الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء 17
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 247 “
غزوة عبد اللّه بن جحش الأسدي
قال اللّه تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ .
روينا من حديث الواحدي قال : أنبأ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم ، أنبأ محمد بن عبد اللّه بن زكريا ، أنبأ محمد بن عبد الرحمن ، أنبأ أبو بكر بن أبي خيثمة ، أنبأ إبراهيم بن المنذر ، أنبأ محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، قال : هذا كتاب مغازي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التي قاتل فيها يوم بدر في رمضان سنة اثنين .
ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث .
ثم قاتل يوم الخندق في شعبان سنة خمس .
ثم قاتل يوم خيبر في سنة ستّ .
ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان .
وقاتل يوم حنين .
وحصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان .
قال الواحدي : أول قتال كان بين المسلمين والمشركين كان في غزوة عبد اللّه بن جحش التي نزل فيها قوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية .
وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث عبد اللّه بن جحش وهو ابن عمته في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمة المدينة ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين : سعد بن أبي وقاص ، وعكاشة بن محصن ، وعيينة بن غزوان ، وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسهيل ابن بيضاء ، وعامر بن ربيعة ، وواقد بن عبد اللّه ، وخالد بن بكر .
وكتب لأميرهم عبد اللّه بن جحش كتابا ، وقال : « سر على اسم اللّه ، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين ، فإذا نزلت ، فافتح الكتاب ، واقرأه على أصحابك ، ثم امض لما أمرتك ، ولا تستكرهنّ أحدا من أصحابك على السير معك » .
فسار عبد اللّه يومين ، ثم نزل ، وفتح الكتاب ، فإذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم :
أما بعد ، فسر على بركة اللّه بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل ببطن نخلة ، فترصد بها عير قريش ، لعلك أن تأتينا منه بخير .
فلما نظر عبد اللّه في الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ثم قال لأصحابه ذلك ، وقال : إنه
“ 248 “
قد نهاني أن أستكره أحدا منكم ، فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ، ومن كره ذلك فليرجع ، فإني ماض لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
ثم مضى ومعه أصحابه لم يتخلف عنه أحد منهم ، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقول نجران أضلّ سعد بن أبي وقاص وعيينة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه . واستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما ، فأذن لهما ، فتخلفا في طلبه ، ومضى عبد اللّه يتبعه أصحابه حتى نزلوا ببطن نخلة ، يمين مكة والطائف .
فبينما هم كذلك إذ مرّت بهم عير قريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة الطائف ، فيهم عمرو بن الحضرمي ، والحكم بن كيسان ، وعثمان بن عبد اللّه بن المغيرة ، ونوفل بن عبد اللّه المخزومي .
فلما رأوا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هابوهم . فقال عبد اللّه بن جحش : إن القوم قد ذعروا منكم ، فاحلقوا رأس رجل منكم فليعرض لهم ، فإذا رأوه محلوقا آمنوا . وقالوا :
قوم عمّار لا بأس عليكم ، فحلقوا رأس عكاشة ، ثم أشرف عليهم ، فقالوا : قوم عمّار لا بأس عليكم ، فأمّنوهم .
وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة . وكانوا يريدون أنه من جمادى الآخرة .
وكانوا يرون أنه من جمادى وهو رجب . فتشاور القوم فيهم وقالوا : لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم ، وليمتنعنّ منكم .
فأجمعوا أمرهم في مواقفة القوم . فرمى واقد بن عبد اللّه السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، وكان أول قتيل من المشركين . واستأثر الحكم وعثمان ، فكانا أول أسيرين في الإسلام .
وأفلت نوفل فأعجزهم ، واستاق المسلمون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال المشركون : قد استحلّ محمد الشهر الحرام ، فشهر يأمن فيه الخائف ، وينذعر فيه الناس لمعاشهم ، فسفك فيه الدماء وأحلّ فيه الحرام . وعيّر بذلك أهل مكة من كان فيها من المسلمين ، وقالوا : يا معشر الصباة ، استحللتم الشهر الحرام ، وقاتلتم فيه .
وتفاءلت اليهود بذلك ، وقالوا : واقد وقدت الحرب ، وعمرو عمرت الحرب ، والحضرمي حضرت الحرب .
فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لابن جحش وأصحابه : « ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام » . ووقف العير والأسيرين ، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا ، وعظم ذلك على أصحاب السرّية ، وظنوا أن قد هلكوا وسقط في أيديهم . فقالوا : يا رسول اللّه ، إنا قتلنا ابن الحضرمي ، ثم أمسينا فرأينا الهلال ، فإذا هو هلال رجب ، فلا ندري أفي رجب أصبناه أم
“ 249 “
في جمادى ، وأكثر الناس في ذلك . فأنزل اللّه هذه الآية : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية .
فأخذ صلى اللّه عليه وسلم العير ، فعزل منها الخمس ، فكان أول خمس في الإسلام ، وقسم الباقي بين أصحاب السرية ، فكان أول غنيمة في الإسلام .
وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم ، فقال صلى اللّه عليه وسلم : « بل نقفهم حتى يقدم سعد بن أبي وقاص وعتبة ، فإن لم يقدما قتلناهما » . فلما قدما فداهما .
فأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة ، فقتل يوم بئر معاوية شهيدا .
وأما عثمان بن عبد اللّه فرجع إلى مكة فمات بها كافرا .
وأما نوفل فضرب فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فتحطم فيه فمات . وطلب المشركون جثته بالثمن .
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « خذوه ، فإنه خبيث الجيفة ، خبيث الدم » . ا ه والحمد للّه وحده .
حكم
من حفر لأخيه كان حتفه فيه . ومن حفر لأخيه بئرا أوقعه اللّه في بئره . ومن أساء عليه تدبيرا جعل هلاكه في تدبيره . ومن أبدى سرّ أخيه أبدى اللّه أسرار مساويه . ومن جار حكمه أهلكه ظلمه . ومن جارت قضيته ومن ساء اختياره قبحت آثاره . من قلّ اعتباره قلّ استظهاره . من بغى على أخيه قتله بغيه . ومن جرى في مساويه كبا جريه . من خادع اللّه خدع ، ومن صارع الحق صرع . من ساء عقده سرّ فقده . من أمكن من مظلوم زال إمكانه ، ومن أحسن إلى ظلوم بطل إحسانه . من جار في سلطانه صغّره ، ومن منّ في إحسانه كدّره .
من تعدّى على ذويه تناهى في ظلمه وتعدّيه . من بخل على أهله لم يتصل به تأميل .
ومن أساء إلى نفسه لم يتوقع منه جميل . من أحسن الملكة آمن الهلكة . من أشفق على سلطانه أقصر عن عدوانه . من ظلم يتيما ظلم أولاده .
ومن أفسد امرأة أفسد معاده . من أحب نفسه اجتنب الآثام ، ومن رحم ولده رحم الأيتام . أفضل الملوك من أحسن في فعله ونيته وعدل في جنده ورعيته .
أعظم الملوك من ملك نفسه وبسط عدله . من سلّ سيف البغي أغمده في رأسه .
ومن استنّ أساس الشر أسسه على نفسه .
أقبح الأشياء سخف الولاة ، وظلم القضاة ، وغفلة الساسة ، وحسد السادة . ومن جانب الأخيار أساء الاختيار .
“ 250 “
ومن ركب البغي لم يأمن مغبّته . ومن نكب عن الحق لم تحمد عاقبته . النميمة دناءة والسعاية رداءة ، وهما أسّ الغدر وأساس الشر ، فجنّب سبلها وتجنّب أهلها . من لم يرحم العيرة منع الرحمة . ومن لم يقل العترة سلب القدرة .
بناء عبد الملك بن مروان قبة الصخرة
روينا من حديث الواسطي قال : نبأ عمر بن الفضل بن المهاجر ، عن أبيه ، عن الوليد بن حماد الرملي ، نبأ أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت ابن الأستاذ ، نبأ أبو محمد بن منصور ، عن جده ثابت ، عن رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان من أهل بيت المقدس : أن عبد الملك بن مروان حين همّ ببناء الصخرة ، ومسجد بيت المقدس ، قدم من دمشق إلى بيت المقدس ، وبث الكتب في جميع عمله كله إلى جميع الأمصار : إن عبد الملك أراد أن يبني قبة على الصخرة ، صخرة بيت المقدس تكنّ المسلمين من الحر والبرد والمسجد . فكره أن يفعل ذلك دون رأي رعيته ، فلتكتب الرعية برأيهم وما هم عليه . فوردت الكتب عليه : إن أمير المؤمنين رأيه موفق رشيد ، نسأل اللّه أن يتم له ما نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده ، ويجري ذلك على يديه ، ويجعله مكرمة ، ولمن مضى من سلفه . فجمع الصنّاع من جميع عمله كله ، وأمر أن يصنعوا له صفة القبة وسمتها من قبل أن يبنيها . فعملت له في صحن المسجد ، وأمر أن يبنى بيتا للمال في شرقي الصخرة ، وهو الذي فوق حرف الصخرة ، فأشحن بالأموال ، ووكّل على ذلك رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام على النفقة عليها ، وأمرهم أن يفرغوا المال عليها إفراغا ، دون أن ينفقوه إنفاقا . فأخذوا في البناء والعمارة حتى أحكم وفرغ من البناء ، ولم يبق لمتكلم فيها كلام .
كتب إليه بدمشق :
قد أتم اللّه ما أمر به أمير المؤمنين من بناء صخرته والمسجد الأقصى ، ولم يبق لمتكلم فيها كلام . وقد تبقّى مما أمر به أمير المؤمنين من النفقة عليها بعد أن فرغ من البناء وأحكم مائة ألف دينار ، فيصرفها أمير المؤمنين في أحب الأشياء إليه .
فكتب إليهما : قد أمر أمير المؤمنين لكما جائزة لما وليتما من عمارة ذلك البيت الشريف المبارك .
فكتبا : نحن أولى أن نزيده من حليّ نسائنا ، فضلا عن أموالنا ، فاصرفها في أحبّ الأشياء إليك .
فكتب إليهما : تسبك وتفرغ على القبة ، فما كان أحد يقدر أن يتأملها مما عليها من
“ 251 “
الذهب . وهيأ لها جلالين : جلال من لبود وجلال من أديم من فوقه ، فإذا كان الشتاء ألبسته ليكنّها من الأمطار والرياح والثلوج .
وكان رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام قد حفوا الحجر بدرابزين ساسم ، وخلف الدرابزين ستور ديباج مرخاة بين العمد . وكان في كل اثنين وخميس يأمرون بالزعفران أن يدق ويطحن ، ثم يعمل من الليل بالمسك والعنبر ، والماء والورد الجوري ، ويخرّ من الليل ، ثم يأمر الخدّام بالغداة فيدخلون حمام سليمان بن عبد الملك يغتسلون ويتطهرون ، ثم يأتون الخزانة التي فيها الخلوف ، فتلقى أثوابهم عنهم ، ثم يخرجون بأثواب جدد من الخزانة ، مروي وفوهي وشيء يقال له العصب ، ويخرجون منها مناطق محلّاة ، ويشدون بها أوساطهم ، ثم يأخذون الخلوف ، ويأتون الصخرة ، فيلطخون ما قدروا أن تناله أيديهم حتى يغمروها كلها ، وما لم تنله أيديهم غسلوا أقدامهم ، ثم يصعدون على الحجر حتى يلطّخون ما بقي ، ثم ترفع آنية الخلوف ، ويؤتى بمجامر الذهب والفضة والندّ والعود القماري المطرّى بالمسك والعنبر ،
فترخى الستور حول العمد كلها . ثم يأخذون في البخور حولها يدورون حتى يحول البخور بينهم وبين القبة من كثرته ، ثم تشمر الستور ، فيخرج البخور من كثرته حتى يبلغ رأس السوق ، فيشمّ الريح من ثمّ ، فيقطع البخور من عندهم .
ثم ينادي مناد في صفّ البزازين وغيرهم : ألا إن الصخرة قد فتحت للناس ، فمن أراد الصلاة فيها فليأت .
فيقبل الناس مبادرين للصلاة في الصخرة ، فأكثر من يدرك أن يصلي ركعتين ، وأكثره أربعا .
ثم يخرج الناس ، فمن شمّوا رائحته قالوا : هذا ممن دخل الصخرة . ويغسل أثر أقدامهم بالماء ، ويمسح بالآس الأخضر ، وينشف بالشباني والمناديل ، وتغلق الأبواب ، وعلى كل باب عشرة من الحجبة ، ولا يدخل إلا يوم الاثنين والخميس ، ولا يدخلها إلا الخدّام .
قال : فكنت أسرجها في خلافة عبد الملك كلها باللبان المدنيّ والزيبق الرصاصي ، فكان الحجبة يقولون له : يا أبا بكر ، مر لنا بقنديل ندهن به ونطيّب به .
وكان يجيبهم إلى ذلك . فهذا ما كان يفعل بها في خلافة عبد الملك كلها . وكانت الأبواب ملبّسة ذهبا وفضة صفائح الأبواب .
فلما قدم أبو جعفر ، وكان شرقيّ المسجد وغربيّه قد وقع ، فرفع إليه : يا أمير المؤمنين ، قد وقع شرقيّ هذا المسجد وغربيّه .
وكانت الرجفة سنة ثلاثين ومائة . فقالوا له : لو أمرت ببناء هذا المسجد وعمارته . فقال : ما عندي شيء من المال . فأمر بقلع
“ 252 “
الصفائح الذهب والفضة التي على الأبواب ، فضربت دنانير ودراهم وأنفق عليها . فلما فرغ منه كانت الرجفة الثانية ، فوقع البناء الذي أمر به أبو جعفر .
فلما قدم المهدي من بغداد ، وهو خراب ، فأمر ببنائه وقال : أنقصوا من طوله وزيدوا في عرضه ، فتمّ البناء في خلافته . وأمر ببناء الكنيسة التي تهدمت الفضل بن صالح بن علي بن عبد اللّه بن عباس ، بأمر المهدي .
هكذا روينا من حديث الرملي ، عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت ، وكان بين القبتين ، من القبة إلى القبة كلاليب حديد ، وعوارض حديد ، فقلعها أبي لابن أبي يحيى . قال : وكانت الصخرة أيام سليمان بن داود ارتفاعها اثنا عشر ذراعا ، كل ذراع ذراع وشبر وقبضة . وكان عليها قبة من العود اليلنجوج ، عود مندليّ ، وارتفاع القبة ثمانية عشر ميلا ، وفوق القبة غزال من ذهب ، في عينه درة حمراء ، تقعد نساء أهل البلقاء يغزلون على ضوئها . وكانت أهل عمواس يستظلون بظل القبة إذا طلعت الشمس ، وإذا غربت استظل أهل بيت الرامة من الغور بظلها . وكان ولد هارون عليه السلام يجيئون إلى الصخرة ، ويسمونها الهيكل بالعبرانية . وكانت تنزل عليهم عين زيت من السماء فتدور في القناديل فتملؤها من غير أن تمسّ .
وكانت تنزل نار من السماء في مثال سبع على جبل طور سيناء ، ثم تمتد حتى تدخل من باب الرحمة ، ثم تصير على الصخرة .
فيقولون ولد هارون : يا أدوناي ، وتفسيرها :
تبارك الرحمن لا إله إلا هو . فغفلوا ذات ليلة عن الوقت الذي كانت النار تنزل فيه ، فنزلت وليس هم حضور . ثم ارتفعت النار ، فجاءوا ، فقال الكبير للصغير : يا أخي ، قد كتبت الخطيئة ، ليس ينجينا من بني إسرائيل إن تركنا هذا البيت الليلة بلا نور ولا سراج . فقال الصغير للكبير : تعال حتى نأخذ من نار الدنيا ، فنسرج القناديل ، لئلا يبقى هذا البيت الليلة بلا نور ولا سراج . وأخذوا من نار الدنيا وأسرجوا ، فنزلت عليهم النار في ذلك الوقت ، فأحرقت نار السماء نار الدنيا ، وأحرقت ولد هارون .
قال : فناجى نبي ذلك الزمان فقال : يا رب ، أحرقت ولد هارون وقد علمت مكانهم . فأوحى اللّه عز وجل إليه : إني هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني ، فكيف بأعدائي ؟
قال : فكان في زمان بني إسرائيل إذا أذنب أحدهم الذنب كتب على جبينه خطيئته ، وعلى عتبة بابه : ألا إن فلانا قد أذنب في ليلته كذا وكذا . فيبعدونه ويزجرونه . فيأتي إلى باب التوبة ، وهو الباب الذي عند محراب مريم عليها السلام ، الذي كان يأتيها رزقها منه ،
“ 253 “
فيبكي فيه ، ويتضرع ، ويقيم حينا . فإن تاب اللّه عليه محا ذلك عن جبينه ، فيقربه ب إسرائيل ، وإن لم يتب عليه أبعدوه وزجروه .
وبه إلى عبد الرحمن بن محمد يبلّغ به كعبا قال : مكتوب في التوراة أشيروا شلائم ، وهي بيت المقدس ، والصخرة يقال لها : الهيكل . أبعث إليك عبدي الملك يبنيك ويزخرفك .
وبه إلى عبد الرحمن قال : سمعت من يحكي عن خليل أنه غلب عليه النوم ذات ليلة عن يمين الصخرة ، فانتبه ، والناس قد انصرفوا ، والموضع خال ليس فيه أحد .
فقام يطفئ القناديل ، والأبواب مفتّحة ، فإذا بسبع من نار واقفا على حاجز الصخرة يتوقد نارا . قال :
فطاش عقلي ، وقام شعر بدني ، وهبت ، ثم حملت نفسي على الصبر ، وجعلت أطفئ القنديل ، وهو يدور معي بحذائي على الحاجز حتى جئت إلى الباب القبلي ، فلما أغلقته وثب ، ففرق عند المنارة ، ولا لي به عهد ، فأقمت سنة ما هدئ روعي .
ومن باب النسب ، قال العباس بن الأحنف :
إني وجدت الهوى في الصدر إذ ركدا * كالنار بل زاد جوف الصدر متّقدا
النار تطفى ببرد الماء إن ضرمت * ولو ضربت الهوى بالماء ما بردا
وقال بعضهم :
إذا وجدت أوار الحب في كبدي * أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هذا يبرّد برد الماء ظاهره * فمن لحرّ على الأحشاء يتّقد
وفي ذلك لابن الرومي :
بعيني دموع لو جرين بقفرة * لأضحت بقاع الأرض من مائها وحلا
وفي القلب نار لو تصبّ على الورى * لمات جميع الناس واحترقوا كلّا
وله :
يا موقد النار قد هيّجت أشجانا * ولم أطق للذي هيّجت كتمانا
أوقدت نارا على علياء واحدة * وأوقد الشوق في الأحشاء نيرانا
وله :
ي موقد النار يذكيها ويخمدها * برد الشتاء بأرياح وأمطار
قم فاصطلي النار من قلبي مضرّمة * بالشوق تغن بها يا موقد النار
ويا أخا الذود قد طال الظماء بها * لم تدر ما الرأي في جدب وإقتار
“ 254 “
رد بالظباء على عيني ومحجرها * تروي الظباء بدمع مسيل جاري
يا مزمع البين إن جدّ الرحيل فلا * كان الرحيل فإني غير صبّار
ولنا من النظاميات :
رعى اللّه طيرا على بانة * قد أفصح لي من صحيح الخبر
بأن الأحبّة شدّوا على * رواحلهم ثم راحوا سحر
فسرت وفي القلب من أجلهم * جحيم لبينهم تستعر
أتابعهم في ظلام الدّجى * أنادي بهم ثم أقفو الأثر
وما لي دليل على أثرهم * سوى نفس من هواه عطر
رفعن السّجاف أضاء الدجا * فسار الركاب لضوء القمر
وأرسلت دمعي أمام الركاب * فقالوا متى سال هذا النهر
ولم يستطيعوا عبورا له * فقلت دموعي جرين درر
كان الرعود للمع البروق * وسير الغمام لصوب المطر
وجيب القلوب لبرق الثغور * وسكب الدموع لركب النّفر
فيا من يشبّه لين القدود * بلين القضيب الرطيب النظر
ولو عكس الأمر مثل الذي * فعلت لكان سليم النظر
فلين الغصون للين القدود * وورد الرياض لورد الخفر
خبر إلهي
روينا من حديث مسلم قال : نبأ عبد اللّه بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي قال : نبأ مروان يعني ابن محمد الدمشقي ، نبأ سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فيما روي ، عن اللّه تعالى أنه قال :
« يا عبادي ، إني حرّمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرّما ، فلا تظالموا » .
« يا عبادي ، كلكم ضالّ إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم » .
« يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم » .
« يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم » .
« يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم » .
“ 255 “
« يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني » .
« يا عبادي ، لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا » .
« يا عبادي ، لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا » .
« يا عبادي ، لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا على صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر » .
« يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوافيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد اللّه ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه » .
روينا من حديث الخرائطي قال : نبأ علي بن داود القنطري ، نبأ عبد اللّه بن صالح ، نبأ الليث بن سعد ، عن حميد الطويل ، عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير قال :
خرجت إلى الربيع في زمانه ، وكنت أدخل إلى الجمع لشهودها . وكان طريقي على المقبرة ، قد خلت يوما ، فإذا بجنازة .
فقلت : لو اغتنمت شهودها فصليت عليها ، ثم صليت ركعتين خفيفتين لم أتقنهما ذلك الإتقان في نفسي ، ثم اضطجعت إلى جانب قبر فإذا صاحب القبر يقول : إليك عني ، فإنكم قوم تعملون ولا تعلمون ، ونحن قوم نعلم ولا نعمل . صليت ركعتين خفيفتين لم تتقنهما في نفسك ذلك الإتقان . قلت : نعم ، قال : ما سرّني أن الدنيا بحذافيرها لي بهما . قلت : فمن هاهنا ؟ فقال : كل مسلم . وكل قد نال خيرا .
وبه قال : نبأ علي بن داود ، نبأ عبد اللّه بن صالح ، نبأ يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :
« قال اللّه عز وجل : إن عبدي المؤمن بمنزلة كل خير عندي ، يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه » .
وبه قال عبد اللّه بن صالح : نبأ معاوية بن صالح ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن أبي عائد الأزدي أنه قال :
“ 256 “
أتيت بيت المقدس أنا وعبد اللّه بن عائد ، فجلسنا إلى عبد اللّه بن عمرو ، فسمعته يقول : إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه يقول : يا ابن آدم ، ما غرّك بي ؟
ألم تعلم أني بيت الوحدة ؟ ألم تعلم أني بيت الظلمة ؟ ألم تعلم أني بيت الحق ؟
يا ابن آدم ، ما غرّك بي وكنت تمشي حولي فدادا ؟
قال ابن عائد : فقلت لغضيف : وما الفداد يا أبا أسماء ؟
قال : كبعض مشيتك يا ابن أخي أحيانا .
قال غضيف : فقال صاحبي ، وكان أكبر مني ، لعبد اللّه بن عمرو : فإن كان مؤمنا فما ذا له ؟ قال : ذاك يوسع له في قبره ، ويجعله منزلة خضراء ويعرج بنفسه إلى اللّه تعالى .
روينا من حديث ابن ثابت قال : أنا أبو العباس الفضل بن عبد الرحمن الأبهري ، نبأ محمد بن إبراهيم بن علي قال : أنشدنا عبد اللّه بن رستم قال : رؤي على قبر عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه مكتوب :
الموت بحر موجه غالب * يذهب فيه حبله السابح
لا يصحب المرء إلى قبره * إلا التّقى والعمل الصالح
وبه قال : انا محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد ، نبأ جعفر بن محمد الخالدي ، نبأ أحمد بن محمد بن مسروق قال : أنشدني بعض أصحابنا :
اجعل تلادك في المهم * من الأمور إذا اقترب
لا تسه عن أدب الصغي * ر وإن شكا ألم التعب
وذر الكبير فإنه * كبر الكبير عن الأدب
لا تصحب الصّلف المري * ب فقربه أحد الريب
واعلم بأن ذنوبه * تعدي كما يعدي الجرب
وبه قال : انا عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن بشران ، نبأ محمد بن الحسين الآجري ، نبأ العباس بن يوسف الشملي ، نبأ محمد بن الحسين بن العلاء البلخي قال :
سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول :
يا ابن آدم ، طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها ، وطلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها ، والدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها ، والآخرة بالطلب منك تنالها . فاعقل وشأنك .
وبه قال : سمعت أبا علي بن فضالة النيسابوري يقول : سمعت بقية بن علي الآمدي يقول : سمعت أبا الحسن الخضري يقول :
“ 257 “
لا يغرّنكم صفاء الأوقات فإن تحتها آفات ، ولا يغرّنكم العطاء فإن العطاء عند أهل الصفاء مقت .
روينا من حديث ابن الواسطي قال : نبأ عيسى بن عبد اللّه ، انا علي بن جعفر نبأ محمد بن إبراهيم بن عيسى ، نبأ محمد بن النعمان ، نبأ سليمان بن عبد الرحمن ، نبأ أبو عبد الملك الجزري ، قال : علّم اللّه تعالى سليمان منطق الطير ، وعلّمه منطق الهوام . وكان له من النساء الحرائر سبعمائة وثلاثمائة سرّية . فلما خلا من سليمان سنون بدأ في بناء بيت المقدس ، فبلغ عدة من يعمل معه في بناء بيت المقدس ألف رجل ، عليهم قطع الخشب ، وبلغ عدّة البنائين في كل شهر عشرة آلاف رجل ، وبلغ عدة الذين يعملون في الحجارة عشرة آلاف رجل ، وبلغ عدة الذين يقومون عليهم ثلاثمائة أمين .
فلما بناه ، وزيّنه كما أحب من الذهب والفضة والأبواب المونقة ، صنع له مائة سكرة من الذهب ، في كل سكرة عشرة أرطال ، وأولج فيه تابوت موسى وهارون ، وأنزل اللّه عز وجل عليه الغمام ، وصلى سليمان عليه الصلاة والسلام فيه ، ودعا ربه ، فقال : يا رب أمرتني ببناء هذا البيت الشريف ، يا رب فلتكن يدك عليه الليل والنهار . وكل من جاءك يبتغي منك الفضل والمغفرة والنصر والتوبة والرزق ، فاستجب له من قريب أو بعيد .
وكان سليمان عليه السلام قد فرش أرض المسجد بالذهب والفضة : بلاطة من هذا ، وبلاطة من هذا . فلما جاء بختنصر خرّبه ، واحتمل منه ثمانين عجلة ذهبا وفضة ، وطرحه برومية . ولا تعجب من هذا ، فإن الذي حمل إلى الوليد لما فتحت الأندلس من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت إلى ذلك من الأحجار النفيسة ، دون الذهب والفضة ، مائة عجلة وثمانية عشرة عجلة .
وأما ابن أسمانوس ، فإنه لما غزا بني إسرائيل وسبى حلي بيت المقدس ، أحرق منه ما أحرق ، وحمل منه في البحر ألفا وسبعمائة سفينة حليا ، حتى أورده رومية .
أخبر بذلك حذيفة بن اليمان ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : « ليستخرجن المهدي ذلك حتى يؤديه إلى بيت المقدس ، ثم يسير المهدي ومن معه حتى يأتوا مدينة يقال لها القاطع ، وهي على البحر الأخضر المحيط ، ليس شيء خلفه إلا أمر اللّه عز وجل ، طول تلك المدينة ألف ميل ، وعرضها خمسمائة ميل ، لها ثلاثة آلاف باب » .
حدثنا بهذا الحديث جماعة ، عن القاسم بن علي الشافعي ، عن أبي القاسم السوسيّ ، عن إبراهيم بن يونس المقري ، عن عبد العزيز النصيبي ، عن محمد بن أحمد ،
“ 258 “
عن عيسى بن عبد اللّه ، عن علي بن جعفر الرازي ، عن محمد بن سليمان بن مسكين بصور ، عن إسحاق بن زريق بن سليمان ، عن سليمان ، عن عثمان بن عبد الرحمن القرشي ، عن يزيد بن عمر ، عن منصور ، عن ربعي بن خراش ، عن حذيفة بن اليمان .
أقوال حسان في الحنين إلى الأوطان
فمن ذلك : الكريم يحنّ إلى أحبابه كما يحنّ الأسد إلى غابه . أرض الرجل ظئره وداره مهده . والغريب النائي عن بلده المتنحي عن أهله كالثور النادّ عن وطنه ، الذي هو لكل سبع فريسة ولكل رام قنيصة .
وقد قيل :
إذا ما ذكرت الصغر فاضت مدامعي * وأضحى فؤادي نهبة للهماهم
حنينا إلى الأرض الذي اخضرّ شاربي * وحلت بها عني عقود تمائمي
وألطف قوم بالفتى أهل أرضه * وأرعاهم للمرء حق التقادم
وقد قيل :
يقرّ لعيني أن أرى من مكانه * ذرى عطفات الأجرع المتعاقد
وإن أرد الماء الذي عن شماله * طروقا وقد ملّ السرى كل واحد
وألصق أحشائي ببرد ترابه * وإن كان مخلوطا بسمّ الأساود
ومن قول أبي العباس بن الأحنف فيمن ظفر وعفّ :
أتأذنون لصبّ في زيارتكم * فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوء إن طال الجلوس به * عفّ الضمير ولكن فاسق النظر
وأنشدني في هذا الباب أبو عبد اللّه القسطنطيني المذكر وعزاه للعباداني :
الحمد للّه على أنني * قد تبت إلا من وجوه ملاح
ما بقيت فيّ سوى نظرة * فاسقة باطنها من صلاح
وأنشدني قاسم بن مرتين لبعضهم :
وما يستوي الصّابي ومن ترك الصبا * وإن الصبا للعيش لولا العواقب
وللرب مني جانب لا أضيعه * وللّهو مني والبطالة جانب
وأنشدني علي بن طاب الريح القبائلي :
أحبك حبا لا أعنّف بعده * محبا ولكني إذا ليم عاذره
أحبك يا سلمى على غير ريبة * ولا بأس في حب تعف سرائره
“ 259 “
أنشدت هذين البيتين لمن كان لي بها غرام ، فلما سمعت قولي : أحبك يا سلمى على غير ريبة ، قال : إن كنت تقدر سرعة من غير بطء .
وأنشدني علي بن جابر في مجلسه :
تفنى اللذاذة ممن نال صفتها * من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبّتها * لا خير في لذة من بعدها النار
ومن هذا الباب ما تمثل به عبد اللّه بن الحسن الذي وصله السفّاح لما ولي الخلافة بألفي ألف :
أنس غرائر ما هممن بريبة * كظباء مكة صيدهنّ حرام
يحسبن من طيب الكلام زوانيا * ويصدّهن عن الخنا الإسلام
ومن باب الأخبار النبوية
ما رويناه من حديث عبد العزيز بن عمر ، نبأ محمد بن الحسن بن منصور ، نبأ عبد العزيز أحمد الحلواني ، نبأ أبو الحسين بن علي بن الحسين ، نبأ إبراهيم بن محمد بن خلف ، نبأ أحمد بن محمد العجلي ، نبأ عبد اللّه بن عبيد اللّه ، نبأ القاسم بن الفرج ، نبأ أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، نبأ أبو المغيرة المكي ، عن رجل من ولد الزبير اسمه محمد بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « من كفّ غضبه كفّ اللّه عذابه ، ومن خزن لسانه ستر اللّه عورته ، ومن اعتذر إلى اللّه قبل اللّه معذرته » .
خبر آخر
من حديثه أيضا ، عن ابن المغيرة ميمون بن محمد بن معتمد المكحولي ، عن أبي طاهر محمد بن نصر القلانسي ، عن أبي نصر أحمد بن محمد ، عن عيسى بن الحسين ، عن خلف بن سليمان ، عن محمد بن سليمان القرشي ، عن إبراهيم ، عن أنس بن مالك قال :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إنك لا تتصدق عن ميتك بصدقة حتى يجيء بها ملك من الملائكة على طبق من نور ، ويقوم على رأس قبره وينادي : يا صاحب القبر الغريب ، أهلك أهدوا لك هذه الهدية ، فينفسح له في مدخله في قبره ، وينوّر له » . قال : « فيقول : جزى اللّه
“ 260 “
عني أهلي خيرا » . قال : « ولزيق ذلك القبر صاحبه يقول : ألم أخلّف أنا المال ؟ ألم أخلّف المال ؟ » ، قال : « فهو مهموم ، والذي أهدي إليه فرح مسرور » .
وبه إلى أبي المعتز أيضا : نبأ أحمد بن محمد النسفي ، عن أبي سهل محمد بن عبد الرحمن الشيباني ، عن أبي بكر أحمد بن جعفر ، نبأ الحسين بن عمر بن أبي الأخوص ، عن محمد بن العلاء ، عن الحسن بن عطية ، عن سوار الهمداني ، عن زياد ، عن محمد ابن الحنفية وهو ابن أحمد بن محمد الإسماعيلي ، عن أبي الفضل محمد بن عبد الملك ، نبأ أبو حفص أحمد بن محمد المقري ، نبأ أبو سعيد الخليل بن أحمد الشجري ، نبأ أبو العروبة الحسن بن أبي معشر الحرّاني ، نبأ أبو المسيّب بن الواضح ، نبأ بقية بن الوليد ، عن ورقاء بن عمر ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إذا صلى العبد في الخلاء فأحسن ، وصلى في الملأ فأحسن ، قال اللّه عز وجل : أنت عبدي حقا » .
حكم جوامع لضروب من المنافع
من رقى في درجات الهمم عظم في أعين الأمم . من بذل فلسه صان نفسه . من بسط يده العطاء استنبط لسان الثناء . من كبرت همّته كثرت قيمته . من كرم خلقه وجب حقه .
من أساء خلقه ضاق رزقه . من أجاب السفيه سفه . من سكت عن جوابه نبه .
شعر
إذا نطق السفيه فلا تجبه * فخير من إجابته السكوت
سكتّ عن السفيه فظنّ أني * عييت عن الجواب وما عييت
ولكني اكتسيت بثوب حلم * وجنّبت السفاهة ما بقيت
من قابل السخيف سخف ومن كرم عن مقابلته شرف . من قال الحق صدق ومن عمل به وفق . من صدق في مقاله زاد في جماله . من هان عليه المال توجهت إليه الآمال .
من بسط راحته آنس ساحته . من بذل ماله استحمل ومن بذل جاهه استعبد . من جاد بماله جلّ ومن جاد بعرضه ذلّ . من أحسن إلى جاره زاد في استظهاره . من طمع في جاره زهد في جواره . أحسن الجدّ ما كان عند التعب وأحسن الصدق ما كان عند الغضب . خير الأموال ما قضى اللوازم وخير الأعمال ما بنى المكارم . خير المال ما أخذته من الحلال
الجزء 17
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 247 “
غزوة عبد اللّه بن جحش الأسدي
قال اللّه تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ .
روينا من حديث الواحدي قال : أنبأ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم ، أنبأ محمد بن عبد اللّه بن زكريا ، أنبأ محمد بن عبد الرحمن ، أنبأ أبو بكر بن أبي خيثمة ، أنبأ إبراهيم بن المنذر ، أنبأ محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، قال : هذا كتاب مغازي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التي قاتل فيها يوم بدر في رمضان سنة اثنين .
ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث .
ثم قاتل يوم الخندق في شعبان سنة خمس .
ثم قاتل يوم خيبر في سنة ستّ .
ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان .
وقاتل يوم حنين .
وحصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان .
قال الواحدي : أول قتال كان بين المسلمين والمشركين كان في غزوة عبد اللّه بن جحش التي نزل فيها قوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية .
وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث عبد اللّه بن جحش وهو ابن عمته في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمة المدينة ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين : سعد بن أبي وقاص ، وعكاشة بن محصن ، وعيينة بن غزوان ، وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسهيل ابن بيضاء ، وعامر بن ربيعة ، وواقد بن عبد اللّه ، وخالد بن بكر .
وكتب لأميرهم عبد اللّه بن جحش كتابا ، وقال : « سر على اسم اللّه ، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين ، فإذا نزلت ، فافتح الكتاب ، واقرأه على أصحابك ، ثم امض لما أمرتك ، ولا تستكرهنّ أحدا من أصحابك على السير معك » .
فسار عبد اللّه يومين ، ثم نزل ، وفتح الكتاب ، فإذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم :
أما بعد ، فسر على بركة اللّه بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل ببطن نخلة ، فترصد بها عير قريش ، لعلك أن تأتينا منه بخير .
فلما نظر عبد اللّه في الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ثم قال لأصحابه ذلك ، وقال : إنه
“ 248 “
قد نهاني أن أستكره أحدا منكم ، فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ، ومن كره ذلك فليرجع ، فإني ماض لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
ثم مضى ومعه أصحابه لم يتخلف عنه أحد منهم ، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقول نجران أضلّ سعد بن أبي وقاص وعيينة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه . واستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما ، فأذن لهما ، فتخلفا في طلبه ، ومضى عبد اللّه يتبعه أصحابه حتى نزلوا ببطن نخلة ، يمين مكة والطائف .
فبينما هم كذلك إذ مرّت بهم عير قريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة الطائف ، فيهم عمرو بن الحضرمي ، والحكم بن كيسان ، وعثمان بن عبد اللّه بن المغيرة ، ونوفل بن عبد اللّه المخزومي .
فلما رأوا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هابوهم . فقال عبد اللّه بن جحش : إن القوم قد ذعروا منكم ، فاحلقوا رأس رجل منكم فليعرض لهم ، فإذا رأوه محلوقا آمنوا . وقالوا :
قوم عمّار لا بأس عليكم ، فحلقوا رأس عكاشة ، ثم أشرف عليهم ، فقالوا : قوم عمّار لا بأس عليكم ، فأمّنوهم .
وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة . وكانوا يريدون أنه من جمادى الآخرة .
وكانوا يرون أنه من جمادى وهو رجب . فتشاور القوم فيهم وقالوا : لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم ، وليمتنعنّ منكم .
فأجمعوا أمرهم في مواقفة القوم . فرمى واقد بن عبد اللّه السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، وكان أول قتيل من المشركين . واستأثر الحكم وعثمان ، فكانا أول أسيرين في الإسلام .
وأفلت نوفل فأعجزهم ، واستاق المسلمون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال المشركون : قد استحلّ محمد الشهر الحرام ، فشهر يأمن فيه الخائف ، وينذعر فيه الناس لمعاشهم ، فسفك فيه الدماء وأحلّ فيه الحرام . وعيّر بذلك أهل مكة من كان فيها من المسلمين ، وقالوا : يا معشر الصباة ، استحللتم الشهر الحرام ، وقاتلتم فيه .
وتفاءلت اليهود بذلك ، وقالوا : واقد وقدت الحرب ، وعمرو عمرت الحرب ، والحضرمي حضرت الحرب .
فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لابن جحش وأصحابه : « ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام » . ووقف العير والأسيرين ، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا ، وعظم ذلك على أصحاب السرّية ، وظنوا أن قد هلكوا وسقط في أيديهم . فقالوا : يا رسول اللّه ، إنا قتلنا ابن الحضرمي ، ثم أمسينا فرأينا الهلال ، فإذا هو هلال رجب ، فلا ندري أفي رجب أصبناه أم
“ 249 “
في جمادى ، وأكثر الناس في ذلك . فأنزل اللّه هذه الآية : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية .
فأخذ صلى اللّه عليه وسلم العير ، فعزل منها الخمس ، فكان أول خمس في الإسلام ، وقسم الباقي بين أصحاب السرية ، فكان أول غنيمة في الإسلام .
وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم ، فقال صلى اللّه عليه وسلم : « بل نقفهم حتى يقدم سعد بن أبي وقاص وعتبة ، فإن لم يقدما قتلناهما » . فلما قدما فداهما .
فأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة ، فقتل يوم بئر معاوية شهيدا .
وأما عثمان بن عبد اللّه فرجع إلى مكة فمات بها كافرا .
وأما نوفل فضرب فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فتحطم فيه فمات . وطلب المشركون جثته بالثمن .
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « خذوه ، فإنه خبيث الجيفة ، خبيث الدم » . ا ه والحمد للّه وحده .
حكم
من حفر لأخيه كان حتفه فيه . ومن حفر لأخيه بئرا أوقعه اللّه في بئره . ومن أساء عليه تدبيرا جعل هلاكه في تدبيره . ومن أبدى سرّ أخيه أبدى اللّه أسرار مساويه . ومن جار حكمه أهلكه ظلمه . ومن جارت قضيته ومن ساء اختياره قبحت آثاره . من قلّ اعتباره قلّ استظهاره . من بغى على أخيه قتله بغيه . ومن جرى في مساويه كبا جريه . من خادع اللّه خدع ، ومن صارع الحق صرع . من ساء عقده سرّ فقده . من أمكن من مظلوم زال إمكانه ، ومن أحسن إلى ظلوم بطل إحسانه . من جار في سلطانه صغّره ، ومن منّ في إحسانه كدّره .
من تعدّى على ذويه تناهى في ظلمه وتعدّيه . من بخل على أهله لم يتصل به تأميل .
ومن أساء إلى نفسه لم يتوقع منه جميل . من أحسن الملكة آمن الهلكة . من أشفق على سلطانه أقصر عن عدوانه . من ظلم يتيما ظلم أولاده .
ومن أفسد امرأة أفسد معاده . من أحب نفسه اجتنب الآثام ، ومن رحم ولده رحم الأيتام . أفضل الملوك من أحسن في فعله ونيته وعدل في جنده ورعيته .
أعظم الملوك من ملك نفسه وبسط عدله . من سلّ سيف البغي أغمده في رأسه .
ومن استنّ أساس الشر أسسه على نفسه .
أقبح الأشياء سخف الولاة ، وظلم القضاة ، وغفلة الساسة ، وحسد السادة . ومن جانب الأخيار أساء الاختيار .
“ 250 “
ومن ركب البغي لم يأمن مغبّته . ومن نكب عن الحق لم تحمد عاقبته . النميمة دناءة والسعاية رداءة ، وهما أسّ الغدر وأساس الشر ، فجنّب سبلها وتجنّب أهلها . من لم يرحم العيرة منع الرحمة . ومن لم يقل العترة سلب القدرة .
بناء عبد الملك بن مروان قبة الصخرة
روينا من حديث الواسطي قال : نبأ عمر بن الفضل بن المهاجر ، عن أبيه ، عن الوليد بن حماد الرملي ، نبأ أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت ابن الأستاذ ، نبأ أبو محمد بن منصور ، عن جده ثابت ، عن رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان من أهل بيت المقدس : أن عبد الملك بن مروان حين همّ ببناء الصخرة ، ومسجد بيت المقدس ، قدم من دمشق إلى بيت المقدس ، وبث الكتب في جميع عمله كله إلى جميع الأمصار : إن عبد الملك أراد أن يبني قبة على الصخرة ، صخرة بيت المقدس تكنّ المسلمين من الحر والبرد والمسجد . فكره أن يفعل ذلك دون رأي رعيته ، فلتكتب الرعية برأيهم وما هم عليه . فوردت الكتب عليه : إن أمير المؤمنين رأيه موفق رشيد ، نسأل اللّه أن يتم له ما نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده ، ويجري ذلك على يديه ، ويجعله مكرمة ، ولمن مضى من سلفه . فجمع الصنّاع من جميع عمله كله ، وأمر أن يصنعوا له صفة القبة وسمتها من قبل أن يبنيها . فعملت له في صحن المسجد ، وأمر أن يبنى بيتا للمال في شرقي الصخرة ، وهو الذي فوق حرف الصخرة ، فأشحن بالأموال ، ووكّل على ذلك رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام على النفقة عليها ، وأمرهم أن يفرغوا المال عليها إفراغا ، دون أن ينفقوه إنفاقا . فأخذوا في البناء والعمارة حتى أحكم وفرغ من البناء ، ولم يبق لمتكلم فيها كلام .
كتب إليه بدمشق :
قد أتم اللّه ما أمر به أمير المؤمنين من بناء صخرته والمسجد الأقصى ، ولم يبق لمتكلم فيها كلام . وقد تبقّى مما أمر به أمير المؤمنين من النفقة عليها بعد أن فرغ من البناء وأحكم مائة ألف دينار ، فيصرفها أمير المؤمنين في أحب الأشياء إليه .
فكتب إليهما : قد أمر أمير المؤمنين لكما جائزة لما وليتما من عمارة ذلك البيت الشريف المبارك .
فكتبا : نحن أولى أن نزيده من حليّ نسائنا ، فضلا عن أموالنا ، فاصرفها في أحبّ الأشياء إليك .
فكتب إليهما : تسبك وتفرغ على القبة ، فما كان أحد يقدر أن يتأملها مما عليها من
“ 251 “
الذهب . وهيأ لها جلالين : جلال من لبود وجلال من أديم من فوقه ، فإذا كان الشتاء ألبسته ليكنّها من الأمطار والرياح والثلوج .
وكان رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام قد حفوا الحجر بدرابزين ساسم ، وخلف الدرابزين ستور ديباج مرخاة بين العمد . وكان في كل اثنين وخميس يأمرون بالزعفران أن يدق ويطحن ، ثم يعمل من الليل بالمسك والعنبر ، والماء والورد الجوري ، ويخرّ من الليل ، ثم يأمر الخدّام بالغداة فيدخلون حمام سليمان بن عبد الملك يغتسلون ويتطهرون ، ثم يأتون الخزانة التي فيها الخلوف ، فتلقى أثوابهم عنهم ، ثم يخرجون بأثواب جدد من الخزانة ، مروي وفوهي وشيء يقال له العصب ، ويخرجون منها مناطق محلّاة ، ويشدون بها أوساطهم ، ثم يأخذون الخلوف ، ويأتون الصخرة ، فيلطخون ما قدروا أن تناله أيديهم حتى يغمروها كلها ، وما لم تنله أيديهم غسلوا أقدامهم ، ثم يصعدون على الحجر حتى يلطّخون ما بقي ، ثم ترفع آنية الخلوف ، ويؤتى بمجامر الذهب والفضة والندّ والعود القماري المطرّى بالمسك والعنبر ،
فترخى الستور حول العمد كلها . ثم يأخذون في البخور حولها يدورون حتى يحول البخور بينهم وبين القبة من كثرته ، ثم تشمر الستور ، فيخرج البخور من كثرته حتى يبلغ رأس السوق ، فيشمّ الريح من ثمّ ، فيقطع البخور من عندهم .
ثم ينادي مناد في صفّ البزازين وغيرهم : ألا إن الصخرة قد فتحت للناس ، فمن أراد الصلاة فيها فليأت .
فيقبل الناس مبادرين للصلاة في الصخرة ، فأكثر من يدرك أن يصلي ركعتين ، وأكثره أربعا .
ثم يخرج الناس ، فمن شمّوا رائحته قالوا : هذا ممن دخل الصخرة . ويغسل أثر أقدامهم بالماء ، ويمسح بالآس الأخضر ، وينشف بالشباني والمناديل ، وتغلق الأبواب ، وعلى كل باب عشرة من الحجبة ، ولا يدخل إلا يوم الاثنين والخميس ، ولا يدخلها إلا الخدّام .
قال : فكنت أسرجها في خلافة عبد الملك كلها باللبان المدنيّ والزيبق الرصاصي ، فكان الحجبة يقولون له : يا أبا بكر ، مر لنا بقنديل ندهن به ونطيّب به .
وكان يجيبهم إلى ذلك . فهذا ما كان يفعل بها في خلافة عبد الملك كلها . وكانت الأبواب ملبّسة ذهبا وفضة صفائح الأبواب .
فلما قدم أبو جعفر ، وكان شرقيّ المسجد وغربيّه قد وقع ، فرفع إليه : يا أمير المؤمنين ، قد وقع شرقيّ هذا المسجد وغربيّه .
وكانت الرجفة سنة ثلاثين ومائة . فقالوا له : لو أمرت ببناء هذا المسجد وعمارته . فقال : ما عندي شيء من المال . فأمر بقلع
“ 252 “
الصفائح الذهب والفضة التي على الأبواب ، فضربت دنانير ودراهم وأنفق عليها . فلما فرغ منه كانت الرجفة الثانية ، فوقع البناء الذي أمر به أبو جعفر .
فلما قدم المهدي من بغداد ، وهو خراب ، فأمر ببنائه وقال : أنقصوا من طوله وزيدوا في عرضه ، فتمّ البناء في خلافته . وأمر ببناء الكنيسة التي تهدمت الفضل بن صالح بن علي بن عبد اللّه بن عباس ، بأمر المهدي .
هكذا روينا من حديث الرملي ، عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت ، وكان بين القبتين ، من القبة إلى القبة كلاليب حديد ، وعوارض حديد ، فقلعها أبي لابن أبي يحيى . قال : وكانت الصخرة أيام سليمان بن داود ارتفاعها اثنا عشر ذراعا ، كل ذراع ذراع وشبر وقبضة . وكان عليها قبة من العود اليلنجوج ، عود مندليّ ، وارتفاع القبة ثمانية عشر ميلا ، وفوق القبة غزال من ذهب ، في عينه درة حمراء ، تقعد نساء أهل البلقاء يغزلون على ضوئها . وكانت أهل عمواس يستظلون بظل القبة إذا طلعت الشمس ، وإذا غربت استظل أهل بيت الرامة من الغور بظلها . وكان ولد هارون عليه السلام يجيئون إلى الصخرة ، ويسمونها الهيكل بالعبرانية . وكانت تنزل عليهم عين زيت من السماء فتدور في القناديل فتملؤها من غير أن تمسّ .
وكانت تنزل نار من السماء في مثال سبع على جبل طور سيناء ، ثم تمتد حتى تدخل من باب الرحمة ، ثم تصير على الصخرة .
فيقولون ولد هارون : يا أدوناي ، وتفسيرها :
تبارك الرحمن لا إله إلا هو . فغفلوا ذات ليلة عن الوقت الذي كانت النار تنزل فيه ، فنزلت وليس هم حضور . ثم ارتفعت النار ، فجاءوا ، فقال الكبير للصغير : يا أخي ، قد كتبت الخطيئة ، ليس ينجينا من بني إسرائيل إن تركنا هذا البيت الليلة بلا نور ولا سراج . فقال الصغير للكبير : تعال حتى نأخذ من نار الدنيا ، فنسرج القناديل ، لئلا يبقى هذا البيت الليلة بلا نور ولا سراج . وأخذوا من نار الدنيا وأسرجوا ، فنزلت عليهم النار في ذلك الوقت ، فأحرقت نار السماء نار الدنيا ، وأحرقت ولد هارون .
قال : فناجى نبي ذلك الزمان فقال : يا رب ، أحرقت ولد هارون وقد علمت مكانهم . فأوحى اللّه عز وجل إليه : إني هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني ، فكيف بأعدائي ؟
قال : فكان في زمان بني إسرائيل إذا أذنب أحدهم الذنب كتب على جبينه خطيئته ، وعلى عتبة بابه : ألا إن فلانا قد أذنب في ليلته كذا وكذا . فيبعدونه ويزجرونه . فيأتي إلى باب التوبة ، وهو الباب الذي عند محراب مريم عليها السلام ، الذي كان يأتيها رزقها منه ،
“ 253 “
فيبكي فيه ، ويتضرع ، ويقيم حينا . فإن تاب اللّه عليه محا ذلك عن جبينه ، فيقربه ب إسرائيل ، وإن لم يتب عليه أبعدوه وزجروه .
وبه إلى عبد الرحمن بن محمد يبلّغ به كعبا قال : مكتوب في التوراة أشيروا شلائم ، وهي بيت المقدس ، والصخرة يقال لها : الهيكل . أبعث إليك عبدي الملك يبنيك ويزخرفك .
وبه إلى عبد الرحمن قال : سمعت من يحكي عن خليل أنه غلب عليه النوم ذات ليلة عن يمين الصخرة ، فانتبه ، والناس قد انصرفوا ، والموضع خال ليس فيه أحد .
فقام يطفئ القناديل ، والأبواب مفتّحة ، فإذا بسبع من نار واقفا على حاجز الصخرة يتوقد نارا . قال :
فطاش عقلي ، وقام شعر بدني ، وهبت ، ثم حملت نفسي على الصبر ، وجعلت أطفئ القنديل ، وهو يدور معي بحذائي على الحاجز حتى جئت إلى الباب القبلي ، فلما أغلقته وثب ، ففرق عند المنارة ، ولا لي به عهد ، فأقمت سنة ما هدئ روعي .
ومن باب النسب ، قال العباس بن الأحنف :
إني وجدت الهوى في الصدر إذ ركدا * كالنار بل زاد جوف الصدر متّقدا
النار تطفى ببرد الماء إن ضرمت * ولو ضربت الهوى بالماء ما بردا
وقال بعضهم :
إذا وجدت أوار الحب في كبدي * أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هذا يبرّد برد الماء ظاهره * فمن لحرّ على الأحشاء يتّقد
وفي ذلك لابن الرومي :
بعيني دموع لو جرين بقفرة * لأضحت بقاع الأرض من مائها وحلا
وفي القلب نار لو تصبّ على الورى * لمات جميع الناس واحترقوا كلّا
وله :
يا موقد النار قد هيّجت أشجانا * ولم أطق للذي هيّجت كتمانا
أوقدت نارا على علياء واحدة * وأوقد الشوق في الأحشاء نيرانا
وله :
ي موقد النار يذكيها ويخمدها * برد الشتاء بأرياح وأمطار
قم فاصطلي النار من قلبي مضرّمة * بالشوق تغن بها يا موقد النار
ويا أخا الذود قد طال الظماء بها * لم تدر ما الرأي في جدب وإقتار
“ 254 “
رد بالظباء على عيني ومحجرها * تروي الظباء بدمع مسيل جاري
يا مزمع البين إن جدّ الرحيل فلا * كان الرحيل فإني غير صبّار
ولنا من النظاميات :
رعى اللّه طيرا على بانة * قد أفصح لي من صحيح الخبر
بأن الأحبّة شدّوا على * رواحلهم ثم راحوا سحر
فسرت وفي القلب من أجلهم * جحيم لبينهم تستعر
أتابعهم في ظلام الدّجى * أنادي بهم ثم أقفو الأثر
وما لي دليل على أثرهم * سوى نفس من هواه عطر
رفعن السّجاف أضاء الدجا * فسار الركاب لضوء القمر
وأرسلت دمعي أمام الركاب * فقالوا متى سال هذا النهر
ولم يستطيعوا عبورا له * فقلت دموعي جرين درر
كان الرعود للمع البروق * وسير الغمام لصوب المطر
وجيب القلوب لبرق الثغور * وسكب الدموع لركب النّفر
فيا من يشبّه لين القدود * بلين القضيب الرطيب النظر
ولو عكس الأمر مثل الذي * فعلت لكان سليم النظر
فلين الغصون للين القدود * وورد الرياض لورد الخفر
خبر إلهي
روينا من حديث مسلم قال : نبأ عبد اللّه بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي قال : نبأ مروان يعني ابن محمد الدمشقي ، نبأ سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فيما روي ، عن اللّه تعالى أنه قال :
« يا عبادي ، إني حرّمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرّما ، فلا تظالموا » .
« يا عبادي ، كلكم ضالّ إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم » .
« يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم » .
« يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم » .
« يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم » .
“ 255 “
« يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني » .
« يا عبادي ، لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا » .
« يا عبادي ، لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا » .
« يا عبادي ، لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا على صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر » .
« يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوافيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد اللّه ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه » .
روينا من حديث الخرائطي قال : نبأ علي بن داود القنطري ، نبأ عبد اللّه بن صالح ، نبأ الليث بن سعد ، عن حميد الطويل ، عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير قال :
خرجت إلى الربيع في زمانه ، وكنت أدخل إلى الجمع لشهودها . وكان طريقي على المقبرة ، قد خلت يوما ، فإذا بجنازة .
فقلت : لو اغتنمت شهودها فصليت عليها ، ثم صليت ركعتين خفيفتين لم أتقنهما ذلك الإتقان في نفسي ، ثم اضطجعت إلى جانب قبر فإذا صاحب القبر يقول : إليك عني ، فإنكم قوم تعملون ولا تعلمون ، ونحن قوم نعلم ولا نعمل . صليت ركعتين خفيفتين لم تتقنهما في نفسك ذلك الإتقان . قلت : نعم ، قال : ما سرّني أن الدنيا بحذافيرها لي بهما . قلت : فمن هاهنا ؟ فقال : كل مسلم . وكل قد نال خيرا .
وبه قال : نبأ علي بن داود ، نبأ عبد اللّه بن صالح ، نبأ يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :
« قال اللّه عز وجل : إن عبدي المؤمن بمنزلة كل خير عندي ، يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه » .
وبه قال عبد اللّه بن صالح : نبأ معاوية بن صالح ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن أبي عائد الأزدي أنه قال :
“ 256 “
أتيت بيت المقدس أنا وعبد اللّه بن عائد ، فجلسنا إلى عبد اللّه بن عمرو ، فسمعته يقول : إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه يقول : يا ابن آدم ، ما غرّك بي ؟
ألم تعلم أني بيت الوحدة ؟ ألم تعلم أني بيت الظلمة ؟ ألم تعلم أني بيت الحق ؟
يا ابن آدم ، ما غرّك بي وكنت تمشي حولي فدادا ؟
قال ابن عائد : فقلت لغضيف : وما الفداد يا أبا أسماء ؟
قال : كبعض مشيتك يا ابن أخي أحيانا .
قال غضيف : فقال صاحبي ، وكان أكبر مني ، لعبد اللّه بن عمرو : فإن كان مؤمنا فما ذا له ؟ قال : ذاك يوسع له في قبره ، ويجعله منزلة خضراء ويعرج بنفسه إلى اللّه تعالى .
روينا من حديث ابن ثابت قال : أنا أبو العباس الفضل بن عبد الرحمن الأبهري ، نبأ محمد بن إبراهيم بن علي قال : أنشدنا عبد اللّه بن رستم قال : رؤي على قبر عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه مكتوب :
الموت بحر موجه غالب * يذهب فيه حبله السابح
لا يصحب المرء إلى قبره * إلا التّقى والعمل الصالح
وبه قال : انا محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد ، نبأ جعفر بن محمد الخالدي ، نبأ أحمد بن محمد بن مسروق قال : أنشدني بعض أصحابنا :
اجعل تلادك في المهم * من الأمور إذا اقترب
لا تسه عن أدب الصغي * ر وإن شكا ألم التعب
وذر الكبير فإنه * كبر الكبير عن الأدب
لا تصحب الصّلف المري * ب فقربه أحد الريب
واعلم بأن ذنوبه * تعدي كما يعدي الجرب
وبه قال : انا عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن بشران ، نبأ محمد بن الحسين الآجري ، نبأ العباس بن يوسف الشملي ، نبأ محمد بن الحسين بن العلاء البلخي قال :
سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول :
يا ابن آدم ، طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها ، وطلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها ، والدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها ، والآخرة بالطلب منك تنالها . فاعقل وشأنك .
وبه قال : سمعت أبا علي بن فضالة النيسابوري يقول : سمعت بقية بن علي الآمدي يقول : سمعت أبا الحسن الخضري يقول :
“ 257 “
لا يغرّنكم صفاء الأوقات فإن تحتها آفات ، ولا يغرّنكم العطاء فإن العطاء عند أهل الصفاء مقت .
روينا من حديث ابن الواسطي قال : نبأ عيسى بن عبد اللّه ، انا علي بن جعفر نبأ محمد بن إبراهيم بن عيسى ، نبأ محمد بن النعمان ، نبأ سليمان بن عبد الرحمن ، نبأ أبو عبد الملك الجزري ، قال : علّم اللّه تعالى سليمان منطق الطير ، وعلّمه منطق الهوام . وكان له من النساء الحرائر سبعمائة وثلاثمائة سرّية . فلما خلا من سليمان سنون بدأ في بناء بيت المقدس ، فبلغ عدة من يعمل معه في بناء بيت المقدس ألف رجل ، عليهم قطع الخشب ، وبلغ عدّة البنائين في كل شهر عشرة آلاف رجل ، وبلغ عدة الذين يعملون في الحجارة عشرة آلاف رجل ، وبلغ عدة الذين يقومون عليهم ثلاثمائة أمين .
فلما بناه ، وزيّنه كما أحب من الذهب والفضة والأبواب المونقة ، صنع له مائة سكرة من الذهب ، في كل سكرة عشرة أرطال ، وأولج فيه تابوت موسى وهارون ، وأنزل اللّه عز وجل عليه الغمام ، وصلى سليمان عليه الصلاة والسلام فيه ، ودعا ربه ، فقال : يا رب أمرتني ببناء هذا البيت الشريف ، يا رب فلتكن يدك عليه الليل والنهار . وكل من جاءك يبتغي منك الفضل والمغفرة والنصر والتوبة والرزق ، فاستجب له من قريب أو بعيد .
وكان سليمان عليه السلام قد فرش أرض المسجد بالذهب والفضة : بلاطة من هذا ، وبلاطة من هذا . فلما جاء بختنصر خرّبه ، واحتمل منه ثمانين عجلة ذهبا وفضة ، وطرحه برومية . ولا تعجب من هذا ، فإن الذي حمل إلى الوليد لما فتحت الأندلس من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت إلى ذلك من الأحجار النفيسة ، دون الذهب والفضة ، مائة عجلة وثمانية عشرة عجلة .
وأما ابن أسمانوس ، فإنه لما غزا بني إسرائيل وسبى حلي بيت المقدس ، أحرق منه ما أحرق ، وحمل منه في البحر ألفا وسبعمائة سفينة حليا ، حتى أورده رومية .
أخبر بذلك حذيفة بن اليمان ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : « ليستخرجن المهدي ذلك حتى يؤديه إلى بيت المقدس ، ثم يسير المهدي ومن معه حتى يأتوا مدينة يقال لها القاطع ، وهي على البحر الأخضر المحيط ، ليس شيء خلفه إلا أمر اللّه عز وجل ، طول تلك المدينة ألف ميل ، وعرضها خمسمائة ميل ، لها ثلاثة آلاف باب » .
حدثنا بهذا الحديث جماعة ، عن القاسم بن علي الشافعي ، عن أبي القاسم السوسيّ ، عن إبراهيم بن يونس المقري ، عن عبد العزيز النصيبي ، عن محمد بن أحمد ،
“ 258 “
عن عيسى بن عبد اللّه ، عن علي بن جعفر الرازي ، عن محمد بن سليمان بن مسكين بصور ، عن إسحاق بن زريق بن سليمان ، عن سليمان ، عن عثمان بن عبد الرحمن القرشي ، عن يزيد بن عمر ، عن منصور ، عن ربعي بن خراش ، عن حذيفة بن اليمان .
أقوال حسان في الحنين إلى الأوطان
فمن ذلك : الكريم يحنّ إلى أحبابه كما يحنّ الأسد إلى غابه . أرض الرجل ظئره وداره مهده . والغريب النائي عن بلده المتنحي عن أهله كالثور النادّ عن وطنه ، الذي هو لكل سبع فريسة ولكل رام قنيصة .
وقد قيل :
إذا ما ذكرت الصغر فاضت مدامعي * وأضحى فؤادي نهبة للهماهم
حنينا إلى الأرض الذي اخضرّ شاربي * وحلت بها عني عقود تمائمي
وألطف قوم بالفتى أهل أرضه * وأرعاهم للمرء حق التقادم
وقد قيل :
يقرّ لعيني أن أرى من مكانه * ذرى عطفات الأجرع المتعاقد
وإن أرد الماء الذي عن شماله * طروقا وقد ملّ السرى كل واحد
وألصق أحشائي ببرد ترابه * وإن كان مخلوطا بسمّ الأساود
ومن قول أبي العباس بن الأحنف فيمن ظفر وعفّ :
أتأذنون لصبّ في زيارتكم * فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوء إن طال الجلوس به * عفّ الضمير ولكن فاسق النظر
وأنشدني في هذا الباب أبو عبد اللّه القسطنطيني المذكر وعزاه للعباداني :
الحمد للّه على أنني * قد تبت إلا من وجوه ملاح
ما بقيت فيّ سوى نظرة * فاسقة باطنها من صلاح
وأنشدني قاسم بن مرتين لبعضهم :
وما يستوي الصّابي ومن ترك الصبا * وإن الصبا للعيش لولا العواقب
وللرب مني جانب لا أضيعه * وللّهو مني والبطالة جانب
وأنشدني علي بن طاب الريح القبائلي :
أحبك حبا لا أعنّف بعده * محبا ولكني إذا ليم عاذره
أحبك يا سلمى على غير ريبة * ولا بأس في حب تعف سرائره
“ 259 “
أنشدت هذين البيتين لمن كان لي بها غرام ، فلما سمعت قولي : أحبك يا سلمى على غير ريبة ، قال : إن كنت تقدر سرعة من غير بطء .
وأنشدني علي بن جابر في مجلسه :
تفنى اللذاذة ممن نال صفتها * من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبّتها * لا خير في لذة من بعدها النار
ومن هذا الباب ما تمثل به عبد اللّه بن الحسن الذي وصله السفّاح لما ولي الخلافة بألفي ألف :
أنس غرائر ما هممن بريبة * كظباء مكة صيدهنّ حرام
يحسبن من طيب الكلام زوانيا * ويصدّهن عن الخنا الإسلام
ومن باب الأخبار النبوية
ما رويناه من حديث عبد العزيز بن عمر ، نبأ محمد بن الحسن بن منصور ، نبأ عبد العزيز أحمد الحلواني ، نبأ أبو الحسين بن علي بن الحسين ، نبأ إبراهيم بن محمد بن خلف ، نبأ أحمد بن محمد العجلي ، نبأ عبد اللّه بن عبيد اللّه ، نبأ القاسم بن الفرج ، نبأ أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، نبأ أبو المغيرة المكي ، عن رجل من ولد الزبير اسمه محمد بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « من كفّ غضبه كفّ اللّه عذابه ، ومن خزن لسانه ستر اللّه عورته ، ومن اعتذر إلى اللّه قبل اللّه معذرته » .
خبر آخر
من حديثه أيضا ، عن ابن المغيرة ميمون بن محمد بن معتمد المكحولي ، عن أبي طاهر محمد بن نصر القلانسي ، عن أبي نصر أحمد بن محمد ، عن عيسى بن الحسين ، عن خلف بن سليمان ، عن محمد بن سليمان القرشي ، عن إبراهيم ، عن أنس بن مالك قال :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إنك لا تتصدق عن ميتك بصدقة حتى يجيء بها ملك من الملائكة على طبق من نور ، ويقوم على رأس قبره وينادي : يا صاحب القبر الغريب ، أهلك أهدوا لك هذه الهدية ، فينفسح له في مدخله في قبره ، وينوّر له » . قال : « فيقول : جزى اللّه
“ 260 “
عني أهلي خيرا » . قال : « ولزيق ذلك القبر صاحبه يقول : ألم أخلّف أنا المال ؟ ألم أخلّف المال ؟ » ، قال : « فهو مهموم ، والذي أهدي إليه فرح مسرور » .
وبه إلى أبي المعتز أيضا : نبأ أحمد بن محمد النسفي ، عن أبي سهل محمد بن عبد الرحمن الشيباني ، عن أبي بكر أحمد بن جعفر ، نبأ الحسين بن عمر بن أبي الأخوص ، عن محمد بن العلاء ، عن الحسن بن عطية ، عن سوار الهمداني ، عن زياد ، عن محمد ابن الحنفية وهو ابن أحمد بن محمد الإسماعيلي ، عن أبي الفضل محمد بن عبد الملك ، نبأ أبو حفص أحمد بن محمد المقري ، نبأ أبو سعيد الخليل بن أحمد الشجري ، نبأ أبو العروبة الحسن بن أبي معشر الحرّاني ، نبأ أبو المسيّب بن الواضح ، نبأ بقية بن الوليد ، عن ورقاء بن عمر ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إذا صلى العبد في الخلاء فأحسن ، وصلى في الملأ فأحسن ، قال اللّه عز وجل : أنت عبدي حقا » .
حكم جوامع لضروب من المنافع
من رقى في درجات الهمم عظم في أعين الأمم . من بذل فلسه صان نفسه . من بسط يده العطاء استنبط لسان الثناء . من كبرت همّته كثرت قيمته . من كرم خلقه وجب حقه .
من أساء خلقه ضاق رزقه . من أجاب السفيه سفه . من سكت عن جوابه نبه .
شعر
إذا نطق السفيه فلا تجبه * فخير من إجابته السكوت
سكتّ عن السفيه فظنّ أني * عييت عن الجواب وما عييت
ولكني اكتسيت بثوب حلم * وجنّبت السفاهة ما بقيت
من قابل السخيف سخف ومن كرم عن مقابلته شرف . من قال الحق صدق ومن عمل به وفق . من صدق في مقاله زاد في جماله . من هان عليه المال توجهت إليه الآمال .
من بسط راحته آنس ساحته . من بذل ماله استحمل ومن بذل جاهه استعبد . من جاد بماله جلّ ومن جاد بعرضه ذلّ . من أحسن إلى جاره زاد في استظهاره . من طمع في جاره زهد في جواره . أحسن الجدّ ما كان عند التعب وأحسن الصدق ما كان عند الغضب . خير الأموال ما قضى اللوازم وخير الأعمال ما بنى المكارم . خير المال ما أخذته من الحلال
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin