الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء العاشر
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 136 “
وأما عثمان بن عفان رضوان اللّه عليه
فكان ممن أنفق ماله على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وفي مصالح المؤمنين ، وفي جيش العسرة ، وبئر رومة ، وفي أيامه حيي الخراج ، وكان يفرّقه على الصحابة حتى استغنى الناس . وجمع القرآن في المصحف ، وكان متفرقا ، وأعانه على ذلك من حضر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وكانت في أيامه فتوحات كثيرة .
وأما علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه
فكانت في أيامه حروب كثيرة ، منها يوم الجمل ، وسار إلى قتال أهل البصرة وهو يوم الجمل في ثلاثين ألفا ، وسار إلى صفّين في خمسة وعشرين ألفا ، وسار إلى النهروان في أربعة عشر ألفا . خرج عليه بعد صفّين عبد اللّه بن عمرو اليشكري في أهل حروراء .
وأما الحسن بن علي رضوان اللّه عليه
فلما سار إلى معاوية ، والتقيا بأرض الأنبار ، نظر إلى العسكرين وأفكر فيما يكون بينهما من القتل ، أحبّ السلامة ، وطلب العافية ، وصلاح الأمة ، وحقن دماء المسلمين .
صالح معاوية ، وسلّم الأمر إليه ، وبايعه ، ودخلا جميعا الكوفة مع عسكريهما . ودفع معاوية إلى الحسن بن علي رضي اللّه عنهما جميع ما أراد من المال وغيره ، وردّه إلى المدينة ، وولي على الكوفة المغيرة بن شعبة الثقفي ، ورجع معاوية إلى الشام بالعسكرين ، وفعل اللّه هذا الصلح تصديقا لقوله صلى اللّه عليه وسلم ، وقد نظر إلى الحسن رضي اللّه عنه : « ابني هذا سيد يصلح اللّه به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » .
ذكر ما روي عن العشرة الذين هم أكابر الصحابة رضي اللّه عنهم من الحديث ما رويناه من
حديث تقي بن مخلد
أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه : روي عنه مائة حديث واثنان وثلاثون حديثا .
عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : روي عنه خمسمائة حديث واثنان وثلاثون حديثا .
عثمان بن عفان رضي اللّه عنه : مائة حديث ، وستة وأربعون حديثا .
علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا .
“ 137 “
سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه : مائتا حديث وأحد وسبعون حديثا .
الزبير بن العوّام رضي اللّه عنه : ثمانية وثلاثون حديثا .
طلحة بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه : ثمانية وثلاثون حديثا .
أبو عبيدة بن الجرّاح رضي اللّه عنه : أربعة عشر حديثا .
عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنه : خمسة وستون حديثا .
سعيد بن زيد بن عمرو بن نوفل رضي اللّه عنه : ثمانية وأربعون حديثا .
ما روى أهل البيت ونساؤه وخدمه ومواليه رضي اللّه عنهم
والسياق ليس على الترتيب ، وإنما هو على حسب ما وقع به الذكر في الوقت .
خديجة أم المؤمنين : حديث واحد .
بنت حمزة بن عبد المطلب : حديث واحد .
عقيل بن أبي طالب : ستة أحاديث .
أنس بن مالك : ألفا حديث ، ومائتا حديث ، وستة وثمانون حديثا .
عائشة أم المؤمنين : ألفا حديث ، ومائتا حديث ، وعشرة أحاديث .
عبد اللّه بن عباس : ألفا حديث ، وستمائة حديث ، وستون حديثا .
أم سلمة أم المؤمنين : ثلاثمائة حديث ، وثمانية وسبعون حديثا .
أسامة بن زيد مولى رسول للّه صلى اللّه عليه وسلم : مائة حديث ، وثمانية وعشرون حديثا .
ميمونة أم المؤمنين : ستة وسبعون حديثا .
ثوبان مولاه صلى اللّه عليه وسلم : مائة حديث ، وثمانية وعشرون حديثا .
أبو رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ثمانية وستون حديثا .
سلمان الفارسي : ستون حديثا .
حفصة أم المؤمنين : ستون حديثا .
أم هانئ بنت أبي طالب : ستة وأربعون حديثا .
العباس بن عبد المطلب : خمسة وثلاثون حديثا .
“ 138 “
عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب : خمسة وعشرون حديثا .
الفضل بن العباس : أربعة وعشرون حديثا .
فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ثمانية عشر حديثا .
شعبة مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أربعة عشر حديثا .
الحسن بن علي : ثلاثة عشر حديثا .
زينب بنت جحش أم المؤمنين : عشرة أحاديث .
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب : أحد عشر حديثا .
صفية أم المؤمنين : عشرة أحاديث .
الحسين بن علي : ثمانية أحاديث .
جويرية أم المؤمنين : سبعة أحاديث .
سلمى مولاه عليه السلام : سبعة أحاديث .
سودة أم المؤمنين : خمسة أحاديث .
زيد بن حارثة مولاه عليه السلام : أربعة أحاديث .
عبيد مولاه صلى اللّه عليه وسلم : ثلاثة أحاديث .
أحمد مولاه صلى اللّه عليه وسلم : ثلاثة أحاديث .
ميمونة بنت أبي لهب : حديثان .
أبو سلمى راعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : حديثان .
مهران ، وكيسا ، وأبو أثيلة ، مواليه عليه السلام : حديث واحد .
روينا من حديث ابن إسحاق بن بشر القرشي ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحّاك بن مزاحم ، عن ابن عباس قال : لما أراد اللّه أن يخلق الخلق ولا خلق ، خلق نورا ، وخلق من ذلك النور ظلمة ، وخلق من تلك الظلمة نورا ، وخلق من ذلك النور ياقوتة خضراء غلظها غلظ السبع سماوات والسبع الأرضين وما بينهن ، ثم دعا تلك الياقوتة ، فلما سمعت كلام اللّه عز وجل ذابت الياقوتة فرقا حتى صارت ماء ، فارتقى الماء من دهش تلك المهابة والخوف . ثم خلق الريح ، ثم وضع الماء على متن الريح .
“ 139 “
ثم خلق العرش ، فوضع العرش على الماء ، وخلق للعرش ألف لسان ، لكل لسان ألف لون من التسبيح والتحميد .
وكتب في قباله إني أنا اللّه لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، ومحمد عبدي ورسولي ، فمن آمن برسلي وصدق بوعدي أدخلته جنتي .
ثم خلق الكرسي بعد عرشه بألفي عام من غير الجوهر الذي خلق منه العرش ، والكرسي في جوف العرش كحلقة في وسط فلاة ، والسماوات والأرض في جوف الكرسي كحلقة ملقاة في وسط فلاة .
ثم خلق القلم من نور ، وجعل طوله من السماء إلى الأرض ، فخرّ للّه ساجدا .
ثم خلق اللوح المحفوظ ، فخرّ أيضا ساجدا .
ثم قال لهما : ارفعا رءوسكما ، وخلق ثلاثمائة وستين سنا للقلم يستمد كل سن من ثلاثمائة وستين بحرا من العلوم .
واللوح من زمرّدة خضراء له دفّتان من ياقوتة فقال للقلم : اكتب ، فقال : ما ذا أكتب يا ربي ؟ قال : اكتب في اللوح ، فالقلم يكتب والحق يملي ما هو كائن إلى يوم القيامة .
وفي حديث مجاهد ، عن ابن عباس : أن اللوح من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، حافتاه الدرّ والياقوت ، ودفّتاه ياقوتة حمراء . واللوح في حجر ملك اسمه ماطريون . وللّه في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة .
ومن حديث إسحاق أيضا ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن : ليس شيء عند ربكم من الخلق أقرب إليه من إسرافيل ، وبينه وبين ربه سبعة حجب :
حجاب العزّة ، ثم حجاب الجبروت ، ثم حجاب من نار ، ثم حجاب من غمام ، ثم حجاب من ياقوت ، ثم حجاب من ماء ، ثم حجاب من دخان .
غلظ كل حجاب خمسمائة عام . وإسرافيل دونها يراه بين منكبيه كذا كذا سنة ، ورأسه من تحت العرش ، ورجلاه في تخوم الثرى ، له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ، وجناح من تحته وجناح من فوقه ، قد غشى رأسه وغطى وجهه ، وليس شيء أقرب إلى اللّه عز وجل بعد إسرافيل من ثلاثة :
الرحمة ، وأم الكتاب ، والحكمة .
فالرحمة عن يمينه ، وأم الكتاب عن اليمين الأخرى .
“ 140 “
فإن كلتي يدي اللّه يمين مباركة طيبة والحكمة فيما بين ذلك ، فإذا أراد اللّه أن يقضي قضاء قضاه بعلمه ، ولا يشهده من خلقه أحد حين يحكمه .
خبر قصيّ لما أسنّ وما صنع مع أولاده
روينا من حديث أبي الوليد ، عن جدّه ، عن سعيد ، عن عثمان بن جريج ، وعن ابن إسحاق ، وكل يزيد على صاحبه في حديثه : فلما كبر قصيّ بن كلاب وكان أول ولده عبد الدار ، وكان ولده عبد مناف قد شرف في زمن أبيه ، ذهب شرفه كل مذهب . وعبد الدار وعبد العزّى وبنو قصيّ بها ، لم يبلغوا ولا أحد من فوقهم من قريش ما بلغ عبد مناف من الذكر والشرف والعز ، وكان قصيّ وحنيّ بنت حليل يحبان عبد الدار ، ويرقان عليه ، لما يريان من شرف عبد مناف عليه وهو أصغر منه . فقالت له حنيّ : لا واللّه لا أرضى حتى تخصّ عبد الدار بشيء يلحقه بأخيه . فقال قصيّ : لا واللّه لا لحقته به ، ولأحبونه بذروة الشرف حتى لا يدخل أحد من قريش وغيرها الكعبة إلا بإذنه ، ولا يقضون أمرا ولا يعقدون لواء إلا عنده .
وكان ينظر في العواقب . فأجمع قصيّ على أن يقسم أمور مكة الستة التي فيها الذكر والشرف والعزّ بين ابنيه ، فأعطى عبد الدار السدانة ، وهي الحجابة ، ودار الندوة واللواء ، وأعطى عبد مناف السقاية والرفادة والقيادة ، وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصيّ بن كلاب ، فيصنع به طعاما للحجّاج فيأكله من لم تكن له سعة ولا زاد ، وكان قصي هو الذي فرضه على قريش .
قال لهم : يا معشر قريش ، إنكم جيران اللّه ، وأهل بيته ، وأهل الحرم ، وإن الحجّاج ضيف اللّه ، وزوّار بيته ، وهم أحق ضيف اللّه بالكرامة ، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم ، ففعلوا ، فكانوا يخرجون لذلك كل عام خرجا ، فيدفعون إليه ، فيصنعه طعاما أيام منى ، فاستمر ذلك إلى اليوم .
فلما هلك قصي أقيم أمره في قومه بعد وفاته ، على ما كان عليه في أيام حياته . وولّي عبد الدار ، فلم يزل على أثر أبيه حتى هلك . وجعل عبد الدار الحجابة بعده إلى ابنه عثمان بن عبد الدار ، وجعل دار الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار . فلم يزل بنو عبد مناف بن عبد الدار يلون الندوة دون ولد عبد الدار . فكانت قريش إذا أرادت أن تشاور في أمر فتحها لهم عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ، أو بعض ولده ، أو ولد أخيه .
وكانت الجارية إذا حاضت أدخلت دار الندوة ، ثم يشق عليها بعض ولد عبد مناف بن عبد الدار درعها ، ثم درّعها إياه ، وانقلب بها أهلها فحجبوها . فكان عامر بن هاشم بن عبد
“ 141 “
مناف بن عبد الدار يسمى محيضا . ولم يزل بنو عثمان بن عبد الدار يلون الحجابة دون ولد عبد الدار . ثم وليها عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار . ثم وليها ولده أبو طلحة عبد اللّه بن عبد العزّى بن عبد الدار . ثم وليها ولده من بعده حتى كان فتح مكة ، فقبضها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أيديهم ، وفتح الكعبة ، ودخلها . ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الكعبة مشتملا على المفتاح ، فقال له العباس بن عبد المطلب : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ، أعطنا الحجابة مع السقاية ، فأزل اللّه تعالى على نبيّه : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها . قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : فما سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل تلك الساعة . فتلاها ثم دعا عثمان بن طلحة ، فدفع إليه المفتاح ، وقال : « غيّبوه » . ثم قال :
« خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة اللّه ، فاعملوا فيها بالمعروف خالدة وتالدة لا ينزعها من أيديكم إلا ظالم » . فخرج عثمان بن طلحة إلى هجرته مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، فلم يزل يحجب هو وولد أخيه وهب بن عثمان حتى قدم ولد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، وولده شافع بن طلحة بن أبي طلحة في المدينة ، وكانوا بها دهرا طولا . فلما قدموا حجبوا مع بني عمهم ، فولد أبي طلحة يحجبون جميعا .
وأما اللواء فكان في أيدي عبد الدار كلهم ، يليه منهم ذو السن والشرف في الجاهلية حتى كان يوم أحد ، فقتل عليه من قتل منهم .
وأما السقاية والرفادة والقيادة فلم تزل لعبد مناف بن قصي يقوم بها حتى توفي .
فولى بعده هاشم بن عبد مناف بن قصي السقاية والرفادة ، وولى عبد شمس بن عبد مناف القيادة ، فكان هاشم بن عبد مناف يطعم الناس في كل موسم بما يجتمع عنده من ترافد قريش كان يشتري بما يجتمع عنده رقيقا ، ويأخذ من كل ذبيحة من بدنة أو بقرة أو شاة ، ثم يجمع ذلك كله فيحرر به الدقيق ، ثم يطعمه الحاج . فلم يزل ذلك من أمره حتى أصاب الناس سنة وجدب شديد ، فخرج هاشم بن عبد مناف إلى الشام ، فاشترى بما اجتمع عنده ومن ماله دقيقا وكعكا ، فقدم به مكة في الموسم ، فهشم ذلك الكعك ، ونحر الجزر وطبخه ، وجعله ثريدا ، وأطعم الناس ، وكانوا في مجاعة شديدة ، حتى أشبعهم . فسمّي بذلك هاشم ، وكان اسمه عمرو .
وفي ذلك يقول ابن الزبعرى السهمي :
كانت قريش بيضة فتفلّقت * فالمخّ خالصها لعبد مناف
الرائشين وليس يوجد رائش * والقائلين هلمّ للأضياف
والخالطين غنيّهم بفقيرهم * حتى يعود فقيرهم كالكاف
“ 142 “
والضاربين الكبش بيرق بيضة * والمانعين البيض بالأسياف
عمرو العلا هشم الثريد لمعشر * كانوا بمكة مسنتين عجاف
يعني بعمرو العلا هاشما ، فلم يزل هاشم على ذلك حتى توفي . وكان عبد المطلب يفعل ذلك ، فلما توفي عبد المطلب قام بذلك أبو طالب . وكان عبد المطلب في السقاية يسقي لبن النوق بالعسل في حوض من أدم ، ويشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم . وقام بأمر السقاية بعده العباس .
ومما نظم في معنى قول عمر بن أبي ربيعة :
لبثوا ثلاث منى بمنزل قلعة * فهم على غرض لعمرك ما هم
متجاورين بغير دار إقامة * لو قد أجدر حبلهم لم يندموا
ولهن بالبيت العتيق لبانة * والبيت يعرفهنّ لو يتكلم
لو كان حيا قبلهن ظعائنا * حيّا الحطيم وجوههن وزمزم
ولنا في هذا المعنى :
يا خليليّ ألمّا بالحمى * واطلبا نجدا وذاك العلما
وردا ماء بخيمات اللّوا * واستظلا ظلّها والسّلما
وإذا ما جئتما وادي منى * فالذي قلبي به قد جئتما
أبلغ عني تحيات الهوى * كل من حل به أو أسلما
واسمعا ما ذا يجيئون به * وأخبرا عن دنف القلب بما
يشتكيه من صبابات الهوى * معلنا مستخبرا مستفهما
ومن قول العرجيّ في منى :
الشهر تمّ الحول يتبعه * ما الدّهر إلا الحول والشهر
حدثنا يونس بن يحيى ، نبأ أبو بكر بن أبي منصور ، نبأ أحمد بن محمد البخاري ، أنبأ أبو محمد الجوهري ، نبأ أبو حبويه ، نبأ محمد بن خلف ، قال : قال أبو عمر الشيباني :
لما ظهر بقيس من الجنون ما ظهر ورأى قومه ما ابتلى به ، اجتمعوا إلى أبيه وقالوا به : لو خرجت به إلى مكة فطاف ببيت اللّه عز وجل وزار قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، رجونا أن يرجع عليه عقله . فخرج به أبوه حتى أتى مكة ، فجعل أبوه يطوف به ، ويدعو اللّه له بالعافية ، وقيس يقول :
دعا المحرمون اللّه يستغفرونه * بمكة وهنا أن تمحّى ذنوبها
وناديت أي يا رب أوّل سؤلتي * لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
“ 143 “
فإن أعط ليلى في حياتي لم يتب * إلى اللّه خلق توبة لا أتوبها
حتى إذا كان بمنى نادى مناد من بعض تلك الخيام : يا ليلى ، فخرّ قيس مغشيا عليه ، واجتمع الناس حوله ، ونضحوا على وجهه الماء ، وأبوه يبكي عند رأسه . ثم أفاق وهو يقول :
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى * فهيّج أطراب الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما * أطار بليلى طائرا كان في صدري
أخبرني بعض الأدباء في تلطف محبته ورقّة معناها ، أنه قرب يوما من حيّ ليلى في واد كثير الثلج في زمن البرد ، وهو يأخذ الجليد فيلقيه على فؤاده ، فتذيبه حرارة الفؤاد .
فرآه نسوة من الحي ، فجاء بعض فتيات الحي إلى ليلى فأخبرنها بما رأين من أمر قيس ، فخرجت مسرعة معهن حتى أشرفت عليه وهو على تلك الحالة ، وهو ينادي : ليلى ليلى ، فرمت بنفسها وعانقته وضمّته ، وقالت : أنا بغيتك ، أنا مطلوبك ، أنا قرّة عينك . فنظر إليها وتأوّه ، فكادت الزفرة تحرقها ، وقال لها : إليك عني ، فإن حبك شغلني عنك . وأخذ في ولهه ينادي : ليلى ليلى .
ولنا في هذا المعنى :
شغل المحبّ عن الحبيب بحبّه * هذا يعلّ وذاك ليس يعلّل
لولا الخيال له وبرد وصاله * أضحى بنيران الهوى يتحلل
ولبعض الناس في ذلك :
إذا وجدت أوار الحبّ في كبدي * أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هذا يبرّد برد الماء ظاهره * فمن لحرّ على الأحشاء يتّقد
ثم ولّت في أترابها تطلب الحي خوفا من أهلها ، وهي تقول :
تنفّست الغداة وقد تولّت * وعيسهم معارضة الطريق
فنادوا بالحريق ففاض دمعي * فعادوا بالحريق وبالغريق
ومن باب كتمان الهوى قوله :
باح مجنون عامر بهواه * وكتمت الهوى فمتّ بوجدي
فإذا كان في القيامة نودي * من قتل الهوى تقدمت وحدي
ومن باب النّفر من منى :
غدا النفر فانظر ما يكون من النفر * غدا فرقة الأحباب هل لي من صبر
“ 144 “
غدا يرحل الظبي الغرير بمهجتي * وتبقى قلوب العاشقين على الجمر
فقوم إلى بغداد شدّوا رحيلهم * وقوم إلى الشام وقوم إلى مصر
فإن طلبوا بغداد كنت زميلهم * وإن طلبوا مصرا فيا حبّذا مصر
وإن طلبوا شاما تعللت بالبكا * لعلّهم في الحبّ أن يقبلوا عذري
ومن باب النسيب ، وله وجه في الاعتبار لطيف قوله :
يا ذا الذي حجّ في عهد الصبا فمضى * عنا هلالا ووافى نحونا قمرا
صف المناسك لي كيف انتقلت بها * فلم أقلّب لبدر بعدك البصرا
أمّا الجمار فمن قلبي رميت بها * كما بآخر عمري كنت معتمرا
عن بئر زمزم خبّرني على ظمأ * وإن في فيك منه الريّ والخصرا
وشفع الحجة الأولى بثانية * لكي أقبّل ثغرا قبّل الحجرا
ومن قول ابن المعتزّ :
للّه در منى وما جمعت * وبكا الأحبّة ليلة النّفر
ثم اغتدوا فرقا هنا وهنا * يتلاحظون بأعين الذكر
ما للمضاجع لا تلائمني * وكأن قلبي ليس في صدري
ومن باب النسيب في الطائفات :
قلت لها في الطواف معترضا * لا تستحلّي باللّه سفك دمي
فكان من قولها وقد جعلت * تستر ذاك الشقيق بالعتم
نحن ظباء ولا يحلّ لكم * في الدين صيد الظباء في الحرم
حدثنا موسى بن محمد قال : حجّ رجل أعجمي فيه خير وديانة . فبينما هو في الطواف عن الركن اليماني ، وصوت خلخال من قدم بعض الحسان الطائفات قد وقع في أذنه ، فأثر في قلبه ، فالتفت إلى الشخص ، فخرجت يد من ركن البيت فضربته على عينه التي التفت بها ، فألقتها على خده ،
وسمع عند الضربة صوتا من جدار البيت قائلا يقول :
تطوف إلى بيتنا وتنظر إلى غيرنا ، هذه نظرة بلطمة أفقدناك فيها عينك ، وإن زدت زدنا .
قال : وكانت له امرأة يحبها فتوفيت . قال موسى : ربما لو اعتنى بتاريخ موتها لوجد في تلك الساعة التي نظر فيها ، فعوقب ضعفين : فقد عينه وأهله . قلت لموسى بن محمد :
رأيت أنت الرجل ؟ فأظنه قال : نعم رأيته .
وقال الشريف الرضيّ :
أعاد لي عيد الصفا * جيراننا على منى
“ 145 “
كم كبد معقورة * للعاقرين البدنا
تخفي تباريح الجوى * وقد عنانا ما عنا
وبارق أشيمه * كالطّرف أغنى ورنا
ذكرني الأحباب والذ * كرى تهيج الحزنا
من بطن مرّ والسوى * نور عسفان بنا
وبالعراق وطوى * يا بعد ما لاح لنا
وأنشد ابن هلال :
إلى كم تعدني ليلة بعد ليلة * بخيف منى إذ نام أهل المنازل
قتيل بأرض الشام من غير علّة * تواطت على خديه أيدي الرواحل
يقولون من هذا القتيل الذي نرى * وينظر شذرا من حلال المحامل
ولو عاينوا ما حل في مضمر الحشا * رأوا شخصا مقتولا يلوذ بقاتل
وقال مهيار الديلمي :
وما بنا إلا هوى * حيّ على خيف منى
يا حسن ذاك موقفا * إن كان شيئا حسنا
منى لعيني أن ترى * تلك الثلاث من منى
ومن ريحانة العاشق :
خرس اللسان ولا دموع تنطق * إن الهوى بحشاشتي متعلق
لما رأيت أحبّتي يوم النوى * شط الرحيل بينهم فتفرّقوا
سلطت طوفان الدموع عليهم * وبعثت أنفاسي لكي لا يغرقوا
فتأوّه الحادي وقال لهم قفوا * فبأثركم لا شك من يتعشق
فأجبتهم من تحت صوت باهتا * قامت قيامة عبدكم فترفقوا
ردّوا الصباح لناظري فما أرى * إلا سيوف الموت حولي تبرق
ومن بستان الوامق :
يا قلب من مواطن * لم يرض منها وطنا
ويوم سلع لم يكن * يومي بسلع هيّنا
وقفت أستسقي الظما * فيه وأستشفي الضّنا
وفضحت سرّ الهوى * عيني فصار علنا
ويوم ذي ألبان تبا * يعنا فحزت الغبنا
“ 146 “
كان الغرام المشتري * وكان قلبي الثمنا
وقال جميل بن معمر العدوي :
الحبّ أول ما يكون الحاجة * تأتي به وتسوقه الأقدار
حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى * جاءت أمور لا تطاق كبار
وقال الآخر :
الحبّ أوله حلو وأوسطه * مرّ وآخره التوديع والأجل
ومن باب نوح الحمام :
حمام الأراك ألا خبّرينا * بمن تهتفين ومن تندبينا
لقد شقت ويحك منّا قلوبا * وأذرفت ويحك منا عيونا
تعالي نقم مأتما للفراق * ونندب أحبابنا الظاعنينا
وأسعدك النوح كي تسعدينا * كذاك الحزين يوالي الحزينا
وروينا من حديث ابن باكويه ، عن أبي زرعة الطبري ، عن أبي زرعة الدمشقي ، قال :
خرج علي بن الفتح الحلبي يوما فرأى الناس يتقرّبون إلى اللّه تعالى ، فقال : يا رب ، أرى الناس يتقرّبون إليك بألوان الذبائح وإني تقرّبت إليك بحزني ، ثم غشي عليه ، فأفاق ثم قال : إلهي إلى متى تردّدي في دار الدنيا محزونا ؟ فاقبضني إليك . فوقع من ساعته ميتا .
ولبعضهم في هذا المعنى :
للناس حجّ ولي حج إلى سكني * تهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي
ولنا فيه ، غير أني زدت فيه معنى عرفانيا :
وأهدي عن الغربان نفسا معيبة * وهل ريء خلق بالعيوب تقرّبا
وروينا من حديث أبي بكر أحمد بن الحسن البيهقي ، عن أبي سعيد الماليني ، عن أبي بكر محمد بن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يوسف قال : سمعت أبا ثابت الخطاب يقول : سمعت إبراهيم بن موسى يقول : رأيت فتى صلى يوم عيد الأضحى وقد شمّ روائح اللحوم ، فدخل إلى زقاق ، فسمعته يقول : تقرّب المتقرّبون إليك بقربانهم ، وأنا أتقرّب إليك بطول حزني . يا محبوبي ، كم تتركني في أزقة الدنيا محزونا ؟ ثم غشي عليه ، وحمل إلى منزله ، فدفنّاه بعد ثلاث . هذا هو فتح بن شرف الموصلي من سادات القوم .
شعر :
ضحّى الحبيب بقلبي يوم عيدهم * والناس ضحّوا بمثل الشاء والغنم
إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي * دمي حلال له في الحلّ والحرم
“ 147 “
للناس حجّ ولي حجّ إلى سكني * تهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي
يطوف بالبيت قوم لا بجارحة * بالحب طافوا فأغناهم عن الحرم
يا لائمي لا تلمني في هواه فلو * عاينت منه الذي عاينت لم تلم
ذكر ما رثى به عمات النبي صلى اللّه عليه وسلم أباهن عبد المطلب
روينا من حديث محمد بن إسحاق قال : حدثني العباس بن عبد اللّه بن معبد بن العباس ، عن بعض أهله ، أن عبد المطلب توفي ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ابن ثمان سنين . قال ابن إسحاق ، عن محمد بن سعيد بن المسيب : إن عبد المطلب لما حضرته الوفاة وعلم أنه يموت جمع بناته ، وكنّ ستّ نسوة : صفية ، وبرّة ، وعاتكة ، وأم حكيم البيضاء ، وأميمة ، وأروى . فقال لهن : أبكين عليّ حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت . قال ابن هشام : ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر ، إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيّب كتبناه .
فقالت صفية ابنته تبكيه :
أرقت لصوت نائحة بليل * على رجل بقارعة الصّعيد
ففاضت عند ذلكم دموعي * على خدي كمنحدر الغريد
على رجل كريم غير وغل * له الفضل المبين على العبيد
على الفياض شيبة ذي المعالي * أبيك الخير وارث كل جود
صدوق في المواطن غير نكس * ولا شحب المقام ولا سنيد
طويل الباع أروع سبطميّ * مطاع في عشيرته حميد
رفيع البيت أبلج ذي فضول * وغيث الناس في الزمن الجرود
كريم الجد ليس بذي وصوم * يروق على المسوّد والمسود
عظيم الحلم من نفر كرام * خضارمة ملاوثة أسود
فلو خلد امرؤ لقديم مجد * ولكن لا سبيل إلى الخلود
لكان مخلدا أخرى الليالي * لفضل المجد والحسب التليد
وقالت ابنته برّة تبكيه :
أعينيّ جودا بدمع درر * على طيّب الخيم والمعتصر
على ماجد الجد وارى الزناد * جميل المحيّا عظيم الخطر
على شيبة الحمد ذي المكرمات * وذي المجد والعزّ والمفتخر
“ 148 “
وذي الحلم والفضل في النائبات * كثير المكارم جمّ الفخر
له فضل مجد على قومه * منير يلوح كضوء القمر
أتته المنايا فلم تسوه * بصرف الليالي وريب القدر
وقالت ابنته عاتكة تبكيه :
أعينيّ جودا ولا تبخلا * بدمعكما بعد نوم النيام
أعينيّ واستعبرا واسكبا * وشوبا بكاءكما بالسّدام
أعينيّ واستخرطا واسجما * على رجل غير نكس كهام
على الجحفل الغمر في النائبات * كديم المساعي وفيّ الذمام
على شيبة الحمد وارى الزناد * وذي مصدق بعد ثبت المقام
وسيف لدى الحرب صمصامة * ومردى المخاصم عند الخصام
وسهل الخليقة طلق اليدين * وف عدملي صمصم لهام
تنبّك في باذخ بيته * رفيع الذؤابة صعب المرام
وقالت أم حكيم البيضاء ابنته تبكيه :
ألا يا عين جودي واستهلّي * وأبكي ذا الندى والمكرمات
ألا يا عين ويحك اسعديني * بدمع من دموع هاطلات
وأبكي خير من ركب المطايا * أباك الخير تيّار الفرات
طويل الباع شيبة ذا المعالي * كريم الخيم محمود الحبات
وصولا للقرابة هبزريا * وغيثا في السنين الممحلات
وليثا حين تشتجر العوالي * تروق له عيون الناظرات
عقيل بني كنانة والمرجى * إذا ما الدهر أقبل بالهنات
ومفزعها إذا ما هاج هيج * بداهية خصيم المعضلات
فابكيه ولا تسمي لحزن * وأبكي ما بقيت الباكيات
وقالت أميمة ابنته تبكيه :
ألا هلك الداعي العشيرة ذو العقد * وساقي الحجيج والمحامي عند المجد
ومن يألف الضيف الغريب بيوته * إذا ما سماء الناس تبخل بالرعد
أبو الحارث الفياض خلّى مكانه * فلا تبعدنّ فكل حيّ إلى بعد
فأنّى لباك ما بقيت وموجع * وكان له أهلا لما كان من وجد
سقاك وليّ الناس في القبر ممطرا * وسوف أبكيه وإن كنت في اللحد
“ 149 “
وقد كان زينا للعشيرة كلها * وكان حميدا حيث ما كان من حمد
وقالت ابنته أروى تبكيه :
بكت عينيّ وحقّ لها البكاء * على سمح سجيّته الحياء
على سهل الخليقة أبطحيّ * كريم الخيم نيته العلاء
على الفيّاض شيبة ذي المعالي * أبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أملس شيظميّ * أغرّ كأن غرّته ضياء
أقبّ الكشح أروع ذي فضول * له المجد المقدّم والثناء
أبيّ الضيم أبلج هبرزيّ * قديم المجد ليس له خفاء
ومعقل مالك وربيع فهر * وفاصلها إذا التمس القضاء
وكان هو الفتى كرما وجودا * وبأسا حين تنسكب الدماء
إذا هاب الكماة الموت حتى * كأن قلوب أكثرهم هواء
مضى قدما بذي رأي حسيب * عليه حين تبصره البهاء
قال : فزعم لي محمد بن سعيد بن المسيّب أنه أشار برأسه وقد أصمت هكذا فأبكيتني .
وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي : يبكي عبد المطلب بن هاشم ، ويذكر فضله وفضل قصيّ على قريش وفضل ولده من بعده عليهم . وذلك أنه أخذ يغرم أربعة آلاف درهم بمكة فوثق بها ، فمرّ به أبو لهب عبد العزّى بن عبد المطلب فافتكّه :
أعينيّ جودا بالدموع على الصدر * ولا تسأما أسقيتما وابل القطر
وجودا بدمع واسفحا كل شارق * بكاء امرئ لم يسوه نائب الدهر
وسحّا وجمّا واسجما ما بقيتما * على ذي حياء من قريش وذي ستر
على رجل جلد القوي ذي حفيظة * جميل المحيّا غير نكس ولا هدر
على الماجد البهلول ذي الباع واللها * ربيع لؤي في القحوط وفي العسر
على خير حاف من معدّ وناعل * كريم المساعي طيّب الخير والنحر
وخيرهم أصلا وفرعا ومعدنا * وأحظاهم بالمكرمات وبالذكر
وأولاهم بالمجد والحلم والنهى * وبالفضل عند المجحفات من العبر
على شيبة الحمد الذي كان وجهه * يضيء سواد الليل كالقمر البدر
وساقي الحجيج ثمّ للخبز هاشم * وعبد مناف ذلك السيّد الفهر
طوى زمزما عند المقام فأصبحت * سقايته فخرا على كل ذي فخر
“ 150 “
ليبك عليه كل غاد بكربة * وآل قصيّ من مقلّ وذي وفر
بنوه سراة كلهم وشبابهم * تفلّق عنهم بيضة الطائر الصّقر
قصيّ الذي عادى كنانة كلها * ورابط بيت اللّه في العسر واليسر
فإن تك غالته المنايا وصرفها * فقد عاش ميمون النقيبة والأمر
وأبقى رجالا سادة غير عزّل * مصاليت أمثال الرّدينية السمر
أبو عتبة الملقى إليّ حياؤه * أعزّ هجان اللون من فقر غرّ
وحمزة مثل البدر يهتزّ للندى * نقيّ الثياب والذّمام من القذر
وعبد مناف ماجد ذو حفيظة * وصول لذي القربى رحيم بذي الصهر
كهولهم خير الكهول ونسلهم * كنسل ملوك لا تبور ولا تجري
متى ما تلاقى منهم الدهر ناشئا * تجده بأجريا أوائله تجري
هم ملئوا البطحاء فخرا وعزة * إذا استبق الخيرات في سالف العصر
وفيهم ثبات للعلى وعمارة * وعبد مناف جدّهم جابر الكسر
بإنكاح عوف بنته فكّ أسرنا * من أعدائنا إذ أسلمتنا بنو فهر
فسرنا بها غور البلاد ونجدها * بأمنة حتى خاضت العير في البحر
وهم حضروا والناس باد فريقهم * وليس بها إلا شيوخ بني عمرو
بنوا هاديات جمة وطووا بها * بيارا لسحّ الماء من تبحّ بحر
لكي يشرب الحجاج منها وغيرهم * إذا ابتدروها صبح تابعة النحر
ثلاثة أيام تظلّ ركابهم * مخيّسة بين الأخاشب والحجر
وقدما غنينا قبل ذلك حقبة * ولا يستقي إلا بجمّ أو الحفر
هم يغفرون الذنب ينقم دونه * ويعفون عن قول السفاهة والهجر
فخارج إما أهلكنّ فلا تزل * لهم شاكرا حتى تغيب في القبر
ولا تنس ما أسدى ابن لبنى فإنه * قد أسدى يدا محفوفة منك بالشكر
فأنت ابن لبنى من قصيّ إذا انتموا * بحيث انتهى قصد الفؤاد من الصدر
فأنت تناولت العلى فجمعتها * إلى محتد للمجد ذي نتح حبر
سقيت وفقت القوم بذلا ونائلا * وسدت وليدا كل ذي سؤدد غمر
وأمك سر من خزاعة جوهر * إذا حصل الإحسان يوما ذوو الخبر
إلى سائر الأبطال تنمي وتنتمي * وأكرم بها منسوبة في ذرى الدهر
أبو سمر منهم وعمرو بن مالك * وذو جدن من قومها وأبو الجبر
وأسعد فاز الناس عشرين حجة * يؤيد في تلك المواطن بالنصر
الجزء العاشر
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 136 “
وأما عثمان بن عفان رضوان اللّه عليه
فكان ممن أنفق ماله على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وفي مصالح المؤمنين ، وفي جيش العسرة ، وبئر رومة ، وفي أيامه حيي الخراج ، وكان يفرّقه على الصحابة حتى استغنى الناس . وجمع القرآن في المصحف ، وكان متفرقا ، وأعانه على ذلك من حضر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وكانت في أيامه فتوحات كثيرة .
وأما علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه
فكانت في أيامه حروب كثيرة ، منها يوم الجمل ، وسار إلى قتال أهل البصرة وهو يوم الجمل في ثلاثين ألفا ، وسار إلى صفّين في خمسة وعشرين ألفا ، وسار إلى النهروان في أربعة عشر ألفا . خرج عليه بعد صفّين عبد اللّه بن عمرو اليشكري في أهل حروراء .
وأما الحسن بن علي رضوان اللّه عليه
فلما سار إلى معاوية ، والتقيا بأرض الأنبار ، نظر إلى العسكرين وأفكر فيما يكون بينهما من القتل ، أحبّ السلامة ، وطلب العافية ، وصلاح الأمة ، وحقن دماء المسلمين .
صالح معاوية ، وسلّم الأمر إليه ، وبايعه ، ودخلا جميعا الكوفة مع عسكريهما . ودفع معاوية إلى الحسن بن علي رضي اللّه عنهما جميع ما أراد من المال وغيره ، وردّه إلى المدينة ، وولي على الكوفة المغيرة بن شعبة الثقفي ، ورجع معاوية إلى الشام بالعسكرين ، وفعل اللّه هذا الصلح تصديقا لقوله صلى اللّه عليه وسلم ، وقد نظر إلى الحسن رضي اللّه عنه : « ابني هذا سيد يصلح اللّه به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » .
ذكر ما روي عن العشرة الذين هم أكابر الصحابة رضي اللّه عنهم من الحديث ما رويناه من
حديث تقي بن مخلد
أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه : روي عنه مائة حديث واثنان وثلاثون حديثا .
عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : روي عنه خمسمائة حديث واثنان وثلاثون حديثا .
عثمان بن عفان رضي اللّه عنه : مائة حديث ، وستة وأربعون حديثا .
علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا .
“ 137 “
سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه : مائتا حديث وأحد وسبعون حديثا .
الزبير بن العوّام رضي اللّه عنه : ثمانية وثلاثون حديثا .
طلحة بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه : ثمانية وثلاثون حديثا .
أبو عبيدة بن الجرّاح رضي اللّه عنه : أربعة عشر حديثا .
عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنه : خمسة وستون حديثا .
سعيد بن زيد بن عمرو بن نوفل رضي اللّه عنه : ثمانية وأربعون حديثا .
ما روى أهل البيت ونساؤه وخدمه ومواليه رضي اللّه عنهم
والسياق ليس على الترتيب ، وإنما هو على حسب ما وقع به الذكر في الوقت .
خديجة أم المؤمنين : حديث واحد .
بنت حمزة بن عبد المطلب : حديث واحد .
عقيل بن أبي طالب : ستة أحاديث .
أنس بن مالك : ألفا حديث ، ومائتا حديث ، وستة وثمانون حديثا .
عائشة أم المؤمنين : ألفا حديث ، ومائتا حديث ، وعشرة أحاديث .
عبد اللّه بن عباس : ألفا حديث ، وستمائة حديث ، وستون حديثا .
أم سلمة أم المؤمنين : ثلاثمائة حديث ، وثمانية وسبعون حديثا .
أسامة بن زيد مولى رسول للّه صلى اللّه عليه وسلم : مائة حديث ، وثمانية وعشرون حديثا .
ميمونة أم المؤمنين : ستة وسبعون حديثا .
ثوبان مولاه صلى اللّه عليه وسلم : مائة حديث ، وثمانية وعشرون حديثا .
أبو رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ثمانية وستون حديثا .
سلمان الفارسي : ستون حديثا .
حفصة أم المؤمنين : ستون حديثا .
أم هانئ بنت أبي طالب : ستة وأربعون حديثا .
العباس بن عبد المطلب : خمسة وثلاثون حديثا .
“ 138 “
عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب : خمسة وعشرون حديثا .
الفضل بن العباس : أربعة وعشرون حديثا .
فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ثمانية عشر حديثا .
شعبة مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أربعة عشر حديثا .
الحسن بن علي : ثلاثة عشر حديثا .
زينب بنت جحش أم المؤمنين : عشرة أحاديث .
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب : أحد عشر حديثا .
صفية أم المؤمنين : عشرة أحاديث .
الحسين بن علي : ثمانية أحاديث .
جويرية أم المؤمنين : سبعة أحاديث .
سلمى مولاه عليه السلام : سبعة أحاديث .
سودة أم المؤمنين : خمسة أحاديث .
زيد بن حارثة مولاه عليه السلام : أربعة أحاديث .
عبيد مولاه صلى اللّه عليه وسلم : ثلاثة أحاديث .
أحمد مولاه صلى اللّه عليه وسلم : ثلاثة أحاديث .
ميمونة بنت أبي لهب : حديثان .
أبو سلمى راعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : حديثان .
مهران ، وكيسا ، وأبو أثيلة ، مواليه عليه السلام : حديث واحد .
روينا من حديث ابن إسحاق بن بشر القرشي ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحّاك بن مزاحم ، عن ابن عباس قال : لما أراد اللّه أن يخلق الخلق ولا خلق ، خلق نورا ، وخلق من ذلك النور ظلمة ، وخلق من تلك الظلمة نورا ، وخلق من ذلك النور ياقوتة خضراء غلظها غلظ السبع سماوات والسبع الأرضين وما بينهن ، ثم دعا تلك الياقوتة ، فلما سمعت كلام اللّه عز وجل ذابت الياقوتة فرقا حتى صارت ماء ، فارتقى الماء من دهش تلك المهابة والخوف . ثم خلق الريح ، ثم وضع الماء على متن الريح .
“ 139 “
ثم خلق العرش ، فوضع العرش على الماء ، وخلق للعرش ألف لسان ، لكل لسان ألف لون من التسبيح والتحميد .
وكتب في قباله إني أنا اللّه لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، ومحمد عبدي ورسولي ، فمن آمن برسلي وصدق بوعدي أدخلته جنتي .
ثم خلق الكرسي بعد عرشه بألفي عام من غير الجوهر الذي خلق منه العرش ، والكرسي في جوف العرش كحلقة في وسط فلاة ، والسماوات والأرض في جوف الكرسي كحلقة ملقاة في وسط فلاة .
ثم خلق القلم من نور ، وجعل طوله من السماء إلى الأرض ، فخرّ للّه ساجدا .
ثم خلق اللوح المحفوظ ، فخرّ أيضا ساجدا .
ثم قال لهما : ارفعا رءوسكما ، وخلق ثلاثمائة وستين سنا للقلم يستمد كل سن من ثلاثمائة وستين بحرا من العلوم .
واللوح من زمرّدة خضراء له دفّتان من ياقوتة فقال للقلم : اكتب ، فقال : ما ذا أكتب يا ربي ؟ قال : اكتب في اللوح ، فالقلم يكتب والحق يملي ما هو كائن إلى يوم القيامة .
وفي حديث مجاهد ، عن ابن عباس : أن اللوح من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، حافتاه الدرّ والياقوت ، ودفّتاه ياقوتة حمراء . واللوح في حجر ملك اسمه ماطريون . وللّه في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة .
ومن حديث إسحاق أيضا ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن : ليس شيء عند ربكم من الخلق أقرب إليه من إسرافيل ، وبينه وبين ربه سبعة حجب :
حجاب العزّة ، ثم حجاب الجبروت ، ثم حجاب من نار ، ثم حجاب من غمام ، ثم حجاب من ياقوت ، ثم حجاب من ماء ، ثم حجاب من دخان .
غلظ كل حجاب خمسمائة عام . وإسرافيل دونها يراه بين منكبيه كذا كذا سنة ، ورأسه من تحت العرش ، ورجلاه في تخوم الثرى ، له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ، وجناح من تحته وجناح من فوقه ، قد غشى رأسه وغطى وجهه ، وليس شيء أقرب إلى اللّه عز وجل بعد إسرافيل من ثلاثة :
الرحمة ، وأم الكتاب ، والحكمة .
فالرحمة عن يمينه ، وأم الكتاب عن اليمين الأخرى .
“ 140 “
فإن كلتي يدي اللّه يمين مباركة طيبة والحكمة فيما بين ذلك ، فإذا أراد اللّه أن يقضي قضاء قضاه بعلمه ، ولا يشهده من خلقه أحد حين يحكمه .
خبر قصيّ لما أسنّ وما صنع مع أولاده
روينا من حديث أبي الوليد ، عن جدّه ، عن سعيد ، عن عثمان بن جريج ، وعن ابن إسحاق ، وكل يزيد على صاحبه في حديثه : فلما كبر قصيّ بن كلاب وكان أول ولده عبد الدار ، وكان ولده عبد مناف قد شرف في زمن أبيه ، ذهب شرفه كل مذهب . وعبد الدار وعبد العزّى وبنو قصيّ بها ، لم يبلغوا ولا أحد من فوقهم من قريش ما بلغ عبد مناف من الذكر والشرف والعز ، وكان قصيّ وحنيّ بنت حليل يحبان عبد الدار ، ويرقان عليه ، لما يريان من شرف عبد مناف عليه وهو أصغر منه . فقالت له حنيّ : لا واللّه لا أرضى حتى تخصّ عبد الدار بشيء يلحقه بأخيه . فقال قصيّ : لا واللّه لا لحقته به ، ولأحبونه بذروة الشرف حتى لا يدخل أحد من قريش وغيرها الكعبة إلا بإذنه ، ولا يقضون أمرا ولا يعقدون لواء إلا عنده .
وكان ينظر في العواقب . فأجمع قصيّ على أن يقسم أمور مكة الستة التي فيها الذكر والشرف والعزّ بين ابنيه ، فأعطى عبد الدار السدانة ، وهي الحجابة ، ودار الندوة واللواء ، وأعطى عبد مناف السقاية والرفادة والقيادة ، وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصيّ بن كلاب ، فيصنع به طعاما للحجّاج فيأكله من لم تكن له سعة ولا زاد ، وكان قصي هو الذي فرضه على قريش .
قال لهم : يا معشر قريش ، إنكم جيران اللّه ، وأهل بيته ، وأهل الحرم ، وإن الحجّاج ضيف اللّه ، وزوّار بيته ، وهم أحق ضيف اللّه بالكرامة ، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم ، ففعلوا ، فكانوا يخرجون لذلك كل عام خرجا ، فيدفعون إليه ، فيصنعه طعاما أيام منى ، فاستمر ذلك إلى اليوم .
فلما هلك قصي أقيم أمره في قومه بعد وفاته ، على ما كان عليه في أيام حياته . وولّي عبد الدار ، فلم يزل على أثر أبيه حتى هلك . وجعل عبد الدار الحجابة بعده إلى ابنه عثمان بن عبد الدار ، وجعل دار الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار . فلم يزل بنو عبد مناف بن عبد الدار يلون الندوة دون ولد عبد الدار . فكانت قريش إذا أرادت أن تشاور في أمر فتحها لهم عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ، أو بعض ولده ، أو ولد أخيه .
وكانت الجارية إذا حاضت أدخلت دار الندوة ، ثم يشق عليها بعض ولد عبد مناف بن عبد الدار درعها ، ثم درّعها إياه ، وانقلب بها أهلها فحجبوها . فكان عامر بن هاشم بن عبد
“ 141 “
مناف بن عبد الدار يسمى محيضا . ولم يزل بنو عثمان بن عبد الدار يلون الحجابة دون ولد عبد الدار . ثم وليها عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار . ثم وليها ولده أبو طلحة عبد اللّه بن عبد العزّى بن عبد الدار . ثم وليها ولده من بعده حتى كان فتح مكة ، فقبضها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أيديهم ، وفتح الكعبة ، ودخلها . ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الكعبة مشتملا على المفتاح ، فقال له العباس بن عبد المطلب : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ، أعطنا الحجابة مع السقاية ، فأزل اللّه تعالى على نبيّه : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها . قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : فما سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل تلك الساعة . فتلاها ثم دعا عثمان بن طلحة ، فدفع إليه المفتاح ، وقال : « غيّبوه » . ثم قال :
« خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة اللّه ، فاعملوا فيها بالمعروف خالدة وتالدة لا ينزعها من أيديكم إلا ظالم » . فخرج عثمان بن طلحة إلى هجرته مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، فلم يزل يحجب هو وولد أخيه وهب بن عثمان حتى قدم ولد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، وولده شافع بن طلحة بن أبي طلحة في المدينة ، وكانوا بها دهرا طولا . فلما قدموا حجبوا مع بني عمهم ، فولد أبي طلحة يحجبون جميعا .
وأما اللواء فكان في أيدي عبد الدار كلهم ، يليه منهم ذو السن والشرف في الجاهلية حتى كان يوم أحد ، فقتل عليه من قتل منهم .
وأما السقاية والرفادة والقيادة فلم تزل لعبد مناف بن قصي يقوم بها حتى توفي .
فولى بعده هاشم بن عبد مناف بن قصي السقاية والرفادة ، وولى عبد شمس بن عبد مناف القيادة ، فكان هاشم بن عبد مناف يطعم الناس في كل موسم بما يجتمع عنده من ترافد قريش كان يشتري بما يجتمع عنده رقيقا ، ويأخذ من كل ذبيحة من بدنة أو بقرة أو شاة ، ثم يجمع ذلك كله فيحرر به الدقيق ، ثم يطعمه الحاج . فلم يزل ذلك من أمره حتى أصاب الناس سنة وجدب شديد ، فخرج هاشم بن عبد مناف إلى الشام ، فاشترى بما اجتمع عنده ومن ماله دقيقا وكعكا ، فقدم به مكة في الموسم ، فهشم ذلك الكعك ، ونحر الجزر وطبخه ، وجعله ثريدا ، وأطعم الناس ، وكانوا في مجاعة شديدة ، حتى أشبعهم . فسمّي بذلك هاشم ، وكان اسمه عمرو .
وفي ذلك يقول ابن الزبعرى السهمي :
كانت قريش بيضة فتفلّقت * فالمخّ خالصها لعبد مناف
الرائشين وليس يوجد رائش * والقائلين هلمّ للأضياف
والخالطين غنيّهم بفقيرهم * حتى يعود فقيرهم كالكاف
“ 142 “
والضاربين الكبش بيرق بيضة * والمانعين البيض بالأسياف
عمرو العلا هشم الثريد لمعشر * كانوا بمكة مسنتين عجاف
يعني بعمرو العلا هاشما ، فلم يزل هاشم على ذلك حتى توفي . وكان عبد المطلب يفعل ذلك ، فلما توفي عبد المطلب قام بذلك أبو طالب . وكان عبد المطلب في السقاية يسقي لبن النوق بالعسل في حوض من أدم ، ويشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم . وقام بأمر السقاية بعده العباس .
ومما نظم في معنى قول عمر بن أبي ربيعة :
لبثوا ثلاث منى بمنزل قلعة * فهم على غرض لعمرك ما هم
متجاورين بغير دار إقامة * لو قد أجدر حبلهم لم يندموا
ولهن بالبيت العتيق لبانة * والبيت يعرفهنّ لو يتكلم
لو كان حيا قبلهن ظعائنا * حيّا الحطيم وجوههن وزمزم
ولنا في هذا المعنى :
يا خليليّ ألمّا بالحمى * واطلبا نجدا وذاك العلما
وردا ماء بخيمات اللّوا * واستظلا ظلّها والسّلما
وإذا ما جئتما وادي منى * فالذي قلبي به قد جئتما
أبلغ عني تحيات الهوى * كل من حل به أو أسلما
واسمعا ما ذا يجيئون به * وأخبرا عن دنف القلب بما
يشتكيه من صبابات الهوى * معلنا مستخبرا مستفهما
ومن قول العرجيّ في منى :
الشهر تمّ الحول يتبعه * ما الدّهر إلا الحول والشهر
حدثنا يونس بن يحيى ، نبأ أبو بكر بن أبي منصور ، نبأ أحمد بن محمد البخاري ، أنبأ أبو محمد الجوهري ، نبأ أبو حبويه ، نبأ محمد بن خلف ، قال : قال أبو عمر الشيباني :
لما ظهر بقيس من الجنون ما ظهر ورأى قومه ما ابتلى به ، اجتمعوا إلى أبيه وقالوا به : لو خرجت به إلى مكة فطاف ببيت اللّه عز وجل وزار قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، رجونا أن يرجع عليه عقله . فخرج به أبوه حتى أتى مكة ، فجعل أبوه يطوف به ، ويدعو اللّه له بالعافية ، وقيس يقول :
دعا المحرمون اللّه يستغفرونه * بمكة وهنا أن تمحّى ذنوبها
وناديت أي يا رب أوّل سؤلتي * لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
“ 143 “
فإن أعط ليلى في حياتي لم يتب * إلى اللّه خلق توبة لا أتوبها
حتى إذا كان بمنى نادى مناد من بعض تلك الخيام : يا ليلى ، فخرّ قيس مغشيا عليه ، واجتمع الناس حوله ، ونضحوا على وجهه الماء ، وأبوه يبكي عند رأسه . ثم أفاق وهو يقول :
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى * فهيّج أطراب الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما * أطار بليلى طائرا كان في صدري
أخبرني بعض الأدباء في تلطف محبته ورقّة معناها ، أنه قرب يوما من حيّ ليلى في واد كثير الثلج في زمن البرد ، وهو يأخذ الجليد فيلقيه على فؤاده ، فتذيبه حرارة الفؤاد .
فرآه نسوة من الحي ، فجاء بعض فتيات الحي إلى ليلى فأخبرنها بما رأين من أمر قيس ، فخرجت مسرعة معهن حتى أشرفت عليه وهو على تلك الحالة ، وهو ينادي : ليلى ليلى ، فرمت بنفسها وعانقته وضمّته ، وقالت : أنا بغيتك ، أنا مطلوبك ، أنا قرّة عينك . فنظر إليها وتأوّه ، فكادت الزفرة تحرقها ، وقال لها : إليك عني ، فإن حبك شغلني عنك . وأخذ في ولهه ينادي : ليلى ليلى .
ولنا في هذا المعنى :
شغل المحبّ عن الحبيب بحبّه * هذا يعلّ وذاك ليس يعلّل
لولا الخيال له وبرد وصاله * أضحى بنيران الهوى يتحلل
ولبعض الناس في ذلك :
إذا وجدت أوار الحبّ في كبدي * أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هذا يبرّد برد الماء ظاهره * فمن لحرّ على الأحشاء يتّقد
ثم ولّت في أترابها تطلب الحي خوفا من أهلها ، وهي تقول :
تنفّست الغداة وقد تولّت * وعيسهم معارضة الطريق
فنادوا بالحريق ففاض دمعي * فعادوا بالحريق وبالغريق
ومن باب كتمان الهوى قوله :
باح مجنون عامر بهواه * وكتمت الهوى فمتّ بوجدي
فإذا كان في القيامة نودي * من قتل الهوى تقدمت وحدي
ومن باب النّفر من منى :
غدا النفر فانظر ما يكون من النفر * غدا فرقة الأحباب هل لي من صبر
“ 144 “
غدا يرحل الظبي الغرير بمهجتي * وتبقى قلوب العاشقين على الجمر
فقوم إلى بغداد شدّوا رحيلهم * وقوم إلى الشام وقوم إلى مصر
فإن طلبوا بغداد كنت زميلهم * وإن طلبوا مصرا فيا حبّذا مصر
وإن طلبوا شاما تعللت بالبكا * لعلّهم في الحبّ أن يقبلوا عذري
ومن باب النسيب ، وله وجه في الاعتبار لطيف قوله :
يا ذا الذي حجّ في عهد الصبا فمضى * عنا هلالا ووافى نحونا قمرا
صف المناسك لي كيف انتقلت بها * فلم أقلّب لبدر بعدك البصرا
أمّا الجمار فمن قلبي رميت بها * كما بآخر عمري كنت معتمرا
عن بئر زمزم خبّرني على ظمأ * وإن في فيك منه الريّ والخصرا
وشفع الحجة الأولى بثانية * لكي أقبّل ثغرا قبّل الحجرا
ومن قول ابن المعتزّ :
للّه در منى وما جمعت * وبكا الأحبّة ليلة النّفر
ثم اغتدوا فرقا هنا وهنا * يتلاحظون بأعين الذكر
ما للمضاجع لا تلائمني * وكأن قلبي ليس في صدري
ومن باب النسيب في الطائفات :
قلت لها في الطواف معترضا * لا تستحلّي باللّه سفك دمي
فكان من قولها وقد جعلت * تستر ذاك الشقيق بالعتم
نحن ظباء ولا يحلّ لكم * في الدين صيد الظباء في الحرم
حدثنا موسى بن محمد قال : حجّ رجل أعجمي فيه خير وديانة . فبينما هو في الطواف عن الركن اليماني ، وصوت خلخال من قدم بعض الحسان الطائفات قد وقع في أذنه ، فأثر في قلبه ، فالتفت إلى الشخص ، فخرجت يد من ركن البيت فضربته على عينه التي التفت بها ، فألقتها على خده ،
وسمع عند الضربة صوتا من جدار البيت قائلا يقول :
تطوف إلى بيتنا وتنظر إلى غيرنا ، هذه نظرة بلطمة أفقدناك فيها عينك ، وإن زدت زدنا .
قال : وكانت له امرأة يحبها فتوفيت . قال موسى : ربما لو اعتنى بتاريخ موتها لوجد في تلك الساعة التي نظر فيها ، فعوقب ضعفين : فقد عينه وأهله . قلت لموسى بن محمد :
رأيت أنت الرجل ؟ فأظنه قال : نعم رأيته .
وقال الشريف الرضيّ :
أعاد لي عيد الصفا * جيراننا على منى
“ 145 “
كم كبد معقورة * للعاقرين البدنا
تخفي تباريح الجوى * وقد عنانا ما عنا
وبارق أشيمه * كالطّرف أغنى ورنا
ذكرني الأحباب والذ * كرى تهيج الحزنا
من بطن مرّ والسوى * نور عسفان بنا
وبالعراق وطوى * يا بعد ما لاح لنا
وأنشد ابن هلال :
إلى كم تعدني ليلة بعد ليلة * بخيف منى إذ نام أهل المنازل
قتيل بأرض الشام من غير علّة * تواطت على خديه أيدي الرواحل
يقولون من هذا القتيل الذي نرى * وينظر شذرا من حلال المحامل
ولو عاينوا ما حل في مضمر الحشا * رأوا شخصا مقتولا يلوذ بقاتل
وقال مهيار الديلمي :
وما بنا إلا هوى * حيّ على خيف منى
يا حسن ذاك موقفا * إن كان شيئا حسنا
منى لعيني أن ترى * تلك الثلاث من منى
ومن ريحانة العاشق :
خرس اللسان ولا دموع تنطق * إن الهوى بحشاشتي متعلق
لما رأيت أحبّتي يوم النوى * شط الرحيل بينهم فتفرّقوا
سلطت طوفان الدموع عليهم * وبعثت أنفاسي لكي لا يغرقوا
فتأوّه الحادي وقال لهم قفوا * فبأثركم لا شك من يتعشق
فأجبتهم من تحت صوت باهتا * قامت قيامة عبدكم فترفقوا
ردّوا الصباح لناظري فما أرى * إلا سيوف الموت حولي تبرق
ومن بستان الوامق :
يا قلب من مواطن * لم يرض منها وطنا
ويوم سلع لم يكن * يومي بسلع هيّنا
وقفت أستسقي الظما * فيه وأستشفي الضّنا
وفضحت سرّ الهوى * عيني فصار علنا
ويوم ذي ألبان تبا * يعنا فحزت الغبنا
“ 146 “
كان الغرام المشتري * وكان قلبي الثمنا
وقال جميل بن معمر العدوي :
الحبّ أول ما يكون الحاجة * تأتي به وتسوقه الأقدار
حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى * جاءت أمور لا تطاق كبار
وقال الآخر :
الحبّ أوله حلو وأوسطه * مرّ وآخره التوديع والأجل
ومن باب نوح الحمام :
حمام الأراك ألا خبّرينا * بمن تهتفين ومن تندبينا
لقد شقت ويحك منّا قلوبا * وأذرفت ويحك منا عيونا
تعالي نقم مأتما للفراق * ونندب أحبابنا الظاعنينا
وأسعدك النوح كي تسعدينا * كذاك الحزين يوالي الحزينا
وروينا من حديث ابن باكويه ، عن أبي زرعة الطبري ، عن أبي زرعة الدمشقي ، قال :
خرج علي بن الفتح الحلبي يوما فرأى الناس يتقرّبون إلى اللّه تعالى ، فقال : يا رب ، أرى الناس يتقرّبون إليك بألوان الذبائح وإني تقرّبت إليك بحزني ، ثم غشي عليه ، فأفاق ثم قال : إلهي إلى متى تردّدي في دار الدنيا محزونا ؟ فاقبضني إليك . فوقع من ساعته ميتا .
ولبعضهم في هذا المعنى :
للناس حجّ ولي حج إلى سكني * تهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي
ولنا فيه ، غير أني زدت فيه معنى عرفانيا :
وأهدي عن الغربان نفسا معيبة * وهل ريء خلق بالعيوب تقرّبا
وروينا من حديث أبي بكر أحمد بن الحسن البيهقي ، عن أبي سعيد الماليني ، عن أبي بكر محمد بن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يوسف قال : سمعت أبا ثابت الخطاب يقول : سمعت إبراهيم بن موسى يقول : رأيت فتى صلى يوم عيد الأضحى وقد شمّ روائح اللحوم ، فدخل إلى زقاق ، فسمعته يقول : تقرّب المتقرّبون إليك بقربانهم ، وأنا أتقرّب إليك بطول حزني . يا محبوبي ، كم تتركني في أزقة الدنيا محزونا ؟ ثم غشي عليه ، وحمل إلى منزله ، فدفنّاه بعد ثلاث . هذا هو فتح بن شرف الموصلي من سادات القوم .
شعر :
ضحّى الحبيب بقلبي يوم عيدهم * والناس ضحّوا بمثل الشاء والغنم
إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي * دمي حلال له في الحلّ والحرم
“ 147 “
للناس حجّ ولي حجّ إلى سكني * تهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي
يطوف بالبيت قوم لا بجارحة * بالحب طافوا فأغناهم عن الحرم
يا لائمي لا تلمني في هواه فلو * عاينت منه الذي عاينت لم تلم
ذكر ما رثى به عمات النبي صلى اللّه عليه وسلم أباهن عبد المطلب
روينا من حديث محمد بن إسحاق قال : حدثني العباس بن عبد اللّه بن معبد بن العباس ، عن بعض أهله ، أن عبد المطلب توفي ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ابن ثمان سنين . قال ابن إسحاق ، عن محمد بن سعيد بن المسيب : إن عبد المطلب لما حضرته الوفاة وعلم أنه يموت جمع بناته ، وكنّ ستّ نسوة : صفية ، وبرّة ، وعاتكة ، وأم حكيم البيضاء ، وأميمة ، وأروى . فقال لهن : أبكين عليّ حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت . قال ابن هشام : ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر ، إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيّب كتبناه .
فقالت صفية ابنته تبكيه :
أرقت لصوت نائحة بليل * على رجل بقارعة الصّعيد
ففاضت عند ذلكم دموعي * على خدي كمنحدر الغريد
على رجل كريم غير وغل * له الفضل المبين على العبيد
على الفياض شيبة ذي المعالي * أبيك الخير وارث كل جود
صدوق في المواطن غير نكس * ولا شحب المقام ولا سنيد
طويل الباع أروع سبطميّ * مطاع في عشيرته حميد
رفيع البيت أبلج ذي فضول * وغيث الناس في الزمن الجرود
كريم الجد ليس بذي وصوم * يروق على المسوّد والمسود
عظيم الحلم من نفر كرام * خضارمة ملاوثة أسود
فلو خلد امرؤ لقديم مجد * ولكن لا سبيل إلى الخلود
لكان مخلدا أخرى الليالي * لفضل المجد والحسب التليد
وقالت ابنته برّة تبكيه :
أعينيّ جودا بدمع درر * على طيّب الخيم والمعتصر
على ماجد الجد وارى الزناد * جميل المحيّا عظيم الخطر
على شيبة الحمد ذي المكرمات * وذي المجد والعزّ والمفتخر
“ 148 “
وذي الحلم والفضل في النائبات * كثير المكارم جمّ الفخر
له فضل مجد على قومه * منير يلوح كضوء القمر
أتته المنايا فلم تسوه * بصرف الليالي وريب القدر
وقالت ابنته عاتكة تبكيه :
أعينيّ جودا ولا تبخلا * بدمعكما بعد نوم النيام
أعينيّ واستعبرا واسكبا * وشوبا بكاءكما بالسّدام
أعينيّ واستخرطا واسجما * على رجل غير نكس كهام
على الجحفل الغمر في النائبات * كديم المساعي وفيّ الذمام
على شيبة الحمد وارى الزناد * وذي مصدق بعد ثبت المقام
وسيف لدى الحرب صمصامة * ومردى المخاصم عند الخصام
وسهل الخليقة طلق اليدين * وف عدملي صمصم لهام
تنبّك في باذخ بيته * رفيع الذؤابة صعب المرام
وقالت أم حكيم البيضاء ابنته تبكيه :
ألا يا عين جودي واستهلّي * وأبكي ذا الندى والمكرمات
ألا يا عين ويحك اسعديني * بدمع من دموع هاطلات
وأبكي خير من ركب المطايا * أباك الخير تيّار الفرات
طويل الباع شيبة ذا المعالي * كريم الخيم محمود الحبات
وصولا للقرابة هبزريا * وغيثا في السنين الممحلات
وليثا حين تشتجر العوالي * تروق له عيون الناظرات
عقيل بني كنانة والمرجى * إذا ما الدهر أقبل بالهنات
ومفزعها إذا ما هاج هيج * بداهية خصيم المعضلات
فابكيه ولا تسمي لحزن * وأبكي ما بقيت الباكيات
وقالت أميمة ابنته تبكيه :
ألا هلك الداعي العشيرة ذو العقد * وساقي الحجيج والمحامي عند المجد
ومن يألف الضيف الغريب بيوته * إذا ما سماء الناس تبخل بالرعد
أبو الحارث الفياض خلّى مكانه * فلا تبعدنّ فكل حيّ إلى بعد
فأنّى لباك ما بقيت وموجع * وكان له أهلا لما كان من وجد
سقاك وليّ الناس في القبر ممطرا * وسوف أبكيه وإن كنت في اللحد
“ 149 “
وقد كان زينا للعشيرة كلها * وكان حميدا حيث ما كان من حمد
وقالت ابنته أروى تبكيه :
بكت عينيّ وحقّ لها البكاء * على سمح سجيّته الحياء
على سهل الخليقة أبطحيّ * كريم الخيم نيته العلاء
على الفيّاض شيبة ذي المعالي * أبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أملس شيظميّ * أغرّ كأن غرّته ضياء
أقبّ الكشح أروع ذي فضول * له المجد المقدّم والثناء
أبيّ الضيم أبلج هبرزيّ * قديم المجد ليس له خفاء
ومعقل مالك وربيع فهر * وفاصلها إذا التمس القضاء
وكان هو الفتى كرما وجودا * وبأسا حين تنسكب الدماء
إذا هاب الكماة الموت حتى * كأن قلوب أكثرهم هواء
مضى قدما بذي رأي حسيب * عليه حين تبصره البهاء
قال : فزعم لي محمد بن سعيد بن المسيّب أنه أشار برأسه وقد أصمت هكذا فأبكيتني .
وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي : يبكي عبد المطلب بن هاشم ، ويذكر فضله وفضل قصيّ على قريش وفضل ولده من بعده عليهم . وذلك أنه أخذ يغرم أربعة آلاف درهم بمكة فوثق بها ، فمرّ به أبو لهب عبد العزّى بن عبد المطلب فافتكّه :
أعينيّ جودا بالدموع على الصدر * ولا تسأما أسقيتما وابل القطر
وجودا بدمع واسفحا كل شارق * بكاء امرئ لم يسوه نائب الدهر
وسحّا وجمّا واسجما ما بقيتما * على ذي حياء من قريش وذي ستر
على رجل جلد القوي ذي حفيظة * جميل المحيّا غير نكس ولا هدر
على الماجد البهلول ذي الباع واللها * ربيع لؤي في القحوط وفي العسر
على خير حاف من معدّ وناعل * كريم المساعي طيّب الخير والنحر
وخيرهم أصلا وفرعا ومعدنا * وأحظاهم بالمكرمات وبالذكر
وأولاهم بالمجد والحلم والنهى * وبالفضل عند المجحفات من العبر
على شيبة الحمد الذي كان وجهه * يضيء سواد الليل كالقمر البدر
وساقي الحجيج ثمّ للخبز هاشم * وعبد مناف ذلك السيّد الفهر
طوى زمزما عند المقام فأصبحت * سقايته فخرا على كل ذي فخر
“ 150 “
ليبك عليه كل غاد بكربة * وآل قصيّ من مقلّ وذي وفر
بنوه سراة كلهم وشبابهم * تفلّق عنهم بيضة الطائر الصّقر
قصيّ الذي عادى كنانة كلها * ورابط بيت اللّه في العسر واليسر
فإن تك غالته المنايا وصرفها * فقد عاش ميمون النقيبة والأمر
وأبقى رجالا سادة غير عزّل * مصاليت أمثال الرّدينية السمر
أبو عتبة الملقى إليّ حياؤه * أعزّ هجان اللون من فقر غرّ
وحمزة مثل البدر يهتزّ للندى * نقيّ الثياب والذّمام من القذر
وعبد مناف ماجد ذو حفيظة * وصول لذي القربى رحيم بذي الصهر
كهولهم خير الكهول ونسلهم * كنسل ملوك لا تبور ولا تجري
متى ما تلاقى منهم الدهر ناشئا * تجده بأجريا أوائله تجري
هم ملئوا البطحاء فخرا وعزة * إذا استبق الخيرات في سالف العصر
وفيهم ثبات للعلى وعمارة * وعبد مناف جدّهم جابر الكسر
بإنكاح عوف بنته فكّ أسرنا * من أعدائنا إذ أسلمتنا بنو فهر
فسرنا بها غور البلاد ونجدها * بأمنة حتى خاضت العير في البحر
وهم حضروا والناس باد فريقهم * وليس بها إلا شيوخ بني عمرو
بنوا هاديات جمة وطووا بها * بيارا لسحّ الماء من تبحّ بحر
لكي يشرب الحجاج منها وغيرهم * إذا ابتدروها صبح تابعة النحر
ثلاثة أيام تظلّ ركابهم * مخيّسة بين الأخاشب والحجر
وقدما غنينا قبل ذلك حقبة * ولا يستقي إلا بجمّ أو الحفر
هم يغفرون الذنب ينقم دونه * ويعفون عن قول السفاهة والهجر
فخارج إما أهلكنّ فلا تزل * لهم شاكرا حتى تغيب في القبر
ولا تنس ما أسدى ابن لبنى فإنه * قد أسدى يدا محفوفة منك بالشكر
فأنت ابن لبنى من قصيّ إذا انتموا * بحيث انتهى قصد الفؤاد من الصدر
فأنت تناولت العلى فجمعتها * إلى محتد للمجد ذي نتح حبر
سقيت وفقت القوم بذلا ونائلا * وسدت وليدا كل ذي سؤدد غمر
وأمك سر من خزاعة جوهر * إذا حصل الإحسان يوما ذوو الخبر
إلى سائر الأبطال تنمي وتنتمي * وأكرم بها منسوبة في ذرى الدهر
أبو سمر منهم وعمرو بن مالك * وذو جدن من قومها وأبو الجبر
وأسعد فاز الناس عشرين حجة * يؤيد في تلك المواطن بالنصر
أمس في 21:08 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
أمس في 21:05 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
أمس في 21:02 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
أمس في 20:59 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
أمس في 20:54 من طرف Admin
» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
أمس في 20:05 من طرف Admin
» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
9/11/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
9/11/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin