الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء الرابع
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 58 “
أمية ، وغلب على كل ناحية من الأندلس أميرها ، وصار بعضها لرجل من بني الحسن رضي اللّه عنه يلقب بالمأمون .خلافة أبي العباس السفاح
واسمه عبد اللّه بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب . وأمه ريطة بنت عبيد اللّه بن عبد المدان الحارثي .
بويع بالكوفة يوم الخميس بيعة الخاصة ، ومن غد يوم الجمعة بيعة العامة ، لثلاث ليال خلت من ربيع الأول سنة اثنين وثلاثين ومائة . نقش خاتمه : اللّه ثقة عبد اللّه وبه يؤمن .
حاجبه مولاه أبو غسان ، وزيره وكاتبه أبو الجهم ، صاحب شرطته عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي ، أصحاب مشورته أخوه أبو جعفر المنصور ، وأبو مسلم ، وقحطبة بن شبيب ، والحسن وحميد ابنا قحطبة ، على الحرب .
مات بالجدري بالأنبار من مدينته التي بناها وسمّاها الهاشمية ، وكانت وفاته يوم الأحد لثلاث عشر خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة ، وقد بلغ ثلاثا وثلاثين سنة .
وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر . عهد إلى أخيه أبي جعفر المنصور . وكان قاضيه ابن أبي ليلى .خلافة أبي جعفر المنصور
واسمه عبد اللّه بن محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب . وأمه سلامة بنت بشير البربرية . قدم من مكة إلى بغداد ، وقد أخذت له البيعة . نقش خاتمه : اتق اللّه فإنك ترد فتعلم .
حاجبه عيسى بن نجيح ، وزيره سليمان بن مخلد الأهوازي . مات ببئر ميمون خارج مكة محرما من وجع البطن ، ودفن على باب الشغب بالحجون ، وقد بلغ أربعا وستين سنة ، وكنت خلافته اثنين وعشرين سنة إلا سبعة أيام .
وكانت بيعته سنة ست وثلاثين ومائة ، ومات سنة ثمان وخمسين ومائة . وعهد إلى ابنه المهدي في السادس من ذي الحجة . وكانت ولايته في ذي الحجة .
“ 59 “
خلافة المهدي محمد بن جعفر المنصور
وأمه أم موسى بنت منصور بن يزيد الحميريّ . بويع بعهد من أبيه له سنة ثمان وخمسين ومائة .
ومات سنة تسع وستين ومائة من المحرّم ، وصلى عليه ولده الرشيد . وقد بلغ ثلاثا وأربعين سنة ، فكانت ولايته عشر سنين وشهرا ونصفا .
نقش خاتمه : حسبي اللّه ، حاجبه الربيع بن يونس ، قاضيه عبد اللّه بن علاقة وعاقبة بن يزيد ، كاتبه أبو الجهم والفضل بن الربيع وسلامة الأبرش .خلافة أبي موسى الهادي بن محمد المهدي
وأمه الخيزران مولدة جرش ، وهي بنت عطاء مولى أبيه ، وهي أم الخلفاء . بويع بعهد من أبيه سنة تسع وستين ومائة ، ومات سنة سبعين ومائة .
وقد بلغ خمسة وعشرين سنة ونصف ، وصلى عليه أخوه هارون ، فكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة وعشرين يوما .
نقش خاتمه : موسى يؤمن باللّه . قاضيه بالجانب الغربي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ، وبالجانب الشرقي سعيد بن عبد الرحمن الجمحي .
حاجبه الفضل بن الربيع ، كاتبه ووزيره إبراهيم بن المهدي والربيع بن يونس ثم عمر بن الربيع .خلافة أبي جعفر هارون الرشيد بن محمد المهدي
وأمه الخيزران . نقش خاتمه : العظمة والقدرة للّه عز وجل . وزيره جعفر بن يحيى بن برمك ، حاجبه قيس بن ميمون ، ثم حاجبه محمد بن خالد بن برمك .
بلغ عمره أربعا وأربعين سنة وخمسة أشهر ، وولي سنة سبعين ومائة ، وذلك ليلة الجمعة لأربع عشرة خلت من ربيع الأول . وفي هذه الليلة ولد المأمون ، وكان خليفة .
وتوفي موسى الهادي ومات سنة ثلاث وتسعين ومائة ، ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة ، وصلى عليه ابن صالح .
وكانت خلافته بعد أخيه ثلاثا وعشرين سنة وشهرا وثمانية أيام .
“ 60 “
قضاته : نوح بن دراج ، وحفص بن غياث ، والحسين بن الحسن العوفي ، وعون بن عبد اللّه المسعودي ، ومحمد بن سماعة ، وشريك بن عبد اللّه ، وعلي بن حرملة .خلافة أبي عبد اللّه محمد الأمين بن هارون الرشيد
وأمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور . نقش خاتمه : لكل عمل ثواب .
حاجبه الفضل بن الربيع ، وزيره إبراهيم بن المهدي .
قتله طاهر بن الحسين في قصة طويلة ببغداد ، ودفن بها في سنة ثمان وتسعين ومائة ، وقد بلغ سبعا وعشرين سنة .
وكانت بيعته سنة ثلاث وتسعين ومائة ، فكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وثلاثة وعشرين يوما . قاضيه إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة ، وأبو البحتري وهب بن وهب ، ومحمد بن سماعة .
ولم يكن في الخلفاء من أمّه هاشمية سوى علي بن أبي طالب والحسن والحسين والأمين هذا .خلافة أبي العباس عبد اللّه المأمون بن هارون الرشيد
وأمه من أهل البادية . نقش خاتمه : الموت حق . كاتبه أحمد بن أبي خالد الأحول وأحمد بن يوسف ، وزيره الحسن بن سهل والفضل بن سهل ذو الرئاستين ، حاجبه مولاه رشيد .
مات بطرطوس سنة ثمان عشرة ومائتين ، وبويع سنة ثمان وتسعين ومائة . بلغ عمره ثمانية وأربعين سنة .
كانت خلافته عشرين سنة وخمسة أشهر وأحد وعشرين يوما . قاضيه محمد بن عمر الواقدي ، ثم محمد بن عبد الرحمن المخزومي ، ثم بشر بن الوليد ، ثم يحيى بن أكثم .خلافة أبي إسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد
أمه مارية بنت شبيب . نقش خاتمه : سل اللّه يعطيك ، وقيل : اللّه ثقة أبي إسحاق بن الرشيد وبه يؤمن .
“ 61 “
حاجبه مولاه وصيف التركي ، وزيره الفضل بن مروان ، وأحمد بن عمارة ، ومحمد بن عبد الملك الزيات .
بويع سنة ثمان وعشرة ومائتين بسرّ من رأى . مات بقصره الخاقاني ، ودفن بها سنة سبع وعشرين ومائتين ، وقد بلغ ثمانية وأربعين سنة . وكانت خلافته ثمان سنين وثمانية أشهر ويومين .
قاضيه شعيب بن سهل بن محمد بن سماعة ، وعبد اللّه بن غالب ، وأحمد بن داود الأباري ، وقاضي القضاة جعفر بن عيسى من ولد الحسن البصري .خلافة أبي جعفر هارون الواثق بن محمد المعتصم
أمه مولدة ، يقال لها : قراطيس . نقش خاتمه : لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه . حاجبه إيتاخ التركي ثم وصيف ، مولاه أحمد بن عمارة . قاضيه أحمد بن داود ، وزيره محمد بن عبد الملك الزيات .
بويع يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين ، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام بسرّ من رأى ، وقد بلغ عمره ستا وثلاثين سنة .
وكان موته سنة ثلاث وثلاثين ومائتين لست بقين من ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين .خلافة أبي الفضل جعفر المتوكل بن محمد المعتصم
وأمه خوارزمية ، يقال لها : شجاع . نقش خاتمه : المتوكل على اللّه . وزيره عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان ومحمد بن عبد الملك الزيات ومحمد بن الفضل الجرجاني ، قاضيه يحيى بن أكثم وجعفر بن محمد البرجي وجعفر بن عبد اللّه بن جعفر بن سليمان العباسي ، حاجبه زرافة ووصيف وغيرهما . قتل بسرّ من رأى ودفن بها ، وقد بلغ ثلاثا وأربعين سنة . كانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أيام . بويع لست بقين من ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين ومائتين .
وقتل ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين .خلافة أبي جعفر محمد المنتصر بن جعفر المتوكل
وأمه رومية ، يقال لها : حبشية . نقش خاتمه : محمد بن جعفر . مات بسرّ من رأى
“ 62 “
بوجع ذات الجنب ، وقد بلغ عمره أربعا وعشرين سنة وإحدى عشر شهرا وخمسة أيام . كانت خلافته ستة أشهر ويومين . بويع يوم الأربعاء لست خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ، وتوفي ليلة السبت لعشر خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين ، وصلى عليه المستعين . وقيل : نقش خاتمه : يؤتى الحذر من مأمنه .
وقيل : أنا من آل محمد ، اللّه وليّي ومحمد . حاجبه وصيف ومرزبان وغيرهما ، قاضيه جعفر الهاشمي .خلافة أبي العباس المستعين أحمد بن المعتصم
وأمه سقلابية ، يقال لها : محارفة . نقش خاتمه : أحمد بن محمد . حاجبه قامس ، كاتبه أحمد بن الخصيب ، بلغ عمره سبعا وأربعين سنة . كانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أيام . بويع له يوم الاثنين لأربع خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين . خلع نفسه لأربع خلون من المحرم سنة اثنين وخمسين ومائتين . وفي هذه السنة قتل قاضيه أحمد بن أبي الشوارب ، وقيل : محمد بن وزير الواسطي .خلافة أبي عبد اللّه المعتز الزبير بن جعفر المتوكل
أمه فتيحة . نقش خاتمه : الزبير بن جعفر . حاجبه صالح بن وصيف ، وزيره أحمد بن إسرائيل ، قتله حاجبه صالح بسرّ من رأى وطرحه في دجلة ، وقد بلغ سبعا وأربعين سنة . خلافته أربع سنين وستة أشهر ونصف . بويع له ببغداد سنة اثنين وخمسين ومائتين . قال بعضهم : ثم خلع نفسه مكرها لثلاث بقين من رجب سنة خمس ومائتين ، واختلف في كيفية موته . قاضيه الحسن بن أبي الشوارب .خلافة أبي جعفر المهتدي بن هارون الواثق
أمه أم ولد ، يقال لها : قرب . نقش خاتمه : المهتدي باللّه يثق . حاجبه صالح بن داود . قتله خير بك التركي وشرب دمه ، ودفن بسرّ من رأى وقد بلغ اثنين وأربعين سنة .
وكانت خلافته سنة واحدة إلا ثلاثة عشر يوما . بويع لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين . وحبس في رجب سنة خمس ، وقيل : سنة ست وخمسين .
“ 63 “
وأمه رومية ، يقال لها : فينان . وكان القائم بأمر المملكة أخوه أبو أحمد طلحة الموفق . ووزيره إسماعيل بن بلال ، حاجبه خفيف السمرقندي . سقي شربة فمات ، ودفن ببغداد ، وقد بلغ اثنين وخمسين سنة . كانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ويومين . بويع لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين ، وتوفي ببغداد ليلة الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وتسعين ومائتين . قاضيه الحسن بن أبي الشوارب ، ثم أخوه علي بن محمد .
خلافة أبي العباس أحمد المعتضد بن طلحة الموفق بن جعفر المتوكل
وأمه رومية ، يقال لها : ضرار ، ثم سمّاها الموفق : الخفير . وزيره عبيد اللّه بن سليمان ، حاجبه صالح الأمين . نقش خاتمه : توكل تكف . صاحب شرطته مؤنس الفحل .
بلغ عمره إحدى وأربعين سنة . كانت خلافته تسع سنين وسبعة أشهر وثلاثة أيام . ولّي سنة ثمانين ومائتين ، ومات سنة تسع وثمانين ومائتين .
خلافة أبي محمد علي المقتفي بن أحمد المعتضد
وأمه رومية ، يقال لها : نشيج . كان أمير الرقة . أخذ له البيعة ببغداد القاسم بن عبد اللّه ، وكتب إليه بذلك ، فانحدر من الرقة . نقش خاتمه : علي بن المعتضد . حاجبه مولاه سوسن ، وزيره القاسم بن عبد اللّه ، قاضيه أبو حازم ، ثم يوسف ، ثم يعقوب ، ثم أبو عمر ، ثم علي بن أبي الشوارب . وقد بلغ عمره ثلاثا وستين سنة وعشرين يوما . كانت بيعته لسبع بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين ، ومات سنة خمس وتسعين ومائتين لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة . كانت خلافته ست سنين وستة أشهر وعشرين يوما .
خلافة أبي الفضل جعفر المقتدر بن أحمد المعتضد
وأمه رومية ، يقال لها : شعب . نقش خاتمه : جعفر يثق باللّه . وزيره العباس بن الحسن ، واستوزر جماعة منهم الفضل بن جعفر بن المهدي بن الفرات المعروف بابن الخيزرانة ، حاجبه نصر القسوري . قتله يونس الخادم مولاه خارج بغداد ، ودفن ببغداد ،
“ 64 “
وقد بلغ عمره سبعا وثلاثين سنة إلا سبعة أيام ، وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا سبعة عشر يوما . كانت بيعته في ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين ، وقتل في شوال سنة عشرين وثلاثمائة . عمره يوم بويع له ثلاثة عشر سنة . قضاته جماعة منهم : يوسف بن يعقوب ، وابنه عمر محمد بن يوسف ، وعبد اللّه بن أبي الشوارب وغيرهم .
خلافة أبي منصور محمد القاهر بن أحمد المعتضد
أمه مولدة ، يقال لها : فنون . وزيره أحمد بن عبيد اللّه الحصيني . حاجبه مولاه .
نقش خاتمه : يا أملي اختم بخير عملي . قبض عليه ، وكحل حتى عمي ، وخلع من الخلافة ، وقد بلغ عمره خمسا وثلاثين سنة . وكانت خلافته سنة ونصف وثمانية أيام . بويع له يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين وثلاثمائة . قاضيه عمر بن محمد بن يوسف . وكان من وزرائه أبو علي بن مقلة .
خلافة أبي العباس محمد الراضي بن جعفر المقتدر
أمه رومية ، يقال لها : ظلوم . نقش خاتمه : منّ بالرضا . وزيره أبو علي محمد بن علي بن مقلة وجماعة غيره .
حاجبه مولاه ذكي الرومي ، صاحب شرطته لؤلؤ . مات ودفن ببغداد ، وقد بلغ عمره ثلاثا وثلاثين سنة وعشرة أشهر وتسعة أيام . بويع له يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الأولى سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة ، وتوفي ليلة السبت لستة عشر ليلة خلت من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة . قاضيه عمر بن محمد بن يوسف ، وأبوه يوسف بن عمر . وفي أيام الراضي مات مجاهدا في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة ، ومولده سنة خمس وأربعين ومائتين ، رحمه اللّه .
خلافة أبي إسحاق إبراهيم المتقي بن جعفر المقتدر
أمه رومية ، يقال لها : حلوب . بويع بعد أخيه الراضي بسبعة أيام . نقش خاتمه :
كفى باللّه معينا . وزيره محمد بن أحمد بن ميمون ، والقائم بأمره سعيد بن شكلي ، حاجبه سلامة أخو نجح . قبض عليه بودون التركي ، وكحل عينيه حتى عميا ، وخلعه من الخلافة ، وقد بلغ أربعا وثلاثين سنة ، وكانت خلافته ثلاث سنين وأحد عشر يوما أو يومين . وكان
“ 65 “
بويع يوم الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وخلع يوم السبت لعشر بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، وتوفي في خلافة المطيع في شعبان سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ، وعمره إذ ذاك ستون سنة . قاضيه أبو نصر يوسف بن عمر وغيره .
خلافة أبي القاسم عبد اللّه المستكفي بن علي المكتفي
أمه رومية ، يقال لها : غصن . وزيره أبو الفرج محمد بن علي السامري ، حاجبه أحمد بن خاقان . نقش خاتمه : عبد اللّه بن المكتفي . قبض عليه ، وكحل حتى عمي ، وخلع من الخلافة ، وقد بلغ ستا وأربعين سنة ، وكانت خلافته سنة واحدة وأربعة أشهر وأربعة عشر يوما . بويع له لعشر بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، ومات في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة .
خلافة أبي القاسم الفضل المطيع للّه بن جعفر المقتدر
بويع يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخر سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة . وأمه سقلابية ، يقال لها : مشقلة . نقش خاتمه : باللّه المطيع للّه . وزيره محمد بن يحيى بن شيراز ، أخو القائم بأمر مملكته أبو الحسين أحمد بن بويه الديلمي معز الدولة الأقطع ، ثم وزر له المهلّبي . حاجبه عبد الواحد بن عمرو الشرابي . ولّي تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وأحد عشر يوما ، ثم فلج ، فخلع نفسه غير مستكره ، وولّى ابنه المطيع للّه ، ومات لثمان بقين من المحرم سنة أربع وستين وثلاثمائة ، وله ثلاث وستون سنة . قاضيه محمد بن أبي الشوارب وغيره .
خلافة المطيع للّه واسمه عبد الكريم ويكنى أبا بكر
بايعه أبوه المطيع بعد أن خلع نفسه غير مستكره يوم الأربعاء ، ثالث عشر من ذي القعدة ، سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، وقبض عليه بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة يوم السبت لاثني عشر ليلة خلت من شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، وخلع نفسه بعد أن بويع للقادر . وكانت خلافته تسعة عشر سنة وتسعة عشر شهرا وتسعة أيام . ومات يوم الثلاثاء سلخ رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ، ودفن بالرصافة .
“ 66 “
خلافة القادر باللّه أحمد بن إسحاق بن جعفر المقتدر ويكنّى أبا العباس
وهو ابن عم المطيع ، بويع له يوم السبت لاثني عشرة ليلة خلت من رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، ومات في الحادي عشر من ذي الحجة ، سنة اثنين وعشرين وأربعمائة ، وله ستة وثمانون سنة .
وكانت خلافته إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر .
خلافة القائم بأمر اللّه
وهو ابن القادر ، واسمه عبد اللّه بن أحمد بن إسحاق بن جعفر المقتدر . أمه بدر الدّجى . ولد عبد اللّه القائم هذا يوم الخميس ، ثامن عشر ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة .
بويع له بالخلافة في ذي الحجة سنة اثنين وعشرين وأربعمائة ، وكان سنّه يومئذ إحدى وثلاثون سنة ، وكان والده قد عهد له في حياته .
وتوفي القائم يوم الخميس ثاني عشر ، وقيل : ثالث عشر من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة . وكانت خلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أشهر .
خلافة المقتدي بن القائم باللّه
واسمه المقتدي بأمر اللّه عبد اللّه بن محمد القائم بأمر اللّه ، ويكنى أبا القاسم . بويع له بالخلافة يوم الخميس ثالث عشر شعبان من سنة سبع وستين وأربعمائة ، وله يومئذ تسع سنين ، وكان والده أبو العباس بن القائم عهد إليه . توفي المقتدي ببغداد في المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة ليلة السبت ، فكانت خلافته عشرين سنة وأربعة أشهر وثمانية عشر يوما .
خلافة المستظهر بن المقتدي ، واسم المستظهر أحمد بن عبد اللّه
ويكنى أبا العباس . بويع له بالخلافة يوم الثلاثاء من المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة بين الظهر والعصر ، وصلى بالناس الظهر ، ثم صلى عليه ابنه المقتدي . وكان سن المستظهر يوم بويع له ودفن أبوه ست عشر سنة وشهرين وتسعة عشر يوما ، لأن مولده كان يوم السبت لعشرين من شوال سنة سبعين وأربعمائة .
“ 67 “
خلافة المسترشد باللّه واسمه الفضل بن أحمد ويكنى أبا المنصور
بويع له بالخلافة يوم الخميس رابع عشر من ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ، وكان له سبع وعشرون سنة ، لأن مولده كان ليلة الأربعاء رابع ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، ثم ولي بعده ابنه الراشد باللّه .
خلافة الراشد باللّه بن المسترشد
واسمه منصور بن الفضل بن أحمد ، ويكنى أبا العباس . بويع له في ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة . ثم ولي بعده عمه المقتفي لأمر اللّه .
خلافة المقتفي لأمر اللّه
واسمه محمد ، ويكنى أبا عبد اللّه ، وهم عم الراشد . بويع له بالخلافة يوم الأربعاء الثامن عشر من ذي القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة .
خلافة المستنجد باللّه بن المقتفي
واسمه يوسف ، ويكنى أبا المظفر . بويع له يوم الاثنين ثالث ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمسمائة . حدثنا عبد الرحمن بن علي كتابة قال : حدثني أبو المظفر الوزير قال : حدثني أمير المؤمنين المستغني باللّه قال : رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المنام منذ خمس عشر سنة ، فقال لي : « يبقى أبوك في الخلافة خمس عشر سنة » . فكان كما قال . قلت : وفي زمان هذا الخليفة ولدت أنا بمرسية ، في دولة السلطان أبي عبد اللّه محمد بن سعد بن مرديس بالأندلس ، فكنت أسمع الخطيب يوم الجمعة يخطب بالمسجد باسم المستنجد باللّه .
ثم ولي بعده ولده المستغني باللّه .
خلافة المستغني باللّه
واسمه الحسن بن يوسف بن محمد . بويع له البيعة العامة في يوم الأحد تاسع ربيع الأول سنة ستة وستين وخمسمائة ، وخطب له السلطان بمرسية بالأندلس .
“ 68 “
خلافة سيدنا ومولانا الناصر لدين اللّه
أمير المؤمنين أبي العباس أحمد ابن الإمام الحسن ابن الإمام يوسف ابن الإمام محمد . بويع له في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة .
ونحن اليوم في شوال سنة إحدى عشر وستمائة ، أبقى اللّه عمر سيدنا ومولانا أمير المؤمنين ، وكان قد عقد لولده أبي نصر محمد ، ثم إنه استقال منه ، فأقاله أمير المؤمنين وأشهد على نفسه بالخلع من ولاية العهد لعجزه عنها ، ونزع اسمه من الخطبة وذلك سنة إحدى وستمائة . أخبرني بذلك الثقات وأنا بالموصل ، ولم يبق له اسم في الخطبة بعد الخلع في جميع البلاد إلا بلاد يونان ، فإنه بقي ذكره بعد الخلع قريبا من سنة ، لأنه أبى السلطان كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود أن يزيل اسمه بالاستفاضة من غير أمر من الديوان ، فلما أتى الأمر إليه أزال ذكره . يبقي اللّه عمر سيدنا أمير المؤمنين ويؤيده ويرشده لمصالح نفسه ومصالح المؤمنين ورعيته ، آمنين بعزّته . وتوفي آخر شهر رمضان سنة اثنين وعشرين وستمائة ، وولى ابنه محمد الظاهر في أمر اللّه الذي كان قد خلع نفسه ، وتوفي في رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة ، وكانت خلافته تسعة أشهر ، وولى بعده ابنه المستنصر أبو جعفر المنصور ، ويعرف بالقاضي ، أدام اللّه بقاه ، وهو الخليفة الآن حين تقييدي هذا .
روينا عن الحميدي ، عن محمد بن سلامة القضاعي ، عن منصور بن النعمان ، عن أبي مسلم الكاتب ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن دريد ، عن الحسن بن الخضر ، عن رجل من أهل بغداد ، عن المذكر أبي هشام ، قال : أردت البصرة فجئت إلى سفينة أكتريها وفيها رجل ومعه جارية . فقال الرجل : ليس هنا موضع . فسألته الجارية أن يحملني ، فحملني . فلما سرنا دعا الرجل بالغداء ، ثم قال : انزلوا ذلك الفقير ليتغدى . فأنزلت على أنني مسكين ، فلما تغدينا قال : يا جارية ، هاتي شرابك ، فشرب وأمرها أن تسقيني ، فقلت : رحمك اللّه ، إن للضيف حقا ، فتركني . فلما دبّ فيه النبيذ ، قال : يا جارية ، هاتي العود ، وهاتي ما عندك .
فأخذت العود ثم غنّت تقول :
وكنا كغصني بانة ليس واحد * يزول من الخلّان عن رأي واحد
تبدّل بي خلا فخاللت غيره * وخالفته لما أراد تباعدي
فلو أن كفّي لم تردني أبيتها * ولم يصطحبها بعد ذلك ساعدي
ألا قبّح الرحمن كل مماذق * يكون أخا في الخفض لا في الشدائد
ثم التفت إلي وقال : أتحسن مثل هذا ؟
فقلت : أحسن خيرا منه ،
فقرأت : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ ، فجعل يبكي ، فلما انتهيت إلى
“ 69 “
قوله تعالى : وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ، قال : يا جارية ، اذهبي فأنت حرة لوجه اللّه تعالى ، وألقى ما معه من الشراب في الماء ، وكسر العود ، ثم دنا إلي واعتنقني ، وقال : أترى اللّه يقبل توبتي ؟ فقلت : إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين ، قال : فآخيته بعد ذلك أربعين سنة حتى مات قبلي ، فرأيته في المنام فقلت : إلام صرت بعدي ؟ فقال : إلى الجنة ، فقلت : يا أخي ، بم صرت إلى الجنة ؟ قال : بقراءتك عليّ : وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ .
وذكر صاحب كتاب « أخبار الزمان » أن أبا بكر رضي اللّه عنه ، لما توفي غسّلته زوجته أسماء بنت عميس ، وصلى عليه عمر رضي اللّه عنهما ، وحمل على سرير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو سرير عائشة رضي اللّه عنها ، وكان من خشبتين ساجا منسوجا بالليف ، وبيع في ميراث عائشة رضي اللّه عنها بأربعة آلاف درهم ، فاشتراه مولى لمعاوية وجعله للمسلمين ، ويقال :
إنه بالمدينة . ودفن أبو بكر رضي اللّه عنه في حجرة عائشة ، ورأسه قبالة كتفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وفي خلافته فتحت بصرى صلحا ، وهي أول مدينة فتحت بالشام . ومات أبو قحافة بعد موت ابنه أبي بكر بسنة ، وقيل : سبعة أشهر ، وذلك في سنة أربع عشرة سنة ، ولم يولّ الخلافة من أبيه حيّ غير أبي بكر ومن ذكرنا من خلفاء بني العباس ممن خلع نفسه لعذر وولى ابنه كالمطيع للّه .
ومن أولاد أبي بكر الصدّيق : عبد اللّه وأسماء لأم واحدة ، وهي من بني عامر ابن لؤي . ومن أولاده أيضا : عبد الرحمن وعائشة لأم واحدة ، وهي أم رومان . ومن أولاده أيضا : محمد وأميمة من أسماء بنت عميس .
ذكر أهل التاريخ أن شريحا القاضي أقام خمسا وسبعين سنة في القضاء إلى أيام الحجاج ، تعطل منها ثلاث سنين ، امتنع من الحكم زمن فتنته .
ولما ولّي الحجاج الكوفة استعفاه فأعفاه . ومات سنة سبع وثمانين وله مائة سنة ، وقيل : مائة وعشرون سنة ، وقيل : مات سنة تسع وسبعين . ومات في خلافة عثمان العباس بن عبد المطلب في سنة اثنين وثلاثين وله ثمانون سنة . ويقال : إنه لم ير بنو أب أبعد قبورا من بنيه : عبد اللّه بن عباس بالطائف ، والفضل بالشام ، وعبيد اللّه بالمدينة ، وقثم بسمرقند ، وسعد بإفريقية . ومات عبد الرحمن بن عوف في سنة واحدة مع العباس ، وكان سنّ عبد الرحمن خمسا وخمسين سنة ، وأوصى من ماله لكل رجل بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار ، فكانوا يومئذ مائة رجل ، فقسمت تركته على ستة عشر سهما ، فكان كل سهم ثمانين ألف دينار .
وكان لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أربعة عشر ولدا ذكورا وثمانية إناث ، أعقب
“ 70 “
من أولاده : الحسن ، والحسين ، ومحمد ابن الحنفية ، وعمر ، والعباس .
وكان لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه من الأولاد : عبد اللّه ، وحفصة ، وعبيد اللّه ، وعاصم ، وفاطمة ، وزيد ، وأبو شحمة واسمه عبد الرحمن وهو الذي حدّ في الشراب فمات .
والذي حفظت من أولاد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه : عبد اللّه الأكبر وعبد اللّه الأصغر من رقية ، وعمر ، وأبان ، وخالد ، وعمر ، وسعيد ، ومغيرة ، وأم سعيد ، وأم أبان ، وعائشة ، وأم عمر ، وغيرهم .
والمحفوظ لي من أولاد الحسين رضي اللّه عنه : زيد ، والحسن ، وعلي زين العابدين ، وعمر ، والحسين الأشرم ، والقاسم ، وأبو بكر ، وطلحة ، وعبد اللّه ، وعبد الرحمن ، وغيرهم . وأولاد معاوية بن أبي سفيان : عبد الرحمن ، يزيد ، عبد اللّه ، هند ، رملة ، صفية ، عائشة .
وأولاد يزيد بن معاوية : معاوية ، عبد اللّه الأكبر ، عبد الرحمن الأصغر ، عمير ، عبد الرحمن ، عتبة الأعور ، يزيد ، محمد ، أبو بكر ، حرب ، عبد اللّه أصغر الأصاغر ، وغيرهم . ولم يكن لمعاوية بن يزيد عقب .
وأولاد عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهم : حمزة ، وعبد اللّه ، وحبيب ، وثابت ، وعبّاد ، وقيس ، وموسى ، وغيرهم .
وأولاد مروان بن الحكم : عبد الملك ، معاوية ، أم عمرو ، عبيد اللّه ، عبد اللّه ، أبان ، داود ، عبد العزيز ، عبد الرحمن ، أم عثمان عمرة ، أم عمرو ، بشر ، محمد .
وأولاد عبد الملك بن مروان : الوليد ، سليمان ، مروان الأكبر ، يزيد ، مروان ، معاوية ، هشام ، بكار ، الحكم ، عبد اللّه ، مسلمة ، المنذر ، عتبة ، محمد ، سعيد ، الحجاج ، قبيصة .
وأولاد الوليد بن عبد الملك : يزيد ، إبراهيم ، العباس ، عمر ، فخذ بني مروان ، وعمر ، وعبد العزيز ، وبشر ، وغيرهم .موعظة أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه
حدثني يونس بن يحيى ، عن محمد بن أبي منصور ، عن حفص بن أحمد ، عن الحسن بن علي بن أبي بكر بن مالك ، عن عبد اللّه بن أحمد . حدثني أبي ، عن الوليد بن
“ 71 “
مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، أن أبا بكر الصدّيق رضي اللّه عنه ، كان يقول في خطبته : أين القضاة الحسنة وجوههم ، المعجبون بشأنهم ؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصّنوها بالحيطان ؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب ؟ قد تضعضع بهم الدهر ، فأصبحوا في ظلمات القبور ، الوحا الوحا ، النجا النجا .
وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، فإنه أهون عليكم من الحساب غدا ، قبل أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .
وحدثنا يونس بن علي ، عن أبي الحسن بن بشر ، أنه قال : حدثنا الحسين بن صفوان ، ثنا أبو بكر القرشي ، عن أبي نصر التمار ، عن بقية بن الوليد ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن عبد اللّه الخراساني ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : من اتقى اللّه لم يشف غيظه ، ومن خاف اللّه لم يفعل ما يريد ، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون .
حدثنا يونس ، ثنا عبد الوهاب ، أن المبارك بن عبد الجبار ، قال : أخبرنا أحمد بن علي النويري ، قال : أنا عمر بن ثابت ، قال : أنا علي بن محمد بن أبي قيس ، ثنا أبو بكر القرشي ، عن عبد الرحمن بن صالح العتكي ، عن يونس بن بكير ، عن عتبة بن أبي الأزهر ، عن يحيى بن عقيل ، قال : قال علي بن أبي طالب لعمر رضي اللّه عنهما : إن أردت أن تلحق بصاحبيك فاقصر الأمل ، وكل دون الشبع ، وارقع القميص ، والبس الإزار ، واخصف النعل ، تلحق بهما .
وروينا من حديث أبي زهير نعيم قال : ثنا سليمان بن أحمد ، قال : ثنا أبو يزيد القراطيسي ، ثنا حجاج بن إبراهيم ، عن مروان ، عن معاوية ، عن محمد بن سوقة ،
قال :
أتيت نعيم بن أبي هند ، فأخرج لي صحيفة ، فإذا فيها : من أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، إلى عمر بن الخطاب : سلام عليك ، أما بعد ، فإنا عهدناك ، وشأن نفسك لك مهم ، فأصبحت وقد ولّيت أمر هذه الأمة ، أحمرها ، وأسودها ،
يجلس يين يديك :
الشريف ، والوضيع ، والصديق ، والعدو ، ولكلّ حصة من العدل ، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر ، وإنا نحذرك يوما تصفرّ فيه الوجوه ، وتجب له القلوب ، وتنقطع فيه الحجج بحجة ملك ، قهرهم بجبروته ، والخلق داخرون له ، يرجون رحمته ، ويخافون عقابه ، وإنا كنا نحدّث أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها ، أن نكون أخوان العلانية أعداء
“ 72 “
السريرة ، وإنا نعوذ باللّه أن ننزل كتابنا منك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا ، وإنما كتبنا به نصيحة لك والسلام .
وكتب إليهما عمر رضي اللّه عنهما : من عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل ، سلام اللّه عليكما . أما بعد ، فإنكما كتبتما إليّ تذكّراني أنكما عهدتماني وأمر نفسي إلي مهم ، وإني أصبحت وقد ولّيت أمر هذه الأمة ، وذكر كلاما . ثم قال : فإنه لا حول ولا قوة عند ذلك لعمر إلا باللّه ، وذكرتما أنكما كتبتما نصيحة لي وقد صدقتما ، فلا تدعا الكتاب إلي فإنه لا غنى لي عنكما ، والسلام عليكما .
وروينا من حديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : خرجت مع عمر إلى السوق فلحقته امرأة شابة ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، هلك زوجي ، وترك صبية صغارا ، واللّه ما ينضجون كراعا ، ولا لهم زرع ، ولا درع ، وخشيت عليهم الطمع ، فأنا ابنة خفاف بن أغام الغفاري ، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فوقف معها عمر ، ولم يمض ، وقال : مرحبا بنسب قريب . ثم انصرف إلى بعير كان مربوطا إلى الدار ، فحمل عليه غرارتين ، ملأهما طعاما ، وجعل بينهما نفقة وثيابا ، ثم ناولها خطامه ، وقال : اقتاديه ، فلن يفنى هذا حتى يأتيكم اللّه بخير .
وروينا من حديث أبي نعيم محمد بن معمر ، ثنا أبو شعيب الحرّاني ، ثنا يحيى بن عبد اللّه ، ثنا الأوزاعي ، أن عمر بن الخطاب خرج في سواد الليل ، فرآه طلحة ، فذهب عمر ، فدخل بيتا ، ثم دخل بيتا آخر ، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت ، فإذا عجوز عمياء مقعدة ، فقال لها : ما بال هذا الرجل يأتيك ؟ قالت : إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا ، يأتيني بما يصلحني ، ويخرج عني الأذى . فقال طلحة : ثكلتك أمك يا طلحة ، لعثرات عمر تتبع ؟
ومن مواعظ عثمان بن عفان رضي اللّه عنه
ما روينا من حديث أبي بكر بن أبي الدنيا ، قال : كتب إليّ أبو عبد اللّه محمد بن خلف التيمي ، قال : حدثنا شعيب بن إبراهيم ، عن سيف بن عمر ، عن يزيد بن عثمان ،
قال : آخر خطبة خطبها عثمان :
« أيها الناس ، إن اللّه إنما أعطاكم الدنيا ، لتطلبوا بها الآخرة ، فلم يعطكموها لتركنوا إليها . إن الدنيا تفنى ، والآخرة تبقى . لا تبطرنكم الفانية ، ولا تشغلنكم عن الباقية . آثروا ما يبقى على ما يفنى ، فإن الدنيا منقطعة ، وإن المصير إلى اللّه . اتقوا اللّه ، فإن تقواه جنة من
“ 73 “
بأسه ، ووسيلة عنده ، واحذروا من اللّه الغيرة ، والزموا جماعتكم ، لا تصيروا أخدانا ، واذكروا نعمة اللّه عليكم ، إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخوانا “ .موعظة سهل بن عمر الحارث بن هشام وزياد بن حنظلة لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
حدثنا يوسف بن علي ، ثنا محمد بن الحسين ، أنا أبو الحسن بن النقود ، أنا أبو ظاهر المخلص ، انا أحمد بن عبد اللّه بن يوسف ، انا السّري بن يحيى ، انا شعيب بن إبراهيم التيمي ، أنا سيف بن عمرو ، عن زهرة ، عن أبي سلمة ، وعن عبد اللّه بن سعيد ، قالا : وعظ سهل بن عمرو عمر بن الخطاب ، فقال : يا عمر ، إنه من ابتلي بالسلطان فقد ابتلي ببلاء عظيم ، وأي بلاء يا عمر أشد من بلاء سلط فيه لسان الوالي وفعله ، فإن هو ذكر لم يذكر ، وإن هو غفل أخذ بغفلته ، فإن أذنب أسلمته ذنوبه إلى الموت الذي ليس منه فوت ، وليس منه مردّ ، ولا بعده مستعتب .موعظة الحارث بن هشام
قال : إن حقا على كل مسلم النصيحة لك يا عمر ، والاجتهاد في أداء حقك ، ولهم عليك بمثل الذي لك عليهم ، لما أفضى اللّه عز وجل إليك من هذا الأمر العظيم الذي توليته من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، أسودها وأحمرها .
عليك بتقوى اللّه عز وجل في سريرتك وعلانيتك ، والاعتصام بما شرع اللّه ، واعلم أن كل راع مسؤول عن رعيته ، وكل مؤتمن مسؤول عن أمانته ، والمحسن إن أخطأ بالإحسان ممن أحسن إليه ، فاعتصم بما تعرف من أمر اللّه ، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه .
فأجزاهما عمر ، وقال : هداكما اللّه عز وجل ، وأعانكما ، وصحبكما ، عليكما بتقوى اللّه في أمركما كله ، فإن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .
قال : ووعظ زياد بن حنظلة عمر رضي اللّه عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، احذر ممن إن أكرمته أهانك ، وإن أهنته أكرمك .
قال عمر : من هذا ؟ قال : جسدك ، إن أنت تابعت بطنك وبشرك فيما يريدان منك فضحاك وأهاناك في الدنيا والآخرة ، وإن أنت أهنتهما وعصيتهما وقويت عليهما وأتياك في الدنيا وأنجياك في الآخرة .
“ 74 “
موعظة عتبة بن غزوان
وكان من أهل بدر . قال خالد بن عمير : خطب ابن غزوان ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن الدنيا قد أذنت بصرم ، وولّت جدا ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يقضي بها صاحبها ، وأنتم منقلبون منها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما يحضركم ، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ، ما يدرك لها قعرا . واللّه لتملأن فتعجبتم ، واللّه لقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عاما ، وليأتينّ عليها كغطيط الزحام . ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى فرحت أشداقنا . وإني التقطت بردة ، فشققتها بيني وبين سعد ، فاتزر بنصفها ، واتزرت بنصفها ، فما أصبح منا اليوم أحد حيا إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار . وإني أعوذ باللّه أن أكون في نفسي عظيما ، وعند اللّه صغيرا ، فإنها لم تكن قطّ نبوّة ، إلا تناسخت حتى يكون عاقبتها ملكا ، وستبلون أو ستجربون الأمراء بعدنا .
روينا من حديث أحمد بن حنبل ، عن شهر بن أسد ، عن سليمان بن المغيرة ، ثنا حميد يعني ابن هلال ، عن خالد بن عمير . وهذا الحديث انفرد بإخراجه مسلم .
وروينا من حديث الحميدي ، أنا أبو محمد بن علي بن أحمد بن سعيد ، أخبرنا أبو عبد اللّه بن ربيع ، حدثنا أبو علي إسماعيل بن القاسم ، عن أبي بكر بن دريد ، عن الحسن بن خضر ، عن حماد بن إسحاق الموصلي ، قال : سمعت أبي يقول : قال رجل من العجم لملك كان في دهره : أوصيك بأربع خلال ترضي بهن ربك ، وتصلح بهن رعيتك : لا يغرّنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا ، ولا تعدنّ عدة ليس في نيتك وفاؤها ، واعلم أن للّه نقمات ، فكن على حذر ، واعلم أن للأعمال جزاء ، فاتّق العواقب .
روينا أن بعض الملوك اتخذ كاتبا مجوسيا ، ووزيرا نصرانيا ، وحاجبا يهوديا ، فأذلوا المسلمين ، فوقفت لهم امرأة حسيبة في نازلة فما رفعوها عنها ، وأهانوها ، فتعرضت للملك يوم ركوبه ، فقالت له : أيها الملك ، سألتك بالذي أعز المجوسية بكتابك ، والنصرانية بوزارتك ، واليهودية بحجابتك ، وأذل الإسلام بك ، إلا ما نظرت في أمري .
فتنبّه الملك ، وسأل عن شأنها ، وقضى حاجتها ، وتاب إلى اللّه من فعله ذلك ، واستعمل في تلك المناصب قوما من المسلمين ، وأخرج هؤلائك عنها . فجزاها اللّه من امرأة عن المسلمين خيرا .
الجزء الرابع
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 58 “
أمية ، وغلب على كل ناحية من الأندلس أميرها ، وصار بعضها لرجل من بني الحسن رضي اللّه عنه يلقب بالمأمون .خلافة أبي العباس السفاح
واسمه عبد اللّه بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب . وأمه ريطة بنت عبيد اللّه بن عبد المدان الحارثي .
بويع بالكوفة يوم الخميس بيعة الخاصة ، ومن غد يوم الجمعة بيعة العامة ، لثلاث ليال خلت من ربيع الأول سنة اثنين وثلاثين ومائة . نقش خاتمه : اللّه ثقة عبد اللّه وبه يؤمن .
حاجبه مولاه أبو غسان ، وزيره وكاتبه أبو الجهم ، صاحب شرطته عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي ، أصحاب مشورته أخوه أبو جعفر المنصور ، وأبو مسلم ، وقحطبة بن شبيب ، والحسن وحميد ابنا قحطبة ، على الحرب .
مات بالجدري بالأنبار من مدينته التي بناها وسمّاها الهاشمية ، وكانت وفاته يوم الأحد لثلاث عشر خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة ، وقد بلغ ثلاثا وثلاثين سنة .
وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر . عهد إلى أخيه أبي جعفر المنصور . وكان قاضيه ابن أبي ليلى .خلافة أبي جعفر المنصور
واسمه عبد اللّه بن محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب . وأمه سلامة بنت بشير البربرية . قدم من مكة إلى بغداد ، وقد أخذت له البيعة . نقش خاتمه : اتق اللّه فإنك ترد فتعلم .
حاجبه عيسى بن نجيح ، وزيره سليمان بن مخلد الأهوازي . مات ببئر ميمون خارج مكة محرما من وجع البطن ، ودفن على باب الشغب بالحجون ، وقد بلغ أربعا وستين سنة ، وكنت خلافته اثنين وعشرين سنة إلا سبعة أيام .
وكانت بيعته سنة ست وثلاثين ومائة ، ومات سنة ثمان وخمسين ومائة . وعهد إلى ابنه المهدي في السادس من ذي الحجة . وكانت ولايته في ذي الحجة .
“ 59 “
خلافة المهدي محمد بن جعفر المنصور
وأمه أم موسى بنت منصور بن يزيد الحميريّ . بويع بعهد من أبيه له سنة ثمان وخمسين ومائة .
ومات سنة تسع وستين ومائة من المحرّم ، وصلى عليه ولده الرشيد . وقد بلغ ثلاثا وأربعين سنة ، فكانت ولايته عشر سنين وشهرا ونصفا .
نقش خاتمه : حسبي اللّه ، حاجبه الربيع بن يونس ، قاضيه عبد اللّه بن علاقة وعاقبة بن يزيد ، كاتبه أبو الجهم والفضل بن الربيع وسلامة الأبرش .خلافة أبي موسى الهادي بن محمد المهدي
وأمه الخيزران مولدة جرش ، وهي بنت عطاء مولى أبيه ، وهي أم الخلفاء . بويع بعهد من أبيه سنة تسع وستين ومائة ، ومات سنة سبعين ومائة .
وقد بلغ خمسة وعشرين سنة ونصف ، وصلى عليه أخوه هارون ، فكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة وعشرين يوما .
نقش خاتمه : موسى يؤمن باللّه . قاضيه بالجانب الغربي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ، وبالجانب الشرقي سعيد بن عبد الرحمن الجمحي .
حاجبه الفضل بن الربيع ، كاتبه ووزيره إبراهيم بن المهدي والربيع بن يونس ثم عمر بن الربيع .خلافة أبي جعفر هارون الرشيد بن محمد المهدي
وأمه الخيزران . نقش خاتمه : العظمة والقدرة للّه عز وجل . وزيره جعفر بن يحيى بن برمك ، حاجبه قيس بن ميمون ، ثم حاجبه محمد بن خالد بن برمك .
بلغ عمره أربعا وأربعين سنة وخمسة أشهر ، وولي سنة سبعين ومائة ، وذلك ليلة الجمعة لأربع عشرة خلت من ربيع الأول . وفي هذه الليلة ولد المأمون ، وكان خليفة .
وتوفي موسى الهادي ومات سنة ثلاث وتسعين ومائة ، ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة ، وصلى عليه ابن صالح .
وكانت خلافته بعد أخيه ثلاثا وعشرين سنة وشهرا وثمانية أيام .
“ 60 “
قضاته : نوح بن دراج ، وحفص بن غياث ، والحسين بن الحسن العوفي ، وعون بن عبد اللّه المسعودي ، ومحمد بن سماعة ، وشريك بن عبد اللّه ، وعلي بن حرملة .خلافة أبي عبد اللّه محمد الأمين بن هارون الرشيد
وأمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور . نقش خاتمه : لكل عمل ثواب .
حاجبه الفضل بن الربيع ، وزيره إبراهيم بن المهدي .
قتله طاهر بن الحسين في قصة طويلة ببغداد ، ودفن بها في سنة ثمان وتسعين ومائة ، وقد بلغ سبعا وعشرين سنة .
وكانت بيعته سنة ثلاث وتسعين ومائة ، فكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وثلاثة وعشرين يوما . قاضيه إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة ، وأبو البحتري وهب بن وهب ، ومحمد بن سماعة .
ولم يكن في الخلفاء من أمّه هاشمية سوى علي بن أبي طالب والحسن والحسين والأمين هذا .خلافة أبي العباس عبد اللّه المأمون بن هارون الرشيد
وأمه من أهل البادية . نقش خاتمه : الموت حق . كاتبه أحمد بن أبي خالد الأحول وأحمد بن يوسف ، وزيره الحسن بن سهل والفضل بن سهل ذو الرئاستين ، حاجبه مولاه رشيد .
مات بطرطوس سنة ثمان عشرة ومائتين ، وبويع سنة ثمان وتسعين ومائة . بلغ عمره ثمانية وأربعين سنة .
كانت خلافته عشرين سنة وخمسة أشهر وأحد وعشرين يوما . قاضيه محمد بن عمر الواقدي ، ثم محمد بن عبد الرحمن المخزومي ، ثم بشر بن الوليد ، ثم يحيى بن أكثم .خلافة أبي إسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد
أمه مارية بنت شبيب . نقش خاتمه : سل اللّه يعطيك ، وقيل : اللّه ثقة أبي إسحاق بن الرشيد وبه يؤمن .
“ 61 “
حاجبه مولاه وصيف التركي ، وزيره الفضل بن مروان ، وأحمد بن عمارة ، ومحمد بن عبد الملك الزيات .
بويع سنة ثمان وعشرة ومائتين بسرّ من رأى . مات بقصره الخاقاني ، ودفن بها سنة سبع وعشرين ومائتين ، وقد بلغ ثمانية وأربعين سنة . وكانت خلافته ثمان سنين وثمانية أشهر ويومين .
قاضيه شعيب بن سهل بن محمد بن سماعة ، وعبد اللّه بن غالب ، وأحمد بن داود الأباري ، وقاضي القضاة جعفر بن عيسى من ولد الحسن البصري .خلافة أبي جعفر هارون الواثق بن محمد المعتصم
أمه مولدة ، يقال لها : قراطيس . نقش خاتمه : لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه . حاجبه إيتاخ التركي ثم وصيف ، مولاه أحمد بن عمارة . قاضيه أحمد بن داود ، وزيره محمد بن عبد الملك الزيات .
بويع يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين ، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام بسرّ من رأى ، وقد بلغ عمره ستا وثلاثين سنة .
وكان موته سنة ثلاث وثلاثين ومائتين لست بقين من ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين .خلافة أبي الفضل جعفر المتوكل بن محمد المعتصم
وأمه خوارزمية ، يقال لها : شجاع . نقش خاتمه : المتوكل على اللّه . وزيره عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان ومحمد بن عبد الملك الزيات ومحمد بن الفضل الجرجاني ، قاضيه يحيى بن أكثم وجعفر بن محمد البرجي وجعفر بن عبد اللّه بن جعفر بن سليمان العباسي ، حاجبه زرافة ووصيف وغيرهما . قتل بسرّ من رأى ودفن بها ، وقد بلغ ثلاثا وأربعين سنة . كانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أيام . بويع لست بقين من ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين ومائتين .
وقتل ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين .خلافة أبي جعفر محمد المنتصر بن جعفر المتوكل
وأمه رومية ، يقال لها : حبشية . نقش خاتمه : محمد بن جعفر . مات بسرّ من رأى
“ 62 “
بوجع ذات الجنب ، وقد بلغ عمره أربعا وعشرين سنة وإحدى عشر شهرا وخمسة أيام . كانت خلافته ستة أشهر ويومين . بويع يوم الأربعاء لست خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ، وتوفي ليلة السبت لعشر خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين ، وصلى عليه المستعين . وقيل : نقش خاتمه : يؤتى الحذر من مأمنه .
وقيل : أنا من آل محمد ، اللّه وليّي ومحمد . حاجبه وصيف ومرزبان وغيرهما ، قاضيه جعفر الهاشمي .خلافة أبي العباس المستعين أحمد بن المعتصم
وأمه سقلابية ، يقال لها : محارفة . نقش خاتمه : أحمد بن محمد . حاجبه قامس ، كاتبه أحمد بن الخصيب ، بلغ عمره سبعا وأربعين سنة . كانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أيام . بويع له يوم الاثنين لأربع خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين . خلع نفسه لأربع خلون من المحرم سنة اثنين وخمسين ومائتين . وفي هذه السنة قتل قاضيه أحمد بن أبي الشوارب ، وقيل : محمد بن وزير الواسطي .خلافة أبي عبد اللّه المعتز الزبير بن جعفر المتوكل
أمه فتيحة . نقش خاتمه : الزبير بن جعفر . حاجبه صالح بن وصيف ، وزيره أحمد بن إسرائيل ، قتله حاجبه صالح بسرّ من رأى وطرحه في دجلة ، وقد بلغ سبعا وأربعين سنة . خلافته أربع سنين وستة أشهر ونصف . بويع له ببغداد سنة اثنين وخمسين ومائتين . قال بعضهم : ثم خلع نفسه مكرها لثلاث بقين من رجب سنة خمس ومائتين ، واختلف في كيفية موته . قاضيه الحسن بن أبي الشوارب .خلافة أبي جعفر المهتدي بن هارون الواثق
أمه أم ولد ، يقال لها : قرب . نقش خاتمه : المهتدي باللّه يثق . حاجبه صالح بن داود . قتله خير بك التركي وشرب دمه ، ودفن بسرّ من رأى وقد بلغ اثنين وأربعين سنة .
وكانت خلافته سنة واحدة إلا ثلاثة عشر يوما . بويع لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين . وحبس في رجب سنة خمس ، وقيل : سنة ست وخمسين .
“ 63 “
وأمه رومية ، يقال لها : فينان . وكان القائم بأمر المملكة أخوه أبو أحمد طلحة الموفق . ووزيره إسماعيل بن بلال ، حاجبه خفيف السمرقندي . سقي شربة فمات ، ودفن ببغداد ، وقد بلغ اثنين وخمسين سنة . كانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ويومين . بويع لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين ، وتوفي ببغداد ليلة الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وتسعين ومائتين . قاضيه الحسن بن أبي الشوارب ، ثم أخوه علي بن محمد .
خلافة أبي العباس أحمد المعتضد بن طلحة الموفق بن جعفر المتوكل
وأمه رومية ، يقال لها : ضرار ، ثم سمّاها الموفق : الخفير . وزيره عبيد اللّه بن سليمان ، حاجبه صالح الأمين . نقش خاتمه : توكل تكف . صاحب شرطته مؤنس الفحل .
بلغ عمره إحدى وأربعين سنة . كانت خلافته تسع سنين وسبعة أشهر وثلاثة أيام . ولّي سنة ثمانين ومائتين ، ومات سنة تسع وثمانين ومائتين .
خلافة أبي محمد علي المقتفي بن أحمد المعتضد
وأمه رومية ، يقال لها : نشيج . كان أمير الرقة . أخذ له البيعة ببغداد القاسم بن عبد اللّه ، وكتب إليه بذلك ، فانحدر من الرقة . نقش خاتمه : علي بن المعتضد . حاجبه مولاه سوسن ، وزيره القاسم بن عبد اللّه ، قاضيه أبو حازم ، ثم يوسف ، ثم يعقوب ، ثم أبو عمر ، ثم علي بن أبي الشوارب . وقد بلغ عمره ثلاثا وستين سنة وعشرين يوما . كانت بيعته لسبع بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين ، ومات سنة خمس وتسعين ومائتين لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة . كانت خلافته ست سنين وستة أشهر وعشرين يوما .
خلافة أبي الفضل جعفر المقتدر بن أحمد المعتضد
وأمه رومية ، يقال لها : شعب . نقش خاتمه : جعفر يثق باللّه . وزيره العباس بن الحسن ، واستوزر جماعة منهم الفضل بن جعفر بن المهدي بن الفرات المعروف بابن الخيزرانة ، حاجبه نصر القسوري . قتله يونس الخادم مولاه خارج بغداد ، ودفن ببغداد ،
“ 64 “
وقد بلغ عمره سبعا وثلاثين سنة إلا سبعة أيام ، وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا سبعة عشر يوما . كانت بيعته في ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين ، وقتل في شوال سنة عشرين وثلاثمائة . عمره يوم بويع له ثلاثة عشر سنة . قضاته جماعة منهم : يوسف بن يعقوب ، وابنه عمر محمد بن يوسف ، وعبد اللّه بن أبي الشوارب وغيرهم .
خلافة أبي منصور محمد القاهر بن أحمد المعتضد
أمه مولدة ، يقال لها : فنون . وزيره أحمد بن عبيد اللّه الحصيني . حاجبه مولاه .
نقش خاتمه : يا أملي اختم بخير عملي . قبض عليه ، وكحل حتى عمي ، وخلع من الخلافة ، وقد بلغ عمره خمسا وثلاثين سنة . وكانت خلافته سنة ونصف وثمانية أيام . بويع له يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين وثلاثمائة . قاضيه عمر بن محمد بن يوسف . وكان من وزرائه أبو علي بن مقلة .
خلافة أبي العباس محمد الراضي بن جعفر المقتدر
أمه رومية ، يقال لها : ظلوم . نقش خاتمه : منّ بالرضا . وزيره أبو علي محمد بن علي بن مقلة وجماعة غيره .
حاجبه مولاه ذكي الرومي ، صاحب شرطته لؤلؤ . مات ودفن ببغداد ، وقد بلغ عمره ثلاثا وثلاثين سنة وعشرة أشهر وتسعة أيام . بويع له يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الأولى سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة ، وتوفي ليلة السبت لستة عشر ليلة خلت من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة . قاضيه عمر بن محمد بن يوسف ، وأبوه يوسف بن عمر . وفي أيام الراضي مات مجاهدا في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة ، ومولده سنة خمس وأربعين ومائتين ، رحمه اللّه .
خلافة أبي إسحاق إبراهيم المتقي بن جعفر المقتدر
أمه رومية ، يقال لها : حلوب . بويع بعد أخيه الراضي بسبعة أيام . نقش خاتمه :
كفى باللّه معينا . وزيره محمد بن أحمد بن ميمون ، والقائم بأمره سعيد بن شكلي ، حاجبه سلامة أخو نجح . قبض عليه بودون التركي ، وكحل عينيه حتى عميا ، وخلعه من الخلافة ، وقد بلغ أربعا وثلاثين سنة ، وكانت خلافته ثلاث سنين وأحد عشر يوما أو يومين . وكان
“ 65 “
بويع يوم الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وخلع يوم السبت لعشر بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، وتوفي في خلافة المطيع في شعبان سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ، وعمره إذ ذاك ستون سنة . قاضيه أبو نصر يوسف بن عمر وغيره .
خلافة أبي القاسم عبد اللّه المستكفي بن علي المكتفي
أمه رومية ، يقال لها : غصن . وزيره أبو الفرج محمد بن علي السامري ، حاجبه أحمد بن خاقان . نقش خاتمه : عبد اللّه بن المكتفي . قبض عليه ، وكحل حتى عمي ، وخلع من الخلافة ، وقد بلغ ستا وأربعين سنة ، وكانت خلافته سنة واحدة وأربعة أشهر وأربعة عشر يوما . بويع له لعشر بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، ومات في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة .
خلافة أبي القاسم الفضل المطيع للّه بن جعفر المقتدر
بويع يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخر سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة . وأمه سقلابية ، يقال لها : مشقلة . نقش خاتمه : باللّه المطيع للّه . وزيره محمد بن يحيى بن شيراز ، أخو القائم بأمر مملكته أبو الحسين أحمد بن بويه الديلمي معز الدولة الأقطع ، ثم وزر له المهلّبي . حاجبه عبد الواحد بن عمرو الشرابي . ولّي تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وأحد عشر يوما ، ثم فلج ، فخلع نفسه غير مستكره ، وولّى ابنه المطيع للّه ، ومات لثمان بقين من المحرم سنة أربع وستين وثلاثمائة ، وله ثلاث وستون سنة . قاضيه محمد بن أبي الشوارب وغيره .
خلافة المطيع للّه واسمه عبد الكريم ويكنى أبا بكر
بايعه أبوه المطيع بعد أن خلع نفسه غير مستكره يوم الأربعاء ، ثالث عشر من ذي القعدة ، سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، وقبض عليه بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة يوم السبت لاثني عشر ليلة خلت من شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، وخلع نفسه بعد أن بويع للقادر . وكانت خلافته تسعة عشر سنة وتسعة عشر شهرا وتسعة أيام . ومات يوم الثلاثاء سلخ رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ، ودفن بالرصافة .
“ 66 “
خلافة القادر باللّه أحمد بن إسحاق بن جعفر المقتدر ويكنّى أبا العباس
وهو ابن عم المطيع ، بويع له يوم السبت لاثني عشرة ليلة خلت من رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، ومات في الحادي عشر من ذي الحجة ، سنة اثنين وعشرين وأربعمائة ، وله ستة وثمانون سنة .
وكانت خلافته إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر .
خلافة القائم بأمر اللّه
وهو ابن القادر ، واسمه عبد اللّه بن أحمد بن إسحاق بن جعفر المقتدر . أمه بدر الدّجى . ولد عبد اللّه القائم هذا يوم الخميس ، ثامن عشر ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة .
بويع له بالخلافة في ذي الحجة سنة اثنين وعشرين وأربعمائة ، وكان سنّه يومئذ إحدى وثلاثون سنة ، وكان والده قد عهد له في حياته .
وتوفي القائم يوم الخميس ثاني عشر ، وقيل : ثالث عشر من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة . وكانت خلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أشهر .
خلافة المقتدي بن القائم باللّه
واسمه المقتدي بأمر اللّه عبد اللّه بن محمد القائم بأمر اللّه ، ويكنى أبا القاسم . بويع له بالخلافة يوم الخميس ثالث عشر شعبان من سنة سبع وستين وأربعمائة ، وله يومئذ تسع سنين ، وكان والده أبو العباس بن القائم عهد إليه . توفي المقتدي ببغداد في المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة ليلة السبت ، فكانت خلافته عشرين سنة وأربعة أشهر وثمانية عشر يوما .
خلافة المستظهر بن المقتدي ، واسم المستظهر أحمد بن عبد اللّه
ويكنى أبا العباس . بويع له بالخلافة يوم الثلاثاء من المحرم سنة سبع وثمانين وأربعمائة بين الظهر والعصر ، وصلى بالناس الظهر ، ثم صلى عليه ابنه المقتدي . وكان سن المستظهر يوم بويع له ودفن أبوه ست عشر سنة وشهرين وتسعة عشر يوما ، لأن مولده كان يوم السبت لعشرين من شوال سنة سبعين وأربعمائة .
“ 67 “
خلافة المسترشد باللّه واسمه الفضل بن أحمد ويكنى أبا المنصور
بويع له بالخلافة يوم الخميس رابع عشر من ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ، وكان له سبع وعشرون سنة ، لأن مولده كان ليلة الأربعاء رابع ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، ثم ولي بعده ابنه الراشد باللّه .
خلافة الراشد باللّه بن المسترشد
واسمه منصور بن الفضل بن أحمد ، ويكنى أبا العباس . بويع له في ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة . ثم ولي بعده عمه المقتفي لأمر اللّه .
خلافة المقتفي لأمر اللّه
واسمه محمد ، ويكنى أبا عبد اللّه ، وهم عم الراشد . بويع له بالخلافة يوم الأربعاء الثامن عشر من ذي القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة .
خلافة المستنجد باللّه بن المقتفي
واسمه يوسف ، ويكنى أبا المظفر . بويع له يوم الاثنين ثالث ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمسمائة . حدثنا عبد الرحمن بن علي كتابة قال : حدثني أبو المظفر الوزير قال : حدثني أمير المؤمنين المستغني باللّه قال : رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المنام منذ خمس عشر سنة ، فقال لي : « يبقى أبوك في الخلافة خمس عشر سنة » . فكان كما قال . قلت : وفي زمان هذا الخليفة ولدت أنا بمرسية ، في دولة السلطان أبي عبد اللّه محمد بن سعد بن مرديس بالأندلس ، فكنت أسمع الخطيب يوم الجمعة يخطب بالمسجد باسم المستنجد باللّه .
ثم ولي بعده ولده المستغني باللّه .
خلافة المستغني باللّه
واسمه الحسن بن يوسف بن محمد . بويع له البيعة العامة في يوم الأحد تاسع ربيع الأول سنة ستة وستين وخمسمائة ، وخطب له السلطان بمرسية بالأندلس .
“ 68 “
خلافة سيدنا ومولانا الناصر لدين اللّه
أمير المؤمنين أبي العباس أحمد ابن الإمام الحسن ابن الإمام يوسف ابن الإمام محمد . بويع له في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة .
ونحن اليوم في شوال سنة إحدى عشر وستمائة ، أبقى اللّه عمر سيدنا ومولانا أمير المؤمنين ، وكان قد عقد لولده أبي نصر محمد ، ثم إنه استقال منه ، فأقاله أمير المؤمنين وأشهد على نفسه بالخلع من ولاية العهد لعجزه عنها ، ونزع اسمه من الخطبة وذلك سنة إحدى وستمائة . أخبرني بذلك الثقات وأنا بالموصل ، ولم يبق له اسم في الخطبة بعد الخلع في جميع البلاد إلا بلاد يونان ، فإنه بقي ذكره بعد الخلع قريبا من سنة ، لأنه أبى السلطان كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود أن يزيل اسمه بالاستفاضة من غير أمر من الديوان ، فلما أتى الأمر إليه أزال ذكره . يبقي اللّه عمر سيدنا أمير المؤمنين ويؤيده ويرشده لمصالح نفسه ومصالح المؤمنين ورعيته ، آمنين بعزّته . وتوفي آخر شهر رمضان سنة اثنين وعشرين وستمائة ، وولى ابنه محمد الظاهر في أمر اللّه الذي كان قد خلع نفسه ، وتوفي في رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة ، وكانت خلافته تسعة أشهر ، وولى بعده ابنه المستنصر أبو جعفر المنصور ، ويعرف بالقاضي ، أدام اللّه بقاه ، وهو الخليفة الآن حين تقييدي هذا .
روينا عن الحميدي ، عن محمد بن سلامة القضاعي ، عن منصور بن النعمان ، عن أبي مسلم الكاتب ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن دريد ، عن الحسن بن الخضر ، عن رجل من أهل بغداد ، عن المذكر أبي هشام ، قال : أردت البصرة فجئت إلى سفينة أكتريها وفيها رجل ومعه جارية . فقال الرجل : ليس هنا موضع . فسألته الجارية أن يحملني ، فحملني . فلما سرنا دعا الرجل بالغداء ، ثم قال : انزلوا ذلك الفقير ليتغدى . فأنزلت على أنني مسكين ، فلما تغدينا قال : يا جارية ، هاتي شرابك ، فشرب وأمرها أن تسقيني ، فقلت : رحمك اللّه ، إن للضيف حقا ، فتركني . فلما دبّ فيه النبيذ ، قال : يا جارية ، هاتي العود ، وهاتي ما عندك .
فأخذت العود ثم غنّت تقول :
وكنا كغصني بانة ليس واحد * يزول من الخلّان عن رأي واحد
تبدّل بي خلا فخاللت غيره * وخالفته لما أراد تباعدي
فلو أن كفّي لم تردني أبيتها * ولم يصطحبها بعد ذلك ساعدي
ألا قبّح الرحمن كل مماذق * يكون أخا في الخفض لا في الشدائد
ثم التفت إلي وقال : أتحسن مثل هذا ؟
فقلت : أحسن خيرا منه ،
فقرأت : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ ، فجعل يبكي ، فلما انتهيت إلى
“ 69 “
قوله تعالى : وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ، قال : يا جارية ، اذهبي فأنت حرة لوجه اللّه تعالى ، وألقى ما معه من الشراب في الماء ، وكسر العود ، ثم دنا إلي واعتنقني ، وقال : أترى اللّه يقبل توبتي ؟ فقلت : إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين ، قال : فآخيته بعد ذلك أربعين سنة حتى مات قبلي ، فرأيته في المنام فقلت : إلام صرت بعدي ؟ فقال : إلى الجنة ، فقلت : يا أخي ، بم صرت إلى الجنة ؟ قال : بقراءتك عليّ : وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ .
وذكر صاحب كتاب « أخبار الزمان » أن أبا بكر رضي اللّه عنه ، لما توفي غسّلته زوجته أسماء بنت عميس ، وصلى عليه عمر رضي اللّه عنهما ، وحمل على سرير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو سرير عائشة رضي اللّه عنها ، وكان من خشبتين ساجا منسوجا بالليف ، وبيع في ميراث عائشة رضي اللّه عنها بأربعة آلاف درهم ، فاشتراه مولى لمعاوية وجعله للمسلمين ، ويقال :
إنه بالمدينة . ودفن أبو بكر رضي اللّه عنه في حجرة عائشة ، ورأسه قبالة كتفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وفي خلافته فتحت بصرى صلحا ، وهي أول مدينة فتحت بالشام . ومات أبو قحافة بعد موت ابنه أبي بكر بسنة ، وقيل : سبعة أشهر ، وذلك في سنة أربع عشرة سنة ، ولم يولّ الخلافة من أبيه حيّ غير أبي بكر ومن ذكرنا من خلفاء بني العباس ممن خلع نفسه لعذر وولى ابنه كالمطيع للّه .
ومن أولاد أبي بكر الصدّيق : عبد اللّه وأسماء لأم واحدة ، وهي من بني عامر ابن لؤي . ومن أولاده أيضا : عبد الرحمن وعائشة لأم واحدة ، وهي أم رومان . ومن أولاده أيضا : محمد وأميمة من أسماء بنت عميس .
ذكر أهل التاريخ أن شريحا القاضي أقام خمسا وسبعين سنة في القضاء إلى أيام الحجاج ، تعطل منها ثلاث سنين ، امتنع من الحكم زمن فتنته .
ولما ولّي الحجاج الكوفة استعفاه فأعفاه . ومات سنة سبع وثمانين وله مائة سنة ، وقيل : مائة وعشرون سنة ، وقيل : مات سنة تسع وسبعين . ومات في خلافة عثمان العباس بن عبد المطلب في سنة اثنين وثلاثين وله ثمانون سنة . ويقال : إنه لم ير بنو أب أبعد قبورا من بنيه : عبد اللّه بن عباس بالطائف ، والفضل بالشام ، وعبيد اللّه بالمدينة ، وقثم بسمرقند ، وسعد بإفريقية . ومات عبد الرحمن بن عوف في سنة واحدة مع العباس ، وكان سنّ عبد الرحمن خمسا وخمسين سنة ، وأوصى من ماله لكل رجل بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار ، فكانوا يومئذ مائة رجل ، فقسمت تركته على ستة عشر سهما ، فكان كل سهم ثمانين ألف دينار .
وكان لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أربعة عشر ولدا ذكورا وثمانية إناث ، أعقب
“ 70 “
من أولاده : الحسن ، والحسين ، ومحمد ابن الحنفية ، وعمر ، والعباس .
وكان لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه من الأولاد : عبد اللّه ، وحفصة ، وعبيد اللّه ، وعاصم ، وفاطمة ، وزيد ، وأبو شحمة واسمه عبد الرحمن وهو الذي حدّ في الشراب فمات .
والذي حفظت من أولاد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه : عبد اللّه الأكبر وعبد اللّه الأصغر من رقية ، وعمر ، وأبان ، وخالد ، وعمر ، وسعيد ، ومغيرة ، وأم سعيد ، وأم أبان ، وعائشة ، وأم عمر ، وغيرهم .
والمحفوظ لي من أولاد الحسين رضي اللّه عنه : زيد ، والحسن ، وعلي زين العابدين ، وعمر ، والحسين الأشرم ، والقاسم ، وأبو بكر ، وطلحة ، وعبد اللّه ، وعبد الرحمن ، وغيرهم . وأولاد معاوية بن أبي سفيان : عبد الرحمن ، يزيد ، عبد اللّه ، هند ، رملة ، صفية ، عائشة .
وأولاد يزيد بن معاوية : معاوية ، عبد اللّه الأكبر ، عبد الرحمن الأصغر ، عمير ، عبد الرحمن ، عتبة الأعور ، يزيد ، محمد ، أبو بكر ، حرب ، عبد اللّه أصغر الأصاغر ، وغيرهم . ولم يكن لمعاوية بن يزيد عقب .
وأولاد عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهم : حمزة ، وعبد اللّه ، وحبيب ، وثابت ، وعبّاد ، وقيس ، وموسى ، وغيرهم .
وأولاد مروان بن الحكم : عبد الملك ، معاوية ، أم عمرو ، عبيد اللّه ، عبد اللّه ، أبان ، داود ، عبد العزيز ، عبد الرحمن ، أم عثمان عمرة ، أم عمرو ، بشر ، محمد .
وأولاد عبد الملك بن مروان : الوليد ، سليمان ، مروان الأكبر ، يزيد ، مروان ، معاوية ، هشام ، بكار ، الحكم ، عبد اللّه ، مسلمة ، المنذر ، عتبة ، محمد ، سعيد ، الحجاج ، قبيصة .
وأولاد الوليد بن عبد الملك : يزيد ، إبراهيم ، العباس ، عمر ، فخذ بني مروان ، وعمر ، وعبد العزيز ، وبشر ، وغيرهم .موعظة أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه
حدثني يونس بن يحيى ، عن محمد بن أبي منصور ، عن حفص بن أحمد ، عن الحسن بن علي بن أبي بكر بن مالك ، عن عبد اللّه بن أحمد . حدثني أبي ، عن الوليد بن
“ 71 “
مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، أن أبا بكر الصدّيق رضي اللّه عنه ، كان يقول في خطبته : أين القضاة الحسنة وجوههم ، المعجبون بشأنهم ؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصّنوها بالحيطان ؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب ؟ قد تضعضع بهم الدهر ، فأصبحوا في ظلمات القبور ، الوحا الوحا ، النجا النجا .
وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، فإنه أهون عليكم من الحساب غدا ، قبل أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .
وحدثنا يونس بن علي ، عن أبي الحسن بن بشر ، أنه قال : حدثنا الحسين بن صفوان ، ثنا أبو بكر القرشي ، عن أبي نصر التمار ، عن بقية بن الوليد ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن عبد اللّه الخراساني ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : من اتقى اللّه لم يشف غيظه ، ومن خاف اللّه لم يفعل ما يريد ، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون .
حدثنا يونس ، ثنا عبد الوهاب ، أن المبارك بن عبد الجبار ، قال : أخبرنا أحمد بن علي النويري ، قال : أنا عمر بن ثابت ، قال : أنا علي بن محمد بن أبي قيس ، ثنا أبو بكر القرشي ، عن عبد الرحمن بن صالح العتكي ، عن يونس بن بكير ، عن عتبة بن أبي الأزهر ، عن يحيى بن عقيل ، قال : قال علي بن أبي طالب لعمر رضي اللّه عنهما : إن أردت أن تلحق بصاحبيك فاقصر الأمل ، وكل دون الشبع ، وارقع القميص ، والبس الإزار ، واخصف النعل ، تلحق بهما .
وروينا من حديث أبي زهير نعيم قال : ثنا سليمان بن أحمد ، قال : ثنا أبو يزيد القراطيسي ، ثنا حجاج بن إبراهيم ، عن مروان ، عن معاوية ، عن محمد بن سوقة ،
قال :
أتيت نعيم بن أبي هند ، فأخرج لي صحيفة ، فإذا فيها : من أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، إلى عمر بن الخطاب : سلام عليك ، أما بعد ، فإنا عهدناك ، وشأن نفسك لك مهم ، فأصبحت وقد ولّيت أمر هذه الأمة ، أحمرها ، وأسودها ،
يجلس يين يديك :
الشريف ، والوضيع ، والصديق ، والعدو ، ولكلّ حصة من العدل ، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر ، وإنا نحذرك يوما تصفرّ فيه الوجوه ، وتجب له القلوب ، وتنقطع فيه الحجج بحجة ملك ، قهرهم بجبروته ، والخلق داخرون له ، يرجون رحمته ، ويخافون عقابه ، وإنا كنا نحدّث أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها ، أن نكون أخوان العلانية أعداء
“ 72 “
السريرة ، وإنا نعوذ باللّه أن ننزل كتابنا منك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا ، وإنما كتبنا به نصيحة لك والسلام .
وكتب إليهما عمر رضي اللّه عنهما : من عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل ، سلام اللّه عليكما . أما بعد ، فإنكما كتبتما إليّ تذكّراني أنكما عهدتماني وأمر نفسي إلي مهم ، وإني أصبحت وقد ولّيت أمر هذه الأمة ، وذكر كلاما . ثم قال : فإنه لا حول ولا قوة عند ذلك لعمر إلا باللّه ، وذكرتما أنكما كتبتما نصيحة لي وقد صدقتما ، فلا تدعا الكتاب إلي فإنه لا غنى لي عنكما ، والسلام عليكما .
وروينا من حديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : خرجت مع عمر إلى السوق فلحقته امرأة شابة ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، هلك زوجي ، وترك صبية صغارا ، واللّه ما ينضجون كراعا ، ولا لهم زرع ، ولا درع ، وخشيت عليهم الطمع ، فأنا ابنة خفاف بن أغام الغفاري ، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فوقف معها عمر ، ولم يمض ، وقال : مرحبا بنسب قريب . ثم انصرف إلى بعير كان مربوطا إلى الدار ، فحمل عليه غرارتين ، ملأهما طعاما ، وجعل بينهما نفقة وثيابا ، ثم ناولها خطامه ، وقال : اقتاديه ، فلن يفنى هذا حتى يأتيكم اللّه بخير .
وروينا من حديث أبي نعيم محمد بن معمر ، ثنا أبو شعيب الحرّاني ، ثنا يحيى بن عبد اللّه ، ثنا الأوزاعي ، أن عمر بن الخطاب خرج في سواد الليل ، فرآه طلحة ، فذهب عمر ، فدخل بيتا ، ثم دخل بيتا آخر ، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت ، فإذا عجوز عمياء مقعدة ، فقال لها : ما بال هذا الرجل يأتيك ؟ قالت : إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا ، يأتيني بما يصلحني ، ويخرج عني الأذى . فقال طلحة : ثكلتك أمك يا طلحة ، لعثرات عمر تتبع ؟
ومن مواعظ عثمان بن عفان رضي اللّه عنه
ما روينا من حديث أبي بكر بن أبي الدنيا ، قال : كتب إليّ أبو عبد اللّه محمد بن خلف التيمي ، قال : حدثنا شعيب بن إبراهيم ، عن سيف بن عمر ، عن يزيد بن عثمان ،
قال : آخر خطبة خطبها عثمان :
« أيها الناس ، إن اللّه إنما أعطاكم الدنيا ، لتطلبوا بها الآخرة ، فلم يعطكموها لتركنوا إليها . إن الدنيا تفنى ، والآخرة تبقى . لا تبطرنكم الفانية ، ولا تشغلنكم عن الباقية . آثروا ما يبقى على ما يفنى ، فإن الدنيا منقطعة ، وإن المصير إلى اللّه . اتقوا اللّه ، فإن تقواه جنة من
“ 73 “
بأسه ، ووسيلة عنده ، واحذروا من اللّه الغيرة ، والزموا جماعتكم ، لا تصيروا أخدانا ، واذكروا نعمة اللّه عليكم ، إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخوانا “ .موعظة سهل بن عمر الحارث بن هشام وزياد بن حنظلة لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
حدثنا يوسف بن علي ، ثنا محمد بن الحسين ، أنا أبو الحسن بن النقود ، أنا أبو ظاهر المخلص ، انا أحمد بن عبد اللّه بن يوسف ، انا السّري بن يحيى ، انا شعيب بن إبراهيم التيمي ، أنا سيف بن عمرو ، عن زهرة ، عن أبي سلمة ، وعن عبد اللّه بن سعيد ، قالا : وعظ سهل بن عمرو عمر بن الخطاب ، فقال : يا عمر ، إنه من ابتلي بالسلطان فقد ابتلي ببلاء عظيم ، وأي بلاء يا عمر أشد من بلاء سلط فيه لسان الوالي وفعله ، فإن هو ذكر لم يذكر ، وإن هو غفل أخذ بغفلته ، فإن أذنب أسلمته ذنوبه إلى الموت الذي ليس منه فوت ، وليس منه مردّ ، ولا بعده مستعتب .موعظة الحارث بن هشام
قال : إن حقا على كل مسلم النصيحة لك يا عمر ، والاجتهاد في أداء حقك ، ولهم عليك بمثل الذي لك عليهم ، لما أفضى اللّه عز وجل إليك من هذا الأمر العظيم الذي توليته من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، أسودها وأحمرها .
عليك بتقوى اللّه عز وجل في سريرتك وعلانيتك ، والاعتصام بما شرع اللّه ، واعلم أن كل راع مسؤول عن رعيته ، وكل مؤتمن مسؤول عن أمانته ، والمحسن إن أخطأ بالإحسان ممن أحسن إليه ، فاعتصم بما تعرف من أمر اللّه ، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه .
فأجزاهما عمر ، وقال : هداكما اللّه عز وجل ، وأعانكما ، وصحبكما ، عليكما بتقوى اللّه في أمركما كله ، فإن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .
قال : ووعظ زياد بن حنظلة عمر رضي اللّه عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، احذر ممن إن أكرمته أهانك ، وإن أهنته أكرمك .
قال عمر : من هذا ؟ قال : جسدك ، إن أنت تابعت بطنك وبشرك فيما يريدان منك فضحاك وأهاناك في الدنيا والآخرة ، وإن أنت أهنتهما وعصيتهما وقويت عليهما وأتياك في الدنيا وأنجياك في الآخرة .
“ 74 “
موعظة عتبة بن غزوان
وكان من أهل بدر . قال خالد بن عمير : خطب ابن غزوان ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن الدنيا قد أذنت بصرم ، وولّت جدا ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يقضي بها صاحبها ، وأنتم منقلبون منها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما يحضركم ، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ، ما يدرك لها قعرا . واللّه لتملأن فتعجبتم ، واللّه لقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عاما ، وليأتينّ عليها كغطيط الزحام . ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى فرحت أشداقنا . وإني التقطت بردة ، فشققتها بيني وبين سعد ، فاتزر بنصفها ، واتزرت بنصفها ، فما أصبح منا اليوم أحد حيا إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار . وإني أعوذ باللّه أن أكون في نفسي عظيما ، وعند اللّه صغيرا ، فإنها لم تكن قطّ نبوّة ، إلا تناسخت حتى يكون عاقبتها ملكا ، وستبلون أو ستجربون الأمراء بعدنا .
روينا من حديث أحمد بن حنبل ، عن شهر بن أسد ، عن سليمان بن المغيرة ، ثنا حميد يعني ابن هلال ، عن خالد بن عمير . وهذا الحديث انفرد بإخراجه مسلم .
وروينا من حديث الحميدي ، أنا أبو محمد بن علي بن أحمد بن سعيد ، أخبرنا أبو عبد اللّه بن ربيع ، حدثنا أبو علي إسماعيل بن القاسم ، عن أبي بكر بن دريد ، عن الحسن بن خضر ، عن حماد بن إسحاق الموصلي ، قال : سمعت أبي يقول : قال رجل من العجم لملك كان في دهره : أوصيك بأربع خلال ترضي بهن ربك ، وتصلح بهن رعيتك : لا يغرّنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا ، ولا تعدنّ عدة ليس في نيتك وفاؤها ، واعلم أن للّه نقمات ، فكن على حذر ، واعلم أن للأعمال جزاء ، فاتّق العواقب .
روينا أن بعض الملوك اتخذ كاتبا مجوسيا ، ووزيرا نصرانيا ، وحاجبا يهوديا ، فأذلوا المسلمين ، فوقفت لهم امرأة حسيبة في نازلة فما رفعوها عنها ، وأهانوها ، فتعرضت للملك يوم ركوبه ، فقالت له : أيها الملك ، سألتك بالذي أعز المجوسية بكتابك ، والنصرانية بوزارتك ، واليهودية بحجابتك ، وأذل الإسلام بك ، إلا ما نظرت في أمري .
فتنبّه الملك ، وسأل عن شأنها ، وقضى حاجتها ، وتاب إلى اللّه من فعله ذلك ، واستعمل في تلك المناصب قوما من المسلمين ، وأخرج هؤلائك عنها . فجزاها اللّه من امرأة عن المسلمين خيرا .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin