..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Emptyأمس في 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2 Empty المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج2

    مُساهمة من طرف Admin 25/5/2021, 20:52


    إنّه يجب على طالب السير إلى الله أن يفارق خلان السوء, ويجانبهم ما أمكنه وخصوصا حالة فنائه, إذ هو في ذلك الوقت مطلوب بالفناء عن نفسه فكيف بأبناء جنسه لذا ينبغي له أن يعتزلهم, والاعتزال عن الخلق شرط في الدخول على الحقّ: (فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له / مريم آية / 49), وقد قيل من لم يستوحش من الخلق لم يأنس بالحقّ, فاترك يا أخي كلّ رفيق غير الرفيق الأعلى, فكن معه وراع أدبه ظاهرا وباطنا, لأنّك مهما أسأت الأدب معه باطنا إلاّ وعوقبت باطنا, ومهما أسأت الأدب ظاهرا إلاّ وعوقبت ظاهرا, فأدبك في الظاهر من حيث اسمه الظاهر, وأدبك في الباطن من حيث اسمه الباطن.

    ينبغي من مريد الدخول على الله في أول ابتدائه أن يرفع يديه عند التكبير أي حالة وقوفه مع الله, والمراد برفع اليدين من مريد الوصول أن لا يكتم انتسابه إلى الطريق ولا يخفيها عند الدخول إليها, بل ينبغي إظهار توجهه إلى الله حتى يعرفه بذلك الخاص والعام, ولا يستحي بنسبته فينقطع عن ربّه.

    إنّ العارف كان قبل سجوده قائما وموجودا فصار بعد سجوده فانيا ومفقودا, فني بنفسه وبقي بربّه, فهؤلاء هم الرجال, وأمّا ما سواهم فأطفال صدقوا الله في المعاملة فكفاهم بالمواصلة, ولولا انتصابهم ما صحّ اقترابهم.

    إنّ المريد في ابتدائه إذا حصلت له إرادة مع شيخه فهو مردود من حينه, وأمّا إذا حصلت له بعد انتهائه فيكون عاصيا لربّه هذا مع شيخه, وأماّ إذا حصلت له إرادة مع الحقّ عزّ وجلّ بحيث أراد أن يريد مع المريد الحقيقي فيكون كالمرتد في طريقه, لكنّ حصول الإرادة مع عدم المشاهدة.

    كذلك قلب العارف لا يتنوّر إلاّ عند قرب الحبيب وكلّ من لاحت عليه الأنوار يعلم أنّ الحبيب قرب دخوله الدار, وأي صبح أفضل على القلب من صبح الحبيب إذا قرب.

    فهذا وقت طلوع شمس الحقيقة على سحاب الخليقة وقت شروقها بنور ربّها, أرض النفوس بطلعة شمس حضرة القدوس, وقت اجتماع الفرع بالأصل, والفصل بالوصل فهذا هو الوقت وما سواه مقت, ولمّا كان ظهور الحقّ لا يحصل إلاّ عند زوال الخلق كما إنّ الظهر لا يكون إلاّ عند وقت الزوال, فكذلك الظهر الحقيقي لا يحصل للعارف إلاّ عند خمود نفس الخليقة وزوالها من حيث هي, ولمّا كان المريد من جنس الخليقة فلا بدّ من زواله وعليه فلا يكون ظهور الحقّ عليه, وإنّما يكون ظهوره بنفسه لنفسه, ويكون الحقّ هو المتنعم في ظهوره بذاته وصفاته لا غير, ولهذا لا يتكلّم العارف في هذا المقام إلاّ بما تستحقه الوحدانيّة من الانفراد, وحاصل الأمر أنّ العارف مظهر اللطائف فمن حيث البعد هو نقطة من طين, ومن حيث القرب هو خليفة ربّ العالمين, وكلمّا ظهر عليه وصف من هذه الأوصاف يتغيّر حاله بتغير ذلك الوصف, كما إنّ الأرض يتغيّر حالها بقربها من الشمس وبعدها عنها, وكذلك العارف يتغيّر وصفه باعتبار قرب الحقّ منه وبعده عنه.

    إنّ الموت هنا منقسم إلى قسمين: (موت عامّة, وموت خاصّة), وكلّ منهما يتضمن رؤية الحقّ للمؤمن, إلاّ أنّ موت العامّة يتضمن الرؤية التقيديّة, وذلك في وقت دون وقت ونتيجتها لا تظهر إلاّ في الجنّة, وموت الخاصّة الرؤية المطلقة أي لا تختص بوقت دون آخر, فلهذا كانت نتيجتها عاجلة غير آجلة أي حصلت نتيجته التي هي رؤية الحقّ في الدنيا قبل الآخرة بأبصارهم, فمن أراد أن يحظى بهذه الخصوصيّة فليسرع للموت قبل أن يموت كما قيل في الأثر: (موتوا قبل أن تموتوا), فمن تحقّقت له هذه الميتة فتحقّق له الفوت, سئل (أبو يزيد البسطامي) رضي الله عنه عن نفسه, فقال: (أبو يزيد ذهب مع الذاهبين, مات لا ردّه الله), وحاصل الأمر أنّهم ملوك في صورة مماليك, ثمّ اعلم أنّ هذه الميتة الحسيّة لا تحصل إلاّ بواسطة ملك الموت, فكذلك ميتة الخاصّة لا تحصل إلاّ بواسطة أستاذ عارف يقبض أرواح المريدين, حتى ولو اجتمعت عليه أهل السّماوات والأرضين, وطلبوا منه الدخول على الله لقبض أرواحهم, وجمعهم بمولاهم في ذلك الوقت لا غير, لكن يشترط فيها رضاء مريد الموت أي بأن يكون راضيا بفنائه وذهابه, وإن لم يرض بذلك فلا طاقة للعارف أن يجمع المريد مع ربّه, لكونه لم يرض بلقاء الله عزّ وجلّ, حيث من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه, والمراد بهذا الموت على طريق الإشارة لأنّ كما بعدها حياة وتنعم بمشاهدة الذات.

    وحاصل الأمر عندما سلم المريد نفسه إلى شيخه لكي يجمعه على مولاه, فحينئذ يجب عليه أن يدخله على الله بأربع فرائض, وهي التي تحصل بها هذه الميتة, وينطوي بها وجود المريد, التكبير أربعا والمراد منه أن يلقي الأستاذ على أسماع مريده وجوه الوجود الأربعة وذلك (الأولية, الأخريّة, الظهور, والبطون) في دفعة واحدة ويقطع له الحجج, ويسد له الفرج ويتبين قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن / الحديد آية / 3), حتى إذا انطبقت هذه الوجوه الأربعة, ولم يجد فسحة لديه من حيث عدم الفراغ فتزهق حينئذ روحه ويضمحلّ جسمه, وذلك لمّا تنعدم عنده الجهات بحيث لا يجد مقدار الأنملة فارغا من هذه الوجوه الأربعة أينما توجه, ولو لنفسه يجدها وجها من تلك الوجوه, لقول الله عزّ وجلّ: (فأينما تولوا فثمّ وجه الله / البقرة آية / 115).

    كما ينبغي للشيخ أن يحبّبه لله عزّ وجلّ بالدعاء الصالح والاستغفار, لكون الدعاء من الفرائض, أي فليدع له بلسان التضرّع والخضوع, كقوله: (إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته), ويلحّ في الدعاء ما استطاع, وحاصل الأمر يطلب منه أن يجبّبه له بأي وجه كان, وهكذا حتى يقبله ويسبل عليه رضاه, ولا يقبله الحقّ عزّ وجلّ إلاّ إذا كان للشيخ نيّة جازمة لكونها من الفرائض, وذلك أن يجزم بقلبه ويقطع, ويظنّ ظنّا بالغا بأنّ الله يقبله لقوله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن الحقّ في حديث طويل: (أنا عند حسن ظنّ عبدي بي) رواه الإمام أحمد في مسنده, والترمذي وابن ماجة والدارمي في سننهم, وإن كان شاكا في عدم القبول فإنّ الله لا يقبله, ولمّا يتحقق دخول ذلك الميت على الله وينزع الشيخ من التكلّم في عظمة الله, فيطلب منه أن يشرع حينئذ في الخروج من ذلك المقام إلى غيره, وهو الجمع بين المقامين المعبّر عنه بالسلام, أي يطلب منه الإسراع للأخذ بالظاهر كما كان مستغرقا بالباطن.

    إنّ الوتر هو غاية القربة, ومنتهى الرغبة من بلوغ المريد إلى منتهى غوامض التوحيد, فهو غاية لا مزيد عليها, فلهذا كان بالنسبة للصلوات آخرا لحيازته المفاخر, قال عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) رواه مسلم في صحيحه, والإمام أحمد في مسنده, وأبو داود في سننه, ثمّ اعلم أنّ الوتر حقيقة هو كناية عن غيبيّة الألوهيّة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي من الليل حتى يكون آخر صلاته وترا) رواه مسلم في صحيحه, ولا يتحقّق بهذه الحقيقة إلاّ خواص أهل الطريقة لأنّ غاية ما يبلغ العارف إلى مجال الألوهيّة أي الذات المستحقّة للربوبيّة, ولا يطلب كنه الذات وحقيقتها لما يؤديه ذلك إلى الاستهلاك التام, وإنّما غايته المشاهدة ومن هنا ابتدأ خواص المحققين فكان سير الأولين لله, وسير الآخرين في الله: (كلا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورا / الإسراء آية / 20).

    وقد تزاحمت همّة العارفين إلى مقام عجزت عنه خواص المحققين, وكيف لا يعجزون عند مقام وقفت دونه الخواص والعوام, وقد يطرأ هذا الحال على خاصّة الخاصّة من الكمّل, فيخرجهم عن سائر الأحوال لكونه وقتا يقتضي انطواء سائر التجليّات من الأسماء والصفات فضلا عن المكونات لحصول الغيبة في بطون الذات, التي لا ذوات مع تلك الذات, ذات مجرّدة, ونفس مفردة, أمر مجيد, وكنز غميض, بحر لا موج فيه, ولا فسحة لديه, لا يمين ولا شمال, ولا كيف ولا مثال.

    ففي هذا المقام تكلّ العبارات, وتضيع الإشارات, وتخشع الأصوات: (لا يتكلّمون إلاّ من أذن له الرحمن وقال صوابا / النبأ آية / 38), وكيف يتكلّم من لم يجد كلاما إذ الكلام ممنوع على أهل هذا المقام والذي أعطاهم ذلك مبالغتهم في التوحيد وغوصهم في ميادين التفريد, فاستخرجوا من ذلك البحر الراكض والكنز الغامض أقوالا لا تقتضي تعطيل النعوت, فلهذا استحبّوا السكوت, فهم في كلل ورهبة وجلال وغلبة دعاهم ذلك إلى الفناء عن الحقّ كما أفناهم أولا عن الخلق, فهم في حضرة مستوية الطرفين من نفي وإثبات, وحياة وممات, فإفشاء الحقائق بالنسبة لهؤلاء تشريع, ولهذا قال الإنسان الكامل رحمه الله بعد أن أفشى في كتابه ما لا ينبغي إفشاؤه بقوله:

    فثمّ أمور ليس يمكن كشفها *** بها قلدتني عنها قلائد الشرائع

    فتحصل من هذا أنّ للعارفين أسرارا لا تمرّ على الأفكار, كما قال سلطان العاشقين رحمه الله:

    فثمّ وراء النقل علم يدق عن *** مدارك غاية العقول السليمة
    تلقيته مني وعني أخذته *** ونفسي كانت لعطائي ممدتي

    فكذلك قلب العارف له مادة من جانب حضرة القدوس ساطعة في مرآته كسطوع الشمس في شكل القمر, بل أكثر وأظهر كما قيل في هذا المعنى:

    إنّ شمس النهار تغرب ليلا *** وشمس القلوب ليست تغيب

    اللهم إلاّ إذا حال بينها وبين القلب حائل, إي من بينها جرم النفوس ووقع المرور في عين المادة كما تقدّم, فيستتر نور الشمس بوجود تكدّر النفس, فيظلم حينئذ الفؤاد وتنقطع عنه المعارف والإمداد ويستبدل مكان اللطائف بالكثائف والحقائق بالخلائق والرتق بالفتق, وتنطبع في مرآته صورة الأثر بدلا من المعارف والأسرار, وتتحكّم جنود الظلمة وتتقهقر الأنوار, وعليه فيطلب من صاحب هذا المقام أن يسعى في مداواة قلبه قال عزّ من قائل: (يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحا فملاقيه / الانشقاق آية / 6), فإذا حصل التوجه وزال سحاب النفس عن سماء حضرة القدس, فتشرق حينئذ أنوار الشمس فيزول اللبس ويتنوّر الحس, فيحظى ذلك القلب بالكسب من بعد السلب, وينتقل من البعد إلى القرب ومن الظمأ إلى الشرب.

    إنّ المراد بالسجود الرجوع مع الطريق والمرور على المقامات والتمسّك بما فاته من سنن الطريق, ولا يهمل ذلك اتكالا على ما حصل له من التحقيق فمهر الحقيقة في ذمّة المريد إمّا تقديما أو تأخيرا, لأنّ المريد وإن كان حصل على المقصود بالذات فهو مطلوب بعد ذلك بتقيد تلك النعمة التي أنعم الله بها عليه, وكما قيل: إنّ شكر النعمة تمام الخدمة, ولا يخفى ذلك على ساداتنا العارفين ما يجب على المريد من سلوك الطريق إمّا ابتدأ وإمّا انتهاء, أمّا السالك المجذوب وبيان الحالة التي ينتهي إليها السالك وما يؤول إليه شغابه ما حصل للمجذوب ابتدأ إلاّ أنّ ذلك يحصل له بعد قطع المقامات, والتثبت في التجليّات, فهو معطي لكلّ مقام ما يستحقه, وهذا حال محمود لما فيه من التمكّن في الشريعة والطريقة, والتغلغل في الحقيقة, فما أشرفه من حال إن كان على هذا المنوال.

    أمّا إذا حصل للمريد ثبات في الشرع, وثبات في الجمع بأن يكون متخلّقا بالأخلاق المحمديّة والأوصاف الزكيّة فهذا لا يطلب منه استكثار النوافل لما يؤدي ذلك لتحصيل الحاصل لأنّ كثرة الأوراد استنتاج الوارد لا نتيجة الوارد أن يكون على الله واردا, ونتيجة ورود المريد على الله أن يكون ممتثلا في الظاهر لأمره ومستسلما في الباطن لقهره, وهذه نتيجة قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحبّبكم الله / آل عمران آية / 31), ومتى وجدت هذه الأوصاف في المريد, فقد وجدت فيه أوصاف العبوديّة.

    إنّ كلّ ما يشغل المريد عن الله فهو قاطع كائنا ما كان, ولو كان من أفعال البر, وأمّا المشتغل بالأمور الدنيويّة فلا يصح التكلّم عليه لأنّه من الله بعيد, لا يعد من السائرين إلى الله عزّ وجلّ ومحبط الكلام في المنشغلين عن إداء حقوق الطريق, فإذا وقف المريد مع سوى القدر الواجب حالة سيره إلى الله, فيكون واقفا مع غيره ويطلب بالانتقال على الفور.

    إنّ من شروط وجوب الجمعة أيضا الذكوريّة, أي فليست هي واجبة إلاّ على من اتصف بالذكوريّة والرجوليّة وكان من الرجال الذين قال في حقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ لله رجال لا يشقى جليسهم), ثمّ اعلم أنّ الرجل هو من خرج من حضرة الحجاب, وأمّا المتصفون به فليسوا برجال, وإنّما هم من الجملة الذين نزلت فيهم آية الحجاب بالنسبة لهذا المقام.

    إنّ مقام الجمعة مقام غميض, لما فيه من تعطيل الأسباب حيث انعدمت الفروع في الأصول, وعند انعدام الفروع سار الانعدام إلى اسم الأصول لا للذات, لأنّ الأصل تأصّل بوجود الفروع, وكلما انعدمت الفروع كلّ اللسان عن التعبير بما هنالك, وحاصل الأمر إنّ اجتماع الجمعة بغير الوقت على ما هو عليه, ولهذا كانت صلاة الظهر رباعيّة, فلمّا دخلت عليها الجمعة صّيرتها ثنائية, وفي ذلك دليل على أنّ هذا الاجتماع طيّ محض لا انتشار فيه بخلاف الجماعة فإنّها تترك الصلاة على هيئتها, ولا تغيّر الوقت على ما هو عليه, والاجتماع فيها سنّة وهي عبارة عن جمع القلب على الله عزّ وجلّ في حضرة مستويّة الطرفين, بحيث يصير العارف يرى واحدا في وجود اثنين, أي يرى الوجود من حيث ظاهره نقطة من طين, ومن حيث باطنه خليفة ربّ العالمين, وكما قال المصنّف رضي الله عنه:

    بجمعة جماعة قد وجبت *** سنّة بفرض وبركعة رست

    لما ذكر المصنف أحكام الصلاة, وما احتوت عليه من المعارف والإشارات شرع يبين فيمن يستحق التقدّم على أهلها, ويكون إماما في هذا الفن العظيم والأمر المهم, فقال رضي الله تعالى عنه:

    شرط الإمام ذكر مكلف *** آت بالأذكار وحكما يعرف
    وغير ذي فسق ولحن واقتداء *** في جمعة حرّ مقيم عددا

    فأخبر أنّ الإمام الذي هو كناية عن شيخ التربية الدّال على الله بالله, المدّعي الوصول إليه يشترط فيه شروط, فإن فقدت أو فقد شرط منها لا يصحّ الإقتداء به, ولا يمكن الوصول للمريد ما دام متعلّقا به بل يكون له قاطعا عن الله من أعظم القواطع حيث كان المريد متعلّقا به لا يلتفت لغيره فمن شروط الإمامة الذكوريّة, وقد تقدّم الكلام على معنى الذكوريّة, ويفهم منه أنّ إمامة المرأة لا تجوز ولو بمثلها, وهو كذلك وعلى من كان مشابها لها من أي في قيد الحجاب فهو في رتبة النساء بالنسبة للرجال العارفين بالله سبحانه وتعالى, وتوضيح ذلك: أي أنّه لا يرى بعين بصيرته, ومن شروطها التكليف والمراد به أن يكون الشيخ غير صبي في طريق القوم بأن يكون مبتدئا في علمهم كأهل الفناء في الأفعال والصفات مثلا, بل يكون بالغا ومبالغا في شهود الذات الجامعة لسائر الأسماء والصفات متغلغلا في ذلك, فهذا هو الذي يصحّ الإقتداء به, وأمّا من سواه كأهل المقامات الواقعين مع ظهور التجليّات فهؤلاء لا يجوز الاقتداء بهم اللهم إلاّ بأمثالهم, وهم أهل النوافل المعبّر عنهم بأهل التبرّك, وأمّا أهل السلوك فيشترط في إمامهم أن يكون بالغا في التحقيق, وأن يكون في بلوغه مكلّفا أي شاعرا غير مغلوب عليه كأهل الجذب, فكذلك لا يجوز الاقتداء بهم لكونهم لا يميّزون بين المراتب والمقامات, لأنّهم مغمورون في غياهب التحقيق, ومن شروطها أيضا أن يكون الإمام آتيا بالأركان, والمراد به أن يكون عارفا بأركان الطريق, وآتيا بها أي متلبّسا بفعلها وهي رتبة عالية وحالة سانية إذا وجدت في العارف يكون مستحقا للتقدّم بين أقرانه, فأركان الطريق هي الأصول التي يتوقف عليها وجود التربية اثنان لا غير (وذلك بأن يكون الشيخ ظاهره سلوكا في الحضرة المحمديّة وباطنه جذبا في الحضرة الأحديّة), وإن اختل شرط من هذه الشروط لا تصحّ متابعته, ومن شروطها أيضا أن يكون عالما بالحكم, والمراد به أن يكون عالما بحكم الله في الشرع من حيث الظاهر, وفي الطريق من حيث الباطن, وعليه فالعارف يلاحظ حكم الله في جميع الأشياء ظاهرها وباطنها بأن يكون فاطنا بإشارة الحقّ له, وفاهما عن الله عزّ وجلّ, بحيث يكون نظره عبرة وصمته فكرة, يدور مع قضاء الحقّ حيث دار, ويلاحظ سرّ الألوهيّة أين سار, يشاهده في الكثائف ويحفظه في اللطائف, لسانه مع الخلق وباطنه مع الحقّ, فهذا والله وليّ الله, ويستحق التقدم على الخواص والعوام: (يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم / الإسراء آية / 71), ومن شروطها أيضا أن يكون غير ذي فسق أي داخل الطريق كما أحدثت الأحداث في الطريق ما ليس فيها وغلطوا, وزادوا عن المعارف حيث فقدوها, وطلبوا الدخول للحضرة وقد خالفوها, حيث لم يأتوا البيوت من أبوابها, وقد جعلوا عمدتهم في الطريق على أمور وهميّة وصور فانية لم توجد في السلف, ولا في الخلف كانوا عليهم تمام الرضا والرضوان عالمين بالشرع الشريف مستغرقين في الجمع, عاملين في الظاهر من حيث المجاهدة, وفي الباطن من حيث المشاهدة, فما هم إلاّ على قدم النبوّة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام, وعليه فلا يجوز الاقتداء بمن كان فاسقا في الطريق ولا فسق أعظم من هذا الفسق, لما فيه من الضرر العام للمقتدي بكلامهم, لأنّ ذلك من أعظم الآفات, لكونها صورا وهميّة يجب على الفقير الإعراض عنها, وإن عرضت له فلا يلتفت إليها ويقول مقصودي الذي أوجدك, ويقتدي بنبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم لما أسري به حيث كشف له عن السماوات السبع, ومن فيهن فأعرض عن الجمع, وطلب خالقها: (وأنّ إلى ربّك المنتهى / النجم آية / 42), وما زال سائرا حتى كان من ربّه قاب قوسين أو أدنى, ومن لم يكن على قدمه في سيره فلا يجوز الاقتداء به كائنا ما كان, ولو كان ممن يخرق الجبال فما هو إلاّ مفتر بطال وهائم في أودية الضلال, ومن شروطها أن يكون غير لاحن, وليس المراد لحن اللسان, وإنّما المراد به لحن الجنان (القلب), والعياذ بالله الّذي لا يجبر إلاّ بالمكث في النار ما شاء الله, ومن العجب أن يتعلّم الإنسان نحو اللسان ولا يتعلّم نحو القلب ولا يعلّمه, ونحو القلب يعبّرون عنه بالمحو لمحوه ما سوى الله من القلب, وصاحب هذا المحو لا ينطق إلاّ بالحكمة, ومن لم يوجد فيه هذا الوصف لا تصحّ إمامته, ومن شروطها أيضا أن يكون الإمام غير مقتد بغيره, والمراد به أن يكون مشروبه من إنائه بعد أن كان يأتيه من غيره, كما قال بعضهم:

    صار مشروبي من إنائي *** مذ استعذبت الورود

    وأمّا قوله في جمعة حرّ مقيم هذا الشرطان زائدان على ما تقدّم في إمامة الجمعة, وأمّا الجماعة قد تحصل بإمامة من ذكر, فلهذا يشترط في إمام الجمعة أن يكون حرا أي خاليا من كلّ ما مشابه رقية, والمراد به أن يكون عبدا لله عزّ وجلّ, فعبادته ليست معلّلة كأن تكون لخوف من نار, أو لطمع في جزاء, وصاحب هذا المقام النار لا تؤلمه والجنّة لا تنعمّه, إنّما يتنعّم بالقرب, ويتألّم بالبعد ومن شروط الإمامة أن يكون مقيما أي ساكن الظاهر وأمّا الباطن فهو المتحرّك لا محالة لقوله عزّ وجلّ: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب / النمل آية / 88), وأمّا إذا كان متحرّك الظاهر فلا يصلح للإمامة وخاصّة في المواطن الصعبة, بخلاف الساكن في الظاهر المتحرّك في الباطن فهو يجول في فنون الاتحاد بباطنه واقف في مركز الاجتهاد بظاهره فلهذا استحقّ التقدّم على غيره.

    ومن شروط الكمال للإمام أن يتكلّم مع الحاضرين كلّ حسب طاقته, وعلى ما تسعه حوصلته من قوّة وضعف لأنّ طعام الرجال يضرّ بالصبيان, والحقائق ليست متعاطيّة بين الخلائق, وعليه أن يكتم ما أمره الله بكتمانه, وتكره الإمامة بمن بقيت فيه بقية من الأوصاف النفسانيّة, لكونها تكدّر وقت الإمام, وإذا تكدّر وقته يسري ذلك التكدير للمقتدين به من المريدين لوجود الرابط بين الفروع وأصولها, ويكره الإمامة لقصير الباع في علم القوم, ضعيف الإشارة قصير العبارة, الذي لا يطيق أن يستنتج من علمه أكثر من قوله هو, هو, والمطلوب في حقّ الإمام أن تكون عمدته التلويح فيأخذ من المسمّى أسماء, ومن المعنى معاني ويتفنّن ويجول لأنّ القوم رضي الله عنهم قالوا: (التعبير يقتضي التنوير والتفصيل يقتضي التفضيل, المشروب واحد واختلفت المشارب, كما إنّ المشهود واحد واختلفت المشاهد), قال سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل / الرعد آية / 4), ويطلب من العارف كمال التستر والاختفاء لسرّ الألوهيّة فلا يبدي شيئا منها بين الأجانب, حتى يشكّ أنّه من أمثالهم حيث لم يجدوا شيئا زائدا على فهمهم, وقد قيل: إنّ صيانتها هو كتمانها عن غير أهلها, ويتجاهل العارف مع الجهّال حتى لا يعرف من بينهم, وربما سألوه عن معان فلا يجاوبهم عنها لعلوّ مقامه, لكنّ هذا مع غير أهل المقام, وأمّا مع أهله فالتكلّم به واجب, ولو بالإشارة, لأنّ اللبيب تكفيه الإشارة.

    وقال بعضهم كلامنا إشارة فإذا صار عبارة خفي, ومحل الكرامة حقّ المريد المتخلّف عن إخوانه في أفعاله أو في أقواله بغير عذر فقد خرج عن الصف حيث انفرد بفهمه ورأيه, والمطلوب منه أن يكون مع صف الجماعة وإن كانوا أضعف منه علما وعملا فيد الله مع الجماعة, وينبغي له أن لا يرى لنفسه أفضليّة حتى ينفرد بها, إنّما يتهمهما في سائر الأفعال ويوبخها في كلّ الأعمال, ويقول نتزاحم مع الذاكرين عسى الله أن يحشرنا في زمرتهم, كما قال سيدنا أبو مدين الغوث رحمة الله عليه:

    ما لذّة العيش إلاّ صحبة الفقراء *** هم السلاطين والسادات والأمرا
    فاصحبهم وتأدب في مجالسهم *** وخلّ حظّك مهما قدموك ورا
    واستغنم الوقت واحضر دائما معهم *** واعلم بأنّ الرضا يختصّ من حضرا
    ولا ترى العيب إلاّ فيك معتقدا *** عيبا بدا لكنّه استترا

    فمن لا يزاحم الإخوان لا يحصل على هذا الشأن, فالخير كلّه في مزاحمتهم والأخذ من كلامهم, وممّا نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنّه قال: (استفدت من الصوفيّة كلمتين, قولهم الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك, وقولهم اشغل نفسك بالخير فإن لم تشغلها بالخير أشغلتك بالشر), فانظر إلى شهادة هذا الإمام الأعظم حيث صرّح باستفادته من مجالسة الصوفيّة, وربّما كانوا أضعف منه علما, لكونه مجتهدا, وعالما عاملا متفننا واصلا, ولا ينبغي للمأموم أن يتقدم على إمامه حسّا ومعنى, لأنّ أستاذه يسيره في الطريق حال التكلّم معه في ميادين التحقيق, ولا ينبغي له أن يتقدّم عليه في التعبير, ولا يملي عليه في الكلام, ولو كان له حق في ذلك, وقد قالوا: (أي القوم) رضي الله تعالى عنهم: (ليس الشأن أن يفتخر المريد بشيخه وإنّما الشأن أن يفتخر الشيخ بمريده), وتكره إمامة مجهول الحال, أو الأصل, والمراد به من ليس له سند محقّق, وسلسلة طريق مجهولة أو موجودة إلاّ أنّها غير متصلّة بحضرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم, ويكره إمامة غليظ القلب ذو الفظاظة في سيرته, ولو كان هو فظّا على الحقّ إلاّ أنّه ينبغي له أن يقدّم اللين على الفضاضة خصوصا في سيرة المشايخ, لقوله عزّ من قائل لصاحب هذا المقام: (ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك / آل عمران آية / 159), وقد قال سلطان العاشقين في مدح من اتصف بهذا المشرب:

    ويكرم من لم يعرف الجود كفّه *** ويحلم عند الغيظ من لا له حلم

    ويكره أيضا إمامة من لم يكن له أب في الطريق أي شيخ بحيث فتح عليه من الأوراق, أو ادعى أنّه حصل له بملازمة الأوراد أو بملاقات سيد من الأموات مثلا, أو بما سوى ذلك من النوادر والاقتداء بصاحب هذا المقام مكروه إن لم نقل بعد بجوازه, لأنّ الفتح موقوف على صحبة ذي الفتح, وحكم من فتح عليه بدون شيخ كمن ولد من غير أب شرعيّ.

    إنّ المريد الطالب الدخول على الله يجب عليه متابعة شيخه ومطاوعته في سائر الأمور الدينيّة والأخرويّة والحسيّة والمعنويّة, ولا يختار معه ولا يريد ولا يفهم مع فهمه ولا يقصّر ولا يتأول في كلامه, وأن يكون تابعا له على أي حالة كان عليها لأنّ متابعته واجبة على المريد ومخالفته لا تجوز, وحاصل الأمر أنّ متابعته تجب على المريد على أي وجه وحده متلبّسا به من الطاعة اللهم إلاّ إذا وجده غير متصف بأوصاف القوم من ذكر وفكر واجتماع على الله, والنصيحة في ذات الله والوقوف مع حدود الشرع بحيث وجده مهملا لسنّة القوم من حيث هي, فهذا ليس بإمام إنّما هو من جملة العوام, فهذا لا يجب على المريد متابعته. حفظنا الله وحفظ كلّ من يريد النجاح أمام ربّه.
    (5): كتاب الزكاة:
    تقدّم ما للقوم من الأسرار والمعارف والعلوم واللطائف, وإنّه أعطى لهم من ذلك ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر, ولما تحقّق لهم الملك ومال لحيزتهم بأن صار مقصورا عليهم حيث تبتلوا للحقّ, وتيمموا في جانبه وهب لهم ما لديهم من الخيرات, وقال لغيرهم صونا لسرّهم: (ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالتي هي أحسن / الأنعام آية / 152), قلت: فمن يتجاسر على مقاماتهم:

    تنحى عن علم القوم لست من أهله *** لا تقرب مال اليتيم ذاك نفس البلاء

    ولمّا تمّ لهم ذلك طلبوا حينئذ بوجوب الزكاة, لأنّ الزكاة معناها النمو والزيادة ويؤخذ منها الشكر على النعم, وفي ذلك تقيّيد من زوالها لما قيدوا النعم بالشكر, وقال عزّ من قائل: (لئن شكرتم لأزيدنكم / إبراهيم آية / 7), وقال بعضهم: (من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها), والمعنى على كلّ حال أنّ الشكر واجب على كلّ ما يرتسم (محقق الوجود), كما قال المصنف رضي الله عنه:

    فرضت الزكاة فيما يرتسم *** عين وجب وثمار ونعم

    ومن الأشياء الثلث (الأصناف الثلاثية), وهي (العين, الأنعام, والحبوب), وما في معناها لا زائد على ذلك, ثمّ اعلم إنّ القوم على أقسام ثلاثة: (مبتدئين, سائرين, واصلين), ولكلّ مقام وحال حلم يخصّه, ومع هذا وإن تعدّدت مراتبهم واتسع ملكهم لا يخرج عن هذه الأصناف الثلاثة, أمّا إن يكون أحدهم ذا عين, أو ذا حبوب, أو ذا نعم, وإمّا أن يكون مالك للجميع, وهو المسمّى (بالقطب الجامع والترياق النافع) ففيه شيء من العرش إلى الثرى, ثمّ اعلم إنّ لكلّ صنف من تلك الأصناف زكاة مخصوصّة لما تقدّم في صدر بعض الأحاديث لكلّ شيء زكاة, إلاّ أنّ الزكاة تختلف باختلاف التجليّات فمنهم من تجلّى عليه الحقّ بأسمائه, ومنهم من تجلّى عليه بصفاته, ومنهم من تجلّى عليه بذاته, ومن أجل هذا كان الشكر ينقسم إلى أقسام ثلاثة: شكر باللسان ويكون بمعنى الحمد, وشكر بالجنان وهو خلوّ القلب ممّا سوى الربّ, وهو قوله تعالى في حقّ سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: (واصطنعتك لنفسي / طه آية / 41), وهذا شكر الخاصّة, وشكر بسائر الأركان وهو قوله تعالى في حقّ نبيّه وصفوته من خلقه محمد عليه الصلاة والسلام: (واستقم كما أمرت ولا تتبع أهوائهم / الشورى آية / 15), وحقيقة هذا الشكر هو صرف العبد بجميع بدنه: (جوهره وعرضه), لما خلق لأجله, وهذا عزيز الوجود والدّال عليه قوله تعالى: (وقليل من عبادي الشكور / سبأ آية / 13), وإنّ لكلّ قسم من هذه الأقسام فروعا متنوعة, وأول الأصناف الثلاثة المتقدّمة في الذكر هي: (العين وهي كناية عن عين الحقيقة, وقد يعبّرون عنها بحقيقة الحقائق), ومن تحقّق بهذه الحقيقة يكون عينا من عيونها, أو لنقل عينا من عيون الله, وأرض الله لا تخل من عيونه, قال سبحانه وتعالى لنبيّه: (فإنّك بأعيننا / الطور آية / 48), وفسرت هذه العيون بالخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم, نعم, هم عيون الله وكلّ من على قدمهم متصّلا بمشربهم فله من ذلك الميراث أي له نصيب من شهود الذات الإلهيّة حقيقة تلك الحقائق المتقدّمة في الذكر, إلاّ أنّ الحقيقة الذاتيّة ليست متعاطية بين الخلائق إنّما هي منزّهة من أن تدرك بالبصيرة فضلا عن البصر, (إلاّ من كان بصره حديد), أي متحدّدا من ذلك المعدن القديم والسرّ الملهم فيكون الباصر هو عين المبصور من حيث السريرة لا من حيث البصيرة, فالأصل عين والفرع غين, والغين شين, والنقطة زين, والغفلة بين, والبين حجاب, والحجاب عذاب: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم / الأنفال آية / 33), إنّ زكاة العين لها أصل وهو العرفان, ولها فرع ومن جملتها الكتمان عن غير أهل هذا الشأن, وإنّ هذه الزكاة تصرف لأهلها الفقير والمسكين وتمنع من غير أهلها, وأمّا زكاة النعم فهي كناية عما أنعم الله به على عباده, وهما نعمتان: (نعمة الإيجاد, ونعمة الإمداد), ولهما فروع, ومن فروع نعمة الإيجاد الجوارح السبع فمن ملكها, وتحقّق له الملك بأن صار يتصرّف فيها كيف شاء بدون أن تمنعه من ذلك سطوّة الشيطان, والنفس حينئذ وجبت عليه لإثبات الملك له فهذه زكاة الجوارح المعبّر عنها بالنعم, وأمّا زكاة الحبوب والثمار فهي كناية عن نتيجة نعمة الإمداد المتوالية على العارفين حالة رسوخهم في المقام وتفننهم في العبارات ويكون ذلك دليلا على رسوخهم في حضرة الله.

      الوقت/التاريخ الآن هو 21/11/2024, 22:40