الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء 20
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 291 “
هب أنك قد ملكت الأرض طرّا * ودان لك العباد فكان ما ذا
أليس غدا مصيرك جوف قبر * ويحثو الترب هذا ثم هذا
قال : أجدت يا بهلول . أفغيره ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين : من رزقه اللّه جمالا ومالا ، فعفّ في جماله وواسى في ماله ، كتب في ديوان الأبرار . قال : فظن أنه يريد شيئا .
قال : فإنّا قد أمرنا بقضاء دينك . قال : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، لا يقضى دين بدين ، أردد الحق إلى أهله ، واقض دين نفسك . قال : إنّا قد أمرنا لك أن يجري عليك . قال : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، لا تعطيك إساءتي أجري على الذي أجرى عليك . لا حاجة لي في جرأتك .
ومن شعر الشريف الرضيّ في وداع الحاج :
أيها الرائح المعد تحمّل * حاجة للمعذّب المشتاق
أقر مني السلام أهل المصلى * فبلاغ السلام بعض التلاقي
وإذا ما مررت بالحنيفي فاشهد * أن قلبي إليه بالأشواق
وإذا ما سئلت عني فقل نض * وهوى ما أظنه اليوم باقي
ضاع قلبي فأنشده لي بين جمع * ومنى عند بعض تلك الحداق
وابك عني فإنني كنت من قب * ل أعير الدموع للعشاق
ومن كلام مهيار الديلمي في الشوق :
يا لهوى لما أطقت حمله * يوم الرحيل سامني ولم أطق
فارقت حولا أهل نجد والهوى * ذاك الهوى وحرقي تلك الحرق
قلت لمن ظن البعاد سلوة * لا تنتحل بطعم شيء لم تذق
آه لقلب شق عنه أضلعي * من الحمى تخال برق أو شفق
ثار به الشوق فهبّ فيه ما * تطلعا ثم تراءى ما برق
ومن شعر أبي غالب بن بشران في ذلك :
ولما ثاروا العيس للبين بينت * غرامي لمن حولي دموع وأنفاس
فقلت لهم لا بأس لي فتعجّبوا * وقالوا الذي أبديته كله بأس
تعوّض بأس الصبر عن وحشة الأسى * فقد فارق الأحباب من ذلك الناس
ومن الشعر الذي يصرفه الصالح إذا سمعه إلى الجنان والحور والولدان :
قف بالطواف ترى الغزال المحرما * حج الحجيج وعاد يطلب زمزما
قمر تعرّض في الطواف كأنه * بدر تطلع في السماء وأنجما
“ 292 “
ناديته بمدامع لو أنها * شرّبت لشرّاب لكانت مغنما
يا طالبا بالحج رحمة ربه * أرضيت بالحرمين تقتل مسلما
ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى ، ما قرأ علينا عبد اللّه ابن الأستاذ ، قال : قال بعض الفقراء : رأيت في واقعتي الحق تعالى وهو يقول لأبي مدين : مادّة سرك بسنا نوري ، وغذاء روحك برؤيتي وسروري ، وقلبك موضع عظمتي وجبروتي . هي أحوال مني اقتبستها ولي رددتها ، فأنت لي ولي صرف .
يا أبا مدين ، جاوز نظر الناظرين نظرك ، وتعلق بي فكرك . فلما قدرتني قدري كنت سمعك وبصرك . وعرفتك بي فعرفتني ، ونزهت سرك عن سواي فنزهتني ، فأنت ظاهر وباطن بي ولي . فقال أبو مدين : سبحانك سبحانك اللهم أدم فضلك ، عجزت الأوهام عن وصف وصفك ، وامتلأت الأسرار أنسا بذكرك . ثنائي ثناؤك ، وأمري أمرك . فواصل اللهم نوري بنورك ، فلا يقتبس الفضل منك إلا بك .
خبر اللّات والعزّى
روينا من حديث أبي الوليد ، عن جده ، عن سعيد بن سالم ، عن عثمان بن ساج ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، أن رجلا ممن مضى كان يقعد على صخرة لثقيف يبيع السمن من الحاج إذا مرّ يلتّ سويقهم ، وكان ذا غنم ، فسميت صخرة اللات . فلما فقده الناس قال لهم عمرو : إن ربكم اللات قد دخل في جوف الصخرة .
وكانت العزّى ثلاث شجرات نخل ، وكان أول من دعا إلى عبادتها عمرو بن ربيعة والحارث بن كعب . وقال لهم عمرو : إن ربكم يصيّف باللّات لبرد الطائف ، ويشتّي بالعزّى لحرّ تهامة . وكان في كل واحد شيطان يعبد . فلما بعث اللّه عز وجل محمدا صلى اللّه عليه وسلم بعث بعد فتح مكة خالد بن الوليد إلى العزّى يهدمها ، فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه إلى العزى حتى انتهى إليها فهدمها . ثم رجع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : « أهدمت ؟ » ، قال : نعم يا رسول اللّه . قال : « هل رأيت شيئا ؟ » ، قال : لا .
قال : « فإنك لم تهدمها ، فارجع إليها فاهدمها » . فخرج خالد بن الوليد وهو متغيظ ، فلما انتهى إليها جرّد سيفه ، فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة ناشرة شعرها ، فجعل السادن يصيح بها ، قال خالد : وأخذني اقشعرار في ظهري ،
فجعل السادن يصيح ويقول :
أعزّاي شدّي شدّة لا تكذبي * أعزّاي ألقي بالقناع وشمّري
أعزّاي إن لم تقتلي المرء خالدا * فبوئي بذنب عاجل وتبصري
“ 293 “
فأقبل خالد بن الوليد رضي اللّه عنه بالسيف إليها ، وهو يقول :
كفرانك اليوم ولا سبحانك * إني رأيت اللّه قد أهانك
قال : فضربها بالسيف ، ثم رجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره . فقال : « نعم تلك العزّى ، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبدا » . ثم قال خالد رضي اللّه عنه : الحمد للّه الذي أكرمنا بك يا رسول اللّه ، وأنقذنا بك من الهلكة . لقد كنت أرى أبي يأتي العزّى بخير ما له من الإبل والغنم ، فيذبحها للعزى ، ويقيم عندها ثلاثا ، ثم ينصرف إلينا مسرورا ، فنظرت إلى ما مات أبي عليه ، وإلى ذلك الرأي الذي كان يعيش في فضله ، وكيف جزع حتى صار يذبح لما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يضرّ ، ولا ينفع . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن هذا الأمر إلى اللّه ، فمن يسّره للهدى تيسّر له ، ومن يسّره للضلالة كان لها » . وكان هدمها لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان . وكان سادنها أفلح بن النضر السلميّ من بني سليم .
حكى سعيد بن عمرو الهذلي : أن أفلح سادنها لما حضرته الوفاة ، دخل عليه أبو لهب يعوده وهو حزين ، فقال : ما لي أراك حزينا ؟ قال : أخاف أن تضيع العزى بعدي .
فقال له : لا تحزن ، فأقوم عليها بعدك . فجعل أبو لهب يقول لكل من لقي أن تظهر العزى :
كنت قد أخذت عندها يدا ، وأن يظهر محمد على العزى ، وما أراده يظهر ، فابن أخي .
فأنزل اللّه تعالى : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ .
وجاء حسان بن ثابت الأنصاري إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو في المسجد ، فقال : يا رسول اللّه ، ائذن لي أن أقول ، فإني لا أقول إلا حقا ، فقال : « قل » . فأنشأ يقول :
شهدت بإذن اللّه أن محمدا * رسول الذي فوق السماوات من عل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » .
فقال حسان :
وإن أبا يحيى ويحيى كليهما * له عمل في دينه متقبل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » . فقال حسان :
وإن الذي عادى اليهود ابن مريم * رسول أتى من عند ذي العرش مرسل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » . فقال حسان :
وإن أخا الأحقاف إذ يعذلونه * يجاهد في ذات الإله ويعدل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » . فقال حسان :
وإن التي بالجزع من بطن نخلة * ومن دانها فلّ عن الحق معزل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » .
“ 294 “
قال سفيان : يعني العزّى .
روينا من حديث أبي الوليد ، عن جده ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن من حدّثه ، وذكره ، وكان سدنة العزّى بنو شيبان بن سليم ، خلفاء بني هاشم ، وكانت قريش وبنو كنانة وخزاعة وجميع مضر تعظّمها . فإذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة ، لم يحلوا حتى يأتوا العزّى فيطوفون بها ويحلّون عندها ، ويعكفون عندها يوما .
حدثنا يونس بن يحيى ، ثنا محمد بن ناصر ، انا الحسن بن أحمد ، أنا الأزهري ، ثنا أبو الطيب بن حمدان ، حدثنا إسماعيل ، ثنا عباس ، حدثنا عبيد بن إسحاق العطار ، ثنا محمد بن مبشر القيسي ، عن عبيد اللّه الحسن ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم ، قال : يجتمع في كل يوم عرفة بعرفات جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر عليهم السلام ، فيقول جبريل : ما شاء اللّه ، لا قوة إلا باللّه . فيرد عليه ميكائيل فيقول : ما شاء اللّه ، كل نعمة من اللّه . فيرد عليهما إسرافيل فيقول : ما شاء اللّه ، الخير كله بيد اللّه .
فيرد عليهم الخضر فيقول : ما شاء اللّه ، ما يدفع السوء إلا اللّه . ثم يفترقون فلا يجتمعون إلى قابل في مثل ذلك اليوم .
موعظة
إلا يا عسكر الأحياء * هذا عسكر الموتى
أجابوا الدعوة الصغرى * وهم منتظرو الكبرى
يحثون على الزاد * ولا زاد سوى التقوى
يقولون لكم جدوا * وهذا آخر الدنيا
ما من يوم إلا والأرض تنادي بخمس كلمات : يا ابن آدم ، تمشي على ظهري ، ثم مصيرك إلى بطني . يا ابن آدم ، تفرح على ظهري ، وتحزن في بطني . يا ابن آدم ، تذنب على ظهري ، ثم تعذب في بطني . يا ابن آدم ، تضحك على ظهري ، ثم تبكي في بطني . يا ابن آدم ، تأكل الحرام على ظهري ، ثم يأكلك الدود في بطني .
وقال عبد الرحمن : بلغني أن الرجل إذا وضع في قبره فعذّب وأصابه ما يكره ، نادته جيرانه من الموتى : أيها المخلّف في الدنيا بعد إخوانه وجيرانه ، أما كان لك فينا معتبر ؟ أما كان لك في تقدّمنا إياك فكر ؟
أما رأيت انقطاع أعمالنا عنّا في المهلة ؟ فهلا استذكرت واعتبرت بمن غيّب من أهلك في بطن الأرض ممن غرّته الدنيا قبلك ؟
“ 295 “
حدثنا يوسف بن يحيى ، حدثنا محمد بن أبي منصور ، عن أبي ظاهر ، عن الصقر ، عن هبة اللّه بن إبراهيم الصراف ، عن الحسن بن إبراهيم الضراب ، عن أحمد بن مروان ، عن أحمد بن محمد البغدادي ، عن عبد المنعم ، عن أبيه ، عن وهب بن منبه ، قال : أصبت على قبر إبراهيم الخليل عليه السلام مكتوب :
إلهي جهولا أمله * يموت من جا أجله
ومن دنا من حتفه * لم تغن عنه حيله
وكيف يبقى آخر * قد مات عنه أوله
حدثنا يونس بن يحيى ، ثنا محمد بن منصور ، عن علي بن الحسين بن أيوب ، حدثنا عبد الرحمن بن علي ، قال : انا محمد بن أبي منصور ، وعلي بن عمر ، قالا : أنبأنا علي بن الحسين ، أنا أبو علي بن شادان ، أنبأنا إبراهيم بن محمد المزكي ، ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدثنا محمد بن أحمد بن زيد ، أو قال يونس بن زيد : أنبأنا عمرو بن عاصم ، ثنا الحسن بن زيد ، عن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : لا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم . قال : « يلتقي الخضر والياس في كل عام في الموسم ، فيحلق كل منهما رأس صاحبه ، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : باسم اللّه . ما شاء اللّه ، لا يأتي بالخير إلا اللّه . ما شاء اللّه ، لا يصرف السوء إلا اللّه . ما شاء اللّه ، ما كان من نعمة فمن اللّه . ما شاء اللّه ، لا حول ولا قوة إلا باللّه » .
وقال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات ، آمنه اللّه من الغرق ، والحرق ، والسرق . وأحسبه قال : ومن الشيطان ، ومن السلطان ، ومن الحية والعقرب .
خبر الأربعين الرجبيين والأبدال
اعلم أن للّه أربعين رجلا من خلقه ينظر إليهم فيأخذهم عن حركاتهم ، فيقعدهم لا يستطيعون حراكا في شهر رجب كله ، من أوّله إلى آخره ، وما عندهم خبر من حالهم ، ولا مما يرد عليهم غير ما عرّفهم الحق به في تلك الأخذة ، وذلك في كل سنة .
فإذا انقضى الشهر ، لم يبق عند الرجل منهم خبر من حال غير ما كان عرفه ، ولا يبقى له كشف ولا اطّلاع ولا نداء من ذلك العالم ، ولا شيء إلى أن يستهل رجب ، فيرجع عليهم ذلك الحال .
فلا يزال بهم إلى انقضاء الشهر ، فيرون من العجائب في تلك الحال من الكوائن إلى ما شاء اللّه . غير أن بعضهم قد يبقى معه في طوال السنة علامة مقصورة على إدراك أمر ما لا غير .
“ 296 “
وقد اجتمعنا برجل منهم في شهر رجب ، وهو محبوس في بيته ، قد حبسته هذه الحالة ، وهو بائع للجزر والخضر العامة ، غير أني سألته عن حالته ، فأخبرني بكيفيّتها على ما كان علمي فيها . وكان يخبر بعجائب ، فسألته : هل يبقى لك علامة في شيء قال : نعم ، لي علامة من اللّه في الرافضة خاصة . أراهم في صور الكلاب ، لا يستترون عني أبدا ، وقد رجع منهم على يده جماعة مستورون لا يعرفونهم أهل السنة ، إلا أنهم منهم عدول ، فدخلوا عليه ، فأعرض عنهم ، وأخبرهم بأمرهم ، فرجعوا وتابوا ، وشهدوا على أنفسهم ما أخبر عنهم مما ليس عند أحد منهم خبر .
وحدّثنا محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن عبد اللّه ، عن علي بن الحسن بن أحمد بن طلحة ، عن محمد بن عبد اللّه الحيّاني ، عن عثمان بن أحمد الدقاق ، عن إسحاق بن إبراهيم الختليّ ، عن عثمان بن سعيد الأنطاكي ، عن علي بن الهيثم المصيصي ، عن عبد المجيد بن بحر عن سلّام الطويل ، عن داود بن يحيى عن مولى عون الطفاوي ، عن رجل كان مرابطا في بيت المقدس وبعسقلان ، قال : رأيت رجلا وأنا بوادي الأردن قائما يصلي ، وسحابة تظلله من الشمس ، فلما سلّم سلّمت عليه ، وقلت : من أنت ؟
فقال :
الياس النبي . فقلت : ادع لي ، فقال : يا برّ ، يا رحيم ، يا حي ، يا قيوم ، يا حنّان ، يا منّان ، يا هيا ، شراهيا ، فذهب عني ما كان أصابني من هيبته . فسألته : هل يوحى إليه اليوم ؟ قال :
منذ بعث محمد عليه الصلاة والسلام ، فلا قلت : كم من الأنبياء أحياء ؟ قال : أنا والخضر وإدريس وعيسى . قلت : فهل تلتقي أنت والخضر ؟ قال : نعم ، في كل عام بعرفات .
قلت : فكم الأبدال ؟ قال : هم ستون رجلا : خمسون ما بين العريش إلى شاطئ الفرات ، ورجلان بالمصيصة ، ورجل بأنطاكية ، وسبعة في سائر الأمصار . بهم تسقون الغيث ، وبهم تنصرون على العدو ، وبهم يقيم اللّه أمر الدين . حتى إذا أراد أن يهلك ، يعني الدنيا ، أماتهم جميعا . قلت : لا تنقص الأبدال عن سبعة نفر ، ويزيدون إلى ما شاء اللّه ، ليس لهم حد معروف في الزيادة ، واقتصار الياس على الستين ، إنما ذكر الموجودين في ذلك الزمان الذي سئل فيه لا غير . وفصّل له تفريقهم في مساكنهم ، وأبان له أن فيهم من هو ملازم موضعا ما ، ومن هو سائح ، واللّه أعلم بخلقه .
ولمهيار الديلمي في حنين الإبل وسيرها :
يا سائق الأضغان أر * ود بعض ما تعسف
فإن بين سوقها * أفئدة تخطّف
يا زمني على الغضا * ما أنت إلا الأسف
“ 297 “
لهفي عليك ماضيا * لو ردّك التلهف
وله أيضا في هذا الباب :
إذا فاتها روض الحمى وجنوبه * كفاها النسيم البابليّ وطيبه
فدعها تلسّ العيس طوع قلوبها * فأمرع ما ترعاه ما تستطيبه
وإن الثمار البرض في عزّ قومها * لأينع من جمّ يذلّ غريبه
يلوم على نجد ضنين بدمعه * إذا فارق الأحباب جفّت غروبه
وما الخلّ إلا من فؤادي فؤاده * لأهل الغضا أو من حبيبي حبيبه
وله أيضا من هذا الباب :
هل السائق الغضبان يملك أمره * فما كل سير اليعملات وحيد
رويدا بأخفاف المطيّ فإنما * تداس جباه تحتها وجدود
روينا من حديث المالكي ، قال : أنشدني ابن قتيبة :
وكم من جاهل في الناس أضحى * له عقل وليس له زمان
كفى بالمرء عيّا أن نراه * له وجه وليس له لسان
وما حسن الرجال لهم بزين * إذا لم يسعد الحسن البيان
وقال أيضا : أنشدني الحسن بن علي ، أنشدني محمود :
ما أفضح الموت للدنيا وزينتها * جدا وما أفضح الدنيا بأهليها
لا ترجعن إلى الدنيا بلائمة * فعذرها لك باد في مساويها
لم يبق من عيبها شيء لصاحبها * إلا وقد بيّنته في معانيها
تفنى البنين وتفنى الأهل دائبة * والحرب سلم إلى من لا يدانيها
فما يزيدهم قتل الذي قتلت * ولا العداوة إلا رغبة فيها
وقال أيضا : أنشدني محمد بن فضالة لغيره فيمن انقطع إلى اللّه عز وجل :
هم القوم بين الأرض في الأرض قد أووا * إلى كنف رحب مصونون في ستر
أئمة صدق يشرحون سبيله * بألسنة صينت عن اللغو والهجر
خبر حسان وعمر بن مجدي كري يبان أسعد تبّع الذي كسا الكعبة
قال ابن إسحاق : سار حسان بن أسعد بأهل اليمن ، يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم ، حتى إذا كان ببعض أهل العراق بالبحرين ، كرهت حمير وقبائل اليمن
“ 298 “
السير معه ، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهليهم . فكلموا أخا له يقال له عمرو ، فقالوا له :
اقتل أخاك حسان ، ونملّكك علينا ، وترجع بنا إلى بلادنا ، فأجابهم ، فاجتمعوا على ذلك إلا ذو رعين الحميري ، فإنه نهاه عن ذلك فلم يقبل منه ، فقال ذو رعين في ذلك :
ألا من يشتري سهرا بنوم * سعيد من يبيت قرير عين
وأما حمير غدرت وخانت * فمعذرة الإله الذي رعين
قال ابن إسحاق : ثم كتبها في رقعة وختم عليها ، ثم أتى بها عمرا ، فقال له : ضع لي هذا الكتاب عندك ، ففعل . ثم وثب عمرو على أخيه فقتله ، فسموه موثبان لوثوبه على أخيه . ورجع بمن معه إلى اليمن .
قال الشاعر :
لاه عين الذي رأى مثل حسا * ن قتيلا في سالف الأحقاب
قتلته مقاول خشية الجيش * غزاة قالوا لباب اللّباب
ميتكم خيرنا وحيّكم ربّ * علينا فكلكم أرباب
قال ابن إسحاق : فلما نزل عمرو بن يبان اليمن ، منع منه النوم ، وسلّط عليه السهر .
فلما جهد ذلك ، سأل الأطباء والعرّافين والحرازة من الكهّان عمّا به ، فقال له رجل منهم :
إنه واللّه ما قتل رجل قط أخاه أو ذي قرابة بغيا على ما قتلت أخاك عليه إلا ذهب عنه نومه ، وسلّط عليه السهر ، فلما قيل له ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه حسان من أشراف اليمن ، حتى خلص إلى ذي رعين ، فقال له ذو رعين : إن لي عندك براءة ، قال : وما هي ؟
قال : الكتاب الذي دفعته لك . فأخرجه فإذا فيه البيتان ، فتركه ورأى أنه قد نصحه ، وهلك عمرو .
لباب اللباب بلغة حمير : لا بأس . ويروى لياب بالياء نقطتين ، والمقاول : الملوك ، ولاه بمعنى للّه . حكي عن سيبويه أنه قال : يقولون : لاه أبوك ، بمعنى : للّه أبوك ، ويحذفون لام الإضافة واللام الأخرى .
وممن عمل ليوم العقبة ، ما حدّثنا به يونس بن يحيى ، حدثنا محمد بن نصر ، ثنا أحمد بن الحسن بن حبروت ، قال : قرأت على ابن شادان أن أحمد بن كامل أخبره قال :
ثنا محمد بن يونس ، عن الأصمعي ، عن شيبة بن شيبة ، قال : كنّا بطريق مكة وبأيدينا غذاء لنا في يوم صائف ، وإذا بأعرابي معه زنجية يقول لنا : أفيكم من يكتب لي كتابا ؟
قلنا له :
أصب من غذائنا ، فإذا فرغنا كتبنا لك ما سألت . قال : إني صائم ، فتعجبنا من صومه في تلك البرية . فلما فرغنا من غذائنا دعوناه ، فقلنا له : ما تريد ؟ فقال : أيها الرجل ، إن الدنيا قد كانت ولم أكن فيها ، وستكون ولا أكون فيها . وإني أريد أن أعتق جاريتي هذه لوجه اللّه
“ 299 “
عز وجل ، ثم ليوم العقبة . ثم قال : تدري ما يوم العقبة ؟ قوله هذا عزّ وجل : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ . اكتب ما أقول لك ، ولا تزد عليّ حرفا . هذه فلانة خادمة فلان ، قد أعتقها لوجه اللّه عز وجل ، ثم ليوم العقبة . قال شيبة : فقدمت البصرة وأتيت بغداد ، فحدّثت بهذا الحديث المهدي ، فأعتق المهدي مائة نسمة على غريبة الأعرابي .
ومن وقائع أصحاب الكشوف ، ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي قال : رأى بعض الفقراء بجباية في واقعته صورة حتى يقول للشيخ أبي مدين :
يا شيخ قربتك مني * حتى كأنك أني
وناديت سرّك ، إياك عني * بمعنى معناك ، فكنت مني
فجاوبه الشيخ :
سبحانك سبحانك أدنيتني * منك ، فأفتيتني عني
بحق حقك يا حق ، بوجودك صلني * فأنت أقصى مناي ، يا غاية المتمني
ثم قال : سمعت الحق ناداه بي ، قال : وعليّ دلّ ، فأنا الكل .
وصية
رويناها من حديث الدينوري عن جعفر بن محمد ، عن عيسى بن سليمان ، عن ضمرة ، قال : يقال : ثلاث من لم تكن فيه لم يجد طعم الإيمان : علم يحجزه عن جهل الجاهل ، وورع يحجزه عن المحارم ، وخلق يعاشر به الناس .
موعظة
من روايتنا عن أبي مروان ، عن إبراهيم بن نصر ، عن الزيادي ، عن الأصمعي ، قال :
دخلت بعض الخيام فإذا بجارية ، واللّه ما أحسبها أتت عليها عشر سنين ، وهي تقول :
عدمت الحياة ولا نلتها * إذا كنت في القبر قد ألحدوك
وكيف أذوق لذيذ الكرى * وأنت بيمناك قد وسّدوك
دعاء حسن
ومن روايتنا عن أبي مروان ، عن أحمد بن علي ، عن الأصمعي ، عن أبيه ، قال :
سمعنا أعرابية تقول داعية للّه عز وجل : اللهم متّعنا بخيارنا ، وأعنّا على أشرارنا ، واجعل
“ 300 “
الأموال في سمحائنا . وبه قال : حدثنا النضر بن عبد اللّه ، قال : أخبرني الأصمعي ، قال :
سمعت أعرابيا عند الملتزم يقول : اللهم أعنّي على الموت وكربته ، وعلى القبر وغربته ، وعلى الميزان وخفّته ، وعلى الصراط وزلّته ، وعلى يوم القيامة وروعته . قلت : وسمعت بعض المذكّرين يقول في خطبته : اذكروا ألم الموت وسكرته ، وعذاب القبر وظلمته ، وهول المحشر وبعثه ، والسؤال وغلظته ، والميزان وخفّته ، والصراط وزلّته ، والقصاص وحسرته .
أعرابية المحتد عربية المشهد
حدثنا بشأنها عبد الرحمن كتابة ، قال : أخبرنا المبارك بن علي ، قال : نبأنا ابن العلاف ، انا عبد الملك بن بشران ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الكندي ، عن جعفر بن محمد الخرائطي ، حدثنا ابن الجنيد ، حدثنا محمد بن الحسين ، عن الصلت بن حكيم ، حدثني ابن السماك ، عن امرأة من أهل البادية ، قال : سمعتها تقول يوما : لو تطلعت قلوب المؤمنين بفكرها إلى ما ادّخر لها في حجب الغيوب من خير الآخرة ، لم يطب لهم عيش ولا تقر لهم في الدنيا عين .
خبر سواد بن قارب مع هاتفه
روينا من حديث ابن عبد اللّه ، حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا بشر بن حجر الشامي ، ثنا علي بن منصور الأنباري ، عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : بينما عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في المسجد ، إذ مرّ رجل في مؤخر المسجد ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، أتعرف هذا المارّ ؟ قال : لا ، فمن هو ؟ فقال : هذا سواد بن قارب ، وهو رجل من أهل اليمن له فيهم شرف وموضع ، وهذا الذي أتاه رئيه بظهور رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فقال عمر : عليّ به ، فدعا به قال : أنت سواد بن قارب ؟ قال : نعم ، قال : أنت الذي أتاك رؤيك بظهور رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟
قال : نعم ، قال : فأنت على ما كنت عليه من كهانتك ؟ فغضب سواد بن قارب وقال : يا أمير المؤمنين ، ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت ، فقال عمر : يا سبحان اللّه ، ما كنّا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك ، أخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
قال : نعم يا أمير المؤمنين ، بينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان ، إذ أتاني رؤييّ فضربني برجله وقال : قم يا سواد بن قارب ، وافهم واعقل ، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب ، يدعو إلى اللّه وإلى عبادته ،
ثم أنشأ يقول :
“ 301 “
عجبت للجنّ وتحساسها * وشدّها العيس بأحلاسها
تهوى إلى مكة تبغي الهدى * ما خيروا الجن كأنجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى رأسها
قال : فلما كانت الليلة الثانية ، أتاني فضربني برجله ، وقال : ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم وافهم واعقل ، إن كنت تعقل ، إنه بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى اللّه وإلى عبادته ؟
ثم أنشأ يقول :
عجبت للجنّ وتطلابها * وشدّها العيس بأقتابها
تهوى إلى مكة تبغي الهدى * ما صادق الجنّ ككذابها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * ليس قداما مثل أذنابها
قال : فلم أرفع رأسا بقوله . فلما أن كانت الليلة الثالثة ، أتاني فضربني برجله ، وقال : ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم وافهم واعقل ، إن كنت تعقل ، إنه بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى اللّه وإلى عبادته ؟
ثم أنشأ يقول :
عجبت للجنّ وأخبارها * وشدّها العيس بأكوارها
تهوى إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنو الجنّ ككفارها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها وأحجارها
قال : فوقع في نفسي حب الإسلام ، ورغبت فيه . فلما أصبحت شددت على راحلتي وانطلقت متوجها إلى مكة . فلما كنت ببعض الطريق أخبرت أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة ، فأتيت المدينة ، فسألت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقيل في المسجد ، فعقلت ناقتي ، وإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والناس حوله ، فقلت : اسمع مقالتي يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فقال : « يا أبا بكر ، ادنه ادنه » ، فلم يزل لي حتى صرت بين يديه . فقال : « هات فأخبرني بإتيان رئيك » ،
فقلت :
أتاني رؤييّ بعد هدء ورقدة * ولم أك فيما قد تلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتانا رسول من لؤي بن غالب
فشمّرت عن ذيل الإزار ووسطت * بي الدعلب الوجناء بين السباسب
فأشهد أن اللّه لا ربّ غيره * وأنك مأمون على كل غائب
وإنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى اللّه يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى * وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن سواد بن قارب
“ 302 “
قال : فسرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقصتي وإسلامي ، فوثب إليه عمر رضي اللّه عنه فالتزمه ، وقال : قد كنت أحب أن أسمع هذا منك .
الدعلب والدعلبة : الناقة السريعة .
نصيحة الجرهمي لعمرو بن لحيّ
روينا من حديث أبي الوليد أن عمرو بن لحيّ لمّا غيّر دين إبراهيم عليه السلام ، وكان أمره عند العرب مطاعا ، وما شرع لهم من دين متبعا سيب السوائب ، ووصل الوصيلة ، وحمى الحامي وبحر البحيرة ، ونصب الأصنام حول الكعبة ، وجاء بهبل من هيت من أرض الجزيرة ، فنصبه في بطن الكعبة .
وكان بمكة رجل من جرهم على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، وكان شاعرا ، فقال لعمرو بن لحيّ حين غيّر دين الحنيفية :
يا عمرو لا تظلم بمكة إنها بلد حرام * سائل بعاد ابن هم وكذاك محترم الأنام
وبني العمالقة الذين لهم بها كان السرام
فزعموا أن عمرو بن لحيّ أخرج ذلك الجرهمي ، فنزل بأضم بأعراض المدينة ، مدينة النبي صلى اللّه عليه وسلم نحو الشام . فتشوق إلى مكة فأنشأ يقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * وأهلي بها بالمأزمين حلول
وهل أرين العيس تنفح في الثرى * لها بمنى ولمأزمين ذميل
منازل كنا أهلها لم يحل بنا * زمان بها فيما أراه يحوك
مضى أوّلونا راضيين بشأنهم * جميعا وغالتني بمكة غوك
تفسير ما ذكرنا فيه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام : البحيرة فيما ذكره المفسرون الناقة التي كانت في الجاهلية ، إذا أنتجت خمسة أبطن ، وكان آخرها ذكرا ، بحروا أذنها أي شقوها ، ولم يذبحوها ، ولم يركبوها ، ولم تطرد من ماء ، ولا تمنع من مرعى ، ولم يركبها أحد . قال الكلبي : كانت إذا أنتجت خمسة أبطن ، فكان الخامس ذكرا ، أكله الرجال دون النساء . وإن كان أنثى بحروا أذنها وشقوها ، وتركت لا يشرب لها لبن ولا تركب . وإن كان ميتة اشترك فيها الرجال والنساء . يقال : بحرت أذن اللبن إذا شققت منها واسعا . والناقة بحيرة مبحورة .
وأما السائبة فقيل : هو ما كان أحدهم يفعله إذا مرض ، فينذر إن شفي أن يسيب
“ 303 “
ناقته . فإذا فعل ذلك لم تمنع من ماء ولا من كلأ ، وقد يسيبون غير الناقة ، وكانوا إذا سيبوا العبد لم يكن عليه ولاء . وقيل : إذا كانت الناقة ، إذا تتابعت اثنا عشر أنثى ليس فيها ذكر سيّبت ، فلم تركب ولا يجزّ وبرها ولم يشرب لبنها ، فما نتجت بعد ذلك من أولادها شقت أذنها وخليت مع أمها . فهي البحيرة بنت السائبة .
والوصيلة من الغنم ، إذا ولدت الشاة سبعة أبطن ، فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء ، وإن كان أنثى لم يذبحوها . قال ابن عباس : ولم يشرب من لبنها غير الذكور خاصة . وإن كان ميتة أكلها الرجال والنساء ، وتلا : وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ، الآية . وقيل : إن الوصيلة الشاة ، تنتج عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيها ذكر . فيقولون : وصلت ، فما ولدت بعد ذلك فهو للذكور دون الإناث ، إلا أن يموت منها شيء فيشترك في أكله الذكور والإناث .
وأما الحام فهو البعير ، ينتج من ظهره عشرة أبطن ذكورا وإناثا ، فيقولون : قد حمى ظهره ، ويخلى ولا يركب .
وقيل : هو الفحل ، ينتج من ظهره عشرة إناث متتابعات ليس بينهن ذكر . فيقولون :
قد حمى ظهره ، فلا يركب ولا يجز ولا ينتفع به لغير الضراب . وقال ابن عباس : هو البعير الذي يركب أولاد أولاده .
موعظة نبوية
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « اتقوا اللّه حق تقاته ، واسعوا في مرضاته ، وأيقنوا من الدنيا بالفناء ، ومن الآخرة بالبقاء ، واعملوا لما بعد الموت . فكأنكم بالدنيا لم تكن ، وبالآخرة لم تزل . ألا وإن من في الدنيا ضيف ، وما في يده عارية . وإن الضيف مرتحل ، والعارية مردودة . ألا وإن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر . فرحم اللّه امرأ نظر لنفسه ، ومهّد لرمسه ما دام رسنه مرخى ، وحبله على غاربه ملقى ، قبل أن ينفذ أجله ، وينقطع عمله » .
شعر :
لعفوك يا مولى الموالي تشوقي * فكن لي وليا في مقامي وموقفي
فها أنا بالباب المعظم قدره * مقل من التقوى كثير التخوف
فجدلي بعفو منك يستر زلتي * فما زلت ذا فضل كثير التعطف
وممن ابتلى بعهد فوفى موسى المصطفى : حدثنا محمد بن قاسم ، حدثنا عبد اللّه بن عبد المجيد ، عن عمرو بن حسن بن محمد بن أحمد القرشي الماسي ، قال :
الجزء 20
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 291 “
هب أنك قد ملكت الأرض طرّا * ودان لك العباد فكان ما ذا
أليس غدا مصيرك جوف قبر * ويحثو الترب هذا ثم هذا
قال : أجدت يا بهلول . أفغيره ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين : من رزقه اللّه جمالا ومالا ، فعفّ في جماله وواسى في ماله ، كتب في ديوان الأبرار . قال : فظن أنه يريد شيئا .
قال : فإنّا قد أمرنا بقضاء دينك . قال : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، لا يقضى دين بدين ، أردد الحق إلى أهله ، واقض دين نفسك . قال : إنّا قد أمرنا لك أن يجري عليك . قال : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، لا تعطيك إساءتي أجري على الذي أجرى عليك . لا حاجة لي في جرأتك .
ومن شعر الشريف الرضيّ في وداع الحاج :
أيها الرائح المعد تحمّل * حاجة للمعذّب المشتاق
أقر مني السلام أهل المصلى * فبلاغ السلام بعض التلاقي
وإذا ما مررت بالحنيفي فاشهد * أن قلبي إليه بالأشواق
وإذا ما سئلت عني فقل نض * وهوى ما أظنه اليوم باقي
ضاع قلبي فأنشده لي بين جمع * ومنى عند بعض تلك الحداق
وابك عني فإنني كنت من قب * ل أعير الدموع للعشاق
ومن كلام مهيار الديلمي في الشوق :
يا لهوى لما أطقت حمله * يوم الرحيل سامني ولم أطق
فارقت حولا أهل نجد والهوى * ذاك الهوى وحرقي تلك الحرق
قلت لمن ظن البعاد سلوة * لا تنتحل بطعم شيء لم تذق
آه لقلب شق عنه أضلعي * من الحمى تخال برق أو شفق
ثار به الشوق فهبّ فيه ما * تطلعا ثم تراءى ما برق
ومن شعر أبي غالب بن بشران في ذلك :
ولما ثاروا العيس للبين بينت * غرامي لمن حولي دموع وأنفاس
فقلت لهم لا بأس لي فتعجّبوا * وقالوا الذي أبديته كله بأس
تعوّض بأس الصبر عن وحشة الأسى * فقد فارق الأحباب من ذلك الناس
ومن الشعر الذي يصرفه الصالح إذا سمعه إلى الجنان والحور والولدان :
قف بالطواف ترى الغزال المحرما * حج الحجيج وعاد يطلب زمزما
قمر تعرّض في الطواف كأنه * بدر تطلع في السماء وأنجما
“ 292 “
ناديته بمدامع لو أنها * شرّبت لشرّاب لكانت مغنما
يا طالبا بالحج رحمة ربه * أرضيت بالحرمين تقتل مسلما
ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى ، ما قرأ علينا عبد اللّه ابن الأستاذ ، قال : قال بعض الفقراء : رأيت في واقعتي الحق تعالى وهو يقول لأبي مدين : مادّة سرك بسنا نوري ، وغذاء روحك برؤيتي وسروري ، وقلبك موضع عظمتي وجبروتي . هي أحوال مني اقتبستها ولي رددتها ، فأنت لي ولي صرف .
يا أبا مدين ، جاوز نظر الناظرين نظرك ، وتعلق بي فكرك . فلما قدرتني قدري كنت سمعك وبصرك . وعرفتك بي فعرفتني ، ونزهت سرك عن سواي فنزهتني ، فأنت ظاهر وباطن بي ولي . فقال أبو مدين : سبحانك سبحانك اللهم أدم فضلك ، عجزت الأوهام عن وصف وصفك ، وامتلأت الأسرار أنسا بذكرك . ثنائي ثناؤك ، وأمري أمرك . فواصل اللهم نوري بنورك ، فلا يقتبس الفضل منك إلا بك .
خبر اللّات والعزّى
روينا من حديث أبي الوليد ، عن جده ، عن سعيد بن سالم ، عن عثمان بن ساج ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، أن رجلا ممن مضى كان يقعد على صخرة لثقيف يبيع السمن من الحاج إذا مرّ يلتّ سويقهم ، وكان ذا غنم ، فسميت صخرة اللات . فلما فقده الناس قال لهم عمرو : إن ربكم اللات قد دخل في جوف الصخرة .
وكانت العزّى ثلاث شجرات نخل ، وكان أول من دعا إلى عبادتها عمرو بن ربيعة والحارث بن كعب . وقال لهم عمرو : إن ربكم يصيّف باللّات لبرد الطائف ، ويشتّي بالعزّى لحرّ تهامة . وكان في كل واحد شيطان يعبد . فلما بعث اللّه عز وجل محمدا صلى اللّه عليه وسلم بعث بعد فتح مكة خالد بن الوليد إلى العزّى يهدمها ، فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه إلى العزى حتى انتهى إليها فهدمها . ثم رجع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : « أهدمت ؟ » ، قال : نعم يا رسول اللّه . قال : « هل رأيت شيئا ؟ » ، قال : لا .
قال : « فإنك لم تهدمها ، فارجع إليها فاهدمها » . فخرج خالد بن الوليد وهو متغيظ ، فلما انتهى إليها جرّد سيفه ، فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة ناشرة شعرها ، فجعل السادن يصيح بها ، قال خالد : وأخذني اقشعرار في ظهري ،
فجعل السادن يصيح ويقول :
أعزّاي شدّي شدّة لا تكذبي * أعزّاي ألقي بالقناع وشمّري
أعزّاي إن لم تقتلي المرء خالدا * فبوئي بذنب عاجل وتبصري
“ 293 “
فأقبل خالد بن الوليد رضي اللّه عنه بالسيف إليها ، وهو يقول :
كفرانك اليوم ولا سبحانك * إني رأيت اللّه قد أهانك
قال : فضربها بالسيف ، ثم رجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره . فقال : « نعم تلك العزّى ، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبدا » . ثم قال خالد رضي اللّه عنه : الحمد للّه الذي أكرمنا بك يا رسول اللّه ، وأنقذنا بك من الهلكة . لقد كنت أرى أبي يأتي العزّى بخير ما له من الإبل والغنم ، فيذبحها للعزى ، ويقيم عندها ثلاثا ، ثم ينصرف إلينا مسرورا ، فنظرت إلى ما مات أبي عليه ، وإلى ذلك الرأي الذي كان يعيش في فضله ، وكيف جزع حتى صار يذبح لما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يضرّ ، ولا ينفع . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن هذا الأمر إلى اللّه ، فمن يسّره للهدى تيسّر له ، ومن يسّره للضلالة كان لها » . وكان هدمها لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان . وكان سادنها أفلح بن النضر السلميّ من بني سليم .
حكى سعيد بن عمرو الهذلي : أن أفلح سادنها لما حضرته الوفاة ، دخل عليه أبو لهب يعوده وهو حزين ، فقال : ما لي أراك حزينا ؟ قال : أخاف أن تضيع العزى بعدي .
فقال له : لا تحزن ، فأقوم عليها بعدك . فجعل أبو لهب يقول لكل من لقي أن تظهر العزى :
كنت قد أخذت عندها يدا ، وأن يظهر محمد على العزى ، وما أراده يظهر ، فابن أخي .
فأنزل اللّه تعالى : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ .
وجاء حسان بن ثابت الأنصاري إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو في المسجد ، فقال : يا رسول اللّه ، ائذن لي أن أقول ، فإني لا أقول إلا حقا ، فقال : « قل » . فأنشأ يقول :
شهدت بإذن اللّه أن محمدا * رسول الذي فوق السماوات من عل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » .
فقال حسان :
وإن أبا يحيى ويحيى كليهما * له عمل في دينه متقبل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » . فقال حسان :
وإن الذي عادى اليهود ابن مريم * رسول أتى من عند ذي العرش مرسل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » . فقال حسان :
وإن أخا الأحقاف إذ يعذلونه * يجاهد في ذات الإله ويعدل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » . فقال حسان :
وإن التي بالجزع من بطن نخلة * ومن دانها فلّ عن الحق معزل
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أشهد » .
“ 294 “
قال سفيان : يعني العزّى .
روينا من حديث أبي الوليد ، عن جده ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن من حدّثه ، وذكره ، وكان سدنة العزّى بنو شيبان بن سليم ، خلفاء بني هاشم ، وكانت قريش وبنو كنانة وخزاعة وجميع مضر تعظّمها . فإذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة ، لم يحلوا حتى يأتوا العزّى فيطوفون بها ويحلّون عندها ، ويعكفون عندها يوما .
حدثنا يونس بن يحيى ، ثنا محمد بن ناصر ، انا الحسن بن أحمد ، أنا الأزهري ، ثنا أبو الطيب بن حمدان ، حدثنا إسماعيل ، ثنا عباس ، حدثنا عبيد بن إسحاق العطار ، ثنا محمد بن مبشر القيسي ، عن عبيد اللّه الحسن ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم ، قال : يجتمع في كل يوم عرفة بعرفات جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر عليهم السلام ، فيقول جبريل : ما شاء اللّه ، لا قوة إلا باللّه . فيرد عليه ميكائيل فيقول : ما شاء اللّه ، كل نعمة من اللّه . فيرد عليهما إسرافيل فيقول : ما شاء اللّه ، الخير كله بيد اللّه .
فيرد عليهم الخضر فيقول : ما شاء اللّه ، ما يدفع السوء إلا اللّه . ثم يفترقون فلا يجتمعون إلى قابل في مثل ذلك اليوم .
موعظة
إلا يا عسكر الأحياء * هذا عسكر الموتى
أجابوا الدعوة الصغرى * وهم منتظرو الكبرى
يحثون على الزاد * ولا زاد سوى التقوى
يقولون لكم جدوا * وهذا آخر الدنيا
ما من يوم إلا والأرض تنادي بخمس كلمات : يا ابن آدم ، تمشي على ظهري ، ثم مصيرك إلى بطني . يا ابن آدم ، تفرح على ظهري ، وتحزن في بطني . يا ابن آدم ، تذنب على ظهري ، ثم تعذب في بطني . يا ابن آدم ، تضحك على ظهري ، ثم تبكي في بطني . يا ابن آدم ، تأكل الحرام على ظهري ، ثم يأكلك الدود في بطني .
وقال عبد الرحمن : بلغني أن الرجل إذا وضع في قبره فعذّب وأصابه ما يكره ، نادته جيرانه من الموتى : أيها المخلّف في الدنيا بعد إخوانه وجيرانه ، أما كان لك فينا معتبر ؟ أما كان لك في تقدّمنا إياك فكر ؟
أما رأيت انقطاع أعمالنا عنّا في المهلة ؟ فهلا استذكرت واعتبرت بمن غيّب من أهلك في بطن الأرض ممن غرّته الدنيا قبلك ؟
“ 295 “
حدثنا يوسف بن يحيى ، حدثنا محمد بن أبي منصور ، عن أبي ظاهر ، عن الصقر ، عن هبة اللّه بن إبراهيم الصراف ، عن الحسن بن إبراهيم الضراب ، عن أحمد بن مروان ، عن أحمد بن محمد البغدادي ، عن عبد المنعم ، عن أبيه ، عن وهب بن منبه ، قال : أصبت على قبر إبراهيم الخليل عليه السلام مكتوب :
إلهي جهولا أمله * يموت من جا أجله
ومن دنا من حتفه * لم تغن عنه حيله
وكيف يبقى آخر * قد مات عنه أوله
حدثنا يونس بن يحيى ، ثنا محمد بن منصور ، عن علي بن الحسين بن أيوب ، حدثنا عبد الرحمن بن علي ، قال : انا محمد بن أبي منصور ، وعلي بن عمر ، قالا : أنبأنا علي بن الحسين ، أنا أبو علي بن شادان ، أنبأنا إبراهيم بن محمد المزكي ، ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدثنا محمد بن أحمد بن زيد ، أو قال يونس بن زيد : أنبأنا عمرو بن عاصم ، ثنا الحسن بن زيد ، عن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : لا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم . قال : « يلتقي الخضر والياس في كل عام في الموسم ، فيحلق كل منهما رأس صاحبه ، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : باسم اللّه . ما شاء اللّه ، لا يأتي بالخير إلا اللّه . ما شاء اللّه ، لا يصرف السوء إلا اللّه . ما شاء اللّه ، ما كان من نعمة فمن اللّه . ما شاء اللّه ، لا حول ولا قوة إلا باللّه » .
وقال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات ، آمنه اللّه من الغرق ، والحرق ، والسرق . وأحسبه قال : ومن الشيطان ، ومن السلطان ، ومن الحية والعقرب .
خبر الأربعين الرجبيين والأبدال
اعلم أن للّه أربعين رجلا من خلقه ينظر إليهم فيأخذهم عن حركاتهم ، فيقعدهم لا يستطيعون حراكا في شهر رجب كله ، من أوّله إلى آخره ، وما عندهم خبر من حالهم ، ولا مما يرد عليهم غير ما عرّفهم الحق به في تلك الأخذة ، وذلك في كل سنة .
فإذا انقضى الشهر ، لم يبق عند الرجل منهم خبر من حال غير ما كان عرفه ، ولا يبقى له كشف ولا اطّلاع ولا نداء من ذلك العالم ، ولا شيء إلى أن يستهل رجب ، فيرجع عليهم ذلك الحال .
فلا يزال بهم إلى انقضاء الشهر ، فيرون من العجائب في تلك الحال من الكوائن إلى ما شاء اللّه . غير أن بعضهم قد يبقى معه في طوال السنة علامة مقصورة على إدراك أمر ما لا غير .
“ 296 “
وقد اجتمعنا برجل منهم في شهر رجب ، وهو محبوس في بيته ، قد حبسته هذه الحالة ، وهو بائع للجزر والخضر العامة ، غير أني سألته عن حالته ، فأخبرني بكيفيّتها على ما كان علمي فيها . وكان يخبر بعجائب ، فسألته : هل يبقى لك علامة في شيء قال : نعم ، لي علامة من اللّه في الرافضة خاصة . أراهم في صور الكلاب ، لا يستترون عني أبدا ، وقد رجع منهم على يده جماعة مستورون لا يعرفونهم أهل السنة ، إلا أنهم منهم عدول ، فدخلوا عليه ، فأعرض عنهم ، وأخبرهم بأمرهم ، فرجعوا وتابوا ، وشهدوا على أنفسهم ما أخبر عنهم مما ليس عند أحد منهم خبر .
وحدّثنا محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن عبد اللّه ، عن علي بن الحسن بن أحمد بن طلحة ، عن محمد بن عبد اللّه الحيّاني ، عن عثمان بن أحمد الدقاق ، عن إسحاق بن إبراهيم الختليّ ، عن عثمان بن سعيد الأنطاكي ، عن علي بن الهيثم المصيصي ، عن عبد المجيد بن بحر عن سلّام الطويل ، عن داود بن يحيى عن مولى عون الطفاوي ، عن رجل كان مرابطا في بيت المقدس وبعسقلان ، قال : رأيت رجلا وأنا بوادي الأردن قائما يصلي ، وسحابة تظلله من الشمس ، فلما سلّم سلّمت عليه ، وقلت : من أنت ؟
فقال :
الياس النبي . فقلت : ادع لي ، فقال : يا برّ ، يا رحيم ، يا حي ، يا قيوم ، يا حنّان ، يا منّان ، يا هيا ، شراهيا ، فذهب عني ما كان أصابني من هيبته . فسألته : هل يوحى إليه اليوم ؟ قال :
منذ بعث محمد عليه الصلاة والسلام ، فلا قلت : كم من الأنبياء أحياء ؟ قال : أنا والخضر وإدريس وعيسى . قلت : فهل تلتقي أنت والخضر ؟ قال : نعم ، في كل عام بعرفات .
قلت : فكم الأبدال ؟ قال : هم ستون رجلا : خمسون ما بين العريش إلى شاطئ الفرات ، ورجلان بالمصيصة ، ورجل بأنطاكية ، وسبعة في سائر الأمصار . بهم تسقون الغيث ، وبهم تنصرون على العدو ، وبهم يقيم اللّه أمر الدين . حتى إذا أراد أن يهلك ، يعني الدنيا ، أماتهم جميعا . قلت : لا تنقص الأبدال عن سبعة نفر ، ويزيدون إلى ما شاء اللّه ، ليس لهم حد معروف في الزيادة ، واقتصار الياس على الستين ، إنما ذكر الموجودين في ذلك الزمان الذي سئل فيه لا غير . وفصّل له تفريقهم في مساكنهم ، وأبان له أن فيهم من هو ملازم موضعا ما ، ومن هو سائح ، واللّه أعلم بخلقه .
ولمهيار الديلمي في حنين الإبل وسيرها :
يا سائق الأضغان أر * ود بعض ما تعسف
فإن بين سوقها * أفئدة تخطّف
يا زمني على الغضا * ما أنت إلا الأسف
“ 297 “
لهفي عليك ماضيا * لو ردّك التلهف
وله أيضا في هذا الباب :
إذا فاتها روض الحمى وجنوبه * كفاها النسيم البابليّ وطيبه
فدعها تلسّ العيس طوع قلوبها * فأمرع ما ترعاه ما تستطيبه
وإن الثمار البرض في عزّ قومها * لأينع من جمّ يذلّ غريبه
يلوم على نجد ضنين بدمعه * إذا فارق الأحباب جفّت غروبه
وما الخلّ إلا من فؤادي فؤاده * لأهل الغضا أو من حبيبي حبيبه
وله أيضا من هذا الباب :
هل السائق الغضبان يملك أمره * فما كل سير اليعملات وحيد
رويدا بأخفاف المطيّ فإنما * تداس جباه تحتها وجدود
روينا من حديث المالكي ، قال : أنشدني ابن قتيبة :
وكم من جاهل في الناس أضحى * له عقل وليس له زمان
كفى بالمرء عيّا أن نراه * له وجه وليس له لسان
وما حسن الرجال لهم بزين * إذا لم يسعد الحسن البيان
وقال أيضا : أنشدني الحسن بن علي ، أنشدني محمود :
ما أفضح الموت للدنيا وزينتها * جدا وما أفضح الدنيا بأهليها
لا ترجعن إلى الدنيا بلائمة * فعذرها لك باد في مساويها
لم يبق من عيبها شيء لصاحبها * إلا وقد بيّنته في معانيها
تفنى البنين وتفنى الأهل دائبة * والحرب سلم إلى من لا يدانيها
فما يزيدهم قتل الذي قتلت * ولا العداوة إلا رغبة فيها
وقال أيضا : أنشدني محمد بن فضالة لغيره فيمن انقطع إلى اللّه عز وجل :
هم القوم بين الأرض في الأرض قد أووا * إلى كنف رحب مصونون في ستر
أئمة صدق يشرحون سبيله * بألسنة صينت عن اللغو والهجر
خبر حسان وعمر بن مجدي كري يبان أسعد تبّع الذي كسا الكعبة
قال ابن إسحاق : سار حسان بن أسعد بأهل اليمن ، يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم ، حتى إذا كان ببعض أهل العراق بالبحرين ، كرهت حمير وقبائل اليمن
“ 298 “
السير معه ، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهليهم . فكلموا أخا له يقال له عمرو ، فقالوا له :
اقتل أخاك حسان ، ونملّكك علينا ، وترجع بنا إلى بلادنا ، فأجابهم ، فاجتمعوا على ذلك إلا ذو رعين الحميري ، فإنه نهاه عن ذلك فلم يقبل منه ، فقال ذو رعين في ذلك :
ألا من يشتري سهرا بنوم * سعيد من يبيت قرير عين
وأما حمير غدرت وخانت * فمعذرة الإله الذي رعين
قال ابن إسحاق : ثم كتبها في رقعة وختم عليها ، ثم أتى بها عمرا ، فقال له : ضع لي هذا الكتاب عندك ، ففعل . ثم وثب عمرو على أخيه فقتله ، فسموه موثبان لوثوبه على أخيه . ورجع بمن معه إلى اليمن .
قال الشاعر :
لاه عين الذي رأى مثل حسا * ن قتيلا في سالف الأحقاب
قتلته مقاول خشية الجيش * غزاة قالوا لباب اللّباب
ميتكم خيرنا وحيّكم ربّ * علينا فكلكم أرباب
قال ابن إسحاق : فلما نزل عمرو بن يبان اليمن ، منع منه النوم ، وسلّط عليه السهر .
فلما جهد ذلك ، سأل الأطباء والعرّافين والحرازة من الكهّان عمّا به ، فقال له رجل منهم :
إنه واللّه ما قتل رجل قط أخاه أو ذي قرابة بغيا على ما قتلت أخاك عليه إلا ذهب عنه نومه ، وسلّط عليه السهر ، فلما قيل له ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه حسان من أشراف اليمن ، حتى خلص إلى ذي رعين ، فقال له ذو رعين : إن لي عندك براءة ، قال : وما هي ؟
قال : الكتاب الذي دفعته لك . فأخرجه فإذا فيه البيتان ، فتركه ورأى أنه قد نصحه ، وهلك عمرو .
لباب اللباب بلغة حمير : لا بأس . ويروى لياب بالياء نقطتين ، والمقاول : الملوك ، ولاه بمعنى للّه . حكي عن سيبويه أنه قال : يقولون : لاه أبوك ، بمعنى : للّه أبوك ، ويحذفون لام الإضافة واللام الأخرى .
وممن عمل ليوم العقبة ، ما حدّثنا به يونس بن يحيى ، حدثنا محمد بن نصر ، ثنا أحمد بن الحسن بن حبروت ، قال : قرأت على ابن شادان أن أحمد بن كامل أخبره قال :
ثنا محمد بن يونس ، عن الأصمعي ، عن شيبة بن شيبة ، قال : كنّا بطريق مكة وبأيدينا غذاء لنا في يوم صائف ، وإذا بأعرابي معه زنجية يقول لنا : أفيكم من يكتب لي كتابا ؟
قلنا له :
أصب من غذائنا ، فإذا فرغنا كتبنا لك ما سألت . قال : إني صائم ، فتعجبنا من صومه في تلك البرية . فلما فرغنا من غذائنا دعوناه ، فقلنا له : ما تريد ؟ فقال : أيها الرجل ، إن الدنيا قد كانت ولم أكن فيها ، وستكون ولا أكون فيها . وإني أريد أن أعتق جاريتي هذه لوجه اللّه
“ 299 “
عز وجل ، ثم ليوم العقبة . ثم قال : تدري ما يوم العقبة ؟ قوله هذا عزّ وجل : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ . اكتب ما أقول لك ، ولا تزد عليّ حرفا . هذه فلانة خادمة فلان ، قد أعتقها لوجه اللّه عز وجل ، ثم ليوم العقبة . قال شيبة : فقدمت البصرة وأتيت بغداد ، فحدّثت بهذا الحديث المهدي ، فأعتق المهدي مائة نسمة على غريبة الأعرابي .
ومن وقائع أصحاب الكشوف ، ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي قال : رأى بعض الفقراء بجباية في واقعته صورة حتى يقول للشيخ أبي مدين :
يا شيخ قربتك مني * حتى كأنك أني
وناديت سرّك ، إياك عني * بمعنى معناك ، فكنت مني
فجاوبه الشيخ :
سبحانك سبحانك أدنيتني * منك ، فأفتيتني عني
بحق حقك يا حق ، بوجودك صلني * فأنت أقصى مناي ، يا غاية المتمني
ثم قال : سمعت الحق ناداه بي ، قال : وعليّ دلّ ، فأنا الكل .
وصية
رويناها من حديث الدينوري عن جعفر بن محمد ، عن عيسى بن سليمان ، عن ضمرة ، قال : يقال : ثلاث من لم تكن فيه لم يجد طعم الإيمان : علم يحجزه عن جهل الجاهل ، وورع يحجزه عن المحارم ، وخلق يعاشر به الناس .
موعظة
من روايتنا عن أبي مروان ، عن إبراهيم بن نصر ، عن الزيادي ، عن الأصمعي ، قال :
دخلت بعض الخيام فإذا بجارية ، واللّه ما أحسبها أتت عليها عشر سنين ، وهي تقول :
عدمت الحياة ولا نلتها * إذا كنت في القبر قد ألحدوك
وكيف أذوق لذيذ الكرى * وأنت بيمناك قد وسّدوك
دعاء حسن
ومن روايتنا عن أبي مروان ، عن أحمد بن علي ، عن الأصمعي ، عن أبيه ، قال :
سمعنا أعرابية تقول داعية للّه عز وجل : اللهم متّعنا بخيارنا ، وأعنّا على أشرارنا ، واجعل
“ 300 “
الأموال في سمحائنا . وبه قال : حدثنا النضر بن عبد اللّه ، قال : أخبرني الأصمعي ، قال :
سمعت أعرابيا عند الملتزم يقول : اللهم أعنّي على الموت وكربته ، وعلى القبر وغربته ، وعلى الميزان وخفّته ، وعلى الصراط وزلّته ، وعلى يوم القيامة وروعته . قلت : وسمعت بعض المذكّرين يقول في خطبته : اذكروا ألم الموت وسكرته ، وعذاب القبر وظلمته ، وهول المحشر وبعثه ، والسؤال وغلظته ، والميزان وخفّته ، والصراط وزلّته ، والقصاص وحسرته .
أعرابية المحتد عربية المشهد
حدثنا بشأنها عبد الرحمن كتابة ، قال : أخبرنا المبارك بن علي ، قال : نبأنا ابن العلاف ، انا عبد الملك بن بشران ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الكندي ، عن جعفر بن محمد الخرائطي ، حدثنا ابن الجنيد ، حدثنا محمد بن الحسين ، عن الصلت بن حكيم ، حدثني ابن السماك ، عن امرأة من أهل البادية ، قال : سمعتها تقول يوما : لو تطلعت قلوب المؤمنين بفكرها إلى ما ادّخر لها في حجب الغيوب من خير الآخرة ، لم يطب لهم عيش ولا تقر لهم في الدنيا عين .
خبر سواد بن قارب مع هاتفه
روينا من حديث ابن عبد اللّه ، حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا بشر بن حجر الشامي ، ثنا علي بن منصور الأنباري ، عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : بينما عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في المسجد ، إذ مرّ رجل في مؤخر المسجد ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، أتعرف هذا المارّ ؟ قال : لا ، فمن هو ؟ فقال : هذا سواد بن قارب ، وهو رجل من أهل اليمن له فيهم شرف وموضع ، وهذا الذي أتاه رئيه بظهور رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فقال عمر : عليّ به ، فدعا به قال : أنت سواد بن قارب ؟ قال : نعم ، قال : أنت الذي أتاك رؤيك بظهور رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟
قال : نعم ، قال : فأنت على ما كنت عليه من كهانتك ؟ فغضب سواد بن قارب وقال : يا أمير المؤمنين ، ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت ، فقال عمر : يا سبحان اللّه ، ما كنّا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك ، أخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
قال : نعم يا أمير المؤمنين ، بينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان ، إذ أتاني رؤييّ فضربني برجله وقال : قم يا سواد بن قارب ، وافهم واعقل ، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب ، يدعو إلى اللّه وإلى عبادته ،
ثم أنشأ يقول :
“ 301 “
عجبت للجنّ وتحساسها * وشدّها العيس بأحلاسها
تهوى إلى مكة تبغي الهدى * ما خيروا الجن كأنجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى رأسها
قال : فلما كانت الليلة الثانية ، أتاني فضربني برجله ، وقال : ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم وافهم واعقل ، إن كنت تعقل ، إنه بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى اللّه وإلى عبادته ؟
ثم أنشأ يقول :
عجبت للجنّ وتطلابها * وشدّها العيس بأقتابها
تهوى إلى مكة تبغي الهدى * ما صادق الجنّ ككذابها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * ليس قداما مثل أذنابها
قال : فلم أرفع رأسا بقوله . فلما أن كانت الليلة الثالثة ، أتاني فضربني برجله ، وقال : ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم وافهم واعقل ، إن كنت تعقل ، إنه بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى اللّه وإلى عبادته ؟
ثم أنشأ يقول :
عجبت للجنّ وأخبارها * وشدّها العيس بأكوارها
تهوى إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنو الجنّ ككفارها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها وأحجارها
قال : فوقع في نفسي حب الإسلام ، ورغبت فيه . فلما أصبحت شددت على راحلتي وانطلقت متوجها إلى مكة . فلما كنت ببعض الطريق أخبرت أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة ، فأتيت المدينة ، فسألت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقيل في المسجد ، فعقلت ناقتي ، وإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والناس حوله ، فقلت : اسمع مقالتي يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فقال : « يا أبا بكر ، ادنه ادنه » ، فلم يزل لي حتى صرت بين يديه . فقال : « هات فأخبرني بإتيان رئيك » ،
فقلت :
أتاني رؤييّ بعد هدء ورقدة * ولم أك فيما قد تلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتانا رسول من لؤي بن غالب
فشمّرت عن ذيل الإزار ووسطت * بي الدعلب الوجناء بين السباسب
فأشهد أن اللّه لا ربّ غيره * وأنك مأمون على كل غائب
وإنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى اللّه يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى * وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن سواد بن قارب
“ 302 “
قال : فسرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقصتي وإسلامي ، فوثب إليه عمر رضي اللّه عنه فالتزمه ، وقال : قد كنت أحب أن أسمع هذا منك .
الدعلب والدعلبة : الناقة السريعة .
نصيحة الجرهمي لعمرو بن لحيّ
روينا من حديث أبي الوليد أن عمرو بن لحيّ لمّا غيّر دين إبراهيم عليه السلام ، وكان أمره عند العرب مطاعا ، وما شرع لهم من دين متبعا سيب السوائب ، ووصل الوصيلة ، وحمى الحامي وبحر البحيرة ، ونصب الأصنام حول الكعبة ، وجاء بهبل من هيت من أرض الجزيرة ، فنصبه في بطن الكعبة .
وكان بمكة رجل من جرهم على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، وكان شاعرا ، فقال لعمرو بن لحيّ حين غيّر دين الحنيفية :
يا عمرو لا تظلم بمكة إنها بلد حرام * سائل بعاد ابن هم وكذاك محترم الأنام
وبني العمالقة الذين لهم بها كان السرام
فزعموا أن عمرو بن لحيّ أخرج ذلك الجرهمي ، فنزل بأضم بأعراض المدينة ، مدينة النبي صلى اللّه عليه وسلم نحو الشام . فتشوق إلى مكة فأنشأ يقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * وأهلي بها بالمأزمين حلول
وهل أرين العيس تنفح في الثرى * لها بمنى ولمأزمين ذميل
منازل كنا أهلها لم يحل بنا * زمان بها فيما أراه يحوك
مضى أوّلونا راضيين بشأنهم * جميعا وغالتني بمكة غوك
تفسير ما ذكرنا فيه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام : البحيرة فيما ذكره المفسرون الناقة التي كانت في الجاهلية ، إذا أنتجت خمسة أبطن ، وكان آخرها ذكرا ، بحروا أذنها أي شقوها ، ولم يذبحوها ، ولم يركبوها ، ولم تطرد من ماء ، ولا تمنع من مرعى ، ولم يركبها أحد . قال الكلبي : كانت إذا أنتجت خمسة أبطن ، فكان الخامس ذكرا ، أكله الرجال دون النساء . وإن كان أنثى بحروا أذنها وشقوها ، وتركت لا يشرب لها لبن ولا تركب . وإن كان ميتة اشترك فيها الرجال والنساء . يقال : بحرت أذن اللبن إذا شققت منها واسعا . والناقة بحيرة مبحورة .
وأما السائبة فقيل : هو ما كان أحدهم يفعله إذا مرض ، فينذر إن شفي أن يسيب
“ 303 “
ناقته . فإذا فعل ذلك لم تمنع من ماء ولا من كلأ ، وقد يسيبون غير الناقة ، وكانوا إذا سيبوا العبد لم يكن عليه ولاء . وقيل : إذا كانت الناقة ، إذا تتابعت اثنا عشر أنثى ليس فيها ذكر سيّبت ، فلم تركب ولا يجزّ وبرها ولم يشرب لبنها ، فما نتجت بعد ذلك من أولادها شقت أذنها وخليت مع أمها . فهي البحيرة بنت السائبة .
والوصيلة من الغنم ، إذا ولدت الشاة سبعة أبطن ، فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء ، وإن كان أنثى لم يذبحوها . قال ابن عباس : ولم يشرب من لبنها غير الذكور خاصة . وإن كان ميتة أكلها الرجال والنساء ، وتلا : وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ، الآية . وقيل : إن الوصيلة الشاة ، تنتج عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيها ذكر . فيقولون : وصلت ، فما ولدت بعد ذلك فهو للذكور دون الإناث ، إلا أن يموت منها شيء فيشترك في أكله الذكور والإناث .
وأما الحام فهو البعير ، ينتج من ظهره عشرة أبطن ذكورا وإناثا ، فيقولون : قد حمى ظهره ، ويخلى ولا يركب .
وقيل : هو الفحل ، ينتج من ظهره عشرة إناث متتابعات ليس بينهن ذكر . فيقولون :
قد حمى ظهره ، فلا يركب ولا يجز ولا ينتفع به لغير الضراب . وقال ابن عباس : هو البعير الذي يركب أولاد أولاده .
موعظة نبوية
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « اتقوا اللّه حق تقاته ، واسعوا في مرضاته ، وأيقنوا من الدنيا بالفناء ، ومن الآخرة بالبقاء ، واعملوا لما بعد الموت . فكأنكم بالدنيا لم تكن ، وبالآخرة لم تزل . ألا وإن من في الدنيا ضيف ، وما في يده عارية . وإن الضيف مرتحل ، والعارية مردودة . ألا وإن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر . فرحم اللّه امرأ نظر لنفسه ، ومهّد لرمسه ما دام رسنه مرخى ، وحبله على غاربه ملقى ، قبل أن ينفذ أجله ، وينقطع عمله » .
شعر :
لعفوك يا مولى الموالي تشوقي * فكن لي وليا في مقامي وموقفي
فها أنا بالباب المعظم قدره * مقل من التقوى كثير التخوف
فجدلي بعفو منك يستر زلتي * فما زلت ذا فضل كثير التعطف
وممن ابتلى بعهد فوفى موسى المصطفى : حدثنا محمد بن قاسم ، حدثنا عبد اللّه بن عبد المجيد ، عن عمرو بن حسن بن محمد بن أحمد القرشي الماسي ، قال :
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin