..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 11

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:56

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 11
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 167 “

    النهاية ، به حي كل حي ، وله نشأ كل شيء ، ونحن الفقراء وهو الغني ، فسبحانه هو الواحد العلي ، فمن كانت هذه رتبته ، فقد علت همته ، بنوره أشرف كل نور وسطع ، وعما سواه انقطع ، تعزز به كل عارف وتاه ، وتنزه عن ملاحظة ما سواه ولم يقنع من مولاه إلا بمولاه .

    وسماعنا على قول الشريف الرضيّ :
    يا طربا لنفحة نجدية * أعدل حر القلب باستبرادها
    وما الصبا ريحيّ لولا أنها * إذا جرت مرت على بلادها


    السماع في ذلك قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : « إن للّه نفحات ، ألا فتعرّضوا لنفحات ربكم العلوية التي تحصل للإنسان عند سجوده في مقام القرب عند مناجاته » ، قال : اجعلوها في سجودكم ، يقول : وما أتقيد بريح مخصوصة ، إلا أن الصبا لما كانت تهب من أفق الشروق ، ومطلبنا الشهود والروية ، لذلك أريدها ، وأسمع حديثها ، وعلى قوله أيضا بالنفس :

    حلفت بالمقصرين * ركبوا فأوجفوا
    لانوا على العيس وخا * فوا فوتها فعنفوا
    رجوا لأثقال الذنو * ب ساعة تخفّفوا
    فاستنقذوا بجهدهم * سارين حتى وقفوا
    فلثموا ومسحوا * وجمّروا وطرفوا


    وصية خطاب بن المعلّى المخزومي لابنه
    حدثنا يونس بن يحيى ، قال : ثنا الحاجب أبو الفتح محمد بن الباقي بن أحمد بن سليمان المعروف بابن البطي ، قال : حدثنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن حبرون ، قال :
    حدثنا أبو علي الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن شادان ، قال : حدثنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق الطيبي ، قال : أخبرنا أبو عبد اللّه أحمد بن شاكر الريحاني ، قال : أنا أبو حاتم ، قال : ثنا محمد بن عطية ، قال : قال خطاب بن المعلى المخزومي القرشي لابنه : يا بني ، عليك بتقوى اللّه عز وجل وطاعته ، وتجنب محارمه باتباعك سنّته ومعاملته ، حتى يصحّ عيشك ، وتقرّ عينك ، فإنه لا يخفى على اللّه خافية ، وإني قد رسمت لك رسما ، وسمت لك وسما ، إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملئت بك أعين الملوك .
    فأطع أباك واقتصر على وصيته ، وفرّغ لذلك ذهنك ، واشغل به قلبك ولبّك ، وإياك وهدر الكلام ، وكثرة الضحك والمزاح ، ومماراة الإخوان ، فإن ذلك يذهب البهاء ، ويوقع الشحناء ، وعليك بالرزانة



    “ 168 “

    والوقار ، من غير كبر يوصف منك ، ولا خيلاء تحكى عنك ، والق صديقك وعدوّك بوجه الرضا وكفّ الأذى ، من غير ذلة لهم ، ولا مهابة منهم ، وكن في جميع أمورك أوسطها ، فإن خير الأمور أوسطها ، وأقلل الكلام ، وافش السلام ، وامش متمكنا ، ولا تخطّ برجليك ، ولا تسحب ذيلك ، ولا تلق رداءك ، ولا تنظر في عطفيك ، ولا تكثر الالتفات وراءك ، ولا تقف على الجماعات ، ولا تتخذ السوق مجلسا ، ولا الحوانيت متحدثا ، ولا تكثر المراء ، ولا تنازع السفهاء ، وإن قضيت فاختصر ، وإن مدحت فاقتصر ، وإن جلست فتربّع ، وتحفّظ من تشبيك أصابعك وتفقيعها ، والعبث بلحيتك وخاتمك ، وذؤابة سيفك ، وتخليل أسنانك ، وإدخال يدك في أنفك ، وطرد الذباب عن وجهك ، وكثرة التثاؤب والتمطي ، وأشباه ذلك مما يستخفه الناس منك ، ويغتمزون به فيك .

    وليكن مجلسك هاديا ، وحديثك مقسوما ، واصغ إلى الكلام الحسن ممن يحدثك من غير إظهار عجب منك ، ولا تسأله إعادة ، وغضّ عن الفكاهات من المضاحك والحكايات ، ولا تحدّث عن إعجابك بولدك ، ولا خادمك ، ولا عن فرسك وسيفك .
    وإياك وأحاديث الرؤيا ، فإنك إن أظهرت الفرح بها والتعجب منها طمع فيك السفهاء ، فولدوا لك الأحلام ، واغتمزوا في عقلك .

    ولا تتصنع تصنّع المرأة ، ولا تبذل ببذل العبد ، وغب بامتشاط لحيتك ، وتوقّ نتف الشيب ، وكثرة الكحل ، والإسراف في الدهن ، وليكن كحلك غبّا . ولا تلحّ في الحاجات ، ولا تخضع في الطلبات ، ولا تعلم أهلك وولدك فضلا عن غيرهم عدّة مالك ، فإنهم إذا رأوه قليلا هنت عليهم ، وإن كان كثيرا لم يبلغ به مرضاتهم ، واجفهم من غير عنف ، ولن لهم من غير ضعف ، ولا تهازل في حاجتك أمتك ولا عبدك ، فيسقط وقارك من قلوبهم .

    وإذا خاصمت فتوقّر ، وتحفّظ من جهلك ، وتجنب عجلتك ، وتفكّر في حجتك ، وأر الحاكم بينكما حلمك ، ولا تكثر الإشارة بيدك ، ولا تحفر على رتبتك ، وتوقّ حمرة الوجه ، وعرق الجبين .
    وإن سفه عليك فاحلم ، وإذا هدأ غضبك فتكلم ، وأكرم عرضك ، وألق الفضول عنك . وإن قرّبك السلطان فكن منه على حدّ السنان ، وإن استرسل إليك فلا تأمن انقلابه عليك ، وارفق به كل رفقك ، وكلّمه بما يشتهي ما لم يصنع في ذلك حقا من حقوق اللّه ، ولا يحملنك ما ترى من ألطافه ، إياك وخاصته بك أن تدخل بينه وبين أحد من أهله وولده ، وحشمه ، إلا بخير ، وإن كان لذلك منك مستمعا ، وللقول منك فيه مطيعا ، فإن سقطة الداخل بين الملك وأهله صرعة .
    وإذا وعدت فحقق ، وإذا حدّثت فاصدق ، ولا تجهر بمنطقك كمنازع الأصمّ ، ولا


    “ 169 “

    تخافت به كمخافتة الأخرس ، وتخيّر محاسن القول بالحديث المقبول ، وإذا حدّثت بسماع فانسبه إلى أهله ، وإياك والأحاديث الغريبة المستبشعة التي تنكرها القلوب ، وتقف لها الجلود ، وإياك ومضاعف الكلام ، نعم نعم ، ولا ولا ، وأجل وأجل ، وما أشبه ذلك . وإذا توضأت فأجد عرك كفيك ، ولا تتنخع في الطست ، وليكن طرحك الماء من فيك مسترسلا ، ولا تمجّه فينضح على أقرب جلسائك ، ولا تعضّ بعض اللقمة ثم تعيد ما بقي منها في متصبّع ، فإن ذلك مكروه .

    ولا تكثر الاستسقاء على مائدة الملوك ، ولا تعبث بالمشاش ، ولا تعبّ طعاما ولا شيئا مما يقرّب على المائدة ، من بقل أو خلّ أو تابل أو عسل ، فإن أصحابه صيّرت لنفسها المهابة . ولا تمسك إمساك المسكين المثبور ، ولا تبذّر تبذير السفيه المغرور ، واعرف في مالك واجب الحقوق ، وحرمة الصديق ، واستغن عن الناس يحتاجون إليك .

    واعلم أن الجشع ( يعني الطمع ) يدعو إلى الطبع والرغبة ، كما قيل تدقّ الرقبة ، والأكلة تمنع الأكلات ، والتعفف مال جسيم ، وخلق كريم ، ومعرفة الرجل قدره تشرّف ذكره ، ومن تعدّى القدر هوى في بعيد القفر ، والصدق زين ، والكذب شين ، ولصدق يسرع عطب صاحبه أحسن عاقبة من كذب يسلم عليه قائله ، ومعاداة الحليم خير من مصادقة الأحمق ، والزوجة السوء الدمن الداء العضال ، ونكاح العجوز يذهب ماء الوجه ، وطاعة النساء تزري بالعقلاء .


    تشبّه بأهل الفضل تكن منهم ، واتّضع للشرف تدركه ، واعلم أن كل امرئ حيث وضع نفسه ، وإنما ينسب الصارم إلى صانعه ، والمرء يعرف بقرينه ، وإياك وإخوان السوء فإنهم يخونون من رافقهم ، ويخونون من صادقهم ، وقربهم أعدى من الجرب ، ورفضهم من استكمال الأرب ، وجفوة المستجير لؤم ، والعجلة شؤم ، وسوء التدبير وهم .

    والإخوان اثنان : فمحافظ عليك عند البلاء ، وصديق لك في الرخاء ، فاحفظ صديق البلية ، وتجنّب صديق العافية ، فإنه أعدى الأعداء . ومن اتّبع الهوى مال به إلى الردى . ولا يعجبنك الظريف من الرجال ، ولا تحقر ضئيلا كالخلال ، وإنما المرء بأصغريه : قلبه ولسانه ، ولا ينتفع منه إلا بأصغريه . وتوقّ الفساد ، وإن كنت في بلاد الأعادي . ولا تفرش عرضك لمن دونك ، ولا تجعل مالك أكرم عليك من عرضك . ولا تكثر الكلام ، فتثقل على الأقوام ، وامنح البشر جليسك ، والقبول . وإياك وكثرة التبزيق ، والتلويق ، والتنويق ، فإن ظاهر ذلك ينسب إلى التأنيث ، والتصنع ، لمغازلة النساء .


    وكن منتهزا في فرصتك ، رفيقا في حاجتك ، مثبّتا في عجلتك ، والبس لكل دهر ثيابه ، وكن مع كل قوم في سلكهم ، واحذر ما يكون بك اللائمة في آخرتك ، ولا تعجل في


    “ 170 “

    أمر حتى تنظر في عاقبته ، وعليك بالتنوّر في كل شهر ، وإياك وحلق الإبط بالنورة ، وليكن السواك من طبعك ، وإذا استكت فعرضا ، وعليك بالعمارة فإنها أنفع من التجارة ، وعلاج الزرع خير من اقتناء الضرع ، ومنازعتك اللئيم يطمع فيك ، ومن أكرم عرضه أكرمه الناس ، ومعرفة الحق من إخلاص الصدق ، والرفيق الصالح ابن عم . من أيسر عظم ، ومن افتقر احتقر .

    قصّر في المقالة مخافة الإجابة ، والساعي عاتب عليك .

    طول السفر ملالة ، وكثرة المنى ضلالة ، وليس للمعاتب صديق ، ولا على الميت شفيق ، والأدب للشيخ عياء ، والأدب للغلام شفاء ، والدين أزين الأمور ، والشماتة سفاهة ، والسكران شيطان ، وكلامه هذيان ، والعادة طبيعة لازمة ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . ومن حلّ عقدا احتمل حقدا ، والفرار عار ، والتقدم مخاطرة ، وكثرة العلل مع الوجود من البخل ، وشر الرجال الكثير الاعتلال ( يعني في القول ) ، وحسن اللقاء يذهب بالشحناء ، ولين الكلام من أخلاق الكرام .



    يا بني ، إن زوجة الرجل سكنه ، ولا عيش له مع خلافها . وإذا هممت بنكاح امرأة فاسأل عن أهلها ، فإن العروق الطيبة تنبت الثمار الحلوة .



    اعلم أن النساء أشد اختلافا من أصابع الكف ، فتوقّ منهن كل ذات يد مجبولة على الأذى ، فمنهم المعجبة بنفسها ، المزرية ببعلها ، إن أكرمها رأت فضلها عليه ، ولا تشكره على جميل ، ولا ترضى منه بقليل ، لسانها عليه سفيه صقيل ، قد كشفت اللقحة ستر الحياء عن وجهها ، ولا تستحي من عوارها ولا من جارها ، هدّارة ، ظنّانة ، مهارشة عقاره ، وجه زوجها مكلوم ، وعرضه مشتوم ، لا ترعاه لدنيا ولا دين ، ولا تحفظه لصحبة ، ولا لكبر سنّ ، حجابه مهتوك ، وسرّه منشور ، وخيره مدفون ، يصبح كئيبا ، ويمسي غائبا ، شرابه شر ، وطعامه غيظ ، وولده صائم ، وبيته مستهلك ، وثوبه وسخ ، ورأسه شعث ، إن ضحك فراهب ، وإن تكلم فمتكاره ، نهاره ليل ، وليله نهار ، تلدغه مثل الحية ، وتكرشه مثل العقرب ، صهصلق ختاره ، دفلس لخناء تهبّ مع الرياح ، وتطير مع كل ذي جناح ، إن قال لا قالت : نعم ، وإن قال : نعم ، قالت : لا ، محتقرة لما في يديه ، تضرب له الأمثال ، وتقصر به دون الرجال ، وتنقله من حال إلى حال ، حتى قلى بيته ، وملّ ولده ، وغبّ عيشه ، وهانت عليه نفسه ، حتى أنكره إخوانه ، ورحمه جيرانه .
    ومنهن الحمقاء ذات الدلال في غير موضعه ، الماضغة للسانها ، الآخذة في شأنها ، قد قنعت بحبه ، ورضيت بكسبه ، تأكل كالحمار الراتع ، وترتفع الشمس ولم تسمع لها


    “ 171 “


    صوتا ، ولم تكنس لها بيتا ، طعامها بائت ، وإناؤها وضر ، وعجينها وماؤها فاتر ، وما عونها ممنوع ، وخادمها مضروب .
    ومنهن العطوف الودود ، المباركة الولود ، المأمونة على غيبتها ، المحبوبة في جيرانها ، الحافظة لسرها وعلنها ، الكريمة التبعّل ، الكثيرة التفضّل ، الخافضة صوتا ، النظيفة بيتا ، خادمها مسمّن ، وابنها مزين ، وخيرها دائم ، وزوجها ناعم ، مصونة الوفة ، بالخير والعفاف موصوفة . جعلك اللّه يا بني ممن يقتدي بالخير ، ويأتمّ بالتّقى ، ويتجنب السخط ، ويحب الرضى ، واللّه خليفتي عليك ، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم .

    ومن الشمائل الأريحية ما ذكره الأصمعي ، قال : دخل إسحاق النديم على أمير المؤمنين الرشيد فقال : ما بالك ؟

    فقال إسحاق :
    سوامي سوام الأكثرين تجملا * ومالي كما قد تعلمين قليل
    وآمرة بالبخل قلت لها اقصري * فذلك شيء ما إليه سبيل
    وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى * ورأي أمير المؤمنين جميل
    أرى الناس خلّان الجواد ولا أرى * بخيلا له في العالمين خليل


    فقال الرشيد : هذا واللّه الشعر الذي صحّت معانيه ، وقويت أركانه ومبانيه ، ولذّ على أفواه القائلين ، وسماع السامعين . يا غلام ، احمل إليه خمسين ألف درهم .
    قال إسحاق : يا أمير المؤمنين ، كيف أقبل صلتك وقد مدحت شعري بأكثر ما مدحتك به ؟ قال الأصمعي : فعلمت أنه أصيد للدراهم مني .
    ومن هذا الباب ما حكاه الأصمعي قال : دخل المأمون ذات يوم الديوان ، فنظر إلى غلام جميل على أذنه قلم ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا الناشئ في دولتك ، المتقلب في نعمتك ، المؤمّل لخدمتك ، الحسن بن رجاء ، فقال المأمون : بالإحسان بالبديهة تتفاضل العقول ، يرفع من الديوان إلى مرتبة الخاصة ، ويعطى مائة ألف درهم تقوية له .

    ومن صفات العارفين ما ذكره إبراهيم بن أدهم قال : من علامات العارف أن يكون أكثر صمته التفكير والعبرة ، وأكثر كلامه الثناء والمدحة ، وأكثر علمه الطاعة والخدمة ، وأكثر نظره إلى الطائف صنع رب العزة .

    وسئل بعض المحققين من أهل اللّه : ما علامة العازف والعابد والمحب والخائف ؟
    فقال : الخائف ذو هرب ، والعابد ذو نصب ، والمحب ذو شغف ، والعازف ذو طرب .
    وقال بعضهم : سمعت بعض المنقطعين وهو يتأوه ويقول : آه على أعمار في


    “ 172 “

    المعصية ضاعت ، آه على أسرار بسوء المعاملة ذاعت ، آه على أوقات في المخالفة انقرضت ، آه على ساعات اكتساب المعصية ما حفظت ، آه على توبة أبرمت ثم نقضت ، آه على عهود أكدت ثم لفظت ، آه على نفوس تكفّل الخالق بأرزاقها فاعترضت ، آه على شباب ولّي بعد إقباله ، آه على شيب مؤذن للجسد بارتحاله ، فأين الاستعداد والاهتمام ؟
    وأين التزوّد والاعتزام ؟ وأين المبادرة والاغتنام ؟ إن كنت ممن يبيع معالم الشريعة بالحطام ، فاعلم أنه ليس في خسارتك كلام .


    وأنشدنا محمد بن عبد الواحد لبعضهم :
    إذا وافى بصولته المشيب * فلا عيش يلذّ ولا يطيب
    أتطمع في الخلود على الليالي * وشيب الرأس يتبعه شعوب
    إذا نزل المشيب بأرض عبد * فمنهل موته منه قريب

    وأنشدني أبو بكر بن صاف اللخمي لبعضهم :
    الحمد للّه ثم الحمد للّه * فما على الأرض من ساه ولا لاه
    ما ذا يعاين ذو عينين من عجب * يوم الخروج من الدنيا إلى اللّه
    وروينا من حديث الهاشمي بسنده إلى أنس بن مالك قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « أما رأيت المأخوذين على العزة ، والمزعجين بعد الطمأنينة ، الذين أقاموا على الشّبهات ، وجنحوا إلى الشهوات ، حتى أتتهم رسل ربهم ، فلا ما كانوا أمّلوا أدركوا ، ولا إلى ما فاتهم رجعوا ، قدموا على ما عملوا ، وندموا على ما خلّفوا ، أو لم يغن الندم ، وقد جفّ القلم ، فرحم اللّه امرأ قدّم خيرا ، وأنفق قصدا ، وقال صدقا ، وملك دواعي شهواته ولم تملكه ، وعصى إمرة نفسه فلم تهلكه » .



    موعظة سفيان الثوري للمنصور بمكة
    حدثنا محمد بن إسماعيل التميمي ، ثنا عبد اللّه بن علي بن محمد ، ثنا محمد بن أبي منصور ، عن المبارك بن عبد الجبّار ، ثنا أبو إسحاق البرمكي ، عن أحمد بن جعفر بن سالم ، ثنا أبو بكر بن عبد الخالق ، عن يعقوب بن يوسف النسبي ، عن أبي نشيط محمد بن هارون الغرباني قال : سمعت سفيان الثوري يقول : دخلت على أبي جعفر المنصور بمنى ، فقلت له : اتق اللّه ، فإنما أنزلت هذه المنزلة ، وصرت إلى هذا الموضع ، بسيوف المهاجرين والأنصار ، وأبناؤهم يموتون جوعا . حج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فما أنفق إلا خمسة عشر دينارا ، وكان ينزل تحت الشجر ، فقال لي : إنما أريد أن أكون مثلك ،



    “ 173 “

    فقلت : لا تكن مثلي ، ولكن كن دون ما أنت فيه ، وفوق ما أنا فيه ، فقال : اخرج . قال الثوري : فقلت له : إني لأعلم مكان رجل واحد لو صلح صلحت الأمة كلها ، قال : من هو ؟ قلت : أنت يا أمير المؤمنين .

    ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي قال : قال لي بعض الصالحين : رأيت في واقعتي أبا حامد ، وأبا يزيد ، وأبا طالب ، وأشياخ الصوفية ، وأبا مدين ، فقال أحدهم للشيخ أبي مدين : قل لنا شيئا في المعرفة ، فقال :
    المعرفة هي الحجة لبلوغ العافية وثمرتها التوحيد ، وإليه النهاية .

    فالتوحيد هو غاية الأمل ، وما افترق في الوجود عنده اشتمل ، هو المبدأ ، وله البيان وإليه المرجع ، وبه يحصل الأمان ، سره في مخلوقاته خفي وحكمه في مصنوعاته ظاهر جلي ، أمره قد انتشر في الورى ، وقضاؤه وقدره في كل شيء قد جرى ، وهو الأول قبل كل شيء ، وهو الآخر ، وإليه يرجع الأمر كله ، وهو الآمر ، فالمحسوسات كلها هباء ، وهي حجابه سبحانه وبه خفي ، فقلب العارف طاهر مما سواه ، فإذا أعين عليه بادره برحمته فقواه بحياته امتدت حياته ، وبصفاته امتدت صفاته ، فمخلوقاته بأسرها إليه مضطرة ، إذ لم يخل شيء من الأشياء من سره حتى الذرة ، قد شهدت بأسرها إليه ، ونطقت بأنه الواحد ، وأنه ليس له شريك في ملكه ، ولا ولد ، ولا والد ، شهادة قد أحكمتها الفطرة ، يشهدها العارف في كل خطرة ونظرة ، فالعارفون به ظهرت لهم الغيوب ، وبذكره اطمأنت منهم القلوب ، فلم يعرجوا على شيء مما سواه ، وما منهم من قنع بشيء عوضا عن مولاه ، فأسرار العارفين عن الخلق محجوبة ، وعند من عرفهم ظاهرة بالحسب مطلوبة ، وقلوب الغير بالأسباب في شعب هي من المعرفة خالية ، ومن الحكمة مسلوبة . لاحظوا أنفسهم فهم منها على غرور ، من أسرار العارفين خلوا ، وبظواهرهم تشبهوا ، والناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا .



    روينا من حديث الخطابي قال : كان سعد ممن اعتزل أيام الفتنة ، ولم يكن مع واحد من الفريقين ، فراودوه على الخروج فأبى ، وضرب لهم مثلا :
    قال الخطابي : أنا ابن الأعرابي ، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، حدثنا أبي ، ثنا كثير بن مروان الفلسطيني ، ثنا جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ،
    قال سعد : لما دعوه إلى الخروج معهم أتى عليهم وقال : لا ، إلا أن تعطوني سيفا له عينان بصيرتان ، ولسانا ينطق بالكافر فأقتله ، وبالمؤمن فأكف عنه ، وضرب لهم مثلا ،
    وقال : مثلنا ومثلكم كمثل قوم كانوا على محجّة بيضاء ، فبينما هم كذلك إذ هاجت ريح عجاجة فضلوا الطريق ، والتبس عليهم ،
    وقال بعضهم : الطريق ذات اليمين ، فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا ، فقال آخرون : الطريق ذات



    “ 174 “

    الشمال فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا ، وقال آخرون : كنا على الطريق حيث هاجت الريح فننيخ ، فأناخوا وأصبحوا فذهب الريح ، فتبين الطريق ، فهؤلاء الجماعة قالوا نلزم ما فارقنا عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى نلقاه ، ولا ندخل في شيء من الفتن . قال ميمون بن مهران : فصار الجماعة والفئة التي يدعى فيها الإسلام ما كان عليه سعد بن أبي وقاص وأصحابه الذين اعتزلوا الفتن ، حتى أذهب اللّه عز وجل الفرقة ، وجمع الألفة ، فدخلوا الجماعة ، ولزموا الطاعة ، وانقادوا ، فمن فعل ذلك ولزمه نجا ، ومن لم يلزمه وقع في المهالك .

    وحدثنا يونس بن يحيى الهاشمي ، عن أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان المعروف بابن البطن ، عن أبي الفضل أحمد بن خيرون ، عن أبي علي الحسن بن إبراهيم بن شادان ، عن الحسن أحمد بن إسحاق ، عن أبي عبد اللّه أحمد بن محمد ، عن عمّار بن عبد اللّه المصيصي ، عن مخلد بن الحسين ، عن واصل ، ذكر أنه أسر غلام من بطاركة الروم ، وكان غلاما جميلا ، فلما صار إلى دار الإسلام ، وقع إلى الخليفة ، وذلك في خلافة بني أمية ، فسمّاه بشيرا ، وأمر به إلى الكتّاب ، فكتب ، وقرأ القرآن ، وطلب الأحاديث ، وروى الشعر ، فلما بلغ أتاه الشيطان فوسوس له ، وذكّره النصرانية دين آبائه ، فهرب مرتدا من دار الإسلام إلى أرض الروم الذي سبق له في أم الكتاب به ، فأتى به إلى الطاغية ، فسأله عن حاله ، وما الذي دعاه إلى الدخول في دين النصرانية ؟ فأخبره برغبته فيه ، فعظم في عين الملك ورأسه ، وصيّره بطريركا من بطاركته ، وأقطعه قرى كثيرة ، فهي اليوم تعرف به ، يقال لها : قرى بشير .



    وكان من قضاء اللّه وقدره أنه أسر ثلاثين أسيرا من المسلمين ، فأدخلوا على بشير ، فسألهم رجلا رجلا عن دينهم ، وكان فيهم شيخ من أهل دمشق يقال له واصل ، فسأله بشير ، فأبى الشيخ أن يرد عليه شيئا ، فقال له بشير : ما لك لا تجيبني ؟ قال : لست أجيبك اليوم بشيء ، فقال بشير للشيخ : إني سائلك غدا ، فأعدّ لي جوابا ، وأمره بالانصراف . فلما كان الغد بعث إليه بشير ، فأدخل عليه الشيخ ،

    فقال بشير : الحمد للّه الذي كان قبل أن يكون شيء من خلقه ، وخلق سبع سماوات طباقا بلا عون كان معه من خلقه ، ودحى سبع أرضين بلا عون كان معه من خلقه ، فعجب لكم يا معاشر العرب حين تقولون : إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .



    فسكت الشيخ ، فقال : ما لك لا تجيبني ؟ قال : كيف أجيبك وأنا أسير في يديك ؟ فإن أجبتك بما تهوى أسخطت عليّ ربي ، وأهلكت عليّ ديني ، وإن أجبتك بما لا تهوى أهلكت نفسي ، فأعطني عهد اللّه وميثاقه ، وما أخذ اللّه عز وجل على النبيين ، وما أخذ



    “ 175 “

    النبيون على الأمم ، أن لا تغدر بي ، ولا تمحلني ، ولا تبغ لي باغية سوء ، وأنك إذا سمعت الحق تنقاد له . قال بشير : فلك عليّ عهد اللّه وميثاقه ، وما أخذ اللّه على النبيين ، وما أخذ النبيون على الأمم ، أن لا أغدر بك ، ولا أمحل بك ، ولا أبغي لك باغية سوء ، وأني إذا سمعت الحق أنقاد له .
    فقال الشيخ : أما ما وصفت من صفة اللّه عز وجل ، فقد أحسنت الصفة ، ولم يبلغ علمك ، ولم يستحكم عليه رأيك أكثر من هذا ، واللّه عز وجل أعظم وأكبر مما وصفت ، ولا يصف الواصفون صفته ، وأما ما ذكرت من هذين الرجلين ، فقد أسأت الصفة ، ألم يكونا يأكلان الطعام ، ويشربان الشراب ، ويبوّلان ، ويتغوطان ، وينامان ، ويستيقظان ، ويفرحان ، ويحزنان ؟ قال بشير : بلى . قال : فلم فرّقت بينهما ؟

    قال بشير : لأن عيسى كان له روحان اثنان : فروح يبرئ بها الأكمه والأبرص ، وروح يعلم بها الغيب ، ويعلم ما في قعر البحار ، وما يتحات من ورق الشجر ،

    قال واصل : روحان اثنان في جسد واحد ؟ قال بشير : نعم . قال الشيخ : فهل كانت القوية تعرف موضع الضعيفة منها أم لا ؟ قال بشير :

    قاتلك اللّه ما ذا تريد أن تقول إن قلت إنها لا تعلم ؟ قال الشيخ : إن قلت إنها تعلم ، فما لهذه القوية لا تطرد عنه هذه الآفات ، وإن قلت إنها لا تعلم قلت كيف تعلم الغيوب ؟ ولا نعلم روحا في محل واحد في جسد واحد .

    قال : فسكت بشير ، فقال الشيخ : باللّه هل عبدتم الصليب مثالا لعيسى ابن مريم أنه صلب ؟ قال بشير : نعم .

    قال الشيخ : فبرضى منه أم بسخط ؟ قال بشير : هذه أخت تلك ، ما ذا تريد أن تقول إن قلت برضى منه ؟ قال الشيخ : إن قلت برضى منه قلت فما أنتم من قوم أعطوا ما سألوا وأرادوا ، وإن قلت بسخط قلت فلم تعبدون ما لا يمنع عن نفسه ؟

    قال بشير :

    والضارّ والنافع ، ما ينبغي لمثلك أن يعيش إلا في النصرانية ، أراك رجلا قد تعلمت الكلام ، وأنا رجل صاحب سيف ، ولكن آتيك غدا بمن يخزيك اللّه على يديه ، ثم أمره بالانصراف .

    فلما كان الغد بعث بشير إلى الشيخ ، فلما دخل عليه إذا عنده قس عظيم اللحية ، فقال له بشير : إن هذا رجل من العرب له حكم وعقل ، وأصل في العرب ، وقد أحب أن يدخل في ديننا فكلّمه حتى تنصّره ، فسجد القس لبشير ، وقال : قديما ما أتيت إلا بالخير ، وهذا أفضل ما أتيت به إليّ .

    ثم أقبل على الشيخ وقال له : أيها الشيخ ، ما أنت بالكبير الذي ذهب عنه عقله وتفرق عنه حكمه ، ولا أنت بالصغير الذي لم يستكمل عقله ولم يبلغ حلمه ، غدا أغطسك في المعمودية غطسة تخرج منها كيوم ولدتك أمك . قال الشيخ : فما هذه المعمودية ؟ قال القس : ماء مقدس . قال الشيخ : من قدّسه ؟ قال القس : أنا قدّسته ،






    “ 176 “



    والأساقفة من قبلي . قال الشيخ : فهلّا كانت لك ذنوب وخطايا وللأساقفة من قبلك ، أم أنتم مبرءون من النقص ؟ قال القس : نعم ، إنها لأكثر من ذلك ، ولا يسلم من الذنب والعيب إلا اللّه تعالى ، قال الشيخ : هل يقدّس الماء من لم يقدّس نفسه ؟

    قال : فسكت القس ، ثم قال : إني لم أقدسه أنا . قال الشيخ : فكيف كانت القصة إذا ؟ قال القس : إنها سنّة من عيسى ابن مريم ، قال الشيخ : فكيف كان الأمر إذا ؟ قال القس : إن يحيى بن زكريا أغطس عيسى ابن مريم بالأردن غطسة ، ومسح له رأسه ، ودعا له بالبركة . قال الشيخ : واحتاج عيسى إلى يحيى بن زكريا أن يمسح له رأسه ويدعو له بالبركة ؟ فاعبدوا يحيى ، فيحيى خير لكم من عيسى . فسكت القس ، واستلقى بشير على فراشه ، وأدخل فاه في كمه وجعل يضحك ، وقال للقس : قم أخزاك اللّه ، دعوتك لتنصّره ، فإذا أنت قد أسلمت .

    ثم إن الشيخ بلغ أمره إلى الملك ، فبعث إليه الملك فقال : ما هذا الذي بلغني عنك من تنقيصك لديني ، ووقيعتك فيه ؟ قال الشيخ : إن لي دينا كنت ساكتا عنه ، فلما سئلت عنه لم أجد بدّا من الذبّ عنه . قال الملك : وهل في يدك حجة ؟ قال : ادع لي من شئت حتى يحاورني ، فإن كان الحق في يدي فلم تلومني على الذبّ عن الحق ، وإن كان الحق في يده رجعت إلى الحق . فدعا الملك بعظيم النصرانية ، فلما دخل عليه سجد له الملك ومن عنده أجمعون . فقال الشيخ : أيها الملك من هذا ؟ قال : رأس النصرانية الذي تأخذ النصرانية عنه دينها . قال الشيخ : فهل له من امرأة ؟ أم هل له من ولد ؟ أم هل له من عقب ؟ فقال له الملك : هذا أزكى وأطهر من أن يدنّس بالنساء ، هذا أزكى وأطهر من أن ينسب إليه الولد ويدنّس بالحيض ، هذا أزكى وأطهر من هذا كله . قال الشيخ : فأنتم تكرهون الآدمي ، يكون منه ما يكون من بني آدم من الغائط والبول والنوم والسهر ، وتأخذكم غيرة من ذكر نسبة النساء إليه ، وتزعمون أن رب العالمين سكن ظلمة البطن ، وضيق الرحم ، ودنس الحيض . قال القس : هذا شيطان من شياطين البحر ، رمى به البحر إليكم فأخرجوه من حيث جاء .

    فأقبل الشيخ على القس وقال : عبدتم عيسى ابن مريم لأنه لا أب له ، فضمّوا آدم مع عيسى حتى يكون لكم إلهان اثنان ، وإن كنتم عبدتموه لأنه أحيا الموتى ، فهذا حزقيل مرّ بميت تجدونه في الإنجيل لا تنكرونه ، فدعا اللّه عز وجل فأحياه له حتى كلّمه ، فضمّوا حزقيل مع عيسى وآدم حتى يكون لكم ثلاثة ، وإن كنتم إنما عبدتموه لأنه أراكم المعجزات ، فهذا يوشع بن نون قاتل قومه حتى غربت الشمس ، فقال لها : ارجعي بإذن اللّه






    “ 177 “



    فرجعت اثني عشر برجا ، فضمّوا يوشع أيضا إلى عيسى يكون رابع أربعة ، وإن كنتم إنما عبدتموه لأنه عرج به إلى السماء ، فمن ملائكة اللّه عز وجل مع كل نفس ، اثنان بالليل ، واثنان بالنهار ، يعرجون إلى السماء ، ما لو ذهبنا نعدّهم لالتبس علينا عقولنا ، واختلط علينا ديننا ، وما زاد في ديننا إلا تحيرا . ثم قال : أيها القس ، أخبرني عن رجل يحل به الموت ، الموت أهون عليه أم القتل ؟

    قال القس : بل القتل . قال : فلم لم يقتل عيسى ابن مريم أمه ، بل عذبها بنزع الروح ؟ إن قلت إنه قتلها فما برّ أمه في قتلها ، وإن قلت إنه لم يقتلها فما برّ أمه في تعذيبها بنزع النفس .

    فقال القس : اذهبوا به إلى الكنيسة العظمى ، فإنه لا يدخلها أحد إلا تنصّر . قال الملك : اذهبوا به إلى الكنيسة .

    قال الشيخ : لما ذا يذهب بي إلى الكنيسة ولا حجة عليّ دحضت حجتي ؟ قال الملك : لا يضرّك شيء إنما هو بيت من بيوت اللّه تعالى تذكر فيه ربك . قال الشيخ : أما إذا كان هكذا فلا بأس .



    فذهبوا به إلى الكنيسة ، فلما دخل إلى الكنيسة وضع إصبعيه في أذنيه ورفع صوته بالآذان ، فجزعوا لذلك جزعا شديدا ، وصرخوا لذلك ، وكتفوه ، وجاءوا به إلى الملك ، فقالوا : أيها الملك ، أحل بنفسه القتل . قال الشيخ : أيها الملك ، أين ذهبوا بي ؟

    قال :

    ذهبوا بك موضعا تذكر ربك فيه . قال : فقد دخلته وذكرت ربي فيه بلساني ، وعظمته بقلبي ، فإن كان كلما ذكر اللّه في كنائسكم صغر إليكم دينكم فزادكم اللّه صغارا .

    قال الملك : صدق ، وما لكم عليه سبيل . قالوا : أيها الملك ، لا نرضى حتى نقتله .

    قال الشيخ : إنكم متى قتلتموني فبلغ ذلك ملكنا وضع يده في قتل القسيسين والأساقفة ، ويخرّب الكنائس ، وكسر الصلبان ، ومنع النواقيس . قالوا : وإنه ليفعل ؟

    قال : فلا تشكّوا في ذلك . قال : فتفكروا في ذلك فتركوه .

    قال الشيخ : أيها الملك ، بم علا أهل الكتاب على أهل الأوثان ؟

    قال : لأنهم عبدوا ما عملوا بأيديهم . قال : فهذا أنتم عبدتم ما عملتم بأيديكم هذه الأصنام التي في كنائسكم ، فإن كان في الإنجيل فلا كلام لنا فيه ، وإن لم يكن في الإنجيل فما أشبه دينكم بدين الأوثان . قال : صدق ، هل تجدونه في الإنجيل ؟

    قال القس : لا . قال : فلم تشبهوا ديني بدين أهل الأوثان ؟

    قال : فأمرهم بتبييض الكنائس ، فجعلوا يبيضونها ويبكون .

    قال القس : هذا شيطان من شياطين العرب رمى به البحر إليكم ، فأخرجوه من حيث جاء ، ولا يقطر من دمه قطرة في بلادكم فيفسد عليكم دينكم ، فوكلوا به رجالا ، فأخرجوه من حيث جاء من بلاد دمشق . ووضع الملك يده في قتل القسيسين والبطاركة والأساقفة ، حتى هربوا إلى الشام ، لما لم يجد واحدا يحاجّه . انتهى .

    أخبرني عبد الوحد بن إسماعيل العسقلاني قال : سمعت جدّي لأميّ عمر بن عبد




    “ 178 “



    الحميد يقول : اعلم أن الناس في الدنيا على أبواب ملوكهم طبقات ، فمنهم الخواص المقرّبون ، والخدم المنتخبون ، والأمناء الثقات ، والكبراء السادات ، والتجار الطالبون للأرباح ، والفقراء أصحاب الصدقات .

    فأحسن أحوالك أن تنزل نفسك منزلة الفقراء والسؤال لا مقام ذي الصلة والنوال ، كم يدعون فلا يجيبون ، ويرغبون فلا يرغبون ؟ فما لكم لا تكونون

    كما قال اللّه تعالى :فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ، وأشرف الذكر ذكر القلب ، لأنه موضع نظر اللّه عز وجل من العبد .

    وقال بعضهم يوبخ نفسه : أما تستحي من اللّه ، كم يكون منك الخطا ومنه العطا ، كم يكون منك الجفا ومنه الوفا ؟ هلّا كان منك التوبة فيكون منه القبول ؟

    يا نفس ، كم تعصيه ويستر عليك وتتمادى في الذنب ويمهلك ؟ أما تخشي عقابه ؟ أما تستحي من عتابه ؟ أخاف عليك إن لم تنته عن قبيح فعلك ليصبنّ عليك سخطه ، وليحرقنك بنار غضبه ، هذا قلبك في فلوات المعاصي ضائع ، وسرك في الأعمال القبيحة رائع ، فبادري بالتوبة والإقلاع ، والندم والاسترجاع ، فكأنك وقد كشف القناع ، ولا تغترّي بالحياة الدنيا فما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع .

    وأنشدني محمد بن عبد الواحد لبعضهم :

    أنت سترى كيف أهتكه * ذا طريق لست أسلكه

    أملك الدنيا بأجمعها * وفؤادي لست أملكه

    قال بعض العارفين : للعارفين أربع علامات : ذكر المنة ، وصدق الهمة ، وعرفان الحرمة ، وخوف الفرقة .

    وقال بعض الصالحين : من علامات العارف أن ينظر إلى الدنيا بعين الاعتبار ، وإلى الآخرة بعين الانتظار ، وإلى النفس بعين الاحتقار ، وإلى الطاعة بعين الاعتذار لا بعين الاستكبار ، وإلى المغفرة بعين الاستبشار ، وإلى المعروف سبحانه وتعالى بعين الافتخار .

    حدثنا يونس بن يحيى ، ثنا ابن البطيء ، عن ابن شادان ، عن أحمد بن إسحاق ، عن أحمد بن محمود ، عن الحسن بن عبد العزيز المخزومي ، أنا أبو حفص القيسي ، عن أبي معبد ،

    قال : سمعت بلال بن سعيد يقول : كان أخوان في بني إسرائيل خرجا يتعبدان ، فلما أرادت الطريق تفرق بينهما قال أحدهما لصاحبه : خذ أنت في هذه الطريق ، وأنا في هذه الطريق ، فإذا كان رأس السنة اجتمعنا في ذلك الموضع ،

    فلما اجتمعا قال أحدهما لصاحبه : أي ذنب فيما عملت أعظم ؟ قال : بينما أنا أمشي على الطريق إذا بسنبلة فأخذتها







    “ 179 “



    فألقيتها في إحدى الأرضين ، أرض عن يميني ، وأرض عن شمالي ، ولا أدري أهي للأرض التي ألقيتها فيها أم للأخرى ؟

    ثم قال المسؤول للسائل : أي ذنب فيما عملت أعظم ؟ قال : لا أعلم غير إني كنت أقوم إلى الصلاة ، فأميل مرة على هذه الرّجل ، ومرة على هذه الرّجل ، فلا أدري أكنت أعدل فيما بينهما أم لا ؟ فسمعهما أبوهما من داخل الباب ، فقال : اللهمّ إن كان صادقين فأمتهما ، فخرج فإذا بهما قد ماتا .

    وروينا من حديث ابن ودعان ، عن الحسن بن شهاب ، عن أبي الهادي ، عن محمد بن منصور ، عن موسى بن إسماعيل ، عن حمّاد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « ليس شيء يباعدكم من النار إلا وقد ذكرته لكم ، ولا شيء يقرّبكم من الجنة إلا وقد دللتكم عليه ، إن روح القدس نفث في روعي أنه لن يموت عبد حتى يستكمل رزقه ، فاجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوا شيئا من فضل اللّه بمعصيته ، فإنه لا ينال ما عند اللّه إلا بطاعته ، ألا وإن لكل امرئ رزقا هو آتيه لا محالة ، فمن رضي به بورك له فيه فوسعه ، ومن لم يرض به لم يبارك له فيه ولم يسعه ، إن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله » .

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 07:36