العَقْلُ وَ الْقَلْبُ وَ الفُؤَادُ فِيْ ضَوْءِ الْمَفْهُومِ القُرْآنِيّ
“القلبُ سلطانٌ يملكُ فارساً اسمه العقل ، وجواداً اسمهُ الفؤاد، وَإدراك مدى صَلاحُ هذهِ المملكةٍ وَدمارها يَتْحَدّد عِنْدَما يَرْكَبُ أحَدَهُما على الآخر“
تمهيد وتعريف:
استطراداً لما قد بدأناه في استجلاء مفاهيم الروح والنفس والموت والوفاة ، فقد كان لزاماً أن نمضي في مراجعة وفهم المكونات الداخلية للنفس البشرية والتي من أهمها (العقل و القلب و الفؤاد) والفرق بينها في ضوء السياق القرآني ، مع التنويه بأن اتساق ما يتم التوصل إليه مع ما سبق يحقق الطمأنينة إلى التوجيه الخاص بمفاهيم الروح والنفس والموت والوفاة.
وقد سبق لنا القول في الفصل الأول (الفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْوَفَاة وبَيْنَ الرُّوح وَ النَّفْس) أن القلب الذي يشيع ذكره والإشارة إليه في النص القرآني لا يعني المضغة التي تضخ الدم للجسد ، فقلنا في سبيل تصحيح مفهوم الحديث ما نصه:
عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب)
وإنما جيء بالقلب هنا لتقريب المفهوم للصحابة بأن النوايا الخفية وما تحويه نفس الإنسان هي مناط صلاح العمل وفساده فذلك كالقلب فإنه إن مَرِضَ وفسد فإن ذلك يفسد كل الجسد وهذا من حقائق الطب هذا اليوم فتلف القلب يؤثر على كافة الأعضاء وموته يعني موت ابن آدم ، بينما هناك من الأعضاء مالا يؤدي تلفها للموت ، وكذلك العمل فإنه إن كان خالياً من النفاق وسوء النية فإنه يقبل ويصلح وإن كانت النية فاسدة والنفس خبيثة أفسدت العمل كله وهذا مصداق حديث (عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه) . رواه البخاري ومسلم ).
فالقلب المقصود في السياق القرآني ليس المضغة المتعلقة بالجسد كما أسلفنا ولكنها مقلوب النفس وجوهرها وذلك العضو المتقلب الذي لا يستقر على حال ، فتارة نجده مسارعاً للطاعة وتارة نراه منقلباً إلى المعصية ، ونحن الآن بصدد استظهار الفرق بين القلب و العقل والفؤاد لتتضح لنا بمشيئة الله وظيفة كل منهما وعلاقتها بالعقل وكما اعتدنا سوف نبدأ بتبيان مفهوم كلا من المفردتين وننطلق لربط هذا التعريف بالمفهوم والسياق القرآني بإذن الله تعالى.
ولعلي استغل هذه المقدمة لأنبه على قاعدة مهمة ينبغي بقاؤها نصب عين القارئ وهي تجنب الخلط في التصور والمفهوم بين الأعضاء الشرعية والأعضاء الحسية فالأعضاء الحسية كالدماغ والقلب والسمع والبصر ليست هي الأعضاء الشرعية بل هي مقابلة لها متصلة بها فالقلب الشرعي داخل النفس في بعد غير محسوس وكذلك العقل والفؤاد ، والأعضاء الحسية جسد بالٍ وَخَلَقٌ فانٍ ، بينما الأعضاء الشرعية متصلة بالنفس البشرية من جنسها وباقية معها تستعملها النفس منذ خلقها وحتى مآلها سواء للجنة أو للسعير ، وبالتالي فعند الإتيان بهذه التسميات فينبغي عدم خلط الصورة المستقرة للعضو الحسي مع صورة العضو الشرعي.
وأعضاء كالقلب وما يحتويه (العقل والفؤاد) هي أعضاء مخلوقة من جنس خلق النفس وليست من أعضاء الجسد وهذا ما نحن بصدده.
وقبل أن نورد التعريفات للقلب والعقل والفؤاد أود أن أبين بأن أولا الفرق بين (القلب الحسي) (المضغة أو المضخة) وبين (القلب الشرعي) الذي هو جوهر النفس ومركز القرار ، كما أن هناك فرقاً بين الدماغ وبين العقل فالدماغ ما هو إلا أداة تترجم أوامر النفس للبدن على شكل نبضات كهربية وليس وعاء للذاكرة أو وسيلة لاتخاذ القرار كما يعتقد ، وذلك وفق المفهوم الشرعي في القرآن الكريم بماهية القلب والعقل والفؤاد.
تعريف العقل : هُوَ وِعَاَءُ الْفِطْرَةِ وَأدَاةُ ضَبْطِ السُّلُوك البَشَرِيّ المَبْنيّ عَلَى تَحْقِيْقِ فِهْمِ المُحِيْطِ المادّيّ ،وَالعَقْلُ السَّليم هُوَ مَنَاطُ كُلَّ فِعْلٍ حَسَنْ إذا اسْتَعْلَى فِيْهِ عَلَى الفُؤَادِ وضَبَطَ سُلُوكَه.
تعريف الفؤاد : هُوَ وِعَاءُ الحَاَضِرِ الَّذِيْ يَتَلَقَّىَ مَاَ يَلِجُ فِيِهِ مِنْ خِلَالِ الحَوَاسّ وَهُوُ مَنَاَطُ العَوَاطِفِ والشُّعور مِنْ خَوْفٍ وَحُبٍّ وَرَجَاءٍ وَبُغْضٍ وَحِقْدٍ وَرِضًىً وَشَهْوَةٍ وَسَعَادَةٍ وَحُزْنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ المَشَاعِرِ البَشَريّة ، وَهُوُ مُتَعَلّقٌ بِكُلِّ فِعْلٍ قَبِيْحْ إذا اسْتَعْلَى عَلَىْ العَقْلْ وَتَقَدَّمَ عَلَيْه.
تعريف القَلْبْ : هُوَ جِمَاعُ العَقْلُ وَالفُؤَاد وقائدهما يُرَجِّحُ ويتبع العَقْل عندمَاَ يعتليْ عَلَى الشَّهْوَةِ (الفُؤَاَدْ) أو العَكْسْ ، وهو مَنَاطُ الإدْرَاكِ وَمَنْشَأ الفِعْلِ والقَرار.
ومن خلال الأبواب التالية سنتعرف على دلالات هذه التعريفات وعرضها على القرآن الكريم والحديث النبوي الكريم بمشيئة الله تعالى.
“القلبُ سلطانٌ يملكُ فارساً اسمه العقل ، وجواداً اسمهُ الفؤاد، وَإدراك مدى صَلاحُ هذهِ المملكةٍ وَدمارها يَتْحَدّد عِنْدَما يَرْكَبُ أحَدَهُما على الآخر“
تمهيد وتعريف:
استطراداً لما قد بدأناه في استجلاء مفاهيم الروح والنفس والموت والوفاة ، فقد كان لزاماً أن نمضي في مراجعة وفهم المكونات الداخلية للنفس البشرية والتي من أهمها (العقل و القلب و الفؤاد) والفرق بينها في ضوء السياق القرآني ، مع التنويه بأن اتساق ما يتم التوصل إليه مع ما سبق يحقق الطمأنينة إلى التوجيه الخاص بمفاهيم الروح والنفس والموت والوفاة.
وقد سبق لنا القول في الفصل الأول (الفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْوَفَاة وبَيْنَ الرُّوح وَ النَّفْس) أن القلب الذي يشيع ذكره والإشارة إليه في النص القرآني لا يعني المضغة التي تضخ الدم للجسد ، فقلنا في سبيل تصحيح مفهوم الحديث ما نصه:
عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب)
وإنما جيء بالقلب هنا لتقريب المفهوم للصحابة بأن النوايا الخفية وما تحويه نفس الإنسان هي مناط صلاح العمل وفساده فذلك كالقلب فإنه إن مَرِضَ وفسد فإن ذلك يفسد كل الجسد وهذا من حقائق الطب هذا اليوم فتلف القلب يؤثر على كافة الأعضاء وموته يعني موت ابن آدم ، بينما هناك من الأعضاء مالا يؤدي تلفها للموت ، وكذلك العمل فإنه إن كان خالياً من النفاق وسوء النية فإنه يقبل ويصلح وإن كانت النية فاسدة والنفس خبيثة أفسدت العمل كله وهذا مصداق حديث (عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه) . رواه البخاري ومسلم ).
فالقلب المقصود في السياق القرآني ليس المضغة المتعلقة بالجسد كما أسلفنا ولكنها مقلوب النفس وجوهرها وذلك العضو المتقلب الذي لا يستقر على حال ، فتارة نجده مسارعاً للطاعة وتارة نراه منقلباً إلى المعصية ، ونحن الآن بصدد استظهار الفرق بين القلب و العقل والفؤاد لتتضح لنا بمشيئة الله وظيفة كل منهما وعلاقتها بالعقل وكما اعتدنا سوف نبدأ بتبيان مفهوم كلا من المفردتين وننطلق لربط هذا التعريف بالمفهوم والسياق القرآني بإذن الله تعالى.
ولعلي استغل هذه المقدمة لأنبه على قاعدة مهمة ينبغي بقاؤها نصب عين القارئ وهي تجنب الخلط في التصور والمفهوم بين الأعضاء الشرعية والأعضاء الحسية فالأعضاء الحسية كالدماغ والقلب والسمع والبصر ليست هي الأعضاء الشرعية بل هي مقابلة لها متصلة بها فالقلب الشرعي داخل النفس في بعد غير محسوس وكذلك العقل والفؤاد ، والأعضاء الحسية جسد بالٍ وَخَلَقٌ فانٍ ، بينما الأعضاء الشرعية متصلة بالنفس البشرية من جنسها وباقية معها تستعملها النفس منذ خلقها وحتى مآلها سواء للجنة أو للسعير ، وبالتالي فعند الإتيان بهذه التسميات فينبغي عدم خلط الصورة المستقرة للعضو الحسي مع صورة العضو الشرعي.
وأعضاء كالقلب وما يحتويه (العقل والفؤاد) هي أعضاء مخلوقة من جنس خلق النفس وليست من أعضاء الجسد وهذا ما نحن بصدده.
وقبل أن نورد التعريفات للقلب والعقل والفؤاد أود أن أبين بأن أولا الفرق بين (القلب الحسي) (المضغة أو المضخة) وبين (القلب الشرعي) الذي هو جوهر النفس ومركز القرار ، كما أن هناك فرقاً بين الدماغ وبين العقل فالدماغ ما هو إلا أداة تترجم أوامر النفس للبدن على شكل نبضات كهربية وليس وعاء للذاكرة أو وسيلة لاتخاذ القرار كما يعتقد ، وذلك وفق المفهوم الشرعي في القرآن الكريم بماهية القلب والعقل والفؤاد.
تعريف العقل : هُوَ وِعَاَءُ الْفِطْرَةِ وَأدَاةُ ضَبْطِ السُّلُوك البَشَرِيّ المَبْنيّ عَلَى تَحْقِيْقِ فِهْمِ المُحِيْطِ المادّيّ ،وَالعَقْلُ السَّليم هُوَ مَنَاطُ كُلَّ فِعْلٍ حَسَنْ إذا اسْتَعْلَى فِيْهِ عَلَى الفُؤَادِ وضَبَطَ سُلُوكَه.
تعريف الفؤاد : هُوَ وِعَاءُ الحَاَضِرِ الَّذِيْ يَتَلَقَّىَ مَاَ يَلِجُ فِيِهِ مِنْ خِلَالِ الحَوَاسّ وَهُوُ مَنَاَطُ العَوَاطِفِ والشُّعور مِنْ خَوْفٍ وَحُبٍّ وَرَجَاءٍ وَبُغْضٍ وَحِقْدٍ وَرِضًىً وَشَهْوَةٍ وَسَعَادَةٍ وَحُزْنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ المَشَاعِرِ البَشَريّة ، وَهُوُ مُتَعَلّقٌ بِكُلِّ فِعْلٍ قَبِيْحْ إذا اسْتَعْلَى عَلَىْ العَقْلْ وَتَقَدَّمَ عَلَيْه.
تعريف القَلْبْ : هُوَ جِمَاعُ العَقْلُ وَالفُؤَاد وقائدهما يُرَجِّحُ ويتبع العَقْل عندمَاَ يعتليْ عَلَى الشَّهْوَةِ (الفُؤَاَدْ) أو العَكْسْ ، وهو مَنَاطُ الإدْرَاكِ وَمَنْشَأ الفِعْلِ والقَرار.
ومن خلال الأبواب التالية سنتعرف على دلالات هذه التعريفات وعرضها على القرآن الكريم والحديث النبوي الكريم بمشيئة الله تعالى.
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin