..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة 5: الرجال المسلمون يظلمون النساء من خلال تعدد الزوجات ـ د.نضير خان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty10/11/2024, 21:08 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty10/11/2024, 21:05 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty10/11/2024, 21:02 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty10/11/2024, 20:59 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty10/11/2024, 20:54 من طرف Admin

» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty10/11/2024, 20:05 من طرف Admin

» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty9/11/2024, 17:10 من طرف Admin

» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty9/11/2024, 17:04 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty9/11/2024, 16:59 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty9/11/2024, 16:57 من طرف Admin

» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty7/11/2024, 09:30 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty19/10/2024, 11:12 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty19/10/2024, 11:10 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty19/10/2024, 11:06 من طرف Admin

» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty19/10/2024, 11:00 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68501
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 15

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:52

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 15
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 222 “

    الزبير بالسيف ، فولى حرب يعدو هاربا حتى دخل دار عبد المطلب ، فقال : أجرني من الزبير ، فألقى عليه عبد المطلب جفنة كان هاشم يطعم فيها الناس ، فبقي تحتها ، ثم قال له : اخرج ، فقال : وكيف أخرج وعلى بابك تسعة من ولدك قد اجتذبوا السيوف ؟ فألقى عليه رداء كان كساه إياه سيف بن ذي يزن له طرّتان خضراوتان ، فخرج عليهم ، فعلموا أنه قد أجاره ، فتفرقوا عنه .
    روينا من حديث ابن عباس رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « لا تفخروا بآبائكم في الجاهلية ، فوالذي نفسي بيده لما يدحرج العجل برجله خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية » ، أخذها القطب المطهّر واعظ العجم ، وكان بليغا في اللسان الفارسي ، فوعظ الناس يوما ، فقام إليه بعض الناس فقال : أيها الواعظ ، أنت خير أم الكلب ؟ قال :
    فأطرق ساعة واستعبر ، وكان صالحا فقال : يا أخي ، أما إني إن فزت بالجنة ونجوت من النار فأنا خير من الكلب ، وإن كان غير ذلك فالكلب خير مني . أخبرني بهذه الحكاية تلميذه صاحبنا مجد الدين أبو إبراهيم إسحاق بن محمد بن يوسف القونوي .

    وكان الحسن بن أبي إسحاق البصري يقول : يا ابن آدم ، لم تفتخر وإنما خرجت من سبيل البول نطفة تنسحب بأقذار ؟ قال بعض الحكماء ، وكان من الصالحين لرجل آخر يفتخر : أيفتخر من أوّله نطفة مذرة ، وآخره جيفة قذرة ، وهو فيما بينهما وعاء عذرة ؟
    وأنشدنا ابن البطين لعليّ بن أبي طالب القيرواني ، وقيل : لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه :
    الناس من جهة التمثل أكفاء * أبوهم آدم والأم حواء
    ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم * على الهدى لمن استهدى أدلاء
    وقدر كل امرئ ما كان يحسنه * والجاهلون لأهل العلم أعداء
    وكان أبي كثيرا ما ينشد :
    الحمد للّه ليس الرزق بالطلب * ولا العطايا على فهم ولا أدب
    إن قدّر اللّه شيئا كنت نائله * وليس ينفعني حرصي ولا نصيبي
    وخطب بعض الخلفاء وقد خطر له حسن الظن باللّه تعالى فقال : الحمد للّه الذي أنقذني من ناره بخلافته .
    ومن حسن كلام الحجاج أن كان ينفعه ذلك وقد أشاع موته بعض من يكرهه ، قال الناس يوم مات الحجاج : مات الحجاج ، فقال : مه ، ما أرجو الخير كله إلا بعد الموت ، واللّه ما رضي البقاء إلا لأهون الخلق عليه إبليس ، إذ قال : رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *



    “ 223 “

    قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * أطمع الحجاج في ربه حسن ظنه به واتساع عفوه وكرمه .

    شعر
    تعاظمني ذنبي فلما قرنته * بعفوك ربي كان عفوك أعظما
    وقال الآخر :
    ذنبي إليك عظيم * وأنت أعظم منه
    وحديث السجلّاتي ، وهو الرجل الذي ذكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه ينشر له يوم القيامة تسعة وتسعون سجلا ، كل سجل مدّ البصر ليس فيها خير قط إلا كلمة التوحيد ، فألقاها اللّه له في كفة ، والسجلّات في كفة ، فثقلت كلمة التوحيد ، وطاشت السجلات ، فدخل الجنة ، وهذا بلا شك أعظم ذنوبا من الحجاج ، فكيف لا يطمح الحجاج وكان من الذين خلطوا ؟

    وروينا من حديث أنس بن مالك قال : دخلنا على قوم من الأنصار وفيهم فتى عليل ، فلم نخرج من عندهم حتى قضى نحبه ، فإذا عجوز عند رأسه ، فالتفت إليها بعض القوم فقال : استسلمي لأمر اللّه واحتسبي ، قالت : أمات ابني ؟ قال : نعم ، قالت : أحق ما يقوله ؟
    قلنا : نعم ، فمدت يدها إلى السماء وقالت : اللهم إنك تعلم أني أسلمت لك ، وهاجرت إلى نبيك محمد صلى اللّه عليه وسلم رجاء أن تعينني عند كل شدة ، فلا تحملني هذه المصيبة اليوم ، قال :
    فكشف ابنها الذي سجيناه عن وجهه ، وما برحنا حتى طعم وشرب ، وطعمنا وشربنا معه .
    في الكتاب الأول يقول اللّه تعالى : يا ابن آدم ، أحدث لك سفرا ، أحدث لك رزقا .

    قال الكميت : ولن تريح هموم النفس إن حضرت حاجات مثلك إلا الرجل والجمل .
    وجد في بعض خزائن ملوك فارس لوح من حجارة مكتوب عليه : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإن موسى عليه السلام خرج يقتبس نارا فنودي بالنبوّة .

    روينا من حديث الأصمعي قال : حججت مرة فإذا أعرابي قد كوّر عمامته على رأسه ، وقد تنكّب قوسا ، فصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إنما الدنيا دار ممر ، والآخرة دار مقر ، فخذوا من ممركم لمقركم ، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم .

    “ 224 “

    أما بعد ، فإنه لن يستقبل أحد يوما من عمره إلا بفراق آخر من أجله ، فاستعملوا لأنفسكم لما تقدمون عليه لا لم تظعنون عنه ، وراقبوا من ترجعون إليه ، فإنه لا قوي أقوى من خالق ، ولا ضعيف أضعف من مخلوق ، ولا مهرب من اللّه إلا إليه ، وكيف يهرب من يتقلّب في يدي طالبه ؟ وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ * .
    وروينا من حديث ابن ودعان ، حدثنا الحسن بن محمد الصيرفي ، نبأ أبو بكر بن محمد بن قاسم ، نبأ إسماعيل بن إسحاق ، نبأ نصر بن علي ، عن الأصمعي ، عن أبي عمرو ، عن عيسى بن عمير ، عن معاوية أنه قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في خطبة أحد العيدين : « الدنيا دار بلاء ومنزل قلعة وعناء ، نزعت عنها نفوس السعداء ، وانتزعت بالكره من أيدي الأشقياء ، وأسعد الناس بها أرغبهم عنها ، وأشقاهم بها أرغبهم فيها ، هي الغاشّة لمن استنصحها ، والمغوية لمن أطاعها ، والجائرة لمن انقادها ، والفائز من أعرض عنها ، والهالك من هوى فيها ، طوبى لعبد اتقى فيها ربه ، وناصح نفسه ، وقدّم توبته ، وأخّر شهوته ، من قبل أن تلفظه الدنيا إلى الآخرة فيصبح في بطن مقفرة موحشة غبراء مدلهمة ظلماء ، لا يستطيع أن يزيد في حسنة ، ولا ينقص من سيئة ، ثم ينشر فيحشر ، إما إلى جنة يدوم نعيمها ، أو نار لا ينفكّ عذابها » .
    لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز جزع عليه أبوه جزعا شديدا ، فقال ذات يوم لمن حضر : هل من منشد شعر يعزّيني به أو واعط يخفّف عني فأتسلى به ؟ فقال رجل من أهل الشام : يا أمير المؤمنين ، كل خليل مفارق خليله بأن يموت أو بأن يذهب ، فتبسم عمر وقال : مصيبتي فيك زادتني مصيبة .
    وفي الكتاب الأول أن اللّه تعالى يقول : يا عبدي ، إن رضيت حكمي واليتك ، وإن اتقيتني قربتك ، وإن استحييت مني أكرمتك ، وإن توكلت عليّ صدقا كفيتك ، وإن ظلمت نفسك بمعصيتي عاقبتك . أنت بيدك جرحت فؤادك لما بلغت من المعصية مرادك ، أما علمت أنك لما نزعت لباس التقوى عرضت نفسك للمحن والبلوى ؟
    ومن كلام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : الدنيا دار صدق ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، مسجد أنبياء اللّه ، ومهبط وحيه ، ومصلى ملائكته ، ومتجر أوليائه ، يكسبون فيها الرحمة ، ويرجون فيها الجنة ، فمن ذا يذمها وقد أذنت بنعيها ، ونادت بفراقها ، ونعت نفسها ، وشوقت بسرورها إلى السرور ، وببلائها إلى البلاء ، تخويفا وتحذيرا وترغيبا وترهيبا . فيا أيها الذامّ للدنيا ، والمفتتن بغرورها ، متى غرتك بمصارع



    “ 225 “

    آبائك من البلا ؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ، كم تملكت بكفيك وكم مرضت بيديك ؟
    تبتغي لهم الدواء ، وتستوصف لهم الأطباء ، وتلتمس لهم الشفاء ، لم تنفعهم بطلبتك ، ولم تشفعهم بشفاعتك ، ولم تستشفعهم باستشفائك ، تظنك مثلت لهم الدنيا بمصرعك ومضجعك حيث لا ينفعك بكاؤك ، ولا يغني أحباؤك . ثم التفت إلى قبور هناك وقال : يا أيها الثروة والعز ، الأزواج قد نكحت ، والأموال قد قسمت والدّور قد سكنت ، هذا خير ما عندنا ، فما خير ما عندكم ؟ ثم قال لمن حضر : واللّه لو أذن لهم لأجابوكم بأن خير الزاد التقوى .

    ثم أنشد :
    ما أحسن الدنيا وإقبالها * إذا أطاع للّه من نالها
    من لم يواس الناس من فضلها * عرّض للإدبار إقبالها
    وروينا من حديث الخطابي ، قال : حدثني الخلديّ موسى بن هارون ، عن هدية بن خالد ، عن حزام القطعيّ ، قال : سمعت الحسن يقول : المداراة نصف العقل ، وأنا أقول :
    هو العقل كله .
    وقال محمد ابن الحنفيّة : ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لم يجد من معاشرته بدا حتى يجعل اللّه له فرجا ومخرجا .

    وروينا من حديث الخطابيّ ، قال : انا محمد بن هاشم ، عن الديريّ ، عن عبد الرزاق ، عن ثابت بن رافع قال : أخبرني شيخ من أهل صنعاء يقال له أبو عبد اللّه ، قال :
    سمعت وهب بن منبّه يقول : إني وجدت من حكمة آل داود : حق على العالم أن لا يشتغل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يصادقونه على عيوبه وينصحونه في نفسه ، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذّاتها فيما يحلّ ويحمد ، فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات ، والاستجمام للقلوب ، وفضل وبلغة ، وعلى العاقل أن يكون عارفا بزمانه ، ممسكا للسانه ، مقبلا على شأنه .

    وأنشدنا محمد الكتانيّ لبعضهم :
    عليك بالقصد لا تطلب مكاثرة * فالقصد أفضل شيء أنت طالبه
    واقنع بمالك لا تحسد أخا نشب * فعن قليل يردّ المال واهبه
    فالمرء يفرح بالدنيا وبهجتها * ولا يفكر ما كانت عواقبه
    حتى إذا ذهبت عنه وفارقها * تبين الغبن فاشتدت مصائبه



    “ 226 “

    وصار يروي بأن لو كان ذا عدم * ولم يكن عظمت فيها مكاسبه
    وأنشدنا أيضا لبعضهم :
    يا من تخلّف عن محل نجاته * متشاغلا باللهو والعصيان
    كفّر بحزنك في مقامي ما مضى * واندب فهذا موقف الأحزان
    واذر الدموع على الخدود بحسرة * لتنال عفو الواحد المنّان
    وروينا من حديث محمد بن سلامة ، انا موسى الكاتب ، قال : أخبرنا ابن دريد ، انا عبد اللّه الرياشي ، وأبو حاتم ، عن الأصمعي ، قال : رأيت أعرابيا وقد وضع يده على الكعبة وهو يقول : يا رب سائلك عبد ببابك ، قد مضت أيامه ، وبقيت آثامه ، وانقطعت شهوته ، وبقيت تبعته ، فارض عني ، واعف عني ، فإنما يعفى عن الجاني ، ويثاب المحسن ، وأنت أفضل من عفوت ، وأكرم من رجوت .

    ولنا من اللطائف والإرشادات العلوية :
    غادروني بالأثيل والنقا * أسكب الدمع وأشكو الحرقا
    بابي من ذبت فيه كمدا * بابي من متّ منه فرقا
    حمرة الخجلة في وجنته * وضح الصبح يناغي الشفقا
    قوّض الصبر وطلب الأسى * وأما ما بين هذين لقا
    من لبثّي من لحزني دلّني * من لوجدي من لصبّ عشقا
    كلما صنت تباريح الهوى * فضح الدمع الجوى والأرقا
    فإذا قلت هبوا إليّ نظرة * قيل ما تمنع إلا شفقا
    ما عسى تغنيك منهم نظرة * هي إلا لمح برق برقا
    لست أنسى إذ حدا الحادي بهم * يطلب البين ويبغي إلا برقا
    نعقت أغربة البين بهم * لا رعى اللّه غرابا نعقا
    ما غراب البين إلا جمل * سار بالأحباب نصا عنقا
    وروينا من حديث أبي داود سليمان بن الأشعث قال : مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن مائة ألف صاحب كلهم روي عنهم حديث .

    روينا من حديث ابن باكويه ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى القرشي ، حدثنا أبو الأشهب السائح قال : بينما أنا أطوف إذا نحن بجويرية قد تعلقت بأستار الكعبة وهي تقول : يا وحشتي بعد الأنس ، ويا ذلتي بعد العز ، ويا فقري بعد الغنى ، فقلت لها : ما لك ؟ أذهب لك مال ؟ أو أصبت مصيبة ؟ قالت : لا ، ولكن كان لي قلب فقدته ، قلت :



    “ 227 “

    وهذه مصيبة ؟ قالت : وأي مصيبة أعظم من فقد القلوب وانقطاعها عن المحبوب ؟ فقلت لها : إن حسن صوتك قد عطّل على سامعيه الطواف ، قالت : يا شيخ ، البيت بيتك أم بيته ؟
    قلت : بل بيته ، قالت : فالحرم حرمك أم حرمه ؟ قلت : حرمه ، قالت : فدعنا نتدلل عليه على قدر ما استزادنا عليه ، ثم قالت : بحبك لي إلا ما رددت عليّ قلبي ، فقلت لها : من أين تعلمين أنه يحبك ؟ قالت : بالعناية القديمة جيّش من أجلي الجيوش ، وأنفق الأموال ، وأخرجني من بلاد الشرك فأدخلني في التوحيد ، وعرّفني نفسي بعد جهلي إياه ، فهل هذه إلا العناية ؟ قلت : كيف حبّك له ؟ قالت : أعظم شيء وأجلّه ، قلت : وتعرفين الحب ؟
    قالت : فإذا جهلت الحب فأي شيء أعرف ؟ قلت : فكيف هو ؟ قالت : هو أرقّ من السراب ، قلت : وأي شيء هو ؟ قالت : عجنت طينته بالحلاوة ، وخمرت في إناء الجلالة ، حلو المجتنى ، ما أقصر ، فإذا أفرط عاد خبلا قاتلا ، وفسادا معضلا ، وهو شجرة غرسها كربة ، ومجتناها لذيذ ، ثم ولّت وأنشأت تقول :
    وذي قلق لا يعرف الصبر والعزا * له مقلة عبرا أضرّ بها البكا
    وجسم عليل من شجا لاعج الهوى * فمن ذا يداوي المستهام من الضنا
    ولا سيما والحب صعب مرامه * إذا عطفت منه عواطف بالفنا

    ولنا في باب الإشارات العلوية :
    ألا يا حمامات الأراكة والبان * ترفقن لا تضعفن بالشجو أشجاني
    ترفقن لا تظهرن بالنوح والبكا * خفي صباباتي ومكنون أحزاني
    أطارحها عند الأصيل وبالضحى * بحنّة مشتاق وأنّة هيمان
    تناوحت الأرواح في غيضة الفضا * فمالت بأفنان عليّ فأفناني
    وجاءت من الشوق المبرّح والجوى * ومن طرق البلوى إليّ بأفنان
    ومن لي بجمع والمحصّب من منى * ومن لي بذات الأثل من لي بنعمان
    تطوف بقلبي ساعة بعد ساعة * بوجد وتبريح وتلثم أركاني
    وكم عهدت أن لا تخون وأقسمت * وليس لمخصوب وفاء بإيمان
    ومن أعجب الأشياء ظبي مبرقع * يشير بعنّاب ويومي بأجفان
    ومرعاه ما بين الترائب والحشا * ويا عجب من روضة وسط نيران
    لقد صار قلبي قابلا كل صورة * فمرعى لغزلان ودير لرهبان
    وبيت لأوثان وكعبة طائف * وألواح توراة ومصحف قرآن
    أدين بدين الحبّ أنّى توجهت * ركائبه فالدين ديني وإيماني
    لنا أسوة في بشر هند وأختها * وقيس وليلى ثم ميّ وغيلان

    “ 228 “

    ولنا أيضا في هذا الباب :
    أطارح كل هاتفة بأيك * على فنن بأفنان الشجون
    فتبكي إلفها من غير دمع * ودمع العين يهمل من جفوني
    أقول لها وقد سمحت جفوني * بأدمعها تخبر عن شئوني
    أعندك بالذي أهواه علم * وهل قالوا بأفياء الغصون

    وروينا من حديث ابن الأشعث ، قال : ثنا عبد اللّه بن سلمة ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن طلحة ، عن محصن بن عليّ ، عن عوف بن الحارث ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم راح فوجد الناس قد صلّوا أعطاه اللّه مثل أجر من صلّاها وحضرها ، لا ينقص ذلك شيئا من أجرهم » .
    ومن بال الترغيب في اتّباع السّنّة ، روينا من حديث أبي داود ، عن عبيد اللّه بن مسعود ، نبأ عمي عن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي اللّه عنها ، قالت : إن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه ، فقال : « يا عثمان ، أرغبت عن سنّتي ؟ » ، قال : لا واللّه يا رسول اللّه ، ولكن سنّتك أطلب ، قال : « فأنا أنام ، وأصلي ، وأصوم ، وأفطر ، وأنكح النساء . يا عثمان ، إن لعينك عليك حقا ، وإن لضيفك عليك حقا ، وإن لنفسك عليك حقا ، فصم ، وأفطر ، وصلّ ، ونم "
    .
    حديث بناء قريش الكعبة
    روينا من حديث الأزرقي ، قال : حدثني جدي ، نبأ مسلم بن خالد الزنجي ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، قال : جلس رجال من قريش في المسجد الحرام ، فيهم حويطب بن عبد العزيز ، ومخزمة بن نوفل ، فتذاكروا بنيان قريش الكعبة ، وما هاجهم عن ذلك ، وذكروا كيف كان بناؤها قبل ذلك ، قالوا : كانت الكعبة مبنية برضم يابس ليس بمدد ، وكان بابها بالأرض ، ولم يكن لها سقف ، والكسوة إنما تدلى على الجدر من خارج ، وتربط من أعلى الجدر من بطنها بصخور عظام .
    وكان في بطن الكعبة عن يمين من دخلها جبّ يكون فيه ما يهدى للكعبة من مال وغير ذلك ، وإن اللّه تعالى لما سرقت جرهم من ذلك المال مرارا بعث حيّة تحرسه ، فلم تزل حارسة لما في الكعبة ، وكان فيها قرنا كبش إسماعيل عليه السلام الذي فداه اللّه به من الذبح ، فاتفق أن امرأة ذهبت تجمّر الكعبة فطاردت من مجمرتها شرارة فأحرقت كسوتها ، فأضعفت النار حجارتها ، وجاء سيل عظيم ، فدخل البيت ، وصدع حيطانه ، ففزعت

    “ 229 “

    قريش ، وهابت هدمها ، وخشوا إن مسّوها أن ينزل اللّه عليهم عذابا من عنده ، ثم إنهم جمعوا رأيهم على هدمها ، والذي حرّضهم على ذلك وحثّهم عليه أن سفينة للروم انكسرت بالشعيبة ، ساحل مكة قبل جدة ، وكان في تلك السفينة روميّ يحسن البناء والتجارة ، يسمى ما قوم ، فأخذت قريش خشب تلك السفينة ، فكان وجود الصانع والآلات والخشب حثّهم على ذلك ، فأجمعوا وتعاونوا وتوافدوا وربعوا قبائل قريش أربعا ، ثم اقترعوا عند هبل في بطن الكعبة على جوانبها ، فطار قدح بني عبد مناف وبني زهرة على الوجه الذي فيه الباب وهو الشرقي ، وطار قدح بني عبد الدار وبني أسد بن عبد العزّى وبني عدي بن كعب على الشق الذي يلي الحجر وهو الشق الشامي ، وطار قدح بني سهم وبني جمح وبني عامر بن لؤي على ظهر الكعبة وهو الشق الغربي ، وطار قدح بني تميم وبني مخزوم وقبائل من قريش ضموا معهم على الشق اليماني الذي يلي الصفا وأجياد ، فنقلوا الحجارة ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غلام لم ينزل عليه وحي ينقل معهم الحجارة على رقبته ، فبينما هو ينقلها إذ انكشفت نمرة كانت عليه ، فنودي : يا محمد عورتك ، وذلك أول ما نودي واللّه أعلم ، فما رؤيت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عورة بعد ذلك ، وأدرك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفزع حين نودي ، فأخذه العباس بن عبد المطلب فضمه إليه ، وقال : لو جعلت نمرتك على عاتقك تقيك الحجارة ، قال : ما أصابني هذا إلا من التعري ، فشدّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إزاره ، وجعل ينقل معهم ، وكانوا ينقلون بأنفسهم تبررا وتبركا بالكعبة .
    فلما اجتمع إليهم ما يريدون من الحجارة والخشب ما يحتاجون إليه ، وغدوا على هدمها ، فخرجت لهم الحية التي كانت في بطنها تحرسها ، سوداء الظهر ، بياء البطن ، رأسها مثل رأس الجدي ، تمنعهم كلما أرادوا هدمها ، فلما أرادوا ذلك اعتزلوا عند مقام إبراهيم عليه السلام ، وهو يومئذ في مكانه الذي هو فيه اليوم ، فقال لهم الوليد بن المغيرة :
    يا قوم ، ألستم تريدون بهدمها الإصلاح ؟ قالوا : بلى ، قال : فإن اللّه لا يهلك المصلحين .
    ولكن لا تدخلوا في عمارة بيت ربكم إلا من أطيب أموالكم ، لا تدخلوا فيه مالا من ربا ، ولا مالا من ميسر ، ولا مالا من مهر بغيّ ، وجنّبوه الخبيث من أموالكم ، فإن اللّه لا يقبل إلا طيبا . ففعلوا ، ثم وقفوا عند المقام ، فقاموا يدعون ربهم ، ويقولون : اللهم إن كان لك في هدمه رضا فأتمه ، واشغل عنا هدا الثعبان ، فأقبل طائر من جو السماء كهيئة العقاب ، ظهره أسود ، وبطنه أبيض ، ورجلاه صفراوان ، والحية على جدار البيت فاغرة فاها ، فأخذ برأسها ثم طار بها حتى أدخلها أجياد الصغراء .
    فقال الزبير بن عبد المطلب :

    “ 230 “

    عجبت لما تصورت العقاب * إلى الثعبان وهي لها اضطراب
    وقد كانت يكون لها كشيش * وأحيانا يكون لها وثاب
    إذا قمنا إلى التأسيس شدّت * تهيّبنا البناء ولا تهاب
    فلما أن خشينا الزجر جاءت * عقاب بالسكات لها انصباب
    فضمتها إليها ثم خلت * لنا البنيان ليس لها حجاب
    فقمنا حاشدين إلى بناء * لنا منه القواعد والتراب
    غداة نرفع التأسيس منه * وليس على مساوينا ثياب
    أعز به المليك بني لؤي * فليس لأصله منهم ذهاب
    وقد حشدت هناك بنو عدي * ومرة قد تقدمها كلاب
    فبوّأنا المليك بذاك عزّا * وعند اللّه يلتمس الثواب
    فقالت قريش : إنا لنرجو أن يكون اللّه قد رضي عملكم ، وقبل نفقتكم ، فاهدموها ، فهابت قريش هدمه ، فقالوا : من يبدأ فيهدمه ؟ فقال الوليد بن المغيرة : أنا أبدؤكم فأهدمه ، فإني شيخ كبير ، فإن أصابني أمر كان قد دنا أجلي . فعلا البيت ، وفي يده عتلة يهدم بها ، فتزعزع تحت رجله حجر ، فقال : اللهم لم نرع ، إنما أردنا الإصلاح .

    ثم جعل يهدمها حجرا حجرا بالعتلة ، فهدم يومه ذلك ، فقالت قريش : نخاف أن ينزل به العذاب مساء ، فلما أمسى لم ير بأسا ، فأصبح الوليد على عمله ، فهدمت قريش معه حتى بلغوا الأساس الأول الذي وضعته الملائكة ، وهو الذي رفع عليه إبراهيم القواعد من البيت ، وهي حجارة كبار كالإبل الخلّف ، يحرك الحجر منها فترتج جوانبها ، وقد تشبكت بعضها ببعض ، فأدخل الوليد عتلة بين الحجرين ، فانفلقت منه فلقة ، فأخذها أبو وهب بن عمرو بن عمران بن مخزوم ، ففرت من يده حتى عادت في مكانها ، وطارت من تحتها برقة كادت تخطف أبصارهم ، ورجفت مكة بأسرها ، فلما رأوا ذلك أمسكوا عن أن ينظروا ما تحت ذلك ، فلما جمعوا ما أخرجوا من النفقة ، قلّت النفقة أن تبلغ عمارة البيت ، فتشاوروا في ذلك ، فأجمعوا رأيهم على أن يقتصروا على القواعد ، ويحجروا ما يقفون عليه من بناء البيت ، ويتركوا بقيته في الحجر عليه جدار مدار ، ويطوّفون الناس من ورائه ، ففعلوا ذلك ، وبنوا في بطن الكعبة أساسا يبنون عليه من شق الحجر ، وتركوا من البيت في الحجر سنة أذرع وشبرا ، فبنوا على ذلك .
    فلما وضعوا أيديهم في بنائها قالوا : ارفعوا بابها من الأرض ، واكسوها حتى لا يدخلها السيول ، ولا ترقى إلا بسلّم ، ولا يدخلها إلا من أردتم .

    “ 231 “

    ففعلوا ذلك ، وبنوها بساف من حجارة ، وساف من خشب بين الحجارة ، حتى انتهوا إلى موضع الركن ، فاختلفوا في وضعه ، وكثر الكلام فيه ، وتنافسوا في ذلك .
    فقالت بنو عبد مناف وزهرة : هو في الشق الذي وقع لنا ، وقالت تميم ومخزوم : هو في الشق الذي وقع لنا ، وقالت سائر القبائل : لم يكن الركن ممن استهمنا عليه ، فقال أبو أمية بن المغيرة : يا قوم ، إنما أردنا البرّ ، ولم نرد الشر ، ولا تحاسدوا ، ولا تنافسوا ، فإنكم إذا اختلفتم تشتت أمركم ، وطمع فيكم غيركم ، ولكن حكّموا بينكم أول من يطلع عليكم من هذا الفجّ
    .
    قالوا : رضينا وسلمنا . فطلع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا : هذا الأمين وقد رضينا به ، فحكّموه ، فبسط رداءه ثم وضع فيه الركن ، فدعا من كل ربع رجلا ، فأخذوا أطراف الرداء ، وكان في الرّبع الأول عبد مناف بن عتبة بن ربيعة ، وكان في الرّبع الثاني أبو زمعة الأسود وكان أسنّ القوم ، وكان في الرّبع الثالث العاص بن وائل ، وفي الرّبع الرابع أبو حذيفة بن المغيرة ، فرفع القوم الركن ، وقام النبي صلى اللّه عليه وسلم على الجدار ، ثم وضعه عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة ، وذهب رجل من أهل نجد ليناول النبي صلى اللّه عليه وسلم حجرا يشدّ به الركن ، فنحى النبي صلى اللّه عليه وسلم الرجل النجدي ، فغضب النجدي حيث نحي .
    فقال النجدي : وا عجبا لقوم أهل شرف وعقل وسن وأموال ، عمدوا إلى أصغرهم سنا وأقلهم مالا فرأسوه عليهم في مكرمتهم وحرزهم ، كأنهم خدم له ، أما واللّه ليفوتنهم سبقا ، وليقمن عليهم حظوظا وحدودا ، وإن ذلك النجدي كان إبليس لعنه اللّه ، ثم بنوا حتى بنوا أربعة أذرع ، ثم كسوها ، وبنوا حتى بلغ ارتفاع البيت ثمانية عشر ذراعا ، زادوا التسعة أذرع على بناء إبراهيم ، وجعلوا سقفها مسطحا ، وأقاموا سقفه على ستة دعائم في صفين ، وبنوا درجة من خشب في بطنها من الركن الشامي ، يصعد بها إلى سقف البيت ، وزوّقوا البيت ، وصوّروا الأنبياء والشجر والملائكة ، وجعلوا لها بابا واحدا وكسوها من الحبرات اليمانية .

    روينا من حديث الخطابي قال : أخبرني أبو الطيب طبطب الوراق ، عن محمد بن يوسف النحوي قال : حدثني بعض مشايخنا قال : ركبت في سفينة ومعنا شاب من العلوية ، فمكث معنا سبعا لم نسمع له كلاما ، فقلنا له : يا هذا ، قد جمعنا اللّه وإيّاك منذ سبع لا نراك تخالطنا ، ولا نراك تكلمنا ، فأنشأ يقول :
    قليل الهمّ لا ولد يموت * ولا أمر يحاذر أن يفوت
    قضى وطر الصّبا فأفاد علما * فغايته التفرّد والسكوت



    “ 232 “

    واقعة لبعض الفقراء
    أخبرني صاحبي أبو محمد عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي قال : رأى بعض الفقراء في واقعة أبا مدين وأبا حامد الغزالي ، فسأل أبو حامد الشيخ أبا مدين عن سرّ معرفته ومحبته ، فقال له أبو مدين : المحبة مركبي ، والمعرفة مذهبي ، والتوحيد وصولي ، للمحبة سرّ لا يكشف ، وإدراكات لا يعبّر عنها ، ولا يوصف سرّها ، ومنبعها وفيّ ، وأصلها الجود العليّ ، فهي للخواص سنّة مسنونة ، دلّ على ذلك قوله تعالى : يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ . فالمعرفة يا أخي فخري ، وهي قاعدة سري وأمري ، ثمرتها التوحيد ، ومنها وفيها يكون المزيد ، فالتوحيد أصل ، وما سواه فرع ، وهو غاية المقامات ونهاية الأحوال ، وما ذا بعد الحق إلا الضلال ؟
    ثم سأله عن تنزيهه ، فقال : نزّهت الحق بما نزّه به نفسه ، وحمدته حمد من به قدسه ، ومجّدته تمجيد من كان معناه وحسّه ، فهو المحرّك للظواهر ، ومعلن العلانية ، ومسرّ السرائر ، فسرّه لسرّي لاح ، وتحفه تغمرني في المساء والصباح ، إن نظرته وجدته معي ، وإن تحققته كان بصري ومسمعي ، فهو الممدّ لوجودي ، ومقلّب قلبي ، وناصر وجودي ، فحياتي بحياته ظاهرة ، وصفاتي بصفاته مطهرة ، وخلقي بأخلاقه متخلّقة ، أمدّني بتوحيده ، وملأ ظاهري وباطني بجلاله وتمجيده .
    ثم قال : يا واحد يا أحد ، يا فرد يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ، جمّل ناظري بالنظر إليك غدا .
    وحدثنا عبد الرحمن بن عليّ ، أنبأ أبو سعيد البغدادي ، عن أبي العباس الظهرانيّ ، وأبو عمرو بن منبّه ، قالا : حدثنا ابن بوه ، عن أبي الحسن اللبياني ، عن أبي بكر القرشي ، عن أبي حاتم الرازي ، عن أحمد بن عبد اللّه بن عياض ، عن عبد الرحمن بن كامل ، عن علوان بن داود ، عن علي بن زيد ، قال : قال طاوس : بينما أنا بمكة إذ بعث إليّ الحجاج بن يوسف فأجلسني إلى جنبه ، وأتكأني على وسادته ، إذ سمع ملبّيا يلبّي حول البيت رافعا يديه فقال : عليّ بالرجل ، فأتي به ، فقال : ممن الرجل ؟ قال : من المسلمين ، قال : ليس عن الإسلام سألت ، قال : فعمّ سألت ؟ قال : سألتك عن البلد ، قال : من أهل اليمن ، قال : كيف تركت محمد بن يوسف ؟ يريد أخاه ، قال : تركته عظيما جسيما لباسا ركّابا خرّاجا ولّاجا . قال : ليس عن هذا سألت . قال : فعمّ سألت ؟ قال : سألتك عن سيرته . قال : تركته ظلوما غشوما مطيعا للمخلوق عاصيا للخالق . فقال له الحجاج : ما حملك على هذا على أن تتكلم به وأنت تعلم مكانه مني ؟ قال الرجل : أتراه بمكانه منك أعز



    “ 233 “

    مني بمكانه من اللّه عز وجل ، وأنا وافد بيته ، ومصد نبيّه ، وقاضي دينه ؟ فسكت الحجاج ، وقام الرجل من غير أن يؤذن له . قال طاوس : فقمت في أثره وقلت : الرجل حكيم ، فأتى البيت وتعلّق بأستاره ثم قال : اللهم بك أعوذ ، وبك ألوذ ، اللهم اجعل لي في الكهف إلى وجودك ، والرضى لضمانك مندوحة ، عن منع الباخلين ، غنى عمّا في أيدي المستأثرين .
    اللهم فرجك القريب ، ومعروفك القديم ، وعادتك الحسنة . ثم ذهب في الناس ، فرأيته عشية عرفة وهو يقول : اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي ، فلا تحرمني الأجر على مصيبتي بتركك القبول مني . ثم ذهب في الناس ، فرأيته غداة جمع يقول : وا سوأتاه منك ، واللّه وأن عفوت . يردّد ذلك مرارا .
    حدثنا أبو الحسن بن الصائغ بسبتة قال : سمعت أبا عبد اللّه محمد بن رزق ، وكان صاحب رواية وعلم ، يقول : مررت يوما في سياحتي بجبل فرأيت رجلا ساجدا يتضرّع ويبكي ، فقلت : هذا رجل سائح متبتل إلى اللّه عز وجل ، أدنو منه فأسمع ما يقول في سجوده . فدنوت منه بلطف ، فسمعته يقول : اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك ، صن يدي عن مدّها إلى غيرك . قال ابن رزق : فلزمت هذا الدعاء ، فرأيت له بركة عظيمة .
    وبالإسناد قال ابن رزق : مررت بمسجد بفلاة من الأرض في سياحتي ، فدخلت لأركع فيه ركعتين ، فوجدت فيه قلبي ، فأقمت فيه عامين أتعبد اللّه تعالى .

    خبر سلمان الفارسي وإسلامه
    روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، نبأ محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، وحدثنا أيضا أبو عمرو بن عمران ، نبأ الحسن بن سفيان ، قالا : حدثنا مسروق بن المرزبان الكندي عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا عاصم بن عمرو بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان فيه ، قال : كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي ، وكان أبي دهقان في قريته ، وكنت من أحبّ الخلق إليه ، فما زال حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تحبس الجارية ، وكنت قد اجتهدت مع المجوسية حتى كنت فطن النار أوقدها ، لا أتركها تخبو ساعة ، اجتهادا في ديني ، وكان لأبي ضيعة في عمله ، وكان يعالج بيتا له في داره ، فدعاني فقال : أي بني ، إنه قد شغلني بنياني كما ترى ، فانطلق إلى ضيعتي هذه ، ولا تحتبس عليّ فإنك إن احتبست عليّ كنت أهمّ إليّ من ضيعتي ومن كل شيء ، وشغلتني عن كل شيء من أمري . قال : فخرجت أريد الضيعة التي بعثني إليها ، فمررت بكنيسة من

    “ 234 “

    كنائس النصارى فسمعت أصواتهم وهم يصلّون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يفعلون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم ، فقلت : واللّه هذا خير من الدين الذي نحن عليه ، فو اللّه ما برحتهم حتى غابت الشمس ، وتركت ضيعة أبي فلم آتها ، ثم قلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام ، قال : ثم رجعت إلى أبي ، وقد بعث في طلبي ، فشغلته عن عمله كله ، فلما جئته قال : يا بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قال : قلت : يا أبي ، مررت بناس يصلّون في كنيسة لهم ، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فو اللّه ما زلت عندهم حتى غربت الشمس . قال : أي بني ، ليس في ذلك الدين خير ، بل دينك ودين آبائك خير ، قلت : كلا واللّه إنه لخير من ديننا . قال : فخافني ، وجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيتي .

    قال : وبعثت إلى النصارى فقلت : إن قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني . قال :
    فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى . قال : فأخبروني . قال : قلت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم أعلموني بهم . قال : فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام . قلت : من أفضل هذا الدين علما ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة . قال : فجئته فأعلمته أني قد رغبت في هذا الدين ، وأكون معك أخدمك في كنيستك ، وأتعلم منك ، وأصلي معك . قال : فافعل وادخل ، فدخلت معه ، قال : فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ، ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا له شيئا كنزه لنفسه ، ولم يعط المساكين منها شيئا .
    قال : فما لبث أن مات فعرّفت النصارى بأمره ، قالوا : وما علمك ذلك ؟ قلت : أنا أدلكم على كنزه . قال : فأريتهم موضعه . قال : فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وفضة وورقا . فلما رأوها قالوا : واللّه لا ندفنه ، وصلبوه ، ثم رموه بالحجارة ، ثم جاءوا برجل آخر ، فجعلوه مكانه . قال : فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه ، وأزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة ، والآداب ، ليلا ونهارا . قال : فأحببته حبا لم أحب شيئا كان مثله ، فأقمت معه زمانا ، ثم حضرته الوفاة .

    قال : قلت له : يا فلان ، إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحب شيئا كان قبلك مثله ، وقد حضرك ما ترى من أمر اللّه تعالى ، من تأمرني ؟ قال : أي بني ، واللّه ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس ، وبدّلوا كثيرا مما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان ، وهو على ما كنت عليه ، فالحق به . قال : فلما غيب لحقت بصاحب الموصل فقلت : يا فلان ، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على أمره . فقال :

      الوقت/التاريخ الآن هو 12/11/2024, 00:06