..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 22

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:25

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 22
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 317 “

    أبغض إلى اللّه تعالى منها ، ما نظر إليها منذ خلقها ، ولقد عرضت على نبيّنا صلى اللّه عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك عند اللّه جناح بعوضة ، فأبى أن يقبلها ، وما منعه من القبول لها مع ما لا ينقصه اللّه عز وجل شيئا مما عنده كما وعده إلا أنه علم أن اللّه عز وجل أبغض شيئا فأبغضه ، وصغر شيئا فصغّره ، ولو كان قبلها كانت الدليل على محبة قبوله إياها ، ولكن كره أن يخالف أمره ، ويحبّ ما أبغض خالقه ، أو يرفع ما وضع مليكه ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .

    وفي الرسالة طول ، فاقتصرنا منها على هذا القدر من هذا الطريق .


    ومن قصص عطاء بن أبي رباح مع هشام
    ما أخبرنا به غير واحد ، عن أبي منصور بن محمد بن عبد الملك ، عن أحمد بن علي بن ثابت ، عن أبي الحسن ، عن أبي أيوب الكاتب القمي ، عن أبي عبد اللّه محمد بن عمران بن موسى المرزباني ، عن محمد بن أحمد الكاتب ، عن عبد اللّه بن أبي سعيد الورّاق ، عن عمر بن أبي شيبة ، عن سعيد بن منصور الرقي ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، قال : انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك ، فلما قربنا إذا بشيخ أسود على حمار عليه قميص دنس وجبّة دنسة وقلنسوة لاطئة دنسة وركابات من خشب ، فضحكت وقلت لأبي : ممن هذا الأعرابي ؟ قال : اسكت ، هذا سيد فقهاء أهل الحجاز ، هذا عطاء بن أبي رباح ، فلما قرب نزل أبي عن بغلته ونزل هو عن حماره فتعانقا وتسالما ، ثم عادا فركبا وانطلقا حتى وقفا بباب هشام . فلما رجع أبي سألته فقلت : حدثني ما كان منكما ، قال : لما قيل لهشام : عطاء بن أبي رباح على الباب أذن له ، فو اللّه ما دخلت إلا بسببه ، فلما رآه هشام قال : مرحبا مرحبا . هاهنا ، فرفعه حتى مست ركبته ركبته ، وعنده أشراف الناس يتحدثون ، فسكتوا ، فقال هشام : ما حاجتك يا أبا محمد ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، أهل الحجاز وأهل نجد أصل العرب وقادة الإسلام ، ترد فيهم فضول صدقاتهم ، قال : نعم ، اكتب يا غلام بأن ترد فيهم صدقاتهم . هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتهم ، ويقاتلون عدوّكم ، هل أجريتم لها أرزاقا تدروها عليهم ؟
    فإنهم إن هلكوا بمن يتم ، قال : نعم ، اكتب يا غلام ، تحمل أرزاقهم إليهم . هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟
    قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل ذمتكم لا تجيء صغارهم ، ولا تتعتع كبارهم ، ولا يكلفون إلا ما يطيقون ، فإنما يجيئون معونة لكم على عدوّكم . قال : نعم ، اكتب يا غلام ، أن لا يحملوا ما لا


    “ 318 “

    يطيقون . هل من حاجة غيرها ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، اتق اللّه في نفسك ، فإنك خلقت وحدك ، وتموت وحدك ، وتحشر وحدك ، وتحاسب وحدك ، لا واللّه ما معك ممن ترى أحدا . قال : فأكبّ هشام ، وقام عطاء ، فلما كان عند الباب وإذا رجل قد تبعه بكيس ما ندري فيه دراهم أو دنانير ، وقال : إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا ، فقال : ما أصنع بهذا ؟
    قل ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ * .
    قال : ثم خرج عطاء ، فو اللّه ما شرب عنده حسوة من ماء فما فوقها .
    وحدثنا يونس وغيره ، حدثنا عبد الوهاب بن المبارك ، أنا أبو الحسين عبد الجبار ، انا أحمد بن علي الثوري ، أنا عمر بن ثابت ، حدثنا علي بن أبي قيس ، حدثنا أبو بكر القرشي ، حدثني أبو علي بن الحسين بن شفيق ، عن ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك : إياك أن تدركك الصرعة عند العزّة ، فلا تقال العثرة ، ولا تمكن من الرجعة ، ولا يحمدك من خلفت مما تركت ، ولا يحمدك من تقدم عليه بما به اشتغلت .

    حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد الرحمن بن علي بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن محمد ، أنبأنا أحمد بن علي ، أنبأنا محمد بن علي ، انا محمد بن عبد الواحد ، أنبأنا محمد بن العباس ، ثنا محمد بن خلف ، أخبرني محمد بن الفضل ، أخبرني بعض أهل الأدب ، عن حسن الوصيف ، قال : قعد المهدي قعودا عاما للناس ، فدخل رجل وفي يده نعل في منديل ،

    فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا نعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أهديتها لك ،
    قال :هاتها ، فدفعها إليه ، فقبّل باطنها ووضعها على عينيه ، وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم .
    فلما أخذها وانصرف قال لجلسائه : أترون أني لم أعلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يرها فضلا عن أن يكون لبسها ؟ ولو كذّبناه لقال للناس : أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فردّها عليّ ، ولكان من يصدقه أكثر من أن يرفع خبره ، إذ كان من شأن العامة الميل إلى إشكالها ، والنصرة للضعيف على القوي ، فاشترينا لسانه ، ورأينا الذي فعلنا أنجح وأرجح .


    ومن أخبار يحيى بن أكتم مع المأمون في طريق الشام
    فأمر فنودي بتحليل المتعة ، فقال لنا يحيى بن أكتم : بكرا أغدو إليه ، فإن رأيتما للقول وجها فقولا وإلا فاسكتا إلى أن أدخل . قال : فدخلنا عليه وهو يستاك فيقول وهو مغتاظ : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما ، وأنا أنهي عنهما . ومن أنت يا أحول حتى تنهي عما فعله النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟
    قال : فأمسكنا ، فجاء


    “ 319 “


    يحيى فجلس وجلسنا ، فقال المأمون ليحيى : ما لي أراك متغيرا ؟ قال : هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام ، قال : وما حدث ؟ قال : النداء بتحليل الزنا .
    قال : الزنا :المتعة ؟ قال : ومن أين قلت هذا ؟ قال : من كتاب اللّه عز وجل ومن حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال اللّه تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ، إلى قوله : هُمُ العادُونَ . يا أمير المؤمنين زوجته ، متعته ، ملك يمينه ، قال : لا ، قال : فهي الزوجة التي عني اللّه : ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها ، قال : لا ، قال : قد صار متجاوز هذين من العادين ، وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روي عن عبد اللّه والحسن ابني محمد ابن الحنفية ، عن أبيهما محمد بن علي ، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، قال : أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها ، فالتفت إلينا المأمون فقال : محفوظ هذا من حديث الزهري ؟
    فقلنا : نعم يا أمير المؤمنين ، رواه جماعة ، منهم مالك . فقال : أستغفر اللّه ، نادوا بتحريم المتعة ، فنادوا بها ،
    فقال الصولي :فسمعت إسماعيل بن إسحاق يقول : وقد ذكر يحيى بن أكتم فعظم أمره وقال : كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله . وذكر هذا اليوم .


    حدثنا بذلك جماعة عن أبي منصور عبد الرحمن بن محمد ، عن أحمد بن علي بن ثابت ، عن أبي عبد اللّه القاضي حسين ، عن الصيمري ، عن محمد بن عمران المرزباني ، عن الصولي ، عن أبي العينا ، عن أحمد بن أبي داود ، قالوا : وقال الصولي : وحدثنا محمد بن موسى بن أبي داود ، عن المسرف ، عن سعيد ، عن محمد بن منصور ، والسياق لأبي العينا حدثنا سعيد بن الحسن النسائي ، عن جده الحسن بن سفيان ، عن حرملة بن يحيى ، عن عبد اللّه بن وهب ، عن سفيان بن عيينة ، قال : كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز : اعلم أن الهول الأعظم ومفظعات الأمور أمامك ، لم يقع منها بعد ، وإنه واللّه لا بدّ لك من مشاهدة ذلك ومعاينته ، إما بالسلامة والنجاة منه وإما بالعطب .

    حديث سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري مع الوليد بن عبد الملك في حرق القبة

    حدثنا يونس بن يحيى ، انا ابن أبي منصور ، عن أبي القاسم ، عن أبي عبد اللّه بن بطة ، عن أبي صالح محمد بن أحمد ، عن الحارث ، عن أبي أسامة ، عن الواقدي ، عن موسى بن أبي بكر ، عن صالح بن كيسان ، أن الوليد بن عبد الملك ولّى سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف على قضاء المدينة ، وكان ذا دين وورع وصلابة في الدين




    “ 320 “



    لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، وأراد الوليد الحج فاتخذ قبة من ساج ليجعلها حول الكعبة ليطوف هو ومن أحب من أهله ونسائه فيها ، وكان فظا مجبرا ، فأراد ابن عمه أن يطوف فيها حول الكعبة ، ويطوف الناس من وراء المقصورة ، فحملها على الإبل من الشام ، ووجّه معها قائدا من قوّاده في ألف فارس من الشام ، وأرسل معه مالا يقسمه في أهل المدينة ، فقدم بها فنصبت في مصلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ففزع من ذلك أهل المدينة ، فاجتمعوا ، فقالوا : إلى من نفزع في هذا الأمر ؟ فقالوا : إلى سعد بن إبراهيم ، فأتاه الناس فأخبروه الخبر ، فأمرهم أن يضرموها بالنار ، فقالوا : لا نطيق ذلك ، معه ألف فارس من الشام ، فدعا مولى له فقال : عليّ بدرعي ، فجاءه بدرع جده عبد الرحمن بن عوف التي شهد بها بدرا ، فصبها عليه ، ثم دعا ببغلته فركبها ، فما تخلف عنه يومئذ قرشي ولا أنصاري حتى أتاها ، فقال : عليّ بالنار ، فأتي بنار فأضرمها فيها ، فغضب القائد ، فقيل له : هذا قاضي أمير المؤمنين ومعه الناس ولا طاقة لك بهم فانصرف راجعا إلى الشام .

    قال ابن كيسان :
    وشبع أهل المدينة من الناطف مما اكتسبوا من حديدها ، فلما بلغ ذلك الوليد كتب إليه :
    ولي القضاء رجلا وأقدم علينا ، فولّى القضاء رجلا ، وركب حتى أتى الشام ، فقام ببابه شهرا لا يؤذن له حتى نفذت نفقته ، وأضربه طول المقام ، فبينما هو ذات عشية في المسجد إذا هو بفتى سكران ، فقال : من هذا ؟ قالوا : خال أمير المؤمنين سكران يطوف في المسجد ، فقال لمولى له : هلم السوط ، فأتاه بسوطه فقال : عليّ به ، فضربه في المسجد ثمانين سوطا ، وركب بغلته ومضى راجعا إلى المدينة .

    فأدخل الفتى على الوليد مجلودا ، فقال : من فعل به هذا ؟ قالوا : قاضيك على المدينة سعد بن إبراهيم ، فقال : عليّ به ، فلحق على مرحلة فدخل عليه فقال : يا أبا إسحاق ، ما ذا فعلت بابن أختك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك ولّيتنا أمرا من أمورك ، فأتى حقا للّه ضائعا سكران ، يطوف في المسجد وفيه الوفود ووجوه الناس ، فكرهت أن يرجع الناس عنك بتعطيل ، فأقمت عليه حدّه .

    فقال :
    جزاك اللّه خيرا ، وأمر له بمال ، ولم يذاكره شيئا من أمر حرق القبة .
    حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد الرحمن بن علي ، نبّأ محمد بن الحسين ، ثنا عبد الملك بن بشران ، قال : أنبأ أبو بكر الآجريّ ، نبأ ابن صاعد ، نبأ الحسين بن الحسين ، أنا ابن المبارك ، انا هشام ، قال : حدّثني مولى مسلمة بن عبد الملك ، قال : حدّثني مسلمة بن عبد الملك ، قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز بعد صلاة الفجر في بيت كان يخلو فيه بعد الفجر فلا يدخل عليه أحد ، فجاءته جارية بطبق فيه تمر صيحاني ، وكان يعجبه التمر ، فوضع في كفه منه فقال : يا مسلمة ، أترى لو أن رجلا أكل من هذا ، ثم شرب عليه الماء ، فإن الماء على التمر طيّب ، فكان يجزئه إلى الليل ؟ قال : فقلت : لا أدري ، فرفع أكثر منه ،


    “ 321 “


    قال : فهذا ؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين كان كافيه دون هذا حتى لا يبالي أن يذوق طعاما غيره ، قال : فعلام يدخل النار ؟ قال مسلمة : فما وقعت مني موعظة ما وقعت مني هذه .
    روينا من حديث ابن أبي الدنيا ، حدّثنا عبد الرحمن بن صالح ، نبأ أبو نعيم ، عن سفيان ، قال : قال معاوية لابن الكوا : كيف ترى الزمان ؟ قال : يا أمير المؤمنين إن تصلح يصلح .
    قيل لبعض خلفاء عصرنا ، وقد ذكرنا إنسانا لم يكن له قديم مجد ، فقال له بعض الحاضرين : يا أمير المؤمنين ، ممن هو يؤبه له ، فإن الدهر ما ساعده بشيء ؟
    فقال : نحن الزمان ، من رفعناه ارتفع ، ومن وضعناه اتّضع ، وولّاه .

    وتقول الصوفية : شروط السماع أربعة : إذا كلّمت ، ولا مانع الزمان ، والمكان ، والإخوان ، ويعنون بالزمان : السلطان ، إذا قال به ، ودعا إليه ، وطاب الوقت لأصحاب القلوب ، وانبسطت النفوس .

    وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، قال : قال أبو كريب : نبأ أبو بكر بن عيّاش ، عن أبي سعيد ، قال : سمعت الحجاج وهو على المنبر يوما يقول : يا ابن آدم ، بينما أنت في دارك وقرارك إذا تسوّر عليك ملك الموت ، واختلس روحك ، ثم دفنك أهلك ، ورجعوا ، واختصموا فيك ، حبيباك : حبيبك من أهلك ، وحبيبك من مالك . فاتق اللّه ، فالآن تأكل ، وغدا تؤكل . ثم بكى حتى تلقّى دموعه بعمامته .

    وروينا من حديث أبي نعيم ، أنا أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن مخلد ، انا الحارث بن أبي أسامة ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن أزهر بن سنان القرشي ، حدّثنا محمد بن واسع ، قال : دخلت على بلال بن أبي بردة فقلت : يا بلال ، إن أباك حدّثني عن جدّك ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : « إن في جهنم لواديا ، ولذلك الوادي بئرا يقال لها هبهب ، حق على اللّه عز وجل أن يسكنها كل جبار ، فإياك أن تكون منهم » .
    وقيل : لما دفن سليمان بن عبد الملك قربت مراكب الخلافة لعمر بن عبد العزيز ، فبكى عمر وقال : دابتي أوفق لي .



    وأنشدوا في ذلك :
    ولولا التقى ثم النهى خشية الردى * لعاصيت في حب الصبا كل زاجر
    قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى * له صبوة أخرى الليالي الغوابر
    ثم قال : إن شاء اللّه ، فجاءه صاحب الشرط ، فمشى بين يديه فقال : تنحّ عني ، ما لي


    “ 322 “

    ولك ؟ أنا رجل من المسلمين ، فسار حتى دخل المسجد ، فصعد المنبر فقال : إني ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ، وقد خلعت ما في أعناقكم من تبعتي ، فاختاروا لأنفسكم ، فصاح الناس : قد اخترناك ، فقال : أوصيكم بتقوى اللّه ، فإن تقوى اللّه خلف من كل شيء ، وليس من تقوى اللّه خلف ، واعملوا لآخرتكم ، فإن من عمل لآخرته كفاه اللّه أمر دنياه ، وأصلحوا سرائركم يصلح اللّه الكريم علانيتكم ، وأكثروا من ذكر الموت ، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم ، وإن من تذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم أبا حيا لمعرف له في الموت . ثم نزل فدخل وأمر بالستور . ثم ذهب يتبوأ مقيلا ، فقال له ابنه : تقبل ولا ترد المظالم ؟ فقال : يا بني ، إني سهرت البارحة فإذا صليت الظهر رددتها ، فقال : من لك أن تعيش إلى الظهر ؟ فقبّل بين عينيه وقال : الحمد للّه الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني ، فخرج وأمر مناديه أن ينادي : كل من له مظلمة فليرفعها ، فردّ الكل ، فقال : أيها الناس ، إني أنساكم هاهنا ، وأذكركم في بلادكم ، فمن ظلمه عامله فلا إذن له عليّ ، وإني واللّه ما أنا بخيركم ، ولكني أثقلكم محلا . ثم خيّر جواريه فقال : إنه قد نزل بي أمر شغلني عنكن ، فمن أحب أن أعتقه أعتقته ، ومن أراد أن أمسكه أمسكته ، ولم يكن مني إليها شيء . قالت زوجته فاطمة : ما أعلم أنه اغتسل من جنابة ولا من احتلام منذ ولّي الخلافة إلى أن مات . وقوموا ثيابه جميعا حين استخلف فكانت اثني عشر درهما . وقيل لزوجته :

    اغسلي قميصه ، قالت : واللّه ما يملك غيره . كتاب إلى عامله : لا تقيد أحدا بقيد يمنع عن تمام الصلاة .
    وكتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك : إياك أن تدركك الصرعة عند العزّة ، فلا تقال العثرة ، ولا تمكن من الرجعة ، ولا يحمدك من خلفت بما تركت ، ولا يعذرك من تقدم عليه بما به اشتغلت والسلام . أخبرنا به محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن علي ، عن علي بن محمد ، عن أبي عمرو ، عن محمد بن الحسن ، عن عبد الملك بن بشران ، عن أبي بكر الآجري ، عن أبي صاعد ، عن الحسين بن الحسن ، عن ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن جابر ، أن عمر بن عبد العزيز ، وذكره .
    وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، عن محمد بن الحسين ، عن شهاب بن عياد ، عن سويد الكلبي ، أن ذرّ بن حبيش ، كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابا يعظه ، وكان في آخر كتابه : ولا يطمعنك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك ، فأنت أعلم بنفسك ، واذكر ما تكلم به الأولون .

    إذ الرجال ولدت أولادها * وبليت من كبر أجسادها


    “ 323 “

    وجعلت أسقامها نفتادها * تلك زروع قددنا حصادها
    فلما قرأ عبد الملك الكتاب بكى حتى بلّ طرف ثوبه ، ثم قال : صدق ذرّ ، ولو كتب إلينا بغير هذا لكان أوفق .
    حدثنا محمد بن إسماعيل ، نبأ عبد الرحمن بن علي ، حدثنا عبد اللّه بن علي ، انا منصور بن عبد العزيز العسكري ، أنا أبو أحمد عبد اللّه بن أبي مسلم ، انا علي بن عبد اللّه بن المغيرة ، أخبرني أحمد بن سعيد الدمشقي ، انا الزبير بن بكار ، حدثني مدائني ، عن عونة بن الحكم ، قال : قال الشعبي : سمعت الحجاج تكلم بكلام ما سبق إليه في علمي أحد ، قال : أما بعد ، فإن اللّه كتب على الدنيا الفناء ، وعلى الآخرة البقاء ، فلا فناء لما كتب عليه البقاء ، ولا بقاء لما كتب عليه الفناء ، ولا يغرّنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة ، وأقصر وأطول الأمل بقصر الأجل . وقال مبارك بن فضالة : خطب الحجاج يوما فقال : أما بعد ، فإن اللّه كفانا مئونة الدنيا ، وأمرنا بطلب الآخرة ، فليت الذي كان أمرنا به طلب الدنيا وكفانا مئونة الآخرة . فلما سمعه الحسن قال : ضالة مؤمن عند فاسق خذوها .
    حدثنا بهذا كتابة أبو سعد بن عبد اللّه بن عمر بن أحمد بن منصور ، عن ظاهر طاهر ، عن أبي عثمان سعيد بن محمد بن أحمد ، عن أبيه ، عن علي بن المؤمل ، عن محمد بن يونس ، عن ابن عوف ، عن مبارك بن فضالة ، وذكره .
    بلغنا عن هرم بن حيان ، أنه بات عند حممة فبكى حممة إلى الصباح ، فقال هرم : ما أبكاك يا حممة ؟ قال : ذكرت ليلة صبيحتها تناثر النجوم .



    حكاية
    حدثنا يونس بن يحيى ، انا محمد بن ناصر ، انا محفوظ بن أحمد ، انا محمد بن الحسين ، نبأ المعافى ، نبأ عبيد اللّه بن محمد الأزدي ، ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثني الحارث بن محمد التميمي ، عن شيخ من قريش ، قال : مرّ الإسكندر بمدينة قد ملكها أملاك سبعة وبادوا ، فقال : هل بقي من نسل الأملاك الذين ملكوا هذه المدينة أحد ؟

    قالوا :
    نعم ، رجل يكون في المقابر ، فدعا به قال : ما دعاك إلى لزوم المقابر ؟
    قال : أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم ، فوجدت عظام عبيدهم وعظامهم سواء ، فقال له :هل لك أن تتبعني فأحيي بك شرف آبائك إن كانت لك همة ؟
    قال : إن همتي لعظيمة إن كانت بغيتي عندك ، قال : وما بغيتك ؟ قال : حياة لا موت فيها وشباب ليس معه هرم ،


    “ 324 “

    وغنى لا فقر معه ، وسرور بغير مكروه . قال : لا . قال : فامض عني لشأنك ، ودعني أطلب ذلك ممن هو عنده وملكه . فقال الإسكندر : هذا أحكم مما رأيت .
    وحدثنا يونس قال : حدثنا عبد الوهاب الحافظ ، عن المبارك بن عبد الجبار ، عن محمد بن علي بن الفتح ، عن محمد بن عبد اللّه الدقاق ، انا ابن صفوان ، عن أبي بكر بن سفيان ، عن محمد بن الحسين ، عن الوليد بن صالح ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم ، قال : كان لعمر بن عبد العزيز سفط فيه دراعة من شعر وغل ، وكان له بيت في جوف بيت يصلي فيه لا يدخل فيه أحد ، فإذا كان في آخر الليل فتح ذلك السفط ، ولبس تلك الدراعة ، ووضع الغل في عنقه ، فلا يزال يناجي ربه حتى يطلع الفجر ، ثم يعيده في السفط .

    وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، عن محمد بن الحنيص ، عن محمد بن أيوب ، عن يزيد بن محمد بن مسلمة ، قال : حدثني مولى لنا ، قال : بكت فاطمة بنت عبد الملك حتى غشي بصرها فدخل عليها أخواها مسلمة وهشام ، فقالا لها : ما هذا الأمر الذي قدمت عليه ؟ أجزعك على بعلك فأحق من جزع على مثله أو على شيء فاتك من الدنيا ؟ فها نحن بين يديك وأموالنا وأهلونا . فقالت : ما من كل جزعت ، ولا على واحدة منهما . أسفت ، ولكن واللّه ما رأيت ليلة منظرا ، فعلمت أن الذي أخرجه إلى الذي رأيت منه هول عظيم قد استكنّ به في قلبي فعرفته ، قالاها : وما رأيت منه ؟ قالت : رأيته ذات ليلة قائما يصلي وأتى على هذه الآية : يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ .

    من تاريخ العلّامة جلال الدين السيوطي رحمه اللّه قال : قال زيد بن أسلم ، عن أنس رضي اللّه عنه : ما صليت وراء إمام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشبه صلاة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من هذا الفتى ، يعني به عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه ، وهو أمير على المدينة . قال زيد بن أسلم : فكان يتم الركوع والسجود ، ويخفف القيام والقعود ، له طرق عن أنس ، أخرجه البيهقي في سننه وغيره . وسئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز فقال :

    هو نجيب بني أمية ، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده . وقال ميمون بن مهران : كان العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة .
    روينا من حديث ابن أبي الدنيا ، حدثنا يعقوب بن إسماعيل ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن محمد بن مكي ، قال : خطب عمر بن عبد العزيز فقال : الدنيا ليست بدار قرار ، دار كتب اللّه عليها الفناء ، وكتب على أهلها منها الظعن ، فكم من عامر موثق عما قليل يخرب ، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يرحل ، فأحسنوا رحمكم اللّه منها الرحلة بأحسن ما يستعد للنقلة ، وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى ، إنما الدنيا كفيء قلص فذهب ،



    “ 325 “

    بينما ابن آدم ينافس فيها قرير العين بها ، إذ دعاه اللّه بقدره ، ورماه بيوم حتفه ، فسلبه دنياه ، وصيّر لقوم آخرين مغناه ، إن الدنيا لا تسرّ بقدر ما تضرّ ، تسرّ قليلا وتجرّ حزنا طويلا .

    حدثنا يونس بن يحيى ، عن أبي بكر بن أبي منصور ، عن علي بن أحمد ، عن أبي عبد اللّه بن بطة ، عن أبي دريد ، عن أبي حاتم ، عن أبي عبيدة ، قال : أذن عبد الملك للناس إذنا عاما ، فدخل عليه رجل في هيئة أعرابي ، فقال : يا أبا الوليد ، بلغني أن عندك مالا ، فإن كان للّه فاقسمه في عباده ، وإن كان لك فتفضل عليهم ، وإن كان لهم فادفعه إليهم ، وإن كان بينك وبينهم فقد أسأت شركتهم ، ثم ولّى . فقال عبد الملك : اطلبوا الرجل ، فلم يقدروا عليه ، وأمر للناس بإعطائهم فكانوا يرون أنه منبه من عند اللّه أو الخضر ، واللّه أعلم .

    روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن العباس ، عن محمد بن يونس الكريمي ، عن ابن عثمان ، عن سلام بن مسكين ، عن مالك بن دينار ، أنه لقي بلال بن أبي بردة في الطريق والناس يطوفون حوله ، قال : أما تعرفني ؟ قال : بلى أعرفك ، أولك نطفة ، وآخرك جيفة ، وأسفلك دودة . قال : فهمّوا به أن يضربوه ، فقال لهم : هذا مالك بن دينار ، فترك ومضى .

    حدثنا أبو الفتوح في آخرين ، قالوا : حدثنا محمد بن عبد الباقي ، عن أحمد بن أحمد بن عبد اللّه ، عن الحسن بن علي بن الخطاب الورّاق ، عن محمد بن عثمان ، عن أبي شيبة ، عن إبراهيم بن عياش الكاتب ، عن الأصمعي ، عن أبيه ، قال : مرّ المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار وهو يتبختر في مشيته ، فقال له مالك : أما علمت أن هذه المشية تكره الأبين الصفين ؟ فقال له المهلب : أما تعرفني ؟ فقال مالك : أعرفك أحسن المعرفة ، قال : وما تعرف مني ؟ قال : أما أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بينهما تحمل العذرة . قال : فقال المهلب : الآن عرفتني حق المعرفة .

    حدثنا يوسف بن عبد الكريم بن الحسن بالموصل ، قال : قدمت بغداد واجتمعت ببعض خواص أمير المؤمنين المقتفي لأمر اللّه ، قد مرض مرضا شديدا ، فنوى إن أقاله اللّه أن يفعل خيرا ، ثم استقيل من ألمه وشفاه اللّه ، فشغله تدبير الأمور عن الوفاء بما نواه ، ثم مرض المرض الذي مات فيه . فتذكر ما نذر من الخير في مرضه الأول ، وما فرط في ذلك ، فبكى وأنشد :
    نرضي الإله إذا خفنا ونغضبه * إذا أمنا فما يزكو لنا عمل
    إذا مرضنا نوينا كل صالحة * وإن شفينا فمنا الزيغ والزلل


    “ 326 “

    وأنشد أيضا :
    إن الطبيب بطبّه ودوائه * لا يستطيع دفاع أمر قد أتى
    ما للطبيب يموت بالداء الذي * قد كان يبري منه فيما قد مضى
    مات المداوي والمداوى والذي * جلب الدواء وباعه ومن اشترى

    ثم قال : احملوني إلى قبري ، فحمل فأطلع فيه وقد حفر ، فقال : أوسعوا عند الصدر ، ثم قال : يا من لا يزال ملكه ارحم من قد زال ملكه ، وا سوأتاه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .ثم مات .


    روينا من حديث الحميدي ، عن أبي محمد بن أحمد ، عن الكتاني ، عن أحمد بن خليل ، عن خالد بن سعد ، عن عمر بن حفص بن غالب ، عن محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم ، عن الشافعي رضي اللّه عنه ، عن محمد بن علي ، قال : إني لحاضر مجلس أمير المؤمنين المنصور وفيه ابن أبي ذئب ، وكان والي المدينة الحسن بن زيد ، فأتاه الغفاريون فشكوا إلى أبي جعفر شيئا من أمر الحسن بن زيد ، فقال الحسن : سل عنهم ابن أخي ذئب ؟



    فقال : يا أمير المؤمنين ، أشهد أنهم أهل تخاصم في أعراض المسلمين ، كثير والأذى . قال أبو جعفر : قد سمعتهم ، فقال الغفاريون : يا أمير المؤمنين ، فسله عن الحسن بن زيد ؟
    فقال : يا ابن أبي ذئب ، ما تقول في الحسن بن زيد ؟
    قال : أشهد أنه يحكم بغير الحق ، قال : سمعت يا حسن ما قال ؟
    فقال : يا أمير المؤمنين ، سله عن نفسك ؟
    فقال : ما تقول فيّ ؟ قال : أو يعفيني أمير المؤمنين ؟ فقال : واللّه لتخبرني ، فقال كلمة ، فوضع المنصور في قفا ابن أبي ذئب ، وجعل يقول : أما وللّه لولا أنا لأخذت أبناء فارس والروم والديلم والترك بهذا المكان منك . فقال ابن أبي ذئب : قد ولّى أبو بكر وعمر فأخذا بالحق ، وقسما بالسوية ، وأخذا بأقفاء فارس والروم ، فخلّاه أبو جعفر ، وقال : لولا أني أعلم أنك صادق لقتلتك .
    فقال ابن أبي ذئب للمنصور : يا أمير المؤمنين ، أنا أنصح لك من ابنك المهدي .

    روينا من حديث محمد بن القاسم بن خلّاد ، قال ابن أبي ذئب للمنصور : يا أمير المؤمنين ، قد هلك الناس ، فلو أعنتهم مما في يديك من الفيء . قال : ويلك لو ما سددت من الثغور ، وبعثت من الجيوش لكنت تؤتى في منزلك وتذبح . فقال ابن أبي ذئب : فقد سدّ الثغور ، وجيّش الجيوش ، وفتح الفتوح ، وأعطى الناس عطياتهم من هو خير منك .

    قال : ومن هو ويلك ؟ قال : عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه . فسكت المنصور ، ونكس رأسه ، ولم يعرض له ، والتفت إلى محمد بن إبراهيم الإمام ، فقال : هذا الشيخ خير أهل الحجاز .

    “ 327 “

    حدثنا ابن منصور ، عن أحمد بن علي ، عن الجوهري ، عن محمد بن عمران ، عن أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، عن ابن خلّاد ، وذكره .
    وروينا من حديث ابن هشام : أنه لما طال البلاء على أهل اليمن من الحبش ، وهلك أرباط ، وأبرهة ، ومكسوم بن أبرهة ، ووليها مسروق بن أبرهة أخو مكسوم ، خرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبيمرة ، حتى قدم على قيصر ملك الروم ، فشكى إليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ، ويلهم هو ، ويبعث إليهم ما شاء إلى الروم ، فيكون له ملك اليمن ، فلم يشكه . فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العراق ، فشكى إليه أمر الحبشة ، فقال له النعمان : إن لي على كسرى وفادة في كل عام ، فأقم عندي حتى يكون ذلك ، ففعل ، ثم أدخله على كسرى ، وكان كسرى يجلس على إيوان مجلسه الذي فيه تاجه مثل القلقل العظيم فيما يزعمون ،

    والقلقل :
    الميكال يضرب فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ بالذهب والفضة ، معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ، فكانت عنقه لا تحمل تاجه ، إنما يستر بالثياب حين يجلس في مجلسه ذلك ، ثم يدخل رأسه في تاجه ، فإذا استوى في مجلسه كشف عنه الثياب ، فلم يره رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له . فلما دخل سيف بن ذي يزن برك .

    وفي حديث أبي عبيدة أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه ، فقال الملك : إن هذا أحمق يدخل عليّ من هذا البيت الطويل يطأطئ رأسه ، فقيل : هذا السيف ، فقال : إنما فعلت هذا لهمي لأنه يضيق عنه كل شيء . قال ابن هشام : قال ابن إسحاق : ثم قال : أيها الملك ، غلبنا على بلادنا الأغربة . قال كسرى : أي الأغربة ؟ الحبشة أم السند ؟ قال : بل الحبشة ، فجئتك لتنصرني ، ويكون ملك بلادي لك . قال : بعدت بلادك مع قلة خيرها ، فلم أكن لأربط جيشا من فارس بأرض العرب ، لا حاجة لي بذلك .

    ثم أجازه بعشرة آلاف درهم ، وكساه كسوة حسنة ، فلما قبض ذلك سيف خرج فجعل ينشر تلك الرقعة للناس ، فبلغ ذلك الملك ، فقال : إن هذا لشأنا ، ثم بعث إليه ، فقال : عمدت إلى حباء الملك تنشره للناس ، فقال : وما أصنع بهذا ؟ ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة يرغب فيها .

    فجمع كسرى مرازبته ، فقال : ما ذا ترون في أمر هذا الرجل ؟ وما حاله ؟
    فقال قائل : أيها الملك ، إن في سجنك رجالا قد حبستهم للقتل ، فلو أنك بعثتهم معه ، فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم ، وإن ظفروا كان ملكا ازددته . فبعث معه كسرى من كان في سجونه ، وكانوا ثمانمائة رجل ، استعمل عليهم وهزر ، وكان ذا سنّ فيهم ، وأفضلهم حبا وبيتا ، فخرج في ثمان سفاين ، فغرقت سفينتان ، ووصل إلى ساحل عدن ست سفاين ، فجمع


    “ 328 “

    سيف إلى وهزر من استطاع من قومه ، وقال له : رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا ، أو نظفر جميعا ، قال وهزر : أنصفت . وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن ، وجمع إليه جنده ، فأرسل إليه وهزر ابنا له ليقاتلهم فيختبر مقاتلتهم ، فقتل ابن وهزر ، فزاده ذلك حنقا ، فلما توافق الناس على مصافهم ، قال وهزر : أروني ملكهم ، قالوا له : ترى رجلا على الفيل ، عاقدا تاجا على رأسه ، بين عينيه ياقوتة حمراء . قال : نعم ، قالوا : ذاك ملكهم . فقال : اتركوه ، فمكث طويلا ، ثم قال : علام هو ؟ قالوا : قد تحوّل عن الفرس ، قال : اتركوه ، فوقف طويلا ، فقال : علام هو ؟ قالوا : على بغلة ، قال وهزر : بنت الحمار ذلّ ، وذلّ ملكه ، إني سأرميه ، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم ، فإني قد أخطأته ، وإن رأيتم القوم استداروا ولاثوا به ، فقد أصبت الرجل ، فاحملوا عليهم . ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره لشدّتها ، وأمر بحاجبه فعصبها له ، ثم رماه فصكّ الياقوتة التي بين عينيه ، فتفلفلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه ، ونكص عن دابّته ، فاستدارت الحبشة ، ولاثت به ، وحملت عليهم الفرس ، وانهزموا وقتلوا وهربوا في كل وجه ، فأقبل وهزر ليدخل صنعاء حتى أتى بابها ، قال : لا تدخل رايتي منكسة أبدا ، اهدموا الباب ، فهدم ، ثم دخلها ناصبا رايته .


    فقال سيف بن ذي يزن في ذلك :
    يظنّ الناس بالملك * ين أنهما قد التأما
    ومن يسمع تلاقهما * فإن الخطب قد نقما
    قتلنا الفيل مسروقا * وروّينا الكثيب دما
    وإن الفيل قبل النا * س وهزر مقسم قسما
    برق مشعشعا حتى * نفى السبي والنعما

    فقد ذكرنا قصيدة أمية بن أبي الصّلت في سيف بن ذي يزن في وفد عبد المطلب وقريش عليه ، من حديث أحمد بن عبد اللّه ، وهي القصيدة التي يقول فيها :
    تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا


    وهذا البيت في قصيدته وإنما هو للنابغة الجعدي ، كذا قال ابن إسحاق : قال عديّ بن زيد الحيري عابد من عبّاد أهل الحيرة :
    ما بعد صنعان كان يعمرها * ولاة ملك جزل مناصبها
    رفعها من بني لدى قزع ألم * زن وتندى مسكا محاربها
    محفوفة بالجبال دون عرى الكا * ئل ما ترقّى غواربها
    يأنس فيها صوت اللهام إذا * جاوبها بالقسي قاصبها



    “ 329 “


    ساقت إليها الأسباب جند بني * الإحراز فرسانها مراكبها
    وقورب بالبغال توسق بالح * تف ويسعى بها توالبها
    حتى رآها الأقوال من طرف ال * عقبل مخضرّة كتائبها
    يوم ينادون البرير وإلي * كسوم لا يفلحنّ هاربها
    فكان يوم باقي الحديث وزا * لت أمة ثابتة مراتبها
    وبدّل الفتح بالزرافة والأ * يام حون جم عجائبها
    بعد بني تبّع محاورة * قد اطمأنت به مرازبها
    الغارب : السّنم فاستعاره ، فأراد بقوله : غواربها ، أعاليها . واللهام : طائر .
    والقاصب : الزمر . والتوالب : واحدها تولب وهو ولد الثعلب . وأمه هنا : يريد بها لغة .
    والفتح : الواحد . والزرافة : الجماعة . محاورة : يعني سادات . والمرازب : العظما .
    قال ابن هشام : فأقام وهزر فولى ابنه المرزبان ، فأمر كسرى ابنه السجّان ، ثم عزله وأمرّ باذان . وقد ذكرنا خبر باذان في هذا الكتاب وإسلامه .

    روينا من حديث ابن مروان ، عن إبراهيم بن إسحاق الحرميّ ، عن هارون بن عبد اللّه ، عن بشار بن جعفر ، عن عنبسة الخوّاص ، عن قتادة ، قال موسى عليه السلام : يا ربّ ، أنت في السماء ونحن في الأرض ، فما علامة غضبك من رضاك ؟
    قال : إذا استعملت عليكم خياركم فذلك علامة رضاي ، وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطي .
    وأنشدنا من حديث ابن أبي الدنيا ،
    قال : أنشدني أبو عبد اللّه البصير لمعبد بن طوق العنبري :
    تلقى الفتى حذر المنية هاربا * منها وقد حفّت به لا يشعر
    نصبت حبائلها له من حوله * فإذا أتاه يومه لا ينظر
    إن امرأ أمسى أبوه وأمه * تحت التراب ليومه يتفكّر
    تعطى صحيفتك التي أمليتها * فترى النهى فيها إذا ما تنشر
    حسناتها محسوبة قد أحصيت * والسيئات فأي ذلك أكثر

    وروينا من حديث الدينوري ، من حديث أبي أسامة ، عن إسحاق بن إسماعيل ، عن أبي معاوية ، عن سليمان بن إبراهيم ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : لما قدم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الشام لقيه الجنود ، وعليه إزار وخفّان وعمامة ، وهو آخذ برأس نجيبته يخوض الماء ، وقد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطيه ، قالوا له : يا أمير المؤمنين ، الآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحالة .
    قال : إنّا قوم أعزّنا اللّه بالإسلام ، فلن نلتمس العزّ بغيره .


    “ 330 “

    وحدثنا عبيد اللّه بن عمر ، أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حمل قربة على عنقه ، فقال له أصحابه : يا أمير المؤمنين ، ما حملك على هذا ؟ قال : إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها . رويناه من حديث المالكي ، عن أحمد بن يوسف ، عن عبيد اللّه بن محمد بن حفص ، عن حماد بن سلمة بن عبيد اللّه بن عمر .
    حدثنا محمد بن اللباب ، ثنا ابن خميس ، نبأ الحميدي ، حدثنا أبو بكر الأردستاني ، انا السلمي ، سمعت عبد اللّه بن عليّ الطوسي ، سمعت أحمد بن محمد الردعي الشبلي ،
    وسئل عن قوله عزّ وجلّ : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فوصف صفة لم يضبطها أهل المجلس .

    ثم أنشأ يقول :
    لست من جملة المحبين إن لم * أدع القلب بيته والمقاما
    وطوافي أجالة السرّ فيه * وهو ركني إذا أردت استلاما

    قلت : فهذان البيتان من جنس ما لم يضبطه أهل المجلس ، لأن وارد الوقت واحد العين . فاعلم ذلك .
    وقال محمد بن الفضل : العجب ممن يقطع الأودية والقفار والمفاوز ، حتى يصل إلى بيته وحرمه ، ويرى فيه أثر أنبيائه كيف لا يقطع نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه ، فإن فيه آثار ربه .
    روينا من حديث السلمي إسحاق بن بشر ، مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم : « أن حملة العرش أربعة أملاك : ملك على صورة إنسان يسأل الرزق لولد آدم ، وملك على صورة سبع يسأل الرزق للسباع ، وملك على صورة النسر يسأل الرزق للطير ، وملك على صورة الثور يسأل الرزق للأنعام » .

    قال ابن عباس : فالملك الذي على صورة الثور لم يزل غاضا بصره منذ عبدت بنو إسرائيل العجل ، لأنهم عبدوا شيئا يشبهه ، وإن اللّه لما خلق هؤلاء الملائكة قال لهم : احملوا العرش فلم يطيقوا ، فقال لهم : قولوا لا حول ولا قوة إلا باللّه ، فلما قالوها استقلوا بالعرش على كواهلهم ، ونزلت أقدامهم على متن الثرى ، وقدر البروج في العرش اثنا عشر مقدارا ، وقدر المنازل في الكرسي ، وخلق الأيام بخلق الكرسي ، فأداره ، فكانت الأيام بدورانه كأنها يوم واحد ، لا يتميز فيه من الأيام السبعة . ثم خلق السبع سماوات وأدارها ، وخلق في كل فلك كوكبا ، فجعل في الأعلى كيوان ، وفي الثاني بهرام ، وفي الثالث الأحمر ، وفي الرابع الشمس ، وفي الخامس الزهرة ، وفي السادس الكاتب ، وفي السابع القمر . ثم خلق النار مما يلي السماء الدنيا ، وجعل منها شبه الرصد على مسالك الشياطين ذوات الأذناب ، ثم خلق الهواء ، وثم الماء ، ثم الأرض ، وخلق الليل والنهار عند

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 09:31