..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3 Empty المنح القدوسيّة في شرح المرشد المعين بطريق الصوفيّة - الشيخ العلاوي ـ ج3

    مُساهمة من طرف Admin 25/5/2021, 20:50

    وحاصل الأمر إنّما تجب الزكاة على المريد في العين بعد رسوخه وثباته وتمييزه بين المقامات ومعرفته لأنواع التجليّات, وإن كان المتجلّي واحد فالتجليّات تختلف باختلاف المظاهر, فعند تمكّن المريد في هذا المقام يكون مطلوبا بوجوب الزكاة إن تحقّق لديه النصاب, وأمّا زكاة النعم فكذلك هي واجبة على المريد في كلّ الأوقات وفي كلّ الساعات, وفي سائر اللحظات إذا تحقّق له الملك, وثبت له الإخلاص في عمله وإلاّ فلا, لأنّ زكاة النعم لا تجب على المكلف إلاّ إذا صارت طوع يديه بأن صار يتصرّف في أعضائه وجوارحه كيف شاء بنصرة الله تبارك وتعالى له, وبعد كونها طائعة تكون من مأكولات اللحم إي فلا تكون من المحرمّات ولا المكروهات, والمعنى أنّها تكون من مقبولات العمل خالصة فيه لله عزّ وجلّ, وعملها يعود عليها: (من عمل صالحا فلنفسه / فصلت آية / 46), (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم / الحج آية / 37), لأنّ عملها يكون للألوهيّة, والألوهيّة جلّت من أن تقبل العمل المدخول.

    إنّه ينبغي للإنسان أن يشتغل بنفسه ويستكمل فضائلها, وهذا هو الفلاح الذي قال فيه عزّ من قائل: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربّه فصلّى / الأعلى آية / 14), وتزكية النفس هي معرفتها من حيث فرعها وأصلها ودسّ النفس هو أن تجهلها, إنّ العارفين طبقات: (عارف بنفسه, وعارف بربّه), إلاّ أنّ العارف بنفسه أشدّ معرفة من العارف بربّه: (أشدّكم معرفة بنفسه أشدكم معرفة بربّه), يقول الحكماء: الأشياء مرهونة في أوقاتها, وإيّاك أن تبرز بالحكمة قبل أوانها, اللّهم إذا تحقّقت بطيب الثمار المفسرّة بالمعارف والأسرار, وتبين لك أنّ ذلك أوانها, فحينئذ وجبت عليك الزكاة بحسب تنوع تلك المعارف, وفي هذه الحالة لا يكتم ذلك العلم إذا كان نافعا لأهل زمانه في دينهم ودنياهم لا بمجرد معرفته له يكون مطلوبا بإظهاره, بل ربّما يكون فيه فتنة, وقد نهى النبيّ عليه الصلاة والسلام بعض الصحابة لما سأله: (آأحدث بكلّ ما أسمع منك يا رسول الله ؟ فقال: إلاّ بحديث لم يبلغ عقول القوم), والمستفاد من هذا الحديث أنّ العلم لا يجب إظهاره إلاّ إذا تحقّقت نتيجته, (أي العلم المكنون الذي لم يبلغ عقول القوم), وأمّا العلم الذي وجب تبليغه فأربابه مأمورون بتبليغه في كلّ الأوقات, ومحط الكلام فيما وراء ذلك من دقائق العلوم.

    وعليه كلّ ما أتى أوانه وجبت زكاته وبثه وإظهاره لأنّ الشريعة المطهّرة أتت بما يعود على الأمّة بالصلاح في الدين والدنيا, فلهذا كان ورثتها يدورون مع العلّة وجوبا وعدما, وكلّما أتى أوان علم من العلوم وجب إظهاره, ولهذا كان الكلام الذي يبرز من أفواه العارفين يكون نافعا في قلوب السامعين بمجرد التلّفظ به, ولأنّ معارف العارف وما يرد على قلبه ليس هو نافعا للعموم, ولا يصحّ في كلّ الأوقات إنّما الأوقات في ذلك مختلفة, وعقول الخلق متباينة, فالأحكام تترادف والأمراض تختلف, ولكلّ داء دواء, فمن أراد أن يبث علم القرن الرابع عشر في القرن الثالث عشر مثلا فقد أخطأ في تصرّفه, وأراد أن يزكيّ الحبّ قبل إفراطه, وذلك لا يجوز: (وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم / الحجر آية / 21), واعلم أنّ الشريعة كنز, وكلّ ينفق ممّا حصل عليه: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا أتاه الله / الطلاق آية / 7), فالعارف يتطوّر مع الأطوار ويظهر في الظروف على مقتضى ألوانها, ولون الماء لون إنائه يظهر في كلّ آنية بما تقتضيه حقيقتها, ومن البديهي أنّ ظروف الزمان والمكان سريعة التغيّر والانقلاب وتجد العارف فيما منحه الله من المعارف يبدي في كلّ وقت ما يساعد أهله, ولا يزيدهم في الشرع إلاّ رسوخا, ولهذا سمّي القطب قطبا لأنّه تدور حوله الأفلاك, وهو لا يدور يظهر مع كلّ مستحق للظهور, تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور, والحقّ يجري على ألسنة علماء كلّ زمان بما يليق بأهله, ولهذا تجد العارف يتطوّر في كلّ زمان بما يليق بأهله, ويستخرج من المعارف الذوقيّة ما دعت الضرورة لإخراجه ولا يفعلون ذلك إلاّ تعضيدا للشريعة النبويّة ونصرة لها لأنّهم أمناء على أسرارها بشرط أن لا يظهروا إلاّ ما هو مستحق الظهور, ولا يزيدون على القدر المحتاج إليه, فكلّ غلّة تؤكل في وقتها وقد تكلّم المصنف عن زكاة العين والنعم والحبوب ثمّ صرّح ولوّح باعتبار تلون الفروع واختلاف لذّاتها وطيب مذاقها فكلّ يأخذ على قدر مشربه: (قد علم كلّ أناس مشربهم / البقرة آية / 60), والتفصيل يستلزم التطويل, ومن فتح عليه يستخرج كلا من نفسه (وإنّ من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار / البقرة آية / 74).

    إنّ الزكاة لا تجب إلاّ على من ملك النصاب في المعارف لأنّه لا ينطق إلاّ بالصواب, وكان له ذلك من حيث الميراث النبويّ.

    إنّ عمل الجوارح راجع للنفس, والنفس تختلف باعتبار المقامات, وقد قسمت إلى خمس مراتب, وهي إمّا أن تكون: (أمّارة, أو لوّامة, أو مطمئنّة, أو راضية, أو مرضيّة) ولم يمدح الحقّ تبارك وتعالى من هذه الأقسام إلاّ ثلاثة في قوله: (يأيتها النفس المطمئنة, ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة / الفجر آية / 27, 28), فالعمل الناشئ عن هذه النفوس الثلاثة يكون مقبولا في الغالب, وأمّا إذا صدر عن الأمّارة يكون مردودا على صاحبه لأنّ جوارحها تكون بمنزلة المحرمّة الأكل لا تجوز فيه الزكاة, وكذلك العمل الصادر من النفس اللوّامة فهو غير محقّق القبول لأنّه مدخل فلا يعتدّ به المريد, وعليه ينبغي للمريد أن لا يشتغل إلاّ بتصفية نفسه, فإذا استكملت النفس صلحت للسير فيكون عملها حينئذ يقربّها إلى الله زلفى, فلهذا ينهض بها إلى حضرة الله وليس هو إلاّ عمل القلب, إنّ الرتبة الأولى من زكاة النفوس, والتعبير عن مكاسبها الفعالة بالإبل, فاستعار لفظ الإبل للنفس المطمئنة, لأنّ النفس إذا اطمأنت للعمل فلك أن تحمل عليها ما شئت من أنواع القربات, فقد أعطيت من حلاوة الطاعة فذلك نتيجة قبول عملها, وإنّ هناك مقام آخر, ارفع رأسك للخارج, فإذا رفعت النفس رأسها تشوفت لما يخفى عليها فيهون عليك أسرها, وما زال أمرها يهون إلى أن تبلغ درجات الرضا فتكون راضيّة.

    إنّ النفس المرضيّة ينتقل عملها غالبا إلى القلب, فلهذا خفت الأثقال على الجوارح: (لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها / البقرة آية / 286), ولهذا قيل إذا صار العمل للقلب استراحت الجوارح, وذرّة من عمل القلوب أفضل عند الله من وزن جبل من عمل الجوارح, وقد صارت هذه النفس متشوقة لقضاء الله, راضيّة بما قسم لها ملاحظة لصفاته فانية في أفعاله لا ترى لذاتها عملا قائلة: (والله خلقكم وما تعملون / الصافات آية / 96), فإذا تمكنت من هذا المقام تنتقل إلى أن تكون مرضيّة عند الله, وهذه النفس هي نفس العارفين وعباد الله الموحدين, ويرفع الله تبارك وتعالى عليها كلّ المشاق اللّهم إلاّ الأحكام التكليفيّة, ولكلّ مقام حكم يخصّه, ولهذا نصبت قوانين لزكاة هذه النفس, وكلّما ارتفعت إلاّ ويفسح لها في معاملة الظاهر.

    وهذا الحكم غير الأوّل, وهو حكم زكاة النفس المرضيّة وعبّر عن جوارحها بالغنم لما فيه من المشابهة ووجه الشبه هو الانتفاع, لأنّ النفس إذا وصلت لهذه المرتبة تكون الأعمال الصادرة عنها كلّها فائدة لصاحبها, إنّ العمل الصادر من النفس المرضيّة هو مرضيّ عند الله لا محالة, لأنّ صاحبها صار كلّه بالله, حيث إنّ عباد الله الصالحين غابوا عن وجودهم في وجود موجدهم, لا يرون لأنفسهم أثرا في الوجود يذكر, فالعمل الصادر من صاحب هذه النفس كلّه ربح ابتداء وانتهاء, وحاصل الأمر أنّ المصنف أشار لكلّ المقامات الثلاثة إجمالا وتفصيلا, وما ورد شرحه في بداية الكتاب, وذلك لتنبيه من ليس له خبرة بالقوم وبما هم عليه لعلّه يتشوّف لمشربهم لأنّه عزيز, قلت في هذا المعنى:

    شراب يحتاج الكلّ طرا لشربه *** كما يحتاج السكران لمزيد السكر

    إنّ أهل العلم بالله منهم من يجب عليه إخراج الزكاة أي إظهار ما عنده من العلوم المكنونة, وهذا في تلقين الحقائق على وجه ذوقي, فهذا المنصب ليس مباحا لكلّ محقّق, إنّما هو واجب على من توافرت فيه الشروط أو أذن له في ذلك, فهذا هو المطلوب لإظهار الحقائق على كيفية مستحسنة شرعا, وأمّا من لم يؤذن له في ذلك فالغالب يكون فتنة عليه وعلى أتباعه, لأنّ الحقيقة لم تدعه لذلك, كما قال سيدي أبي مدين الغوث رضي الله عنه: (من خرج للخلق قبل حقيقة تدعوه لذلك فهو مفتون).

    إنّ المعارف الغيبيّة والعلوم الذوقيّة لا يزكى منها إلاّ ما طاب وقته, فقد تقدم أنّ بعض الصحابة قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (آأحدث بكلّ ما أسمع منك؟ فقال: إلاّ بحديث لم يبلغ القوم فيكون على بعضهم فتنة), ولهذا قيل لا ينبغي للإنسان أن يتكلّم ولو بما لاحظ في اللوح المحفوظ لأنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب, والكلام الصادر من هؤلاء القوم هو من وراء اللوح, فلهذا يكون محقّق الوقوع في الغالب, وأمّا كلام الأنبياء والمرسلين لا يتخلّف إلاّ إذا كان وحيّا, وأمّا إذا كان مناما أو إلهاما قد يتأخر زمانه كما في كلام الأولياء, ومن هنا قال عزّ من قائل لنبيّه عليه الصلاة والسلام: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربّ زدن علما / طه آية / 114), وقد يكون من الأولياء من لا يتكلّم إلاّ بما قضى الله بتنجيزه فلا بدّ من وقوعه هذا هو الكبريت الأحمر والمسك الأضفر, وإن قيل بماذا حصل على هذا الشأن العظيم, قلنا: حصل عليه بسبب انطوائه في عين الجمع ونظره للأشياء من حيث أصولها فضمها لبعضها.

    قلت إيّاك يا أخي أن يقع بصرك على الموجودات, فتتوهم أنّه قد وقع على وجودها لذاتها, وذا محال لأنّ الأشياء من ذواتها العدم والبصر لا يتعلّق بالمعدوم, وإنّما وقع على وجود موجدها الذي هو معار إليها: (الله نور السموات والأرض / النور آية / 35).

    والمراد بالفطر عند القوم: هو الرجوع للخلق بعد الإعراض عنهم إلاّ أنّ الرجوع يكون بالله, والمعنى يلاحظ الخلق وغير الخلق, وأمّا الصيام عندهم لا يكون لهم إلاّ بخروجهم عن هذا الكون, وفنائهم في اسمه الباطن, فإذا تمّ لهم ذلك وأمروا بالرجوع ليتحققوا باسمه الظاهر في جميع المظاهر, فيكون لهم ذلك يوم عيد, لما وجدوا الباطن عين الظاهر كما إنّ الأوّل عين الآخر, وكلّ ذلك لسبب تحقّقهم بقوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن / الحديد آية / 3), ولمّا فاض الله عليه هذا العلم الذي لم يكن له خبرة به, ولم يتصور في ذهنه, ولم يكن له رجاء فيما حصل عليه لما تقدم في هذا المعنى:

    نلت مرادي فوق ما كنت راجيا *** فوا طربي لو تمّ هذا ودام لي

    وجبت عليه حينئذ الزكاة أي ينفق بعض ما حصل له على إخوانه, ويفيض عليهم من ذلك العلم الجديد, ليتقوى يقينهم فيما هم عليه, وأمّا هذه الزكاة بالنسبة لغيرها شيء قليل لتغني الحرّ المسلم في ذلك اليوم أي لمن له تسليم في الطريق, حتى إذا سمع تلك الحقائق من المريد الواصل إلى الله في تلك المدّة يتقوّى عزمه ويستغني بطريقه ويطمئن قلبه.

    وحاصل الأمر أنّ المريد عندما يدخل على الله يخرج من عنده بعلم وهو يوم العيد المعلوم عند القوم, فتجده يتكلّم بأسرار عجيبة أمام إخوانه وفي الغالب أمام شيخه ولا يتكلّم معهم إلاّ بعلوم من دقائق القوم, لأنّ للقوم معاني لا يطلّع عليها أحد غيرهم, إنّ هذه الزكاة واجبة على عامّة العارفين أي حالة وصولهم, ثمّ بعد ذلك يعود كلّ لعادته ولا يخرج أحدهم عن منصبه (عاش من عرف قدره وجلس دونه) ولهذا قيل: (أول الطريق جنون وأوسطها فنون وآخرها سكون), وربّما يتجاهل العارف الجاهلين حتى لا يعرف من بينهم وإذا سئل عن أمر لا يجيب عنه لمعرفته بقدره والوقوف عند حدّه: (وما منّا إلاّ له مقام معلوم / الصافات آية / 164).

    (6): كتاب الصيام:
    الصوم في اللغة مطلق الإمساك, وفي شرع القوم هو الإمساك عمّا سوى محبوبهم, ولهذا المقام فرائض وشروط وموانع ومستحبّات.

    لكن يكون إمساك العارفين عما سوى الله في حضرة مخصوصّة, وهي حضرة الذات وقد يعبّرون عنها بحضرة الجبروت, وفي الغالب يتعذّر الجمع على صاحب هذا المقام لاضطراب أمواج الأسماء والصفات, فكلّ ذلك مناقض للإمساك بخلاف الحضرة الأحديّة فهي منزّهة عن أن يناقض غيرها وصاحبها, وإن خطر على قلبه ما سوى الله فقد خرج منها وبطل صومه, فهكذا يكون صاحب تلك الحضرة المتقدّمة في الذكر, وأمّا باقي الحضرات فقد يحتجب صاحبها بظهور الأسماء والصفات, فيكون شهود الذات في حقّه مستحبّا إن أدركته.

    لمّا تقرّر عند القوم أنّ الإمساك واجب عما سوى الله تشوّفت النفوس إلى معرفة وقت الوجوب, فأخبر المصنف بأن ذلك يكون عند رؤية الهلال فكأنّه يقول: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه / البقرة آية / 185), فالمقام مقام مشاهدة, ثمّ اعلم أنّ هذه الرؤية لا تكون في أرض الكثافة إنّما تحصل في سماء اللطافة, ومن لم يرفع رأسه للخارج فلا يرى ملكوت السموات والأرض, ولهذا تجد أكثر المريدين حالة دخولهم على الله غلب عملهم تغميض العينين وجمع الحواس حالة الذكر, وذلك من أهم الوسائل في الطريق لأنّ المريد لا تجتمع همّته إلاّ عند انقطاع مادة الحسّ, والحسّ له غلبة في الظاهر, وكلّ ما يصل من الحسّ إلى المعنى حالة الفناء فذلك مناقض للإمساك اللّهم إلاّ إذا صار الحسّ هو عين المعنى, فحينئذ لا يكون مناقضا, والوصول إلى هذا المقام من وراء العقول, ثمّ اعلم أنّ نفس المريد إذا أصابها قطيعة وهي المعبّر عنها بدم الحيض أو النفاس فيحرم عليها الاستغراق وينسدل عليها الرواق لوجود المانع, ومتى ارتفع هذا المانع يجب على المريد أن يقضي ما فاته من أوقات الموافقة.

    ذكر ما يكره على المريد, وهو أن يخطر شيء من الحسّ على بصيرته خشية أن يرتسم ذلك في لبّه فينقطع عن ربّه, فلهذا ينبغي للمريد أن لا يتهاون في ذلك, بل يقف على باب قلبه.

    إنّ الخارج من الحسّ في دفعة إلى المعنى تعتريه أمور محسوسة حالة سيره في الطريق, تعرض نفسها عليه, وإن وقف معها حرّم عليه, وقد تقدّم أنّ الحسّ مناقض للمعنى والمريد يريد الخروج عن الكلّ فإذا وقف مع البعض فيكون له قاطعا عن الله, إنّ القواطع كثيرة من أن تحصر بحيث لا يمكن الخروج عنها تفصيلا, وإنّه إذا أراد الخروج عنها شيئا فشيئا فهي متتابعة, لأنّ كلّ ما يعتري المريد من الأسباب المناقضة لصيامه هي داخلة في العرش, وأمّا في خارج هذا المظهر لا يجد ما يناقض صيامه, لأنّ المحلّ محلّ تنزيه, وفيه قال سلطان العاشقين رضي الله عنه:

    صفاء ولا ماء ولطف ولا هواء *** ونور ولا نار وروح ولا جسم

    الفطر لا يتمكن ما دام الحسّ مفقود اللّهم إلاّ إذا رجع له, ورجع بنفسه, وأمّا إذا رجع بربّه فذلك هو المطلوب, وهو المعبر عنه بالعيد, فيكون الفطر فيه واجبا فنقصد الواجب حيث وجدناه, ونلاحظ الله حيث عرفناه, فإذا صار الحسّ عين المعنى, فلا يخرج عنه بل يكون عنده كجبل موسى عليه السلام يقصد فيه وجود الأنس, وموسى عليه السلام طلب رؤية التنزيه قبل أن يعلّقها له على التشبيه أي على الحسّ لقوله تعالى: (انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني / الأعراف آية / 143), فلمّا تحقّق في الحسّ أو نقول في عالم التشبيه استغنى بذلك عن عالم التنزيه, إنّ كلا من الحسّ والمعنى والتنزيه والتشبيه: (فأينما تولوا فثمّ وجه الله / البقرة آية / 115), يقول ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: (ممّا يدلّك على وجود قهره سبحانه أن حجبك عنه بما ليس بموجود معه), فلهذا تجد أكثر العارفين في نهايتهم يأنسون بوجود الخلق كما كانوا يستوحشون منهم في بدايتهم, وحاصل الأمر أنّ المريد يطلب منه الرجوع للحسّ بمجرد معرفته له, كما يطلب منه الخروج عليه أولا.

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 03:29