..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 11

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:05

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 11
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2

    “ 151 “

    وقال مطرود بن كعب الخزاعي يبكيه :
    يا أيها الرجل المحول رحله * هلّا سألت عن آل عبد مناف
    هبلتك أمك لو حللت بدارهم * ضمنوك من جرم ومن إقراف
    المنعمين إذا النجوم تغيّرت * والظاعنين لرحلة الإيلاف
    والمطعمين إذا الرياح تناوحت * حتى تغيب الشمس في الرجاف
    أما هلكت أبا الفعال فما جرى * من فوق مثلك عقد ذات نطاف
    إلا أبيك أخي المكارم وحده * والفيض مطلبه أبي الأضياف

    ومما سمع من بكاء الجن على عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
    روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه ، عن سليمان بن أحمد ، عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، نبأ عمي أبو بكر ، نبأ عبد اللّه بن إدريس ، عن ليث ، عن معروف بن أبي معروف


    قال : لما أصيب عمر رضي اللّه عنه سمعت صوتا يقول :
    ليبك على الإسلام من كان باكيا * فقد أوشكوا هلكي وما قدم العهد
    وأدبرت الدنيا وأدبر خيرها * وقد ملّها من كان يؤمن بالوعد

    قال أحمد بن عبد اللّه : وحدثنا أيضا أبو حامد بن جبلة ، نبأ محمد بن إسحاق ، نبأ الجوهري حاتم بن الليث ، حدثني سلمة بن حفص السعدي ، نبأ أبو عامر الأسدي ، عن المطلب بن زياد بسنده قال : رثت الجن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حين مات
    وكان فيما قالوا :
    ستبكيك نساء الحي * تبكين الشجيات
    وتخمس وجوها كالد * نانير النقيات
    ويلبس ثياب السو * د بعد القصبيات

    وقال الجن تبكيه :
    أبعد قتيل بالمدينة أصبحت * له الأرض تهتز العصاة بأسوق
    جزى اللّه خيرا من أمير وباركت * يد اللّه في ذاك الأديم الممزق
    فمن يسع أو يركب جناح نعامة * ليدرك ما سريت بالأمس يستبق
    قضيت أمورا ثم غادرت بعدها * بوائق في أكمامها لم تفتق
    وما كنت أخشى أن تكون وفاته * بكفي سبتني أزرق العين مطرق
    فلقاك ربي في الجنان تحية * ومن كسوة الفردوس لا تتمزّق


    “ 152 “

    حدثنا بهذه الأبيات ، عن أبي نعيم ، عن الحسن بن علي الوراق ، عن عبد اللّه بن محمد البغوي ، عن شجاع ، عن مخلد ، عن محمد بن بشر ، عن مسعر ، عن عبد الملك بن عمير ، عن الصقر بن عبد اللّه ، عن عروة ، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : بكت الجن على عمر بعد ثلاث ، وذكرت الأبيات ما عدا البيت الأخير فإنه من حديث أنس بن مالك ، وقال الإهاب بدل الأديم .
    ومن حديث ابن أبي مليكة ( عليك سلام من أمير باركت ) بدل ( جزى اللّه خيرا من أمير وباركت ) .


    ومما بكت الجن به عثمان بن عفان رضي اللّه عنه
    وروينا أيضا من حديث أحمد بن عبد اللّه ، عن أبي أحمد بن محمد بن أحمد ، عن محمد بن إبراهيم الغازي ، نبأ عبد الرحمن بن عمر بن سنة ، نبأ أبو عاصم ، نبأ عثمان بن مرّة ، عن أمه قالت : سمعت الجن تنوح على عثمان فوق مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث ليال .

    قال : فكانت تنشد لنا بعض ما قالوا :
    ليلة الحصبة إذ ير * مون بالصخر الصلاب
    ثم جاءوا بكرة ين * عون صقرا كالشهاب
    زينهم في الحي والمج * لس فكاك الرقاب


    قال أحمد بن عبد اللّه : وحدثني إبراهيم بن عبد اللّه وابن جبلة قالا : نبأ محمد بن إسحاق ، عن قتيبة بن سعد ، عن الليث بن سعد ، عن الزهري أن رجلا رأى في زمان عثمان كأن آت أتاه في منامه ، فقال له : ع عني ما أقول لك :
    لعمر أبيك وآبائه * لقد ذهب الخير إلا قليلا
    لقد سفه الناس في دينهم * وخلى ابن عفان شرا طويلا


    قال : فأتاه مخليا به ، فقال : واللّه ما أنا بشاعر ولا راوية للشعر ، وقد أتيت الليلة فألقي عليّ هذان البيتان .
    فقال له عثمان : اسكت عن هذا . فلما كان العام المقبل أتاه ذلك الرجل أيضا فقال :

    واللّه ما أنا بشاعر ولا أروي الشعر ، وقد ألقي عليّ بيتان :
    لعمري لقد نغصتمونا معيشة * تقرّ بها عين التقيّ المهاجر
    فيا ليت هذا اشترى العين قبله * وليت فلانا غيّبته المقابر


    “ 153 “


    فقال له عثمان : اسكت من ذكرها . فلم يلبث إلا قليلا حتى قتل عثمان رضي اللّه عنه .
    وقال جدّي عديّ بن حاتم ، وكان يقال له مقبل الظعن لطوله : سمعت صوتا يوم قتل عثمان بن عفان رضي اللّه عنه وهو :
    ألا أبشر يا ابن عفان ، بروح وريحان ، ورب غير غضبان .
    ألا أبشر يا ابن عفان ، برضوان وغفران .

    روينا من حديث أبي نعيم ، عن محمد بن أحمد بن الحسن ، عن الحسن بن علي بن الوليد ، عن أحمد بن عمران الأخنسي ، عن خالد بن عيسى ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، عن عدي بن حاتم ، مما ناحت به الجن على الحسين بن علي رضي اللّه عنهما :
    مسح النبيّ جبينه * فله بريق في الخدود
    أبواه في عليا قريش * وجدّه خير الجدود


    روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه ، عن أبي حامد بن جبلة ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي بكر بن خلف ، عن محمد بن الحجاج عن معروف بن واصل ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : سمعت الجن تنوح على الحسين رضي اللّه عنه ، وذكر البيتين .

    ومن حديثه أيضا ، عن سليمان بن أحمد ، عن القاسم بن عبّاد ، عن سويد بن سعيد ، عن عمرو بن ثابت ، عن حبيب ، عن أبي ثابت ، قال : قالت أم سلمة رضي اللّه عنهما : ما سمعت نوح الجن مذ قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا ليلة ، وما أرى الحسين إلا قتل ، فأخرجت جاريتها تسأل ، فأخبرت بقتل الحسين ، فإذا جنيّة تنوح :
    ألا يا عين فاحتفلي بجهد * ومن يبكي على الشهداء بعدي
    على رهط تقودهم المنايا * إلى متجبّر في ملك عبد


    ومن حديثه ، عن سليمان بن أحمد ، عن زكريا بن يحيى الساجيّ ، عن محمد بن يحيى بن صالح الأزديّ ، عن السريّ بن منصور بن عبّاد ، عن أبيه ، عن أبي لهيعة ، عن أبي قبيل قال : لما قتل الحسين رضي اللّه عنه اجتزّوا رأسه ، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ، ويتحيّون بالرأس . فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطرا بدم شعر :
    أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جدّه يوم الحساب ؟

    قال : فهربوا وتركوا الرأس ثم رجعوا .
    وقال جابر الحضرميّ ، عن أمه ، قال : سمعت الجن تنوح على الحسين وهي تقول :


    “ 154 “

    أنعي حسينا هبلا * كان حسين رجلا

    لسان كريم
    روينا من حديث المالكي ، عن عبد اللّه بن عمرو الوراق ، نبأ أبي ، عن يحيى بن خليفة المجاشعيّ ، نبأ إدريس ، عن مروان بن أبي حفصة يعني عن أبيه ، قال : أنشدت معن بن زائدة أربعة أبيات فأعطاني أربعة آلاف دينار ، فبلّغت أبا جعفر فقال : ويلي على الأعرابي الجلف . فاعتذر إليه وقال له : يا أمير المؤمنين ، إنما أعطيته على جودك ، فسوّغه إياها .


    فلما مات معن بن زائدة رثاه مروان فقال :
    ألمّا على معن وقولا لغيره * سقيت الغوادي مربعا ثم مربعا
    فيا قبر معن كنت أول حفرة * من الأرض خطت للمكارم مضجعا
    ويا قبر معن كيف واريت جوده * وقد كان منه البحر والبرّ ممرعا
    ولكن ضممت الجود والجود ميت * ولو كان حيا ضقت حتى تصدعا
    ولما مضى معن مضى الجود والندى * وأصبح عرنين المكارم أجدعا

    وما كان إلا الجود صورة خلقه * فعاش زمانا ثم مات وودّعا
    فتى عيش من معروفه قبل موته * كما كان قبل السيل مجراه مرتعا
    تعزّ أبا العباس عنه ولا تكن * ثوابك من معن بأن يتضعضعا
    تمنّى رجال شأوه من ضلالهم * فأضحوا على الأذقان صرعى وطلعا


    وحدثني المهدي عبد الكريم بن يوسف بالموصل ، عن الحسن بن عمار قال : قدم علينا نور الهدى الواعظ الإسكندراني الموصلي ، وكان بينه وبين أخي صحبة جميلة ، وكان أخي قد توفي فسألني أن أزور معه قبره ، فزرنا قبره ، وترحّمنا عليه ساعة ، وذكر ما كان بينهما من جميل العشرة ، وخلوص الولاء ، وإيثار الصحبة . ثم عدنا إلى المنزل فقال :

    فرأيت أخي في النوم ، فذكرت له ما كان من نور الهدى ومني في زيارة قبره ، من ذكر ليال سلفت بينهما في اللّه وللّه . فقال الميت : رأيته عندما زارني ، وأنست بجميل طلعته ، وتذكار عهده ، وسررت بترحّمه ودعائه ، واستقللت زمان وقوفه ، فما اشتفيت من سماع لفظه الشهي ، وبديع منطقه البهي .

    وقد قلت في ذلك شعرا . قال ابن عمار : فأنشدني :
    أهلا بزائرنا الذي * أهدى تحيته إلينا
    فشفت أوام الاشتياق * وجدّدت روحا علينا


    “ 155 “

    لما التقت أرواحنا * عجل الفراق وما اشتفينا
    قال : فاستيقظت وقد حفظتها من قبله فذكرتها لنور الهدى ، فأوردها على المنبر في مجلسه . فلم أر أحسن من مجلس ذلك اليوم ، ولا أكثر باكيا منه .

    وقال مهيار الديلمي في الاشتياق :
    ألا فتى يسأل قلبي ما له * ينزو إذا برق الحمى بدا له
    فهبّ يرجو خبرا من الغضا * يسنده عنه فما روى له
    أراد نجدا معه ببابل * إرادة هاجت له بلباله
    وابتسم الريح الصبا ومن له * بنفحة من الصبا طوبى له
    ويوم ذي البان وما أشار من * ذي البان إلا أن أقول ما له


    المعرفة أشرف من صفة
    قال أبو عبد اللّه البراثي : بالمعرفة هانت على العالمين العبادة ، والرضى عن اللّه عز وجل في تدبيره . زهدوا في الدنيا ، ورضوا منها لأنفسهم بتقديره .
    رويناه من حديث ابن مروان ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن حكيم بن جعفر ، عن البراثي . ومن حديثه أيضا ، عن محمد بن عيسى البغدادي قال : ما لك من عمرك إلا ما أطعت اللّه عز وجل فيه ، فأما ما عصيت اللّه فيه فلا تعدّه عمرا .
    ومن الشعر الذي هو برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أولى إذ ذاك النعت له حقيقة ، قول أبي نواس :
    أوجده اللّه فما مثله * لطالب ذاك ولا ناشد
    وما على اللّه بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد

    ومن باب مطارحة العشاق :
    دعوني ونعمان الأراك أروده * يجاوب صوتي طيره المتناوحا
    عسى سارح من دار ميّة آمن * يقيّض لي عن شائم طار بارحا


    ومن باب حنين الإبل وسيرها :
    يقودها الحادي إلى مراده * وهمها أحرى إليها لم تقد
    وإنما يتمّها بحاجر * أيامها بحاجر لم تسترد
    لو كان لي على الزمان إمرة * مطاعة قلت أعدها لي أعد
    فكم على وادي الغضا من كبد * يحكم فيها بسوي العدل والكبد


    “ 156 “



    ومنه :
    متى رفعت لها بالغور نار * وقرّ بذي الأراك لها قرار
    فكل دم أراق العين منها * بحكم الشوق مطلول جبار

    ومنه :
    أثرها على حبّ الوفاء وحسنه * تصعّب في أسطانها وتلين
    جوافل من طرد الرماح قريبة * عليها فجاج الأرض وهي شطون
    لها وهي خرسى تحت عفر رحالها * تشكّ إذا شدّ الثرى وأنين
    حدثنا يونس بن يحيى بن منصور ، انا هبة اللّه بن أحمد الموصلي ، انا عبد الملك بن أحمد بن بشران ، نبأ أبو سهل أحمد بن محمد القطّان ، انا محمد بن يونس الشامي ، انا محمد بن عبيد اللّه العتبي قال : حدثني أبي ، عن المسيب بن شريك ، عن عبد الوهاب بن عبيد اللّه بن أبي بكرة قال : وقف أعرابي على عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وقال :
    يا عمر الخير جزيت الجنة * اكس بنيّاتي وأمّهنّه

    أقسم باللّه لتفعلنه
    قال عمر رضي اللّه عنه : فإن لم أفعل يكون ما ذا ؟ قال :
    تكون عن حالي لتسألنه * يوم تكون الأعطيات ثمّه
    والوقف المسؤول بينهنه * إما إلى نار وإما جنّه

    فبكى عمر رضي اللّه عنه حتى اخضلت لحيته ، وقال لغلامه : يا غلام ، أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره . قال : أما واللّه لا أملك غيره . فكان عمر يدني يده من النار ، ثم يقول : يا ابن الخطاب ، هل لك على هذا صبر ؟ وبكى حتى كان بوجهه خطان أسودان من البكاء . وكان يقول : ألا من يأخذها بما فيها ، يعني الخلافة ، ليتني لم أخلق ، ليت أمي لم تلدني ، ليتني لم أكن شيئا ، ليتني كنت نسيا منسيا .

    وروينا من حديث ابن أبي الوليد ، عن أبي الحسن ، عن ابن جعدويه ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، عن سعيد بن المسيب قال : حج عمر رضي اللّه عنه ، فلما كان بصحبات قال : لا إله إلا اللّه العظيم المعطي ما شاء لمن يشاء . كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف ، وكان فظا يتعبني إذا عملت ، ويضربني إذا قصّرت ، وقد أمسيت ليس بيني وبين اللّه أحد . ثم تمثل :

    لا شيء فيما ترى تبقى بشاشته * يبقى الإله ويودي المال والولد



    “ 157 “

    لم تغن عن هرم يوما خزائنه * والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
    ولا سليمان إذ تجري الرياح له * والأنس والجن فيما بينها ترد
    أين الملوك التي كانت نوافلها * من كل أوب إليها راكب يفد
    حوض هنالك مورود بلا كذب * لا بد من ورده يوما كما وردوا
    هذا كان لباسه وهو يرعى الغنم . وخطب الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه اثني عشرة رقعة رضي اللّه عنه .

    خطبة سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين
    روينا من حديث ابن أبي الدنيا قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن جابر بن عوف قال : أول كلام تكلم به سليمان بن عبد الملك أن قال ، يعني في خلافته : الحمد للّه الذي ما شاء صنع ، وما شاء رفع ، وما شاء وضع ، وما شاء أعطى ، وما شاء منع . إن الدنيا دار غرور ، ومنزل باطل وزينة ، تضحك باكيا ، وتبكي ضاحكا ، وتخيف آمنا ، وتؤمن خائفا وتفقر مثريها ، وتثري فقيرها ، ميّالة لاعبة بأهلها .

    يا عباد اللّه ، اتخذوا كتاب اللّه إماما ، وارضوا به حكما ، واجعلوه لكم قائدا . فإنه ناسخ لما كان قبله ، ولا ينسخه كتاب بعده . فاعلموا عباد اللّه أن القرآن يجلو كيد الشيطان كما يجلو ضوء الصبح إذا تنفس وإدبار الليل إذا عسعس .


    خبر خولة بنت حكيم مع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
    روينا عن قتادة قال : خرج عمر بن الخطاب من المسجد والجارود العبدي معه ، فبينما هما خارجان إذا بامرأة على ظهر الطريق ، فسلّم عليها عمر فردّت عليه السلام ، ثم قالت : رويدك يا عمر حتى أكلمك كلمات قليلة ، قال لها : قولي ، قالت : يا عمر ، عهدي بك وأنت تسمّى عميرا في سوق عكاظ تصارع الصبيان ، فلم تذهب الأيام حتى سمّيت عمر ، ثم لا تذهب الأيام حتى سمّيت أمير المؤمنين . فاتق اللّه في الرعية ، واعلم أنه من خاف الموت خشي الفوت .

    فبكى عمر رضي اللّه عنه . فقال الجارود : هيه ، قد اجترأت على أمير المؤمنين وأبكيتيه . فقال عمر : دعها ، أما تعرف هذه يا جارود ؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع اللّه قولها من فوق سمائه ، فعمر واللّه أحرى أن يسمع كلامها . أراد بذلك قوله تعالى : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ .


    “ 158 “


    ومن خطب الحجاج
    ما روينا من حديث ابن أبي الدنيا قال : حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا خلف بن تميم ، نبأ أبو رجاء الهروي ، عن أبي بكر الهذلي قال : رأيت الحجاج يخطب على المنبر ، فسمعته يقول :

    أيها الناس ، إنكم غدا موقوفون بين يدي اللّه عز وجل ، ومسؤولون . فليتقّ اللّه امرؤ ، ولينظر ما يعدّ لذلك الموقف ، فإنه موقف يخسر فيه المبطلون ، وتذهل فيه العقول ، ويرجع الأمر فيه إلى اللّه لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ * .

    بادروا آجالكم بأعمالكم قبل أن تخترموا دون آمالكم . قال : ثم بكى وانتحب وهو على المنبر ، فرأيت دموعه تنحدر على لحيته .


    حديث أبي ذرّ مع عبد اللّه بن عامر
    حدثنا محمد بن محمد ، نبأ أبو القاسم الحريري ، أنا أبو طالب العشاري ، أنا أبو بكر البرقاني ، نبأ إبراهيم بن محمد المزكي ، انا محمد بن محمد بن إسحاق الثقفي ، نبأ هارون بن عبد اللّه ، نبأ سيار ، نبأ جعفر ، نبأ أبو عمران الجوني ، عن نافع الطاحي قال :

    مررت بأبي ذرّ فقال لي : ممن أنت ؟ قلت : من أهل العراق . قال : أتعرف عبد اللّه بن عامر ؟ قلت : نعم . قال : فإنه كان يتقرأ معي ويلزمني ، ثم طلب الإمارة ، فإذا قدمت البصرة فتراءى له ، فإنه سيقول لك حاجة فقل : اخلني . فقل له : أنا رسول أبي ذرّ إليك ، وهو يقرئك السلام . فلما قلتها خشع لها قلبه . ويقول لك : إنّا نأكل من التمر ، ونروى من الماء ، ونعيش كما تعيش . قال : فحلّ إزاره ، ثم أدخل رأسه في جيبه ، ثم بكى حتى ملأ جيبه بالبكاء .
    روينا من حديث أحمد بن حنبل قال : حدثنا عبد اللّه ، نبأ سعيد بن أبي أيوب عبد اللّه بن الوليد قال : سمعت عبد الرحمن بن حجيرة يحدّث عن أبيه ، عن ابن مسعود أنه كان يقول :
    أما بعد ، إنكم في ممرّ الليل والنهار في آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة .
    فمن زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ، ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ، ولكل زارع ما زرع ، لا يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لا يقدر له .


    “ 159 “


    حديث ملك متقدم
    حدثنا يونس ، عن محمد بن ناصر ، انا محفوظ بن أحمد ، انا محمد بن الحسين ، نبأ المعافى ، انا عبد اللّه بن محمد بن جعفر ، نبأ أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن القاسم ، عن هاشم ، نبأ الحكيم بن هاشم ، عن صفوان بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللّه الخزاعي ، أن ذا القرنين أتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع به الناس من دنياهم ، قد احتفروا قبورا ، فإذا أصبحوا تعاهدوا تلك القبور ، فكنسوها ، وصلوا عندها ، ورعوا البقل كما ترعى البهائم .


    وقد قيّض اللّه لهم من ذلك معاشا من نبات الأرض . فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم ، فقال الرسول : أجب الملك ذا القرنين ، فقال : ما لي إليه حاجة ، فأقبل إليه ذو القرنين فقال : إني أرسلت إليك لتأتيني فأبيت ، فها أنا ذا قد أتيتك . فقال : لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك . فقال له ذو القرنين : ما لي أراكم على الحالة التي رأيت لم أر أحدا من الأمم عليها ؟ قالوا : وما ذاك ؟ قال : ليس لكم دنيا ولا شيء ، أفلا اتخذتم الذهب والفضة فاستمتعتم بها ؟ قالوا : إنما كرهناها ، لأن أحدا لم يعط منها شيئا إلا تاقت نفسه إلى أفضل منه .

    فقال : ما بالكم قد احتفرتم قبورا فإذا أصبحتم تعهّدتموها وكنستموها وصليتم عندها ؟ قالوا : أردنا إذا نظرنا إليها وأملنا الدنيا منعتنا قبورنا من الأمل . قال : وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من الأرض ، أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وذبحتموها واستمتعتم بها ؟ فقالوا : إنّا رأينا أن في نبات الأرض بلاغا .

    ثم بسط ملك تلك الأرض يده خلف ذي القرنين ، فتناول جمجمة ، فقال : يا ذا القرنين ، أتدري من هذا ؟ قال : لا ، من هو ؟ قال : هذا ملك من ملوك الأرض ، أعطاه اللّه سلطانا على أهل الأرض ، فغشم وظلم وعتا . فلما رأى ذلك منه جسمه بالموت فصار كالحجر الملقى ، قد أحصى اللّه عمله عليه ، حتى يجزيه في آخرته . ثم تناول جمجمة أخرى بالية فقال : يا ذا القرنين ، أتدري من هذا ؟

    قال : ومن هذا ؟ قال : ملك ملّكه اللّه بعده ، قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والتجبّر ، فتواضع وخشع للّه عز وجل ، وعمل بالعدل في مملكته ، فصار كما ترى قد أحصى اللّه عليه عمله حتى يجزيه في آخرته .

    ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين فقال :
    وهذه الجمجمة كان قد كانت كهاتين ، فانظر يا ذا القرنين ما أنت صانع . فقال له ذو القرنين : هل لك في صحبتي فأتخذك وزيرا وشريكا فيما أتاني من هذا المال ؟ فقال : ما


    “ 160 “


    أصلح أنا وأنت في مكان ، قال : ولم ؟ قال : من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق ، قال : ولم ذلك ؟ قال : يعادونك لما في يديك من المال والملك ، ولا أجد أحدا يعاديني لرفضي في ذلك . فانصرف عنه ذو القرنين . هو ذو القرنين الأكبر ، وقيل : هو المذكور في القرآن .

    قال بعض المؤرخين : هو أول القياصرة ، وهو ابن سام بن نوح . يقال : إنه لقي إبراهيم عليه السلام ، فطاف البلاد ، وسدّ على يأجوج ومأجوج . واختلف في تسميته ذو القرنين ، لأنه لقب له ، واسمه عبد اللّه بن الضحاك ، روي ذلك عن ابن عباس رضي اللّه عنهما . وقال بعضهم : كان بعد نمرود بن كنعان ، وهو الذي بنى الإسكندرية . وقد ذكرنا في هذا الكتاب من أخباره بعض ما وصل إلينا . قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : كان عبدا صالحا ولم يكن نبيا بعثه اللّه في قومه ، فضربوه على قرنه فقتلوه ، ثم بعثه اللّه أخرى فضربوه على قرنه فقتلوه ، ثم بعثه اللّه أخرى فضربوه على قرنه فمات .

    قال غيره : كان له شبه القرنين نابتين في رأسه ، وقيل : لبلوغه قطري الأرض ، ومات بأرض بابل .


    وأما ذو القرنين الأصغر فهو الإسكندر ابن فيلسوف اليونانيّ ، قتل دارا ، وسلبه ملكه ، وتزوج ابنته ، وكانت من أجمل الناس . فلما اجتمع له ملك الروم وملك فارس سمّي ذو القرنين لهما . وقيل : إنه رأى في منامه كأنه أخذ بقرني الشمس ، فسمّي بذلك . ثم رجع إلى العراق بعد طلبه عين الخلد ، ومات بشهرزور ، وقيل : بميافارقين . وحمل إلى أمه في تابوت من ذهب إلى الإسكندرية ، وكان عمره ستة وثلاثين سنة ، ومدة ملكه أربع عشرة سنة . وكان قبل المسيح بثلاثمائة وثلاث سنين ، وقيل : تسع عشرة سنة . وقد روي أنه هو الذي سدّ على يأجوج ومأجوج .


    روي من حديث أسلم أنه قال : خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ليلا ، حتى إذا كنا بموضع إذا نار ، فقال : يا أسلم ، إني لأرى هنا ركبا قصّر بهم الليل والبرد ، فانطلق بنا ، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم ، فإذا بامرأة معها صبيان صغار ، وإذا بقدر منصوبة على نار وصبيانها يتضاعفون ، فقال عمر : السلام عليكم يا أصحاب الضوء ، وكره أن يقول : يا أصحاب النار ، فقالت : وعليكم السلام ، فقال : أدنو ؟ فقالت : ادن بخير أو دع ، قال : فدنا فقال : ما بالكم ؟ قالت : قصّر بنا الليل والبرد ، قال : وما بال هذه الصبية يتضاعفون ؟ قالت : من الجوع ، قال : فأي شيء في هذا القدر ؟ قالت : ماء ، أسكتهم حتى يناموا ، واللّه بيننا وبين عمر . قال : أي رحمك اللّه ، وما يدري عمر بكم ؟ قلت : يتولى أمرنا



    “ 161 “


    ثم يتغافل عنّا . قال : فأقبل عليّ فقال : انطلق بنا ، فخرجنا حتى أتينا دار الدقيق ، فأخرجنا عدلا من دقيق وكبة من شحم ، فقال : احمله عليّ ، فقلت : أنا أحمله عنك ، فقال : أنت تحمل وزري ؟ لا أمّ لك ، فحمّلته عليه ، فانطلق وانطلقت معه إليها أهرول ، فألقى ذلك عندها ، وأخرج من الدقيق شيئا وجعل يقول لها : درّي عليّ وأنا أحرّك لك . وجعل ينفخ تحت القدر ، ثم أفرغها في صفحة ، وقال : أطعميه للصبية ، ولم يزل حتى شبعوا ، وترك عندها فضل ذلك .

    فجعلت تقول : جزاك اللّه خيرا ، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين . فيقول :
    قولي خيرا ، إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك . ثم تنحّى ناحية وربض كالأسد .
    فقلت : لك شأن غير هذا ؟ فلم يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرخون ، ثم ناموا وهدوا .
    فقال : يا أسلم ، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم ، فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت .


    سؤال معاوية لضرار أن يصف عليّا رضي اللّه عنهم
    روينا من حديث ابن باكويه قال : نبأ عبد اللّه بن فهد بن إبراهيم الساجي قال : نبأ محمد بن زكريا بن دينار ، نبأ العباس بن بكار ، نبأ عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح قال : قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة :

    صف لي عليّا ، قال : أو تعفيني ؟ قال : لا أعفيك . قال : أما إذ لا بد ، إنه واللّه كان بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته . كان واللّه غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلب كفه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما خشب .

    كان واللّه كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ويتجنى . واللّه مع تقريبه لنا ، وقربه هنا ، لا نكلمه هيبة ، ولا نبتديه لعظمته عندنا . إن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف في عدله . فأشهد باللّه لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين .

    فكأني أسمعه يقول :
    يا دنيا يا دنيا ، إليّ تعرّضت ، أم إليّ تشوفت ؟ هيهات هيهات ، غرّي غيري ، قد


    “ 162 “


    أبنتك ثلاثا ، لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطرك كثير . آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق .

    قال : فذرفت دموع معاوية ، فما ملكها وهو ينشّفها بكمّه . وقد اختنق القوم بالبكاء .

    ثم قال معاوية : رحم اللّه أبا الحسن ، كان واللّه كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال :

    حزن من ذبح ولدها في حجرها ، فلا ترقأ عبرتها ، ولا يسكن حزنها .



    روي أن عليّا رضي اللّه عنه رأى رجلا من قريش يمشي ويخطر بيده تكبّرا ، فقال :

    يا مؤثر الدنيا على دينه * والتائه الحيران في قصده

    أصبحت ترجو الخلد فيها وقد * أبرز ناب الموت عن حدّه

    هيهات إن الموت ذو أسهم * من يرمه يوما بها يرده

    لا يشرح الواعظ صدر امرئ * لم يعزم اللّه على رشده



    وروينا من حديث ابن حنبل قال : نبأ وهب بن إسماعيل قال : نبأ محمد بن قيس ، عن علي بن أبي ربيعة ، عن علي بن أبي طالب ، قال : جاءه ابن التياح فقال : يا أمير المؤمنين ، امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء ، قال : اللّه أكبر ، فقام متوكئا على ابن التياح حتى قام على بيت المال فقال :

    هذا جناء وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه

    قال : ثم نادى في الناس فأعطى جميع ما في بيت المال للمسلمين وهو يقول : يا صفراء ، يا بيضاء ، غرّي غيري . ها وها ، حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم . ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين .

    حدثنا يونس بن يحيى بمكة ، عن محمد بن ناصر ، عن جعفر بن أحمد ، عن أبي علي التميمي ، عن أبي بكر بن جعفر ، عن عبد اللّه بن أحمد ، عن أبيه أحمد بن حنبل ، بالإسناد .



    ومن كلام عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه

    ما حدثنا يوسف بن علي ، ويونس بن يحيى ، قال يونس : انا عبد الوهاب ، انا عبد اللّه بن أحمد السكري ، قال : انا أحمد بن محمد بن الصلت ، قال : حدثنا حمزة بن قاسم الهاشمي قال : نبأ حنبل بن إسحاق قال : نبأ داود بن سبيب ، نبأ حمّاد بن سلمة ، عن عمرو ، أن عمر بن عبد العزيز قال لعنبسة بن سعيد : يا عنبسة ، أكثر ذكر الموت ، فإنك لا تكون في ضيق من أمر معيشتك فتذكر الموت إلا وسّع ذلك عليك .




    “ 163 “



    كلام أبي بكرة لمعاوية رضي اللّه عنه

    حدثنا يونس ، انا عبد الوهاب ، انا المبارك بن عبد الجبار ، انا أحمد بن علي الثوري ، انا عمر بن ثابت ، انا علي بن قيس ، أنا أبو بكر القرشي ، انا العباس بن هشام بن محمد ، عن أبيه ، عن شيخ من الأزد ، أن أبا بكرة دخل على معاوية فقال : اتق اللّه يا معاوية ، واعلم أنك في كل يوم يخرج عنك ، وفي كل ليلة تأتي عليك لا تزداد من الدنيا إلا بعدا ، ومن الآخرة إلا قربا ، وإن على أثرك طالبا لا تفوته ، وقد نصب لك علما لا تجوزه ، فما أسرع ما تبلغ ، وما أوشك أن يلحقك الطالب . وإنّا وما نحن فيه وأنت زائل ، والذي نحن إليه صائرون باق ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .



    ما كلّم به أبو مسلم الخولاني معاوية

    وبالإسناد إلى أبي بكر القرشي قال : نبّأ شجاع بن الأشرس ، عن إسماعيل بن عيّاش ، عن أبي بكر بن عبد اللّه ، عن عطية بن قيس ، أن أبا مسلم أتى معاوية ، فقام بين السّماطين ، فقال : السلام عليك أيها الأجير ، فقال من عنده : السلام عليك أيها الأمير ، فقال أبو مسلم : السلام عليك أيها الأجير ، فقال معاوية : دعوا أبا مسلم ، فإنه أعلم بما يريد . فقال : اعلم أنه ليس من أحد استرعى رعية إلا ربّ الرعية سائله عنها ، فإن كان داوى مرضاها ، وجبر كسراها ، وهنا جرباها ، وردّ أولاها على أخراها ، ووضعها في أنف من الكلأ وصفو من الماء ، وفاه أجره . وإن كان لم يداو مرضاها ، ولم يهن جرباها ، ولم يجبر كسراها ، ولم يردّ أولاها على أخراها ، ولم يضعها في أنف من الكلأ وصفو من الماء ، لم يؤته أجرها . فانظر أين أنت يا معاوية من ذلك . فقال معاوية :



    يرحمك اللّه يا أبا مسلم .

    ودخل عليه مرة فقال له : ما اسمك ؟ قال : اسمي معاوية . قال : لا بل أحدوثة ، فإن جئت بشيء فلك شيء ، وإن لم تأت بشيء فلا شيء لك . يا معاوية ، إنك لو عدلت بين جميع قبائل العرب ، ثم ملت إلى أقلّها قبيلة ، مال جورك بعد ذلك . يا معاوية ، إنّا لا نبالي بكدر الأنهار إذا صفي لنا رأس العين .

    حدثنا بهذا محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن علي ، عن إسماعيل بن أحمد ، عن عمر بن عبد اللّه ، عن أبي الحسين بن بشران ، عن عثمان بن أحمد ، عن جنبل ، عن جعفر بن ميمون ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن يوسف ، عن خالد بن يزيد ، عن أبي عيلة ، أن أبا مسلم الخولاني دخل على معاوية فذكره .




    “ 164 “



    آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

    روينا من حديث ابن قتيبة قال : ثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب قال : نبأ قريش بن أنس ، عن كليب بن وائل ، أن رجلا من الصالحين قال : بلاد الهند شجر له ورد أحمر فيه بياض مكتوب : محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

    وأنشدني عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة لبعض الشعراء في النبي صلى اللّه عليه وسلم :

    لو لم تكن فيه آيات مبيّنة * كانت بديهته تنبيك بالخبر



    بلاغة أبانت عن حقيقة

    روينا من حديث محمد بن يونس قال : حدثنا الأصمعي قال : مررت بأعرابية وبين يديها شاب في السياق .

    ثم رجعت وبين يديها قدح من سويق تشربه ، فقلت لها : ما فعل الشاب ؟ قالت :

    واريناه ، قلت : ما هذا ؟ فقالت :

    على كل حال يأكل القوم زادهم * على البؤس والنعمى وفي الحدثان

    ومن روايتنا : قال محمد بن عبد الرحمن الحنفي : أنشدنا أبي لغيره :

    اصبر لكل مصيبة وتجلّد * واعلم بأن المرء غير مخلّد

    وإذا ذكرت مصيبة تشجى بها * فاذكر مصابك بالنبي محمد

    من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه

    روينا من حديث يعقوب بن يوسف المطوعي ، نبأ أبو الربيع الزهراني ، عن محمد ، عن حمّاد بن زيد قال : قيل للأحنف بن قيس : بم سدت قومك ؟ وأراد عيبه ، فقال الأحنف : بتركي من أمرك ما لا يعنيني ، كما عناك من أمري ما لا يعنيك .



    تأديب حكيم وتعليم عاقل عليم

    وروينا منه بحديث محمد بن يونس ، انا الأصمعي ، عن أبي عمرو بن العلاء وعن أبيه قالا : قال الأحنف بن قيس : ما دخلت بين اثنين قط حتى يكونا هما يدخلاني في أمرهما ، ولا أقمت من مجلس قط ، ولا حجبت عن باب قط ، ولا رددت عن حاجة قط .

    قيل له : ولم ؟ قال : لأني لا أطلب المحال .




    “ 165 “



    استمالة حكيم عفو سلطان حليم

    وروينا من حديث عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة قال : حدثنا الرياشي قال : أخذ بعض الأمراء رجلا فقال له : إن عاقبت جازيت ، وإن عفوت أحسنت ، والعفو أقرب .

    وصية محكمة وموعظة منظمة

    وروينا من حديث إبراهيم الشيعي قال :



    وأنشدني الرياشي لأبي العتاهية :

    ألا إن خير الدهر خيرا تنيله * وشرّ كلام القائلين فضوله

    ألم تر أن المرء في دار بلغة * إلى غيرها والموت فيها سبيله

    وأي بلاغ يكتفي بكثيره * إذا كان لا يكفيك منه قليله

    مضاجع سكان القبور مضاجع * يفارق فيهنّ الخليل خليله

    تزوّد من الدنيا بزاد من التّقى * فكلّ بها ضيف وشيك رحيله

    وخذ للمنايا لا أبا لك عدّة * فإن المنايا من أتت لا تقيله

    وما حادثات الدهر إلا لعزّة * تبثّ قواها أو لملك تزيله



    ومن ذلك بالإسناد لأبي العتاهية :

    عيب ابن آدم ما علمت كثير * ومجيئه وذهابه تغرير

    غرّتك نفسك للحياة محبّة * والموت حقّ والبقاء يسير

    لا تغبط الدنيا فإن جميع ما * فيها يسير لو علمت حقير

    يا ساكن الدنيا ألم تر زهرة * الدنيا على الأيام كيف تصير ؟

    بل ما بدا لك أن تنال من الغنى * إن أنت لم تقنع فأنت فقير

    يا جامع المال الكثير لغيره * إن الصغير من الذنوب كبير

    هل في يديك من الحوادث قوة * أم هل عليك من المنون خفير

    ما ذا تقول إذا رحلت إلى البلا * وإذا خلا بك منكر ونكير



    خلق كريم مع ذي ذمة ذميم

    روينا من حديث أبي حصين ، قال : نزل يهودي بأعرابي فمات عنده ، فقام الأعرابي فصلى عليه ، وقال : اللهم ضيف ، وقد علمت حق الضيف ، فأمهلنا إلى أن يقضي زمامه ، ثم شأنك به .

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 09:25