..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 5

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 15:02

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء الخامس
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 75 “

    وأخبرنا ناصر الدين بن عبد اللّه بن عبد الرحمن العطار المصري خبر قدوم هامة الجنيّ على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : حدثنا أبو محمد بن المبارك بن علي بن الحسين بن الطباخ ، قال : ثنا السيد بن أبي الحسن عبيد اللّه بن محمد بن أحمد البيهقي ، قال : حدثني جدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، قال : ثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي ، أنا أبو ناصر محمد بن حمدويه بن سهل الغازي المروزي قال : حدثنا عبد اللّه بن حماد الآملي ، قال : ثنا محمد بن أبي معشر ، تكلم في ابن أبي معشر ، وهو المزني ، وقد روى عنه الكبار ، قال : أخبرني أبي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر رضي اللّه عنه ، قال :

    بينما نحن قعود مع النبي صلى اللّه عليه وسلم على جبل من جبال تهامة إذ أقبل شيخ بيده عصى ، فسلم على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فرد عليه السلام ، ثم قال : “ نعمت جنّ رعيتهم ، من أنت ؟ “ ، قال : أنا هامة بن هيم بن لاقيس بن إبليس . قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : “ فما بينك وبين إبليس إلا أبوان ، فكم أتى لك من الدهور ؟ “ ، قال : قد أفنيت من الدنيا عمرها إلا قليلا ، ليالي قتل قابيل هابيل كنت ابن أعوام ، من الثلاثة إلى عشرة لا غير ، أفهم الكلام ، وآمر بإفساد الطعام ، وقطيعة الأرحام ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : “ بئس عمل الشيخ المتوسم ، والشاب المتلوّم “ ، قال : زدني من الترداد ، إني تائب إلى اللّه عز وجل ، إني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من قومه ، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني ، وقال : لا جرم ، إني على ذلك من النادمين ، وأعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين ، قال : قلت : يا نوح ، إنني ممن اشترك في دم السعيد الشهيد هابيل بن آدم ، فهل تجد لي عند ربك توبة ؟ قال : “ يا هام ، همّ بالخير وافعله قبل الحسرة والندامة ، إني قرأت فيما أنزل اللّه عز وجل على أنه ما من عبد تاب إلى اللّه عز وجل بالغ أمره ما بلغ إلا تاب اللّه عليه ، قم وتوضأ واسجد للّه سجدتين “ ، قال : ففعلت من ساعتي ما أمرني به ، فناداني : “ ارفع رأسك ، فقد نزلت توبتك من السماء “ ، قال : فخررت للّه ساجدا جذلا .

    وكنت مع هود في مسجده مع من آمن به من قومه ، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني .
    فقال : لا جرم ، إني على ذلك من النادمين ، وأعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين ، وكنت مع آزر ويعقوب ، وكنت مع يوسف بالمكان الأمين ، وكنت ألاقي الياس في الأودية ، وأنا ألقاه الآن ، وإني لقيت موسى بن عمران ، فعلّمني من التوراة ، وقال : إن لقيت عيسى ابن مريم فأقرئه مني السلام ، وقال : إني لقيت عيسى ، وقال عيسى : إن لقيت محمدا عليه الصلاة والسلام فأقرئه مني السلام ، قال : فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عينيه فبكى ، ثم قال : “ وعلى عيسى السلام ما دامت الدنيا ، وعليك السلام يا هام بأدائك الأمانة “ ، قال :


    “ 76 “



    يا رسول اللّه ، افعل بي ما فعل موسى ، إنه علّمني من التوراة ، فعلّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سورة الواقعة ، والمرسلات ، وعمّ ، والتكوير ، والمعوذتين ، والإخلاص ، وقال : “ ارفع إلينا حاجتك ، ولا تدع زيارتنا “ ، قال : فقال عمر : فقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يعد إلينا ، فلسنا ندري أحي هو أم ميت ؟ قلنا : إذا ثبت إسلام هذا الشيطان فليس يريد قتادة بقوله : إن الشيطان لا يسلم إلا الشيطان الذي هو القرين .

    حدثنا أبو بكر بن أبي الفتح الحنفي بمكة ، ثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن يحيى الأنصاري الدمشقي سبط الإمام أبي الفرج الحنبلي ، قال : ثنا سعد الخير أبو الحسن محمد بن سهل الأنصاري ، حدثنا أبو سعيد محمد بن محمد بن محمد بن مطرز ، ثنا أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد اللّه بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الرحمن بن الحسن ، ثنا مسعود بن يزيد القطان ، ثنا أبو داود ، ثنا عبّاد بن يزيد عن موسى بن عقبة القرشي ، أن هشام بن العاص ، ونعيم بن عبد اللّه ، ورجلا آخر قد سمّاه ، بعثوا إلى ملك الروم زمن أبي بكر ، وفي حديث شرحبيل بن مسلم الخولاني ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن هشام بن العاص ، قال : بعثني أبو بكر الصدّيق ورجلا آخر إلى هرقل صاحب الروم أدعوه إلى الإسلام ، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة ، فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني .

    قال في حديث موسى بن عقبة : فدخلنا على جبلة بن الأيهم وهو بالغوطة ، فإذا عليه ثياب سود ، وإذا كل شيء حوله أسود ، فقال : يا هشام كلّمه . فكلّمه ودعاه إلى اللّه عز وجل ، وقال : ما هذه الثياب السود ؟ فقال : لبسته نذرا ولا أنزعها حتى أخرجكم من الشام كلها ، قال : فقلنا : فانبذها ، أو كلمة تشبهها ، فو اللّه لنأخذها منك حتى نمنعك مجلسك هذا ، فو اللّه لنأخذه منك ، ونملك الملك الأعظم إن شاء اللّه ، أخبرنا بذلك نبينا صلى اللّه عليه وسلم ، قال :
    فأنتم إذا السّمراء ؟ قلنا : نحن السعداء ، قال : لستم هم ، قلنا : ومن هم ؟

    قال : هم الذين يصومون النهار ويقومون الليل ، قلنا : نحن هم واللّه ، قال : فكيف صلاتكم ؟ فوصفنا له صلاتنا ، قال : فاللّه يعلم لقد غشيه سواد حتى صار وجهه كأنه قطعة طابق ، ثم قال : قوموا ، فأمر بنا إلى الملك ، فانطلقنا ، فلقينا الرسول بباب المدينة ، فقال : إن شئتم أتيتكم ببغال ، وإن شئتم أتيتكم ببراذين ، فقلنا : لا واللّه ، لا ندخل عليه إلا كما نحن ، فأرسل إليه أنهم يأبون ، فأرسل أن خلوا سبيلهم ، قال : فدخلنا معتمين متقلدي السيوف على الرواحل ، فلما كنا بباب الملك إذا هو في غرفة له عالية ، فنظر إلينا ، قال : فرفعنا رؤوسنا ، فقلنا : لا إله إلا اللّه ، قال : فاللّه يعلم لانتفضت الغرفة كلها حتى كأنها عزق نفضته الريح ، فأرسل إلينا




    “ 77 “

    أن هذا ليس لكم أن تجهروا بدينكم عليّ ، قال : فأرسل إلينا أن ادخلوا فدخلنا ، فإذا هو على فراشه إلى السقف ، وإذا عليه ثياب حمر ، وإذا كل شيء عنده أحمر ، وإذا عنده بطاركة الروم .
    قال : وإذا هو يريد أن يكلمنا برسول ، فقلنا : لا واللّه لا نكلمه برسول ، وإنما بعثنا إلى الملك ، فإن كنت تحب أن نكلمك فأذن لنا أن نكلمك . فلما دخلنا عليه ضحك ، فإذا هو رجل فصيح بكثير العربية ، فقلنا : لا إله إلا اللّه ، فاللّه يعلم لقد نقض السقف حتى رفع رأسه هو وأصحابه ، فقال : ما أعظم هذه الكلمة عندكم ، فقلنا : هذه كلمة التوحيد ،
    قال :التي قلتموها ؟ قلنا : نعم ، قال : فإذا قلتموها في بلاد عدوكم نقضت سقوفكم ؟
    قلنا : لا ، قال : فإذا قلتموها في بلادكم نقضت سقوفكم ؟ قلنا : لا ، وما رأيناها فعلت هذا ، وما هو إلا لشيء عزّت به . فقال : ما أحسن الصدق ، فما تقولون إذا فتحتم المدائن ؟ قلنا : نقول :
    لا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، قال : تقولون لا إله إلا اللّه ليس معه شيء ، واللّه أكبر من كل شيء ؟

    قلنا : نعم . قال : فما منعكم أن تحيوني تحية لنبيكم ؟ قلنا : إن تحية نبينا لا تحلّ لك ، وتحيتك لا تحل لنا فنحيّيك بها . قال : وما تحيتكم ؟ قلنا : تحية أهل الجنة . قال : وبها كنتم تحيّون نبيكم ؟ قلنا : نعم ، قال : وبها كان يحييكم ؟ قلنا : نعم . قال : فمن كان يورث منكم ؟ قلنا : من كان أقرب قرابة . قال : وكذلك ملوككم ؟ قلنا : نعم .

    قال : فأمر لنا بنزل كثير ، ومنزل حسن ، فمكثنا ثلاثا ، ثم أرسل إلينا ليلا ، فدخلنا عليه وليس عنده أحد ، فاستعاد كلامنا ، فأعدنا عليه فإذا عنده شبه الربعة العظيمة مذهبة ، وإذا فيها أبواب صغار ، ففتح منها بابا ، فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فيها صورة بيضاء ، فإذا رجل طويل أكثر الناس شعرا ، قال : أتعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا آدم .

    ثم أعادها وفتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة بيضاء ، فإذا رجل ضخم الرأس عظيم ، له شعر كشعر القط ، أعظم الناس إليتين ، أحمر العينين ، قال : أتعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا نوح .
    ثم أعادها وفتح بابا آخر واستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة بيضاء ، وإذا رجل أبيض الرأس واللحية كأنه حيّ يبتسم ، قال : أتعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا إبراهيم .

    ثم أعادها وفتح بابا آخر استخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء ، قال : أتعرفون من هذا ؟ قلنا : هذا النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم ، قال : هذا واللّه محمد رسول اللّه ، قال : فاللّه يعلم أنه قام ، ثم قعد ، وقال : واللّه إنه لهو . ثم قال : اللّه بدينكم إنه نبيكم ؟ قلنا : اللّه بديننا إنه نبيّنا كأننا ننظر إليه حيا . قال : أما إنه كان آخر البيوت ، ولكنني عجّلته لكم لأنظر ما عندكم .


    “ 78 “

    ثم أعادها وفتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء ، فإذا صورة أدماء سحماء ، وإذا رجل جعد ، قطط ، غائر العينين ، حديد النظر ، متراكب الأسنان ، مقلص الشفة ، كث اللحية ، كأنه غضبان ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا موسى . فإذا إلى جانبه صورة تشبهه ، إلا أنه مدهان الرأس ، عريض الجبين ، في عينيه قبل ، فقال : هل تعرفون هذا : قلنا : لا ، قال : هذا هارون بن عمران .
    ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء ، فإذا صورة رجل أدم ، سبط ، ربعة ، كأنه غضبان ، حسن الوجه ، قال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا لوط .
    ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل أبيض ، مشرّب بحمرة ، أقنى الأنف ، خفيف العارضين ، حسن الوجه ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا إسحاق .
    ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها صورة رجل تشبه صورة إسحاق ، إلا أنه على شفته السفلى خال ، قال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا يعقوب .

    ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء ، فيها صورة رجل أبيض ، حسن الوجه ، أقنى الأنف ، حسن القامة ، يعلو وجهه النور ، يعرف في وجهه الخشوع ، يضرب إلى الحمرة ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا إسماعيل جدّ نبيكم .
    ثم فتح بابا آخر واستخرج حريرة بيضاء ، فيها صورة كأنها صورة آدم ، كأن وجهه الشمس ، قال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا يوسف .
    ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء ، فيها صورة رجل أحمر ، خميص الساقين ، أخفش العينين ، ضخم البطن ، ربعة ، أشبه الخلق بامرأة عجوز ، متقلدا سيفا ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا داود .
    ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء ، فإذا فيها رجل ضخم الأليتين ، طويل الرجلين ، راكب على فرس طويل الرجلين ، قصير الظهر ، كل شيء منه جناح تحت الريح ، قال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا سليمان بن داود .

    ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة أو خرقة سوداء فيها صورة بيضاء ، وإذا رجل شاب شديد سواد اللحية ، يعلوه صفرة ، صلت الجبين ، حسن اللحية ، كثير الشعر ، حسن الوجه ، حسن العينين يشبهه كل شيء منه ، قال : هل تعرفون هذا ؟ قلنا : لا ، قال : هذا عيسى ابن مريم .

    “ 79 “

    ثم أعادها ، وأمر بالربعة فرفعت ، قلنا : من أين لك هذه الصور ؟ لأنّا نعلم أنها على ما صوّرت عليه الأنبياء عليهم السلام ، لأنّا رأينا صورة نبينا عليه الصلاة والسلام مثله ؟

    فقال : إن آدم سأل ربه عز وجل أن يريه الأنبياء من أولاده فأخرج له صورهم في خرق حرير من الجنة ، وكانت في خزانة آدم عند غروب الشمس ، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس ، فلما كان دانيال صوّرها هذه الصور فهي بأعيانها ، فو اللّه لو تطيب نفسي الخروج عن ملكي ما باليت أن أكون عبدا لأسدكم بمكة ، ولكني عسى أن تطيب نفسي.

    ثم أجازنا وأحسن جائزتنا وسرّحنا ، فلما أتينا أبا بكر الصدّيق رضي اللّه عنه ، حدّثناه بما رأيناه ، وما قال لنا ، وما أدنانا ، فبكى أبو بكر ، وقال : مسكين ، لو أراد اللّه به خيرا لفعل .

    ثم قال : أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى اللّه عليه وسلم عندهم في التوراة والإنجيل ، وقد جمعت في سياق الحديث بين الروايتين ، وإن رواية شرحبيل حدثنا بها عبد الوهاب بن علي ببغداد ، عن محمد بن ضياعة ، عن أحمد بن الحسين ، عن أبي عبد اللّه الحافظ ، كتب إليه أن أبا محمد عبد اللّه إسحاق البغوي أخبرهم ، قال : حدثنا إبراهيم بن هيثم البلدي ، قال : حدثنا عبد العزيز بن الوليد بن مسلم بن إدريس ، قال : ثنا عبد اللّه بن إدريس بن شرحبيل بن مسلم ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن هشام بن العاص الأموي ، ثنا أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن الفضل الفزاري ، عن أبي بكر أحمد بن الحسين ، عن أبي عبد اللّه الحافظ ، قال : حدثني أبو العباس أحمد بن سعيد البغدادي ببخارى ، قال : ثنا عبد اللّه بن محمود ، قال : أنبأنا عبدان بن سنان ،

    قال :حدثني العباس القزويني الطالقاني كتابة ، عن أبي عبد اللّه الحافظ ،
    قال : حدثني أحمد بن عبد اللّه البرقي ، قال : ثنا يزيد بن يزيد اللؤلؤي ،
    قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه ، قال : كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلنا منزلا فإذا رجل في واد يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفور المثاب لها ، قال : فأشرفت على الوادي ، فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع ، فقال لي : من أنت ؟ قلت : أنا أنس بن مالك خادم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : فأين هو ؟ قلت : هو يسمع كلامك ،
    قال : فائته فأقرئه السلام وقل له أخوك الياس يقرئك السلام ، فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته ، فجاءه حتى لقيه وعانقه وسلم عليه ، ثم قعدا يتحدثان ،
    فقال له : يا رسول اللّه ، إني ما آكل في السنة إلا يومان ، وهذا يوم فطري ، فآكل أنا وأنت ، فنزلت عليهما مائدة من السماء ، خبزا وحوتا وكرفس ، فأكلا وأطعماني ، فصلينا العصر ، ثم ودّعه ، ثم رأيته مرّ في السحاب نحو السماء .


    “ 80 “


    تصاف ومعرفة ووصية وتنبيه وتصرف وتنزيه وموعظة وغيرها
    حدثنا أبو بكر بن أبي الفتح ، قال : حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن حامد الأرياحي ، قال : أجازني أبو الحسن علي بن الحسن بن عمر الموصلي القرّاء الحديث عنه بجميع ما يرويه ، قال : ثنا أبو القاسم عبد العزيز بن أبي محمد الحسن بن إسماعيل بن محمد الضراب ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي ، قال :

    أنشدنا المبرّد بن قتيبة لأبي العتاهية رحمه اللّه شعرا :
    ما أنا إلا لمن يعاني * أرى خليلي كما يراني
    لست أرى ما ملكت طرفي * مكان من لا يرى مكاني
    فلي إلى أن أموت رزق * لو جهد الخلق ما عداني
    فاستغن باللّه عن فلان * وعن فلان وعن فلان
    والمال من حله قوام * للعرض والوجه واللسان
    والفقر ذلّ عليه باب * مفتاحه العجز والتواني
    ورزق ربي له وجوه * هنّ من اللّه في ضمان
    سبحان من لم يزل عليّا * ليس له في العلوّ ثاني
    قضى على خلقه المنايا * فكلّ حيّ سواه فاني
    يا ربّ لم نبك من زمان * إلا بكينا على زمانحكمة
    حضرت عتابا بين شخصين في أمر ما ، فلم يظهر على ذلك العتاب ثمرة ، فتذكرت قول بعضهم :وليس عتاب المرء للمرء نافعا * إذا لم يكن للمرء لبّ يعاتبهموعظة
    قال مقاتل بن صالح : أنبأنا إسحاق بن منصور بن دينار ، قال : نظر بعض ملوك الأعاجم إلى شيب في رأسه ، فجمع نساءه ، وقال : تعالين فاندبنني إذ مات بعضي ، لأنظر كيف تندبنني إذا مات كلي ، وأنشد :إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت * ولم ينهها تاقت إلى كل باطل
    وساقت إليه الإثم والعار للذي * دعته إليه من حلاوة عاجل


    “ 81 “

    نصيحة

    قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : من أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه ، فإنما أظهر نفاقا على نفاق .خبر نبوي بعمل غبطة
    حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي الفاسي بمدينة فاس ، قال : أنبأنا أبو القاسم هبة اللّه بن علي بن مسعود الأنصاري البوصيري ، قال : أنبأنا أبو عبد اللّه محمد بن بركات بن هلال السعدي النحوي ، قال : أنبأنا أبو عبد اللّه محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القضاعي ، قال : أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي ، حدثنا عبيد بن شريك البزاز ، حدثنا داود بن أبي أياد ، حدثنا إسماعيل بن عباس ، عن المطعم بن مقداد ، وعنبسة بن سعيد بن غيثم الكلاعي ، عن فصيح العبسي ، عن ركب المصري ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : “ طوبى لمن تواضع في غير منقصة ، وذلّ في نفسه من غير مسكنة ، وأنفق من مال جمعه في غير معصية ، وخالط أهل الفقه والحكمة ، ورحم أهل الذلّ والمسكنة .

    طوبى لمن طاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وكرمت علانيته ، وعزل عن الناس شره . طوبى لمن عمل بعلمه ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله “ .
    بلغنا أن أبا العباس السفاح لما ولي الخلافة ، وصل عبد اللّه بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنهم بألفي ألف دينار ، وهو أول خليفة وصل بهذه الجملة .
    ولما أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور ، قتل أبا مسلم الخراساني الذي أقام لهم الدعوة ، قتله في شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة ، وأمر بتوسعة المسجد الحرام سنة تسع وثلاثين ، وحجّ سنة أربع وأربعين ، وزار ومضى إلى بيت المقدس ، وعاد إلى الهاشمية ، وحجّ أيضا سنة أربع وأربعين ، وسنة تسع وأربعين .
    وخرج عليه الحسن بن الحسن فوجّه إليه عيسى بن موسى ، فقتله في رمضان سنة خمس وأربعين . وخرج إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن إلى الكوفة ، فلقيه عيسى بن موسى فقتله في تلك السنة أيضا .
    وفي أيامه توفي جعفر بن محمد الصادق سنة ثمان وأربعين . ومات الإمام أبو حنيفة

    “ 82 “


    سنة خمسين ومائة وله سبعون سنة ، وكان مولده سنة ثمانين . وقيل : عاش تسعين سنة ، وكان مولده سنة ستين .
    وأما المهدي فقال : إنه لما حجّ سنة ستين ، دخل الكعبة ومعه منصور الحجبي ، وهو من حجبة البيت ، فقال له المهدي : اذكر حاجتك . فقال : إني أستحي من اللّه أن أسأل في بيته غيره . فلما خرج أرسل إليه بعشرة آلاف دينار .

    وأما هارون الرشيد ، فحجّ في خلافته ثمان أو تسع حجج ، وغزا ثمان غزوات .

    روينا أنه وصل إلى مكة في شهر رمضان سنة تسع وتسعين ، واعتمر ، ومضى إلى المدينة ، ثم رجع فحجّ تلك السنة ماشيا ، ولم يحجّ خليفة بعده إلى زماننا . غير أني سمعت مستفاضا أن خليفتنا الإمام الناصر لدين اللّه تعالى حجّ متنكرا لا يعلم به أحد ، فاللّه يعلم .
    ومات في خلافته مالك بن أنس سنة تسع وسبعين ومائة ، وله ست وثمانون سنة ، وقيل :
    سبعون سنة ، وصلى عليه ابن أبي ذؤيب . وماتت أم الرشيد سنة ثلاث وسبعين ومائة .
    وكان من بنات هارون الرشيد من تعدّ لنفسها عشرة خلفاء كلهم لها محارم : هارون الرشيد أبوها ، الهادي عمها ، المهدي جدّها ، المنصور جدّ أبيها ، السفاح عم جدّها ، الأمين والمأمون والمعتصم إخوتها ، الواثق والمتوكل ابنا أخيها .
    ونكب جعفر بن برمك سنة سبع وثمانين ومائة ، وقيل : ثمان وثمانين ، وقتل .
    وحبس يحيى وابنه الفضل إلى أن ماتا ، فمات يحيى سنة تسعين ، ومات الفضل سنة ثلاث وتسعين ومائة .
    ولما ولّي الأمين وأقام المأمون بخراسان سنتين وأشهرا ، أغرى الفضل بن الربيع ، على ما ذكر بينهما ، فنصب الأمين ابنه موسى لولاية العهد بعده ، وأخذ له البيعة ، ولقبه الناطق بالحق ، وذلك في سنة أربع وتسعين ومائة ، وجعله في حجر علي بن عيسى . ووجّه علي بن عيسى إلى خراسان ، ووجّه المأمون هرثمة بن مرّة على مقدمة طاهر بن الحسين ، فقتل علي بن عيسى . ولم تزل الحرب بين الأمين والمأمون سنتين وشهورا ، إلى أن نزل طاهر بالأنبار ، وهرثمة بالنهروان . ونجا الأمين إلى مدينة أبي جعفر ، وخرج ليلة الأحد لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة ، فوقع في أيدي أصحاب طاهر ، فأتوا به طاهرا ، فقتله ونصب رأسه على الباب الحديد ، ثم أنزله وبعث رأسه إلى خراسان ، ودفن جثته في بستان مؤنسة . ويقال : إن المأمون لما رأى رأسه بكى واستعبر ، وذكر له أياما محمودة وجميلا أسداه إليه في أيام الرشيد .
    وأما المأمون فبايع لعلي الرضا بن موسى بن جعفر بولاية عهده ، في شهر رمضان


    “ 83 “

    سنة إحدى ومائتين ، ولبس الخضرة . فمات علي الرضا سنة ثلاث ومائتين ، وادعى إبراهيم بن المهدي لنفسه بالخلافة ، وهو عم المأمون ، ولقب نفسه المبارك ، وبويع له ببغداد ، سنة اثنين ومائتين ، وأقام أحد عشر شهرا وأياما ، ثم كان من أمره ما ذكرناه في هذا الكتاب .
    وفي سنة أربع ومائتين ، دعا المأمون إلى لباس السواد . وفي هذه السنة مات الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي اللّه عنه بمصر . وفي سنة اثنتي عشرة أظهر المأمون القول بخلق القرآن .
    وأما المتوكل ، فحظيّ في دولته أهل الأدب ، وظهر علي بن محمد صاحب الزنج في شوال سنة خمس وخمسين ومائتين ، وقتل في صفر سنة سبعين ومائتين في خلافة المعتمد .

    وكان المعتمد صاحب لذّات ، فجعل أخاه طلحة ولي عهده ، ولقبه الموفق ، وجعل إليه المشرق . وجعل ابنه جعفر ولي عهد ابنه ، ولقبه المفوض إلى اللّه عز وجل ، وجعل إليه المغرب . فغلب الموفق على الأمر ، وقام به أحسن قيام ، ومال الناس إليه ، واشتغل بقتال علي بن محمد ، صاحب الزنج . وكان المعتمد قد صار يريد مصر في جمادى الآخرة سنة تسع وستين ومائتين ، لمكاتبة جرت بينه وبين أحمد بن طولون ، فلما بلغ الموفق ذلك وهو في قتال علي بن محمد ، أنفذ إسحاق بن كنداج ، فردّه المعتمد ، وسلمه إلى صاعد بن مخلد ، فأنزله دار ابن الخطيب بسرّ من رأى ، وحجر عليه . ولقب الموفق إسحاق ذا السيفين ، وولاه أعمال ابن طولون . ولقب صاعد بن مخلد ذا الوزارتين . وجمع القضاة والفقهاء بدمشق ، فكلهم أفتوا بخلعه ، إلا بكار بن قتيبة فحبسه . وأمر الموفق بلعنة ابن طولون على المنابر . ثم مات أحمد بن طولون لعشر خلون من ذي القعدة سنة سبعين ومائتين . ومات ابنه العباس بعده باثنتي عشرة ليلة . وبلغنا أنه أحصي من قتله ابن طولون ، ومات بحبسه ، فكان مبلغه ثمانية عشر ألفا .

    ثم مات الموفق في صفر سنة ثمان وسبعين ومائتين ، فردّ المعتمد ولاية العهد إلى ابن الموفق ، وهو أحمد المعتمد ، وخلع ابنه جعفر . والمعتضد هو الذي أسقط المكوس التي كانت تؤخذ بالحرمين ، وتزوج قطر الندى بنت أحمد بن طولون سنة إحدى وثمانين ، وأصدقها ألف ألف . وأنفذ الحسين بن عبد اللّه الجوهري ، المعروف بابن الخصاص ، فحملها إليه في آخر هذه السنة .
    وفي أيام المقتدر باللّه بطل الحج سنة سبع عشرة وثلاثمائة ، وأخذ الحجر الأسود ،

    “ 84 “

    وذلك أن أبا طاهر سليمان بن الحسن القرمطي دخل مكة يوم التروية ، فقتل الحجاج قتلا ذريعا ، ورمى القتلى في زمزم ، وأخذ الحجر الأسود ، وعرّى الكعبة ، وقلع بابها . وبقي الحجر الأسود عندهم اثنين وعشرين سنة إلا شهرا ، ثم ردّوه لخمس خلون من ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ، وكان قد بذل لهم في رده خمسون ألف دينار ، فما فعلوا ، وقالوا : أخذناه بأمر ، فلا نرده إلا بأمر . وفي أيامه أيضا استولى عبيد اللّه المهدي على المغرب ، وبنى المهدية بإفريقية في سنة اثنين وثلاثمائة ، بعد أن ادعى له بأرض القيروان في شهر ربيع الآخر سنة تسع وتسعين ومائتين ، وكان ظهوره لسبع خلون من ذي القعدة سنة ست وتسعين ومائتين ، وفيها أخذ الحسين بن منصور الحلاج فقطعت يداه ورجلاه وجز رأسه وأحرق في ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة .
    حدثنا يونس ، حدثنا عبد الوهاب ، انا المبارك عبد الجبار ، انا أحمد بن علي الثوري ، انا عمر بن ثابت ، انا علي بن قيس ، عن أبي بكر القرشي ، عن محمد بن يحيى ، سمعت أبا عمر الخطاب يقول : دخل محمد بن واسع على بلال بن أبي بردة في يوم حار ، وبلال في حشمه ، وعنده الثلج ، فقال بلال : يا أبا عبد اللّه ، كيف ترى بيتنا هذا ؟
    قال : إن بيتك لطيّب ، والجنة أطيب منه ، وذكر النار يلهي عنه ، قال : ما تقول في القدر ؟
    قال : جيرانك من أهل القبور ، ففكر فيهم ، فإن فيهم شغلا عن القدر

    قال : ادع لي ، قال : وما تصنع بدعائي وعلى بابك كذا وكذا ، كلّ يقول : إنك ظلمتهم ، يرتفع دعاؤهم قبل دعائي ، لا تظلم ، ولا تحتاج إلى دعائي .
    ومن كلام الحسن البصري : عجبا لقوم أمروا بالزاد ، ونودي فيهم بالرحيل ، وحبس أولهم عن آخرهم ، وهم قعود يلعبون . يا ابن آدم ، السكين تحدّ ، والتنور يسحر ، والكبش يعتلف ، كفى بالتجاريب تأديبا ، وبتقلب الأيام عظة ، وبذكر الموت زاجرا عن المعصية ، ذهبت الدنيا بحال أولها ، وبقيت الأيام قلائد في الأعناق ، إنكم تسوقون الناس ، والساعة تسوقكم ، وقد أسرع بخياركم ، فما ذا تنتظرون المعاينة .

    وكان قد حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو الفرح بن علي بن محمد ، انا المبارك بن علي الصيرفي ، انا علي بن محمد العلاف ، انا عبد الملك بن بشران ، انا أحمد بن إبراهيم الكندي ، أنا أبو بكر محمد بن جعفر ، حدثنا أبو الفضل الربعي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن الهيثم بن عدي ، قال : كانت لفاطمة بنت عبد الملك بن مروان زوجة عمر بن عبد العزيز جارية حسناء ، كان عمر يهواها ، فطلبها منها لنفسه ، وحرص في ذلك ، فأبت عليه ، وغارت من ذلك ، ولم يزل عمر مشغوفا بها . فلما أفضت الخلافة إليه ،


    “ 85 “



    طلبت فاطمة زوجته الحظوة عنده بتقريب الجارية إليه ، فأمرت بإصلاح شأنها ، وأدخلتها عليه في أحسن صورة ، وقالت له : يا أمير المؤمنين ، إنك كنت بفلانة جاريتي معجبا ، وسألتنيها فأبيت ذلك عليك ، وأنا اليوم قد طبت نفسا بذلك ، فدونكها .
    فسرّ عمر بقولها ، وظهر الفرح في وجهه ، وازداد بها عجبا ، وفيها صبابة ، فقال لها : ألق ثوبك أيتها الجارية .
    فلما همت ، قال لها : على رسلك ، أخبريني لمن كنت ومن أين أنت لفاطمة ؟ قالت : كان الحجاج بن يوسف أغرم عاملا كان له من أهل الكوفة مالا ، وكنت في رق ذلك العامل ، فأخذني وبعثني إلى عبد الملك بن مروان ، وأنا يومئذ صبية ، فوهبني عبد الملك لابنته فاطمة . فقال : وما فعل ذلك العامل ؟ قالت : هلك . قال : وما ترك ولدا ؟
    قالت : بلى .
    قال : وما حالهم ؟ قالت : سيّئ . قال : شدي عليك ثوبك . ثم كتب إلى عبد الحميد عامله أن سرّح إلي فلان ابن فلان على البريد . فلما قدم عليه قال : ارفع إلي جميع ما أغرم الحجاج أباك ، فما رفع إليه شيئا إلا دفعه ، ثم أمر بالجارية فدفعت إليه ، فلما أخذها بيدها ، قال : إياك وإياها ، فإنك حديث السن ، ولعل أباك أن يكون قد وطئها . فقال الغلام : يا أمير المؤمنين ، هي لك .

    قال : لا حاجة لي فيها . قال : فابتعها مني .
    قال : لست إذا ممن ينهى النفس عن الهوى .
    فمضى بها الفتى . فقالت له الجارية : فأين وجدك بي يا أمير المؤمنين ؟ ف
    قال : على حالها ، ولقد ازدادت . فقيل : إنها ما زالت في نفس عمر حتى مات ، رحمه اللّه
    روينا من حديث ابن أبي الدنيا ، عن محمد بن الحسن ، عن يوسف بن الحكم ، عن عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك ، قال : بكى عمر بن عبد العزيز يوما ، فبكت لبكائه زوجته فاطمة ، فبكى أهل الدار ، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء ، فلما انجلت عنهم عبراتهم ، قالت له فاطمة : يا أمير المؤمنين ، ممّ بكيت ؟ قال : ذكرت منصرف القوم من بين يدي اللّه عز وجل ، فريق في الجنة ، وفريق في السعير . ثم صرخ وغشي عليه .
    بلغني عن عطاء أنه قال : كان عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته يجمع الفقهاء كل ليلة ، فيتذاكرون الموت والقيامة ، وما أعد اللّه في الآخرة ، ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة .

    وحدثنا يوسف في آخرين ، قالوا : حدثنا ابن بطيء ، عن حميد بن أحمد ، عن أبي نعيم ، عن أبي محمد بن حبان ، عن ابن محمد بن عمر ، عن أبي بكر بن عبيد ، حدثني حاتم بن عبد اللّه الأزدي ، عن الحسن بن محمد الخزاعي ، عن رجل من ولد عثمان ، أن عمر بن عبد العزيز قال في بعض خطبه : إن لكل سفر زادا لا محالة ، فتزوّدوا لسفركم من


    “ 86 “


    الدنيا إلى الآخرة التقوى ، وكونوا كمن عاين ما أعد اللّه من ثوابه وعقابه ، ترغبوا وترهبوا ، ولا يطولن عليكم الأمد ، فتقسى قلوبكم ، فو اللّه ما بسط أمل من لا يدري ، لعله لا يصبح بعد مسائه ، ولا يمسي بعد صباحه ، ولربما كانت بين ذلك خطفات المنايا ، فكم رأيتم ورأيت من كان في الدنيا مغرورا ؟

    وإنما تقرّ عين من وثق بالنجاة من عذاب اللّه ، وإنما يفرح من آمن من أهوال يوم القيامة ، فأما من لا يداوى كلما إلا أصابه جرح من ناحية أخرى ، نعوذ باللّه أن آمركم بما أنهي عنه نفسي ، فتخسر صفقتي ، لقد عنيتم بأمر ، لو عنت به النجوم لانكدرت ، ولو عنت به الجبال لذابت ، ولو عنت به الأرض لانشقّت ، أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة ؟ وإنكم صائرون إلى إحداهما .

    قال أبو سليم الهذليّ : خطب عمر بن عبد العزيز ، فقال : أما بعد ، فإن اللّه عز وجل لم يخلقكم عبثا ، ولم يدع شيئا من أمركم سدى ، فإن لكم معادا ينزل اللّه فيه الحكم بينكم ، فخاب وخسر من خرج من رحمة اللّه ، وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض ، واشترى قليلا بكثير ، وفانيا بباق ، وخوفا بأمن ، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين ؟

    وسيخلفها لكم الباقون ، كذلك حتى نردّ إلى خير الوارثين ، في كل يوم وليلة تشيعون غاديا ورائحا إلى اللّه عز وجل ، قضى نحبه ، وانقضى أجله ، حتى تغيّبوه في صدع من الأرض ، في بطن صدع ، ثم تدعوه غير ممهد ولا موسّد ، قد خلع الأسباب ، وفارق الأحباب ، وسكن التراب ، وواجه الحساب ، مرتهنا بعمله ، فقير إلى ما قدم ، غنيا عما ترك ، فاتقوا اللّه قبل نزول الموت ، وأيم اللّه ، إني لا أقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب ما عندي ، وما يبلغني عن أحد منكم حاجة إلا أحببت أن أسدّ من حاجته ما قدرت عليه ، وما يبلغني أن أحدا منكم لا يسعه ما عندي إلا وددت أن يمكنني تغييره حتى يستوي عيشنا وعيشه ، وأيم اللّه ، لو أردت غير ذلك من الغضارة والعيش ، لكان اللسان مني به ذلولا عالما بأسبابه ، ولكن سبق من اللّه عز وجل كتاب ناطق ، وسنّة عادلة ، دل فيها على طاعته ، ونهى فيها عن معصيته . ثم وضع طرف ردائه على وجهه ، وبكى وشهق ، وبكى الناس ، فكانت آخر خطبة خطبها .
    حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن ، عن علي بن محمد بن أبي عمر ، عن محمد بن الحسن ، عن عبد الملك بن بشران ، عن أبي بكر الآجري ، عن الغرياني ، عن عمرو بن علي ، عن سفيان بن خليد الضبي ، عن سالم بن نوح العطار ، عن بشر بن البشري ، قال عمرو بن علي : حججت ، فقيل : إن بمكة بشر بن البشري ، فأتيته ، فسألته ، فحدثني عن بشر بن البشري ، عن أبي سليم الهذلي ، وذكره .



    “ 87 “

    وحدثنا يونس بن يحيى ، عن محمد بن أبي منصور ، عن رزق اللّه ، وطراد هو الزبير ، وكلاهما عن علي بن محمد المعدل ، عن الحسن بن صفوان ، عن عبد اللّه بن محمد بن عبيد ، عن أبي محمد العبدي ، عن عبيد اللّه بن محمد القرشي ، عن ابن أبي شميلة ،
    قال : دخل رجل على عبد الملك بن مروان ممن كان يوصف بالعقل والأدب ،
    فقال له عبد الملك بن مروان : تكلم ، فقال : بما أتكلم وقد علمت أن كل كلام يتكلم به المتكلم عليه وبال إلا ما كان للّه . فبكى عبد الملك ، ثم قال : يرحمك اللّه ، لم يزل الناس يتواعظون ويتواصون .
    فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، إن للناس في القيامة جولة لا ينجو من غصص مرارتها ، ومعاينة الردى ، إلا من أرضى اللّه بسخط نفسه .
    قال : فبكى عبد الملك ، ثم قال : لا جرم ، لأجعلن هذه الكلمات مثالا نصب عيني ما عشت أبدا .

    وروينا من حديث أبي نعيم ، عن أبي بكر بن مالك ، عن عبيد اللّه بن أحمد بن حنبل ، قال : أخبرت ، عن يسار ، عن جعفر ، عن مالك بن دينار ، قال : كنت عند بلال بن أبي بردة ، وهو في قبة له ، فقلت : قد أصبت هذا خاليا ، فأي قصص أقص عليه ؟ فقلت في نفسي : ما له خير من أن أقص عليه ما لقي نظراؤه من الناس ،
    فقلت له : أتدري من بنى هذا الذي أنت فيه ؟ قال : بناها عبيد اللّه بن زياد ، فقلت : وبنى البيضاء ، وبنى المسجد ، فولّي ما ولّي ، ثم قتل ، ثم ولّي بشر بن مروان ، فقتله أخوة أمير المؤمنين ، فدفنوه . وذهب بالزنجي ، فمات بالبصرة ، فحملوه . ومات زنجي ، فحمله الزنج . فذهب بأخي أمير المؤمنين ، فدفنوه . ثم جعلت أقص عليه أميرا أميرا ، حتى انتهيت إليه ، فأثّر ذلك فيه ، وبكى بكاء شديدا .

    قصة الشعبي والحسن البصري مع عمرو بن هبيرة والي العراق
    حدثنا يونس بن يحيى في آخرين ، قال : انا محمد بن ناصر ، انا عبد القادر بن محمد ، ثنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، انا علي بن عبد العزيز ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا أبو حميد الحمصي ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن عطاء ، عن علقمة بن مرّة ، قال : لما قدم عمرو بن هبيرة العراق ، أرسل إلى الحسن والشعبي ، وأمر لهما ببيت ، فكانا فيه شهرا أو نحوه . ثم إن الخصي غدا عليهما ذات يوم ، فقال : إن الأمير داخل عليكما .

    فجاء عمرو متوكئا على عصا له ، فسلّم ، ثم جلس معظما لهما ، فقال : إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك كتب إليّ كتبا أعرف أن في إنفاذها الهلك ، فإن أطعته عصيت اللّه ، وإن عصيته أطعت اللّه ، فهل تريا لي في متابعتي إياه فرجا ؟ فقال الحسن للشعبي : يا أبا عمرو ،



    “ 88 “


    أجب الأمير . فتكلم الشعبي بكلام يريد به إبقاء وجه عنده . فقال ابن هبيرة : ما تقول أنت يا أبا سعيد ؟ فقال : أيها الأمير ، قد قال الشعبي ما قد سمعت به ،
    قال : ما تقول أنت يا أبا سعيد ؟ قال : أقول : يا عمرو بن هبيرة ، أوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة اللّه ، فظّ ، غليظ ، لا يعصي اللّه ما أمره ، فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك .
    يا عمرو بن هبيرة ، لا تأمن أن ينظر اللّه إليك على قبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك ، فيغلق به باب المغفرة دونك . يا عمرو بن هبيرة ، لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة ، كانوا عند هذه الدنيا ، وهي مقبلة ، أشد إدبارا من إقبالكم عليها ، وهي مدبرة .
    يا عمرو بن هبيرة ، إني أخوّفك مقاما خوّفكه اللّه عز وجل ، فقال :ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ. يا عمرو بن هبيرة ، إن تكن مع اللّه في طاعته ، كفاك يزيد بن عبد الملك ، وإن تكن مع يزيد على معاصي اللّه ، وكّلك اللّه إليه . فبكى عمرو بن هبيرة ، وقام بعبرته .

    فلما كان من الغد ، أرسل إليهما ، فأدناهما وأجازهما ، فأكثر جائزة الحسن ، وأنقص جائزة الشعبي . فخرج الشعبي إلى المسجد ، فقال : أيها الناس ، من استطاع منكم أن يؤثر اللّه على خلقه فليفعل ، فوالذي نفسي بيده ، ما علم الحسن شيئا منه فجهلته ، ولكني أردت ابن هبيرة ، فأقصاني اللّه منه .
    وبلغني أن عمر بن عبد العزيز لما ولّي الخلافة ، أخذ إقطاع أمير كبير كان أقطعه إياها سليمان بن عبد الملك ، والوليد بن عبد الملك ، فلما مات عمر بن عبد العزيز وولّي يزيد بن عبد الملك ، جاء الأمير إليه ،

    فقال له : إن أخاك سليمان أمير المؤمنين والوليد أقطعاني شيئا قطعه عني أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه ، فأريد منك أن تردّه عليّ . قال يزيد : لا أفعل . قال : ولم ؟ قال : لأن الحق فيما فعل عمر بن عبد العزيز .
    قال : وبم ذلك ؟ قال : لأن أخواي أحسنا إليك وذكرتهما ، وما دعوت لهما ، وعمر بن عبد العزيز أساء إليك وذكرته فترضّيت عنه ، فعلمت أن عمر آثر اللّه على هواه ، وأما سليمان والوليد آثرا هواهما على حق اللّه . فو اللّه لا رأيته مني أبدا . وهذا من أحسن ما يحكى عن الثقات أولات الأمر ا ه . والحمد للّه حق حمده .

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 05:21