..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty25/11/2024, 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty25/11/2024, 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty25/11/2024, 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty25/11/2024, 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty25/11/2024, 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty25/11/2024, 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 2

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:18

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء الثاني
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2

    “ 17 “

    ولا كبيرة ، فأكثروا من صالح العمل . أيها الناس ، إن في القناعة لسعة ، وإن في الاقتصاد لبلغة ، وإن في الزهد لراحة ، ولكل عمل جزاء ، ولكل أجل كتاب ، وكل آت قريب » .
    رؤيا المنصور أمير المؤمنين التي كانت سببا لبعض حججه التي أحرم بها من بغداد
    حدثنا يونس بن يحيى ، عن ابن أبي منصور ، عن المبارك بن عبد الجبار ، عن أبي بكر ، عن ابن المنكدر الصلت ، عن أبي بكر بن الأنباري ، عن محمد بن أحمد المقدمي ، عن أبي محمد التميمي ، عن منصور بن أبي مزاحم ، عن ابن سهل الحاسب ، عن طيفور قال : كان سبب إحرام المنصور من بغداد أنه نام ليلة فانتبه مرعوبا ، ثم عاود النوم فانتبه كذلك فزعا مرعوبا ، ثم راجع النوم فانتبه كذلك ، فقال : يا ربيع ، قال الربيع : قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : لقد رأيت في منامي عجبا .

    قال : ما رأيت جعلني اللّه فداءك ؟ قال : رأيت كأن آتيا أتاني فهينم بشيء لم أفهمه ، فانتبهت فزعا ، ثم عاودت النوم فعاودني يقول ذلك الشيء ، ثم عاودني بقوله حتى فهمته وحفظته وهو :
    كأني بهذا القصر قد باد أهله * وعرّي منه أهله ومنازله
    وصار رئيس القوم من بعد بهجة * إلى جدث تبنى عليه جنادله

    وما أحسبني يا ربيع إلا وقد حانت وفاتي ، وحضر أجلي ، وما لي غير ربي ، قم فاجعل لي غسلا . ففعلت ، فقام فاغتسل وصلى ركعتين . وقال : أنا عازم على الحج فهيّئ لي آلة الحج ، فخرج وخرجنا حتى إذا انتهى إلى الكوفة ونزل النجف فأقام أياما ، ثم أمر بالرحيل ، فتقدمت نوّابه وجنوده وبقيت أنا بوّابه ، وهو بالقصر ، فقال لي : يا ربيع ، جئني بفحمة من المطبخ ، وقال لي : اخرج فكن مع دابتي إلى أن أخرج ، فلما خرج وركب رجعت إلى المكان كأني أطلب شيئا ، فوجدته قد كتب على الحائط بالفحمة :

    المرء يهوى أن يعي * ش وطول عيش قد يضرّه
    تفنى بشاشته ويبقى * بعد حلو العيش مرّة
    وتصرف الأيام حتى * ما يرى شيئا يسرّه
    كم شامت بي إن هلك * ت وقائل للّه درّه

    للسهيس أنشدني عمي رحمه اللّه :


    “ 18 “

    زمان يمر وعيش يمر * ودهر يكر بما لا يسر
    ونفس تذوب وهم ينوب * ودنيا تنادي بأن ليس حر

    ومن وقائع بعض الفقراء ما حدثنا به عبد اللّه المروزي قال : قال لي بعض الصالحين : رأيت في واقعتي أبا مدين ، وأبا حامد ، وجماعة من الصوفية ، فقالوا لأبي مدين : قل لنا في التوحيد شيئا ، فقال أبو مدين : التوحيد همة المرسلين والنبيين ، وهو سر الخلفاء الصديقين ، وقطب الورثة من العارفين ، به حنّت أسرارهم إلى الحضرة الإلهية ، وبه انكشفت لهم الأمور الربانية ، فأمدهم بالحياة والقيومية ، وأظهر لهم أسرارا لا تكاد تطيقها الأرواح البشرية ، منها السر القائم بالوجود الذي منه بدأ وإليه يعود ، ووراء ذلك أسرار لا ينبغي بثّها ، ولا يليق بالعارف كشفها ، إذ هي أسرار إذا طالعها اضمحلت رسومه ، وتلاشت أفكاره وعلومه ، وفني ما هو محصور مقيد ، وبقي الواحد الفرد الصمد فالعارف المحقق الذي يسير بسيره ، ولم يكن له في قلبه متسع لغيره ، هو قلبه وحياته ، وبه حسنت أخلاقه وصفاته ، فكثيفه ظاهر لكل كثيف ، ولطيفه يلاحظ أسرار اللطيف ، فتوحيد العارفين محض التحقيق ، والقصد القصد بلا تخليق ، ففي التخليق فناء العمر ، وفي القصد الوصول والظفر . فالعارف مقيم بين الخلق بجسمه ، ومسافر إلى جمال الحضرة العلية بسرة ، فثمرة هذا التوحيد مناله بالسفر فيه تشرفوا وتنعموا ، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام : « سافروا تصحوا وتغنموا » ، فغنيمة العارف تظهر عليه بالصفات والنعوت ، إن اختبرته وجدته باللّه قائل ، وإن تحققته ألفيته مع سيده كالميت بين يدي الغاسل .

    وروينا من حديث الهاشمي ، بلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : « إياكم وفضول المطعم ، فإن فضول المطعم يسم القلب بالقسوة ، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة ، ويصم الهمم عن سماع الموعظة . وإياكم وفضول النظر ، فإنه يبذر الهوى ، ويولد الغفلة ، وإياكم واستشعار الطمع ، فإنه يشرب القلب شدة الحرص ، ويختم على القلب بطابع حب الدنيا ، فهو مفتاح كل سيئة ، وسبب إحباط كل حسنة » .


    وأنشدني محمد بن عبد الواحد لبعضهم :
    وأحيائي من عليم * ليس يخفى عنه حالي
    منطقي يبدي جميلا * والبلايا في فعالي
    ليت شعري ما اعتذاري * يوم أدعى للسؤال
    كيف قولي وجوابي * كيف فعلي واحتيالي
    ليتني لم أك شيئا * قبل تحقيق السؤال


    “ 19 “


    ومن حسن التلطف في المكاتبة
    ما ذكره إسماعيل بن أبي شاكر قال : لما أصاب أهل مكة السيل الذي شارق الحجر ، ومات تحته خلق كثير ، كتب عبد اللّه بن الحسن العلوي ، وهو والي الحرمين ، إلى المأمون : يا أمير المؤمنين ، إن أهل حرم اللّه ، وجيران بيته ، وآلاف مسجده ، وعمرة بلاده ، قد استجاروا بعزّ معروفك من سيل تراكمت جريانه في هدم البنيان ، وقتل الرجال والنسوان ، واجتاح الأصول ، وجرف الأثقال حتى ما ترك طارفا ولا تالدا للراجع إليها في مطعم ولا ملبس ، فقد شغلهم طلب الغذاء عن الاستراحة إلى البكاء على الأمهات والأولاد ، والآباء والأجداد ، فأجرهم أمير المؤمنين بعطفك عليهم ، وإحسانك إليهم ، تجد اللّه مكافئك عنهم ، ومثيبك عن الشكر منهم .

    قال : فوجّه المأمون إليهم بالأموال الكثيرة ، وكتب إلى عبد اللّه : أما بعد ، فقد وصلت شكيتك لأهل حرم اللّه إلى أمير المؤمنين ، فبكاهم بقلب رحمته وأنجدهم بسيب نعمته ، وهو متّبع لما أسلف إليهم ، بما يخلفه عليهم ، عاجلا وآجلا ، أن أذن اللّه في تثبيت نيته على عزمه .
    قال : فكان كتابه هذا أسرّ لأهل مكة من الأموال التي أنفذها إليهم .



    ومن حسن الجواب
    ما حكي أن أمير المؤمنين وقف على امرأة من بني ثعل ، فقال لها : ممن العجوز ؟
    قالت : من طي .
    قال : ما منع طيّا أن يكون فيها مثل حاتم ؟ قالت : الذي منع العرب أن يكون فيها آخر مثلك ، فأعجب بقولها ووصلها .
    وقال معاوية حين أتاه سعيد بن مرّة الكندي : أنت سعيد ؟ فقال : أمير المؤمنين أسعد ، وأنا ابن مرّة . وقال الحجاج للمهلب : أنا أطول أم أنت ؟ قال : الأمير أطول ، وأنا أبسط قامة منه.
    وقيل للعباس بن عبد المطلب : أنت أكبر أم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ قال : هو عليه السلام أكبر مني ، وأنا ولدت قبله .
    قيل : دخل سيد ابن أنس على المأمون ، فقال له المأمون : أنت السيد ؟ قال : أنت السيد يا أمير المؤمنين ، وأنا ابن أنس


    “ 20 “


    حكم
    رب قول أشدّ من صول . لكل ساقطة لاقطة . لكل داهية ناهية . لكل قاصمة عاصمة . مقتل الرجل بين فكيه يعني لسانه .
    وقال المهلب : اتقوا زلة اللسان ، فإني وجدت الرجل يعثر قدمه فيقوم من عثرته ، ويزلّ لسانه فيكون فيه هلاكه .
    وقال يونس بن عبيد : ليست خلة من خلال الخير تكون في الرجل هي أحرى أن تكون جامعة لأنواع الخير كلها من حفظ اللسان .
    ومن قولهم في الكتمان : كان أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور يقول : الملوك تحتمل كل شيء من أصحابها إلا ثلاثة : إفشاء السر ، والتعرض للحرم ، والقدح في الملك .
    وقال بعض الحكماء : سرّك من دمك ، فانظر من يملكه .
    وفي الحكمة القديمة : سرّك لا يطلع عليه غيرك .
    وقيل لأبي مسلم : بأي شيء أدركت هذا الأمر ؟ قال : ارتديت الكتمان ، واتّزرت بالحزم ، وحالفت الصبر ، وساعدت المقادير ، فأدركت طلبتي ، وحزت بغيتي .


    وأنشد في ذلك :
    أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت * عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا
    ما زلت أسعى عليهم في ديارهم * والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا
    حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا * من نومة لم ينمها قبلهم أحد
    ومن رعى غنما في أرض مسبعة * ونام عنها تولّى رعيها الأسد
    روينا من حديث البغوي ، أخبرنا أبو سعيد عبد اللّه بن أحمد الظاهري ، انا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزّار ، أنا أبو بكر بن محمد بن زكريا الغدافري ، أنبأ إسحاق بن إبراهيم ، ثنا عبد الرزاق ، انا معمر ، عن قتادة ، عن نصر بن عاصم الليثي ، عن خالد بن خالد اليشكري ، قال : خرجت زمن فتحت تستر حتى قدمت الكوفة ، فدخلت المسجد ، فإذا أنا بحلقة فيها رجل صدع من الرجال ، حسن الثغر ، يعرف فيه أنه رجل من أهل الحجاز قال : فقلت : من الرجل ؟ فقال القوم : أو ما تعرف ؟

    قلت : لا ، قالوا : هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : فقعدت ، وحدث القوم . فقال : إن الناس كانوا يجيئون فيسألون النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ، فأنكر ذلك القوم عليه ،



    “ 21 “


    فقال لهم : إني سأخبركم بما أنكرتم من ذلك : جاء الإسلام حين جاء ، فجاء أمرا ليس كأمر الجاهلية ، وكنت قد أعطيت فهما في القرآن ، وكان رجال يسألون عن الخير ، فكنت أسأله عن الشرّ ، قلت : يا رسول اللّه ، أيكون بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر ؟ قال :
    « نعم » ، قلت : فما العصمة يا رسول اللّه ؟ قال : « السيف » ، قلت : وهل بعد السيف بقية ؟
    قال : « نعم ، يكون جماعة على أقذاء وهدنة على دخن » ، قال : قلت : ثم ما ذا ؟ قال : « ثم ينشأ دعاة الضلالة ، فإن كان للّه في الأرض خليفة جلد ظهرك ، وأخذ مالك ، فالزمه ، وإلا قمت وأنت عاص على جذل شجرة » ، قال : قلت : ثم ما ذا ؟ قال : « ثم يخرج الدجال بعد ذلك ومعه نهر ونار ، فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره ، ومن وقع في نهره وجب وزره وحبط أجره » . قال : ثم قلت : ثم ما ذا ؟ قال : « ثم ينتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة » . قال البغوي : الصدع من الرجال مفتوحة الدال : الشاب المعتدل . ويقال :
    الصدع : الربعة في خلقة رجل بين الرجلين . وقوله : فما العصمة ؟ قال : « السيف » . قال قتادة : يضعه على أهل الردة كانت في زمن الصديق رضي اللّه عنه . وقوله : « هدنة على دخن » : صلح على بقايا من الضغن .
    وقوله : « على أقذاء » : يكون اجتماعهم على فساد من القلوب ، شبّهه بأقذاء العين .



    ومن أشراط الساعة
    ما رواه علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال : سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أشراط الساعة فقال : « إذا رأيت الناس قد ضيّعوا الحق ، وأماتوا الصلاة ، وأكثروا القذف ، واستحلّوا الكذب ، وأخذوا الرشوة ، وشيّدوا البنيان ، وعظّموا أرباب الأموال ، واستعملوا السفهاء ، واستحلّوا الدماء ، فصار الجاهل عندهم ظريفا ، والعالم ضعيفا ، والظلم فخرا ، والمساجد طرقا ، وتكثر الشرط ، وحليت المصاحف ، وطوّلت المنارات ، وخربت القلوب من الدين ، وشربت الخمور ، وكثر الطلاق ، وموت الفجأة ، وفشا الفجور ، وقول البهتان ، وحلفوا بغير اللّه ، وائتمن الخائن ، وخان الأمين ، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب ، فعندها قيام الساعة » .

    وروى حذيفة بن اليمان قال :
    رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متعلقا بأستار الكعبة ، وعيناه تذرفان بالدموع ، فقلت : ما يبكيك لا أبكى اللّه لك عينا ؟ قال : « يا حذيفة ، ذهبت الدنيا ، أو كأنك بالدنيا لم تكن » ، قلت : فداك أبي وأمي يا رسول اللّه ، فهل من علامة يستدل بها على ذلك ؟ قال : « نعم يا



    “ 22 “

    حذيفة ، احفظ بقلبك ، وانظر بعينيك ، واعقد بيديك ، إذا ضيّعت أمتي الصلاة ، واتّبعت الشهوات ، وكثرت الخيانات ، وقلّت الأمانات ، وشربوا القهوات ، وأظلم الهوى ، وغار الماء ، وأغبرت الأفق ، وخيفت الطريق ، وتشاتم الناس وفسدوا ، وفجرت الباعة ، ورفضت القناعة ، وساءت الظنون ، وتلاشت السنون ، وكثرت الأشجار ، وقلّت الثمار ، وغلت الأسعار ، وكثرت الرياح ، وتبينت الأشراط ، وظهر اللواط ، واستحسنوا الخلف ، وضاقت المكاسب ، وقلّت المطالب ، واستمروا بالهوى ، وتفاكهوا بينهم بشتيمة الآباء والأمهات ، وأكل الرّبا ، وفشا الزنا ، وقلّ الرضا ، واستعملوا السفهاء ، وكثرت الخيانة ، وقلّت الأمانة ، وزكى كل امرئ نفسه وعمله ، واشتهر كل جاهل بجهله ، وزخرفت جدران الدور ، ورفع بناء القصور ، وصار الباطل حقا ، والكذب صدقا ، والصحة عجزا ، واللؤم عقلا ، والضلالة هدى ، والبيان عمى ، والصمت بلاهة ، والعلم جهالة ، وكثرت الآيات ، وتتابعت العلامات ، وتراجموا بالظنون ، ودارت على الناس رحى المنون ، وعميت القلوب وغلب المنكر المعروف ، وذهب التواصل ، وكثرت التجارات ، واستحسنوا البطالات ، وتهادوا أنفسهم بالشهوات ، وتهاونوا بالمعضلات ، وركبوا جلود النمور ، وأكلوا المأثور ، ولبسوا الحبور ، وآثروا الدنيا على الآخرة ، وذهبت الرحمة من القلوب ، وعمّ الفساد ، واتخذوا كتاب اللّه لعبا ، ومال اللّه دولا ، واستحلوا الخمر بالنبيذ ، والنّجش بالزكاة ، والرّبا بالبيع ، والحكم بالرشا ، وتكافأ الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، وصارت المباهاة في المعصية ، والكبر في القلوب ، والجور في السلاطين ، والسفاهة في سائر الناس ، فعند ذلك لا يسلم إلى ذي دين دينه إلا من فرّ بدينه من شاهق إلى شاهق ، ومن واد إلى واد ، وذهب الإسلام حتى لا يبقى إلا اسمه ، واندرس القرآن من القلوب حتى لا يبقى إلا رسمه ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيّهم ، لا يعلمون بما فيه من وعد ربهم ووعيده وتحذيره وتنذيره وناسخه ومنسوخه ، فعند ذلك تكون مساجدهم عامرة ، وقلوبهم خاربة من الإيمان ، علماؤهم شر خلق اللّه على وجه الأرض ، منهم بدت الفتنة وإليهم تعود ، ويذهب الخير وأهله ، ويبقى الشر وأهله ، ويصير الناس بحيث لا يعبأ اللّه بشيء من أعمالهم ، قد حبب إليهم الدينار والدرهم ، حتى أن الغني ليحدّث نفسه بالفقر » .

    ثم ذكر حديث خراب الأرض في باقي الحديث ، وقد ذكرناه في هذا الكتاب .

    رؤيا سهل بن عبد اللّه التستري

    حدثنا محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بمدينة فاس ، قال : رويت فيما رويت أن



    “ 23 “




    سهل بن عبد اللّه قال : نمت ليلة النصف من شعبان عندما غلب عليّ السهر ، فرأيت جبريل عليه السلام والناس يعرضون عليه ، فقدم إليه رجل ، فقال للملائكة الموكلين : كيف وجدتم هذا العبد ؟ قالوا : عبد سوء أنعم عليه فما شكر ، وابتلي فما صبر ، وعوهد فخان وغدر ، وأمر فما أطاع ولا امتثل ، وسوّف نفسه بعسى ولعلّ ، يتبرم لقضاء المولى ، ويتحكم فيما يهوى ، ويقول : هذا أحق وهذا أولى . قل محمد بن قاسم : لما انتهى عمر بن عبد المجيد حين حدّثني بهذا الحديث إلى قوله : وهذا أولى ، بكى وقال : فهذه صفتي التي عرفتها ، وحالتي التي ألفتها ثم أنشد فلا أدري أمن قبله أم متمثلا :

    ساعدوني في بكائي * واسمعوا وصفي لحالي
    كل ذنب هو عندي * وهو ذخري وهو مالي
    وأنا عن قبح هذا * في غرور واشتغال
    هل لمثلي من عزاء * ضاق بي وجه احتيالي


    ثم رجع إلى الحديث قال : قال سهل : فأمر جبريل عليه السلام ملكا ، فأخذ بيديه ، ونادى بين الملائكة الموكلين به عليه : هذا عبد خلع ربقة العبودية من أعماله ، فخلّوا بينه وبين أشكاله . قال سهل : ثم قدم إليه رجل آخر ، فقال للملائكة الموكلين به : كيف وجدتم هذا العبد ؟ قالوا : هذا عبد صالح شكر اللّه على النّعما ، وصبر على البلوى ، وامتثل أمر المولى ، وجانب الخيانة والجفا ، واتّبع سنّة المصطفى ، ثم أمر ملكا فأخذ بيديه ، ونادى بين الملائكة عليه : هذا عبد لزم آداب العبودية فاعرفوه ، فإن نزل به أمر فلا تخذلوه .

    ومن باب قول اللّه عز وجل : وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
    قالت العلماء : إذا استخار الرجل ربه ، واستشار نصيحه واجتهد ، فقد قضى ما عليه ، ويقضي اللّه في أمره ما يحبّ . وإياك ومشاورة النساء ، فإن رأيهن إلى أفن ، وعزمهن إلى وهن . وقال بعضهم : حسن المشورة من المشير قضاء حق النعمة .



    حكمة
    إذا قدرت فاصفح ، وإذا استشرت فانصح ، النصيحة في الملا تقريع ، يقال : من وعط أخاه شرا زانه ، ومن وعظه جهارا شانه .
    قال بعض الحكماء : نصف عقلك مع أخيك فاستشره ، فإن الاعتصام بالمشورة ، لأنها تقيم اعوجاج الرأي ، وقلّ من هلك إلا برأيه ، ولا يغرّنك قول من قال : لو لم يكن في


    “ 24 “


    ترك المشورة إلا استضعاف صاحبك ، وظهور فقرك إليه ، لوجب اطراح ما يفيده من المشورة ، وإلقاء ما يكسبه الامتنان .
    وقال بعضهم : أمر الحجاج بحضور الشعبيّ ، فجاءه ابن الأشعث قادما ، فلقيه كاتب الحجاج أبو مسلم ، فقال له الشعبيّ : أشر عليّ يا أبا مسلم فأنت أعلم بما هناك ، فقال أبو مسلم : لا أدري بم أشير ، ولكن اعتذر بما قدرت عليه . قال الشعبي : وأشار عليّ بذلك كل من استشرته من أهل ودّي . قال الشعبي : فلما دخلت على الحجاج اعتمدت على ربي الذي بيده تقليب قلوب الملوك ، وعزمت على مخالفة مشورة أصحابي ورأيت واللّه غير الذي قالوا ، وهان عليّ الأمر ، فسلّمت عليه بالأمارة إعطاء لحق المرتبة ، ثم قلت : أصلح اللّه الأمير ، إن الناس قد أمروني أن أعتذر بغير ما يعلم اللّه أنه الحق ، ولك واللّه أن لا أقول في مقامي هذا إلا الحق : قد جهدنا وحرصنا ، فما كنا بالأقوياء الفجرة ، ولا بالأتقياء البررة ، ولقد نصرك اللّه علينا ، وأظفرك بنا ، فإن سطوت فبذنوبنا ، وإن عفوت فبحلمك والحجة لك علينا . فقال الحجاج : أنت واللّه أحب إلينا قولا ممن يدخل علينا وسيفه يقطر من دمائنا ، ويقول : واللّه ما فعلت ولا شهدت ، أنت آمن يا شعبي . قال الشعبي : فقلت :

    أيها الأمير ، اكتحلت واللّه بعدك السهر ، واستحليت الخوف ، وقطعت صالح الإخوان ، ولم أجد من الأمير خلفا ، قال : صدقت وانصرفت ، فنعم المستشار العلم ، ونعم الوزير العقل .
    وقال بعض الأعزّاء من العقلاء : ما استشرت أحدا إلا كنت عند نفسي ضعيفا ، وكان عندي قويا ، وتصاغرت له ، ودخلته الغيرة ، فإياك والمشورة وإن ضاقت بك المذاهب ، واختلفت عليك المسالك ، وأداك الاستبهام إلى الخطأ الفادح ، فإن صاحبها أبدا جليل في العيون ، مهيب في الصدور ، ولن تزال كذلك ما استغنيت عن ذوي العقول ، فإذا افتقرت إليها حقرتك العيون ، ورجفت بك أركانك ، وتضعضع بنيانك ، وفسد تدبيرك ، واستحقرك الصغير ، واستخف بك الكبير ، وعرفت بالحاجة إليهم . انتهى .



    ولاية خزاعة الكعبة بعد جرهم
    روينا من حديث أبي الوليد ، عن جده ، عن سعيد بن سالم ، عن عثمان بن ساج ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، قال : لما طالت ولاية جرهم استحلوا من الحرم أمورا عظاما ، ونالوا ما لم يكونوا ينالون ، واستخفوا بحرمة الحرم وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها سرا وعلانية ، وكلما عدا سفيه منهم على منكر وجد من أشرافهم من يمنعه ويدفع عنه ، وظلموا من دخلها من غير أهلها ، حتى دخل رجل منهم بامرأة الكعبة ، فيقال فجر بها أو



    “ 25 “

    قبّلها ، فمسخا حجرين ، فرق أمرهم فيها وضعفوا ، وتنازعوا أمرهم بينهم واختلفوا ، وكانوا قبل ذلك من أعزّ حيّ في العرب ، وأكثره رجالا وأموالا وسلاحا ، وأعزه غرة .

    فلما رأى ذلك رجل منهم يقال له مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو ، قام فيهم خطيبا فوعظهم وقال : يا قوم ، اتقوا على أنفسكم ، وراقبوا اللّه في حرمه وأمنه ، فقد رأيتم وسمعتم من هلك من صدر هذه الأمم قبلكم ، قوم هود وصالح وشعيب ، فلا تفعلوا ، وتواصلوا ، وتواصوا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، ولا تستخفّوا بحرم اللّه تعالى وبيته ، ولا يغرّنكم ما أنتم فيه من الأمن . وبالغ في وعظهم ، فما ازدادوا إلا طغيانا وتجبّرا ، فلما رأى ذلك مضاض منهم ، عمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب ، وأسياف ، فدفنها في موضع زمزم ، وكان زمزم إذ ذاك قد ذهب ماؤه ودرس ، فبينما هم كذلك إذ كان من أهل مأرب ما ذكر أنه ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر ، وهو الذي يقال له مرتقب ابن ماء السماء ، وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث ابن بنت مالك بن زيد بن كهلان بن ساس بن يعرب بن قحطان ، وكانت رأت في كهانتها أن سدّ مأرب سيخرب ، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين .


    وقال فيما حدثه أبو زيد الأنصاري أن عمرا رأى جردا يحفر في سدّ مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء ، فعلم أنه لا بقاء للسدّ على ذلك ، فباع أمواله ، وسار هو وقومه من بلد إلى بلد ، لا يطول بلدا إلا غلبوا عليه ، وقهروا أهله حتى يخرجوا منه ، فلما قاربوا مكة ساروا ومعهم طريفة الكاهنة .
    فقالت لهم : سيروا ، سيروا ، فلن تجتمعوا أنتم ومن خلفتم أبدا ، فهم لكل أصل ، وأنتم لهم فرع ، ثم قالت الكاهنة : وحق ما أقول ما علمني ما أقول إلا الحكيم المحكم رب جميع الإنس من عرب وعجم .

    قالوا لها : ما شأنك يا طريفة ؟ قالت : خذوا البعير الشذقم فخضبوه بالدم ، تسكنوا أرض جرهم جيران بيته المحرم . قال : فلما انتهوا إلى مكة ، وأهلها جرهم قد قهروا الناس ، وحازوا ولاية البيت على بني إسماعيل وغيرهم ، أرسل إليهم ثعلبة بن عمرو بن عامر : يا قوم ، إنّا قد خرجنا من بلادنا ، فلم ننزل بلدا إلا فسح أهلها لنا ، وتزحزحوا عنّا ، فنقيم معهم حتى نرسل روّادنا فيرتادون لنا بلدا يحملنا ، فأفسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم بقدر ما نستريح ، ونرسل روّادنا إلى الشام وإلى الشرق ، فحيث ما بلغنا أنه أمثل لحقنا به ، وأرجو أن يكون مقامنا معكم يسيرا .
    فأبت جرهم ذلك ، وبعثوا إليهم أن ارحلوا عنّا ، فأرسل إليهم ثعلبة أنه لا بدّ لي من المقام في هذا البلد حولا ، حتى ترجع إليّ رسلي ، فإن تركتموني طوعا نزلت وحمدتكم ،



    “ 26 “

    وواسيتكم في الرعي والماء ، وإن أبيتم أقمت على كرهكم ، ثم لم ترتعوا معي إلا فضلا ، ولم تشربوا معي إلا زيفا ، وإن قاتلتموني قاتلتكم ، ثم إن ظهرت عليكم سبيت النساء ، وقتلت الرجال ، ولم أترك منكم أحدا ينزل للحرم أبدا . فأبت جرهم أن يتركوه طوعا فاقتتلوا ثلاثة أيام ، وأفزع عليهم الصبر ، ومنعوا النصر ، ثم انهزمت جرهم ، فلم يلتفت منهم إلا الشريد ، وكان مضاض بن عمرو بن الحارث قد اعتزل جرهم ، ولم يعنهم في ذلك وقال : قد كنت أحذركم هذا . ثم رحل هو وولده وأهل بيته حتى نزلوا فنونا وحلى وما حول ذلك ، فبقايا جرهم بها إلى اليوم وأفنى جرهما السيف في تلك الحرب ، فأقام ثعلبة بمكة وما حولها في قومه وعساكره حولا ، فأصابتهم الحمى فشكوا إلى طريفة ما أصابهم ، فقالت لهم : قد أصابني الذي تشكون ، وهو مفرّق ما بيننا . قالوا : فما ذا تأمرين ؟

    قالت :فيكم ومنكم الأمير ، وعلى التيسير .
    قالوا : فما تقولين ؟ قالت : فمن كان منكم ذا همّ بعيد ، وحمل شديد ، ومزاد جديد ، فليلحق بقصر عمان المشيد ، فكانت أزد عمان . ثم قالت :
    من كان منكم ذا جلد وقسر وصبر على أن يأتي الدهر ، فعليه بالإدراك من بطن مرة ، فكانت خزاعة . ثم قالت : من كان منكم يريد الراسيات في الوحل ، المطعمات في المحل ، فليلحق بيثرب ذات النخل ، فكانت الأوس والخزرج .

    ثم قالت : من كان منكم يريد الخمر والخمير ، والملك والتأمير ، ويلبس الديباج والحرير ، فليلحق ببصرى وغوير ، وهما من أرض الشام ، فكان الذي سكنوها جفنة من غسان .
    ثم قالت : من كان منكم يريد البنات الرقاق ، والخيل العتاق ، وكنوز الأوراق ، والدم المهراق ، فليلحق بأرض العراق . فكان الذي سكنها آل جذيمة الأبرش ، ومن كان بالحيرة من غسان ، وآل مخرق ، حتى جاءهم روّادهم ، فافترقوا من مكة فرقتين : فرقة توجهت إلى عمان وهم أزد عمان ، وسار ثعلبة بن عمرو بن عامر نحو الشام ، فنزل الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، وهم الأنصار بالمدينة ، ومضت غسان فنزلوا الشام ، وانخزعت خزاعة بمكة ، فأقام بها ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر وهو لحيّ ، فولي أمر مكة وحجابة الكعبة ، فلما حازت خزاعة أمر مكة ، وصاروا أهلها ، جاءهم بنو إسماعيل ، وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة ، فلم يدخلوا في ذلك ، فسألوهم السكنى معهم وحولهم ، فأذنوا لهم ، فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن الحارث ، وقد كان أصابه من الصبابة إلى مكة ما أحزنه ، أرسل إلى خزاعة يستأذنها في الدخول إليهم والنزول معهم بمكة في جوارهم ، وبث إليهم براءته وتوزيعه قومه عن القتال ، وسوء السيرة في الحرم ،



    “ 27 “

    واعتزاله الحرب ، فأبت خزاعة أن يقرّوهم ، ونفتهم عن الحرم كله . وقال عمرو بن لحيّ وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر لقومه : من وجد منكم جرهميا قد قارب الحرم فدمه هدر . ففزعت إبل مضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي من فنونا تريد مكة ، فخرج في طلبها حتى وجد أثرها قد دخلت مكة ، فمضى إلى الجبال من نحو جياد حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الإبل في بطن وادي مكة ، فأبصر الإبل تنحر وتؤكل لا سبيل له إليها ، فخاف إن هبط الوادي أن يقتل فولى منصرفا لأهله ،

    وأنشأ يقول :

    كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر
    ولم يتربع واسطا فجنوبه * إلى المنحنى من ذي الإزالة حاضر
    بلى نحن كنا أهلها فأزالنا * صروف الليالي والجدود العواثر
    وأبدلنا ربي بها دار غربة * بها الذئب يعوي والعدو المحاصر
    فإن تنثني الدنيا علينا بحالها * فإن لها حالا وفيها التشاجر
    فإن تمل الدنيا علينا بكلّها * سيصلح حال بعدنا وتشاجر
    ونحن ولّينا البيت من بعد ثابت * نطوف بذاك البيت والخير حاضر
    ملكنا فعزّزنا وأعظم بملكنا * فليس لحيّ غيرنا ثم فاخر
    فكنا ولاة البيت من بعد ثابت * بعزّ فما يخطى لدنيا المكاثر
    وأنكح جدّ خير شخص علمته * فأبناؤنا منه ونحن الأساهر
    فأخرجنا منها المليك بقدرة * كذلك بل للناس تجري المقادر
    أقول إذا نام الخليّ ولم أنم * إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر
    وبدلت منهم أوجها لا أحبها * وحمير قد بدّلتها والبحاتر
    وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة * كذلك غضتنا السنون الغوابر
    وسحّت دموع العين تبكي لبلدة * بها حرم أمن وفيها المشاعر
    بواد أنيس ليس يؤذي حمامة * تظل به آمنا وفيه العصافر
    وفيه وحوش لا ترام أنيسة * إذا خرجت منها فما أن تقادر
    فيا ليت شعري هل تعمّر بعدنا * جياد فمعضني سيله فالظواهر
    فبطن منى وحش كأن لم يسر به * مضاض ومن حيي عديّ عمائر
    وقال عمرو أيضا يذكر بكرا وغسان ومن خلفهم في مكة بعدهم :
    يا أيها الحيّ سيروا إن قصركم * أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
    إنّا كما كنتم كنّا فغيّرنا * دهر فسوف كما صرنا تصيرونا
    حثّوا المطيّ وأرخوا من أزمّتها * قبل الممات وقصّوا ما تقصّونا


    “ 28 “

    قد مال دهر علينا ثم أهلكنا * بالبغي فيه وبذء الناس تأسونا
    وقال حسان بن ثابت الأنصاريّ يذكر الخزاع خزاعة بمكة ، ومسير الأوس والخزرج إلى المدينة ، وغسان إلى الشام :
    فلما هبطنا بطن مرو تخزّعت * خزاعة منا في حلول كراكر
    حموا كل واد من تهامة واحتموا * بسمر القنا والمرهفات البواتر
    فكان لها المرباع في كل غادة * تشنّ بنجد والفجاج العوابر
    خزاعتنا أهل اجتهاد وهجرة * وأنصارنا جند النبي المهاجر
    وسرنا فلما أن هبطنا بيثرب * بلا وهن منا ولا بتشاجر
    وجدنا بها رزقا غدا من بقية * من آثار عاد بالخلال الظواهر
    فحلّت بها الأنصار ثم تبوأت * بيثربها دارا على خير طائر
    بنو الخزرج الأخيار والأوس إنهم * حموها بفتيان الصباح البواكر
    نفوا من طغى في الدهر عنها وديّنوا * يهودا بأطراف الرماح الحواطر
    وسارت لنا سيّارة ذات قوة * بكوم المطايا والخيول الجماهر
    يؤمّون نحو الشام حتى تمكنوا * ملوكا بأرض الشام فوق المنابر
    يصيبون فضل القول من كل خطبة * إذا وصلوا إيمانهم بالمخاصر
    أولاك بنو ماء السماء توارثوا * دمشقا بملك كابرا بعد كابر
    قال الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى ، وبلغه أن أبا عمرو بن أمية يتواعده :
    أتوعدني بنو عمرو ودوني * رجال لا ينهنها الوعيد
    رجال من بني تميم بن عمرو * إلى أبياتهم يأوي الطريد
    جحاجحة شياظمة كرام * مراجحة إذا فرع الحديد
    خضارمة ملاوية ليوث * خلال بيوتهم كرم وجود
    ربيع المعدمين وكل جار * إذا نزلت بهم سنة كئود
    هم الرأس المقدّم من قريش * وعند بيوتهم تلقى الوفود
    فكيف أخاف أو أخشى عدوا * ونصرهم إذا ادعوا عتيد
    فليس بعادل بهم سواهم * طوال الدهر ما اختلف الجديد


    ومن مكارم ابن المبارك
    ما حدثنا به محمد بن عبد اللّه ، عن أبي منصور القزّاز ، عن أبي بكر الخطيب ، عن


    “ 29 “

    أبي محمد الخلّال ، عن إسماعيل بن محمد ، عن محمد بن حسن المقري ، سمعت عبد اللّه بن أحمد الزورقي ، سمعت محمد بن علي بن حسن بن شقيق ، سمعت أبي يقول : كان ابن المبارك رضي اللّه عنه إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو فيقولون : نصحبك يا أبا عبد الرحمن ؟ فيقول لهم : هاتوا نفقاتكم ، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها ، ثم يكتري لهم ، ويخرجهم من مرو إلى بغداد ، فلا يزال ينفق عليهم ، ويطعمهم أطيب الطعام والحلو ، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي ، وأكمل مروءة ، حتى يصلوا إلى مدينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإذا صاروا إلى المدينة قال لكل رجل منهم :

    ما أمر عيالك أن تشتري لهم من متاع المدينة ؟
    فيقول : كذا وكذا ، فيشتري لهم ، ويخرجهم من المدينة إلى مكة ، فإذا صاروا إلى مكة قال لكل رجل منهم : ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة ؟
    فيقول : كذا وكذا ، فيشتري لهم ، ويخرجهم من مكة ، فلا يزال ينفق عليهم حتى يصيروا إلى مرو ، فإذا وصل إلى مرو جصّص دورهم ، فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة وكساهم ، فإذا أكلوا وشربوا دعا بصندوق ففتحه ودفع إلى كل واحد منهم صرّته بعد أن كتب عليها اسمه . قال أبي : أخبرني خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوة ، فقدم على الناس خمسة وعشرين خوانا فالوذج .

    قال أبي : وبلغنا أنه قال للفضيل بن عياض : لولاك وأصحابك ما اتجرت . وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم .


    ومن سماع أهل اللّه على قول ابن الدمينة
    أما والراقصات بذات عرق * ومن صلى بنعمان الأراك
    لقد أضمرت حبك في فؤادي * وما أضمرت حبا من سواك
    سماعهم في الراقصات التي هل الإبل هم العارفين ، وذات عرق انبعاثها من أصل صحيح . ومن صلى بنعمان الأراك ، من طلب الوصال ليتنعّم بالرؤية .

    والبيت الثاني على أصله فإنه متوجه .
    وسماعهم في قول الصّمة وهو :
    وحنّت قلوصي آخر الليل جنة * فيا روعة ما راع قلبي حنينها
    فقلت لها حنّي فكل قرينة * مفارقها لا بدّ يوما قرينها
    وقلت لها حنّي رويدا فإنني * وإياك تخفي غولة سنبينها

    سماعهم في القلوص : مركب الحسن . وآخر الليل : انقضاء العمر . فيا روعة هول


    “ 30 “


    المطلع ، والروح والنفس قريبان يتفارقان بالموت ، تخفي غولة سنبينها يوم تشهد عليهم ألسنتهم .
    ومن باب حنين الإبل وسيرها قوله :
    ثورها ناشطة عقالها * قد ملأت من بدنها حلالها
    فلم تزل أشواقه تسوقها * حتى رمت من الوجا رحالها
    ما ذا على الناقة من غرامه * لو أنه أنصف أو رثا لها
    أراد أن يشرب ماء حاجر * أربها تطلب أم كلالها
    إنّ لها على القلوب ذمّة * لأنها قد عرفت بلبالها
    كانت لها على الصبا تحيّة * أعجلها السائق أن تنالها
    كم تسأل البارق عن سويقة * ولا يجيب عامدا سؤالها
    خوفا على قلوبها إن عملت * إن الغوادي أدرست أطلالها
    فعلّلوها بحديث حاجر * ولتصنع الفلاة ما بدا لها

    وأمدت الفلاة دون خطوها * كأنها قد كرهت زوالها
    ومن هذا الباب ما أنشدناه محمد بن عبد اللّه لأبي عبد اللّه البارع رحمه اللّه تعالى :
    دع المطايا تسم الجنوبا * إنّ لها لنبأ عجيبا
    حنينها وما اشتكت لغوبا * يشهد أن قد فارقت حبيبا
    شامت بنجد بارقا كذوبا * أذكرها عهد هوى قريبا
    فغادر الشوق لها حبيبا * يضرم في أكبادها لهيبا
    تزرم إن ما استشرفت كثيبا * فإن بالرمل لها سقوبا
    ما حملت إلا فتى كئيبا * يسرّ مما أعلنت نصيبا
    يمسي إذا حنت لها مجيبا * لو غادر الشوق لها قلوبا
    إذا لآثرن بهنّ النيبا * إن الغريب يسعد الغريبا


    ولعلي بن أفلح من هذا الباب :
    دعها لك الخير وما بدا لها * من الحنين ناشطا عقالها
    ولا تعقها عن عقيق رامة * فإنها ذاكرة أفعالها
    ولا تعلّلها بحيّ بابل * فهو أهاج بالجوى بلبالها
    نشدتك اللّه إذا جئت الرّبى * فرد أضاها واستظلّ ضالها
    وبارح الورق بشجو ثاكل * أطغى لها ريب الرّدى أطفالها


    “ 31 “

    وقال أبو نواس في النسيب :
    لولا تذكر من ذكرت بحاجر * لم أبك فيه مواقد النيران
    يا واقفين معي على الدار طلبا * غيري لها إن كنتما تقفان
    منع الوقوف على المنازل طارق * أمر الدموع بمقلتي ونهاني
    إنّا ليجمعنا البكاء وكلنا * نبكي على شجن من الأشجان

    حماية إلهية
    حدثنا عبد الرحمن ، ثنا أبو بكر الصوفي ، أنا أبو سعيد الحميري ، انا ابن باكويه ، سمعت محمد بن أحمد النجار ، سمعت أبا بكر الكتاني يقول : كنت بطريق مكة فإذا أنا بهميان تلمع منه الدنانير ، فهممت أن آخذه فأحمله إلى فقراء مكة ، فهتف بي هاتف من ورائي : إن أخذته سلبناك فقرك .

    وبالإسناد إلى البخاري قال : أخبرني أبو علي الروزبادي قال : سمعت بنان الجمال يقول : دخلت البرية على طريق تبوك وحدي ، فاستوحشت ، فإذا بهاتف يهتف : يا بنان ، نقضت العهد ، لم تستوحش ؟ أليس حبيبك معك ؟

    ومن باب هوان الدنيا على أهل اللّه
    ما حدثنا به محمد بن الفضل ، ثنا أبو منصور ، ثنا أبو بكر بن ثابت ، ثنا عبد العزيز القرميني ، ثنا ابن جهضم ، ثنا الخالدي ، ثنا ابن مسروق ، حدثني محمد بن سهل البخاري قال : كنت أمشي في طريق مكة ، إذ رأيت رجلا من أهل المغرب على بغل وبين يديه مناد ينادي : من أصاب هميانا فله ألف دينار ،
    فإذا إنسان أعرج عليه أطمار رثة يقول للمغربي :
    أيش علامة الهميان ؟ فقال : كذا وكذا ، وفيه بضائع للقوم ، وأنا أعطي من مالي ألف دينار .

    فقال الفقير : من يقرأ الكتابة ؟ فقلت : أنا ، قال : اعدلوا إلى ناحية ، فعدلنا ، فأخرج الهميان ، فجعل المغربي يقول : حبتين لفلانة بنت فلان بخمسمائة دينار ، وحبة لفلان بمائة دينار ، وجعل يعدّ فإذا هو كما قال ، فحلّ المغربي هميانه وقال : خذ ألف دينار التي وعدت ، فقال الأعرج الفقير : لو كان قيمة الهميان عندي بعرتين ما كنت تراه ، فكيف آخذ منك ألف دينار على ما هذا قيمته ، ومضى ولم يأخذ منه شيئا .
    أخبرني الوجيه الفاسي بمدينة مائد ، في سنة إحدى وستمائة قال : كان ببخارى والي

      الوقت/التاريخ الآن هو 27/11/2024, 03:21