..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 16

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1  ـ 16 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 16

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:32

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 16
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 235 “

    أقم عندي . قال : فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه ، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان ، إن فلانا أوصاني إليك ، وأمرني باللحوق لك ، وقد حضرك من أمر اللّه ما ترى ، فإلى من توصيني ؟ قال : واللّه إني ما أعلم رجلا على ما كنت عليه إلا رجلا بنصيبين ، وهو فلان ، فالحق به .

    فلما مات وغيّب لحقت بصاحب نصيبين ، فجئته وأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي ، فقال : أقم عندي ، فوجدته على أمر صاحبه ، فأقمت معه ، فكان خير رجل ، فو اللّه ما لبث أن نزل به الموت ، فلما حضرته الوفاة قال : قلت : يا فلان ، إن فلانا أوصاني إلى فلان ، وأوصاني فلان إليك ، فإلى من توصيني وما تأمرني ؟ قال : أي بني ، ما أجد أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجل بعمورية من أرض الروم ، فإنه على مثل أمرنا ، فإن أحببت فائته . فلما مات وغيّب لحقت بصاحب عمورية ، وأخبرته خبري . فقال : أقم عندي ، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم . قال : ثم اكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة .

    قال : ثم نزل به أمر اللّه ، فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان ، إني كنت مع فلان فأوصاني إلى فلان ، ثم أوصاني فلان إلى فلان ، ثم أوصاني فلان إليك ، فإلى من توصيني وتأمرني ؟ فقال : أي بني ، واللّه ما أعلم أصبح على ما كنّا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ، ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم ، يخرج بأرض العرب ، مهاجرة إلى أرض بين الحرنين بها نخل به علامات لا تخفى ، يأكل الهدبة ولا يأكل الصدفة ، بين كتفيه خاتم النبوّة ، فإن استطعت أن تلحق به بتلك البلاد فافعل . قال : ثم مات وغيّب .


    ومكث بعمورية ما شاء اللّه أن أمكث .
    ثم مرّ بي نفر من كلب تجار ، فقلت : أتحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقري هذا وغنمي هذه ؟ فأعطيتهم إياهها ، وحملوني معهم حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني وباعوني من رجل يهودي ، فكنت عنده ، ورأيت النخل ، فرجوت أن يكون البلد الذي وصفه لي صاحبي ، فبينما أنا كذلك إذ قدم ابن عم له من المدينة من بني قريضة ، فابتاعني منه ، فحملني إلى المدينة ، فو اللّه ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر ، على ما أنا عليه من شغل الرقّ ، ثم هاجر إلى المدينة ، فباللّه أني لفي رأس عذق لسيدي ، أعمل فيها بعض عمله ، وسيدي جالس تحتي ، إذ أقبل عم له ، فوقف عليه فقال : يا فلان ، قاتل اللّه بني قيلة ، واللّه إنهم الآن مجتمعون بقبا على رجل قدم عليهم من مكة اليوم ، يزعم أنه نبيّ ، قال : فلما سمعتها أخذتني العراء حتى ظننت أني ساقط على سيدي ، قال : فنزلت عن


    “ 236 “


    النخلة ، وجعلت أقول لابن عم سيدي : ما تقول ؟ فغضب سيدي فلطمني لطمة شديدة ، ثم قال لي : ما لك ولهذا ؟ اقبل على عملك ، قال : قلت : لأي شيء أردت تستبين عما قال ؟ وكان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بقبا ، فدخلت المسجد عليه فقلت له : بلغني أنك رجل صالح ، معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء عندي للصدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم ، ثم قرّبته إليه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « كلوا » ، وأمسك يده ولم يأكل ، قال :

    فقلت في نفسي : هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا ، ولما تحوّل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة فجئته ، فقلت له : إني رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية أكرمتك بها ، قال : فأكل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأمر أصحابه فأكلوا معه ، قال : فقلت في نفسي :

    هاتان اثنتان ، قال : ثم جئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو ببقيع الفرقد ، تبع جنازة رجل من أصحابه ، عليه شملتان ، فسلمت عليه ، ثم استدبرته أنظر إلى ظهره ، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استدبرته عرف أني استثبت في شيء وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبّله وأبكي . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « تحوّل » ، فتحولت ، فجلست بين يديه ، فقصصت حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجب ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يسمع أصحابه . ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « كاتب يا سلمان » ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة ، أجيبها بالفقر ، وبأربعين أوقية ذهب ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أعينوا أخاكم » ، فأعانوني بالنخل : الرجل بثلاثين ، والرجل بخمسة عشر ، والرجل بقدر ما عنده ، حتى جمعوا ثلاثمائة ودية ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « اذهب يا سلمان ففقّرها ، فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي » ، قال : ففقرت لها ، فأعانني أصحابه ، حتى إذا فرغت جئته ، فأخبرته ، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معي إليها ، فجعلنا نقرب له الوادي ، ويضعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده الشريفة ، حتى فرغنا ، فوالذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة ، فأديت النخل ، وبقي عليّ المال ، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « ما فعل الفارسي المكاتب ؟ » ، قال : فدعيت له ، قال : « خذ هذه ، فأدّها بما عليك يا سلمان » ، قال : قلت : ما تقع هذه يا رسول اللّه مما عليّ ؟ قال : « خذها فإن اللّه سيؤدي بها عنك » ، فأخذتها فوزنت لهم منها ، والذي نفسي بيده أربعين أوقية ، فأوفيتهم حقهم ، وعتق سلمان ، فشهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخندق وأحدا .
    ثم لما نعتني الفقر مخرج الماء من القناة ، فقرّت للودية تفقيرا ، وهو أن يحفر حفرة حول النخلة إذا غرست .



    “ 237 “


    وصية إلهية
    روينا من حديث ابن مروان ، عن عبيد بن شريك ، عن أبي صالح الفرّا ، عن سالم بن ميمون الخوّاص ، عن مكرم بن يوسف العابد ، قال : أوحى اللّه إلى نبي من الأنبياء أن قف على المدائن والحصون ، فأبلغهم عني حرفين ، وقل لهم : لا يأكلون إلا حلالا ، ولا يتكلمون إلا بالحق .

    وكان الحسن بن صالح كثيرا ما ينشد هذين البيتين :
    إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا * ندمت على التفريط في زمن البذر
    فما لك يوم الحشر شيء سوى الذي * تزودّته يوم الحساب إلى الحشر


    ولنا من قصيدة قريب من هذا :
    سيحصد عبد اللّه ما كان حارثا * فطوبى لعبد كان للّه يحرث
    روينا من حديث المالكي ، عن معاذ بن المثنى ، عن يحيى بن معين ، عن أبي معاوية ، عن هشام ، قال : قيل للحسن : لم لم تغسل قميصك ؟ قال : الأمر أسرع من ذلك .
    وقدم هند بن عوف من سفر ، فمهدت له امرأته فراشا ، فنام عليه ، فكانت له ساعة يصلي فيها من الليل ، فنام عنها ، فلما أصبح حلف أن لا ينام على فراش أبدا .

    روينا من حديث الدينوري ، عن عباس بن محمد الدوري ، عن يحيى بن معين ، عن جرير ، عن طلق بن معاوية وهو جد حفص بن غياث ، قال : الغفلة سنّة الكريم .
    سأل رجل عمران بن مسلم ، فأعطاه وبكى ، فقيل له : وما يبكيك وقد قضيت حاجته ؟ قال : بكيت حيث أحوجته إلى مسألتي .
    روينا هذا من حديث إبراهيم الحربي ، عن أبي الحسن الباهلي ، قال : حدثني بعض أهل المعرفة وذكره .



    كتاب طاوس إلى عمر بن عبد العزيز
    روينا من حديث ابن مروان ، عن أحمد بن عبّاد التميمي ، عن سليمان بن أبي شيخ ، عن محمد بن أحمد القرشي ، قال ابن عبد العزيز : ما وعظني أحد أحسن مما وعظني به طاوس ، كتب إلي : استعن بأهل الخير يكن عملك خيرا كله ، ولا تستعن بأهل الشر فيكون عملك شرا كله .


    “ 238 “


    وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، قال : حدثنا قاسم بن هشام ، نبأ عصمة بن سلمان ، نبّأ فضل بن جعفر ، قال : خرج الحسن من دار ابن هبيرة ، وإذا هو بالقراء على الباب ، قال : ما أجلسكم هنا ؟ تريدون الدخول على هؤلاء ، أما واللّه ما مخالطتكم مخالطة الأبرار ، تفرقوا ، فرق اللّه بين أرواحكم وأجسامكم ، خصفتم نعالكم ، وشمرتم ثيابكم ، وجززتم رءوسكم ، فضحتم القراء ، فضحكم اللّه ، أما واللّه لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم ، ولكنكم رغبتم فيما عندهم فزهدوا فيما عندكم ، فأبعد اللّه من أبعد .



    خبر أساف ونائلة الأصنام
    روينا من حديث ابن إسحاق ، أن جرهم لما طغت في الحرم دخل رجل منهم بامرأة الكعبة ، ففجر بها ، ويقال : بل قبّلها ، فمسخا حجرين اسم الرجل : أساف بن بقاء ، واسم المرأة : نائلة بنت ذئب . فأخرجا من الكعبة ، فنصب أحدهما على الصفاء علما ، والآخر على المروة . وإنما نصبا هناك ليعتبر بهما الناس ، وينزجروا عن مثل ما ارتكبا ، لما يرون من الحال الذي صار إليه فلم يزل الأمر يدرس ويتقادم حتى صار يتمسح بهما من وقف على الصفا والمروة . فلما كان عمرو بن لحيّ أمر بعبادتهما وتعظيمهما والتمسح بهما :
    وقال : إنهما كانا معبودين لمن قبلكم . فلما كان قصيّ بن كلاب حوّلهما من الصفا والمروة ، فجعل أحدهما ملصقا بالكعبة ، وجعل الآخر في موضع زمزم . وكان يطرح بينهما ما يهدي للكعبة ، وكان يسمى ذلك الموضع الحطيم . وكان ينحر عندهما ويذبح ، ولم يكن يدنو منهما امرأة ظلمت .
    وفي ذلك يقول بشر بن أبي حزم الأسدي أسد خزيمة بيتا مفردا :
    عليه الطير ما يدنون منه * مقامات العوارك من أساف

    فكان الطائف إذا طاف بالبيت يبدأ بأساف ومستلمة ، فإذا فرغ من طوافه ختم بنائلة فاستلمها . فكان كذلك حتى كسرهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع الأصنام يوم فتح مكة ، دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الفتح فكان بها ثلاثمائة وستون صنما حول الكعبة قد شد بالرصاص منها ، فطاف على راحلته وهو يقول : جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ، ويشير إليها بقضيب في يده الكريمة على بعد لا يمسّها فما منها صنم أشار إلى وجهه إلا وقع على دبره ، ولا أشار إلى دبره إلا وقع على وجهه ، حتى وقعت كلها ، فلما صلى العصر أمر بها فجمعت ، ثم أحرقت بالنار . وفي ذلك يقول فضلة بن عمير بن الملوّح الليثي في يوم الفتح شعرا :


    “ 239 “


    لما رأيت محمدا وجنوده * بالفتح يوم تكسّر الأصنام
    لرأيت نور اللّه أصبح بيّنا * والشرك يغشى وجهه الإظلاموقيل : بل كان الرجل أساف بن عمرو ، والمرأة نائلة بنت سهيل ، فلما كسرا يوم الفتح مع الأصنام ، خرج من أحدهما امرأة سوداء شمطاء تخمش وجهها ، عريانة ناشرة شعرها ، تدعو بالويل والثبور . فقيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك ، فقال : “ تلك نائلة أيست أن تعبد ببلادكم أبدا “ . ويقال : إن إبليس رنّ ثلاث رنّات ، رنّة حين لعن فتغيّرت صورته عن زيّ الملائكة ، ورنّة حين رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم قائما يصلي بمكة ، ورنّة حين افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة ، فاجتمعت إليه ذريته ، فقال إبليس : أيسوا أن تردوا أمة محمد الشرك بعد يومهم هذا أبدا ، ولكن افشوا فيهم النوح والشعر .ومن محاسن المكاتبة
    ما كتب به عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر إلى بعض إخوانه : أما بعد ، فقد عاقني الشك عن عزيمة الرأي ، ابتدأتني بلطف من غير خبرة ، ثم أعقبتني جفاء من غير ذنب ، فأطمعني أوّلك في إخائك ، وأيسني آخرك من وفائك ، فلا أنا في حين الرّجا مجمع لك إطراحا ، ولا أنا في غد بنصرة منك على ثقة ، فسبحان من لو شاء وكشف إيضاح الرأي فيك ، فأقمنا على ائتلاف ، أو افترقنا على اختلاف .

    وقيل : الولاية حلوة الرضاع مرّة الفطام .
    لما ولّي الحجاج المدينة ، وجاز فيها ، وقدم وفد المدينة وفيهم عيسى بن طلحة بن عبيد اللّه على عبد الملك بن مروان ، فأثنى الوفد على الحجاج ، وعيسى ساكت ، فلما قاموا ثبت عيسى حتى خلا له وجه عبد الملك ، فقام فجلس بين يديه فقال : يا أمير المؤمنين ، من أنا ؟ قال : عيسى بن طلحة بن عبيد اللّه ، قال : فمن أنت ؟ قال عبد الملك بن مروان ، قال : فجهلتنا أم تغيرت بعدنا ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : ولّيت علينا الحجاج بن يوسف يسير فينا بالباطل ، وتحملنا أن نثني عليه بغير الحق ، واللّه إن أعدته علينا لنعصينك ، وإن قاتلتنا وغلبتنا وأسأت إلينا قطعت أرحامنا ، ولئن قوينا عليك لنغصبنّك ملكك . فقال له عبد الملك : انصرف والزم بيتك ، ولا تذكرن من هذا شيئا .

    قال : وقام من منزله ، وأصبح الحجاج غاديا على عيسى بن طلحة ، فقال : جزاك اللّه خيرا عن خلوتك بأمير المؤمنين ، فقد أبدلني بكم خيرا ، وأبدلكم بي غيري ، وولّاني العراق .
    وحدثنا أبو الربيع الكتاني ، عن أبي محمد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن ، عن


    “ 240 “


    عبد الرحمن بن محمد ، قال : حج الشبلي ، فلما وصل إلى مكة جعل يقول :
    أبطحاء مكة هذا الذي * أراه عيانا وهذا أنا
    ثم غشي عليه فأفاق وهو يقول :
    هذه دارهم وأنت محبّ * ما بقاء الدموع في الآماق

    وقال الآخر :
    إذا هزّنا الشوق اضطربنا لهزّه * على شعب الرحل اضطراب الأراقم
    فمن صبوات تستقيم بمائل * ومن أريحيّات تهب بنائم
    واستشرف الأعلام حين تدلّني * على طيبها مرّ الرياح النواسم
    وما أنسم الأرواح إلا لأنها * تمرّ على تلك الرّبا والمعالم


    ولنا من المعاني الغزلية :
    رأى البرق شرقيا فحنّ إلى الشرق * ولو لاح غربيا لحنّ إلى الغرب
    فإن غرامي بالبريق ولمعه * وليس غرامي بالأماكن والترب
    روت لي الصّبا عنهم حديثا معنعنا * عن البيت عن وجدي عن الحزن عن كرب
    عن السكر عن عقلي عن الشوق عن جوى * عن الدمع عن جفني عن النار عن قلبي
    بأن الذي تهواه بين ضلوعكم * تقلبه الأنفاس جنبا إلى جنب
    فقلت له بلّغ إليه بأنّه * هو الموقد النار التي داخل القلب
    فإن كان إطفاء فوصل مخلّد * وإن كان إحراق فلا ذنب للصّبّ

    ولنا في هذا المعنى مقطوع :
    قل للذي مسكنه أضلعي * ومن له في القلب إضمار
    ما خفت إذ أضرمت نار الأسى * في أضلعي تحرقك النار


    سلمنا الأمر إليه فقلنا :
    أيها العذب التجني والجنا * أيها البدر سناء وسنا
    نحن حكّمناك في أنفسنا * فاحكم إن شئت علينا ولنا
    ( ذكر المؤاخاة التي كان وأخاها النبي صلى اللّه عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار رضي اللّه عنهم ) .
    روينا من حديث محمد بن إسحاق المطلبيّ قال : واخى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار . قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « تواخوا في اللّه » ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب



    “ 241 “

    فقال : “ هذا أخي “ ، فكان عليّ ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخوين . وكان حمزة بن عبد المطلب عمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وزيد بن حارثة مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخوين . وكان معاذ بن جبل وجعفر بن أبي طالب أخوين . وكان أبو بكر الصدّيق وخارجة بن أبي زهير أخوين . وكان عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين .

    وكان أبو عبيدة بن الجراح ، واسمه عامر بن عبد اللّه ، وسعيد بن معاذ أخوين . وكان عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين . وكان الزبير بن العوّام وسلمة بن سلامة بن وقس أخوين . ويقال : بل الزبير وعبد اللّه بن مسعود أخوين . وكان عثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر أخوين . وكان طلحة بن عبد اللّه وكعب بن عدن أخوين . وكان سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبيّ بن كعب أخوين .
    وكان مصعب بن عمير بن هشام وأبو أيوب خالد بن زيد أخوين . وكان أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعبّاد بن بشر بن وقش أخوين . وكان عمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان أخوين .
    ويقال : بل ثابت بن قيس بن شمّاس خطيب النبي صلى اللّه عليه وسلم وعمّار بن ياسر أخوين . وكان أبو ذرّ واسمه يزيد ، وقيل : كان اسمه جندب بن جنادة الغفاري ، والمنذر بن عمرو أخوين . وكان حاطب بن أبي بلتعة وعويمر بن ساعدة أخوين . وكان سلمان الفارسي وأبو الدرداء عويمر بن زيد ، والخلاف في أبيه ، أخوين . وكان بلال وأبو رويحة عبد اللّه بن عبد الرحمن الخثعمي .
    قال ابن إسحاق : فهؤلاء من سمّي لنا ممن كان عليه الصلاة والسلام آخى بينهم من أصحابه رضي اللّه عنهم .



    ذكر خراب البلاد الذي يكون في آخر الزمان
    روينا من حديث المياسي ، أسنده إلى حذيفة ، قال حذيفة : قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وذكر الحديث بطوله ، وقد أوردناه في الكتاب في رقم 22 وفيه أن مصر آمنت من الخراب حتى تخر البصر . ثم ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن خراب البصرة من العراق ، وخراب مصر من جفاف النيل ، وخراب مكة من الحبشة ، وخراب المدينة من السّيل ، وخراب اليمن من الجراد ، وخراب الأيلة من الحصار ، وخراب فارس من الصعاليك من الديلم ، وخراب الديلم من الأرمن ، وخراب الأرمن من الجزر ، وخراب الجزر من الترك ، وخراب الترك من الصواعق ، وخراب السّند من الهند ، وخراب الهند من الصين ، وخراب الصين من الرمل ، وخراب الحبشة من الرجفة ، وخراب الزوراء من السفياني ، وخراب الرّوحاء من الخسف ، وخراب العراق من القحط .
    وحدثني عبد الواحد بن إسماعيل بن إبراهيم العسقلاني الكتاني قال : حدثني أبي ،



    “ 242 “


    قال : قرأت في كتاب ابن عصمة في القران العاشر من المثلثة الترابية الموافقة لسنة خمسمائة وإحدى وستين من الهجرة النبوية ، تكون أمور هائلة في الأقاليم الثالث والرابع ، بتقدير العزيز العليم الذي أودع علم ذلك في جري الكواكب وحركات الأفلاك ، كما أودع السحاب والمطر والأرض والنبات . وسائر الأسباب الإلهية المصنوعات بسياقها .

    فمن ذلك ظهور ملك المشرق ، فيعظم أمره ، ويشتد في الآفاق خبره ، ويعلو شأنه ، إلى أن تصعد جناحاه إلى الغرب والقبلة ، ويكون مؤيدا منصورا في جميع أموره ، وذلك في أول القرآن ، وهو قران زحل والمشتري العلويين ، في برج الجدي في الثلث الأخير منه .
    ويستولي هذا الملك المذكور على مملكة مصر ويضعفها ، ويسقيها بكأس الحمام ، وينغصها ويهلك أعوانها ومن يقول بقولها ، وذلك من أول القرن إلى ربعه .
    ويهلك اللّه به السودان هلاكا لا يرجى جبرانه إلى أن يعودون ذمة تحت يديه ، ويقوى على بني الأصفر ، ويكسرهم ثلاث مرات ، ويفتح بنو الأصفر على أيامهم قرية بلبيس ، ويهلك بها خلق كثير . فإذا كان الربع الثاني من القرن ظهر منه غضب ، ويتفرق ملكه على ثلاث فرق ، فيجوز كل منهم مكانا يجوزه برجاله وعساكره ، ويكون أحد الثلث قويا ، والثلثان فيهم ضعف ، ويبقى الملك في عقبهم إلى نصف القرن ، ثم ينتقل الكوكبان إلى الديران ، وهو الثلث الثالث من القرن ، ففي ذلك الزمان يتحرك صاحب الغرب في جيوش كثيرة ، وعساكر غزيرة ، وينزلون شرقا وغربا ، ويعمر مدينة يقال لها شبرة أو صبرة ، ويملئون بنيان القيروان ، فيبلغ الروم ذلك ، فيتحركون في الأساطيل العظيمة ، فيفتحون سواحل البحر ، ويخاف على الجزيرتين والإسكندرية فإذا أنزل حركة كيوان وجسده في البرج الغربي .

    وحرك سبحانه عند ذلك جيوش المغرب ، فينزلون قريبا من الحجر الأبيض ، فيقسمون جيوشهم على ثلاث فرق فرقة تقصد الصعيد الأعلى ، وفرقة تأخذ الطريقة الوسطى ، وفرقة تأخذ على طريق البحر فيجتمعون بأسرهم على نيل مصر ، ويكون النيل سبعة من اثني عشر حتى تغور بحيرة طبرية ، وتجف العيون في جميع الأقاليم ، وتغور المياه في قرار الأرض ، ويعدم القوت ، وتسيب البلاد ، ويجوز كل واحد موضعه ، ويفيض اللسان الأعوج في جميع الأقاليم ، وتحرق في مصر ثالثة ، ويستباح ما فيها ، وتستباح دماء أهل الذمة وأموالهم ، ويملك أكثرهم ، ويخرب الصعيد والريفان ، ويكون أمر الخلق في ضلال من بعد أن تستباح أموالهم ، وتضعف أحوالهم ، ويموت كثير منهم ، والويل لمن يقيم في إقليم مصر ، إذا أنزل اللّه كيوان برج السرطان وذلك في الربع الأخير من القران ، فإذا نزل تحرّك



    “ 243 “


    بنو الأصفر بقوة عظيمة في الأساطيل ، ويفتحون مدينة الإسكندرية من بين البابين ، ويدخلون فيها إلى أن يبلغوا سوق الريحان ، فيقتلون خلقا كثيرا ، وينقلع بنو الأصفر من الشام جميعه حتى السواحل ، ويكون سبب خروجهم يظهر عليهم رجل من المشرق بغتة لا يعلمون بخروجه ، وينضاف إليهم عساكر من الترك ، يقتحمون بيت المقدس ، والشام جميعه ، ويقيمون بها دون الحول ، فعند ذلك يتحرّك ملك الجزر ، يقال له : ذو العرف ، يخرج بعساكره برا وبحرا ويقصد بعضهم إلى الدروف ، وبعضهم إلى الشام ، وبعضهم إلى الإسكندرية وجزائر البحر .

    ويقع بينه وبين الترك خمس وقعات إلى أن تجري دماؤهم كالنهر ، وفي عقب ذلك تنتصر جيوش الغرب بقوة عظيمة مائة ألف أو أكثر ، وتعود دفعة ثانية إلى مصر ، ويضربون خيامهم من الترك وعسقلان وطبرية ، ثم يخرج السفياني بعساكر عظيمة ، فيقتلهم حتى لا يبقى منهم أحد ، ويوجه السفياني جيشين : جيشا إلى الكوفة فيقتل حتى لا يبقى منهم أحد أصلا ، وأما الجيش الآخر فيأتي إلى مدينة يثرب فيستبيحها ثلاثة أيام ، ثم يرحل يطلب مكة فيخسف به في البيداء فلا يسلم منهم أحد سوى رجلين ، أحدهما من جهينة فهو الذي يأتيه بالخبر ، ثم يخرج المهدي فيقتل السفياني ذبحا تحت شجرة بخارج دمشق ، ويبايع بين الركن والمقام ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، ثم يغزو القسطنطينية بعساكر في جملتهم سبعون ألفا من ولد إسحاق فيكبّرون عليها فينهدم ثلثها ، ثم يكبّرون ثانية فينهدم الثلث الثاني ، ثم يكبّرون ثالثة فينهدم سورها كله فيدخلونها فيكسبون فيها أموالا عظاما ، ثم يخرج الدجال فيلبث أربعين يوما ، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم ، فينزل عيسى عليه السلام بين مهرودتين عند المنارة البيضاء بشرقي دمشق ، فيصلي العصر بالناس ويطلب الدجال فيقتله بباب لدّ ويخرج يأجوج ومأجوج .

    وقد ذكرنا حديثهم في هذا الكتاب ، فينحصروا في جبل الطور ، في القلعة التي بناها الملك المعظم ابن الملك العادل ، بنيان عيس لعيسى ، وأرجو أن يدعو لبانيها ، فلا يزال محصورا بها داعيا في هلاك يأجوج ومأجوج ، فيموتون موت رجل واحد بداء النفف كما ذكرنا . ثم يخرج عيسى عليه السلام وتخرج الأرض خيرها وبركتها ، فيتزوج ويولد له ، ثم يموت فيدفن بالمدينة بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر ، ويرسل اللّه ريحا ليّنة تحت العرش تأخذ المؤمنين من تحت آباطهم فيموتون ، فيبقى شرار الخلق عليهم تقوم الساعة .
    ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى ، ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ قال : رأى بعض المريدين في الواقعة أبا مدين جالسا في روضة من نور ، وأشياخ الصوفية قد أحدقوا



    “ 244 “



    به ، وأحدقت بالجميع صور لم أر أحسن منها ولا أجمل ، وعليهم من نفائس الجواهر واللآلئ ما لا أستطيع وصفه ، ولا أحسن العبارة عن نقشه ، وعلى رأس أبي مدين ثلاثة ألوية من نور ، مركوز واحد عن يمينه مكتوب عليه : حسبي اللّه ، وواحد على رأسه وهو أعلاها مكتوب عليه : اللّه ، والآخر على يساره مكتوب عليه : لا حول ولا قوة إلا باللّه .
    فقال أبو حامد لأبي مدين : يا شيخ ، تكلم لنا على هذه الأسماء المكتوبة على هذه الألوية ، فقال الشيخ : أما هذا الاسم الذي هو اللّه ، فهو الاسم الأعظم الذي هو رأس الأسماء ، وإليه يرجع كل معنى ، وهو المنزّه المتبوع الذي به ظهرت المخلوقات ، وعليه أسست الأرضون والسماوات ، وعنه صدرت الأسماء والصفات ، فالمصنوعات بأسرها من العرش إلى الثرى تشهد بأنه موجدها ، وما من ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا رطب ولا يابس إلا وهو معها .

    فقال له أبو حامد : فما معنى حسبي اللّه ؟ فقال : هو أمن وأمان من أن تغدو عليه النيران ، فمن تخلّق به سلم وصفا ، وكان ممن وفا حين وفا . فقال : ما معنى لا حول ولا قوة إلا باللّه ؟ فقال : هو التبرّي من باطن الأحوال ، وردّها إلى ظاهر الأقوال والأفعال ، ثم ردّها إلى ذي الكلام والجلال . فهذه وما عداها راجعة إلى الاسم الأعظم الذي هو مبدأها ومنتهاها ، فهو الاسم الذي حنّ به بعض كل شيء إلى بعض ، وهو نور السماوات والأرض ، فإذا تجلى من نوره لمعه كان اللّه ولا شيء معه ، ثم قال له : قل لنا في التوحيد شيئا .

    فقال : التوحيد سرّي ، ووطني ، ومستقرّي ، وسكني ، وهو مبدأي ، ومنتهاي ، وهو الأساس لبناي ، خصّني اللّه منه بفضائل ، وأكرمني منه بدلائل ، إن نزعت إلى سبب من الأسباب نوديت : اذكر ربك لا تذكر الأسباب . فالتوحيد يجلي كل ظلمة ، وهو الرافع لكل ذي همة ، هو القطب الذي عليه المدار ، وبه أشرق الوجود واستنار .

    ثم قال أبو حامد : ما هي مادة اللّه في الوجود ؟ فقال : مادة اللّه في الوجود تسري ، وعلى ما سبقت به المقادير تجري ، قد سترها الغيب ، فهي منزّهة عن النقص والعيب ، فقد أخفاها اللّه سبحانه عن الكائن والبائن ، وجفّ القلم بما هو كائن فسترها عن خلقه من وجوه الرحمة والعطف ، وتغيّبها عنهم من كمال الجود واللطف .
    ولنا من باب الرموز والإشارات العلوية :قالت عجبت لصبّ من محاسنه * يختال ما بين أزهار ببستان
    فقلت لا تعجبي مما ترين فقد * أبصرت نفسك في مرآة إنسانولنا من باب اللطائف الربانية :



    “ 245 “

    بأثيلات النقا سرب قطا * ضرب الحسن عليه طنبا
    وبأجواز الفلا من أضم * نعم ترعى لديها وظبا
    يا خليليّ قفا واستنطقا * رسم دار بعدهم قد خربا
    واندبا قلب فتى فارقهم * يوم باتوا وابكيا وانتحبا
    عله يخبر حيث يمموا * الجرعاء الحمى أم لقبا
    رحّلوا العيس ولم أشعر بهم * السهو كان أم طرف نبا
    لم يكن ذاك ولا هذا وما * كان إلا وله قد غلبا
    يا هموما شرّدت وافترقت * خلفهم تطلبهم أيدي سبا
    أي ريح نسمت ناديتها * يا شمالي يا جنوبي يا صبا
    هل لديكم خبر مما بنا * قد لقينا من هواهم نصبا
    أسندت ريح الصبا أخبارهم * عن نبات الشيخ عن زهر الرّبا
    إن من أمراضه داء الهوى * فليعلل بأحاديث الصّبا
    ثم قالت يا شمال خبّري * مثل ما خبّرته أو أعجبا
    ثم أنت يا جنوب حدّثي * مثل ما حدّثته أو أعذبا
    قالت الشمأل عندي فرج * شاركت فيه الشمال الأزيبا
    كل سوء في هواهم حسن * وعذاب برضاهم عذّبا
    فإلام وعلام ولما * تشتكي اللبث وتشكو الوصبا
    وإذا ما وعدوكم ما ترى * برقه إلا بريقا خلّبا
    رقم الغيم على ردن الغما * من سنان البرق طرازا مذهبا
    فجرت أدمعها منها على * صحن خدّيها فأذكت لهبا
    وردة ثابتة من أدمع * نرجس يمطر غيث عجبا
    ومتى رمت جناها أرسلت * عطف صدغيها عليها عقربا
    تشرق الشمس إذا ما ابتسمت * ربّ ما أنور ذاك الحببا
    يطلع الليل إذا ما أسدلت * فاحما جثلا أثيثا غيهبا
    يتجارى النحل مهما تفلت * ربّ ما أعذب ذاك الشنبا
    وإذا مالت أرتنا فننا * أي رنت سلّت من اللحظ ظبا
    كم تناغي بالنقا من حاجر * يا سليل العربيّ العربا
    أنا إلا عربيّ ولذا * أعشق البيض وأهوى العربا
    لا أبالي مشرق الوجد بنا * حيثما كانت به أو غربا



    “ 246 “



    كلما قلت إلا قالوا أما * وإذا ما قلت هل قالوا أبا
    ومتى ما أنجدوا أو اتهموا * أقطع البيدا أحثّ الطلبا
    سامريّ الوقت قلبي كلما * أبصر الآثار يبغي المذهبا
    وإذا ما غرّبوا أو شرّقوا * كان ذو القرنين يقفو السّببا
    كم دعونا بالوصال رغبا * كم دعونا من فراق رهبا
    يا بني الزوراء هذا قمر * عندكم لاح وعندي غربا
    خربي واللّه منه حربي * كم أنادي خلفه وا حربا
    لهف نفسي لهف نفسي لفتى * كلما غنّى حمام غيّبا

    حدثنا محمد بن علي ابن أخت المقري ، حدثنا محمد بن أحمد بن علي ، حدثنا محمد بن برار ، نبأ عبد اللّه بن قاسم ، حدثنا محمد بن القاسم ، عن أبيه ، عن علي بن حرب ، عن أسباط بن محمد ، عن هشام بن حسان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال :
    قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « من انقطع إلى اللّه كفاه اللّه كل مئونة ، ومن انقطع إلى الدنيا وكّله اللّه إليها ، ومن حاول أمرا بمعصية اللّه كان أبعد له مما رجا وأقرب مما اتقى ، ومن طلب محامد الناس بمعاصي اللّه عاد حامده منهم ذامّا ، ومن أرضى الناس بسخط اللّه وكّله اللّه إليهم ، ومن أرضى اللّه بسخط الناس كفاه اللّه شرهم ، ومن أحسن فيما بينهم وبين اللّه كفاه اللّه ما بينه وبين الناس ، ومن أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته ، ومن عمل لآخرته كفاه اللّه أمر دنياه » .

    وحدثنا علي بن عبد اللّه بن عبد الرحمن ، نبأ شعبة ، عن الحكم ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « رحم اللّه عبدا تكلم فغنم ، أو سكت فسلم ، إن اللسان أملك شيء للإنسان ، ألا وإن كلام العبد كله عليه ، إلا ذكر اللّه ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو إصلاح بين المؤمنين » .
    فقال له معاذ بن جبل : يا رسول اللّه ، أنؤاخذكم بما نتكلم به ؟ قال : « وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ فمن أراد السلامة فليحفظ ما جرى به لسانه ، وليحرص على ما انطوى عليه جنانه ، وليحسن عمله ، وليقصر أمله » . ثم لم تمض أيام حتى نزلت هذه الآية : لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ .



    عناية أزلية
    روينا من حديث أبي عبد الرحمن ، قال : سمعت عن ابن عبد الرحمن الطوسيّ ،


    “ 247 “

    قال : سمعت علوس الدينوري ، قال : سمعت المزني يقول : كنت مجاورا بمكة فخطر لي خاطر في الخروج إلى المدينة ، فخرجت ، فبينما أنا بين المسجد أمشي ، فإذا أنا بشاب مطروح ينزع ، فشهق شهقة كانت فيها نفسه ، فكفّنته في أطمار ، ودفنته ، ورجعت .
    وبه قال الخوّاص : كنت بمكة ، فبينما أنا أطوف بالبيت نوديت في سرّي : امضي إلى بلاد الروم . فقلت : يا عجبا ، أكون ببيت اللّه الحرام فأتركه ، وأمضي إلى بلاد الروم ؟ ثم هممت بالطواف ، فلم أستطع ، فسرت إلى بلاد الروم ، فلما دخلتها سمعت الناس يقولون :

    إن بنت الملك قد صرعت ، وقد عرضت على الأطباء فما عرفوا لها دواء . فقلت : احملوني إليها ، فأنا غلام طبيب . فحملت ، فلما دخلت عليها ، قلت : مرحبا يا خوّاص ، فقلت : ما لك ؟ قلت : كنت على ديننا حتى البارحة ، وإني نمت فرأيت في المنام عرش ربي بارزا ، فانتبهت كما ترى ، لا ينطق لساني إلا بقول لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ، فلما رأوني هكذا ، نسبوني إلى الجنون . فقلت : لعل اللّه عز وجل يخلصك منهم . قلت : فمن أين عرفت اسمي ؟ قالت : نوديت : سنبعث لك من تسلمين على يديه ، وألهمت ذكرك .

    فهممت بالنهوض ، فقالت : إلى أين ؟ قلت : إلى مكة . قالت : ها هي مكة . فنظرت ، فإذا مكة . فسرت قليلا ، فإذا أنا بالبيت .
    ومن باب سماع العارفين قوله :قفا ودّعا نجدا ومن حل بالحمى * وقلّ لنجد عندنا أن تودّعا
    وليست عشيّات الحمى برواجع * إليك ولكن خلّ عينيك تدمعا

    واذكر أيام الحمى ثم انثنى * على كبدي من خشية أن تصدّعاتفسيره : يقول لعقله ولنفسه : ودّعا الرفيق الأعلى ، والأرواح العلى التي محلها الحمى الإلهي ، على أنه لا يصح مفارقته بالكنه الرقائق التي بينهما وبينه . وليست عشّيت الحمى برواجع ، أي الأنوار التي تغشى حمتها إلا لطاف الخفيّة عنها ، فهي بحجابها في عالم الأكوان تذكر أيامها بالحمى الإلهي ، فتنعطف على كبدها ، إشارة إلى عنصر الحياة التي سرت مادته في جميع الموجودات ، وتصدعه وتفرقه .

    ولنا نظم في هذا الباب :وزاحمني عند استلامي أو أنس * أتين إلى التطواف معتجرات
    حسرن عن أمثال الشموس وقلن لي * تودّع فموت النفس في اللحظات
    فكم قد قتلنا بالمحصّب من منى * نفوسا أبيات لدى الجمرات
    وفي سرحة الوادي وأعلام رامة * وجمع وعند النفر من عرفات




    “ 248 “


    ألم تدر أن الحسن يسلب من له * عفاف فيدعى سالب الحسنات
    فموعدنا بعد الطواف بزمزم * لدى القبة الوسطى لدى الصخرات
    هنالك من قد شفه الوجد يشتفي * بما شاقه من نسوة عطرات
    إذا خفن أسدلن الشعور فهنّ من * غدائرها في الحف الظلمات

    ولنا من باب المفاريد في باب الفخر قولنا :
    في كل عصر واحد يسمو به * وأنا لباقي العصر ذاك الواحد
    خبر الفيل وأصحابه وما أظهر اللّه في ذلك من البيّنات على تعظيم الحرم
    روينا من حديث أبي الوليد ، وأبي هشام ، وابن إسحاق ، وبعضهم يزيد على بعض ، والسياق لابن إسحاق ، غير أني قد أدخل في أثناء حديثه الزيادات في أماكنها .

    ولما بنى أبرهة الكنيسة التي سماها القليس ، وكتب إلى النجاشي بأنه عزم على أن يصرف حاجّ العرب إليه ويتركوا مكة ، وما قال في هدم الكعبة شيئا ، غضب رجل من النّسأة ، أحد بني فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ، فجاء إلى الكنيسة المذكورة فقعد فيها .

    قال ابن هشام : يعني أحدث فيها . ثم خرج الكنانيّ فلحق بأرضه ، فبلغ أبرهة ذلك ، فقال : من صنع هذا ؟ فقيل له : صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحج إليه العرب بمكة ، لما بلغه قولك : أصرف إليها حج العرب ، غضب فجاء فأحدث فيها ، أي أنها ليست لذلك بأهل . فغضب أبرهة ، وحلف ليسيرن إلى البيت فيهدمه . ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج بالفيل معه ، وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه ، ودعوا به ، ورأوا أن جهاده حق عليهم ، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة بيت اللّه الحرام ، فخرج إليه رجل من أشراف اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر ، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت اللّه ، وما يريد من هدمه وإخرابه ، فأجابه من أجابه إلى ذلك .
    ثم عرض له فقاتله ، فهزم ذو نفر فأتى به أسيرا .
    فلما أراد أبرهة قتله قال ذو نفر : لا تقتلني ، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ، فتركه من القتل ، وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما ورعا ذا دين في النصرانية . ومضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج إليه ، حتى إذا كان بأرض خثعم ، خرج له نفيل بن حبيب الخثعمي ، من أكمل بني ربيعة بن عفرس في قبيلتي خثعم شهران وناهس ، وهما ابنا عفرس بن خلف بن أقبل ، وهو خثعم ، ومن تابعه من قبائل

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 03:33