..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty25/11/2024, 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty25/11/2024, 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty25/11/2024, 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty25/11/2024, 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty25/11/2024, 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty25/11/2024, 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 1

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:19

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء الأول
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
    الجزء الثاني
    [ تتمة محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار ]

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

    ومن باب الحياء
    ما قرأته في كتاب المنقطعين إلى اللّه تعالى ، قال بعضهم : رأيت شيخا يأتي إلى باب المسجد ، فيصلي عنده ولا يدخل فيه ، فقلت له : يا شيخ ، ما لك لا تدخل المسجد ؟ قال :
    يا أخي ، خلوت يوما في بعض المساجد ، فأعجبتني خلوتي ، فإذا بمناد ينادي : يا شيخ ، أما تحتشم ؟ وقد عصيته ، تدخل بيته ، فما قدرت بعد على دخول مسجد حشمة وحياء .

    ومن باب الصبر
    وقع كسرى بن هرمز إلى بعض المسجونين : من صبر على النازلة كان كمن لم تنزل به ، ومن طوّل له في الحبل كان فيه عطبه ، ومن أكل بغير مقدار تلفت نفسه .

    موعظة في هذا الباب
    دخل ابن الزيات على الأفشين وهو محبوس فقال :
    اصبر لها صبر أقوام نفوسهم * لا تستريح بلا غلّ ولا قود
    قال الأفشين : من صحب الزمان لم ينج من خيره أو شره ، ووجد الكراهية والهوان .
    ثم قال :
    لم ينج من خيرها أو شرها أحد * فاذكر إساءتها إن كنت من أحد
    خاضت بك السنة الحمقاء غمرتها * فتلك أمواجها ترميك بالزبد

    حكي أن يوسف عليه السلام شكى إلى اللّه تعالى طول السجن ، فأوحى اللّه إليه : أنت حبست نفسك حين قلت : رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ، فلو قلت : العافية أحب إليّ لعوفيت . ثم أخرجه اللّه تعالى كما ذكره في كتابه العزيز ، فلما خرج من السجن ،


    “ 4 “


    واصطفاه العزيز ، أمر أن يكتب على باب السجن : هذه منازل البلوى ، وقبور الأحياء ، وشماتة الأعداء ، ومحزنة الأصدقاء .
    من كلام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه
    قال يوما لابنه الحسن رضي اللّه عنه : يا بنيّ ، أبذل لصديقك كل المودة ، ولا تطمئن إليه كل الطمأنينة ، وأعطه كل المواساة ، ولا تفش له كل الأسرار .

    ومن كتاب التراجم
    إن عيسى عليه السلام قال : عاشروا الناس معاشرة ، إن عشتم حنّوا إليكم ، وإن متم بكوا عليكم . وأنشد :
    قد يمكث الناس دهرا ليس بينهم * ودّ فيزرعه التسليم واللطف
    يسلي الشقيقين طول النأي بينهما * وتلتقي شعب شتى فتأتلف



    وفي الحكمة القديمة
    ليس للعقلاء تنعم إلا بمودة الإخوان . وقال العباس بن جرير : المودة تعاطف القلوب ، وائتلاف الأرواح ، وإنس النفوس ، ووحشة الأشخاص عند تنائي اللقاء ، وظهور السرور بكثرة التزاور ، على حسب مشاكلة الجواهر ، يكون الاتفاق في الخصال .

    وروينا من حديث رباح بن عبيد اللّه ، قال : خرج عمر بن عبد العزيز قبل خلافته ، وشيخ متكئ على يده ، فقلت في نفسي : إن هذا الشيخ جاف ، فلما صلى ودخل لحقته ، فقلت : أصلح اللّه الأمير ، من الشيخ الذي كان متكئا على يدك ؟ فقال : يا رباح ، رأيته ؟

    قلت : نعم ، قال : ما أحسبك يا رباح إلا رجلا صالحا ، ذاك أخي الخضر ، أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة ، وأني سأعدل فيها .

    وحكى محمد بن فضالة ، فيما رواه أبو نعيم ، أن عبد اللّه بن عمر بن عبد العزيز وقف براهب في الجزيرة في صومعة له ، قد أتى عليه فيها عمر طويل ، وكان ينسب إليه علم من الكتاب ، فهبط إليه ، ولم ير هابطا إلى أحد قبله ، فقال له : يا عبد اللّه ، أتدري لما هبطت إليك ؟ قال : لا ، قال : الحق بأبيك إنّا نجده في أئمة العدل بمنزلة رجب من أشهر الحرم . قال : فسرّه له أبو أيوب بن سويد ، فقال : ثلاثة متوالية : ذو القعدة ، والحجة ،

    “ 5 “

    والمحرم ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، ورجب منفرد ، منها عمر بن عبد العزيز .
    قلت : تكلم أبو أيوب في هذا التفسير ببادئ رأيه ، ولم يتحقق مقصد المتكلم ، فلم يرد الراهب بقوله العدد ، فإنه ما تعرض إليه ، وكيف يتعرض للعدد وأئمة الهدى بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وحسن رضي اللّه عنهم أجمعين . وإنما أراد بالمثال أنه كان بين رجب والأشهر الحرم شهور ليست بحرم ، وليست لها تلك المرتبة ، كذلك بين أئمة العدل وبين عمر بن عبد العزيز خلفاء ليست لهم في العدل مرتبة ، هؤلاء المذكورين .
    حكى لنا بعض الأدباء ، عن أبي الجهم ، وكان بدويا جافيا ، لمّا قدم على المتوكل

    وأنشده يمدحه بقصيدته التي يقول فيها يخاطب الخليفة :
    أنت كالكلب في حفاظك للودّ * وكالتيس في قراع الخطوب
    أنت كالدلو لا عدمناك دلوا * من كبار الدلا كثير الذنوب

    فعرف المتوكل قوته ، ورقة مقصده ، وخشونة لفظه ، فعرف أنه ما رأى سوى ما شبّه به ، لعدم المخالط ، وملازمة البادية ، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة ، فيها بستان حسن يتخلله نسيم لطيف ، يغذي الأرواح ، والجسر قريب منه ، وأمر بالغذاء اللطيف أن يتعاهد به . وكان يركب في أكثر الأوقات ، فيخرج إلى محلات بغداد ، فيرى حركة الناس ، ولطافة الخضر ، ويرجع إلى بيته ، فأقام ستة أشهر على ذلك ، والأدباء والفضلاء يتعاهدون مجالسته ومحاضرته ، فاستدعاه الخليفة بعد هذه المدة لينشده ، فحضر

    وأنشد :
    عيون المها بين الرصافة والجسر * جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

    فقال المتوكل : لقد خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة . وخرجت القصيدة عن فكري ، فإن وجدتها فسألحقها إن شاء اللّه في بعض مجالس هذا الكتاب .
    وأنشدنا أبو حامد الخشني الليلي عن بعض أشياخه ، عن ابن مغيث ، قال :

    قال علي بن الجهم من باب الرجوع إلى اللّه تعالى :
    توكلنا على رب السماء * وسلّمنا لأسباب القضاء
    ووطنا على غبر الليالي * نفوسا سامحت بعد الآباء
    وأبواب الملوك محجبات * وباب اللّه مبذول الفناء
    هذه الأبيات قالها لمّا حبسه المتوكل .


    “ 6 “

    وقال أيضا في حبسه ذلك :
    قالت حبست ، قلت ليس بضائري * حبسي وأي مهنّد لا يغمد
    أو ما رأيت الليث بألف غيلة * كبرى وأوباش السباع تردّد
    والنار في أحجارها مخبوءة * لا تصطلي ما لم تثرها الأزند
    والبدر يدركه الظلام فينجلي * أيامه فكأنه متجدّد
    والراعبية لا يقيم كعوبها * إلا الثقاف وجذوة تتوقد
    غبر الليالي باديات عوّد * والمال عارية يفاد وينفد
    لا يؤيسنك من تفرج كربة * خطب أتاك به الزمان الأنكد
    فلكل حال معقب ولربما * أجلى لك المكروه عما تحمد
    كم من عليل قد تخطاه الردى * فنجا ومات طبيبه والعود
    صبرا فإن اليوم يعقبه غد * ويد الخليفة لا تطاولها يد
    والحبس ما لم تغشه لدنيئة * شنعاء نعم المنزل المتورد
    لو لم يكن في الحبس إلا أنه * لا تستذلك بالحجاب الأعبد
    بيت يجدد للكريم كرامة * وتزار فيه ولا تزور وتقصد
    يا أحمد بن أبي داود إنما * تدعى لكل كريهة يا أحمد
    أبلغ أمير المؤمنين ودونه * خوف العدو مخاوف لا تنفد
    أنتم بنو عم النبي محمد * أولى بما شرع النبي محمد
    ما كان من حسن فأنتم أهله * كرمت مغارسكم وطاب المحتد
    أمن السوية يا ابن عم محمد * خصم تقربه وآخر تبعد
    إن الذين سعوا إليك بباطل * أعداء نعمتك التي لا تجحد
    شهدوا وغبنا عنهم فتحكموا * فينا وليس كغائب من يشهد
    لو يجمع الخصمين عندك منزل * يوما لبان لك الطريق الأقصد
    والشمس لولا أنها محجوبة * عن ناظريك لما أضاء الفرقد

    وفي نقيض هذا ما أنشده عاصم بن محمد الكاتب لنفسه لما حبس أحمد بن عبد العزيز أبا دلف ، فقال :
    قالت حبست فقلت خطب أنكد * أنحى عليّ به الزمان المرصد
    لو كنت حرا كان سر بي مطلقا * ما كنت أحبس عنوة وأقيّد
    لو كنت كالسيف المهند لم يكن * وقت الكريهة والشديدة يغمد


    “ 7 “

    لو كنت كالليث الهصور لما رعت * فيّ الذئاب وجذوتي تتوقد
    من قال إن الحبس بيت كرامة * فمكابر في قوله متجلد
    ما الحبس إلا بيت كل مهانة * ومذلة ومكاره لا تنفد
    إن زارني فيه العدو فشامت * يبدي التوجع تارة ويفنّد
    أو زارني فيه العدو فشامت * يبدي التوجع تارة ويفنّد
    أو زارني فيه الصديق فموجع * يذري الدموع بزفرة تتردّد
    يكفيك أن الحبس بيت لا يرى * أحد عليه من الخلائق يحسد
    تمضي الليالي لا أذوق لرقدة * طعما وكيف حياة من لا يرقد
    في مطبق فيه النهار مشاكل * لليل والظلمات فيه سرمد
    فإلى متى هذا الشقاء موكل * وإلى متى هذا البلاء مجدد
    ما لي مجير غير سيّدي الذي * ما زال يقبلني ونعم السيّد
    غذيت حشاشة مهجتي بنوافل * من سيبه وصنائع لا تجحد
    عشرين حولا عشت تحت جناحه * عيش الملوك وحالتي تتزيد
    فخلا العدو بموضعي من قلبه * فحشاه جمرا ناره لا تخمد
    فاغفر لعبدك ذنبه متطولا * فالحقد منك سجية لا تعهد
    واذكر خصائص خدمتي وتعاوني * أيام كنت جميع أمري تحمد

    وقال بعضهم : سئل عمار بن ياسر عن الولايات ، فقال : هي حلوة الرضاع ، مرّة الفطم .
    وطلبني بعض السلاطين للولاية ، وعزم عليّ فيها ، فامتنعت عليه إلى أن قال : لا أعزلك ، وعليّ العهد بذلك ، قلت : الأحوال بروق تلمع ، ولا تقم ، وهذه الحالة منك غير دائمة ، ولا سيما إذا جاء سلطان نقضها .

    روي في سبب عزل الحجاج بن يوسف عن مدينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أن عيسى بن طلحة بن عبد اللّه وفد على عبد الملك بن مروان في وفد أهل المدينة ، فأثنى الوفد على الحجاج ثناء كثيرا ، وعيسى بن طلحة ساكت ، فلما انصرفوا ثبت عيسى مكانه حتى خلا له وجه عبد الملك ، فقام فجلس بين يديه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، من أنا ؟

    قال : عيسى بن طلحة بن عبيد اللّه ، قال : فمن أنت ؟
    قال : عبد الملك بن مروان ، قال : أفجهلتنا أم تغيرت بعدنا ؟
    قال : وما ذاك ؟ قال : ولّيت علينا الحجاج بن يوسف يسير فينا بالباطل ، ويحملنا على أن نثني عليه بغير الحق ، واللّه لئن أعدته علينا لنعصينك ، وإن قاتلتنا أو غلبتنا أو أسأت إلينا قطعت أرحامنا ، ولئن قوينا عليك غصبناك ملكك . فقال له عبد الملك


    “ 8 “
    انصرف والزم بيتك ، ولا تذكرن من هذا شيئا . قال : وقام إلى منزله . قال : فأصبح الحجاج غاديا إلى عيسى بن طلحة ، فقال : جزاك اللّه خيرا عن خلوتك بأمير المؤمنين ، أبدلكم بي غيري وولّاني العراق .

    أنشدنا يونس بن يحيى بمكة ، قال : قرأ عليّ محمد بن علي الطائي وأنا أسمع ، قيل له : أنشدنا ، قال : أنشدنا أبو محمد الحسن بن منصور السمعاني ، قال : أنشدنا والدي الشريف المظفّر السمعاني ، لأبي بكر بن داود السختياني :

    تمسّك بحبل اللّه واتبع الهدى * ولا تك بدعيا لعلك تفلح
    ولذ بكتاب اللّه والسنن التي * أتت عن رسول اللّه تنجو وتربح
    ودع عنك آراء الرجال وقولهم * فقول رسول اللّه أزكى وأرجح
    ولا تك من قوم تلهّوا بدينهم * فتطعن في أهل الحديث وتقدح
    إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه * فأنت على خير تبيت وتصبح
    روينا من حديث أبي نعيم ، انا الوليد ، قال : بلغنا أن رجلا ببعض بلاد خراسان قال : أتاني آت في المنام فقال : إذا قام أشجّ بني مروان فانطلق فبايعه ، فإنه إمام عدل .

    فجعلت أسأل كلما قام خليفة ، حتى قام عمر بن عبد العزيز ، فأتاني ثلاث مرات في المنام ، فلما كان آخر ذلك زبرني فأوعدني ، فرحلت إليه ، فلما قدمت عليه لقيته فحدثته الحديث ، فقال : ما اسمك ؟ ومن أنت ؟ وأين منزلك ؟ قلت : بخراسان ، قال : ومن أمير المكان الذي أنت فيه ؟ ومن صديقك هناك ؟ ومن عدوّك ؟ فألطف المسألة . ثم حبسني أربعة أشهر ، فشكوت إلى مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز ، فقال : إنه كتب فيك ، فدعاني بعد أربعة أشهر ، فقال : إني كتبت فيك فجاءني ما أسرّ من قبل صديقك وعدوك ، فهلم فبايعني على السمع والطاعة والعدل ، فإذا تركت ذلك فليس لي عليك بيعة ، قال : فبايعته ، قال : ألك حاجة ؟ فقلت له : أنا غني في المال ، إنما أتيتك لهذا ، فودّعني وودّعته ومضيت .

    وقال أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه في خلافته ، وقد صعد المنبر ، فخطب الناس ، فقال : أطيعوني ما أطعت اللّه ورسوله ، فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم .
    وقال علقمة بن ليث لابنه : يا بنيّ ، إن نازعتك نفسك إلى صحبة الرجال ، إذ قد تمسّ الحاجة إليهم ، فاصحب من إذا صحبته زانك ، وإن تخفضت له صانك ، وإن نزلت بك مئونة مانك ، وإن قلت صدّق قولك ، وإن صلت به شدّد صولتك ، اصحب من إذا مددت يدك إليه لفضل مدها ، وإن رأى منك حسنة عدّها ، وإن بدت منك ثلمة سدّها ،



    “ 9 “

    اصحب من لا يأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذلك عند الحقائق .

    شعر
    أخوك أخوك من تدنو وترجو * مودته وإن دعي استجابا

    وقال الآخر :
    ومولاك مولاك الذي إن دعوته * أجابك طوعا والدماء تصيب
    حكي عن عكرمة ، قال : كنا جلوسا عند ابن عباس وعبد اللّه بن عمر ، فطار غراب يصيح ، فقال رجل من القوم : خير خير ، فقال ابن عباس : لا خير ولا شر .

    شعر
    ما فرق الأحباب بعد اللّه إلا الإبل * والناس يلحون غراب البين لما جهلوا
    وما على ظهر غراب البين تطوى الرحل * ولا إذا صاح غراب في الديار ارتحلوا
    وما غراب البين إلا ناقة أو جمل

    ولنا في هذا المعنى :
    نعقت أغربة البين بهم * لا رعى اللّه غرابا نعقا
    ما غراب البين إلا جمل * سار بالأحباب نصحا عنقا

    رؤيا آمنة أم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في وقت حملها به وما قيل لها فيه
    روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه ، ثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، انا حفص بن عمر بن الصباح البرقي ، ثنا يحيى بن عبد اللّه البابلي ، ثنا أبو بكر بن أبي مريم ، عن سعيد بن عمرو الأنصاري ، عن أبيه ، عن كعب الأحبار في صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال ابن عباس : وكان من دلالات حمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن كل دابة كانت لقريش نطقت تلك الليلة ، وقالت : حمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورب الكعبة ، وهو أمان الدنيا ، وسراج أهلها ، ولم يبق كاهنة من قريش ولا في قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبتها ، وانتزع علم الكهنة منها ، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا ، والملك مخرسا لا ينطق يومه ، ومرت وحش الشرق إلى وحش الغرب بالبشارات ، وكذلك أهل البحار يبشر بعضها بعضا ،


    “ 10 “


    وفي كل شهر من شهوره نداء في الأرض ونداء في السماء : أن أبشروا ، فقد آن لأبي القاسم أن يخرج إلى الأرض ميمونا مباركا .
    قال : وبقي في بطن أمه تسعة أشهر كملا لا تشكو وجعا ولا ريحا ولا مغصا ، ولا ما يعرض للنساء من ذوات الحمل ، وهلك أبوه عبد اللّه وهو في بطن أمه ، فقالت الملائكة :

    إلهنا وسيدنا ، يبقى نبيك هذا يتيما . فقال اللّه عز وجل للملائكة : أنا له وليّ وحافظ ونصير وتبركوا بمولده ميمونا مباركا ، وفتح اللّه عز وجل لمولده أبواب السماء وجنّاته . فكانت أمه تحدث عن نفسها وتقول : أتاني آت حين مرّ لي من حمله ستة أشهر ، فوكزني برجله في المنام ، وقال لي : يا آمنة ، إنك قد حملت بخير العالمين طرّا ، فإذا ولدتيه فسميه محمدا ، واكتمي شأنك . قال : فكانت تحدث عن نفسها فتقول : لقد أخذني ما يأخذ النساء ، ولم يعلم بي أحد من القوم ذكرا ولا أنثى ، وإني لوحيدة في المنزل ، وعبد المطلب في طوافه ، قالت : فسمعت وجبة شديدة ، وأمرا عظيما ، فهالني ذلك ، وذلك يوم الاثنين ، فرأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي ، فذهب عني كل رعب وكل فزع ووجع ، كنت أجد ، ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا ، وكنت عطشى ، فتناولتها ، فشربتها ، فأضاء مني نور عال ، ثم رأيت نسوة كالنخل الطوال ، كأنهن من بنات عبد مناف ، يحدقن بي ، فبينما أنا أعجب من ذلك ، وأقول : وا غوثاه ، من أين علمن بي هؤلاء ؟ واشتد بي الأمر ، وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول ، فإذا أنا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض ، وإذا قائل يقول : خذوه عن أعين الناس .

    قالت : ورأيت رجالا قد وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة ، وأنا أرشح عرقا كالجمان ، أطيب ريحا من المسك الأذفر ، وأنا أقول : يا ليت عبد المطلب قد دخل عليّ ، وعبد المطلب ناء عني ، قالت : فرأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي ، مناقيرها من الزمرد ، وأجنحتها من الياقوت ، فكشف اللّه عن بصري ، فأبصرت ساعتي تلك مشارق الأرض ومغاربها ، ورأيت ثلاثة أعلام مضروبة : علما في المشرق ، وعلما في المغرب ، وعلما على ظهر الكعبة ، فأخذني المخاض ، واشتد بي الأمر جدا ، فكنت كأني مستندة إلى أركان النساء ، وكثرن عليّ حتى إني لا أرى معي في البيت أحدا ، وأنا لا أرى شيئا ، فولدت محمدا صلى اللّه عليه وسلم . فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه ، فإذا هو ساجد قد رفع إصبعيه كالمتضرع المبتهل ، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء نزلت حتى غشيته ، فغيّب عن وجهي ، فسمعت مناديا ينادي ويقول : طوفوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم شرق الأرض وغربها ، وأدخلوه البحار كلها ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ،


    “ 11 “

    ويعلمون أنه يسمى فيها الماحي ، لا يبقى شيء من الشرك إلا محي به في زمنه ، ثم تجلت عنه في أسرع وقت ، فإذا أنا به مدرج في ثوب صوف أبيض أشد بياضا من اللبن ، وتحته حريرة خضراء ، وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض ،

    وإذا قائل يقول :
    قبض محمد صلى اللّه عليه وسلم على مفاتيح النصرة ، ومفاتيح الريح ، ومفاتيح النبوة . ثم أقبلت سحابة أخرى أعظم من الأولى ، ونور يسمع فيها صهيل الخيل ، وخفقان الأجنحة من كل مكان ، وكلام الرجال ، حتى غشيته ، فغيّب عن عيني أكثر وأطول من المدة الأولى ، فسمعت مناديا ينادي : طوفوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم الشرق والغرب ، وعلى مواليد النبيين ، وأعرضوه عن كل روحاني من الجن والإنس ، والطير والسباع ، وأعطوه صفاء آدم ، ورقّة نوح ، وخلة إبراهيم ، ولسان إسماعيل ، وصبر يعقوب ، وجمال يوسف ، وصوت داود ، وصبر أيوب ، وزهد يحيى ، وكرم عيسى ، واغمروه في أخلاق النبيين .

    ثم تجلت عنه في أسرع من طرفة عين ، فإذا أنا قد قبض على حريرة خضراء مطوية طيا شديدا ، ينبع من تلك الحريرة ماء معين ، وإذا قائل يقول : بخخ بخخ ، قبض محمد صلى اللّه عليه وسلم على الدنيا كلها ، لم يبق خلق من أهلها إلا دخل في قبضته ، طائعا بإذن اللّه عز وجل ، ولا حول ولا قوة إلا باللّه . قالت آمنة : فبينما أنا أتعجب إذا أنا بثلاثة نفر ، ظننت أن الشمس تطلع من خلال وجوههم ، في يد أحدهم إبريق من فضة ، وفي ذلك الإبريق ريح المسك ، وفي يد الثاني طست من زمرد أخضر ، عليها أربع نواحي ، في كل ناحية من نواحيها لؤلؤة بيضاء ، وإذا قائل يقول : هذه الدنيا شرقها وغربها ، برها وبحرها ، فاقبض يا حبيب اللّه على أي ناحية شئت ، قالت : قدرت لأنظر أين قبض من الطست ؟

    فإذا هو قد قبض على وسطها ، فسمعت قائلا يقول : قبض على الكعبة ورب الكعبة ، أما إن اللّه تبارك وتعالى قد جعلها له قبلة ومسكنا مباركا .

    قالت : ورأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية طيا شديدا ، فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين دونه ، ثم حمل ابني فناوله صاحب الطست ، وأنا أنظر إليه فغسله بذلك الإبريق سبع مرات ، ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ختما واحدا ، ولفه في الحريرة ، واستدار عليه خيطا من المسك الأذفر ، ثم حمله فأدخله بين أجنحته ساعة . قال ابن عباس : كان ذلك رضوان خازن الجنان .

    قالت : وقال في أذنه كلاما كثيرا لم أفهمه ، وقبّل بين عينيه ، ثم قال : أبشر يا محمد ، فما بقي لبني علم إلا وقد أعطيته ، فأنت أكثرهم علما ، وأشجعهم قلبا ، معك مفاتيح النصرة ، وقد ألبست الخوف والرعب ، فلا يسمع أحد بذكرك إلا وجلّ فؤاده وخاف قلبه ، وإن لم يرك يا رسول اللّه . قالت : ثم رأيت رجلا قد


    “ 12 “


    أقبل نحوه ، حتى وضع فاه على فيه ، فجعل يزقه كما تزق الحمام فرخها ، فكنت أنظر إلى ابني يشير بإصبعه ، يقول : زدني زدني ، فزقه ساعة ، ثم قال : أبشر يا حبيب اللّه ، فما بقي لبنيّ حلم إلا وقد أوتيته ، ثم احتمله فغيّبه عني ، فجزع فؤادي ، وذهل قلبي فقلت : ويح قريش ، والويل لها ، ماتت كلها ، أنا في ليلتي وفي ولادتي ، أرى ما أرى ويصنع بولدي ما يصنع ، ولا يقربني أحد من قومي ، إن هذا لهو العجب العجاب ، قالت : فبينا أنا كذلك إذا أنا به قد ردّ عليّ كالبدر ، وريحه يسطع كالمسك ، وهو يقول : خذيه ، فقد طافوا به الشرق والغرب ، وعلى مواليد النبيين أجمعين ، والساعة كان عند أبيه آدم ، فضمه إليه ، وقبّل بين عينيه ، وقال : أبشر حبيبي ، فأنت سيد الأولين والآخرين ، ومضى ، وجعل يلتفت ، ويقول : أبشر يا عزّ الدنيا ، وشرف الآخرة ، فقد استمسكت بالعروة الوثقى ، فمن قال بمقالتك ، وشهد بشهادتك ، حشر غدا يوم القيامة تحت لوائك ، وفي زمرتك ، وناولنيه ، ومضى ، ولم أره بعد تلك المرة .

    زاد العباس رضي اللّه عنه في حديثه ، قلت : يا آمنة ، ما الذي رأيت في ولادتك من علامة هذا الصبي ؟ فقالت : رأيت علما من سندس على قضيب من ياقوت ، قد ضرب بين السماء والأرض ، ورأيت نورا ساطعا من رأسه قد بلغ السماء ، ورأيت قصور الشام كلها شعلت نارا ، ورأيت قربي سربا من القطا قد سجدت له ، ونشرت أجنحتها ، ورأيت نابغة شعيرة الأسدية ، قد مرت وهي تقول : ما لقي الأصنام والكهان من ولدك هذا ؟ هلكت شعيرة ، والويل للأصنام ، ثم الويل لها ، ورأيت شابا من أتم الناس طولا ، وأشدهم بياضا ، فأخذ المولود مني ، فتفل في فيه ، ومعه طاس من ذهب ، فشق بطنه ثم أخرج قلبه فشقه شقا ، فأخرج منه نكتة سوداء ، فرمى بها ، ثم أخرج صرة من حرير أخضر ففتحها ، فإذا فيها شيء كالدرّة البيضاء ، فحشاه به ، ثم ردّه إلى مكانه ، ثم مسح على بطنه ، فاستيقظ ، فنطق فلم أفهم ما قال ، إلا أنه قال : أنت في أمان اللّه ، وحفظ اللّه ، وكلامه ، قد حشوتك علما ، وحلما ، ويقينا ، وإيمانا ، وعقلا ، وشجاعة ، وأنت خير البشر ، فطوبى لمن اتبعك ، وآمن بك ، وعرفك ، والويل ثم الويل ، قالها سبع مرات ، لمن تخلف عنك ، وخرج منها ولم يعرفك ، ثم تفل فيه أخرى تفلة شديدة ، ثم ضرب الأرض ضربة ، فإذا هو بماء أشد بياضا من اللبن ، فغمسه في ذلك الماء ثلاث غمسات ، فما ظننت إلا أنه قد غرق ، وما من مرة يخرجه إلا رأيت ضوء وجهه كالشمس الطالعة ، ولقد رأيت بريق وجهه يقع على قصور الشام كوقوع الشمس الحديث ، ثم قال : أمرني ربي عز وجل أن أنفخ فيك بروح القدس ، فنفخ فيه ، فألبسه قميصا ، فقال : هذا أمانك من آفات الدنيا ، الحديث رواه أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر ، عن محمد بن أحمد بن أبي يحيى ، عن


    “ 13 “
    سعيد بن عثمان الكريزي ، عن أبي أحمد الزبيري ، عن سعيد بن مسلم مولى لبني مخزوم ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : سمعت أبي العباس يحدث ، فذكره .


    لطف خفيّ من لطيف بعبد مهين ضعيف
    حدثنا عبد الرحمن بن علي كتابة ، نبأ أبو بكر الصوفي ، انا علي بن أبي صادق ، انا محمد بن عبد اللّه الشيرازي ، قال : سمعت محمد بن فارس يقول : سمعت خير النسّاج يقول : سمعت إبراهيم الخواص . وقد رجع من شدة سفره وكان قد غاب عني سنين ، فقلت : ما الذي أصابك في سفرك ؟ فقال : عطشت عطشا شديدا حتى سقطت من شدة العطش ، فإذا أنا بماء قد رشّ على وجهي ، فلما أحسست ببرده فتحت عيني ، فإذا رجل حسن الوجه ، والذي عليه ثياب خضر ، على فرس أشهب ، فسقاني حتى رويت ، ثم قال :
    ارتدف خلفي ، وكنت بالحاجر ، فلما كان بعد ساعة ، قال : أيش ترى ؟ قلت : المدينة ، قال : انزل واقرأ على رسول اللّه مني السلام ، وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر ، وقال : أخوك الخضر يسلم عليك .
    وفي رواية : قال له : رضوان يقرأ عليك السلام كثيرا .


    نعت معشوق
    حدثنا يونس بن يحيى العباسي ، انا ابن ناصر السلامي ، عن أبي طاهر بن أبي الصقر ، ثنا مكي ، انا طاهر بن أحمد ، أنا أبو محمد بن زيد ، ثنا العباس بن محمد ، ثنا الأصمعي ، عن أبي الهذلي ، عن رجال من قومه ، أن أصيلا الهذلي قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة ، فقال له : « يا أصيل ، كيف تركت مكة ؟ » ، قال : يا رسول اللّه ، تركتها قد ابيضّت بطحاؤها ، واخضرّت مسلاتها ، وأمشر سلمها ، وأحجن ثمامها ، وأغدق أدخرها ، فقال :
    « يا أصيل ، دع القلوب تقرّ ، لا تشوّقها إلى مكة » .
    المسلان : الشعاب . والمشار : ثمر السلم ، وهو ثمر أحمر . والإغداق : اجتماع أصول الشجر . والإحجان : انعقافه ومنه سمي الحجون .


    شعر في الوطن
    ما من غريب وإن أبدى تجلّده * إلا تذكر بعد الغربة الوطنا



    “ 14 “


    ولا يزال حمام باللوا غرد * يهيج مني فؤادا طال ما سكنا
    وأنشد محمد بن مالكون لبعضهم في ذلك :
    إذا ما ذكرت الثغر فاضت مدامعي * وأضحى فؤادي نهبة للهماهم
    حنينا إلى أرض بها اخضرّ شاربي * وحلت بها عني عقود التمائم


    وأنشد ابن سكرة لبعضهم في ذلك :
    يقرّ بعيني أن أرى في مكانه * ذرى عطفات الأجرع المتقاود
    وإن أرد الماء الذي عن شماله * طروقا وقد مل السرى كل واحد
    وألصق أحشائي ببرد ترابه * وإن كان ممزوجا بسم الأساود

    خبر عبد اللّه بن الثامر والأخدود من حديث ابن إسحاق
    حدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : كان أهل نجران أهل شرك ، يعبدون الأوثان ، وكان في قرية من قراها قريبا من نجران ، فإن نجران هي القرية العظمى ، يأتي إليها جماعة أهل تلك البلاد ساحر ، يعلّم غلمان أهل نجران السحر ،

    فلما نزلها ميمون قالوا : رجل ابتنى خيمة بين نجران وبين ملك القرية التي بها الساحر ، فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلّمهم السحر ، فبعث الثامر ابنه عبد اللّه بن ثامر مع غلمان أهل نجران ، فكان إذا مرّ بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته ، فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم ، فوحّد اللّه وعبده ، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام ، حتى إذا فقه فيهم جعل يسأله عن الاسم الأعظم ، وكان يعلّمه ، فكتمه إياه ،

    وقال له : يا ابن أخي ، إنك إن تحمله أخشى ضعفك عنه ، والثامر أبو عبد اللّه يظن أن ابنه يختلف إلى الساحر كما تختلف الغلمان ، فلما رأى عبد اللّه أن صاحبه قد ضنّ به عليه ، وتخوّف ضعفه عنه ، عمد إلى قداح فجمعها ، ثم لم يبق للّه اسما يعلمه إلا كتبه على قدح ، لكل اسم قدح ، حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ، فجعل يقذفها فيها قدحا قدحا ، حتى إذا مرّ بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه ، فوثب القدح حتى خرج منها لم يضرّه شيء ، فأخذه ثم أتى صاحبه ، فأخبره أنه قد علم الاسم الذي كتمه ، فقال : وما هو ؟

    قال : هو كذا وكذا ، قال : وكيف علمته ؟
    فأخبره بما صنع ، قال : أي ابن أخي ، قد أصبته ، فأمسك على نفسك ، وما أظن أن تفعل ، فجعل عبد اللّه بن الثامر إذا دخل نجران لم يبق أحد به ضرر إلا قال له عبد اللّه : أتوحّد اللّه ، وتدخل في ديني ، وأدعو اللّه فيعافيك مما أنت فيه من البلاء ؟

    فيقول : نعم ، فيوحّد اللّه ويسلم ، ويدعو له فيشفى ، حتى لم يبق بنجران أحد به


    “ 15 “

    ضرر إلا أتاه ، فأتبعه على أمره ودعا له فعوفي ، حتى رفع شأنه إلى ملك نجران ، فدعاه ، فقال له : أفسدت عليّ أهل قريتي ، وخالفت ديني ودين آبائي ، لأمثلنّ بك . قال : لا تقدر على ذلك ، قال : فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على رأسه ، فيقع على الأرض ليس به بأس ، وجعل يبعث به إلى مياه نجران ، بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك ، فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس . فلما غلبه ، قال له عبد اللّه بن الثامر : إنك واللّه لا تقدر على قتلي حتى توحّد اللّه ، فتؤمن بما آمنت به ، فإنك إن فعلت سلّطت عليّ فقتلتني .

    قال : فوحّد اللّه ذلك الملك ، وشهد شهادة عبد اللّه بن الثامر ، ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله ، وهلك الملك مكانه . فاجتمع أهل نجران على دين عبد اللّه بن الثامر ، وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم عليه الصلاة السلام من الإنجيل وحكمه ، فسار إليهم ذو نواس ذرعة بن شنار بجنوده ، فدعاهم إلى اليهودية وخيّرهم بين ذلك والقتل ، فاختاروا القتل ، فخذلهم ، فحرق بالنار ، وقتل بالسيف ، ومثّل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا ، وفيه نزل قوله تعالى : قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ .

    والأخدود : الحفر الطويل في الأرض كالخندق ، والجمع أخاديد .

    قال ابن إسحاق : فحدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد عمرو بن حزام ، أنه حدّث أن رجلا من أهل نجران في زمن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، حفر خربة من خرد نجران لبعض حاجة ، فوجد عبد اللّه بن الثامر تحت الحفيرة التي دفن فيها قاعدا ، واضعا يده على ضربة في رأسه ، ممسكا عليها بيده ، فإذا أخّرت يده عنها تنبعث دماء ، وإذا أرسلت يده ردّها عليها فأمسكت دمها ، في يده خاتم مكتوب فيه : ربي اللّه . فكتب به إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يخبره بأمره ، فكتب إليهم : إن أقرّوه على حاله ، وردّوا عليه الدفن الذي كان عليه ، ففعلوا .


    وممن قتله القرآن
    ما حدثنا به عبد الرحمن بن علي كتابة ، عن عمر بن ظفر ، عن جعفر بن أحمد ، عن عبد العزيز بن علي ، عن علي بن عبد اللّه ، عن محمد بن داود ، عن أبي زكريا الشيرازي ، قال : تهت في بادية العراق أياما كثيرة لم أجد شيئا أرتفق به ، فلما كان بعد أيام رأيت في الفلاة خباء شعر مضروبا ، فقصدته ، فإذا ببيت وعليه شيء مسبل ، فسلّمت ، فردّت عليّ عجوز من داخل الخباء ، فقالت : يا إنسان ، من أين أقبلت ؟ قلت : من مكة ، قالت : وأين تريد ؟ قلت : الشام ، قالت : أرى شبحك شبح إنسان بطّال ، ألا لزمت زاوية تجلس فيها إلى


    “ 16 “


    أن يأتيك اليقين ؟ ثم تنظر هذه الكسرة من أين تأكلها ؟ ثم قالت : تقرأ القرآن ؟ قلت : نعم ، قالت : اقرأ عليّ آخر سورة الفرقان ، فقرأتها ، فشهقت وأغمي عليها ، فلما أفاقت قرأت هي الآيات ، فأخذت مني قراءتها أخذا شديدا . ثم قالت : يا إنسان ، اقرأها عليّ ثانيا ، فقرأتها ، فلحقها مثل ذلك ، غير أنها لم تفق ، فقلت : كيف أستكشف حالها ؟ ماتت أم لا ؟

    فتركت البيت على حاله ومشيت أقل من نصف ميل ، فأشرفت على واد فيه أعراب ، فأقبل إليّ غلامان معهما جارية ، فقال أحد الغلامين : يا إنسان ، أتيت البيت في الفلاة ؟ قلت :
    نعم ، قال : وتقرأ القرآن ؟
    قلت : نعم ، قال : قتل العجوز وربّ الكعبة ، فرجعت معهم حتى أتينا البيت ، فدخلت الجارية ، فكشفت عنها الحجاب فإذا هي ميتة ، فأعجبني خاطر الغلام ، فقلت للجارية : من هذان الغلامان ؟ فقالت : هذه أختهما ، منذ ثلاثين سنة ما تأنس بكلام الناس ، تأكل في كل ثلاثة أيام أكلة وشربة .


    ومن باب البكاء عند رؤية القبر
    ما حدثنا به حنبل بن أبي الحصين ، عن ابن المذهب ، عن أبي بكر بن مالك ، عن عبد اللّه بن أحمد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الرحمن المقري ، عن عبد اللّه بن واقد ، عن محمد بن مالك ، عن البراء بن عازب ، قال : بينما نحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ بصر بجماعة ، فقال : « علام اجتمع هؤلاء ؟ » ، قيل : على قبر يحفرونه ، ففزع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر فجثا عليه ، قال : فاستقبلته بين يديه لأنظر ما يفعل ، فبكى حتى بلّ الثرى من دموعه ، ثم أقبل علينا فقال : « يا إخواني ، لمثل هذا فاغدوا » .



    شعر
    أيها المغرور في الد * نيا بعزّ تقتنيه
    وبأهل وبمال * وبقصر تبتنيه
    كم سحبناكم عليها * ذيل سلطان وتيه
    تحسب الأفلاك تجري * بخلود ترتجيه
    إذا طوانا الدهر طيّا * فاعتبر ما نحن فيه
    روينا من حديث الهاشمي بسنده إلى ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أيها الناس ، إن الرزق مقسوم لن يعدو امرؤ ما كتب له ، فأجملوا في الطلب . وإن العمر محدود لن يجاوز أحد ما قدر له ، فبادروا قبل نفاد الأجل . والأعمال محصاة لن يهمل منها صغيرة

      الوقت/التاريخ الآن هو 27/11/2024, 03:50