..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty25/11/2024, 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty25/11/2024, 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty25/11/2024, 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty25/11/2024, 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty25/11/2024, 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty25/11/2024, 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 19

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 13:55

    الجزء 19 .محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 الشيخ الأكبر ابن العربي
    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 19
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2

    “ 276 “
    في ثلاثين ألفا ، فدخلناها . وقد مات رجاء بن حيوة قبل ذلك بعشرة أيام ، فبلغ ذلك مسلمة فغمّه غما شديدا . وأقام بباب دمشق ، وكتب إلى عمر بن عبد العزيز فلم يأذن له في الدخول إلى المدينة ثلاثة أيام ، حتى طلب إليه جميع بني أمية . فأذن له ، فدخل ، فمضى ومضينا معه إلى منزل عمر بن عبد العزيز بالخيل والناس وهبة السفر . فلم يأذن له ، فرجع إلى منزله ، فلما كان من الغد ، وركبنا معه ألف رجل من القواد ، فلم يأذن له فرجع ، وركب إليه من الغد في أهل بيته ومواليه ، فلم يأذن له . وركب إليه من الغد في إخوانه وبني عمه ، فلم يأذن له . فرجع ومضى إليه من الغد وحده راكبا ، فلم يأذن له .

    فرجع ومضى إليه من الغد راجلا ، فأذن له ، وعنده وجوه قريش ، ورؤساء أهل الشام . فسلّم عليه بالخلافة فرد عليه ردا ضعيفا ، ولم يأذن له بالقعود ساعة .

    فبكى مسلمة وقال : ما أراني عاصيا ، فإن كنت عاصيا فقد عصى من هو خير مني ، وإن كنت مداهنا فقد داهن من هو خير مني .

    فما جرمي إلا أن أنكيت في المشركين ، وأبكيت ، وقمت بحق اللّه تعالى ، وقتلت عدوّه ، ولم تأخذني فيه لومة لائم . فإنما فعلت بما أمرت ، وأوصيت بالدخول إلى المدينة العظمى ، فدخلت .
    هذا كلامي وهذا عذري ، فاقبل مني أو دع .
    فقال عمر بن عبد العزيز : يا مسلمة ، سرت بالمسلمين إلى أقصى بلاد الروم ، فقتلت الضعيف ، وأتعبت القوي ، تطلب الشرف ، وأردت الرئاسة .
    أما كان يكفيك من القسطنطينية بلاد عمورية والقيام بها ؟ ولكنك أردت أن يقال :
    هذا مسلمة بن عبد الملك شديد العزم . فالويل لك إن آخذك اللّه بقتل رجل من المسلمين .

    ويحك يا مسلمة ، لقد بلغني عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :
    « الويل لمن أهلك نفسا مؤمنة » . فقد عفونا عنك ما كان من جهلك . اقعد ، فقعد .
    فقال : هات يا مسلمة حدثني عن بلاد الروم . فقال مقاتل مولى عمر بن عبد العزيز :
    سمعت مسلمة وهو يقول لعمر : ما رأيت بلادا تشبه القسطنطينية .
    قال عمر : صفها لي .
    قال : هي مدينة برية بحرية ، الخير فيها كثير ، من الفاكهة والطعام ، واللباس فيها ظاهر ، والدواب فيها فرهة . قال عمر : صف لي سورها ، وأبوابها ، وكنيستها العظمى ، وقصرها الكبير .

    قال : أما سورها فحجارة ، وعرض السور ما يسير عليه مائة فارس عرضا . فأما الأبواب فإنها حديد عرض ما بين كل باب ميل . وأما الكنيسة العظمى فمن رخام مصفف مفصّص بالحجارة المذهبة وبالجوهر .
    وأما قصرها فمن رخام ، ولم أدخله يا أمير المؤمنين .
    قال عمر : أسألك باللّه يا مسلمة هل جبنت حيث دخلتها ؟
    قال مسلمة : لا واللّه يا أمير المؤمنين ما جبنت ، ولكني أجري ما كنت حيث دخلتها . قال : كيف رأيت أهل


    “ 277 “

    الروم ؟ قال : قوم سوء وقلوبهم خائفة ، فإذا صدقوا هربوا . ولقد قتلنا منهم مقتلة عظيمة .
    فالحمد للّه على ذلك كثيرا . قال عمر : غفر اللّه لك . ثم وجّه سراقة بن عبد الرحمن أميرا على الثغور ، وأمره أن يبلغ العمورية ، فإذا بلغها لا يجوز إلى غيرها . وأقام مسلمة عند عمر بدمشق .


    تأديب عمر بن عبد العزيز مسلمة بن عبد الملك
    وبالإسناد قال مقاتل : ثم إن عمر بلغه أن مسلمة ينفق على مائدته ألف درهم في كل يوم . وكان عمر يطعم السّؤال من غلته ألف سائل في كل يوم ، يطعمهم ثلاثة ألوان وشواء .
    وكان يأكل هو يوما لحما ، ويوما خلا وزيتا ، ويوما عدسا .
    وكان قد سيّر الدنيا ثلاثة أيام :
    يوما للقضاء ، ويوما لأهله ، ويوما لحوائج الناس ، والليل للعبادة . فكان إذا جنّه الليل لبس جبّة صوف ، وجعل الغلّ في عنقه والقيد في رجله ، ونادى : يا رب ، هذا عذاب الدنيا ، فكيف عذاب الآخرة ؟
    ثم بعث إلى مسلمة يأمره أن يتغذى عنده ، فأتاه ، فأمر عمر بجفان السّؤال أن تهيّأ ، وهيأ له طعاما ، وأمر أن يحبس الطعام وأن يقدّم العدس .

    فلما أبطأ عليهم الطعام ، وجاع مسلمة جوعا شديدا ، قال عمر : ويحك يا مقاتل ، إن أبا سعيد لا يصبر على الجوع ، فائتنا بما عندك . فأتاه بعدس ، فأكل أكلا منكرا حتى شبع ، ثم أتي بالطعام . فقال عمر : كل يا أبا سعيد . فقال : قد اكتفيت . قال عمر : يا أبا سعيد ، تكفيك أكلة بدانقين ، وأنت تنفق على مائدتك ألف درهم كل يوم ؟ فقال مسلمة : أعطني عهد اللّه أن لا أعود إلى مثل ذلك ، فرجع عنه .


    ومن أخبار عمر بن عبد العزيز
    وبالإسناد قال مقاتل : رأيت قوما من العبّاد وقد أتوا محمد بن عمر بن عبد العزيز ، فسألوه عن عمل أبيه ، فقال : ما أذكر أني رأيته ، ولكني أدخل على أمي فاطمة ابنة عبد الملك بن مروان ، فأسألها عن هذا إن شاء اللّه تعالى . فدخل عليها ، فقال : يا أمّه ما صنع أبي ؟
    فإن الناس قد لجّوا عليّ في ذلك ، فقالت فاطمة ابنة عبد الملك : يا بني ، لا تريد أن تعلم ؟ قال لها : فإنهم لا يدعوني حتى أخبرهم . قالت : نعم ،
    قل لهم : إن أبي كان من أعظم قريش ، وأرفههم مركبا ، وألينهم ثوبا ، وأطيبهم طعاما ، قبل أن يلي الخلافة ، فلما ولّي الخلافة لبس الكرابيس والصوف ، وربما ادّهن بزيت العلة ، تعني زيت الماء ، ولا رفع ثوبا يدّخره ، ولا اتخذ أمة منذ ولّي إلى يوم مات ، فهذه كانت حالته .


    “ 278 “

    قال مقاتل : فلما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة قال له : يا مقاتل ، إنه بلغني عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أن الإمام العادل إذا وضع في قبره نزل على يمينه ، وإذا كان جائرا نقل عن يمينه إلى شماله ، فاطّلع حتى تنظر إليّ . قال : فاطلعت ، فرأيته على يمينه والحمد للّه .
    قال مقاتل : رأيته قبل أن تخرج الروح من جسده وهو يضحك ، ويقول : لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ . ثم مات رحمه اللّه تعالى .
    ولنا في الأخذ من السلطان وترك الأخذ من الناس للمنّة
    إن الحلال من المكاسب همّتي * والأخذ من مال الفتوح أجانبه
    تمضي المروءة أخذه من عالم * مذمومة أحواله ومذاهبه
    تمتنّ من قبل العطاء وربما * سألت عليك بما يعير مدانبه
    فلتجتنب أخذ الفتوح فإنه * يجني على الأعقاب منك عواقبه
    إلا من السلطان فهو نصيبكم * مما تعيّن بالشريعة واجبه
    هو عنده للمسلمين أمانة * فمتى حباك فخذه إنك صاحبه

    قال ابن الواسطي : وقد ذكرت إسنادنا إليه ، حدثنا القاسم بن مزاحم ، عن محمد بن الحسن العسقلاني ، عن محمد بن عمرو بن الجراح الغزّي ، عن أبي الصلت شهاب بن خراش ، عن سعيد بن سنان ، عن أبي الزاهرية ، قال : أتيت بيت المقدس أريد الصلاة ، فدخلت المسجد ، وغفلت عن سدنة المسجد حتى أطفئت القناديل ، وانقطعت الرّجل ، وغلقت الأبواب . فبينما أنا على ذلك إذ سمعت له حفيفا له جناحان قد أقبل ، وهو يقول :
    سبحان الدائم القائم ، سبحان القائم الدائم ، سبحان الحي القيّوم ، سبحان الملك القدّوس ، سبحان رب الملائكة والروح ، سبحان اللّه وبحمده ، سبحان العليّ الأعلى ، سبحانه وتعالى .

    ثم أقبل حفيف يتلوه ويقول مثل ذلك ، ثم أقبل حفيف بعد حفيف يتجاوبون بها حتى امتلأ المسجد ، فإذا بعضهم قريب مني فقال : آدمي ؟ فقلت : نعم . قال : لا روع عليك ، هؤلاء الملائكة . قلت : سألتك بالذي قوّاكم على ما رأى ، من الأول ؟ قال : جبريل .


    قلت : ثم الذي يتلوه ؟ قال : ميكائيل . قلت : من يتلوه بعد ذلك ؟ قال : الملائكة . قلت :
    سألتك بالذي قوّاكم على ما أرى ، ما لقائلها من الثواب ؟
    قال : من قالها سنة كل يوم مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة ، أو يرى له .
    قال أبو الزاهرية : قلت : سنة وسنة كثير ، لعلّي لا أعيش ، فقلتها في يوم عدد أيام السنة ، فرأيت خيرا .
    قال سعيد بن سنان : فقلت :


    “ 279 “

    سنة والسنة كثير ، لعلّي لا أعيش فيها ، فقلتها في يوم عدد أيام السنة ، فرأيت خيرا . قال الحوسي : فقلت : سنة والسنة كثير ، لعلّي لا أعيش فيها ، فقلت في يوم عدد أيام السنة ، فرأيت خيرا .
    قال محمد بن عمرو : فقلتها ثلاثة أيام أو أربعة ، كل يوم مائة مرة ، فكان الرجل يلقاني فيقول : رأيت لك كذا وكذا أظنه من ذلك . قلت : وقلتها أنا في ليلة فرأيت خيرا ، وقلتا وقالها صاحبي عبد اللّه الحبشي ، فرأى أو رؤي له خيرا .

    ومن باب حب الوطن
    ما قالت العجم اللسن :
    من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة ، وإلى مسقط رأسها توّاقة .
    وقال الحكيم : فطرة الرجل معجونة بحب الوطن ، ولذلك قال أبقراط : يداوى كل عليل بعقاقير أرضه ، فإن الطبيعة تقطع بهواها ، وتفزع إلى غذاها . وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما : لو قنع الناس بأرزاقهم قنوعهم بأوطانهم لما اشتكى عبد الرزّاق . والذي يؤيد ما ذكرناه من حب الوطن قول اللّه عز وجل حين ذكر الديار ، فخبر عن مواقعها من قلوب عباده .

    فقال تعالى : وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ، فسوّى بين قتل أنفسهم وبين الخروج من ديارهم .
    وقال تعالى : وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا .
    وقيل : لولا حبّ الناس الأوطان لخرب البلدان .
    وقيل : من أمارات العاقل برّه لإخوانه ، وحنينه إلى أوطانه ، ومداراته لأهل زمانه .
    كما قيل : ( ودارهم فاللّبيب من دارى ) .
    قالت العرب : حماك أحمى لك ، وأهلك أحفى لك .

    حكمة
    الغربة كربة ، والقلّة ذلّة .
    وقال القائف : إذا أحسّت النفس بمولدها تفتحت مسامّها ، فعرفت النسيم ، وأكثرت الشميم .



    “ 280 “

    وقال آخر : يحنّ اللبيب إلى وطنه كما يحنّ النجيب إلى عطنه .
    وقال بعضهم : كما أن لحاضنتك حقّ لبنها ، فكذلك لأرضك حرمة وطنها .
    وشبّهت الحكماء الغريب باليتيم اللطيم ، ثكل أباه وأمه ، فلا أم ترامه ، ولا أب يحرب عليه .
    وفي المثل : أوضح من مرآة الغريب .

    قالت الحكماء : أكرم الخيل أجزعها من السوط ، وأكيس الصبيان أشدّهم بغضا للكتاب ، وأكرم الإبل أشدهم حنينا إلى أوطانها ، وأكرم المهارى أشدها ملازمة لأمهاتها ، وخير الناس آلفهم للناس .


    وقال بعض الشعراء في الوطن :
    ألا ليت شعري والحوادث جمة * متى تجمع الأيام ما فرّق الشملا
    وكل غريب سوف يمسي بذلّة * إذا بان عن أوطانه وجفا الأهلا
    وأنشدنا أبو بكر بن سكر قال : كان المازني ينشد لعروة :

    اقرأ على الوشل السلام وقل له * كل المشارب مذ هجرت ذميم

    جبل ينيف على البلاد إذا بدا * بين الغدائر والزمان مقيم
    لو كنت أملك منع ما بك لم يذق * ما في قلاتك ما حييت لئيم


    وأنشدنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الوزعي بمسجد ابن عتّاب بقرطبة لمجنون بني عامر :
    إلى عامر أصبو وما أرض عامر * هي الرملة الوعساء والبلد الرحب
    معاشر بيض لو وردت بلادهم * وردت بحورا للندى ماؤها عذب
    إلى ما بدت للناظرين خيامهم * فثمّ العتاق القبّ والأسل القضب

    وأنشدنا أبو الحسن علي بن خروف بمنزلي لامرأة من عقيل :
    خليليّ من سكان ماوان هاجني * هبوب جنوب مرّها وانتسامها
    فإن تسألاني ما ورائي فإنني * بمنزلة أعيا الطبيب سقامها

    وأنشدنا :
    أقول لقوم ألف الدهر بينهم * وبيني والأيام تحوي وتفرق
    فإني وإن أحمدت عقد وصالكم * ففي غير مثوى أرضكم أتشرّق
    سقى اللّه قومي كل يوم وليلة * عوارض مزن صوبها يتدفق


    “ 281 “

    ومن باب العشاق والعشق
    قال علي بن عبيدة : العشق أرواح تجول في الخليقة ، وفرح يجول في الروح ، وسرور ينشي الخواطر ، له مستقرّ غامض ، ويحل أطيب المساكن ، ينساب في الحركات ، ويهدئ القوي ، ويقوّي الضعيف .

    ولبعضهم :
    تقول أناس لو نعت لنا الهوى * وو اللّه ما أدري لهم كيف أنعت
    فليس لشيء منه جزء أعدّه * وليس لشيء منه وقت موقت
    بلى غير أني لا أزال كأنني * عليّ من الأحزان بيت مبيت
    وأنضح وجه الأرض طورا بعبرتي * وأقرعها طورا بظفري وأنكت
    وقد زعموا بي أنني لا أحبّه * فما لي أراه من بعيد فأبهت
    إذا اشتدّ ما بي كان آخر حيلتي * له وضع كفي تحت خدّي وأصمت

    وأنشدني ابن مرتين من هذا الباب :
    الحبّ فيه حلاوة ومرارة * والحبّ فيه شقاوة ونعيم
    الحب أهونه شديد قادح * والحب أصغر ما يكون عظيم
    الحب صاحبه ببيت مسهّدا * ويطير من فؤاده ويهيم
    الحب لا يخفى وإن أخفيته * إن البكاء على المحب نميم
    الحب يشهد صادقا في وجهه * عند التنفس أنه مهموم
    الحب داء قد تضمّنه الحشا * بين الجوانح والضلوع مقيم

    حكاية
    قال إبراهيم بن سعيد : كنت عند المأمون يوم نوروز ، فجاء الناس بهدايا ، فأمر بردّها استحقارا لها ، فردّت الهدايا . وكانت في المهديين امرأة معها هدية ، ولها رقعة مكتوب فيها :
    ألم ترنا نهدي إلى اللّه ما له * وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله
    ولكننا نهدي إلى من نحبه * على قدرنا لا نحو ما قد يشاكله

    قال : فأمر المأمون بقبول الهدايا .
    حديث مرفوع ، رفعه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز إلى أبي هريرة قال :


    “ 282 “


    بينما النبي صلى اللّه عليه وسلم جالس في أحفل ما يكون من أصحابه ، إذ أقبل إليه أعرابي من بني سليم باكيا .
    فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : “ ما يبكيك يا أخا بني سليم ؟ “ ، قال : إني ربما قمت في صلاتي فيأخذني الهذيان ، وربما نمت فتأخذني الفكرة في منامي ، وربما أخذتني الوسوسة حتى كادت تفسد عليّ ديني .

    فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : “ يا سلمي ، هذا عمل إبليس لعنه اللّه . ألا أعلمك تسعة عشر اسما علّمنيها رب العالمين حين أسري بي إلى السماء السابعة ؟ أربعة منها مكتوبة على جبهة إسرافيل . وأربعة مكتوبة على جبهة ميكائيل . وأربعة مكتوبة على جبهة جبريل . وأربعة مكتوبة على جبهة عزرائيل . وثلاثة مكتوبة على جبهة الناموس الأكبر ، وهو أحد حملة العرش ، جناح له في المشرق ، وجناح له في المغرب . وعنقه مثنيّة تحت قائمة العرش ، لو أمره الجبار أن يلتقم السماوات وما بينهنّ وما فيهنّ وما عليهنّ كان أهون عليه من طرفة عين “ .

    قال : بلى يا رسول اللّه ، . فقال : “ يا أخا بني سليم ، إنها تسعة عشر اسما ما دعا بهنّ مهموم إلا فرّج اللّه عنه همّه ، ولا مغموم إلا فرّج اللّه عنه غمّه ، ولا غائب إلا ردّه اللّه عز وجل ، ولا مريض إلا شفاه اللّه تعالى ، ولا مديون إلا قضى اللّه دينه . ولم تكن هذه الأسماء في منزل إلا طرد اللّه عنه إبليس وجنوده . فإذا أمسيت وأصبحت فقل :
    اللهمّ إني أسألك يا رحمن يا رحيم ، ويا جار المستجيرين ، ويا أمان الخائفين ، ويا عماد من لا عماد له ، ويا سند من لا سند له ، ويا ذخر من لا ذخر له ، ويا حرز الضعفاء ، ويا عظيم الرجاء ، ويا منقذ الهلكى ، ويا منجّي الغرقى ، ويا محسن ، ويا مجمل ، ويا منعم ، ويا مفضل ، ويا عزيز .

    أنت الذي سجد لك سواد الليل ، وضوء النهار ، وشعاع الشمس ، وهفيف الشجر ، ودويّ النحل ، ونور القمر .
    يا اللّه يا اللّه يا اللّه لا شريك لك . أسألك أن تصلّي على محمد وعلى آل محمد ، ثم تدعو حاجتك “ .ومن جواهر الكلم
    طيب الأشياء العافية ، وأفضل الدارين الباقية . الطاعة حرز ، والقناعة عزّ ، والعلم


    “ 283 “

    كنز ، والصمت فوز . الثقة مال المؤمن ، والرحمة من اللّه حظ المحسن . فمن وثق باللّه أغناه ، ومن أحسن إلى خلقه نجّاه .
    إن الدنيا لا تصفو لشارب ، ولا تفي لصاحب ، ولا تخلو من فتنة ، ولا تخلى من محنة .
    فاعرض عنها قبل أن تعرض عنك ، واستبدل بها قبل أن تستبدل بك ، فإن نعيمها ينتقل ، وأحوالها وثمرتها تضمحل .

    من أطاع اللّه عز وجل ارتفع ، ومن عصاه ذلّ فاتّضع من أطاع اللّه ملك ، ومن أطاع هواه هلك . كم من جامع لمن لا يشكوه ، ومنفق فيمن لا يسرّه . من تمام العلم استعماله ، ومن تمام العمل استقباله ، فمن استعمله عمله لم يخل من رشاد ، ومن استعمله علمه لم يقصر عن مراد . ثمرة العلم أن تعمل به ، وثمرة العمل أن تؤجر عليه .
    كل عزّ لا يوطده دين مذلة ، وكل علم لا يؤيده عقل مظلة . ذل من ليس له ظالم يعضده ، وضلّ من ليس له عالم يرشده . الزهد بصحة اليقين ، وصحة اليقين بصحة الدين ، فمن صحّ يقينه زهد في الثراء ، ومن قوي دينه أيقن بالجزاء .



    وصية من شيخ ناصح لتلميذ قابل
    روينا من حديث ابن ثابت قال : انا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة النيسابوري ، انا محمد بن عبد اللّه بن شادان قال : سمعت يوسف بن الحسين يقول : قلت لذي النون في وقت مفارقتي له من المجلس : من أجالس ؟ فقال : عليك بمجالسة من يذكّرك اللّه رؤيته ، وتقع هيبته على باطنك ، ويزيد في عملك منطقه ، ويزهدك في الدنيا علمه ، ولا تعصي اللّه ما دمت قربه ، يعظك بلسان فعله ، ولا يعظك بلسان قوله .


    ومن هذا الباب ما حدثنا المروزي ، عن الخشّاب ، نبأ عبد اللّه ابن الأستاذ قال :
    دخل رجل من أصحابنا على أبي العباس الخشاب الزاهد ، فسلم عليه وقال له : يا أبا العباس ، أريد أن أقرأ عليك مما في هذا الكتاب ، لكتاب كان بيده ، ففتح ، فقرأ عليه من باب الورع والزهد والتوكل ، والخشاب ساكت . فقال الرجل : يا أبا العباس ، إنما قرأ عليك هذه الأبواب لتتكلم عليها . فقال له الخشاب : أقرأني فإني أنا ذلك الكتاب . فخرج الرجل من عنده ، ودخل إلى الشيخ أبي مدين ، وهو إذ ذاك بمدينة فاس ، فقال : يا أبا مدين ، اتفق لي مع الخشاب كيت وكيت ، فقال أبو مدين : صدق الخشاب ، هل قرأت عليه بابا ليس هو حاله ؟
    فإذا كان حاله لا تفهمه ولا يؤثر فيك ، فكيف قوله ؟ فاتعظ الرجل .


    أخبرني عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي ، عن كشف أبي العباس الخشاب ، قال : خطر لأبي مدين طلاق زوجته ، واستخار اللّه ، ثم رأى أن يستأذن في ذلك أبا العباس الخشاب ، فإنه كانت له حالة تعليم من اللّه ، فوافق هذا الخاطر دخول الخشاب على أبي مدين ، فقبل

    “ 284 “

    أن يكلمه أبو مدين ، قال له الخشاب : يا أبا مدين ، يقال لك : امسك عليك زوجك ، فمسكها . ولهذا الخشاب عجائب . زرت قبره مع ابن يخلف بمدينة فاس ، فأتى خبر أنه يوم مات ما بقي وليّ للّه له خطوة إلا حضره .



    وصية نوح عليه السلام لابنه
    روينا من حديث أحمد بن محمد زياد ، قال : نبأ محمد بن عبد الملك الدقيقي ، نبأ خنيس ، نبأ زياد قال : نبأ محمد بن عبد الملك ، نبأ زيد بن بكر بن خنيس ، عن محمد بن إسحاق ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس رضي اللّه عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
    « أوصى نوح ابنه فقال : لا أطوّل عليك ، احذر أن لا تنسى : اثنتان يستبشر اللّه عز وجل بهما وصالح خلقه . واثنتان يحتجب اللّه بهما وصالح خلقه . فأما الاثنتان التي يستبشر اللّه عز وجل بهما وصالح خلقه ، فشهادة أن لا إله إلا اللّه ، وأن السماوات والأرض وما بينهما وما فيهنّ لو كنّ حلقة لقصمتها ، ولو كنّ في كفة لرجحت ، وسبحان اللّه وبحمده . فإنها صلاة الخلق ، وبها يرزقون . وأما الاثنتان التي يحتجب اللّه عز وجل منهما وصالح خلقه ، فالشرك به والكبر » .
    فقال رجل من أصحابه : يا رسول اللّه ، إني لأحبّ أن يحمل مركبي ، ويلين مطمعي ، ويحل علاق صوتي ، وقبال نعلي ، فذلك كبر ؟
    قال : « لا ، ولكن الكبر أن تبطر الحق ، وتغمص الناس » . واللفظ لابن الأعرابي . انتهى .

    نصيحة
    رويناها عن الحسن ، من حديث ابن ثابت قال : نبأ أحمد بن الحسين بن محمد بن ثابت قال : نبأ أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد اللّه ، نبأ جدّي ، نبأ أبو بكر أحمد بن يحيى بن عمرو بن عتيق العامري ، نبأ أحمد بن علي بن خلف ، نبأ سري بن المفلس السقطي ، نبأ يزيد ، عن المسعودي ، عن محمد ، عن عوف بن عبد اللّه ، قال :
    سمعت الحسن يقول : يا ابن آدم ، لو أنك تجد حقيقة الإيمان ما كنت تعيب الناس بعيب هو فيك ، حتى تبدأ بذلك العيب نفسك ، ولا تصلح عيبا إلا ترى عيبا آخر ، فيكون شغلك في خاصة نفسك ، وكذلك أحبّ ما يكون إلى اللّه إذا كنت كذلك .
    ومن حديثه أيضا قال : انا محمد بن علي الأصبهاني التاجر ، نبأ أحمد بن محمود


    “ 285 “

    القاضي بالأهواز ، نبأ محمد بن زكريا ، نبأ ابن عائشة قال : سئل علي بن الحسين عن صفة الزاهد في الدنيا ، قال : يتبلّغ بدون قوته ، ويستعد ليوم موته ، ويتبرم حياته .

    حكاية شابّ اصطنعه الحق تعالى
    روينا من حديث ابن ثابت قال : نبأ علي بن القاسم الشاهد بالبصرة قال : سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن عيسى قال : سمعت يوسف بن الحسين يقول :

    كان شابّ يحضر مجلس ذي النون بن إبراهيم المصري مدة ، ثم انقطع عنه زمانا ثم حضر عنده ، وقد اصفرّ لونه ، ونحل جسمه ، وظهرت آثار العبادة والاجتهاد عليه . فقال له ذو النون : يا فتى ، ما الذي أكسبك خدمة مولاك واجتهادك من المواهب التي منحك بها ووهبها لك واختصّك بها ؟ فقال الفتى : يا أستاذ ، وهل رأيت عبدا اصطنعه مولاه من بين عبيده واصطفاه وأعطاه مفاتيح الخزائن ، ثم أسرّ إليه سرا ، أيحسن به أن يفشي ذلك السر ؟


    ثم أنشأ يقول :
    من سارروه فأبدى السرّ مجتهدا * لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
    وباعدوه فلم يسعد بقربهم * وأبدلوه مكان الأنس إيحاشا
    لا يصطفون مذيعا بعض سرّهم * حاشا ودادهم من ذلكم حاشا


    قال : وحدثني يحيى بن علي بن عبد اللّه الدمغاني ، عن ابن سلام ، سمعت يحيى بن معاذ يقول : من عرف عاش ، ومن مال إلى الدنيا طاش ، والمؤمن عن عيوب نفسه فتّاش ، والأحمق يسعى في لاش .

    قال : وحدثنا عبد الرحمن ، عن أحمد بن مكحول قال : سئل حكيم : أي شيء أحلى ؟ قال : النصرة على العدو بعد الهزيمة ، والاستغناء بعد الحاجة ، والعظة في المجالس ، والغلبة للمتكلم .


    كلام لبعض إخواننا فيمن أفناه الشوق
    أملى علينا صاحبنا أحمد بن مسعود بن شدّاد المقري ، بمدينة الموصل سنة إحدى وستمائة ، فيمن أفناه الشوق وأودى به التوق ، وأماته التذكّر وأفناه التفكّر ، حتى صارت جزئياته وكلياته للّه ، وحركاته وسكناته باللّه ، ولحظاته وخطراته من اللّه ، وضمائره وسرائره مع اللّه ، فني به عنه ، لما منحه به منه ، وذلك حين زهد في شهواته ولذّاته ، وتجوهر في


    “ 286 “

    صفاته وذاته ، فني بمولاه عن تربه ونفسه ، بما أولاه عن تربه ونفسه ، بما أولاه من قربه وأنسه ، عرض عرضه على الخلق ، وجاهر بجوهره لدى الحق ، حتى صار بين الأتراب من عالم التراب ، ومن أولي الألباب عند رب الأرباب ، بقي صورة في الفناء ، ومعنى في عالم الفناء ، فعين السعادة لم تزل تلاحظه من قبل الأزل ، فهو في عالم الصور معنا ، وفي عالم الأرواح يشاهد المعنى ، فلما أفناه موجده عن وجوده ، بما حباه من تطوله وجوده ، تحيط جوهر روحانيته ، في عرض إنسانيته ، وطمعت في الخلاص الأرواح ، من حصر أقفاص الأشباح ، هتفت بها هواتف الأقدار بالعشيّ والإبكار ، هذا يقرأ عليها : يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ،
    وهذا يتلو عليها : وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ * فحينئذ هدرت بلابل بلبالها ، وغرّدت قماري أقمار أحوالها ،
    وأنشدت لسان حالها :
    يا حسرتي كيف ألقاهم ولي جسد * ولي فؤاد ولي سمع ولي بصر
    مادا أقول إذا قالوا فديتهم * أين التحول وأين الدمع والسهر
    إذا اعتذرت أجابتني محاسنهم * ما لامرئ لم يمت في حبنا عذر


    مبشرة خير تدل على فتح ونصر
    رأينا ونحن بسيواس في شهر رمضان ، والسلطان الغالب في ذلك الزمان يحاصر أنطاكية . فرأيت كأنه نصب عليها المجانيق ، ورماها بالأحجار ، فقتل زعيم القوم ، فأولت الأحجار آراؤه السعيدة ، وعزائمه التي يرميهم بها ، وإنه فاتحها إن شاء اللّه تعالى . فكان كما رأيت بحمد اللّه ، وفتحها يوم عيد الفطر ، وكان بين الرؤيا والفتح عشرون يوما ، وذلك سنة اثني عشر وستمائة ، فكتبت إليه من ملطية قبل فتحه إياها بأبيات أذكر فيها رؤياي ، وأذكر فيها ما قاله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين رأى في النوم جبريل عليه السلام ، وقد جاءه بعائشة أم المؤمنين ، قبل أن يتزوج بها ، في سرفة حرير ، فقال له : هذه زوجتك ، فلما استيقظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذكرها قال : « إن كان من عند اللّه سيمضيه » . فقلنا : نحن كذلك أدبا واقتداء . فكان من عند اللّه ، وفتح اللّه على السلطان بها كما كان زواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعائشة .


    وكانت الأبيات لروميات اتفاقا وهي :
    قصدت بلاد الكفر تبغي فتوحها * فأبشر فإن الروم فيك لفي خسر
    رأيت لكم رؤيا تدلّ على النصر * وفتح بلاد الكفر والقتل والأسر
    قتلتم بأحجار المجانيق كبشهم * فأوّلها الآراء تعضد بالنصر


    “ 287 “


    فدونك فانهض أيها الملك الذي * علا أمره فوق السماكين في النسر
    وخذها من اللّه الكريم بشارة * تدل على التأييد والقهر والقسر
    فإن كان عن حق سيمضي وجودها * وإن لم يكن ما فيه في الملك عن عسر
    بذا جاء لفظ الشرع إذ جاء وحيه * برؤياه في أمر الحميراء بالسر
    إذا جاء نصر اللّه والفتح فلتجد * بمالك من خير على العسر واليسر

    روينا من حديث الواسطي قال : نبأ عيسى بن عبد اللّه الورّاق ، أخبرني علي بن جعفر الرازي ، نبأ عبد اللّه بن محمد بن مسلم ، نبأ موسى بن سهل النيسابوري الموصلي قال :

    سكن من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جماعة ببيت المقدس : عبادة بن الصامت ، وشداد بن أوس ، وابن أم حزام أبو أبي واسمه شمعون حليف الحضرموت ، وأبو ريحانة ، وسلامة بن قيصر الحضرمي ، وفيروز الديلمي ، وذو الأصابع ، وأبو محمد النجاري ، هؤلاء من أهل بيت المقدس .
    ماتوا بها ، أعقب منهم عبادة بن الصامت ، وشداد ، وسلامة ، وفيروز ، ولم يعقب أبو ريحانة ، ولا ذو الأصابع ولا النجاري .


    ذكر كعب الأحبار
    إن اللّه تعالى قال في التوراة لصخرة بيت المقدس : أنت عرشي الأدنى ، ومنك ارتفعت إلى السماء ، ومن تحتك بسطت الأرض ، وكل ماء يسيل من ذروة الجبال من تحتك ، من مات فيك فكأنما مات في سماء الدنيا ، ومن مات حولك فكأنما مات فيك ، لا تنقضي الأيام والليالي حتى أرسل عليك نارا من السماء ، فتأكل آثار أكفّ بني آدم وأقدامهم منك ، وأرسل عليك ماء من تحت العرش فأغسلك حتى أتركك كالمهات ، وأضرب عليك سورا من غمام غلظه اثنا عشر ميلا وسياجا من نار ، وأجعل عليك قبة خلقتها بيدي ، وأنزل فيك روحي ، وملائكتي ، يسبحون فيك ، لا يدخلك أحد من ولد آدم إلى يوم القيامة ، فمن يرى ضوء تلك القبة من بعيد يقول : طوبى لوجه يخرّ فيك للّه ساجدا ، وأضرب عليك حائطا من نار ، وسياجا من الغمام ، وخمس حيطان من ياقوت ودرّ وزبرجد ، وأنت الأنظر ، وإليك المحشر ، ومنك المنتشر .

    حدثني بهذا الحديث جماعة غير واحد ، عن القاسم بن علي ، عن أبي القاسم السوسي ، عن إبراهيم بن يونس ، عن عبد العزيز النصيبي ، عن محمد بن أحمد ، عن عمر ، عن أبيه ، عن الوليد ، عن إبراهيم بن محمد ، عن داود ، عن صدقة بن يزيد ، عن ثور بن يزيد ، عن عبد اللّه بن تبشر ، عن كعب الأحبار رضي اللّه عنه .


    “ 288 “


    ومن باب العشق والعشاق ما ذكر عن المأمون وهو قوله
    إن الهوان هو الهوى قلب اسمه * فإذا هويت لقد لقيت هوانا
    فإذا تعبّدك الهوى فاخضع له * واسجد لإلفك كائنا من كانا


    ولجميل بن معن في هذا الباب :
    قد كنت أسمع بالمحبّ وذكره * فأضلّ منه عاجبا أتفكّر
    حتى بليت بحبكم فوجدته * مرّا ولم أك قبل ذلك أشعر
    فاليوم أعذر كل من أثبته * صبّا ومن ذاق الهوى يستشعر


    ولام الضحّاك في هذا الباب فقال :
    من كان لا يدر ما حبّ وصفت له * أو كان هيّابة أو كان لم يحد
    الحبّ أوله روع وآخره * مثل الخزازة بين القلب والكبد


    وقال آخر :
    الحب أوله حلو وأوسطه * مرّ وآخره التوديع والأجل

    وقال صاحب بثينة :
    الحبّ أول ما يكون لجاجة * تأتي به وتسوقه الأقدار
    حتى إذا اقتحم الهوى لجج الهوى * جاءت أمور لا تطاق كبار


    ولنا في هذا الباب :
    الحبّ أوله نحبّ وأوسطه * موت وليس له حدّ فينكشف
    فمن يقول بأن الحبّ يعرفه * فما لقوم به أعمارهم شغفوا
    ولم يقولوا بأن الحبّ نعرفه * خلف ولكنه بالقلب يأتلف
    فليس يعرف منه غير لازمة * البثّ والوجد والتبريج والأسف

    ولنا من منشور الحكم والوصايا
    قال الإسكندر : الحكم يرضي أحد الخصمين ويسخط الآخر ، فليستعملا الحق ليرضيهما جميعا .
    وقال : لم صارت سير بلادكم قليلة ؟
    قالوا : لإعطائنا الحق من أنفسنا ، ولعدل ملوكنا ، وحسن سيرتهم فينا .
    فقال لهم : أيما أفضل ، العدل أم الشجاعة ؟
    قالوا : إذا استعمل العدل استغني عن الشجاعة .


    “ 289 “


    بزرجمهر
    العدل هو ميزان الباري سبحانه ، ولذلك هو متبرئ من كل زيغ وميل .

    أنوشروان
    قيل له : أي الخير أوفى ؟ قال : الدّين . قيل : فأي العدد أقوى ؟ قال : العدل .

    أزدشير
    قيل له : من الذي لا يخاف أحدا ؟ قال : الذي لا يخافه أحد . فمن عدل في حكمه ، وكفّ عن ظلمه ، نصره الحق وأطاعه ، وصفت له النعمة ، وأقبلت عليه الدنيا ، فتهنّى بالعيش ، واستغنى عن الجيش ، وملك القلوب ، وآمن الحروب ، وصارت طاعته فرضا ، وظلت رعيته جندا .
    وإن أول العدل أن يبدأ الرجل بنفسه ، فيلزمها كل خلّة زكية ، وخصلة رضية ، في مذهب سديد ، ومكسب حميد ، ليسلم عاجلا ، ويسعد آجلا . وأول الجور أن يعمد إليها فيجنبها الخير ، ويعوّدها الشر ، ويلبسها الآثام ، ويغبقها المدام ، ليعظم وزرها ، ويقبح ذكرها .

    أفلاطون
    من بدأ بنفسه فساسها أدرك سياسة الناس . أصلحوا أنفسكم تصلح لكم آخرتكم .

    أرسطو
    أصلح نفسك لنفسك تكون الناس تبعا لك .

    فيثاغورس
    أحسن العظات ما بدأت به نفسك ، وأجريت عليك أمرك .

    سقراط
    من رضي عن نفسه سخط اللّه عليه الناس .

      الوقت/التاريخ الآن هو 27/11/2024, 03:38