ومن أعيان الفقهاء من يفضل الأئمة الأربعة، كالليث بن سعد وابن أبي ذئب رحمهما الله. والليث هو من قال فيه الشافعي: [اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ][2]؛ وأما ابن أبي ذئب فقال فيه أحمد: [ابن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك! وابن أبي ذئب أصلح في دينه وأورع ورعاً، وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين. وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر، فلم يهبه أن قال له الحق. قال: "الظلم فاشٍ ببابك!"؛ وأبو جعفر، أبو جعفر! (يقصد في ظلمه وبطشه حتى إنه قتل عمه)][3]. أما الشطر الثاني، فإن الكاتب يريد منه التأسيس للنظر المعكوس، الذي يجعل علماء مرتبة الإسلام أعلى من علماء مرتبتي الإيمان والإحسان؛ وبالتالي يجعل علم الفقه والحديث والتفسير، أعلى من علمي السلوك والحقائق. وهذا انقلاب في النظر، لا يكون عليه إلا المخذولون من الناس؛ وخلط لا يليق إلا بالعوام. ولعل الكاتب يريد -كما أشرنا إلى ذلك سابقا- تأليف حنابلة العصر، الذين ليس لهم عن ورع الإمام أحمد وتقواه خبر. يؤكد هذا، ما يهيئ له الشطر الثاني من طعن فيمن قد يراهم الكاتب من الصوفية الذين ليسوا بمعزل عن اللوم (هكذا بالتعميم الذي يعطيه الإبهام)، ليجعل منهم قربانا إلى المتسلفة، لعلهم يلتفتون إلى دعوته... وهذا لا يصح منه، إلا إن ذكر الصوفي الملوم، ومناط اللوم لديه؛ لنعلم حجته في ذلك ومكانتها من الوحي، بالدليل والبرهان. وليته يأتي في الفصول القادمة بما يراه سندا له في مقولته هذه، حتى نمحصها بإذن الله. فنحن لسنا مع أحد من الصوفية، ولا ضد أحد من الفقهاء، كما قد يُفهم؛ بل نحن مع العلم نرفع به من يرفعه، ونضع به من يضعه. هذا -على الأقل- مذهبنا الذي عليه عزمنا؛ ونعوذ بالله من أن نتبع الهوى أو أن ندل عليه!...

    [أمثال أحمد الذين تشربوا حب المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وإكبار أمره وأفنوا أعمارهم في خدمته قليل. هم أئمة الهدى. يقول الإمام الشافعي متحدثا عن الجناب الشريف: «فصلى الله على نبينا كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون. وصلى عليه في الأولين والآخرين، أفضل وأكثر وأزكى ما صلى على أحد من خلقه، وزكانا وإياكم بالصلاة عليه أفضل ما زكى أحدا من أمته بصلاته عليه. والسلام عليه ورحمته وبركاته. وجزاه الله عنا أفضل ما جزى مرسلا عن من أرسل إليه. فإنه أنقذنا من الهلكة، وجعلنا في خير أمة أخرجت للناس، دائنين بدينه الذي ارتضى، واصطفى به ملائكته ومن أنعم عليه من خلقه. فلم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت، نلنا بها حظا في دين ودنيا، أو دفع بها عنا مكروه فيهما أو في واحد منهما، إلا ومحمد صلى الله عليه وسلم سببها، القائد إلى خيرها، والهادي إلى رشدها».]:
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري Empty رد: كتاب: إحسان الإحسان - 6 - عبد الغني العمري

    مُساهمة من طرف Admin 23/10/2020, 21:30

    هذا كلام جيد، يليق بدرجة قائله؛ ولكنه ليس منتهى العلم في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي ما تكلم أهل الله الذين هم أعلى مرتبة من الشافعي، إلا ببعضه. ولو جاء الكاتب بنقول -مع أنه كان قد وعد بعدم الإتيان بالنقول مكتفيا بالقرآن والسنة وحدهما- عن الرجال فيما نذكر، لطاش كل ما نقله عن الشافعي به، على حسنه!... ولكنه مصرّ على أن يتنكر للأعلَيْن، مهما ثبت لهم من فضل وسَبْق في كل أصناف العلوم. وهذا الفعل منه، يجعله ميالا إلى علم الظاهر، على حساب علم الباطن. ولا بد أن يكون لهذا أثر على كل علمه ومواقفه، من جهة التربية الشرعية، ومن جهة الفقه السياسي، من غير شك. وهو ما سنتبيّنه -إن شاء الله- من كلامه اللاحق.

    [كان حب الله ورسوله رابطة جامعة بين كل طوائف السلف الصالح. وكانت نسبة الإيمان واصلة، ونسبة الإحسان سارية يشيم ومضها بعضهم من بعض ويشتم عبيرها بعضهم من بعض.]:

    هذا الكلام صحيح؛ وهو يصدق حقيقة على القرون الثلاثة الأولى. وقد كان التكامل في العلم وفي العمل وقتئذ، بين أهل المراتب الثلاث من الدين، أمرا جاريا لا يستنكره أحد. وقد كان الأعلى يأخذ بيد الأدنى، والأدنى يسلّم للأعلى؛ لغلبة حسن الظن على الناس ولبقاء نور النبوة ظاهرا بينهم. والحكم هنا للغلبة، ما دام لا يخلو زمان من جهلة وأشرار، يكونون مظاهر جلالية. ولكن محبة الله ورسوله التي هي الرابطة الجامعة -كما يقول الكاتب- لم تكن من أهل المراتب جميعا، على درجة واحدة؛ لأن المحبة تكون على قدر المعرفة، ومعرفة أهل الإسلام لا يمكن أن تداني معرفة العارفين من الواصلين أبدا. فما كان ينبغي على الكاتب التأسيس لهذا التعميم المخل، الذي انجرت عنه في قرون الغفلة آفات ما زالت عاملة بالهدم في الأمة إلى الآن. ولا يخفى أن من كان يبغي التجديد في الدين، فعليه تنحية الشوائب والبدع من الناحية العلمية، قبل الدلالة على ما يقابلها من السنة العملية؛ وإن كانت السنة عند التخصيص، هي ما يهدم البدعة عند ظهورها وحده. لكن مراد صاحبنا، باعتماده لهذا التعميم، ليس إلا أن يعمل على ما عليه المقلدة من أهل العلوم الدينية، لتصير الأمة كلها -بحسبهم- في مرتبة إسلام، يُعجن فيها الإسلام (الدين) عجنا؛ بحيث لا يعود لمعنى المراتب وجود، بله أن يُعرف الإمام في الدين مع ذلك، من العامي الجحود...

    [لما امتحن الإمام أحمد في مسألة خلق القرآن وأعلن المأمون ومن بعده المعتصم تحيزهما لجانب الفكر الدخيل خنس كثير من الفقهاء والقراء، وتمالأ على الإمام قضاة القصر وبغاته، وبقي هو رضي الله عنه صامدا كالجبل ينافح عن صفاء العقيدة وحرمة القرآن.]:

    مسألة القول بـ"خلق القرآن"، ليست من العلم الذي ينبغي الاعتناء به؛ لأنها من البدع التي نشأت مع علم الكلام، الذي ليس له من العلم إلا الاسم. وإنّ تمسُّك الإمام أحمد بالقول بعدم خلق القرآن، كان من تسخير الله له، من أجل الحفاظ على عقائد العوام الذين أُقحموا فيما لا مدخل لهم فيه، رحمة بهم وعناية. وأما علم الإمام أحمد في هذه المسألة، فلا يُعتد به؛ لأنها فوق طوره. لذلك، فإشادة الكاتب بالإمام من هذا الوجه، هي في غير محلها، وهي دليل أيضا على عدم إلمام الكاتب نفسه بها.

    [في تلك الأثناء كتب إليه الشافعي رسالة تشجيع وتضامن. قال الربيع بن سليمان صاحب الإمام الشافعي: «فدخلت بغداد ومعي الكتاب. فصادفت أحمد بن حنبل في صلاة الصبح. فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر. فقال لي أحمد: نظرت فيه؟ فقلت: لا، فكسر الختم وقرأ، وتغرغرت عيناه.]:

    سؤال الإمام أحمد للربيع بن سليمان عن نظره في الكتاب، هو من فعل الفقهاء؛ لشدة نظرهم في أفعال الناس وتبيين أحكامها. وهو لا يجوز، لأنه اتهام للشافعي من جهة، وكأنه لا يُحسن اختيار رسوله؛ ومن جهة أخرى هو اتهام للرجل، من دون ظهور قرينة تدعو إلى السؤال. والسؤال في النهاية يدخل في فرع من فروع قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، ويدخل أيضا في فرع من فروع قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]. لا نقول هذا من أجل التقليل من قدر الإمام أحمد، وهو من ثبتت مرتبته من قبل أن نلج نحن عالم الدنيا بقرون؛ ولكن نريد من هذا، أن ننبه إلى أن العلم لا نهاية له، وأن الأحكام الشرعية تلطُف كلما علت مرتبة الفقيه.

    [فقلت له إيش فيه أبا عبد الله؟ فقال: يذكر فيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله فاقرأ عليه السلام، وقل له: إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم، فيرفع الله لك علما إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت له: البشارة يا أبا عبد الله. فخلع أحد قميصيه الذي يلي جلده فأعطانيه. فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر. وسلمته إلى الشافعي. فقال: إيش الذي أعطاك؟ فقلت: قميصه. فقال الشافعي: ليس نفجعك به. ولكن بله وارفع إلي الماء لأتبرك به».]:

    رؤيا الشافعي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، تؤكد ما ذكرنا من عناية الله بعباده المسلمين، وإرادة تجنيبهم فتنة أدخلهم فيها أهل الكلام لمـّا ابتدعوا؛ وليست تدل على أن رأي الإمام أحمد هو القول الفصل فيها. نقول هذا نحن، من علمنا بالمسألة من جهة علم الحقائق. ورؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن صحت لصاحبها، لا ينبغي تجاوز النظر فيها لمرتبة من رآها ومن رُئِيت له؛ لمن كان يريد علم ما فيها على الحقيقة. ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكيم، يخاطب كل واحد بما يفقه وبما يناسب مقامه. وهذا يعني أن الإمام أحمد والشافعي وغيرهما من الأئمة المعتبرين، لم يكونوا من العلم في أعلاه، حتى يتطرق إلى القارئ أنهم أخص أولياء الله من هذه الأمة؛ وإن ثبتت لهم كرامات تدل على صدقهم. بل إن انحجاب أئمة الفقه عن علمي السلوك والحقائق، هو ما جعلهم يتفرغون لعلم الفقه ويستخرجون مكنوناته. فحجابهم رحمة بالناس وإقامة لقواعد الدين، وإن كان نقصا في حقهم من الجهة الفردية. فهو يشبه حجب الله لموسى عليه السلام، عن العلم الذي كان عليه الخضر. وهذا كله داخل في معنى الحكمة الإلهية، التي تقتضي أن لا يُطلع عالم على علم إلا لحكمة خاصة، ولا يُحجب عنه محجوب إلا لحكمة في مقابلها. وحكمة الله أوسع من أن تشمل شطرا من الخلق، وتغيب عن الشطر الآخر؛ تعالى الله!... وهذا بغض النظر عن حكم الشرع فيما يتعلق به العلم وما يتعلق به الحجاب؛ وهو أوسع من أن يُدركه صاحب المنطق العقلي العام. كل هذا، مع التأكيد على أن أئمة الفقه في فقههم -رضي الله عنهم- كانوا موفقين مسدَّدين، لا كما هم الفقهاء من المقلدة. فليُعتبر هذا وليحسب لهم حيث ذكروا...

    [من لا تتسع حويصلته أن يسمع عن أئمة الدين كيف كانوا يتكاتبون بالرؤى الصادقة وكيف كانوا يعتزون بصلتهم القلبية بالمخدوم الأعظم صلى الله عليه وسلم، وكيف كانوا يتبركون بآثار النبي الطاهر وبآثار بعضهم فليبحث عن تاريخ مفلسف منقح مادي «غير غيبي» في تاريخ غير تاريخ المسلمين الموثق بالأسانيد المتصلة.]:

    أولا ينبغي أن نعلم أن أئمة الفقه هم أئمة للدين، من باب التوسع فحسب؛ وإلا فهم أئمة مرتبة الإسلام لا الدين. من لا يميّز هذا، فإنه سيبقى على خلطه الذي لن يمكنه من الفهم عنا. وعلى العموم، فتنبيه الكاتب في محله لأهل زماننا، الذين صاروا يعدون مثل ما ذُكر من الخرافات، بسبب دخول المادية على عقولهم. وهذا الانحراف الحاصل لدى من يزعمون العقلانية، ليس في الحقيقة إلا تسننا بسنن أهل الكفر، نحذّر منه كلما واتت الفرصة جميع المسلمين.

    [كان الشافعي رضي الله عنه صاحب قلب ونورانية وفراسة عرف بها أولياء الله وخواصه، سواء منهم من حمل اسم صوفي أو فقيه أو محدث، لا يغير مظهر اللقب من جوهر الملقب.]:

    هذا الاستنتاج فيه تكلف، لأن الشافعي لم يعرف ولاية الإمام أحمد بفراسته، كما يزعم الكاتب؛ وإنما أُمر بإبلاغ رسالة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المعني فحسب. ولكن صاحبنا يبغي استخلاص قاعدة مصطنعة، يحتاج إلى البناء عليها فيما سيأتي من بسط دعوته؛ وهي: استواء الصوفي بالفقيه والمحدث. وهذا تدليس يقيس فيه مع وجود الفارق، لكون العلوم التي يشتغل بها هؤلاء كلهم، لا يُنظر إليها من وجه واحد. فالمحدث الذي يتحرى اللفظ، لا يمكن مقارنته بالفقيه الذي يتبع العلة؛ وهذان لا يمكن مقارنتهما بمن يكون حظه روح العلم. ولسنا نعني بروح العلم إلا إدراك معلوم كل علم بحسبه؛ وأعلى هذا الصنف ما يكون معلومه الله. فشتان ما بين هذه المراتب كلها!...

    [روى نفس الصاحب الربيع بن سليمان قال: «دخلنا على الشافعي رضي الله عنه عند وفاته أنا والبوطي والمزني ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم. قال: فنظر إلينا الشافعي ساعة فأطال. ثم التفت إلينا فقال: أما أنت يا أبا يعقوب فستموت في حديدك، وأما أنت يا مزني فسيكون لك بمصر هيآت وهنات، ولتدركن زمانا تكون أقيس أهل ذلك الزمان. وأما أنت يا محمد فسترجع إلى مذهب أبيك. وأما أنت يا ربيع فأنت أنفعهم لي في نشر الكتب. قم يا أبا يعقوب فتسلم الحلقة (أي حلقة التعليم التي كان يجلس فيها الشافعي). قال الربيع: فكان كما قال».]:

    أما هذا، فهو من كشف الشافعي المحقق. والكشف تعليم من الله لمن يشاء من عباده، وهو يكون مشروطا بطهارة الباطن. وقد يقع لأهل مرتبة الإسلام إن كانوا في صحبة ولي من الأولياء، فيكون حالهم مع صفاء بواطنهم وحسن اعتقادهم في إمامهم، كحال الهوائي الملتقط لإشارات الإذاعة، التي هي هنا قلب الولي المصحوب. وقد يكون الكشف أيضا لأهل مرتبة الإيمان، عندما يعملون بمقتضاها؛ وهي أحق المراتب بعلم الكشف، من كونه علما قلبيا يحصل بالتزكية. وأغلب كشف هذه المرتبة علمي، ينالون به دقائق فقه القلوب وما يتصل بها من أدواء وأدوية. ويصحب الكشف السالكين بعد ذلك في كل المراتب الأخرى، بحسب كل خصوصية وكل مرتبة. ولقد كان كشف الشافعي ههنا من غير الصنف العلمي، بل من الكشف القدري، الذي يُطلع فيه الله عباده على ما يشاء من قضائه في عباده، مما هو خاص، كالذي ورد هنا؛ ومما هو عام، كالذي يتعلق بالأزمنة وما يحدث فيها من أحداث يعم أثرها البلاد والعباد. وكشْف الشافعي -رضي الله عنه- يدل على كونه من الأولياء بالمعنى الخاص؛ ويؤكد هذا ما ذكر الشيخ الشعراني رضي الله عنه، عنه في كتابه "لواقح الأنوار القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية" عندما قال: [وقد كان الشافعي رضي الله عنه من الأربعة الأوتاد، وكان قيامه بعلم الشرع حجبه عن أهل زمانه، وروينا عن بعض الصالحين([4]) أنه لقي الخضر فقال له: ما تقول في الشافعي؟ قال: هو من الأوتاد. قال ما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: رجل صدّيق. قال: ما تقول في بشر الحافي؟ قال: ما نزل بعده مثله. فهذه شهادة الخضر في الشافعي رضي الله عنه.]. وقد يُستشكل هذا الكلام مع ما ذكرناه آنفا من انحجاب أئمة الفقه عن علوم الحقائق، فنقول:
    1. الوتدية، مرتبة غيبية من مراتب الولاية ذات العدد، التي يوجد عدد مخصوص منها في كل زمن. والأوتاد أربعة، لا يزيدون ولا ينقصون، بحسب الجهات الأربعة المعلومة. والواحد منهم على ربع علم قطب زمانه. فقد يكون الشافعي أحد هؤلاء الأربعة في زمانه من جهة غيبه، لا من جهة شهادته وفقهه؛ وهذا أمر لا غرابة فيه. فقد كان من هؤلاء من هو أمي يحترف الحرف التي تكون للعوام كالبناء والحدادة والنجارة والتجارة والفلاحة وغير ذلك... ولا يقدح هذا في ولايتهم شيئا، لأنها من جهة غيبهم وحده. وحتى ما يظهر من كرامات على ظاهر الأولياء، لا يكون إلا استثناء؛ يدل على خصوصيتهم، ولا ينبئ عن حقيقتهم. وإلا اختلط الغيب بالشهادة، وهذا لا يكون أبدا!...
    2. لقد وقع عندي أنه أحد الأوتاد الأربعة، الذين ثبت الله بهم الشريعة، والذين هم الأئمة المعلومون؛ فهذه ولاية خاصة من ولاية عامة، وقد يكون الله جمع له بين الولايتين؛ رضي الله عنه وعن جميع أولياء الله. غير أن إشارتنا بعلم الحقائق حيث كانت، نخص بها كبار أئمة الطريق، والأئمة في الولاية؛ فليُعتبر هذا... لذلك فما زلنا على قولنا في مخالفة عبد السلام ياسين فيما يذهب إليه...

    [كانت لوائح الولاية لائحة على الإمام البخاري. كانت له كرامات ودعوات مستجابات. وما له لا يكون من أصحاب الاستجابة والتجلي وهو السابق بالخيرات المجلي، والرب كريم، نواله عظيم. كان رضي الله عنه قواما صواما تاليا لكتاب الله معظما لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبا له خادما. روى عنه صاحبه الفربري أنه كان لا يكتب في صحيحه حديثا إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين. وكذلك كان الإمام مالك رضي الله عنه من قبله، لا يجلس للحديث إلا بعد أن يغتسل ويتطيب. ولا يركب دابة في المدينة على كبر سنه، ويقول: «لا أركب في بلد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه مدفون». بذلك نالوا عند الله جل وعلا الدرجات.]:

    ما زال الكلام متعلقا بالظاهر، وإن كان الأثر على البواطن لا يُنكر...

    [قال محمد بن أبي حاتم: سمعت أبا عبد الله (البخاري) يقول: «ما ينبغي للمسلم أن يكون بحالة إذا دعا لم يستجب له». قال: «وسمعته يقول: خرجت إلى آدم بن إياس، فتخلفت عني نفقتي، حتى جعلت أتناول الحشيش ولا أخبر بذلك أحدا. فلما كان اليوم الثالث أتاني آت لم أعرفه، فناولني صرة دنانير وقال: أنفق على نفسك».]:

    العبارة الأولى للبخاري رحمه الله، لا تفيد علما؛ لأن إجابة الدعاء المعلومة تكون دليل خصوصية، والمسلمون ليسوا كلهم عليها، وإن أجيب بعض دعائهم؛ ولكنها تفيد أن البخاري كان ورعا متقيا طاهر الباطن، فهو كان -رحمه الله- يخبر عن حاله، عندما تكلم عن المسلم؛ وهو تواضع منه وهضم للنفس. وأما القول الثاني، فهو يدل على إقباله على عبادة ربه بإخلاص. ومن يكون هكذا، قد يأتيه المدد الحسي من الغيب. رضي الله عنه وعن أمثاله.

    [كأني بقائل من العقلانيين يستلقي على قفاه ضحكا وسخرية من «الخرافات» التي تمتلئ بها كتب المسلمين. إن من لا يؤمن بمعجزات الأنبياء وكرامة الله عز وجل لأوليائه عن طريق الأسباب أو بخرق العادة لمدخول العقيدة. ولنا عودة للموضوع إن شاء الله. وطائفة يقرأون مثل خبر الدنانير الآتية من الغيب فينصرفون عن عبادة الله المجردة القصد، ويتركون السعي الذي شرعه الله لكسب الرزق، ويعيشون في وهم سابح. هذه الذهنية هي الخرافية بعينها، وهي الخطر المحدق. وقد عاشت طوائف من المسلمين بهذه الذهنية ولا تزال. والناقدون الساخرون من الديـن و«الغيبية» لا يستطيعون أن يميزوا بين الشعوذة والسحر والأحلام وبين الكرامة التي يظهرها المولى عز وجل على يد أفراد كالبخاري وعلى يد جماعات مجاهدة كالصحابة رضي الله عنهم وكالمجاهدين في أفغانستان في زماننا. كان البخاري رحمه الله يقوم في الليل أكثر من عشر مرات ليدون حديثا أو فائدة، لا يترك له الاهتمام بالعلم نوما. والصحابة رضي الله عنهم ومجاهدو أفغانستان لا يألون جهدا في إعداد القوة كما أمر الله، يبارك الله العلي القدير تلك الوسائل على ضآلتها فتأتي بنتائج لا تخطر على البال.]:

    كلام جيد من الكاتب، يستحق الوقوف عنده؛ وتحذيره من الخرافية التي يقع فيها المتصوفة في محله. فما كل من صدّق بالكرامات يكون تصديقه عن إيمان بالله، ولا كل من ظهرت عليه خوارق العادات يكون ذلك كرامة له. فقد ثبت أن حزب الشيطان يظهر عليهم ما يشبه ذلك، وتكون لهم علوم يُختصون بها من دون الناس؛ فمن اكتفى بالمظاهر، اختلط عليه أمر المرضيين بالأشقياء. لهذا ينبغي أن يأتم العبد بالعلم، وأن يزن الأمور بميزان الشرع؛ حتى يأمن التلبيس واتباع إبليس.

    [كان إمام المحدثين البخاري عبقا بعطر الصلاح حيا وميتا. مرض واشتد به المرض فدعا الله ربه قائلا بعد أن فرغ من صلاة الليـل: «اللهم قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك». قال الراوي: «فما تم الشهر حتى قبضه الله عز وجل». فلما حضرته الوفاة دعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله. قال الراوي: «فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية (الغالية نوع من الطيب الفاخر). فدام على ذلك أياما. ثم علت سوار بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون (أي يأتون الجماعة بعد الأخرى) ويتعجبون».]:

    رحم الله البخاري وجزاه عن الأمة خيرا...

    [تسمع أخي المؤمن في زماننا هذا أخبارا مستفيضة عن شهداء أفغانستان وما يفوح من أجسادهم المطهرة من عطر، وما يظهر في سمائهم من علامات، فليزدك هذا الخبر عن رجل صالح من القرون الفاضلة يقينا أن ولاية الله لا تنال بالقعود والتأمل، وإنما تنال بالجهاد والمجاهدة فيما يطهر القلب وينفع الناس في الأرض.]:

    كلام لا بأس به، وإن كانت تُشتم منه رائحة التأسيس للعمل الحركي. ثم إن ظهور الكرامات على الشهداء أمر خاص بمرتبة الشهادة، ولا يعني أنهم كانوا على ولاية خاصة. فهذا الخلط في الأحكام، بسبب تشابه الصورة في الظاهر، لا ينفع فيما نحن بصدده، من تبيّن الإحسان -على الأقل- بحسب ما يشي به عنوان الكتاب؛ بل يضر. ويجعل القارئ يجهل مرتبة الولاية الخاصة من جهة العلم؛ نعني العلم اللازم لها، لا مجرد العلم بها من حيث هي مرتبة.

    [كان من أهل الحديث من يبحث عن دليل يسلك به إلى الله، يتخذه شيخا مربيا يلزمه، بعد أن رقت الكثافة الإيمانية الإحسانية التي كانت شائعة سارية في الجو في مجتمع القرون الفاضلة. في تلك القرون كانت الصحبة والاقتباس الروحي عملية فطرية، يجذب القلب الكبير القلوب الظمأى إليه في يسر وصداقة ورحمة. كانت الوشيجة الرابطة بين المحدثين حبهم المشترك لله ورسوله وبحثهم المشترك عن العلم. كان الشافعي يقول لابن حنبل رضي الله عنهما: «أنت أعلم بالحديث مني، فإذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه، شاميا كان أو كوفيا أو بصريا».]:

    كلام صحيح، لا غبار عليه. وقد ذكرنا الفرق في هذا بين القرون الثلاثة الأولى وما عليه المتأخرون، في فقرة ماضية. وإنّ تتلمُذ علماء الدين للصوفية كان أمرا شائعا فيما بعد القرون الثلاثة، ولم يتحول الموقف منهم إلى الإنكار إلا مع المتأخرين الذين لا نور لهم في علمهم. ومن أسباب هذا الانتكاس، دخول المناهج الكفرية "العلمية" على العلوم الشرعية وأهلها؛ مما جعل الظلمة تتسرب إلى بواطنهم، فتحجبهم بالتالي عن النور وأهله في زمانهم. وهذه مصيبة قد نزلت بعلماء الدين، ما فوقها من مصيبة، لو كانوا يشعرون.

    [كان بين عبد الله بن المبارك وبين الفضيل بن عياض صداقة وأخوة في الله. فضيل يعده الصوفية منهم، وابن المبارك من مشايخ مشايخ البخاري. قال ابن تيمية شيخ الإسلام: «قال سيد المسلمين في وقته الفضيل بن عياض في قوله تعالى: ﴿ليبلوكم أيكم أحسن عملا﴾. قال: أخلصه وأصوبه. قيل له: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل. وإن كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة».]:

    لا يهنأ الكاتب إلا إن جاء بكلام لشيخ إسلامهم ابن تيمية. وما أدرى ابن تيمية أن الفضيل كان سيد المسلمين في وقته؟... إلا إن كان يعلم -وأنى له- أنه سيد مرتبة الإسلام لا الإسلام!... وأما كلام الفضيل في الآية، وإن كان صحيحا، فهو على طريقة الفقهاء من مرتبة الإسلام؛ ولولا ذلك ما التقطه "رادار" ابن تيمية المنكوس.

    [شهد ابن المبارك في أخيه الفضيل قال: «ما بقي على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض». وقال الفضيل: «ورب هذا البيت، ما رأت عيناي مثل ابن المبارك». كان ابن المبارك محدثا عالما فارسا عابدا كريما كثير النفقة في سبيل الله، يحج عاما ويغزو عاما. وكان شاعرا. كان أمة وحده. وكان الفضيل زاهدا ذاكرا ورعا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر. كانا نموذجين متكاملين لأهل الخير. ولم تمنع أخوتهما الصادقة وإكبار كل منهما لصاحبه من المصارحة والمناصحة. كتب ابن المبارك إلى أخيه الفضيل هذه الرسالة الشعرية التي تستحق أن نطرق بها في زماننا باب كل ناسك منزو في خلوته، وأن نسمعها كل عالم يخشى الله ويشركه في الخشية الناس فينكص عن ميادين الجهاد مكتفيا بأوراده يتمتمها.]:

    الفضيل وابن المبارك، من عوام الطريق؛ فهما كانا من أقطاب مرتبة الإيمان. وقد كان تصوفهما في زمانهما شائعا، لكثرة عدد طارقي مرتبة الإيمان؛ ولكنهما ليسا إمامين يُرجع إليهما فيما يهم الدين بأكمله. ولقد بدأ مراد الكاتب من "إحسانه"، يظهر من خلف الألفاظ. فها هو قد شرع في التنقيص من المتمتمين بالأوراد ليدل على العمل الجهادي، الذي لا شك هو مخالف فيه لما كان عليه الفضيل وابن المبارك رضي الله عنهما؛ بل ومخالف للسنة. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى؛ قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»[5]. فهذا الحديث وأمثاله، يسير بعكس منطق الكاتب، عندما يجعل الجهاد (العمل الحركي على الأصح) أفضل الأعمال. ومع ذلك، فإننا نقول: إن الجهاد الشرعي في وقته، يكون واجب وقته؛ لأن الذكر المنصوص عليه في الحديث، لا بد أن يجعل العبد مراعيا لواجبات الأوقات. ولسنا نعني بالذكر هنا، إلا من يكون فيه من المكثرين؛ فإنا قد رأينا أن الذكر (المأذون) من أشق الأعمال على النفوس. فالتمتمة، لا ينبغي احتقارها إلا إن كانت من متظاهر منافق، لا يريد إلا أن يراه الناس ذاكرا؛ وإلا فإن هذا اللفظ يدل على احتقار ما عظم الله ورسوله. وكفى بهذا انطماسا وانتكاسا.

    [قال الفارس العالم:

    «يا عابد الحرمين لو أبصــــرتنا *** لعلمت أنك في العبــادة تلعـب
    من كان يخضب خده بدموعه *** فنحورنا بدمـائنـا تتخـضــــــــــب
    أو كان يتعب خيله في باطـــل *** فخيولنا يوم الكريهـة تتعــــــــــب
    ريح العبير لكم ونحن عبيـــرنا *** رهج السنابك والغبـار الأطيــب
    ولقد أتــانا عن مقـال نبيـــــــــــنا *** قول صحيـح صـادق لا يكـذب
    لا يستوي وغبـار خيـل الله في *** أنف امرئ دخـان نار تلهــــــــب
    هذا كتــاب الله ينطــق بينـــــــــنا *** ليس الشهيد بميت لا يكــــذب»]


    الكلام هنا عن الجهاد في سبيل الله، مع خليفة المسلمين وبأمره؛ وقد كان ينبغي على الكاتب تبيين هذا ليعلم القارئ حكم الجهاد الشرعي، وحتى لا يتخذ الجاهلون من هذا التوجيه حضا على مقاتلة المسلمين، كما هو واقع. واعتماد هذا الإبهام من قِبل الجماعات الإخوانية في عصرنا، هو ما يجعلها قابلة لأن تتحول من الدعوة السلمية إلى القتال الداخلي بأقل الأسباب وفي أقل مدة. والأستاذ عبد السلام، ما كان عليه الإبقاء على ما يمكن أن يكون تنظيرا أوليا للأعمال العنفية. فليت هذا يكون آخر ما سيبدر منه في هذه المسألة...
    إن ما دخلت فيه الجماعات الحركية من مواجهة للحكام، ليس من الجهاد المشروع؛ وإنما هو من المقاتلة على الملك المنهي عنها. وإن النفوس المريضة قد تجد العمل الحركي خفيفا عليها، لما فيه من الهوى والحظوظ؛ ولو طولب أحد زاعمي الجهاد بالجلوس ساعة يذكر فيها ربه لما أطاق، لإلفه الظلمة ومنافرته للنور. وإن هذا التلبيس المتعمد في مخاطبة العامة، عند إشعارهم بعظم "جهادهم" في مقابل قعود الذاكرين، ليس من الفقه الصحيح؛ بل هو من الاحتيال والاستغفال، ومن غش المسلمين وتقديمهم وقودا للفتنة؛ لأن الصنف الوحيد الباقي من أوجه الجهاد القتالي اليوم، هو ما يكون لمواجهة احتلال بلدان المسلمين وحده. وتبقى الأوجه الأخرى التي دون القتال سارية، يُعمل فيها بحسب ما يعطيه العلم؛ ليكون العمل على بينة ونور، لا على تخمين وظن.

    [اتخذ إمام الأئمة في الحديث ابن خزيمة موقفا معظما من أحد صوفية عصره هو أبو علي الثقفي. ولما حج الخطيب البغدادي شرب من ماء زمزم عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماء زمزم لما شرب له»، وطلب من الله تعالى ثلاث حاجات: أن يحدث بتاريخ بغداد، وأن يملي بجامع المنصور، وأن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي، وقد استجاب الله دعاءه في الثلاث الحاجات. وبشر الحافي من أكابر الزهاد الصوفية. فلا تعجب من بغية محدث بارز في الدنيا أن يدفن مع مثل بشر رجاء أن يحشر في صفه. وصحب أبو عبد الله الحاكم المحدث الكبير مؤلف «المستدرك» الشيخ الصوفي أبا عمرو بن محمد بن جعفر الخلدي والشيخ أبا عثمان المغربي وجماعة.]:

    يشير الكاتب بهذا الكلام إلى فضل الصحبة في الله، وهو محق في كلامه؛ لكن الصحبة تكون على قدر المصحوب، وباعتبار الصاحب. نعني أن ضعيف الهمة وإن صحب الكبار، فإنه يبقى ضعيفا، لا تناله إلا بركتهم. ومعرفة مرتبة المصحوب، هي في الغالب فوق إدراك الصاحب؛ فلا ينفع في مثل هذا، إلا العودة إلى الله الموفق بفضله لأحسن الأعمال والأحوال والأسباب... وأما دعاء الخطيب البغدادي أن يُدفن عند بشر الحافي، فهو لعلمه أن الولي له جاه عند ربه، يشفع به لمن اعتقده وأحسن الظن به، ولمن خدمه أو أسدى إليه معروفا. والقطع بولاية الولي، أمر جائز شرعا؛ بخلاف من يقول إن الولي كسائر الناس، لا يُدرى على أي حال يكون موته. وذلك لأن الله تعالى قد أخبر أن الولي يُبشر في دنياه بولايته التي تكون هي نفسها دخولا في أمان الله وحفظه، في قوله سبحانه: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 64]. لهذا فإن الدخول في حماهم، والاستظلال بظلهم، والتشفع بهم، يكون من الأعمال الجائزة شرعا، بل والمستحبة؛ بخلاف ما يقوله الجهلة من الفقهاء ومن التيميين خاصة.

    [أما الإمام النووي شارح صحيح مسلم وأحد أعلام هذه الأمة، فقد أخذ طريق القوم عن شيخه الشيخ ياسين ابن يوسف الزركشي. وصحب شيخا آخر قال عنه: «الفقيه الإمام الحافظ المتقي الضابط الزاهد الورع الذي لم تر عيني في وقتي مثله. كان رحمه الله بارعا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه، لا سيما الصحيحات، ذا عناية باللغة والنحو والفقه ومعارف الصوفية حسن المذاكرة فيها. وكان عندي من كبار المسلكين في طريق الحقائق، حسن التعليم. صحبته نحو عشر سنين لم أر منه شيئا يكره. وكان من السماحة بمحل عال على قدر وجده، وأما الشفقة على المسلمين ونصيحتهم فقل نظيره فيهما».]:

    رضي الله عن الإمام النووي، وعن شيوخه. ولقد رأينا نحن من شيخنا رضي الله عنه، ومن أقرانه في الطريق، ما تضيق بحمله المصنفات؛ هذا في طور سلوكنا وقبل تحقق وصولنا. لذلك فلا ينبغي حمل ما يورده الكاتب هنا إلا على ما يليق بالمريدين وحدهم.

    [تعج كتب الطبقات، سواء منها طبقات الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، بذكر العلماء العاملين المبرزين في علوم الحديث المشاركين في الفقه المتميزين أيضا في ميدان التصوف. الحنابلة لا يحبون اسم «الصوفي»، فتجدهم يستعملون ألفاظ «الصلاح» و«التقوى» و«الخيرة». وكل كانوا صادقين، رحمهم الله ورحمنا أجمعين. آمين.]:

    ما زال الكاتب يعتبر التصوف مرتبة واحدة، هي في الغالب العامة منه. وهذا أمر سيبقي على عدم الضبط لديه هو ذاته، وسيشمل القارئ أيضا إذا اقتدى به في طريق فكره؛ إن لم يزده حيرة، عند اختلاف أحوال من يُنسبون إلى الصلاح والتصوف، إذا بلغه شيء من ذلك؛ لعلمه باختلاف ما يُعرض عليه بداهة، وإن لم يُحسن التعبير. وأما إن تكلف العبد التفسير، فإنه سيقع -لا محالة- فيما وقع فيه الكاتب قبله.
    بقي أن نقول إن المشتغلين بعلم الحديث من أهل زماننا، يندر من يكون منهم على أدب الأولين وعملهم، ظاهرا وباطنا. لهذا وجب على هؤلاء وعلى الفقهاء نظرائهم، أن يبحثوا في زمانهم عمن يزكيهم بتزكية النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن الطريق يُقطع بالسير لا بالكلام، ومن شك فيما نقول، فإن انكشاف الأمر بالموت غير بعيد. ومن لم يشفق على نفسه، فهو أبعد عن رحمة غيره وأقرب إلى حزب الجبابرة المتكبرين...


    [1] . تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٢١٠.
    [2] . ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 156).
    [3] . تاريخ بغداد (2/ 298).
    [4] . ذكره ابن الجوزي عن بلال الخواص في "مناقب الإمام أحمد بن حنبل".
    [5] . أخرجه الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه.

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 23:26