..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5 Empty المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج5

    مُساهمة من طرف Admin 25/5/2021, 20:46


    إنّ أنواع العبادة في هذا المقام هي إشارة إلى التفصيل, وكلّ ما يبرز على ألسنة العارفين مأخوذ من شعاع الحضرة الواحديّة, وأما الأحديّة والكنزيّة لا يصح التعبير عنها, لأنّ مريد الإقامة في الأحديّة أو الكنزيّة لا يؤمن عليه لأنّه مقام مخوف وروي عن الشيخ (عبد القادر الجيلاني) رضي الله عنه أنّه قال: (ناداني الشيطان في مثل هذا المقام بقوله: يا عبدي إنّي بحت لك المحرمّات, فالتفت فإذا بزاجر من باطني يقول: إنّ الله لا يأمر بالفحشاء, فقلت له: كما قال ذلك الزاجر, فقال لي: والله يا عبد القادر لقد أخذت أناسا كثيرة من هذا المقام) ومن الأعذار المهمّة أنّ العارف لم يعلم ولا سبق له معرفة أنّ في ذلك المحل شيطان حتى يتقيه, ومن هنا يأخذه من حيث لا يشعر كما أخذ أبويه, ولو كان مستعدا لما أخذه.

    ينبغي للعارف أن يسعى بين الصفا والمروة, والمراد به أن يكون بين جلال وجمال وهذه رتبة الكمال, فتجد العارفين رضوان الله عليهم يتقلّبون في هذين المقامين, كتقلّب الطفل في المهد, تحركهم يد العناية وتقلّبهم وتحفظهم في الحالتين, حيث أصبح الجلال والجمال لا يؤثر في بواطنهم, لأنّه من جنسهم بخلاف غيرهم, أمّا العارف فيصير الجلال عنده هو عين الجمال, فلهذا يتلذّذ بهما معا, حيث إنّ القوم هم مع الله على كلّ حال لا مع الجلال ولا مع الجمال, ويرون القبض والبسط من جملة الليل والنهار: (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا / النبأ آية / 10), فالقبض وصف الأشباح, والبسط وصف الأرواح, كن أيّها المريد مع الله يكن الكلّ معك تابعا لك, ودع المقام يطلبك فلا تطلبه أنت فهو خلق لأجلك, فاشتغل بتعظيم الألوهيّة, وبالتهليل أي اشتغل بالتكبير والتهليل مستغنيا بذلك عن الكلّ حتى تصير في الحالتين على حد سواء, فسارع لتدريب نفسك حتى يكون عندك حال, فتكون على الصفا كما تكون على المروة, فالصفا كناية عن الجمال, والمروة كناية عن الجلال, فمن عرف الله في الجمال وجهله في الجلال فقد فاته الكمال, فلهذا ينبغي لك النهوض مهما توقفت نفسك, أو جزعت من مقام أو ركنت إلى غيره, حتى يصير العارف كأهل الكهف: (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال / الكهف آية / 18), حتى إذا صارت يد العناية الأزليّة تقلّبه ذات الجلال وذات الجمال وهو كميّت عند مغسل, فله أن يدعو حينئذ بما شاء لأنّها تصدقه شواهد الامتحان فإذا علم من نفسه التحصيل على هذا الشأن الشريف بأن صار عنده الجلال والجمال والقبض والبسط والغنى والفقر والموت والحياة على حد سوى, فهذا ميزان صحيح على نفس المريدين إذا ادعت بشيء فعليها البيان: ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين / البقرة آية / 94), قال أبو عثمان الجبري (رحمه الله): (لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في أربعة أشياء في المنع والعطاء والعزّ والذلّ, فإذا بلغ الإنسان إلى هذه الحالة فله أن يعدّ نفسه في رتبة سنيّة لأنّه تقيّ), (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيرا / النحل آية / 30).

    ذكر أنّ صاحب الطواف يجب عليه الطهران والستر, وقد تقدّم الكلام عن الطهارة, وأمّا الستر وهو كتمان الحقائق وعدم الإفشاء لسرّ الألوهيّة, فهو واجب على صاحب هذا المقام, لأنّ المقام مقام تمييز لما هو عليه من وجود الفرق بين الجلال والجمال المعبّر عنه بالسعي والطواف, المعبّر عنهما بالجولان في تعلّقات الصفات, فكلّ ذلك يقتضي وجود التكليف ووجود الستر منوط به, وحاصل الأمر أنّ صاحب الحضرة الواحديّة يكون مطلوبا بالستر ما استطاع, لأنّه يرى الأثر والمؤثر والصفات وتعلّقاتها.

    تقدّم أنّ المحرم يبقى ملبيا إلى أن يصل للبيت المعبّر عنه بالوحدانيّة, فيقطع التلبية, لاضمحلاله فيها واكتفائه بوجودها, فإنّه يعيد التلبية إلى أن يصل إلى مقصوده وينطوي في ودوده كما تقدّم, لأنّ النداء يتكرّر عليه كلّما استشرف على مقام بما تقتضيه حقيقته, وحاصل الأمر أنّه يلبي, وهذا منتهى الخطاب الصادر من حضرة الصفات وآخره الخطاب السابع الخالي من التعلقّات المضاف للحياة فلم يبق بعده إلاّ الانطواء في بطون الذات.

    بعد الفراغ من الطواف والسعي عليه أن يتأهب للسير إلى غاية لا مزيد عليها, ولهذا أمره بالخروج عن الكلّ, لأنّ المقام الذي يقصده لا يقبل من الظهور شيئا, وقد يستثقل وجود الأسماء والصفات, فكلّ ما سوى الكنزيّة هناك لا يعقل فهو طلسم كنز مجمل لا اسم ولا نعت ذات في ذات, وقد يتعذّر على أكثر العارفين الدخول إلى هذا المقام لما فيه من التجريد الكلّي, فقد تطلب هذه الحضرة من العارف الخروج من شبحه وروحه ونفسه وعقله وعن الأسماء والصفات وتأمره بالجمع وطيّ الظهور في البطون والبطون في الظهور, فإن تحقّق لك الصعود للجبل المعبّر عنه بالوقوف, وليس لك سواه فيكون عدمك مطلقا لغيبتك عن الخلق والحقّ لا فتق ولا رتق, وقد يعبّرون عن هذا المقام بالعمى, وقد قال الإمام الجيلي رضي الله عنه في ذلك: (اعلم أنّ العمى عبارة عن حقيقة الحقائق التي لا تتصف لا بالحقيقة ولا بالخليقة فهي ذات محض, لأنّها لا تضاف إلى مرتبة لا حقيّة ولا خلقيّة), فالمقام غير معقول المعنى فلهذا سمّي بالبهت أو الدهش أو اللاهوت أو الطمس أو الرهبوت أو الكنزيّة, ثمّ ما زال العارف يلبّي كلّما دنا منه إلى أن ينزل بعرفة, وعبّر بالنزول لما هنالك من الغوص إلى الغيب في الغيب, والطيّ في الطيّ, والجمع في الجمع, والتقصير في التقصير, فيا سبحان الله ما أغربه من مقام حتى عند القوم تراهم يتحيّرون عند ذكره فما دام العارف سائرا إلى هذا المقام وهو يسمع نداء وخطابا من وراء حجاب, فيلبي كلّما تكرّر النداء إلى أن يصل لعرفة وهو محل الوقوف والغاية التي ليس بعدها مزيد, لأنّها غيبة عن الوجود والفقد, ولمّا وصلت المقام نفسه وجدت برنامجا مكتوبا بخط مقلوب وملصوقا على صفحة العدم مختوما في آخره بخاتم الصمدانيّة, ولولا معرفة الأسماء لم أكن له قارئا لصعوبة خطه, فقرأته وفهمت ما فيه فأخذت منه شروط المقام وما يستحق إليه, وإذا نحن نسمع كلاما من لسان الكنهيّة إلى مقتضى الصمدانيّة قائلا: (ضاع الوجود وغاب الشهود, وتعطلت الكنهيّة يا سبحاني غبت في أيني إلى أين الغاية, جلّت عظمتي وتقدّست ذاتي في ذاتي, يا سبحاني لولا مقتضى الغيب لم نبخل بنصيب), وإذا بلسان الصمدانيّة يتعذر لغيب الهويّة قائلا له: (لو تعلم ما لي لعذرت حالي فهل أردت تحييز الذات أم وصفتني بالجهات, وحقي وذاتي لم نجد محلا لظهور صفاتي الكلّ ذات أمر مجيد وكنز غميض بحر لا موجة فيه ولا فسحة لديه لا يمين ولا شمال, الله, الله, لا تبديل لخلق الله), قلت: (العجز عن درك الإدراك إدراك ووجود الغير في هذا المقام إشراك), ولا يكون الوقوف إلاّ بعد غروب الظهور وانطواء النشور: (إذا الشمس كورت, وإذا النجوم انكدرت / التكوير آية / 1, 2), المقام مقام طمس, ولا نوع ولا جنس, فلهذا كنّاه عليه الصلاة والسلام بالعمى, ما فوقه هواء وما تحته هواء.

    عزّت مداركه *** غابت عوالمه *** جلّت مهالكه
    لا الوصف يحصره *** من ذا ينادمه *** كلّت عبارته
    ضاعت إشارته *** هدمت عمارته *** قلب يصادمه
    عين ولا بصر *** علم ولا خبر *** فعل ولا أثر *** غابت معالمه

    ولمّا كان المقام غميضا جدا, واستهلاكا محضا, ينبغي الخروج منه على الفور بمجرد يحصل الوقوف.

    قد تقدّم أنّ المقام مقام مخوف لا يتمكّن الإقامة فيه, وليس على العارف إلاّ الخروج منه على الفور وإلاّ يخشى عليه, فإنّه محفوف بالصواعق المحرقة, وهنا لا بدّ من الإسراع بالخروج إلى مزدلفة, أي محل الزلفى, حتى إذا خرجت يطرأ عليك اسم الوجود, فإذا طرأ على العارف في هذا المقام الوجود, وثبت الشاهد والمشهود, فيؤمر حينئذ بالسجود, فينادي لسان حال العارف: (إلهي من حيث حقيقة الوجود, أنت العابد والمعبود, أنت الشاهد والمشهود, أنت عين, أنت زين, أنت أين, لا عين سواك, ولا ذات معك, أيدني بروحك, يا روح الروح), ثمّ اعلم أنّ صاحب هذا المقام بمجرد أن يطرأ عليه الوجود, ويتوجه للشهود ينبغي له أن يكون على بصيرة من همزة الشيطان, لأنّ المقام محفوف بالمكاره, وكثير من الحسّاد عليه, وقد اتّخذ الشيطان لعنه الله في طريق هذا المقام مخدعا, فهو يتعرّض للعارفين بمجرد انفصالهم عنه, فلهذا يجب منه الإسراع حالة الرجوع, حتّى إذا وصل إلى مكّة المعبّر عنها بالحضرة الواحديّة يكون مأمونا, وكفى بما أخبرنا به الحقّ عزّ وجلّ حكاية عنه كيف يتعرّض للسائرين على صراط هذه الحضرة المستقيم, حيث قال: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثمّ لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم / الأعراف آية / 16), حفظنا الله والمسلمين من شرّه, ومن أجل مكائده كان العارف مطلوبا بالإسراع من ذلك المحل إلى محل مأمون, فإذا اطمأن العارف فليحط رحله, ويصلّي صبحه, ويغلس رحلته, ثمّ أمر المصنّف رضي الله عنه: (العارف بالإسراع حالة الخوف والاستعداد, لأنّ المحلّ محلّ نار, ولا يؤمن على العارف إلاّ إذا خرج منه), وحاصل الأمر إنّ العارف لا يستقيم حاله, وتسكن روعته, إلاّ إذا وصل للبيت المعبّر عنه بالواحديّة, فهي مقام إبراهيم, ومن دخله كان آمنا, وأمّا قبل دخوله ذلك الحصن لا يؤمن عليه, وهي حضرة: (لا إله إلاّ اللّه), التي قال فيها عزّ من قائل في حديث قدسي: (لا إله إلاّ الله حصني, ومن دخل حصني أمن من عذابي), فهي حضرة مستحقّة للعابد والمعبود, والشاهد والمشهود, بخلاف الحضرة المتقدّمة في الذكر فهي نافية لكلّ منهما, فلهذا لا يمكنه الاستقرار فيها ولا في طريقها, ولا تحسبن شيطان هذا الطريق هو شيطان المعقول في الحسّ, بل لكلّ حضرة شيطان, ولهذا يقال: (الملك شيطان الملكوت, والملكوت شيطان الجبروت), أي لكلّ محل شيطان يناسبه, فيدخل على العارفين بما دخل على أبويهم, وأخرجهما ممّا كانا فيه, فهو يتلون في كلّ مقام بما يقتضيه ولون الماء لون إنائه, حتّى إذا كان العارف في حضرة الله ولا يسمع ولا يرى إلاّ الله فيناديه على لسان الألوهيّة كما وقع لبعض العارفين, ومن الأعذار المهمّة أنّ العارف لا يعلم أنّ في ذلك المحل شيطانا حتى يتّقيه, ومن هنا يأخذه من حيث لا يشعر, ولو كان مستعدا له لما أخذه, فكن على بصيرة أيّها السائر فإنّي لك ناصح أمين, واحذر من همسات الشياطين, وإنّي أخبرك حالة سيرك ماذا يلقى عليك فإذا كنت مارا في حضرة الأفعال أي فانيا في أفعال الله عن فعلك فإنّه يخاطبك في سرّك خطابا شافيا تستفاد منه استغراقا في شهود الأفعال إلاّ أنّه فيه سمّ قاتل إذا كنت بكيده جاهلا يقول لك: من كلّ يرى فعل مع فعل الله فهو محجوب عن الفناء في الأفعال, إنك ترى لنفسك عملا وتقول هذا حرام وهذا حلال وأين معرفتك من قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون / الصافات آية / 96), وإذا لم تحمك العناية الإلهيّة فقد يأخذك بما أخذ به الأشقياء, وإذا كنت في حضرة الصفات أي فانيا في صفات الله عن صفاتك, فيقول لك يا سبحان الله لا سميع ولا بصير ولا متكلّم ولا قادر ولا عالم ولا مريد على الحقيقة إلاّ الله, فتقول له: نعم, فيقول لك: إنّ العارفين قد فنوا عن صفاتهم وتولّى الله أمرهم إذا صدرت منهم حسنة فلا يرجون ثوابا عليها, وإذا صدرت منهم زلة فالديّة على القاتل لأنّهم أموات غير أحياء, وإذا كان العارف في حضرة الذات أي فانيا عن ذاته في ذات موجده, فيأتيه على ساحل الحضرة, وينادي قائلا: لا موجود إلاّ الله فيلتفت العارف إلى هذه الكلمة المشرّفة التي لا أعزّ منها عند العارف فإذا التفت إليه يقول له: (إنّ الحقّ ظاهر في الأشياء ظهورا جليّا وإنّه هو حقيقة الوجود المطلق ومن لم يتمتع بهذه المظاهر التي هو فيها ظاهر فقد فاته خير كثير, فأين فائدة المعرفة إذا كنت تعرفه في شيء وتجهله في شيء ويبيح له النظر في المحارم والصور الجميل), ويقول له: (كلّ الجمال جمال الله وإذا لم تزل تخشى العذاب فما فائدة رفع الحجاب, ألم تعلم أنّ سبب العذاب وجود الحجاب), ويأخذ بنصيحته إلى أن يخرجه كما أخرج أبويه حفظنا الله من شرّه, وأمّا من أخذ الله بيده فإنّه لا يلتفت إليه, لأنّه يفهم منه ابتداء وكلّ كلام يبرز إلاّ وعليه كسوة القلب الذي برز منه فيجد تلك الحقائق مكسوفة الأنوار فلا يلتفت إليها ولا يعمل بها, ولهذا كان صاحب هذا المقام مطالبا برجم الشيطان في الجمرات الثلاث, إنّ المقام صعب جدا فلا يصل إليه إلاّ المستطيع, ولهذا قال: (لمن استطاع إليه سبيلا), وأن يكون مأمونا في نفسه وماله بأن يكون محافظا على الصلاة مقيما لأركانها, وكلّ ذلك راجع إلى الثبات في أحكام الشرع, ومن لم يتحقّق ذلك من حاله فلا يجب عليه.

    إنّ المحلّ خطير, ولا يخلو من الخواطر الشيطانيّة, فلهذا أمرنا برجم الشيطان في كلّ موطن تعرض لنا بما تقتضيه حقيقته, فأنت مأمور برجمه وعدم الالتفات إليه, ولهذا يقال: (من أشرقت بدايته أشرقت نهايته), فإن نجوت أيّها العارف من هذه المواطن الصعبة فقد تمّ لك المقصود, لأنّك صرت عارفا بمظاهر الوجود, وعن الشيطان مظهر منها, وكلّ مظهر يطلب ما تقتضيه حقيقته.

    إنّ الوقوف هو استغراق كلّي, وإنّ صاحبه لا يرى ولا يسمع ولا يبالي, وإنّ كنزه مطّلسم, وأنّه في بحر لا ساحل له, وهو يلاحظ في ذلك البحر حراما قلت: (هو غائب عن الحلال فكيف يرى الحرام ما دام في البحر, إنّما حرّم عليه صيد البرّ المعبّر عنه بالحسّ والتفريق) قال تعالى: (أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما / المائدة آية / 96), أي ما دمتم مستغرقين في ذلك البحر, وعند التفات العارف من هذا البحر ورؤيته للبرّ يجد مكتوبا على ظاهر الجمادات والأنعام هذا حلال وهذا حرام, فالعارف لا يمكنه أن يؤذي شيئا من صيد البحر لاندراج الكلّ في البحر المطلق, وقد يعمّ هذا البحر على الجميع في نظر العارف وكان الشيطان من جملة أفراد العالم فكيف يتيسر للعارف رجمه, قلت: (إنّ الشيطان هو من صيد البرّ, فنحن مطلوبون برجمه خارج عرفة لا فيها أي بين الطمس والحضرة الأحديّة, ولهذا لا يصطاد الشيطان المريد إلاّ في البرّ أي إذا غلب عليه الحسّ وصار يتلذّذ بما تشتهيه النفس, وأمّا إذا وجده غائبا عن مقتضى الطبيعة البشريّة فمن أين يدخله حتى يخاطبه, وإن خاطبه لا يسمعه وهذا حكم أرباب الاستغراق, فالعارف يتقي كلّ من الدنيا والهوى إذا علم وتحقّق منهما الضرر, وأمّا إذا كان غائبا في شهود الحقّ متلذذا بمناجاته فهذا لا يؤثر فيه شيء, فهو يأخذ من كلّ شيء ولا يأخذ منه شيء, لأنّ الشيطان يدخل على العارف إذا وجد له أدنى ميل لطبعه, فمن هنا يكون مدخله, وهنالك يكون الأمر برجمه, وذلك لا يخلو من الإنسان لمقتضى الطبع البشريّ, فالشيطان ملازم للطبيعة البشريّة كالنفس وما سواها, فكلّما رجع العارف لنفسه واشتغل بمصالحها من مأكول ومشروب وملبوس, تعيّن عليه التمييز بين الرضا والمكر, ويجب عليه أن يتقي الله في كلّ مظهر حسبما تقتضيه حقيقته, وإن التبس عليه خطاب فليقسه على الخطاب القديم المحكوم به: (وأنّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه / الأنعام آية / 153), لأنّ في القرآن الكريم قوالب صالحة للقياس, فكلّ خطاب لا يحمله القرآن فاتركه واترك العمل به: (ما فرطّنا في الكتاب من شيء / الأنعام آية / 38), وقد رأيت أكثر العارفين في هذا المقام محافظين على أدبهم مع الخلق كأنّهم مع الحقّ, ويكفيك حكم الحاج أنّه لا يؤذي شيئا, ولا يقتل ولو قملة إلاّ ما أجاز قتله الشرع, لرؤيته نفسه وجميع خلق الله في حضرة شريفة لا يسعه مع سكانها إلاّ الأدب, وحاصل الأمر أنّ صاحب هذا المقام لا يمكنه إساءة مع أحد من خلق الله إلاّ إذا يخشى وجود القطيعة, وعليه فليتق شرّ نفسه ولا يأمنها: (وإن تعدل كلّ عدل لا يؤخذ منها / الأنعام آية / 70), لئلا تجور عليه.

    تقدّم أنّ صاحب هذا المقام خارج عن الظروف الكونيّة مكانا وزمانا, لولا تجرّده من المحيط والمخيط لما وصل لصريح الحريّة, فإنّه يبقى على تلك الحالة حتى يتغلغل في غيب الغيب, فإنّ المقام مقام طمس لا مقام حسّ.

    ولا يستغرق العارف في هذا المحل إلاّ إذا زال الكلّ من نظره, وخرج من جميع الظروف الزمانيّة, وتقييده بالظروف عندهم من الكبائر لقول الشيخ الكبير: ابن العربي الحاتمي رضي الله عنه: (من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصّرا على الكبائر).

    فذكر أنّ العارف يجوز له أن يستظّل بمرتفع وهو العرش بعد الخروج عنه, أي يكون تحت حياطته في بعض الأوقات, وفي وقت استظلاله بالمرتفع أي حالة رجوعه من دخول العرش, تتمكّن له المعاملة مع الخلق والتمّتع بالأزواج, ولا تفهم أنّ همته تكون منحصرة في الخلق انحصارا كليّا لغيره, إنّما يكون ملاحظا لشمس الحقيقة من وراء سحاب الخليقة لا بدّ للحسنى من نقاب وللشمس من سحاب, ولا يفهم هذا الحال إلاّ من ذاقه, لكونه يشعر بالجمع بين المتناقضين, وذلك مسلم عند القوم, ولمّا أنهى الكلام عن الوقوف الواجب مرّة في العمر على العارف, والمراد به هو الاستغراق في الأحديّة, فذكر الآن الحضرة التي يجوز له أن يدخلها في كلّ الأوقات.

    إنّ المراد بالعمرّة إي عمارة الأوقات بالحضور في هذه الحضرة الشريفة, لكونها حصنا مانعا ولا يخشى صاحبها من السلب في الغالب, وإنّ صاحب العمرّة لا يجب عليه الوقوف في عرفة, والمطلوب منه هو مطلوب الطواف والسعي, والحلق والتقصير, وعدم الخروج من مكّة, وكثرة المشاهدة للبيت فهي حضرة العبادة حضرة الأسماء والصفات قابلة لوجود العابد والمعبود, فإذا عرفها العارف في سائر الجهات, وفي كلّ التجليّات تحافظ عليه كما يحافظ عليها, ولا يرضى بالخروج منها, وفيها تفيض أنوار الصفات ويشرق الوجود بنور الموجود: (وأشرقت الأرض بنور ربّها ووضع الكتاب / الزمر آية / 69), ثمّ اعلم أنّ هذا المقام مقام عظيم وأمر مهم, فينبغي للواصل إليه أن يستعمل كلّ أنواع الأدب من حيث هي ما دام في هذه الحضرة, ومن أدبها كثرة النظر إليها, لأنّ هذه الحضرة تعقل أنّك عبد فلهذا تطلب منك الأدب, ولهذا يقال: (قف على البساط وإيّاك الانبساط), فقد عقلت عليك الميزان, لأنّها تزن كلّ ما برز عنك فينبغي لك أن تكون نبيلا لأنّها كثيرة التجليّات والتطورات, وينبغي لصاحب هذا المقام أن يسعى في صفاء الأوقات, فإذا عزمت على الخروج للحضرة المحمديّة, وهذا ليس بخروج في الحقيقة, لأنّ الحضرة المحمديّة هي مظهر من مظاهر الحضرة الواحديّة المعبّر عنها بزيارة (سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام).

    ليكن في علمك أنّ العارف لو بلغ ما بلغ إذا لم يدخل هذه الحضرة المحمديّة, ويقوم بأدبها حتى تشرق عليه أنوارها, قد يخاف عليه لأنّ الوصول كان بها, فلا بدّ من الرجوع إليها, ولهذا يقال: (حقيقة النهاية هي الرجوع للبداية), وإن كان المريد حالة سيره يتجاوز الحضرة المحمديّة بالمشاهدة للحضرة الواحديّة, أو الأحديّة لكن كان له التجاوز بصاحبها عليه الصلاة والسلام إذ لولا نور المصطفى الذي تغمّده لما تقدّم أنملة ولو تقدّم لاحترق, ولهذا كان الرجوع إليها والتذلّل على أعتابها واجبا, فهي كمال الكمال, فمن لم يرسخ في هذه الحضرة فهو ناقص, ثمّ اعلم أنّ هذه الحضرة فيها يكشف للعارفين عن حقيقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي حقيقته اللازمة لأفراد الوجود الذي قال فيها صاحب البردة رضي الله عنه, وغيره:
    كيف يدرك الدنيا حقيقة *** قوم نيام تسلّوا عنه بالحلم
    نورك الكلّ والورى أجزاء *** يا نبيّا من جندك الأنبياء
    لأنّ حقيقة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم هي حقيقة كلّ فرد من أفراد الوجود حتى إذا كشفت براقع وجهها وظهر نور جمالها يتحقّق العارف حينئذ بالحقيقة المحمديّة ويقول كما قال: (لو احتجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفة عين لا أعددت نفسي من المسلمين), وقال غيره: (لو غاب عنّي ساعة متّ في الحين), وأقوال من كشف لهم عن حقيقة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أمثال هذا كثيرة, وقد لوحت في بعض من حقيقته في هذه الأبيات:

    حيّر لي بالي أقطب لجمالي *** عين الكمال هو المرام
    سرّ الحياة نور الصفات *** حصن النجاة دار السلام
    سرّ الحقيقة معنى الطريقة *** العروة الوثيقة بلا انفصام
    كنز المعاني سرّ الأواني *** روح الأكوان قلت نعم
    أحمد محمد في الحسن آخر *** جمع الفوائد نور القدم
    قدر عظيم سرّ عميم *** برّ رحيم على الدوام
    ثمّ معان دون اللسان *** يخفي جناني غير الكلام
    صلّ عليه واجمعني به *** جمعا بديه بلا أوهام

    ثمّ اعلم أنّ من كشف له عن هذه الحقيقة ينبغي له من الأدب ما لا يحصى, وأدبها معلوم عند القوم, وقد يقع الفناء لبعض المريدين في هذه الحضرة حتى يصير يتكلّم على لسان صاحبها عليه الصلاة والسلام كما وقع لأغلب العارفين, وذلك لمحوهم فيها, وكلّما زاد العارف رسوخا في هذه الحضرة إلاّ ازداد قربا من الله حتى يصير دعاؤه لا يرد بالإضافة لصاحبها, ولهذا ينبغي للعارف إذا تمكّن من هذا المقام لا يمل من دعاء الخير ما استطاع وهذه زيارة المصطفى عند العارفين على مقتضى هذا الطريق, فهي كشف عن حقيقته, ويعبّر القوم عن هذه الحالة ببقاء البقاء المتصف بها أكمل من غيره, لأنّه راسخ القدم جامع بين الصحو والاصطلام, وينبغي للعارف أن لا يخرج من الحضرات الثلاث, فيكون بصره في الحضرة المحمديّة, وبصيرته في الحضرة الواحديّة, وسرّه للحضرة الأحديّة, كما يكون ظاهره للشريعة وروحه للطريقة وسرّه للحقيقة, وإذا تحقّق بالحقيقة المحمديّة يكتفي عن الالتفات لغيرها لاجتماع العوالم فيها من حيث ظاهرها وباطنها, فمن عرف الحقيقة المحمديّة استغنى بنظره عما سواها: (من يطع الرسول فقد أطاع الله / النساء آية / 80), (مرج البحرين يلتقيان, بينهما برزخ لا يبغيان / الرحمن آية / 19, 20), وهما ضدّان لا يجتمعان أي الحدوث والقدم, ولفظ الرسول في قول محمد رسول الله واسطة بين الحدوث والقدم وهو البرزخ الحاجز بين مرج البحرين لمناسبة الوجهين, فمن حيث ظاهره نقطة من طين ومن حيث باطنه خليفة ربّ العالمين, فبقولنا محمد رسول الله حصلت المعنى وضابطها لفظ الرسول فلو حذفته اختلفت المعنى أي فيتلاقى الحادث وهو قولنا محمد مع القديم, وهو قولنا الله فيتلاشى الحادث ويبقى القديم, لكن لا يمكن القيام بآداب الحضرات إلاّ بقولنا محمد رسول الله, والوقوف مع كلّ اسم بمقتضاه, فمقتضى اسم محمد من العارف أن يعبد الله ومقتضى اسم الرسول أن يحضره, ويخشاه ومقتضى اسم الله أن يشاهده ويراه, فمبادئ الفهم عن الله هو تصفية البواطن, وتصحيح الأحوال المعبّر عنها بالتصوّف, وهنا عاد المدد إلى أصله حيث إنّ لله الأمر من قبل ومن بعد.

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 03:27