الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء 19
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 277 “
وممن أنت ؟ فقالت : إليك عني ، من قلّ ماله وذهبت رجاله كيف يكون حاله ؟ ثم أنشدت :
بعض بنات الرجال أبرزها الد * هر كما ترى وأحوجها
أبرزها من جليل نعمتها * وابتزّها ملكها وأخرجها
وطالما كانت العيون إذا * ما بدت تستشفّ هودجها
إن كان قد ساءها وأحزنها * فطالما سرّها وأبهجها
الحمد للّه ربّ معسرة * قد ضمن اللّه أن يفرّجها
قال : فسألت عنها ، فأخبرت أنها من ولد الحسين بن علي رضوان اللّه عليهما .
وأنشدنا أبو الربيع بن خليل لأبي الفرج بن الجوزيّ الإمام الحافظ :
يا رفيقيّ قفا وانتظرا * إن عيني لدموعي لا ترى
هل خبت نارهم أو وقدت * أو جرى واديهم أو أقفرا
إن قلبي فاته شرب الحمى * فهو لا ينفعه أن يمطرا
آه من طيب ليال سلفت * كان كل الدهر فيها سحرا
أترى يرجع لي دهر مضى * أترى ينفعني قولي ترى
وأنشدنا له أيضا :
هل عند ربع عفا خبر من الخبر * من أين يعلم قفر دارس الأثر
دع ماء عينيك وأحلل من مرادمه * فإنما خلقت للدمع والسهر
خلفت قلبي في الأظعان إذ نزلت * بالمأذمين زمان النفر بالنفر
ورحت تطلب في أرض العراق ضحى * ما ضاع عند منى وأعجب لذا الحور
لما طرقت النقا كان الفؤاد معي * فضلّ عني بين الضال والسمر
يا أرجل العيس يهنيك الرمال فما * أعدو بوجدي غدا إلا على الأثر
عجبت من أرق في الحي أزعجني * فجاد جفني قبل الغيم بالمطر
قصائدي بدء آيات وقد نزلت * ريف العراق فنالت رقّة الحضر
طبع الرضي وعلم المرتضى جمعا * في لفظ شعري وفحواه إلى عمر
وأنشدنا له أيضا :
إلى كم أسائل هذي المغاني * لقد نطقت لو فهمت المعاني
فما لك شغل بما أنت فيه * من الوجد عن ذكر ماضي الزمان
وكيف ووجدي لذكراك كأن * أعاني لتذكاره ما أعاني
قفوا بي أحيي كثيب النقا * فإن الكثيب لمن تعلمان
“ 278 “
بكيت لمرّ زمان مضى * فعين السماك أو المر زمان
أنيسي لرامة عهد الحمى * دعاني فوجدي به قد دعاني
وأنشدنا له أيضا :
إذا جزت بالغور عرّج يمينا * فقد أنجد الشوق عنا يمينا
وسلّم على بانة الواديين * فإن سمعت أوشكت أن تبينا
ومل نحو غصن بأرض النقا * وما يشبه الأيك تلك الغصونا
وصح في مغانيهم أين هم * وهيهات أموا طريقا شطونا
وروّ ثرى أرضهم بالدموع * وخلّ الضلوع على ما طوينا
أراك يشوقك وادي الأراك * أللدّار تبكي أم الساكنينا
سقى اللّه مربعنا بالحمى * وإن كان أورث داء فينا
وعاد له فوق داء المحب * رويدا رويدا بنا قد بلينا
لمن تعذلين ألا تعذرين * فلو قد نفعت دفعت الأمينا
إذا غلب الحب ضاع العتاب * تعبت بقيت وأيقنت وأتعبت لو تعلمينا
حكى بعض السادة ، قال : خرجت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام ، فإذا أنا بسعدون المجنون قد تعلق بأستار الكعبة ، يدعو ويتضرع ، ويقول : من أولى بالتقصير مني وقد خلقتني ضعيفا ؟ ومن أولى بالعفو منك وأنت مولاي ؟
قال : فدنوت منه فإذا عليه حبة من صوف مرقعة بالأديم ، وإذا
على كمه الأيمن مكتوب :
عصيت مولاك يا سعيد * ما هكذا تفعل العبيد
فراقب اللّه واخش منه * يا عبد سوء غدا الوعيد
وعلى كمه الأيسر مكتوب :
يا من يرى باطن اعتقادي * ومنتهى الأمر في فؤادي
أصلح فساد الأمور مني * ولا تدع موضع الفساد
فقلت : يا سعدون ، أنى لك هذه الحكمة والناس يزعمون أنك مجنون ؟
فولّى وهو يقول :
زعم الناس أنني مجنون * كيف أصحو ولي فؤاد مصون
ألف الحزن والبكا في الدياجي * فهو باللّه مشفق محزون
ثم غاب عني .
حدثنا أحمد بن محمد كتابة ، حدثنا محمد بن علي ، ثنا علي بن محمد بن علي بن الطيب ، حدثنا ابن الهادي ، ثنا أحمد بن سلام ، ثنا أحمد بن منيع ، ثنا
“ 279 “
أبو معاوية ، عن سليمان بن إبراهيم ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « لا خير في العيش إلا لعالم ناطق ، أو مستمع واع . أيها الناس ، إنكم في زمان هدنة ، وإن السير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد ، ويقرّبان كل بعيد ، ويؤتيان كل موعود » ، فقال له بعض أصحابه : يا نبي اللّه ، وما الهدنة ؟ قال : « دار بلاء وانقطاع ، فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن ، فإنه شافع مشفع ، وشاهد مصدّق ، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، هو أوضح دليل إلى خير سبل ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل » .
ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ ، قال : رأى في واقعته بعض أصحابنا الشيخ أبا مدين ، وبعض الصوفية ، فسأله عن همته ،
فقال : همتي به متعلقة ، وحقيقتي بنور جلاله مشرقة ، حضرته موضع أنسي ، وملاحظة جماله عمرت حسي ، فالمحسوسات متحركة بأمر الأمراء ، والأمر صادر عن حكم القادر ، فأحكامه سبحانه جارية على وفق سابقته في خلقه ، وعلى حكم ما قدّره في الأزل ، لا يتغير ولا يتبدل ، فكل ناطق به نطق ، وكل سامع به سمع ، وكل بصير به أبصر ، وكل باطش به بطش ، فكل الحركات والسكنات له شاهده وما أمره فيها إلا واحده ، فاختراعه للوجود من العدم تذكرة وبيان ، ورحمة منه وفضل وامتنان ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟
ثم قال : اسمع ، ليس الإنسان إلا أن يصفي قلبه ، ويعلّق خاطره ويحضر لبّه ، فيعثر على قول سيد البشر صلى اللّه عليه وسلم . من عرف نفسه عرف ربه .
فهذا أقصى درجات السر والعلن ، وإليه الإشارات من جانب الطور الأيمن . فإذا صحّت هذه المعرفة وصلت إلى المعروف ، وإذا نظرت إلى غير هذا كنت المحير المتلوف ، فهذه فروع تعرب لك عن أصولها ، وجمل تنزل بك على فصولها ، وتقرع سمعك بأطنابها .
وأتوا البيوت من أبوابها فإتيان البيوت من أبوابها واجب والخلق حول البيت محجوب وغائب .
فمن شأنه سبحانه ظهور الأسباب ، وكل ما سواه جلّت قدرته حجاب . فكل من كشف له هذا الغطاء فقد أجزل له في العطاء .
ثم قال أبو مدين رضي اللّه عنه : يا من هو سري ، ويا من هو جهري ، ويا من به نفعي ، ويا من به ضرّي . ويا من به أقيم ، ويا من به أسري ، فامنن عليّ بقرب تلمّ به فقري .
دعاء بعض من تحجب عن الأبصار
حدثنا يونس بن يحيى ، ثنا محمد بن ناصر ، انا ابن المبارك بن عبد الجبار ، انا محمد بن علي بن الفتح ، انا ابن أخي تميم ، ثنا ابن صفوان ، ثنا أبو بكر القرشي ، ثنا
“ 280 “
إسماعيل بن إبراهيم ، حدثني صالح المري ، عن عبد العزيز بن أبي داود ، أنه كان خلف مقام إبراهيم عليه السلام جالسا تجاه الكعبة ، فسمع داعيا يدعو بأربع كلمات ، فحفظها إعجابا بها والتفت أن يرى أحدا فلم ير أحدا ، وهي : اللهم فرّغني لما خلقتني له ، ولا تشغلني بما خلقته لي ، ولا تحرمني وأنا أسألك ، ولا تعذبني وأنا أستغفرك .
خبر الذئب الذي شهد برسالة سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم
روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه ، عن محمد بن إبراهيم ، ثنا أبو عروبة الحرّاني عن يزيد بن محمد ، عن أبيه ، عن معقل بن عبيد اللّه ، عن ابن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : بينما أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له ، إذ عدا ذئب عليه ، فأخذ شاة من غنمه ، فأدركه الأعرابي ، فاستنقذها منه وهججه ، فعدا الذئب يمشي ، ثم أقعى مستثفرا بذنبه ،
فقال : أخذت مني رزقا رزقنيه اللّه ، قال : واعجبا من ذئب مقع مستثفر بذنبه يخاطبني ، فقال :
واللّه إنك لتنظر أعجب من ذلك ، قال : وما أعجب من ذلك ؟
فقال : رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في النخلات بين الحرّتين ، يحدث الناس عن نبأ ما سبق وما يكون بعد ذلك . فنعق الأعرابي بغنمه حتى ألجأها إلى بعض المدينة ، ثم مشى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى ضرب عليه الباب ، فلما صلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ابن الأعرابي صاحب الغنم ، فقام الأعرابي ، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : « حدّث الناس بما سمعت وما رأيت » ، فحدّث الأعرابي الناس بما رأى من الذئب وسمع ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « صدق الأعرابي ، آيات تكون قبل الساعة ، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فتخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده » .
دحى اللّه الأرض من تحت الكعبة
روينا من حديث أبي الوليد محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي ، عن جده ، حدثنا سعيد بن سالم ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أنه قال : لما كان العرش على الماء ، قبل أن يخلق اللّه السماوات والأرض ، بعث اللّه ريحا هفافة فصفقت الماء فأبرزت فأبدت عن خسفة في موضع البيت كأنها قبة ، فدحا الأرض من تحتها فمادت ، ثم مادت ، فأوتدها اللّه بالجبال ، فكان أول جبل وضع فيها أبو قبيس ، فلذلك سميت مكة أم القرى .
“ 281 “
حسن عفو واعتراف
روينا من حديث يوسف بن عبد اللّه ، عن عثمان بن الهيثم ، عن عوف ، قال : شم رجل الحسن وأربى عليه ، فقال : أما أنت فأبقيت شيئا ، وما يعلم اللّه أكثر .
وأنشد لبعض الشعراء :
لن يدرك المجد أقوام ذوو كرم * حتى يذلوا وأن عزوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مشرقة * لأصفح ذلّ ولكن صفح أحلام
في تقلب الأحوال وما تأتي به الأيام والليالي :
فيوم علينا ويوم لنا * ويوم نساء ويوم نسر
روينا من حديث أبي الدنيا ، عن أبي زيد النمري ، عن أبي عبد اللّه ، أنشد لبعض الشعراء :
وليس الرزق في طلب حثيث * ولكن ألق دلوك في الدلاء
تجيء بملئها طورا وطورا * تجيء بحماة وقليل ماء
حكمة لقمانية في النجاة
روينا من حديث إبراهيم الحربي ، عن أبي حذيفة ، عن سفيان ، قال : سئل لقمان الحكمة : أي علم أوثق في نفسك ؟ قال : تركي ما لا يعنيني . وقد ورد بذلك الشرع ، من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .
همة عليّة ويد علوية
روينا من حديث أحمد بن محمد الواسطي ، عن أبي حسق ، عن خلف بن تميم ، قال التقى إبراهيم بن أدهم : وشقيق بمكة ، فقال إبراهيم : لشقيق ، ما بدء أمرك الذي بلغك هذا ؟ قال : مررت ببعض الفلوات فرأيت طيرا مكسور الجناحين في فلاة من الأرض ، فقلت : أنظر من أين يرزق هذا ؟
فقعدت بحذائه ، فإذا أنا بطير قد أقبل في منقاره جرادة ، فوضعها في منقار الطير المكسور الجناحين . فقلت لنفسي : يا نفس ، إن الذي قيّض هذا الطير الصحيح لهذا الطير المكسور الجناحين في فلاة من الأرض هو قادر أن يرزقني حيث كنت ، فتركت التكسّب واشتغلت بالعبادة . فقال إبراهيم : يا شقيق ، ولم لا تكون أنت الطير الصحيح الذي أطعم العليل حتى تكون أفضل منه ؟
أما سمعت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : « اليد
“ 282 “
العليا خير من اليد السفلى . ومن علامة المؤمن أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلها حتى يبلغ منازل الأبرار » . قال : فأخذ بيد إبراهيم فقبّلها ، وقال : أنت أستاذنا يا أبا إسحاق .
أمثال منظومة ومنشورة كاللآلئ
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتمثل بهذا البيت ويكسره عن وزنه ، فيقول : « كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا » .
روينا من حديث النضر بن عبد اللّه ، عن سليمان بن حرب ، عن حمّاد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وذكره ، والشعر لعبيد بن الخشخاش ، وكان يتمثل به أبو حصين :
هريرة ودّع إن تجهزت غاديا * كفى الشيب والإسلام بالمرء ناهيا
وروينا ذلك من حديث الحارث ، عن أحمد بن عبد اللّه بن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي حصين . وكان بكار بن مالك يقول في هذه الآية : وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ أنه الشيب ، ثم ينشد :
رأيت الشيب من نذر المنايا * لصاحبه وحسبك من نذير
وروينا ذلك من حديث إسماعيل بن إسحاق ، عن محمد بن أبي بكر المقدسيّ ، عن حصين بن نمير ، عن بكار بن مالك .
مثل
ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد . هذا البيت لطرفة بن العبد ، وصدره :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا . . . . . . . . . . . . . .
مثل
وعند جهينة الخبر اليقين . وهو رجل من جهينة ما يسلم من جيش السفيانيّ الذي يخسف به بين مكة والمدينة إلا هذا الجهيني .
مثل
حسن في كل عين من تودّ . ويقال : القرينا في عين أمها حسنة .
“ 283 “
مثل
يقال : أطمع من أشعب . ويقال : أحذر من غراب . ويقال : أشغل من ذات النحيين .
ويقال : الصيف ضيّعت اللبن .
ويقال : أقبح من عاشق مفلس . ويقال : أقبح من كل قبيح صوفي شحيح . ويقال :
أوفى من السموأل ، وأخطب من قسّ ، وأفصح من سحبان ، وأعيا من بأقل . وأبخل من مادر . وأشأم من قاذر ، يعني عاقر ناقة صالح .
ويقال : أكرم من حاتم ومن معن بن زائدة . وأزكى من اياس . وأحكم من الأحنف .
وأجود من الريح والغمام .
ويقال : لو صحّ منك الهوى أرشدت للحيل . ويقال : ولا خير في حب يدبّر بالعقل .
ويقال : الحب للنفوس من العقول . ويقال : كل البقل ولا تسأل عن المبقلة .
نظمه أبو بكر النويميّ وأنشدني إياه بمكة :
كل البقل من حيث تؤتى به * ولا تسألنّ عن المبقلة
وأنشدني أيضا لنفسه :
إن الفقير هو الفقيه وإنه * الراء ردّت فالتقى طرفاها
وقيل :
ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل * وكل نعيم لا محالة زائل
وقيل :
أرى الطريق قريبا حين أسلكه * إلى الحبيب بعيدا حين أنصرف
وقيل :
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضى * فأين حلاوة الرسائل والكتب
وقال آخر :
كأنما الطير منهم فوق رؤوسهم * لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال
ويقال : كلا طرفي قصد الأمور ذميم . نظمته فقلت :
جرى مثل دلّ السماع مع الحجا * عليه على مرّ الزمان قديم
توسط إذا ما شئت أمرا فإنه * كلا طرفي قصد الأمور ذميم
أردت بالسماع خير الأمور أوسطها ، وما ورد في القرآن من ذلك .
“ 284 “
حكمة أديب ونصيحة لبيب
إياك وصحبة الملوك ، فإنك إن لازمتهم ملوك وإن تركتهم أذلّوك ، يستعظمون في الثواب رد الجواب ويستصغرون في العقاب ضرب الرقاب .
قال الحكيم : مثل السلطان مثل النار ، لا ينتفع به إلا على بعد .
خبر البيت المعمور
اختلف الناس فيه ، فقيل : هو في السماء السادسة ، وقيل : في السماء السابعة . وقال ابن عباس : البيوت أربعة عشر بيتا ، لو سقط الأعلى منها لسقط على الذي تحته ، وكذلك كل بيت منها في السبع سماوات والسبع أرضين . وإن اللّه خلق لها خلقا يطوفون بها على صورنا ، حتى إن فيهم ابن عباس مثلي ، وهذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون فيه أبدا . روينا ذلك في الحديث الصحيح .
وذكر شيخنا أبو زيد السهيلي الضرير المالقيّ ، في الروض الآنف له ، في شأن هؤلاء السبعين ألف ملك الذين يدخلون البيت المعمور ، في حديث رويناه عنه ، يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم : « إن جبريل عليه السلام ينغمس كل يوم في نهر الحياة غمسة ، ثم ينتفض فيقطر من انتفاضه من ذلك الماء سبعون ألف قطرة ، يخلق اللّه من كل قطرة ملكا ، فهم الذين يدخلون البيت المعمور كل يوم » .
روينا من حديث أبي الوليد ، قال : حدثنا علي بن هارون العجليّ ، عن أبيه ، ثنا قاسم بن عبد الرحمن الأنصاري ، حدثني محمد بن علي بن الحسين ، قال : كنت مع والدي علي بن الحسين عليهم السلام ، فبينما هو يطوف بالبيت وأنا وراءه ، إذ جاءه رجل شرجم من الرجال يقال له طويل ، فوضع يده على ظهر أبي ، فالتفت أبي إليه ، فقال الرجل : السلام عليك يا ابن بنت رسول اللّه ، أريد أن أسألك ، فسكت أبي ، فردّ عليه السلام ، فقال : يا ابن بنت رسول اللّه أريد أن أسألك ، فسكت أبي ، وأنا والرجل خلفه حتى فرغ من أسبوعه ، فدخل الحجر ، فقام تحت الميزاب ، فقمت أنا والرجل خلفه ، فصلى ركعتي أسبوعه ، ثم استوى قاعدا . فالتفت إليّ ، فقمت فجلست إلى جنبه . فقال : يا محمد ، أين هذا السائل ؟ فأومأت إلى الرجل ، فجاء فجلس بين يديّ أبي ،
فقال له أبي :
عمّ تسأل ؟ قال : أسألك عن بدء هذا الطواف بهذا البيت ، لم كان ؟ وأنّى كان ؟ وحيث كان ؟
وكيف كان ؟ فقال له أبي : نعم ، من أين أنت ؟ قال : من أهل الشام . قال : أين مسكنك ؟
“ 285 “
قال : في بيت المقدس . فقال : هل قرأت الكتابين ؟ يعني التوراة والإنجيل ، قال الرجل :
نعم . قال أبي : يا أخا أهل الشام احفظ ، ولا ترو عني إلا حقا . أما بدء هذا الطواف بهذا البيت ، فإن اللّه تعالى قال للملائكة : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ، فقالت : أي رب خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ، ويسفك الدماء ، ويتحاسدون ، ويتباغضون ، ويتباغون .
أي رب اجعل ذلك الخليفة منا ، فنحن لا نفسد فيها ، ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ، ولا نتحاسد ، ولا نتباغى ، ونحن نسبّح بحمدك ، ونقدّس لك ، ونطيعك ولا نعصيك . قال اللّه تعالى : إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ . فظنت الملائكة أنما قالوا ردّا على ربهم ، وأنه قد غضب من قولهم ، فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرّعون ويبكون إشفاقا لغضبه . فطافوا بالعرش ثلاث ساعات ، فنظر اللّه إليهم فنزلت عليهم الرحمة ، فوضع اللّه سبحانه وتعالى تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد ، وغشاهن بياقوتة حمراء ، وسمّى البيت الضراح . ثم قال اللّه عز وجل للملائكة : طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش .
قال : فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش وصار أهون عليهم ، وهو البيت المعمور الذي ذكر اللّه عز وجل يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا .
ثم إن اللّه تعالى بعث ملائكته فقال : ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره . فأمر اللّه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور . فقال الرجل : صدقت يا ابن بنت رسول اللّه ، هكذا كان ، فهذا البيت الذي هو خامس خمسة عشر بيتا ، أعني الكعبة ، سبعة فوقه وسبعة تحته ، وما نزل ملك قط من السماء إلى الأرض لأمر إلا استأذن ربه في الطواف ببيته ، فهبط مهلّلا .
إفصاح معجز بوعظ معجز
روينا من حديث إبراهيم الحربي ، حدثنا داود بن رشيد ، قال : دخل ابن السماك على هارون الرشيد فقال : عظني وأوجز ، قال : ما أعجب يا أمير المؤمنين ما نحن فيه ، كيف غلب علينا حب الدنيا ؟ وأعجب ما نصير إليه ، غفلتنا عجيب ، لصغير حقير ، إلى فناء يسير غلب على كثير طويل ، دائم غير زائل .
دعاء عبد مبتهل لربه عز وجل
روينا من حديث عبد اللّه بن مسلم ، قال : حدثنا الرياشي ، قال : حدثنا الأصمعي ، قال : رأيت أعرابيا عند الملتزم يقول : اللهم لك عليّ حقوق فتصدّق بها عليّ ، وللناس
“ 286 “
عليّ تبعات فتحمّلها عني . وقد أوجبت لكل ضيف قرى ، وأنا ضيفك ، فاجعل قرائي الليلة الجنة .
نطق بكلمة صدق
روينا من حديث إبراهيم بن حبيب الحمامي ، عن عتبة بن الوليد ، قال : كانت امرأة من التابعين تقول : سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله ، وما أوحش الطريق على من لم تكن أنيسه .
بكاء مفرط غير مفرط
روينا من حديث العباس بن الفضل ، حدثنا داود بن رشيد قال : قال بشر بن الحارث : مررت على رجل من العبّاد بالبصرة وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : أبكي على ما فرط من عمري ، وعلى يوم مضى من أجلي لم يحسن فيه عملي .
موعظة اضطرار عند شد الأستار
روينا من حديث أحمد بن عبدان ، قال : حدثنا محمد بن منصور البغدادي قال :
دخلت على عبد اللّه بن طاهر وهو في سكرات الموت ، فقلت : السلام عليك أيها الأمير ، فقال : لا تسمّني أميرا ، وسمّني أسيرا ، ثم أنشأ يقول :
بادر فقد أسمعك الصوت * إن لم تبادر فهو الفوت
من لم تزل نعمته قبله * أزال عنه النعمة الموت
لكل مقام مقال
أخبرني أحمد بن مسعود بن شداد المقري بالموصل ، قال : كان لي صاحب يقال له علي الدهان ، يمر بي كل ليلة بعد هزيع من الليل ، وأنا بهذه المنظرة . وكان على شاطئ الدجلة ، فينادي : يا زكي ، فأقول : لبيك . فيقول : ما أحسن ما قال :
باللّه يا ركب الحجاز تحمّلوا * مني تحية مغرم مشتاق
وقفوا على شاطئ الفرات وخبّروا * أني قتيل محاجر الأحداق
قال ابن مسعود : فلم يلبث أن مات فرأيته في المنام ، فقلت له : يا علي ، ما أحسن
“ 287 “
ما كنت تأتيني في حياتك كل ليلة فتنشدني . وأنشدته البيتين ، فتبسّم وقال : يا زكي ، لو سمعتني كيف أنشدهما اليوم ؟ فقلت : وكيف تنشدهما رحمك اللّه ؟ فقال :
باللّه يا ركب الحجاز تحمّلوا * مني تحية مغرم مشتاق
وقفوا على شاطئ الفرات وخبّروا * أني رهين جنادل وطباق
حالة تلحق الرجال والنساء حالة سواء
روينا من حديث أحمد بن محمد المزنيّ ، عن محمد بن كثير ، عن سفيان بن طلحة ، عن الشعبيّ ، في رجل أوصى لأرامل بني فلان ، قال : الرجال والنساء فيه سواء .
ثم قال سفيان الثوري :
تلك الأرامل قد قضيت حاجتها * فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
خليفة عدل قضاء واجب حق وفضل
رحّب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بابنة نبيّ كان قبله يقال له خالد بن سنان ، قال لها حين علم بها : « مرحبا بابنة نبيّ أضاعه قومه » ، ثم قصّ خبره . وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ، ولا كريم أكرم من آل محمد . كلهم كبير وليس فيهم صغير » .
روينا من حديث عمران ، حدثنا عيسى ، ثنا ضمرة ، قال : قال عمر بن عبد العزيز لبعض ولد الحسين بن علي بن أبي طالب : لا تقف على بابي ساعة واحدة إلا ساعة تعلم أني فيها جالس ، فيؤذن لك عليّ وقت تأتي ، فافعل ، فإني أستحي من اللّه أن تقف على بابي فلا يؤذن لك . وأنشد لبعضهم :
قالوا يزورك أحمد وتزوره * قلت الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته * فلفضله فالفضل في الحالين له
نظم هذا الشاعر قول القائل : إن زرتنا فبفضلك ، أو زرناك فلفضلك . فلك الفضل زائرا ومزورا .
ما ذكر من بعض صفات عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
روينا من حديث محمد بن الحسين السكّريّ ، قال : قال العتبي عن أبيه : قال معاوية لصعصعة بن صوحان : صف لي عمر بن الخطاب . قال : كان عالما برعيته ، عادلا في
“ 288 “
نفسه ، قليل الكبر ، قبولا للعذر ، سهل الحجاب ، مفتوح الباب ، متحري الصواب ، بعيدا من الإساءة ، رفيقا بالضعيف ، غير صخّاب ، كثير الصمت ، بعيدا من العبث . قال أحمد بن ملعاب : قال علي بن عبد اللّه : قال سفيان بن عيينة : كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر : كن لرعيتك كما يحب لك أميرك .
وحدثنا أبو بكر بن خلف اللخمي أستاذنا ، قال : لما مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عاده أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه ، فشفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومرض أبو بكر ، فعاده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشفي حين عاده كما مرض حين عاده ،
فقال الصدّيق رضي اللّه عنه في ذلك :
مرض الحبيب فعدته * فمرضت من حذري عليه
شفى الحبيب فعادني * فشفيت من نظري إليه
وأنشدني أبو بكر بن محمد بن عيسى الأديب ، الكاتب لجدّه ذي الوزارتين أبي الوليد مروان بن أبي العلاء بن زهير الحكيم رحمه اللّه .
وكان قد استدعي إلى مراكش ، وخلف ابنا له صغيرا كان يحبه لم يكن له غيره ، فقال في الحال :
ولي واحد مثل فرخ القطا * صغيرا تخلّف قلبي لديه
نأت عنه داري فواحشتي * لذاك الشخيص وذاك الوجيه
تذكّرني وتذكّرته * فيبكي عليّ وأبكي عليه
وقد تعب الشوق ما بيننا * فمنه إليّ ومني إليه
تأسيس في حق الجليس
روينا من حديث محمد بن الفرج الحجاج ، عن أبي جريج ، عن مجاهد ، قال :
جلست إلى ابن عمر وهو يصلي فخفف .
ثم سلّم وانفتل ، ثم قال : إن حقا أو سنّة إذا جلس الرجل للرجل وهو يصلي التطوع أن يخفف وينفتل إليه .
مفرد
لا يدرك الناس ما قدمت من حسن * ولا يفوتك فيما قدّموا شرف
هذا البيت ذكره ابن قتيبة لكعب بن الأشرف ، في قتيبة بن مسلم .
“ 289 “
خبر الطائر الطائف
ذكر الأزرقي في كتاب مكة ، قال : جاء طائر أشف من الكعبة شيئا ، لونه لون الحبرة بريشة حمراء وريشة سوداء ، دقيق الساقين طويلهما ، له عنق طويل ، دقيق المنقار طويله ، كأنه من طير البحر ، يوم السبت لسبع وعشرين من ذي القعدة سنة ستّ وعشرين ومائتين ، حين طلعت الشمس ، والناس إذ ذاك في الطواف كثير من الحاج وغيرهم ، من ناحية أجياد الصغير ، حتى وقع في المسجد الحرام قريبا من مصباح زمزم ، مقابل الركن والحجر الأسود ، ساعة طويلة . ثم طار على صدر الكعبة في نحو من وسطها ، ما بين الركن اليماني والركن الأسود ، وهي إلى الركن الأسود أقرب . ثم وقع على منكب رجل في الطواف عند الركن الأسود من الحاج . ثم من أهل خراسان محرم يلبي وهو على منكبه الأيمن ، فطاف الرجل أسابيع والناس يدنون منه وينظرون إليه ، وهو ساكن غير مستوحش منهم . والرجل الذي عليه الطير يمشي في الطواف في وسط الناس ، وهم ينظرون إليه ويتعجبون . وعينا الرجل تدمعان على خده ولحيته . قال أبو الوليد الأزرقي : فأخبرني محمد بن أبي عبد اللّه بن ربيعة قال : رأيته على منكبه الأيمن والناس ينظرون إليه ويدنون منه ولا ينفر منهم ولا يطير . فطفت أسابيع ثلاثة . كل ذلك أخرج من الطواف فأركع خلف المقام ثم أعود ، وهو على منكب الرجل . ثم جاء إنسان من أهل الطواف فوضع يده عليه ، فلم يطر .
وطاف به بعد ذلك ، ثم طار هو من قبل نفسه حتى وقع على يمين المقام ساعة طويلة ، وهو يمد عنقه ، ويقبضها إلى جناحه ، والناس مستلفون له ينظرون إليه عند المقام ، إذ أقبل فتى من الحجبة ، فضربه بيده وأخذه ليريه رجلا منهم ، كان يركع خلف المقام ، فصاح الطير في يده أشد الصياح وأوحشه ، لا يشبه صوته بأصوات الطير . ففزع منه ، فأرسله من يده ، فطار حتى وقع قريبا من دار الندوة خارجا من الظلال في الأرض ، قريبا من الأسطوانة الحمراء ، فاجتمع الناس ينظرون إليه وهو مستأنس في ذلك كله ، غير مستوحش من الناس ، ثم طار هو من قبل نفسه فخرج من باب المسجد الذي بين دار الندوة ودار العجلة نحو قعيقعان .
خبر الطائر المغيث
حدثنا عبد الكريم بن حاتم بن وحشي بمكة سنة ستمائة ، قال : خرج من عندنا رجل من المجاورين يريد مصر ، فركب بحر عيداب ، فطاب الريح بالليل ، فقام كل من في المركب إلا الذي يدير ، فأراد الرجل الحاجة ، فقعد في مقدم المركب يقضي حاجته ، فزلق قدمه ، فأخذه البحر وغطته الأمواج ، والرئيس ينظر إليه ، والمركب قد سار عنه بمسافة
“ 290 “
غيّبته عن أعين الناس ، والرئيس لا يتكلم مخافة أن يشوّش على الناس ، ولا ينفعه ذلك ، فلم ينشب أن رأى طائرا قد قبض عليه ، فأخرجه من الماء ، وطار به حتى ألقاه في المركب ، وقعد الطائر على جامور الصاري ساعة ، ثم إن الطائر مدّ منقاره من موضعه حتى ألصقه بأذن الرجل ثم قبضه وطار . فلما كان من الغد حسن الرئيس ظنه بذلك الرجل ، وبادر إلى إكرامه ، ففطن له الرجل فقال له : يا أخي ، لست واللّه ممن تظن ، وإنما كان مما رأيت من أمر اللّه علمي وعلمك فيه سواء ، ما شعرت بنفسي إلا وقد أخذتني الأمواج ، وأيقنت بالتلف ، فسلّمت الأمر للّه ، وقلت : ذلك تقدير العزيز العليم .
فإذا بذلك الطائر قد فعل ما رأيت . فقال له الرئيس : فرأيته مدّ منقاره إليك ، فهل كلّمك ؟ قال الرجل : نعم ، وذلك أني فكرت في نفسي ما هو هذا الطائر ؟ فألصق منقاره بأذني وقال لي : يا هذا ، أنا تقدير العزيز العليم .
حكمة
روينا من حديث ابن إسماعيل ، عن أبي حذيفة ، عن الثوري ، قال : بلغني عن ابن مسعود أنه قال : الدنيا كلها غموم ، فما كان فيها من سرور فهو ريح .
ومن حديث إسماعيل أيضا ، عن نعيم ، عن ابن المبارك ، عن وهب ، قال : من أراد الدنيا فليتهيأ للذلّ .
موعظة بهلول المجنون
حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الرحمن الدّعليّ بن علي بن محمد ، حدثنا محمد بن أبي منصور ، ثنا أبو الغنائم القرشي ، انا محمد بن علي بن عبد الرحمن ، ثنا زيد بن حاجب ، أخبرنا محمد بن هارون ، ثنا علي بن الحسين بن أحمد ، حدثنا علي بن إبراهيم الكرخي الحافظ ، ثنا محمد بن الحسن الحلواني ، ثنا أحمد بن عبد اللّه القزويني ، عن الفضل بن الربيع قال : حججت مع هارون الرشيد ، فمررنا بالكوفة ، فإذا بهلول المجنون يهذي ، فقلت له : اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين ، فسكت حتى حاذاه الهودج ، فقال : يا أمير المؤمنين ، حدثني أيمن بن بابل ، حدثنا قدامة بن عبد اللّه العامريّ ، قال :
رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم بمنى على جمل ، وتحته رحل رثّ ، فلم يكن بمطرد ، ولا ضرب ، ولا إليك . قلت : يا أمير المؤمنين ، إنه بهلول المجنون .
قال : قد عرفته . قال البهلول : يا أمير المؤمنين أسمعك شعرا ؟ قال : قل :
الجزء 19
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 277 “
وممن أنت ؟ فقالت : إليك عني ، من قلّ ماله وذهبت رجاله كيف يكون حاله ؟ ثم أنشدت :
بعض بنات الرجال أبرزها الد * هر كما ترى وأحوجها
أبرزها من جليل نعمتها * وابتزّها ملكها وأخرجها
وطالما كانت العيون إذا * ما بدت تستشفّ هودجها
إن كان قد ساءها وأحزنها * فطالما سرّها وأبهجها
الحمد للّه ربّ معسرة * قد ضمن اللّه أن يفرّجها
قال : فسألت عنها ، فأخبرت أنها من ولد الحسين بن علي رضوان اللّه عليهما .
وأنشدنا أبو الربيع بن خليل لأبي الفرج بن الجوزيّ الإمام الحافظ :
يا رفيقيّ قفا وانتظرا * إن عيني لدموعي لا ترى
هل خبت نارهم أو وقدت * أو جرى واديهم أو أقفرا
إن قلبي فاته شرب الحمى * فهو لا ينفعه أن يمطرا
آه من طيب ليال سلفت * كان كل الدهر فيها سحرا
أترى يرجع لي دهر مضى * أترى ينفعني قولي ترى
وأنشدنا له أيضا :
هل عند ربع عفا خبر من الخبر * من أين يعلم قفر دارس الأثر
دع ماء عينيك وأحلل من مرادمه * فإنما خلقت للدمع والسهر
خلفت قلبي في الأظعان إذ نزلت * بالمأذمين زمان النفر بالنفر
ورحت تطلب في أرض العراق ضحى * ما ضاع عند منى وأعجب لذا الحور
لما طرقت النقا كان الفؤاد معي * فضلّ عني بين الضال والسمر
يا أرجل العيس يهنيك الرمال فما * أعدو بوجدي غدا إلا على الأثر
عجبت من أرق في الحي أزعجني * فجاد جفني قبل الغيم بالمطر
قصائدي بدء آيات وقد نزلت * ريف العراق فنالت رقّة الحضر
طبع الرضي وعلم المرتضى جمعا * في لفظ شعري وفحواه إلى عمر
وأنشدنا له أيضا :
إلى كم أسائل هذي المغاني * لقد نطقت لو فهمت المعاني
فما لك شغل بما أنت فيه * من الوجد عن ذكر ماضي الزمان
وكيف ووجدي لذكراك كأن * أعاني لتذكاره ما أعاني
قفوا بي أحيي كثيب النقا * فإن الكثيب لمن تعلمان
“ 278 “
بكيت لمرّ زمان مضى * فعين السماك أو المر زمان
أنيسي لرامة عهد الحمى * دعاني فوجدي به قد دعاني
وأنشدنا له أيضا :
إذا جزت بالغور عرّج يمينا * فقد أنجد الشوق عنا يمينا
وسلّم على بانة الواديين * فإن سمعت أوشكت أن تبينا
ومل نحو غصن بأرض النقا * وما يشبه الأيك تلك الغصونا
وصح في مغانيهم أين هم * وهيهات أموا طريقا شطونا
وروّ ثرى أرضهم بالدموع * وخلّ الضلوع على ما طوينا
أراك يشوقك وادي الأراك * أللدّار تبكي أم الساكنينا
سقى اللّه مربعنا بالحمى * وإن كان أورث داء فينا
وعاد له فوق داء المحب * رويدا رويدا بنا قد بلينا
لمن تعذلين ألا تعذرين * فلو قد نفعت دفعت الأمينا
إذا غلب الحب ضاع العتاب * تعبت بقيت وأيقنت وأتعبت لو تعلمينا
حكى بعض السادة ، قال : خرجت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام ، فإذا أنا بسعدون المجنون قد تعلق بأستار الكعبة ، يدعو ويتضرع ، ويقول : من أولى بالتقصير مني وقد خلقتني ضعيفا ؟ ومن أولى بالعفو منك وأنت مولاي ؟
قال : فدنوت منه فإذا عليه حبة من صوف مرقعة بالأديم ، وإذا
على كمه الأيمن مكتوب :
عصيت مولاك يا سعيد * ما هكذا تفعل العبيد
فراقب اللّه واخش منه * يا عبد سوء غدا الوعيد
وعلى كمه الأيسر مكتوب :
يا من يرى باطن اعتقادي * ومنتهى الأمر في فؤادي
أصلح فساد الأمور مني * ولا تدع موضع الفساد
فقلت : يا سعدون ، أنى لك هذه الحكمة والناس يزعمون أنك مجنون ؟
فولّى وهو يقول :
زعم الناس أنني مجنون * كيف أصحو ولي فؤاد مصون
ألف الحزن والبكا في الدياجي * فهو باللّه مشفق محزون
ثم غاب عني .
حدثنا أحمد بن محمد كتابة ، حدثنا محمد بن علي ، ثنا علي بن محمد بن علي بن الطيب ، حدثنا ابن الهادي ، ثنا أحمد بن سلام ، ثنا أحمد بن منيع ، ثنا
“ 279 “
أبو معاوية ، عن سليمان بن إبراهيم ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « لا خير في العيش إلا لعالم ناطق ، أو مستمع واع . أيها الناس ، إنكم في زمان هدنة ، وإن السير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد ، ويقرّبان كل بعيد ، ويؤتيان كل موعود » ، فقال له بعض أصحابه : يا نبي اللّه ، وما الهدنة ؟ قال : « دار بلاء وانقطاع ، فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن ، فإنه شافع مشفع ، وشاهد مصدّق ، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، هو أوضح دليل إلى خير سبل ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل » .
ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ ، قال : رأى في واقعته بعض أصحابنا الشيخ أبا مدين ، وبعض الصوفية ، فسأله عن همته ،
فقال : همتي به متعلقة ، وحقيقتي بنور جلاله مشرقة ، حضرته موضع أنسي ، وملاحظة جماله عمرت حسي ، فالمحسوسات متحركة بأمر الأمراء ، والأمر صادر عن حكم القادر ، فأحكامه سبحانه جارية على وفق سابقته في خلقه ، وعلى حكم ما قدّره في الأزل ، لا يتغير ولا يتبدل ، فكل ناطق به نطق ، وكل سامع به سمع ، وكل بصير به أبصر ، وكل باطش به بطش ، فكل الحركات والسكنات له شاهده وما أمره فيها إلا واحده ، فاختراعه للوجود من العدم تذكرة وبيان ، ورحمة منه وفضل وامتنان ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟
ثم قال : اسمع ، ليس الإنسان إلا أن يصفي قلبه ، ويعلّق خاطره ويحضر لبّه ، فيعثر على قول سيد البشر صلى اللّه عليه وسلم . من عرف نفسه عرف ربه .
فهذا أقصى درجات السر والعلن ، وإليه الإشارات من جانب الطور الأيمن . فإذا صحّت هذه المعرفة وصلت إلى المعروف ، وإذا نظرت إلى غير هذا كنت المحير المتلوف ، فهذه فروع تعرب لك عن أصولها ، وجمل تنزل بك على فصولها ، وتقرع سمعك بأطنابها .
وأتوا البيوت من أبوابها فإتيان البيوت من أبوابها واجب والخلق حول البيت محجوب وغائب .
فمن شأنه سبحانه ظهور الأسباب ، وكل ما سواه جلّت قدرته حجاب . فكل من كشف له هذا الغطاء فقد أجزل له في العطاء .
ثم قال أبو مدين رضي اللّه عنه : يا من هو سري ، ويا من هو جهري ، ويا من به نفعي ، ويا من به ضرّي . ويا من به أقيم ، ويا من به أسري ، فامنن عليّ بقرب تلمّ به فقري .
دعاء بعض من تحجب عن الأبصار
حدثنا يونس بن يحيى ، ثنا محمد بن ناصر ، انا ابن المبارك بن عبد الجبار ، انا محمد بن علي بن الفتح ، انا ابن أخي تميم ، ثنا ابن صفوان ، ثنا أبو بكر القرشي ، ثنا
“ 280 “
إسماعيل بن إبراهيم ، حدثني صالح المري ، عن عبد العزيز بن أبي داود ، أنه كان خلف مقام إبراهيم عليه السلام جالسا تجاه الكعبة ، فسمع داعيا يدعو بأربع كلمات ، فحفظها إعجابا بها والتفت أن يرى أحدا فلم ير أحدا ، وهي : اللهم فرّغني لما خلقتني له ، ولا تشغلني بما خلقته لي ، ولا تحرمني وأنا أسألك ، ولا تعذبني وأنا أستغفرك .
خبر الذئب الذي شهد برسالة سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم
روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه ، عن محمد بن إبراهيم ، ثنا أبو عروبة الحرّاني عن يزيد بن محمد ، عن أبيه ، عن معقل بن عبيد اللّه ، عن ابن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : بينما أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له ، إذ عدا ذئب عليه ، فأخذ شاة من غنمه ، فأدركه الأعرابي ، فاستنقذها منه وهججه ، فعدا الذئب يمشي ، ثم أقعى مستثفرا بذنبه ،
فقال : أخذت مني رزقا رزقنيه اللّه ، قال : واعجبا من ذئب مقع مستثفر بذنبه يخاطبني ، فقال :
واللّه إنك لتنظر أعجب من ذلك ، قال : وما أعجب من ذلك ؟
فقال : رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في النخلات بين الحرّتين ، يحدث الناس عن نبأ ما سبق وما يكون بعد ذلك . فنعق الأعرابي بغنمه حتى ألجأها إلى بعض المدينة ، ثم مشى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى ضرب عليه الباب ، فلما صلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ابن الأعرابي صاحب الغنم ، فقام الأعرابي ، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : « حدّث الناس بما سمعت وما رأيت » ، فحدّث الأعرابي الناس بما رأى من الذئب وسمع ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « صدق الأعرابي ، آيات تكون قبل الساعة ، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فتخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده » .
دحى اللّه الأرض من تحت الكعبة
روينا من حديث أبي الوليد محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي ، عن جده ، حدثنا سعيد بن سالم ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أنه قال : لما كان العرش على الماء ، قبل أن يخلق اللّه السماوات والأرض ، بعث اللّه ريحا هفافة فصفقت الماء فأبرزت فأبدت عن خسفة في موضع البيت كأنها قبة ، فدحا الأرض من تحتها فمادت ، ثم مادت ، فأوتدها اللّه بالجبال ، فكان أول جبل وضع فيها أبو قبيس ، فلذلك سميت مكة أم القرى .
“ 281 “
حسن عفو واعتراف
روينا من حديث يوسف بن عبد اللّه ، عن عثمان بن الهيثم ، عن عوف ، قال : شم رجل الحسن وأربى عليه ، فقال : أما أنت فأبقيت شيئا ، وما يعلم اللّه أكثر .
وأنشد لبعض الشعراء :
لن يدرك المجد أقوام ذوو كرم * حتى يذلوا وأن عزوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مشرقة * لأصفح ذلّ ولكن صفح أحلام
في تقلب الأحوال وما تأتي به الأيام والليالي :
فيوم علينا ويوم لنا * ويوم نساء ويوم نسر
روينا من حديث أبي الدنيا ، عن أبي زيد النمري ، عن أبي عبد اللّه ، أنشد لبعض الشعراء :
وليس الرزق في طلب حثيث * ولكن ألق دلوك في الدلاء
تجيء بملئها طورا وطورا * تجيء بحماة وقليل ماء
حكمة لقمانية في النجاة
روينا من حديث إبراهيم الحربي ، عن أبي حذيفة ، عن سفيان ، قال : سئل لقمان الحكمة : أي علم أوثق في نفسك ؟ قال : تركي ما لا يعنيني . وقد ورد بذلك الشرع ، من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .
همة عليّة ويد علوية
روينا من حديث أحمد بن محمد الواسطي ، عن أبي حسق ، عن خلف بن تميم ، قال التقى إبراهيم بن أدهم : وشقيق بمكة ، فقال إبراهيم : لشقيق ، ما بدء أمرك الذي بلغك هذا ؟ قال : مررت ببعض الفلوات فرأيت طيرا مكسور الجناحين في فلاة من الأرض ، فقلت : أنظر من أين يرزق هذا ؟
فقعدت بحذائه ، فإذا أنا بطير قد أقبل في منقاره جرادة ، فوضعها في منقار الطير المكسور الجناحين . فقلت لنفسي : يا نفس ، إن الذي قيّض هذا الطير الصحيح لهذا الطير المكسور الجناحين في فلاة من الأرض هو قادر أن يرزقني حيث كنت ، فتركت التكسّب واشتغلت بالعبادة . فقال إبراهيم : يا شقيق ، ولم لا تكون أنت الطير الصحيح الذي أطعم العليل حتى تكون أفضل منه ؟
أما سمعت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : « اليد
“ 282 “
العليا خير من اليد السفلى . ومن علامة المؤمن أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلها حتى يبلغ منازل الأبرار » . قال : فأخذ بيد إبراهيم فقبّلها ، وقال : أنت أستاذنا يا أبا إسحاق .
أمثال منظومة ومنشورة كاللآلئ
كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتمثل بهذا البيت ويكسره عن وزنه ، فيقول : « كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا » .
روينا من حديث النضر بن عبد اللّه ، عن سليمان بن حرب ، عن حمّاد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وذكره ، والشعر لعبيد بن الخشخاش ، وكان يتمثل به أبو حصين :
هريرة ودّع إن تجهزت غاديا * كفى الشيب والإسلام بالمرء ناهيا
وروينا ذلك من حديث الحارث ، عن أحمد بن عبد اللّه بن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي حصين . وكان بكار بن مالك يقول في هذه الآية : وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ أنه الشيب ، ثم ينشد :
رأيت الشيب من نذر المنايا * لصاحبه وحسبك من نذير
وروينا ذلك من حديث إسماعيل بن إسحاق ، عن محمد بن أبي بكر المقدسيّ ، عن حصين بن نمير ، عن بكار بن مالك .
مثل
ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد . هذا البيت لطرفة بن العبد ، وصدره :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا . . . . . . . . . . . . . .
مثل
وعند جهينة الخبر اليقين . وهو رجل من جهينة ما يسلم من جيش السفيانيّ الذي يخسف به بين مكة والمدينة إلا هذا الجهيني .
مثل
حسن في كل عين من تودّ . ويقال : القرينا في عين أمها حسنة .
“ 283 “
مثل
يقال : أطمع من أشعب . ويقال : أحذر من غراب . ويقال : أشغل من ذات النحيين .
ويقال : الصيف ضيّعت اللبن .
ويقال : أقبح من عاشق مفلس . ويقال : أقبح من كل قبيح صوفي شحيح . ويقال :
أوفى من السموأل ، وأخطب من قسّ ، وأفصح من سحبان ، وأعيا من بأقل . وأبخل من مادر . وأشأم من قاذر ، يعني عاقر ناقة صالح .
ويقال : أكرم من حاتم ومن معن بن زائدة . وأزكى من اياس . وأحكم من الأحنف .
وأجود من الريح والغمام .
ويقال : لو صحّ منك الهوى أرشدت للحيل . ويقال : ولا خير في حب يدبّر بالعقل .
ويقال : الحب للنفوس من العقول . ويقال : كل البقل ولا تسأل عن المبقلة .
نظمه أبو بكر النويميّ وأنشدني إياه بمكة :
كل البقل من حيث تؤتى به * ولا تسألنّ عن المبقلة
وأنشدني أيضا لنفسه :
إن الفقير هو الفقيه وإنه * الراء ردّت فالتقى طرفاها
وقيل :
ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل * وكل نعيم لا محالة زائل
وقيل :
أرى الطريق قريبا حين أسلكه * إلى الحبيب بعيدا حين أنصرف
وقيل :
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضى * فأين حلاوة الرسائل والكتب
وقال آخر :
كأنما الطير منهم فوق رؤوسهم * لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال
ويقال : كلا طرفي قصد الأمور ذميم . نظمته فقلت :
جرى مثل دلّ السماع مع الحجا * عليه على مرّ الزمان قديم
توسط إذا ما شئت أمرا فإنه * كلا طرفي قصد الأمور ذميم
أردت بالسماع خير الأمور أوسطها ، وما ورد في القرآن من ذلك .
“ 284 “
حكمة أديب ونصيحة لبيب
إياك وصحبة الملوك ، فإنك إن لازمتهم ملوك وإن تركتهم أذلّوك ، يستعظمون في الثواب رد الجواب ويستصغرون في العقاب ضرب الرقاب .
قال الحكيم : مثل السلطان مثل النار ، لا ينتفع به إلا على بعد .
خبر البيت المعمور
اختلف الناس فيه ، فقيل : هو في السماء السادسة ، وقيل : في السماء السابعة . وقال ابن عباس : البيوت أربعة عشر بيتا ، لو سقط الأعلى منها لسقط على الذي تحته ، وكذلك كل بيت منها في السبع سماوات والسبع أرضين . وإن اللّه خلق لها خلقا يطوفون بها على صورنا ، حتى إن فيهم ابن عباس مثلي ، وهذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون فيه أبدا . روينا ذلك في الحديث الصحيح .
وذكر شيخنا أبو زيد السهيلي الضرير المالقيّ ، في الروض الآنف له ، في شأن هؤلاء السبعين ألف ملك الذين يدخلون البيت المعمور ، في حديث رويناه عنه ، يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم : « إن جبريل عليه السلام ينغمس كل يوم في نهر الحياة غمسة ، ثم ينتفض فيقطر من انتفاضه من ذلك الماء سبعون ألف قطرة ، يخلق اللّه من كل قطرة ملكا ، فهم الذين يدخلون البيت المعمور كل يوم » .
روينا من حديث أبي الوليد ، قال : حدثنا علي بن هارون العجليّ ، عن أبيه ، ثنا قاسم بن عبد الرحمن الأنصاري ، حدثني محمد بن علي بن الحسين ، قال : كنت مع والدي علي بن الحسين عليهم السلام ، فبينما هو يطوف بالبيت وأنا وراءه ، إذ جاءه رجل شرجم من الرجال يقال له طويل ، فوضع يده على ظهر أبي ، فالتفت أبي إليه ، فقال الرجل : السلام عليك يا ابن بنت رسول اللّه ، أريد أن أسألك ، فسكت أبي ، فردّ عليه السلام ، فقال : يا ابن بنت رسول اللّه أريد أن أسألك ، فسكت أبي ، وأنا والرجل خلفه حتى فرغ من أسبوعه ، فدخل الحجر ، فقام تحت الميزاب ، فقمت أنا والرجل خلفه ، فصلى ركعتي أسبوعه ، ثم استوى قاعدا . فالتفت إليّ ، فقمت فجلست إلى جنبه . فقال : يا محمد ، أين هذا السائل ؟ فأومأت إلى الرجل ، فجاء فجلس بين يديّ أبي ،
فقال له أبي :
عمّ تسأل ؟ قال : أسألك عن بدء هذا الطواف بهذا البيت ، لم كان ؟ وأنّى كان ؟ وحيث كان ؟
وكيف كان ؟ فقال له أبي : نعم ، من أين أنت ؟ قال : من أهل الشام . قال : أين مسكنك ؟
“ 285 “
قال : في بيت المقدس . فقال : هل قرأت الكتابين ؟ يعني التوراة والإنجيل ، قال الرجل :
نعم . قال أبي : يا أخا أهل الشام احفظ ، ولا ترو عني إلا حقا . أما بدء هذا الطواف بهذا البيت ، فإن اللّه تعالى قال للملائكة : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ، فقالت : أي رب خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ، ويسفك الدماء ، ويتحاسدون ، ويتباغضون ، ويتباغون .
أي رب اجعل ذلك الخليفة منا ، فنحن لا نفسد فيها ، ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ، ولا نتحاسد ، ولا نتباغى ، ونحن نسبّح بحمدك ، ونقدّس لك ، ونطيعك ولا نعصيك . قال اللّه تعالى : إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ . فظنت الملائكة أنما قالوا ردّا على ربهم ، وأنه قد غضب من قولهم ، فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرّعون ويبكون إشفاقا لغضبه . فطافوا بالعرش ثلاث ساعات ، فنظر اللّه إليهم فنزلت عليهم الرحمة ، فوضع اللّه سبحانه وتعالى تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد ، وغشاهن بياقوتة حمراء ، وسمّى البيت الضراح . ثم قال اللّه عز وجل للملائكة : طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش .
قال : فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش وصار أهون عليهم ، وهو البيت المعمور الذي ذكر اللّه عز وجل يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا .
ثم إن اللّه تعالى بعث ملائكته فقال : ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره . فأمر اللّه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور . فقال الرجل : صدقت يا ابن بنت رسول اللّه ، هكذا كان ، فهذا البيت الذي هو خامس خمسة عشر بيتا ، أعني الكعبة ، سبعة فوقه وسبعة تحته ، وما نزل ملك قط من السماء إلى الأرض لأمر إلا استأذن ربه في الطواف ببيته ، فهبط مهلّلا .
إفصاح معجز بوعظ معجز
روينا من حديث إبراهيم الحربي ، حدثنا داود بن رشيد ، قال : دخل ابن السماك على هارون الرشيد فقال : عظني وأوجز ، قال : ما أعجب يا أمير المؤمنين ما نحن فيه ، كيف غلب علينا حب الدنيا ؟ وأعجب ما نصير إليه ، غفلتنا عجيب ، لصغير حقير ، إلى فناء يسير غلب على كثير طويل ، دائم غير زائل .
دعاء عبد مبتهل لربه عز وجل
روينا من حديث عبد اللّه بن مسلم ، قال : حدثنا الرياشي ، قال : حدثنا الأصمعي ، قال : رأيت أعرابيا عند الملتزم يقول : اللهم لك عليّ حقوق فتصدّق بها عليّ ، وللناس
“ 286 “
عليّ تبعات فتحمّلها عني . وقد أوجبت لكل ضيف قرى ، وأنا ضيفك ، فاجعل قرائي الليلة الجنة .
نطق بكلمة صدق
روينا من حديث إبراهيم بن حبيب الحمامي ، عن عتبة بن الوليد ، قال : كانت امرأة من التابعين تقول : سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله ، وما أوحش الطريق على من لم تكن أنيسه .
بكاء مفرط غير مفرط
روينا من حديث العباس بن الفضل ، حدثنا داود بن رشيد قال : قال بشر بن الحارث : مررت على رجل من العبّاد بالبصرة وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : أبكي على ما فرط من عمري ، وعلى يوم مضى من أجلي لم يحسن فيه عملي .
موعظة اضطرار عند شد الأستار
روينا من حديث أحمد بن عبدان ، قال : حدثنا محمد بن منصور البغدادي قال :
دخلت على عبد اللّه بن طاهر وهو في سكرات الموت ، فقلت : السلام عليك أيها الأمير ، فقال : لا تسمّني أميرا ، وسمّني أسيرا ، ثم أنشأ يقول :
بادر فقد أسمعك الصوت * إن لم تبادر فهو الفوت
من لم تزل نعمته قبله * أزال عنه النعمة الموت
لكل مقام مقال
أخبرني أحمد بن مسعود بن شداد المقري بالموصل ، قال : كان لي صاحب يقال له علي الدهان ، يمر بي كل ليلة بعد هزيع من الليل ، وأنا بهذه المنظرة . وكان على شاطئ الدجلة ، فينادي : يا زكي ، فأقول : لبيك . فيقول : ما أحسن ما قال :
باللّه يا ركب الحجاز تحمّلوا * مني تحية مغرم مشتاق
وقفوا على شاطئ الفرات وخبّروا * أني قتيل محاجر الأحداق
قال ابن مسعود : فلم يلبث أن مات فرأيته في المنام ، فقلت له : يا علي ، ما أحسن
“ 287 “
ما كنت تأتيني في حياتك كل ليلة فتنشدني . وأنشدته البيتين ، فتبسّم وقال : يا زكي ، لو سمعتني كيف أنشدهما اليوم ؟ فقلت : وكيف تنشدهما رحمك اللّه ؟ فقال :
باللّه يا ركب الحجاز تحمّلوا * مني تحية مغرم مشتاق
وقفوا على شاطئ الفرات وخبّروا * أني رهين جنادل وطباق
حالة تلحق الرجال والنساء حالة سواء
روينا من حديث أحمد بن محمد المزنيّ ، عن محمد بن كثير ، عن سفيان بن طلحة ، عن الشعبيّ ، في رجل أوصى لأرامل بني فلان ، قال : الرجال والنساء فيه سواء .
ثم قال سفيان الثوري :
تلك الأرامل قد قضيت حاجتها * فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
خليفة عدل قضاء واجب حق وفضل
رحّب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بابنة نبيّ كان قبله يقال له خالد بن سنان ، قال لها حين علم بها : « مرحبا بابنة نبيّ أضاعه قومه » ، ثم قصّ خبره . وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ، ولا كريم أكرم من آل محمد . كلهم كبير وليس فيهم صغير » .
روينا من حديث عمران ، حدثنا عيسى ، ثنا ضمرة ، قال : قال عمر بن عبد العزيز لبعض ولد الحسين بن علي بن أبي طالب : لا تقف على بابي ساعة واحدة إلا ساعة تعلم أني فيها جالس ، فيؤذن لك عليّ وقت تأتي ، فافعل ، فإني أستحي من اللّه أن تقف على بابي فلا يؤذن لك . وأنشد لبعضهم :
قالوا يزورك أحمد وتزوره * قلت الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته * فلفضله فالفضل في الحالين له
نظم هذا الشاعر قول القائل : إن زرتنا فبفضلك ، أو زرناك فلفضلك . فلك الفضل زائرا ومزورا .
ما ذكر من بعض صفات عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
روينا من حديث محمد بن الحسين السكّريّ ، قال : قال العتبي عن أبيه : قال معاوية لصعصعة بن صوحان : صف لي عمر بن الخطاب . قال : كان عالما برعيته ، عادلا في
“ 288 “
نفسه ، قليل الكبر ، قبولا للعذر ، سهل الحجاب ، مفتوح الباب ، متحري الصواب ، بعيدا من الإساءة ، رفيقا بالضعيف ، غير صخّاب ، كثير الصمت ، بعيدا من العبث . قال أحمد بن ملعاب : قال علي بن عبد اللّه : قال سفيان بن عيينة : كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر : كن لرعيتك كما يحب لك أميرك .
وحدثنا أبو بكر بن خلف اللخمي أستاذنا ، قال : لما مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عاده أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه ، فشفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومرض أبو بكر ، فعاده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشفي حين عاده كما مرض حين عاده ،
فقال الصدّيق رضي اللّه عنه في ذلك :
مرض الحبيب فعدته * فمرضت من حذري عليه
شفى الحبيب فعادني * فشفيت من نظري إليه
وأنشدني أبو بكر بن محمد بن عيسى الأديب ، الكاتب لجدّه ذي الوزارتين أبي الوليد مروان بن أبي العلاء بن زهير الحكيم رحمه اللّه .
وكان قد استدعي إلى مراكش ، وخلف ابنا له صغيرا كان يحبه لم يكن له غيره ، فقال في الحال :
ولي واحد مثل فرخ القطا * صغيرا تخلّف قلبي لديه
نأت عنه داري فواحشتي * لذاك الشخيص وذاك الوجيه
تذكّرني وتذكّرته * فيبكي عليّ وأبكي عليه
وقد تعب الشوق ما بيننا * فمنه إليّ ومني إليه
تأسيس في حق الجليس
روينا من حديث محمد بن الفرج الحجاج ، عن أبي جريج ، عن مجاهد ، قال :
جلست إلى ابن عمر وهو يصلي فخفف .
ثم سلّم وانفتل ، ثم قال : إن حقا أو سنّة إذا جلس الرجل للرجل وهو يصلي التطوع أن يخفف وينفتل إليه .
مفرد
لا يدرك الناس ما قدمت من حسن * ولا يفوتك فيما قدّموا شرف
هذا البيت ذكره ابن قتيبة لكعب بن الأشرف ، في قتيبة بن مسلم .
“ 289 “
خبر الطائر الطائف
ذكر الأزرقي في كتاب مكة ، قال : جاء طائر أشف من الكعبة شيئا ، لونه لون الحبرة بريشة حمراء وريشة سوداء ، دقيق الساقين طويلهما ، له عنق طويل ، دقيق المنقار طويله ، كأنه من طير البحر ، يوم السبت لسبع وعشرين من ذي القعدة سنة ستّ وعشرين ومائتين ، حين طلعت الشمس ، والناس إذ ذاك في الطواف كثير من الحاج وغيرهم ، من ناحية أجياد الصغير ، حتى وقع في المسجد الحرام قريبا من مصباح زمزم ، مقابل الركن والحجر الأسود ، ساعة طويلة . ثم طار على صدر الكعبة في نحو من وسطها ، ما بين الركن اليماني والركن الأسود ، وهي إلى الركن الأسود أقرب . ثم وقع على منكب رجل في الطواف عند الركن الأسود من الحاج . ثم من أهل خراسان محرم يلبي وهو على منكبه الأيمن ، فطاف الرجل أسابيع والناس يدنون منه وينظرون إليه ، وهو ساكن غير مستوحش منهم . والرجل الذي عليه الطير يمشي في الطواف في وسط الناس ، وهم ينظرون إليه ويتعجبون . وعينا الرجل تدمعان على خده ولحيته . قال أبو الوليد الأزرقي : فأخبرني محمد بن أبي عبد اللّه بن ربيعة قال : رأيته على منكبه الأيمن والناس ينظرون إليه ويدنون منه ولا ينفر منهم ولا يطير . فطفت أسابيع ثلاثة . كل ذلك أخرج من الطواف فأركع خلف المقام ثم أعود ، وهو على منكب الرجل . ثم جاء إنسان من أهل الطواف فوضع يده عليه ، فلم يطر .
وطاف به بعد ذلك ، ثم طار هو من قبل نفسه حتى وقع على يمين المقام ساعة طويلة ، وهو يمد عنقه ، ويقبضها إلى جناحه ، والناس مستلفون له ينظرون إليه عند المقام ، إذ أقبل فتى من الحجبة ، فضربه بيده وأخذه ليريه رجلا منهم ، كان يركع خلف المقام ، فصاح الطير في يده أشد الصياح وأوحشه ، لا يشبه صوته بأصوات الطير . ففزع منه ، فأرسله من يده ، فطار حتى وقع قريبا من دار الندوة خارجا من الظلال في الأرض ، قريبا من الأسطوانة الحمراء ، فاجتمع الناس ينظرون إليه وهو مستأنس في ذلك كله ، غير مستوحش من الناس ، ثم طار هو من قبل نفسه فخرج من باب المسجد الذي بين دار الندوة ودار العجلة نحو قعيقعان .
خبر الطائر المغيث
حدثنا عبد الكريم بن حاتم بن وحشي بمكة سنة ستمائة ، قال : خرج من عندنا رجل من المجاورين يريد مصر ، فركب بحر عيداب ، فطاب الريح بالليل ، فقام كل من في المركب إلا الذي يدير ، فأراد الرجل الحاجة ، فقعد في مقدم المركب يقضي حاجته ، فزلق قدمه ، فأخذه البحر وغطته الأمواج ، والرئيس ينظر إليه ، والمركب قد سار عنه بمسافة
“ 290 “
غيّبته عن أعين الناس ، والرئيس لا يتكلم مخافة أن يشوّش على الناس ، ولا ينفعه ذلك ، فلم ينشب أن رأى طائرا قد قبض عليه ، فأخرجه من الماء ، وطار به حتى ألقاه في المركب ، وقعد الطائر على جامور الصاري ساعة ، ثم إن الطائر مدّ منقاره من موضعه حتى ألصقه بأذن الرجل ثم قبضه وطار . فلما كان من الغد حسن الرئيس ظنه بذلك الرجل ، وبادر إلى إكرامه ، ففطن له الرجل فقال له : يا أخي ، لست واللّه ممن تظن ، وإنما كان مما رأيت من أمر اللّه علمي وعلمك فيه سواء ، ما شعرت بنفسي إلا وقد أخذتني الأمواج ، وأيقنت بالتلف ، فسلّمت الأمر للّه ، وقلت : ذلك تقدير العزيز العليم .
فإذا بذلك الطائر قد فعل ما رأيت . فقال له الرئيس : فرأيته مدّ منقاره إليك ، فهل كلّمك ؟ قال الرجل : نعم ، وذلك أني فكرت في نفسي ما هو هذا الطائر ؟ فألصق منقاره بأذني وقال لي : يا هذا ، أنا تقدير العزيز العليم .
حكمة
روينا من حديث ابن إسماعيل ، عن أبي حذيفة ، عن الثوري ، قال : بلغني عن ابن مسعود أنه قال : الدنيا كلها غموم ، فما كان فيها من سرور فهو ريح .
ومن حديث إسماعيل أيضا ، عن نعيم ، عن ابن المبارك ، عن وهب ، قال : من أراد الدنيا فليتهيأ للذلّ .
موعظة بهلول المجنون
حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الرحمن الدّعليّ بن علي بن محمد ، حدثنا محمد بن أبي منصور ، ثنا أبو الغنائم القرشي ، انا محمد بن علي بن عبد الرحمن ، ثنا زيد بن حاجب ، أخبرنا محمد بن هارون ، ثنا علي بن الحسين بن أحمد ، حدثنا علي بن إبراهيم الكرخي الحافظ ، ثنا محمد بن الحسن الحلواني ، ثنا أحمد بن عبد اللّه القزويني ، عن الفضل بن الربيع قال : حججت مع هارون الرشيد ، فمررنا بالكوفة ، فإذا بهلول المجنون يهذي ، فقلت له : اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين ، فسكت حتى حاذاه الهودج ، فقال : يا أمير المؤمنين ، حدثني أيمن بن بابل ، حدثنا قدامة بن عبد اللّه العامريّ ، قال :
رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم بمنى على جمل ، وتحته رحل رثّ ، فلم يكن بمطرد ، ولا ضرب ، ولا إليك . قلت : يا أمير المؤمنين ، إنه بهلول المجنون .
قال : قد عرفته . قال البهلول : يا أمير المؤمنين أسمعك شعرا ؟ قال : قل :
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin