الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء 22
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 317 “
أبغض إلى اللّه تعالى منها ، ما نظر إليها منذ خلقها ، ولقد عرضت على نبيّنا صلى اللّه عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك عند اللّه جناح بعوضة ، فأبى أن يقبلها ، وما منعه من القبول لها مع ما لا ينقصه اللّه عز وجل شيئا مما عنده كما وعده إلا أنه علم أن اللّه عز وجل أبغض شيئا فأبغضه ، وصغر شيئا فصغّره ، ولو كان قبلها كانت الدليل على محبة قبوله إياها ، ولكن كره أن يخالف أمره ، ويحبّ ما أبغض خالقه ، أو يرفع ما وضع مليكه ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .
وفي الرسالة طول ، فاقتصرنا منها على هذا القدر من هذا الطريق .
ومن قصص عطاء بن أبي رباح مع هشام
ما أخبرنا به غير واحد ، عن أبي منصور بن محمد بن عبد الملك ، عن أحمد بن علي بن ثابت ، عن أبي الحسن ، عن أبي أيوب الكاتب القمي ، عن أبي عبد اللّه محمد بن عمران بن موسى المرزباني ، عن محمد بن أحمد الكاتب ، عن عبد اللّه بن أبي سعيد الورّاق ، عن عمر بن أبي شيبة ، عن سعيد بن منصور الرقي ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، قال : انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك ، فلما قربنا إذا بشيخ أسود على حمار عليه قميص دنس وجبّة دنسة وقلنسوة لاطئة دنسة وركابات من خشب ، فضحكت وقلت لأبي : ممن هذا الأعرابي ؟ قال : اسكت ، هذا سيد فقهاء أهل الحجاز ، هذا عطاء بن أبي رباح ، فلما قرب نزل أبي عن بغلته ونزل هو عن حماره فتعانقا وتسالما ، ثم عادا فركبا وانطلقا حتى وقفا بباب هشام . فلما رجع أبي سألته فقلت : حدثني ما كان منكما ، قال : لما قيل لهشام : عطاء بن أبي رباح على الباب أذن له ، فو اللّه ما دخلت إلا بسببه ، فلما رآه هشام قال : مرحبا مرحبا . هاهنا ، فرفعه حتى مست ركبته ركبته ، وعنده أشراف الناس يتحدثون ، فسكتوا ، فقال هشام : ما حاجتك يا أبا محمد ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، أهل الحجاز وأهل نجد أصل العرب وقادة الإسلام ، ترد فيهم فضول صدقاتهم ، قال : نعم ، اكتب يا غلام بأن ترد فيهم صدقاتهم . هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتهم ، ويقاتلون عدوّكم ، هل أجريتم لها أرزاقا تدروها عليهم ؟
فإنهم إن هلكوا بمن يتم ، قال : نعم ، اكتب يا غلام ، تحمل أرزاقهم إليهم . هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟
قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل ذمتكم لا تجيء صغارهم ، ولا تتعتع كبارهم ، ولا يكلفون إلا ما يطيقون ، فإنما يجيئون معونة لكم على عدوّكم . قال : نعم ، اكتب يا غلام ، أن لا يحملوا ما لا
“ 318 “
يطيقون . هل من حاجة غيرها ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، اتق اللّه في نفسك ، فإنك خلقت وحدك ، وتموت وحدك ، وتحشر وحدك ، وتحاسب وحدك ، لا واللّه ما معك ممن ترى أحدا . قال : فأكبّ هشام ، وقام عطاء ، فلما كان عند الباب وإذا رجل قد تبعه بكيس ما ندري فيه دراهم أو دنانير ، وقال : إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا ، فقال : ما أصنع بهذا ؟
قل ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ * .
قال : ثم خرج عطاء ، فو اللّه ما شرب عنده حسوة من ماء فما فوقها .
وحدثنا يونس وغيره ، حدثنا عبد الوهاب بن المبارك ، أنا أبو الحسين عبد الجبار ، انا أحمد بن علي الثوري ، أنا عمر بن ثابت ، حدثنا علي بن أبي قيس ، حدثنا أبو بكر القرشي ، حدثني أبو علي بن الحسين بن شفيق ، عن ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك : إياك أن تدركك الصرعة عند العزّة ، فلا تقال العثرة ، ولا تمكن من الرجعة ، ولا يحمدك من خلفت مما تركت ، ولا يحمدك من تقدم عليه بما به اشتغلت .
حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد الرحمن بن علي بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن محمد ، أنبأنا أحمد بن علي ، أنبأنا محمد بن علي ، انا محمد بن عبد الواحد ، أنبأنا محمد بن العباس ، ثنا محمد بن خلف ، أخبرني محمد بن الفضل ، أخبرني بعض أهل الأدب ، عن حسن الوصيف ، قال : قعد المهدي قعودا عاما للناس ، فدخل رجل وفي يده نعل في منديل ،
فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا نعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أهديتها لك ،
قال :هاتها ، فدفعها إليه ، فقبّل باطنها ووضعها على عينيه ، وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم .
فلما أخذها وانصرف قال لجلسائه : أترون أني لم أعلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يرها فضلا عن أن يكون لبسها ؟ ولو كذّبناه لقال للناس : أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فردّها عليّ ، ولكان من يصدقه أكثر من أن يرفع خبره ، إذ كان من شأن العامة الميل إلى إشكالها ، والنصرة للضعيف على القوي ، فاشترينا لسانه ، ورأينا الذي فعلنا أنجح وأرجح .
ومن أخبار يحيى بن أكتم مع المأمون في طريق الشام
فأمر فنودي بتحليل المتعة ، فقال لنا يحيى بن أكتم : بكرا أغدو إليه ، فإن رأيتما للقول وجها فقولا وإلا فاسكتا إلى أن أدخل . قال : فدخلنا عليه وهو يستاك فيقول وهو مغتاظ : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما ، وأنا أنهي عنهما . ومن أنت يا أحول حتى تنهي عما فعله النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟
قال : فأمسكنا ، فجاء
“ 319 “
يحيى فجلس وجلسنا ، فقال المأمون ليحيى : ما لي أراك متغيرا ؟ قال : هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام ، قال : وما حدث ؟ قال : النداء بتحليل الزنا .
قال : الزنا :المتعة ؟ قال : ومن أين قلت هذا ؟ قال : من كتاب اللّه عز وجل ومن حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال اللّه تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ، إلى قوله : هُمُ العادُونَ . يا أمير المؤمنين زوجته ، متعته ، ملك يمينه ، قال : لا ، قال : فهي الزوجة التي عني اللّه : ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها ، قال : لا ، قال : قد صار متجاوز هذين من العادين ، وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روي عن عبد اللّه والحسن ابني محمد ابن الحنفية ، عن أبيهما محمد بن علي ، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، قال : أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها ، فالتفت إلينا المأمون فقال : محفوظ هذا من حديث الزهري ؟
فقلنا : نعم يا أمير المؤمنين ، رواه جماعة ، منهم مالك . فقال : أستغفر اللّه ، نادوا بتحريم المتعة ، فنادوا بها ،
فقال الصولي :فسمعت إسماعيل بن إسحاق يقول : وقد ذكر يحيى بن أكتم فعظم أمره وقال : كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله . وذكر هذا اليوم .
حدثنا بذلك جماعة عن أبي منصور عبد الرحمن بن محمد ، عن أحمد بن علي بن ثابت ، عن أبي عبد اللّه القاضي حسين ، عن الصيمري ، عن محمد بن عمران المرزباني ، عن الصولي ، عن أبي العينا ، عن أحمد بن أبي داود ، قالوا : وقال الصولي : وحدثنا محمد بن موسى بن أبي داود ، عن المسرف ، عن سعيد ، عن محمد بن منصور ، والسياق لأبي العينا حدثنا سعيد بن الحسن النسائي ، عن جده الحسن بن سفيان ، عن حرملة بن يحيى ، عن عبد اللّه بن وهب ، عن سفيان بن عيينة ، قال : كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز : اعلم أن الهول الأعظم ومفظعات الأمور أمامك ، لم يقع منها بعد ، وإنه واللّه لا بدّ لك من مشاهدة ذلك ومعاينته ، إما بالسلامة والنجاة منه وإما بالعطب .
حديث سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري مع الوليد بن عبد الملك في حرق القبة
حدثنا يونس بن يحيى ، انا ابن أبي منصور ، عن أبي القاسم ، عن أبي عبد اللّه بن بطة ، عن أبي صالح محمد بن أحمد ، عن الحارث ، عن أبي أسامة ، عن الواقدي ، عن موسى بن أبي بكر ، عن صالح بن كيسان ، أن الوليد بن عبد الملك ولّى سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف على قضاء المدينة ، وكان ذا دين وورع وصلابة في الدين
“ 320 “
لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، وأراد الوليد الحج فاتخذ قبة من ساج ليجعلها حول الكعبة ليطوف هو ومن أحب من أهله ونسائه فيها ، وكان فظا مجبرا ، فأراد ابن عمه أن يطوف فيها حول الكعبة ، ويطوف الناس من وراء المقصورة ، فحملها على الإبل من الشام ، ووجّه معها قائدا من قوّاده في ألف فارس من الشام ، وأرسل معه مالا يقسمه في أهل المدينة ، فقدم بها فنصبت في مصلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ففزع من ذلك أهل المدينة ، فاجتمعوا ، فقالوا : إلى من نفزع في هذا الأمر ؟ فقالوا : إلى سعد بن إبراهيم ، فأتاه الناس فأخبروه الخبر ، فأمرهم أن يضرموها بالنار ، فقالوا : لا نطيق ذلك ، معه ألف فارس من الشام ، فدعا مولى له فقال : عليّ بدرعي ، فجاءه بدرع جده عبد الرحمن بن عوف التي شهد بها بدرا ، فصبها عليه ، ثم دعا ببغلته فركبها ، فما تخلف عنه يومئذ قرشي ولا أنصاري حتى أتاها ، فقال : عليّ بالنار ، فأتي بنار فأضرمها فيها ، فغضب القائد ، فقيل له : هذا قاضي أمير المؤمنين ومعه الناس ولا طاقة لك بهم فانصرف راجعا إلى الشام .
قال ابن كيسان :
وشبع أهل المدينة من الناطف مما اكتسبوا من حديدها ، فلما بلغ ذلك الوليد كتب إليه :
ولي القضاء رجلا وأقدم علينا ، فولّى القضاء رجلا ، وركب حتى أتى الشام ، فقام ببابه شهرا لا يؤذن له حتى نفذت نفقته ، وأضربه طول المقام ، فبينما هو ذات عشية في المسجد إذا هو بفتى سكران ، فقال : من هذا ؟ قالوا : خال أمير المؤمنين سكران يطوف في المسجد ، فقال لمولى له : هلم السوط ، فأتاه بسوطه فقال : عليّ به ، فضربه في المسجد ثمانين سوطا ، وركب بغلته ومضى راجعا إلى المدينة .
فأدخل الفتى على الوليد مجلودا ، فقال : من فعل به هذا ؟ قالوا : قاضيك على المدينة سعد بن إبراهيم ، فقال : عليّ به ، فلحق على مرحلة فدخل عليه فقال : يا أبا إسحاق ، ما ذا فعلت بابن أختك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك ولّيتنا أمرا من أمورك ، فأتى حقا للّه ضائعا سكران ، يطوف في المسجد وفيه الوفود ووجوه الناس ، فكرهت أن يرجع الناس عنك بتعطيل ، فأقمت عليه حدّه .
فقال :
جزاك اللّه خيرا ، وأمر له بمال ، ولم يذاكره شيئا من أمر حرق القبة .
حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد الرحمن بن علي ، نبّأ محمد بن الحسين ، ثنا عبد الملك بن بشران ، قال : أنبأ أبو بكر الآجريّ ، نبأ ابن صاعد ، نبأ الحسين بن الحسين ، أنا ابن المبارك ، انا هشام ، قال : حدّثني مولى مسلمة بن عبد الملك ، قال : حدّثني مسلمة بن عبد الملك ، قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز بعد صلاة الفجر في بيت كان يخلو فيه بعد الفجر فلا يدخل عليه أحد ، فجاءته جارية بطبق فيه تمر صيحاني ، وكان يعجبه التمر ، فوضع في كفه منه فقال : يا مسلمة ، أترى لو أن رجلا أكل من هذا ، ثم شرب عليه الماء ، فإن الماء على التمر طيّب ، فكان يجزئه إلى الليل ؟ قال : فقلت : لا أدري ، فرفع أكثر منه ،
“ 321 “
قال : فهذا ؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين كان كافيه دون هذا حتى لا يبالي أن يذوق طعاما غيره ، قال : فعلام يدخل النار ؟ قال مسلمة : فما وقعت مني موعظة ما وقعت مني هذه .
روينا من حديث ابن أبي الدنيا ، حدّثنا عبد الرحمن بن صالح ، نبأ أبو نعيم ، عن سفيان ، قال : قال معاوية لابن الكوا : كيف ترى الزمان ؟ قال : يا أمير المؤمنين إن تصلح يصلح .
قيل لبعض خلفاء عصرنا ، وقد ذكرنا إنسانا لم يكن له قديم مجد ، فقال له بعض الحاضرين : يا أمير المؤمنين ، ممن هو يؤبه له ، فإن الدهر ما ساعده بشيء ؟
فقال : نحن الزمان ، من رفعناه ارتفع ، ومن وضعناه اتّضع ، وولّاه .
وتقول الصوفية : شروط السماع أربعة : إذا كلّمت ، ولا مانع الزمان ، والمكان ، والإخوان ، ويعنون بالزمان : السلطان ، إذا قال به ، ودعا إليه ، وطاب الوقت لأصحاب القلوب ، وانبسطت النفوس .
وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، قال : قال أبو كريب : نبأ أبو بكر بن عيّاش ، عن أبي سعيد ، قال : سمعت الحجاج وهو على المنبر يوما يقول : يا ابن آدم ، بينما أنت في دارك وقرارك إذا تسوّر عليك ملك الموت ، واختلس روحك ، ثم دفنك أهلك ، ورجعوا ، واختصموا فيك ، حبيباك : حبيبك من أهلك ، وحبيبك من مالك . فاتق اللّه ، فالآن تأكل ، وغدا تؤكل . ثم بكى حتى تلقّى دموعه بعمامته .
وروينا من حديث أبي نعيم ، أنا أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن مخلد ، انا الحارث بن أبي أسامة ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن أزهر بن سنان القرشي ، حدّثنا محمد بن واسع ، قال : دخلت على بلال بن أبي بردة فقلت : يا بلال ، إن أباك حدّثني عن جدّك ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : « إن في جهنم لواديا ، ولذلك الوادي بئرا يقال لها هبهب ، حق على اللّه عز وجل أن يسكنها كل جبار ، فإياك أن تكون منهم » .
وقيل : لما دفن سليمان بن عبد الملك قربت مراكب الخلافة لعمر بن عبد العزيز ، فبكى عمر وقال : دابتي أوفق لي .
وأنشدوا في ذلك :
ولولا التقى ثم النهى خشية الردى * لعاصيت في حب الصبا كل زاجر
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى * له صبوة أخرى الليالي الغوابر
ثم قال : إن شاء اللّه ، فجاءه صاحب الشرط ، فمشى بين يديه فقال : تنحّ عني ، ما لي
“ 322 “
ولك ؟ أنا رجل من المسلمين ، فسار حتى دخل المسجد ، فصعد المنبر فقال : إني ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ، وقد خلعت ما في أعناقكم من تبعتي ، فاختاروا لأنفسكم ، فصاح الناس : قد اخترناك ، فقال : أوصيكم بتقوى اللّه ، فإن تقوى اللّه خلف من كل شيء ، وليس من تقوى اللّه خلف ، واعملوا لآخرتكم ، فإن من عمل لآخرته كفاه اللّه أمر دنياه ، وأصلحوا سرائركم يصلح اللّه الكريم علانيتكم ، وأكثروا من ذكر الموت ، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم ، وإن من تذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم أبا حيا لمعرف له في الموت . ثم نزل فدخل وأمر بالستور . ثم ذهب يتبوأ مقيلا ، فقال له ابنه : تقبل ولا ترد المظالم ؟ فقال : يا بني ، إني سهرت البارحة فإذا صليت الظهر رددتها ، فقال : من لك أن تعيش إلى الظهر ؟ فقبّل بين عينيه وقال : الحمد للّه الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني ، فخرج وأمر مناديه أن ينادي : كل من له مظلمة فليرفعها ، فردّ الكل ، فقال : أيها الناس ، إني أنساكم هاهنا ، وأذكركم في بلادكم ، فمن ظلمه عامله فلا إذن له عليّ ، وإني واللّه ما أنا بخيركم ، ولكني أثقلكم محلا . ثم خيّر جواريه فقال : إنه قد نزل بي أمر شغلني عنكن ، فمن أحب أن أعتقه أعتقته ، ومن أراد أن أمسكه أمسكته ، ولم يكن مني إليها شيء . قالت زوجته فاطمة : ما أعلم أنه اغتسل من جنابة ولا من احتلام منذ ولّي الخلافة إلى أن مات . وقوموا ثيابه جميعا حين استخلف فكانت اثني عشر درهما . وقيل لزوجته :
اغسلي قميصه ، قالت : واللّه ما يملك غيره . كتاب إلى عامله : لا تقيد أحدا بقيد يمنع عن تمام الصلاة .
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك : إياك أن تدركك الصرعة عند العزّة ، فلا تقال العثرة ، ولا تمكن من الرجعة ، ولا يحمدك من خلفت بما تركت ، ولا يعذرك من تقدم عليه بما به اشتغلت والسلام . أخبرنا به محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن علي ، عن علي بن محمد ، عن أبي عمرو ، عن محمد بن الحسن ، عن عبد الملك بن بشران ، عن أبي بكر الآجري ، عن أبي صاعد ، عن الحسين بن الحسن ، عن ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن جابر ، أن عمر بن عبد العزيز ، وذكره .
وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، عن محمد بن الحسين ، عن شهاب بن عياد ، عن سويد الكلبي ، أن ذرّ بن حبيش ، كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابا يعظه ، وكان في آخر كتابه : ولا يطمعنك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك ، فأنت أعلم بنفسك ، واذكر ما تكلم به الأولون .
إذ الرجال ولدت أولادها * وبليت من كبر أجسادها
“ 323 “
وجعلت أسقامها نفتادها * تلك زروع قددنا حصادها
فلما قرأ عبد الملك الكتاب بكى حتى بلّ طرف ثوبه ، ثم قال : صدق ذرّ ، ولو كتب إلينا بغير هذا لكان أوفق .
حدثنا محمد بن إسماعيل ، نبأ عبد الرحمن بن علي ، حدثنا عبد اللّه بن علي ، انا منصور بن عبد العزيز العسكري ، أنا أبو أحمد عبد اللّه بن أبي مسلم ، انا علي بن عبد اللّه بن المغيرة ، أخبرني أحمد بن سعيد الدمشقي ، انا الزبير بن بكار ، حدثني مدائني ، عن عونة بن الحكم ، قال : قال الشعبي : سمعت الحجاج تكلم بكلام ما سبق إليه في علمي أحد ، قال : أما بعد ، فإن اللّه كتب على الدنيا الفناء ، وعلى الآخرة البقاء ، فلا فناء لما كتب عليه البقاء ، ولا بقاء لما كتب عليه الفناء ، ولا يغرّنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة ، وأقصر وأطول الأمل بقصر الأجل . وقال مبارك بن فضالة : خطب الحجاج يوما فقال : أما بعد ، فإن اللّه كفانا مئونة الدنيا ، وأمرنا بطلب الآخرة ، فليت الذي كان أمرنا به طلب الدنيا وكفانا مئونة الآخرة . فلما سمعه الحسن قال : ضالة مؤمن عند فاسق خذوها .
حدثنا بهذا كتابة أبو سعد بن عبد اللّه بن عمر بن أحمد بن منصور ، عن ظاهر طاهر ، عن أبي عثمان سعيد بن محمد بن أحمد ، عن أبيه ، عن علي بن المؤمل ، عن محمد بن يونس ، عن ابن عوف ، عن مبارك بن فضالة ، وذكره .
بلغنا عن هرم بن حيان ، أنه بات عند حممة فبكى حممة إلى الصباح ، فقال هرم : ما أبكاك يا حممة ؟ قال : ذكرت ليلة صبيحتها تناثر النجوم .
حكاية
حدثنا يونس بن يحيى ، انا محمد بن ناصر ، انا محفوظ بن أحمد ، انا محمد بن الحسين ، نبأ المعافى ، نبأ عبيد اللّه بن محمد الأزدي ، ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثني الحارث بن محمد التميمي ، عن شيخ من قريش ، قال : مرّ الإسكندر بمدينة قد ملكها أملاك سبعة وبادوا ، فقال : هل بقي من نسل الأملاك الذين ملكوا هذه المدينة أحد ؟
قالوا :
نعم ، رجل يكون في المقابر ، فدعا به قال : ما دعاك إلى لزوم المقابر ؟
قال : أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم ، فوجدت عظام عبيدهم وعظامهم سواء ، فقال له :هل لك أن تتبعني فأحيي بك شرف آبائك إن كانت لك همة ؟
قال : إن همتي لعظيمة إن كانت بغيتي عندك ، قال : وما بغيتك ؟ قال : حياة لا موت فيها وشباب ليس معه هرم ،
“ 324 “
وغنى لا فقر معه ، وسرور بغير مكروه . قال : لا . قال : فامض عني لشأنك ، ودعني أطلب ذلك ممن هو عنده وملكه . فقال الإسكندر : هذا أحكم مما رأيت .
وحدثنا يونس قال : حدثنا عبد الوهاب الحافظ ، عن المبارك بن عبد الجبار ، عن محمد بن علي بن الفتح ، عن محمد بن عبد اللّه الدقاق ، انا ابن صفوان ، عن أبي بكر بن سفيان ، عن محمد بن الحسين ، عن الوليد بن صالح ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم ، قال : كان لعمر بن عبد العزيز سفط فيه دراعة من شعر وغل ، وكان له بيت في جوف بيت يصلي فيه لا يدخل فيه أحد ، فإذا كان في آخر الليل فتح ذلك السفط ، ولبس تلك الدراعة ، ووضع الغل في عنقه ، فلا يزال يناجي ربه حتى يطلع الفجر ، ثم يعيده في السفط .
وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، عن محمد بن الحنيص ، عن محمد بن أيوب ، عن يزيد بن محمد بن مسلمة ، قال : حدثني مولى لنا ، قال : بكت فاطمة بنت عبد الملك حتى غشي بصرها فدخل عليها أخواها مسلمة وهشام ، فقالا لها : ما هذا الأمر الذي قدمت عليه ؟ أجزعك على بعلك فأحق من جزع على مثله أو على شيء فاتك من الدنيا ؟ فها نحن بين يديك وأموالنا وأهلونا . فقالت : ما من كل جزعت ، ولا على واحدة منهما . أسفت ، ولكن واللّه ما رأيت ليلة منظرا ، فعلمت أن الذي أخرجه إلى الذي رأيت منه هول عظيم قد استكنّ به في قلبي فعرفته ، قالاها : وما رأيت منه ؟ قالت : رأيته ذات ليلة قائما يصلي وأتى على هذه الآية : يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ .
من تاريخ العلّامة جلال الدين السيوطي رحمه اللّه قال : قال زيد بن أسلم ، عن أنس رضي اللّه عنه : ما صليت وراء إمام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشبه صلاة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من هذا الفتى ، يعني به عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه ، وهو أمير على المدينة . قال زيد بن أسلم : فكان يتم الركوع والسجود ، ويخفف القيام والقعود ، له طرق عن أنس ، أخرجه البيهقي في سننه وغيره . وسئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز فقال :
هو نجيب بني أمية ، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده . وقال ميمون بن مهران : كان العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة .
روينا من حديث ابن أبي الدنيا ، حدثنا يعقوب بن إسماعيل ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن محمد بن مكي ، قال : خطب عمر بن عبد العزيز فقال : الدنيا ليست بدار قرار ، دار كتب اللّه عليها الفناء ، وكتب على أهلها منها الظعن ، فكم من عامر موثق عما قليل يخرب ، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يرحل ، فأحسنوا رحمكم اللّه منها الرحلة بأحسن ما يستعد للنقلة ، وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى ، إنما الدنيا كفيء قلص فذهب ،
“ 325 “
بينما ابن آدم ينافس فيها قرير العين بها ، إذ دعاه اللّه بقدره ، ورماه بيوم حتفه ، فسلبه دنياه ، وصيّر لقوم آخرين مغناه ، إن الدنيا لا تسرّ بقدر ما تضرّ ، تسرّ قليلا وتجرّ حزنا طويلا .
حدثنا يونس بن يحيى ، عن أبي بكر بن أبي منصور ، عن علي بن أحمد ، عن أبي عبد اللّه بن بطة ، عن أبي دريد ، عن أبي حاتم ، عن أبي عبيدة ، قال : أذن عبد الملك للناس إذنا عاما ، فدخل عليه رجل في هيئة أعرابي ، فقال : يا أبا الوليد ، بلغني أن عندك مالا ، فإن كان للّه فاقسمه في عباده ، وإن كان لك فتفضل عليهم ، وإن كان لهم فادفعه إليهم ، وإن كان بينك وبينهم فقد أسأت شركتهم ، ثم ولّى . فقال عبد الملك : اطلبوا الرجل ، فلم يقدروا عليه ، وأمر للناس بإعطائهم فكانوا يرون أنه منبه من عند اللّه أو الخضر ، واللّه أعلم .
روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن العباس ، عن محمد بن يونس الكريمي ، عن ابن عثمان ، عن سلام بن مسكين ، عن مالك بن دينار ، أنه لقي بلال بن أبي بردة في الطريق والناس يطوفون حوله ، قال : أما تعرفني ؟ قال : بلى أعرفك ، أولك نطفة ، وآخرك جيفة ، وأسفلك دودة . قال : فهمّوا به أن يضربوه ، فقال لهم : هذا مالك بن دينار ، فترك ومضى .
حدثنا أبو الفتوح في آخرين ، قالوا : حدثنا محمد بن عبد الباقي ، عن أحمد بن أحمد بن عبد اللّه ، عن الحسن بن علي بن الخطاب الورّاق ، عن محمد بن عثمان ، عن أبي شيبة ، عن إبراهيم بن عياش الكاتب ، عن الأصمعي ، عن أبيه ، قال : مرّ المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار وهو يتبختر في مشيته ، فقال له مالك : أما علمت أن هذه المشية تكره الأبين الصفين ؟ فقال له المهلب : أما تعرفني ؟ فقال مالك : أعرفك أحسن المعرفة ، قال : وما تعرف مني ؟ قال : أما أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بينهما تحمل العذرة . قال : فقال المهلب : الآن عرفتني حق المعرفة .
حدثنا يوسف بن عبد الكريم بن الحسن بالموصل ، قال : قدمت بغداد واجتمعت ببعض خواص أمير المؤمنين المقتفي لأمر اللّه ، قد مرض مرضا شديدا ، فنوى إن أقاله اللّه أن يفعل خيرا ، ثم استقيل من ألمه وشفاه اللّه ، فشغله تدبير الأمور عن الوفاء بما نواه ، ثم مرض المرض الذي مات فيه . فتذكر ما نذر من الخير في مرضه الأول ، وما فرط في ذلك ، فبكى وأنشد :
نرضي الإله إذا خفنا ونغضبه * إذا أمنا فما يزكو لنا عمل
إذا مرضنا نوينا كل صالحة * وإن شفينا فمنا الزيغ والزلل
“ 326 “
وأنشد أيضا :
إن الطبيب بطبّه ودوائه * لا يستطيع دفاع أمر قد أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي * قد كان يبري منه فيما قد مضى
مات المداوي والمداوى والذي * جلب الدواء وباعه ومن اشترى
ثم قال : احملوني إلى قبري ، فحمل فأطلع فيه وقد حفر ، فقال : أوسعوا عند الصدر ، ثم قال : يا من لا يزال ملكه ارحم من قد زال ملكه ، وا سوأتاه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .ثم مات .
روينا من حديث الحميدي ، عن أبي محمد بن أحمد ، عن الكتاني ، عن أحمد بن خليل ، عن خالد بن سعد ، عن عمر بن حفص بن غالب ، عن محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم ، عن الشافعي رضي اللّه عنه ، عن محمد بن علي ، قال : إني لحاضر مجلس أمير المؤمنين المنصور وفيه ابن أبي ذئب ، وكان والي المدينة الحسن بن زيد ، فأتاه الغفاريون فشكوا إلى أبي جعفر شيئا من أمر الحسن بن زيد ، فقال الحسن : سل عنهم ابن أخي ذئب ؟
فقال : يا أمير المؤمنين ، أشهد أنهم أهل تخاصم في أعراض المسلمين ، كثير والأذى . قال أبو جعفر : قد سمعتهم ، فقال الغفاريون : يا أمير المؤمنين ، فسله عن الحسن بن زيد ؟
فقال : يا ابن أبي ذئب ، ما تقول في الحسن بن زيد ؟
قال : أشهد أنه يحكم بغير الحق ، قال : سمعت يا حسن ما قال ؟
فقال : يا أمير المؤمنين ، سله عن نفسك ؟
فقال : ما تقول فيّ ؟ قال : أو يعفيني أمير المؤمنين ؟ فقال : واللّه لتخبرني ، فقال كلمة ، فوضع المنصور في قفا ابن أبي ذئب ، وجعل يقول : أما وللّه لولا أنا لأخذت أبناء فارس والروم والديلم والترك بهذا المكان منك . فقال ابن أبي ذئب : قد ولّى أبو بكر وعمر فأخذا بالحق ، وقسما بالسوية ، وأخذا بأقفاء فارس والروم ، فخلّاه أبو جعفر ، وقال : لولا أني أعلم أنك صادق لقتلتك .
فقال ابن أبي ذئب للمنصور : يا أمير المؤمنين ، أنا أنصح لك من ابنك المهدي .
روينا من حديث محمد بن القاسم بن خلّاد ، قال ابن أبي ذئب للمنصور : يا أمير المؤمنين ، قد هلك الناس ، فلو أعنتهم مما في يديك من الفيء . قال : ويلك لو ما سددت من الثغور ، وبعثت من الجيوش لكنت تؤتى في منزلك وتذبح . فقال ابن أبي ذئب : فقد سدّ الثغور ، وجيّش الجيوش ، وفتح الفتوح ، وأعطى الناس عطياتهم من هو خير منك .
قال : ومن هو ويلك ؟ قال : عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه . فسكت المنصور ، ونكس رأسه ، ولم يعرض له ، والتفت إلى محمد بن إبراهيم الإمام ، فقال : هذا الشيخ خير أهل الحجاز .
“ 327 “
حدثنا ابن منصور ، عن أحمد بن علي ، عن الجوهري ، عن محمد بن عمران ، عن أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، عن ابن خلّاد ، وذكره .
وروينا من حديث ابن هشام : أنه لما طال البلاء على أهل اليمن من الحبش ، وهلك أرباط ، وأبرهة ، ومكسوم بن أبرهة ، ووليها مسروق بن أبرهة أخو مكسوم ، خرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبيمرة ، حتى قدم على قيصر ملك الروم ، فشكى إليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ، ويلهم هو ، ويبعث إليهم ما شاء إلى الروم ، فيكون له ملك اليمن ، فلم يشكه . فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العراق ، فشكى إليه أمر الحبشة ، فقال له النعمان : إن لي على كسرى وفادة في كل عام ، فأقم عندي حتى يكون ذلك ، ففعل ، ثم أدخله على كسرى ، وكان كسرى يجلس على إيوان مجلسه الذي فيه تاجه مثل القلقل العظيم فيما يزعمون ،
والقلقل :
الميكال يضرب فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ بالذهب والفضة ، معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ، فكانت عنقه لا تحمل تاجه ، إنما يستر بالثياب حين يجلس في مجلسه ذلك ، ثم يدخل رأسه في تاجه ، فإذا استوى في مجلسه كشف عنه الثياب ، فلم يره رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له . فلما دخل سيف بن ذي يزن برك .
وفي حديث أبي عبيدة أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه ، فقال الملك : إن هذا أحمق يدخل عليّ من هذا البيت الطويل يطأطئ رأسه ، فقيل : هذا السيف ، فقال : إنما فعلت هذا لهمي لأنه يضيق عنه كل شيء . قال ابن هشام : قال ابن إسحاق : ثم قال : أيها الملك ، غلبنا على بلادنا الأغربة . قال كسرى : أي الأغربة ؟ الحبشة أم السند ؟ قال : بل الحبشة ، فجئتك لتنصرني ، ويكون ملك بلادي لك . قال : بعدت بلادك مع قلة خيرها ، فلم أكن لأربط جيشا من فارس بأرض العرب ، لا حاجة لي بذلك .
ثم أجازه بعشرة آلاف درهم ، وكساه كسوة حسنة ، فلما قبض ذلك سيف خرج فجعل ينشر تلك الرقعة للناس ، فبلغ ذلك الملك ، فقال : إن هذا لشأنا ، ثم بعث إليه ، فقال : عمدت إلى حباء الملك تنشره للناس ، فقال : وما أصنع بهذا ؟ ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة يرغب فيها .
فجمع كسرى مرازبته ، فقال : ما ذا ترون في أمر هذا الرجل ؟ وما حاله ؟
فقال قائل : أيها الملك ، إن في سجنك رجالا قد حبستهم للقتل ، فلو أنك بعثتهم معه ، فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم ، وإن ظفروا كان ملكا ازددته . فبعث معه كسرى من كان في سجونه ، وكانوا ثمانمائة رجل ، استعمل عليهم وهزر ، وكان ذا سنّ فيهم ، وأفضلهم حبا وبيتا ، فخرج في ثمان سفاين ، فغرقت سفينتان ، ووصل إلى ساحل عدن ست سفاين ، فجمع
“ 328 “
سيف إلى وهزر من استطاع من قومه ، وقال له : رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا ، أو نظفر جميعا ، قال وهزر : أنصفت . وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن ، وجمع إليه جنده ، فأرسل إليه وهزر ابنا له ليقاتلهم فيختبر مقاتلتهم ، فقتل ابن وهزر ، فزاده ذلك حنقا ، فلما توافق الناس على مصافهم ، قال وهزر : أروني ملكهم ، قالوا له : ترى رجلا على الفيل ، عاقدا تاجا على رأسه ، بين عينيه ياقوتة حمراء . قال : نعم ، قالوا : ذاك ملكهم . فقال : اتركوه ، فمكث طويلا ، ثم قال : علام هو ؟ قالوا : قد تحوّل عن الفرس ، قال : اتركوه ، فوقف طويلا ، فقال : علام هو ؟ قالوا : على بغلة ، قال وهزر : بنت الحمار ذلّ ، وذلّ ملكه ، إني سأرميه ، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم ، فإني قد أخطأته ، وإن رأيتم القوم استداروا ولاثوا به ، فقد أصبت الرجل ، فاحملوا عليهم . ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره لشدّتها ، وأمر بحاجبه فعصبها له ، ثم رماه فصكّ الياقوتة التي بين عينيه ، فتفلفلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه ، ونكص عن دابّته ، فاستدارت الحبشة ، ولاثت به ، وحملت عليهم الفرس ، وانهزموا وقتلوا وهربوا في كل وجه ، فأقبل وهزر ليدخل صنعاء حتى أتى بابها ، قال : لا تدخل رايتي منكسة أبدا ، اهدموا الباب ، فهدم ، ثم دخلها ناصبا رايته .
فقال سيف بن ذي يزن في ذلك :
يظنّ الناس بالملك * ين أنهما قد التأما
ومن يسمع تلاقهما * فإن الخطب قد نقما
قتلنا الفيل مسروقا * وروّينا الكثيب دما
وإن الفيل قبل النا * س وهزر مقسم قسما
برق مشعشعا حتى * نفى السبي والنعما
فقد ذكرنا قصيدة أمية بن أبي الصّلت في سيف بن ذي يزن في وفد عبد المطلب وقريش عليه ، من حديث أحمد بن عبد اللّه ، وهي القصيدة التي يقول فيها :
تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وهذا البيت في قصيدته وإنما هو للنابغة الجعدي ، كذا قال ابن إسحاق : قال عديّ بن زيد الحيري عابد من عبّاد أهل الحيرة :
ما بعد صنعان كان يعمرها * ولاة ملك جزل مناصبها
رفعها من بني لدى قزع ألم * زن وتندى مسكا محاربها
محفوفة بالجبال دون عرى الكا * ئل ما ترقّى غواربها
يأنس فيها صوت اللهام إذا * جاوبها بالقسي قاصبها
“ 329 “
ساقت إليها الأسباب جند بني * الإحراز فرسانها مراكبها
وقورب بالبغال توسق بالح * تف ويسعى بها توالبها
حتى رآها الأقوال من طرف ال * عقبل مخضرّة كتائبها
يوم ينادون البرير وإلي * كسوم لا يفلحنّ هاربها
فكان يوم باقي الحديث وزا * لت أمة ثابتة مراتبها
وبدّل الفتح بالزرافة والأ * يام حون جم عجائبها
بعد بني تبّع محاورة * قد اطمأنت به مرازبها
الغارب : السّنم فاستعاره ، فأراد بقوله : غواربها ، أعاليها . واللهام : طائر .
والقاصب : الزمر . والتوالب : واحدها تولب وهو ولد الثعلب . وأمه هنا : يريد بها لغة .
والفتح : الواحد . والزرافة : الجماعة . محاورة : يعني سادات . والمرازب : العظما .
قال ابن هشام : فأقام وهزر فولى ابنه المرزبان ، فأمر كسرى ابنه السجّان ، ثم عزله وأمرّ باذان . وقد ذكرنا خبر باذان في هذا الكتاب وإسلامه .
روينا من حديث ابن مروان ، عن إبراهيم بن إسحاق الحرميّ ، عن هارون بن عبد اللّه ، عن بشار بن جعفر ، عن عنبسة الخوّاص ، عن قتادة ، قال موسى عليه السلام : يا ربّ ، أنت في السماء ونحن في الأرض ، فما علامة غضبك من رضاك ؟
قال : إذا استعملت عليكم خياركم فذلك علامة رضاي ، وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطي .
وأنشدنا من حديث ابن أبي الدنيا ،
قال : أنشدني أبو عبد اللّه البصير لمعبد بن طوق العنبري :
تلقى الفتى حذر المنية هاربا * منها وقد حفّت به لا يشعر
نصبت حبائلها له من حوله * فإذا أتاه يومه لا ينظر
إن امرأ أمسى أبوه وأمه * تحت التراب ليومه يتفكّر
تعطى صحيفتك التي أمليتها * فترى النهى فيها إذا ما تنشر
حسناتها محسوبة قد أحصيت * والسيئات فأي ذلك أكثر
وروينا من حديث الدينوري ، من حديث أبي أسامة ، عن إسحاق بن إسماعيل ، عن أبي معاوية ، عن سليمان بن إبراهيم ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : لما قدم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الشام لقيه الجنود ، وعليه إزار وخفّان وعمامة ، وهو آخذ برأس نجيبته يخوض الماء ، وقد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطيه ، قالوا له : يا أمير المؤمنين ، الآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحالة .
قال : إنّا قوم أعزّنا اللّه بالإسلام ، فلن نلتمس العزّ بغيره .
“ 330 “
وحدثنا عبيد اللّه بن عمر ، أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حمل قربة على عنقه ، فقال له أصحابه : يا أمير المؤمنين ، ما حملك على هذا ؟ قال : إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها . رويناه من حديث المالكي ، عن أحمد بن يوسف ، عن عبيد اللّه بن محمد بن حفص ، عن حماد بن سلمة بن عبيد اللّه بن عمر .
حدثنا محمد بن اللباب ، ثنا ابن خميس ، نبأ الحميدي ، حدثنا أبو بكر الأردستاني ، انا السلمي ، سمعت عبد اللّه بن عليّ الطوسي ، سمعت أحمد بن محمد الردعي الشبلي ،
وسئل عن قوله عزّ وجلّ : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فوصف صفة لم يضبطها أهل المجلس .
ثم أنشأ يقول :
لست من جملة المحبين إن لم * أدع القلب بيته والمقاما
وطوافي أجالة السرّ فيه * وهو ركني إذا أردت استلاما
قلت : فهذان البيتان من جنس ما لم يضبطه أهل المجلس ، لأن وارد الوقت واحد العين . فاعلم ذلك .
وقال محمد بن الفضل : العجب ممن يقطع الأودية والقفار والمفاوز ، حتى يصل إلى بيته وحرمه ، ويرى فيه أثر أنبيائه كيف لا يقطع نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه ، فإن فيه آثار ربه .
روينا من حديث السلمي إسحاق بن بشر ، مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم : « أن حملة العرش أربعة أملاك : ملك على صورة إنسان يسأل الرزق لولد آدم ، وملك على صورة سبع يسأل الرزق للسباع ، وملك على صورة النسر يسأل الرزق للطير ، وملك على صورة الثور يسأل الرزق للأنعام » .
قال ابن عباس : فالملك الذي على صورة الثور لم يزل غاضا بصره منذ عبدت بنو إسرائيل العجل ، لأنهم عبدوا شيئا يشبهه ، وإن اللّه لما خلق هؤلاء الملائكة قال لهم : احملوا العرش فلم يطيقوا ، فقال لهم : قولوا لا حول ولا قوة إلا باللّه ، فلما قالوها استقلوا بالعرش على كواهلهم ، ونزلت أقدامهم على متن الثرى ، وقدر البروج في العرش اثنا عشر مقدارا ، وقدر المنازل في الكرسي ، وخلق الأيام بخلق الكرسي ، فأداره ، فكانت الأيام بدورانه كأنها يوم واحد ، لا يتميز فيه من الأيام السبعة . ثم خلق السبع سماوات وأدارها ، وخلق في كل فلك كوكبا ، فجعل في الأعلى كيوان ، وفي الثاني بهرام ، وفي الثالث الأحمر ، وفي الرابع الشمس ، وفي الخامس الزهرة ، وفي السادس الكاتب ، وفي السابع القمر . ثم خلق النار مما يلي السماء الدنيا ، وجعل منها شبه الرصد على مسالك الشياطين ذوات الأذناب ، ثم خلق الهواء ، وثم الماء ، ثم الأرض ، وخلق الليل والنهار عند
الجزء 22
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 317 “
أبغض إلى اللّه تعالى منها ، ما نظر إليها منذ خلقها ، ولقد عرضت على نبيّنا صلى اللّه عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك عند اللّه جناح بعوضة ، فأبى أن يقبلها ، وما منعه من القبول لها مع ما لا ينقصه اللّه عز وجل شيئا مما عنده كما وعده إلا أنه علم أن اللّه عز وجل أبغض شيئا فأبغضه ، وصغر شيئا فصغّره ، ولو كان قبلها كانت الدليل على محبة قبوله إياها ، ولكن كره أن يخالف أمره ، ويحبّ ما أبغض خالقه ، أو يرفع ما وضع مليكه ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .
وفي الرسالة طول ، فاقتصرنا منها على هذا القدر من هذا الطريق .
ومن قصص عطاء بن أبي رباح مع هشام
ما أخبرنا به غير واحد ، عن أبي منصور بن محمد بن عبد الملك ، عن أحمد بن علي بن ثابت ، عن أبي الحسن ، عن أبي أيوب الكاتب القمي ، عن أبي عبد اللّه محمد بن عمران بن موسى المرزباني ، عن محمد بن أحمد الكاتب ، عن عبد اللّه بن أبي سعيد الورّاق ، عن عمر بن أبي شيبة ، عن سعيد بن منصور الرقي ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، قال : انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك ، فلما قربنا إذا بشيخ أسود على حمار عليه قميص دنس وجبّة دنسة وقلنسوة لاطئة دنسة وركابات من خشب ، فضحكت وقلت لأبي : ممن هذا الأعرابي ؟ قال : اسكت ، هذا سيد فقهاء أهل الحجاز ، هذا عطاء بن أبي رباح ، فلما قرب نزل أبي عن بغلته ونزل هو عن حماره فتعانقا وتسالما ، ثم عادا فركبا وانطلقا حتى وقفا بباب هشام . فلما رجع أبي سألته فقلت : حدثني ما كان منكما ، قال : لما قيل لهشام : عطاء بن أبي رباح على الباب أذن له ، فو اللّه ما دخلت إلا بسببه ، فلما رآه هشام قال : مرحبا مرحبا . هاهنا ، فرفعه حتى مست ركبته ركبته ، وعنده أشراف الناس يتحدثون ، فسكتوا ، فقال هشام : ما حاجتك يا أبا محمد ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، أهل الحجاز وأهل نجد أصل العرب وقادة الإسلام ، ترد فيهم فضول صدقاتهم ، قال : نعم ، اكتب يا غلام بأن ترد فيهم صدقاتهم . هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتهم ، ويقاتلون عدوّكم ، هل أجريتم لها أرزاقا تدروها عليهم ؟
فإنهم إن هلكوا بمن يتم ، قال : نعم ، اكتب يا غلام ، تحمل أرزاقهم إليهم . هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟
قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل ذمتكم لا تجيء صغارهم ، ولا تتعتع كبارهم ، ولا يكلفون إلا ما يطيقون ، فإنما يجيئون معونة لكم على عدوّكم . قال : نعم ، اكتب يا غلام ، أن لا يحملوا ما لا
“ 318 “
يطيقون . هل من حاجة غيرها ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، اتق اللّه في نفسك ، فإنك خلقت وحدك ، وتموت وحدك ، وتحشر وحدك ، وتحاسب وحدك ، لا واللّه ما معك ممن ترى أحدا . قال : فأكبّ هشام ، وقام عطاء ، فلما كان عند الباب وإذا رجل قد تبعه بكيس ما ندري فيه دراهم أو دنانير ، وقال : إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا ، فقال : ما أصنع بهذا ؟
قل ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ * .
قال : ثم خرج عطاء ، فو اللّه ما شرب عنده حسوة من ماء فما فوقها .
وحدثنا يونس وغيره ، حدثنا عبد الوهاب بن المبارك ، أنا أبو الحسين عبد الجبار ، انا أحمد بن علي الثوري ، أنا عمر بن ثابت ، حدثنا علي بن أبي قيس ، حدثنا أبو بكر القرشي ، حدثني أبو علي بن الحسين بن شفيق ، عن ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك : إياك أن تدركك الصرعة عند العزّة ، فلا تقال العثرة ، ولا تمكن من الرجعة ، ولا يحمدك من خلفت مما تركت ، ولا يحمدك من تقدم عليه بما به اشتغلت .
حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد الرحمن بن علي بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن محمد ، أنبأنا أحمد بن علي ، أنبأنا محمد بن علي ، انا محمد بن عبد الواحد ، أنبأنا محمد بن العباس ، ثنا محمد بن خلف ، أخبرني محمد بن الفضل ، أخبرني بعض أهل الأدب ، عن حسن الوصيف ، قال : قعد المهدي قعودا عاما للناس ، فدخل رجل وفي يده نعل في منديل ،
فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا نعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أهديتها لك ،
قال :هاتها ، فدفعها إليه ، فقبّل باطنها ووضعها على عينيه ، وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم .
فلما أخذها وانصرف قال لجلسائه : أترون أني لم أعلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يرها فضلا عن أن يكون لبسها ؟ ولو كذّبناه لقال للناس : أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فردّها عليّ ، ولكان من يصدقه أكثر من أن يرفع خبره ، إذ كان من شأن العامة الميل إلى إشكالها ، والنصرة للضعيف على القوي ، فاشترينا لسانه ، ورأينا الذي فعلنا أنجح وأرجح .
ومن أخبار يحيى بن أكتم مع المأمون في طريق الشام
فأمر فنودي بتحليل المتعة ، فقال لنا يحيى بن أكتم : بكرا أغدو إليه ، فإن رأيتما للقول وجها فقولا وإلا فاسكتا إلى أن أدخل . قال : فدخلنا عليه وهو يستاك فيقول وهو مغتاظ : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما ، وأنا أنهي عنهما . ومن أنت يا أحول حتى تنهي عما فعله النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟
قال : فأمسكنا ، فجاء
“ 319 “
يحيى فجلس وجلسنا ، فقال المأمون ليحيى : ما لي أراك متغيرا ؟ قال : هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام ، قال : وما حدث ؟ قال : النداء بتحليل الزنا .
قال : الزنا :المتعة ؟ قال : ومن أين قلت هذا ؟ قال : من كتاب اللّه عز وجل ومن حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال اللّه تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ، إلى قوله : هُمُ العادُونَ . يا أمير المؤمنين زوجته ، متعته ، ملك يمينه ، قال : لا ، قال : فهي الزوجة التي عني اللّه : ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها ، قال : لا ، قال : قد صار متجاوز هذين من العادين ، وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روي عن عبد اللّه والحسن ابني محمد ابن الحنفية ، عن أبيهما محمد بن علي ، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، قال : أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها ، فالتفت إلينا المأمون فقال : محفوظ هذا من حديث الزهري ؟
فقلنا : نعم يا أمير المؤمنين ، رواه جماعة ، منهم مالك . فقال : أستغفر اللّه ، نادوا بتحريم المتعة ، فنادوا بها ،
فقال الصولي :فسمعت إسماعيل بن إسحاق يقول : وقد ذكر يحيى بن أكتم فعظم أمره وقال : كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله . وذكر هذا اليوم .
حدثنا بذلك جماعة عن أبي منصور عبد الرحمن بن محمد ، عن أحمد بن علي بن ثابت ، عن أبي عبد اللّه القاضي حسين ، عن الصيمري ، عن محمد بن عمران المرزباني ، عن الصولي ، عن أبي العينا ، عن أحمد بن أبي داود ، قالوا : وقال الصولي : وحدثنا محمد بن موسى بن أبي داود ، عن المسرف ، عن سعيد ، عن محمد بن منصور ، والسياق لأبي العينا حدثنا سعيد بن الحسن النسائي ، عن جده الحسن بن سفيان ، عن حرملة بن يحيى ، عن عبد اللّه بن وهب ، عن سفيان بن عيينة ، قال : كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز : اعلم أن الهول الأعظم ومفظعات الأمور أمامك ، لم يقع منها بعد ، وإنه واللّه لا بدّ لك من مشاهدة ذلك ومعاينته ، إما بالسلامة والنجاة منه وإما بالعطب .
حديث سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري مع الوليد بن عبد الملك في حرق القبة
حدثنا يونس بن يحيى ، انا ابن أبي منصور ، عن أبي القاسم ، عن أبي عبد اللّه بن بطة ، عن أبي صالح محمد بن أحمد ، عن الحارث ، عن أبي أسامة ، عن الواقدي ، عن موسى بن أبي بكر ، عن صالح بن كيسان ، أن الوليد بن عبد الملك ولّى سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف على قضاء المدينة ، وكان ذا دين وورع وصلابة في الدين
“ 320 “
لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، وأراد الوليد الحج فاتخذ قبة من ساج ليجعلها حول الكعبة ليطوف هو ومن أحب من أهله ونسائه فيها ، وكان فظا مجبرا ، فأراد ابن عمه أن يطوف فيها حول الكعبة ، ويطوف الناس من وراء المقصورة ، فحملها على الإبل من الشام ، ووجّه معها قائدا من قوّاده في ألف فارس من الشام ، وأرسل معه مالا يقسمه في أهل المدينة ، فقدم بها فنصبت في مصلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ففزع من ذلك أهل المدينة ، فاجتمعوا ، فقالوا : إلى من نفزع في هذا الأمر ؟ فقالوا : إلى سعد بن إبراهيم ، فأتاه الناس فأخبروه الخبر ، فأمرهم أن يضرموها بالنار ، فقالوا : لا نطيق ذلك ، معه ألف فارس من الشام ، فدعا مولى له فقال : عليّ بدرعي ، فجاءه بدرع جده عبد الرحمن بن عوف التي شهد بها بدرا ، فصبها عليه ، ثم دعا ببغلته فركبها ، فما تخلف عنه يومئذ قرشي ولا أنصاري حتى أتاها ، فقال : عليّ بالنار ، فأتي بنار فأضرمها فيها ، فغضب القائد ، فقيل له : هذا قاضي أمير المؤمنين ومعه الناس ولا طاقة لك بهم فانصرف راجعا إلى الشام .
قال ابن كيسان :
وشبع أهل المدينة من الناطف مما اكتسبوا من حديدها ، فلما بلغ ذلك الوليد كتب إليه :
ولي القضاء رجلا وأقدم علينا ، فولّى القضاء رجلا ، وركب حتى أتى الشام ، فقام ببابه شهرا لا يؤذن له حتى نفذت نفقته ، وأضربه طول المقام ، فبينما هو ذات عشية في المسجد إذا هو بفتى سكران ، فقال : من هذا ؟ قالوا : خال أمير المؤمنين سكران يطوف في المسجد ، فقال لمولى له : هلم السوط ، فأتاه بسوطه فقال : عليّ به ، فضربه في المسجد ثمانين سوطا ، وركب بغلته ومضى راجعا إلى المدينة .
فأدخل الفتى على الوليد مجلودا ، فقال : من فعل به هذا ؟ قالوا : قاضيك على المدينة سعد بن إبراهيم ، فقال : عليّ به ، فلحق على مرحلة فدخل عليه فقال : يا أبا إسحاق ، ما ذا فعلت بابن أختك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك ولّيتنا أمرا من أمورك ، فأتى حقا للّه ضائعا سكران ، يطوف في المسجد وفيه الوفود ووجوه الناس ، فكرهت أن يرجع الناس عنك بتعطيل ، فأقمت عليه حدّه .
فقال :
جزاك اللّه خيرا ، وأمر له بمال ، ولم يذاكره شيئا من أمر حرق القبة .
حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد الرحمن بن علي ، نبّأ محمد بن الحسين ، ثنا عبد الملك بن بشران ، قال : أنبأ أبو بكر الآجريّ ، نبأ ابن صاعد ، نبأ الحسين بن الحسين ، أنا ابن المبارك ، انا هشام ، قال : حدّثني مولى مسلمة بن عبد الملك ، قال : حدّثني مسلمة بن عبد الملك ، قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز بعد صلاة الفجر في بيت كان يخلو فيه بعد الفجر فلا يدخل عليه أحد ، فجاءته جارية بطبق فيه تمر صيحاني ، وكان يعجبه التمر ، فوضع في كفه منه فقال : يا مسلمة ، أترى لو أن رجلا أكل من هذا ، ثم شرب عليه الماء ، فإن الماء على التمر طيّب ، فكان يجزئه إلى الليل ؟ قال : فقلت : لا أدري ، فرفع أكثر منه ،
“ 321 “
قال : فهذا ؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين كان كافيه دون هذا حتى لا يبالي أن يذوق طعاما غيره ، قال : فعلام يدخل النار ؟ قال مسلمة : فما وقعت مني موعظة ما وقعت مني هذه .
روينا من حديث ابن أبي الدنيا ، حدّثنا عبد الرحمن بن صالح ، نبأ أبو نعيم ، عن سفيان ، قال : قال معاوية لابن الكوا : كيف ترى الزمان ؟ قال : يا أمير المؤمنين إن تصلح يصلح .
قيل لبعض خلفاء عصرنا ، وقد ذكرنا إنسانا لم يكن له قديم مجد ، فقال له بعض الحاضرين : يا أمير المؤمنين ، ممن هو يؤبه له ، فإن الدهر ما ساعده بشيء ؟
فقال : نحن الزمان ، من رفعناه ارتفع ، ومن وضعناه اتّضع ، وولّاه .
وتقول الصوفية : شروط السماع أربعة : إذا كلّمت ، ولا مانع الزمان ، والمكان ، والإخوان ، ويعنون بالزمان : السلطان ، إذا قال به ، ودعا إليه ، وطاب الوقت لأصحاب القلوب ، وانبسطت النفوس .
وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، قال : قال أبو كريب : نبأ أبو بكر بن عيّاش ، عن أبي سعيد ، قال : سمعت الحجاج وهو على المنبر يوما يقول : يا ابن آدم ، بينما أنت في دارك وقرارك إذا تسوّر عليك ملك الموت ، واختلس روحك ، ثم دفنك أهلك ، ورجعوا ، واختصموا فيك ، حبيباك : حبيبك من أهلك ، وحبيبك من مالك . فاتق اللّه ، فالآن تأكل ، وغدا تؤكل . ثم بكى حتى تلقّى دموعه بعمامته .
وروينا من حديث أبي نعيم ، أنا أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن مخلد ، انا الحارث بن أبي أسامة ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن أزهر بن سنان القرشي ، حدّثنا محمد بن واسع ، قال : دخلت على بلال بن أبي بردة فقلت : يا بلال ، إن أباك حدّثني عن جدّك ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : « إن في جهنم لواديا ، ولذلك الوادي بئرا يقال لها هبهب ، حق على اللّه عز وجل أن يسكنها كل جبار ، فإياك أن تكون منهم » .
وقيل : لما دفن سليمان بن عبد الملك قربت مراكب الخلافة لعمر بن عبد العزيز ، فبكى عمر وقال : دابتي أوفق لي .
وأنشدوا في ذلك :
ولولا التقى ثم النهى خشية الردى * لعاصيت في حب الصبا كل زاجر
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى * له صبوة أخرى الليالي الغوابر
ثم قال : إن شاء اللّه ، فجاءه صاحب الشرط ، فمشى بين يديه فقال : تنحّ عني ، ما لي
“ 322 “
ولك ؟ أنا رجل من المسلمين ، فسار حتى دخل المسجد ، فصعد المنبر فقال : إني ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ، وقد خلعت ما في أعناقكم من تبعتي ، فاختاروا لأنفسكم ، فصاح الناس : قد اخترناك ، فقال : أوصيكم بتقوى اللّه ، فإن تقوى اللّه خلف من كل شيء ، وليس من تقوى اللّه خلف ، واعملوا لآخرتكم ، فإن من عمل لآخرته كفاه اللّه أمر دنياه ، وأصلحوا سرائركم يصلح اللّه الكريم علانيتكم ، وأكثروا من ذكر الموت ، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم ، وإن من تذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم أبا حيا لمعرف له في الموت . ثم نزل فدخل وأمر بالستور . ثم ذهب يتبوأ مقيلا ، فقال له ابنه : تقبل ولا ترد المظالم ؟ فقال : يا بني ، إني سهرت البارحة فإذا صليت الظهر رددتها ، فقال : من لك أن تعيش إلى الظهر ؟ فقبّل بين عينيه وقال : الحمد للّه الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني ، فخرج وأمر مناديه أن ينادي : كل من له مظلمة فليرفعها ، فردّ الكل ، فقال : أيها الناس ، إني أنساكم هاهنا ، وأذكركم في بلادكم ، فمن ظلمه عامله فلا إذن له عليّ ، وإني واللّه ما أنا بخيركم ، ولكني أثقلكم محلا . ثم خيّر جواريه فقال : إنه قد نزل بي أمر شغلني عنكن ، فمن أحب أن أعتقه أعتقته ، ومن أراد أن أمسكه أمسكته ، ولم يكن مني إليها شيء . قالت زوجته فاطمة : ما أعلم أنه اغتسل من جنابة ولا من احتلام منذ ولّي الخلافة إلى أن مات . وقوموا ثيابه جميعا حين استخلف فكانت اثني عشر درهما . وقيل لزوجته :
اغسلي قميصه ، قالت : واللّه ما يملك غيره . كتاب إلى عامله : لا تقيد أحدا بقيد يمنع عن تمام الصلاة .
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك : إياك أن تدركك الصرعة عند العزّة ، فلا تقال العثرة ، ولا تمكن من الرجعة ، ولا يحمدك من خلفت بما تركت ، ولا يعذرك من تقدم عليه بما به اشتغلت والسلام . أخبرنا به محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن علي ، عن علي بن محمد ، عن أبي عمرو ، عن محمد بن الحسن ، عن عبد الملك بن بشران ، عن أبي بكر الآجري ، عن أبي صاعد ، عن الحسين بن الحسن ، عن ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن جابر ، أن عمر بن عبد العزيز ، وذكره .
وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، عن محمد بن الحسين ، عن شهاب بن عياد ، عن سويد الكلبي ، أن ذرّ بن حبيش ، كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابا يعظه ، وكان في آخر كتابه : ولا يطمعنك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك ، فأنت أعلم بنفسك ، واذكر ما تكلم به الأولون .
إذ الرجال ولدت أولادها * وبليت من كبر أجسادها
“ 323 “
وجعلت أسقامها نفتادها * تلك زروع قددنا حصادها
فلما قرأ عبد الملك الكتاب بكى حتى بلّ طرف ثوبه ، ثم قال : صدق ذرّ ، ولو كتب إلينا بغير هذا لكان أوفق .
حدثنا محمد بن إسماعيل ، نبأ عبد الرحمن بن علي ، حدثنا عبد اللّه بن علي ، انا منصور بن عبد العزيز العسكري ، أنا أبو أحمد عبد اللّه بن أبي مسلم ، انا علي بن عبد اللّه بن المغيرة ، أخبرني أحمد بن سعيد الدمشقي ، انا الزبير بن بكار ، حدثني مدائني ، عن عونة بن الحكم ، قال : قال الشعبي : سمعت الحجاج تكلم بكلام ما سبق إليه في علمي أحد ، قال : أما بعد ، فإن اللّه كتب على الدنيا الفناء ، وعلى الآخرة البقاء ، فلا فناء لما كتب عليه البقاء ، ولا بقاء لما كتب عليه الفناء ، ولا يغرّنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة ، وأقصر وأطول الأمل بقصر الأجل . وقال مبارك بن فضالة : خطب الحجاج يوما فقال : أما بعد ، فإن اللّه كفانا مئونة الدنيا ، وأمرنا بطلب الآخرة ، فليت الذي كان أمرنا به طلب الدنيا وكفانا مئونة الآخرة . فلما سمعه الحسن قال : ضالة مؤمن عند فاسق خذوها .
حدثنا بهذا كتابة أبو سعد بن عبد اللّه بن عمر بن أحمد بن منصور ، عن ظاهر طاهر ، عن أبي عثمان سعيد بن محمد بن أحمد ، عن أبيه ، عن علي بن المؤمل ، عن محمد بن يونس ، عن ابن عوف ، عن مبارك بن فضالة ، وذكره .
بلغنا عن هرم بن حيان ، أنه بات عند حممة فبكى حممة إلى الصباح ، فقال هرم : ما أبكاك يا حممة ؟ قال : ذكرت ليلة صبيحتها تناثر النجوم .
حكاية
حدثنا يونس بن يحيى ، انا محمد بن ناصر ، انا محفوظ بن أحمد ، انا محمد بن الحسين ، نبأ المعافى ، نبأ عبيد اللّه بن محمد الأزدي ، ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثني الحارث بن محمد التميمي ، عن شيخ من قريش ، قال : مرّ الإسكندر بمدينة قد ملكها أملاك سبعة وبادوا ، فقال : هل بقي من نسل الأملاك الذين ملكوا هذه المدينة أحد ؟
قالوا :
نعم ، رجل يكون في المقابر ، فدعا به قال : ما دعاك إلى لزوم المقابر ؟
قال : أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم ، فوجدت عظام عبيدهم وعظامهم سواء ، فقال له :هل لك أن تتبعني فأحيي بك شرف آبائك إن كانت لك همة ؟
قال : إن همتي لعظيمة إن كانت بغيتي عندك ، قال : وما بغيتك ؟ قال : حياة لا موت فيها وشباب ليس معه هرم ،
“ 324 “
وغنى لا فقر معه ، وسرور بغير مكروه . قال : لا . قال : فامض عني لشأنك ، ودعني أطلب ذلك ممن هو عنده وملكه . فقال الإسكندر : هذا أحكم مما رأيت .
وحدثنا يونس قال : حدثنا عبد الوهاب الحافظ ، عن المبارك بن عبد الجبار ، عن محمد بن علي بن الفتح ، عن محمد بن عبد اللّه الدقاق ، انا ابن صفوان ، عن أبي بكر بن سفيان ، عن محمد بن الحسين ، عن الوليد بن صالح ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم ، قال : كان لعمر بن عبد العزيز سفط فيه دراعة من شعر وغل ، وكان له بيت في جوف بيت يصلي فيه لا يدخل فيه أحد ، فإذا كان في آخر الليل فتح ذلك السفط ، ولبس تلك الدراعة ، ووضع الغل في عنقه ، فلا يزال يناجي ربه حتى يطلع الفجر ، ثم يعيده في السفط .
وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، عن محمد بن الحنيص ، عن محمد بن أيوب ، عن يزيد بن محمد بن مسلمة ، قال : حدثني مولى لنا ، قال : بكت فاطمة بنت عبد الملك حتى غشي بصرها فدخل عليها أخواها مسلمة وهشام ، فقالا لها : ما هذا الأمر الذي قدمت عليه ؟ أجزعك على بعلك فأحق من جزع على مثله أو على شيء فاتك من الدنيا ؟ فها نحن بين يديك وأموالنا وأهلونا . فقالت : ما من كل جزعت ، ولا على واحدة منهما . أسفت ، ولكن واللّه ما رأيت ليلة منظرا ، فعلمت أن الذي أخرجه إلى الذي رأيت منه هول عظيم قد استكنّ به في قلبي فعرفته ، قالاها : وما رأيت منه ؟ قالت : رأيته ذات ليلة قائما يصلي وأتى على هذه الآية : يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ .
من تاريخ العلّامة جلال الدين السيوطي رحمه اللّه قال : قال زيد بن أسلم ، عن أنس رضي اللّه عنه : ما صليت وراء إمام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشبه صلاة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من هذا الفتى ، يعني به عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه ، وهو أمير على المدينة . قال زيد بن أسلم : فكان يتم الركوع والسجود ، ويخفف القيام والقعود ، له طرق عن أنس ، أخرجه البيهقي في سننه وغيره . وسئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز فقال :
هو نجيب بني أمية ، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده . وقال ميمون بن مهران : كان العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة .
روينا من حديث ابن أبي الدنيا ، حدثنا يعقوب بن إسماعيل ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن محمد بن مكي ، قال : خطب عمر بن عبد العزيز فقال : الدنيا ليست بدار قرار ، دار كتب اللّه عليها الفناء ، وكتب على أهلها منها الظعن ، فكم من عامر موثق عما قليل يخرب ، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يرحل ، فأحسنوا رحمكم اللّه منها الرحلة بأحسن ما يستعد للنقلة ، وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى ، إنما الدنيا كفيء قلص فذهب ،
“ 325 “
بينما ابن آدم ينافس فيها قرير العين بها ، إذ دعاه اللّه بقدره ، ورماه بيوم حتفه ، فسلبه دنياه ، وصيّر لقوم آخرين مغناه ، إن الدنيا لا تسرّ بقدر ما تضرّ ، تسرّ قليلا وتجرّ حزنا طويلا .
حدثنا يونس بن يحيى ، عن أبي بكر بن أبي منصور ، عن علي بن أحمد ، عن أبي عبد اللّه بن بطة ، عن أبي دريد ، عن أبي حاتم ، عن أبي عبيدة ، قال : أذن عبد الملك للناس إذنا عاما ، فدخل عليه رجل في هيئة أعرابي ، فقال : يا أبا الوليد ، بلغني أن عندك مالا ، فإن كان للّه فاقسمه في عباده ، وإن كان لك فتفضل عليهم ، وإن كان لهم فادفعه إليهم ، وإن كان بينك وبينهم فقد أسأت شركتهم ، ثم ولّى . فقال عبد الملك : اطلبوا الرجل ، فلم يقدروا عليه ، وأمر للناس بإعطائهم فكانوا يرون أنه منبه من عند اللّه أو الخضر ، واللّه أعلم .
روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن العباس ، عن محمد بن يونس الكريمي ، عن ابن عثمان ، عن سلام بن مسكين ، عن مالك بن دينار ، أنه لقي بلال بن أبي بردة في الطريق والناس يطوفون حوله ، قال : أما تعرفني ؟ قال : بلى أعرفك ، أولك نطفة ، وآخرك جيفة ، وأسفلك دودة . قال : فهمّوا به أن يضربوه ، فقال لهم : هذا مالك بن دينار ، فترك ومضى .
حدثنا أبو الفتوح في آخرين ، قالوا : حدثنا محمد بن عبد الباقي ، عن أحمد بن أحمد بن عبد اللّه ، عن الحسن بن علي بن الخطاب الورّاق ، عن محمد بن عثمان ، عن أبي شيبة ، عن إبراهيم بن عياش الكاتب ، عن الأصمعي ، عن أبيه ، قال : مرّ المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار وهو يتبختر في مشيته ، فقال له مالك : أما علمت أن هذه المشية تكره الأبين الصفين ؟ فقال له المهلب : أما تعرفني ؟ فقال مالك : أعرفك أحسن المعرفة ، قال : وما تعرف مني ؟ قال : أما أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بينهما تحمل العذرة . قال : فقال المهلب : الآن عرفتني حق المعرفة .
حدثنا يوسف بن عبد الكريم بن الحسن بالموصل ، قال : قدمت بغداد واجتمعت ببعض خواص أمير المؤمنين المقتفي لأمر اللّه ، قد مرض مرضا شديدا ، فنوى إن أقاله اللّه أن يفعل خيرا ، ثم استقيل من ألمه وشفاه اللّه ، فشغله تدبير الأمور عن الوفاء بما نواه ، ثم مرض المرض الذي مات فيه . فتذكر ما نذر من الخير في مرضه الأول ، وما فرط في ذلك ، فبكى وأنشد :
نرضي الإله إذا خفنا ونغضبه * إذا أمنا فما يزكو لنا عمل
إذا مرضنا نوينا كل صالحة * وإن شفينا فمنا الزيغ والزلل
“ 326 “
وأنشد أيضا :
إن الطبيب بطبّه ودوائه * لا يستطيع دفاع أمر قد أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي * قد كان يبري منه فيما قد مضى
مات المداوي والمداوى والذي * جلب الدواء وباعه ومن اشترى
ثم قال : احملوني إلى قبري ، فحمل فأطلع فيه وقد حفر ، فقال : أوسعوا عند الصدر ، ثم قال : يا من لا يزال ملكه ارحم من قد زال ملكه ، وا سوأتاه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .ثم مات .
روينا من حديث الحميدي ، عن أبي محمد بن أحمد ، عن الكتاني ، عن أحمد بن خليل ، عن خالد بن سعد ، عن عمر بن حفص بن غالب ، عن محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم ، عن الشافعي رضي اللّه عنه ، عن محمد بن علي ، قال : إني لحاضر مجلس أمير المؤمنين المنصور وفيه ابن أبي ذئب ، وكان والي المدينة الحسن بن زيد ، فأتاه الغفاريون فشكوا إلى أبي جعفر شيئا من أمر الحسن بن زيد ، فقال الحسن : سل عنهم ابن أخي ذئب ؟
فقال : يا أمير المؤمنين ، أشهد أنهم أهل تخاصم في أعراض المسلمين ، كثير والأذى . قال أبو جعفر : قد سمعتهم ، فقال الغفاريون : يا أمير المؤمنين ، فسله عن الحسن بن زيد ؟
فقال : يا ابن أبي ذئب ، ما تقول في الحسن بن زيد ؟
قال : أشهد أنه يحكم بغير الحق ، قال : سمعت يا حسن ما قال ؟
فقال : يا أمير المؤمنين ، سله عن نفسك ؟
فقال : ما تقول فيّ ؟ قال : أو يعفيني أمير المؤمنين ؟ فقال : واللّه لتخبرني ، فقال كلمة ، فوضع المنصور في قفا ابن أبي ذئب ، وجعل يقول : أما وللّه لولا أنا لأخذت أبناء فارس والروم والديلم والترك بهذا المكان منك . فقال ابن أبي ذئب : قد ولّى أبو بكر وعمر فأخذا بالحق ، وقسما بالسوية ، وأخذا بأقفاء فارس والروم ، فخلّاه أبو جعفر ، وقال : لولا أني أعلم أنك صادق لقتلتك .
فقال ابن أبي ذئب للمنصور : يا أمير المؤمنين ، أنا أنصح لك من ابنك المهدي .
روينا من حديث محمد بن القاسم بن خلّاد ، قال ابن أبي ذئب للمنصور : يا أمير المؤمنين ، قد هلك الناس ، فلو أعنتهم مما في يديك من الفيء . قال : ويلك لو ما سددت من الثغور ، وبعثت من الجيوش لكنت تؤتى في منزلك وتذبح . فقال ابن أبي ذئب : فقد سدّ الثغور ، وجيّش الجيوش ، وفتح الفتوح ، وأعطى الناس عطياتهم من هو خير منك .
قال : ومن هو ويلك ؟ قال : عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه . فسكت المنصور ، ونكس رأسه ، ولم يعرض له ، والتفت إلى محمد بن إبراهيم الإمام ، فقال : هذا الشيخ خير أهل الحجاز .
“ 327 “
حدثنا ابن منصور ، عن أحمد بن علي ، عن الجوهري ، عن محمد بن عمران ، عن أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، عن ابن خلّاد ، وذكره .
وروينا من حديث ابن هشام : أنه لما طال البلاء على أهل اليمن من الحبش ، وهلك أرباط ، وأبرهة ، ومكسوم بن أبرهة ، ووليها مسروق بن أبرهة أخو مكسوم ، خرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبيمرة ، حتى قدم على قيصر ملك الروم ، فشكى إليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ، ويلهم هو ، ويبعث إليهم ما شاء إلى الروم ، فيكون له ملك اليمن ، فلم يشكه . فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العراق ، فشكى إليه أمر الحبشة ، فقال له النعمان : إن لي على كسرى وفادة في كل عام ، فأقم عندي حتى يكون ذلك ، ففعل ، ثم أدخله على كسرى ، وكان كسرى يجلس على إيوان مجلسه الذي فيه تاجه مثل القلقل العظيم فيما يزعمون ،
والقلقل :
الميكال يضرب فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ بالذهب والفضة ، معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ، فكانت عنقه لا تحمل تاجه ، إنما يستر بالثياب حين يجلس في مجلسه ذلك ، ثم يدخل رأسه في تاجه ، فإذا استوى في مجلسه كشف عنه الثياب ، فلم يره رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له . فلما دخل سيف بن ذي يزن برك .
وفي حديث أبي عبيدة أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه ، فقال الملك : إن هذا أحمق يدخل عليّ من هذا البيت الطويل يطأطئ رأسه ، فقيل : هذا السيف ، فقال : إنما فعلت هذا لهمي لأنه يضيق عنه كل شيء . قال ابن هشام : قال ابن إسحاق : ثم قال : أيها الملك ، غلبنا على بلادنا الأغربة . قال كسرى : أي الأغربة ؟ الحبشة أم السند ؟ قال : بل الحبشة ، فجئتك لتنصرني ، ويكون ملك بلادي لك . قال : بعدت بلادك مع قلة خيرها ، فلم أكن لأربط جيشا من فارس بأرض العرب ، لا حاجة لي بذلك .
ثم أجازه بعشرة آلاف درهم ، وكساه كسوة حسنة ، فلما قبض ذلك سيف خرج فجعل ينشر تلك الرقعة للناس ، فبلغ ذلك الملك ، فقال : إن هذا لشأنا ، ثم بعث إليه ، فقال : عمدت إلى حباء الملك تنشره للناس ، فقال : وما أصنع بهذا ؟ ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة يرغب فيها .
فجمع كسرى مرازبته ، فقال : ما ذا ترون في أمر هذا الرجل ؟ وما حاله ؟
فقال قائل : أيها الملك ، إن في سجنك رجالا قد حبستهم للقتل ، فلو أنك بعثتهم معه ، فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم ، وإن ظفروا كان ملكا ازددته . فبعث معه كسرى من كان في سجونه ، وكانوا ثمانمائة رجل ، استعمل عليهم وهزر ، وكان ذا سنّ فيهم ، وأفضلهم حبا وبيتا ، فخرج في ثمان سفاين ، فغرقت سفينتان ، ووصل إلى ساحل عدن ست سفاين ، فجمع
“ 328 “
سيف إلى وهزر من استطاع من قومه ، وقال له : رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا ، أو نظفر جميعا ، قال وهزر : أنصفت . وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن ، وجمع إليه جنده ، فأرسل إليه وهزر ابنا له ليقاتلهم فيختبر مقاتلتهم ، فقتل ابن وهزر ، فزاده ذلك حنقا ، فلما توافق الناس على مصافهم ، قال وهزر : أروني ملكهم ، قالوا له : ترى رجلا على الفيل ، عاقدا تاجا على رأسه ، بين عينيه ياقوتة حمراء . قال : نعم ، قالوا : ذاك ملكهم . فقال : اتركوه ، فمكث طويلا ، ثم قال : علام هو ؟ قالوا : قد تحوّل عن الفرس ، قال : اتركوه ، فوقف طويلا ، فقال : علام هو ؟ قالوا : على بغلة ، قال وهزر : بنت الحمار ذلّ ، وذلّ ملكه ، إني سأرميه ، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم ، فإني قد أخطأته ، وإن رأيتم القوم استداروا ولاثوا به ، فقد أصبت الرجل ، فاحملوا عليهم . ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره لشدّتها ، وأمر بحاجبه فعصبها له ، ثم رماه فصكّ الياقوتة التي بين عينيه ، فتفلفلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه ، ونكص عن دابّته ، فاستدارت الحبشة ، ولاثت به ، وحملت عليهم الفرس ، وانهزموا وقتلوا وهربوا في كل وجه ، فأقبل وهزر ليدخل صنعاء حتى أتى بابها ، قال : لا تدخل رايتي منكسة أبدا ، اهدموا الباب ، فهدم ، ثم دخلها ناصبا رايته .
فقال سيف بن ذي يزن في ذلك :
يظنّ الناس بالملك * ين أنهما قد التأما
ومن يسمع تلاقهما * فإن الخطب قد نقما
قتلنا الفيل مسروقا * وروّينا الكثيب دما
وإن الفيل قبل النا * س وهزر مقسم قسما
برق مشعشعا حتى * نفى السبي والنعما
فقد ذكرنا قصيدة أمية بن أبي الصّلت في سيف بن ذي يزن في وفد عبد المطلب وقريش عليه ، من حديث أحمد بن عبد اللّه ، وهي القصيدة التي يقول فيها :
تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وهذا البيت في قصيدته وإنما هو للنابغة الجعدي ، كذا قال ابن إسحاق : قال عديّ بن زيد الحيري عابد من عبّاد أهل الحيرة :
ما بعد صنعان كان يعمرها * ولاة ملك جزل مناصبها
رفعها من بني لدى قزع ألم * زن وتندى مسكا محاربها
محفوفة بالجبال دون عرى الكا * ئل ما ترقّى غواربها
يأنس فيها صوت اللهام إذا * جاوبها بالقسي قاصبها
“ 329 “
ساقت إليها الأسباب جند بني * الإحراز فرسانها مراكبها
وقورب بالبغال توسق بالح * تف ويسعى بها توالبها
حتى رآها الأقوال من طرف ال * عقبل مخضرّة كتائبها
يوم ينادون البرير وإلي * كسوم لا يفلحنّ هاربها
فكان يوم باقي الحديث وزا * لت أمة ثابتة مراتبها
وبدّل الفتح بالزرافة والأ * يام حون جم عجائبها
بعد بني تبّع محاورة * قد اطمأنت به مرازبها
الغارب : السّنم فاستعاره ، فأراد بقوله : غواربها ، أعاليها . واللهام : طائر .
والقاصب : الزمر . والتوالب : واحدها تولب وهو ولد الثعلب . وأمه هنا : يريد بها لغة .
والفتح : الواحد . والزرافة : الجماعة . محاورة : يعني سادات . والمرازب : العظما .
قال ابن هشام : فأقام وهزر فولى ابنه المرزبان ، فأمر كسرى ابنه السجّان ، ثم عزله وأمرّ باذان . وقد ذكرنا خبر باذان في هذا الكتاب وإسلامه .
روينا من حديث ابن مروان ، عن إبراهيم بن إسحاق الحرميّ ، عن هارون بن عبد اللّه ، عن بشار بن جعفر ، عن عنبسة الخوّاص ، عن قتادة ، قال موسى عليه السلام : يا ربّ ، أنت في السماء ونحن في الأرض ، فما علامة غضبك من رضاك ؟
قال : إذا استعملت عليكم خياركم فذلك علامة رضاي ، وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطي .
وأنشدنا من حديث ابن أبي الدنيا ،
قال : أنشدني أبو عبد اللّه البصير لمعبد بن طوق العنبري :
تلقى الفتى حذر المنية هاربا * منها وقد حفّت به لا يشعر
نصبت حبائلها له من حوله * فإذا أتاه يومه لا ينظر
إن امرأ أمسى أبوه وأمه * تحت التراب ليومه يتفكّر
تعطى صحيفتك التي أمليتها * فترى النهى فيها إذا ما تنشر
حسناتها محسوبة قد أحصيت * والسيئات فأي ذلك أكثر
وروينا من حديث الدينوري ، من حديث أبي أسامة ، عن إسحاق بن إسماعيل ، عن أبي معاوية ، عن سليمان بن إبراهيم ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : لما قدم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الشام لقيه الجنود ، وعليه إزار وخفّان وعمامة ، وهو آخذ برأس نجيبته يخوض الماء ، وقد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطيه ، قالوا له : يا أمير المؤمنين ، الآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحالة .
قال : إنّا قوم أعزّنا اللّه بالإسلام ، فلن نلتمس العزّ بغيره .
“ 330 “
وحدثنا عبيد اللّه بن عمر ، أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حمل قربة على عنقه ، فقال له أصحابه : يا أمير المؤمنين ، ما حملك على هذا ؟ قال : إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها . رويناه من حديث المالكي ، عن أحمد بن يوسف ، عن عبيد اللّه بن محمد بن حفص ، عن حماد بن سلمة بن عبيد اللّه بن عمر .
حدثنا محمد بن اللباب ، ثنا ابن خميس ، نبأ الحميدي ، حدثنا أبو بكر الأردستاني ، انا السلمي ، سمعت عبد اللّه بن عليّ الطوسي ، سمعت أحمد بن محمد الردعي الشبلي ،
وسئل عن قوله عزّ وجلّ : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فوصف صفة لم يضبطها أهل المجلس .
ثم أنشأ يقول :
لست من جملة المحبين إن لم * أدع القلب بيته والمقاما
وطوافي أجالة السرّ فيه * وهو ركني إذا أردت استلاما
قلت : فهذان البيتان من جنس ما لم يضبطه أهل المجلس ، لأن وارد الوقت واحد العين . فاعلم ذلك .
وقال محمد بن الفضل : العجب ممن يقطع الأودية والقفار والمفاوز ، حتى يصل إلى بيته وحرمه ، ويرى فيه أثر أنبيائه كيف لا يقطع نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه ، فإن فيه آثار ربه .
روينا من حديث السلمي إسحاق بن بشر ، مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم : « أن حملة العرش أربعة أملاك : ملك على صورة إنسان يسأل الرزق لولد آدم ، وملك على صورة سبع يسأل الرزق للسباع ، وملك على صورة النسر يسأل الرزق للطير ، وملك على صورة الثور يسأل الرزق للأنعام » .
قال ابن عباس : فالملك الذي على صورة الثور لم يزل غاضا بصره منذ عبدت بنو إسرائيل العجل ، لأنهم عبدوا شيئا يشبهه ، وإن اللّه لما خلق هؤلاء الملائكة قال لهم : احملوا العرش فلم يطيقوا ، فقال لهم : قولوا لا حول ولا قوة إلا باللّه ، فلما قالوها استقلوا بالعرش على كواهلهم ، ونزلت أقدامهم على متن الثرى ، وقدر البروج في العرش اثنا عشر مقدارا ، وقدر المنازل في الكرسي ، وخلق الأيام بخلق الكرسي ، فأداره ، فكانت الأيام بدورانه كأنها يوم واحد ، لا يتميز فيه من الأيام السبعة . ثم خلق السبع سماوات وأدارها ، وخلق في كل فلك كوكبا ، فجعل في الأعلى كيوان ، وفي الثاني بهرام ، وفي الثالث الأحمر ، وفي الرابع الشمس ، وفي الخامس الزهرة ، وفي السادس الكاتب ، وفي السابع القمر . ثم خلق النار مما يلي السماء الدنيا ، وجعل منها شبه الرصد على مسالك الشياطين ذوات الأذناب ، ثم خلق الهواء ، وثم الماء ، ثم الأرض ، وخلق الليل والنهار عند
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin