المجلس الحادي والخمسون المؤمن لا يسكن إلى هذه الدنيا ولا إلى ما فيها يأخذ قسمه منها ويتنحى بقلبه إلى الحق عز وجل
وقال رضي الله تعالى عنه في عشرين من شعبان من السنة :
الدنيا كلها حكمة وعمل الآخرة كلها قدرة فهذه مبنية على الحكمة وتلك مبنية على القدرة .
فلا تترك العمل في دار الحكمة ولا تعجز قدرته في دار القدرة.
أعمل في دار الحكمة بحكمته ولا تتكل على قدرته.
لا تجعل القدر عذرا لنفسك فإنها تحتج به وتترك العمل.
العذر بالقدر حجة الكسالى إنما يكون العذر بالقدر في غير الأوامر والنواهي .
وقال رضي الله تعالى عنه بعد كلام :
المؤمن لا يسكن إلى هذه الدنيا ولا إلى ما فيها يأخذ قسمه منها ويتنحى بقلبه إلى الحق عز وجل .
يقف هناك حتى ينحي عنه وهج الدنيا ويؤذن لقلبه بالدخول عليه سفارة سره يخرج السر إلى القلب والقلب إلى النفس المطمئنة والجوارح الطائعة .
فبينا هو كذلك إذ أغنى عياله عنه وحيل بينه وبينهم يكفيه شرور الخلق ويطيعهم له ويحيل بين قلبه وقلوبهم ، ويبقى وحده مع ربه عز وجل.
كأن الخلق لم يخلقوا بالاضافة إليه ، كأن لا خلق لربه عز وجل سواه يبقى ربه عز وجل فاعلا وهو مفعول فيه ، يبقى مطلوبه وهو طالبه ، يبقى أصله وهو فرعه ، لا يعرف غيره ولا يرى غيره ، يطويه عن الخلق ." ثم إذا شاء أنشره".
لم يوجده بينهم لمصالحهم ولهدايتهم ويصبر على أذاهم لمرضاة الحق عز وجل .
القوم حراس القلوب والأسرار قائمون مع الحق عز وجل لا مع غيره عاملون له لا لغيره .
یا منافق ما عندك من هؤلاء القوم خبر ولا من الإيمان خبر ولا من الأنس بالله عز وجل خبر ، عن قريب تموت وتندم بعد الموت .
قد قنعت بفصاحة اللسان مع عجمة الجنان وهذا لا ينفعك ، الفصاحة للقلب لا للسان ،ابك على نفسك ألفا وعلى غيرك مرة.
یا میت القلب يا غائب عن القوم یا مدبرا یا محجوبا بك وبالخلق عن الحق عز وجل .
إلهي أني كنت أخرس فأنطقتني فأنفع الخلق بنطقي وكمل لهم الصلاح على يدي وإلا ردني إلى الخرس .
( یا قوم ) إني أدعوكم إلى الموت الأحمر وهو مخالفة النفس والهوى والطبع والشيطان والدنيا والخروج عن الخلق وترك ما سوى الحق عز وجل في الجملة جاهدوا في هذه الأحوال ولا تيأسوا
فإن الحق عز وجل : "كل يوم هو في شأن ".
أسالوه على قدر قدرته ؟
اسألوه من حيث القدرة لا من حيث الحكمة ؟
اسألوه من حيث علمه لا من حيث علمكم ؟
اسألوه بقلوبكم وأسراركم لا بلقلقة اللسان ؟
اسألوه من وراء تجوز علمكم وقدرتكم ؟
قفوا بين يديه على قدم الإفلاس من جميع الأشياء ، لاتتعاملوا عليه ، ولا تتمقدروا عليه ، ولا تتعملقوا عليه ، ولا تردوا تدبيره بتدبيركم إلى الجهال.
من لم يعمل بعلمه فهو جاهل ، وإن كان متقنا لحفظه والعمل بمعانيه .
تعلمك للعلم من غير عمل يردك إلى الخلق وعملك بالعلم يردك إلى الحق عز وجل ويزهدك في الدنيا ويبصرك بباطنك يشغلك عن تزیین الظاهر ويلهمك بتزيين الباطن فحينئذ يتولاك الحق عز وجل لأنك قد صلحت له ، قال الله عز وجل :
" وهو يتولى الصالحين".
يتولى ظواهرهم وبواطنهم , يربي ظواهرهم بيد حكمته وبواطنهم بيد علمه .
فلا يخافون من غيره ولا يرجون غيره ولا يأخذون إلا منه ولا يعطون إلا فيه يستوحشون من غيره يستأنسون به ويسكنون إليه.
هذا آخر الزمان قد كثر فيه التغيير و التبدیل ، هو زمان الفترة زمان النفاق ونفاقه.
یا منافق أنت عبد الدنيا والخلق ترائيهم وتعمل لهم وتنسى نظر الحق عز وجل اليك.
تظهر أنك تعمل للآخرة وكل عملك وقصدك للدنيا.
عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : « إذا تزين العبد يعمل الآخرة وهو لا يريدها ولا يطلبها لعين في السموات باسمه ونسبه" .
إني أعرفكم يا منافقون من طريق الحكم والعلم ولكن أستر?م بستر الله عز وجل.
( ويحك ) ما تستحي جوارحك ، ما طهرت من المعاصي والنجاسات الظاهرة ، تدعى طهارة الباطن طهارة القلب ما صحت فكيف السر ما تأدبت مع المخلوق وتدعى الأدب مع الخالق .
المعلم ما رضي عنك ولا تأدبت معه وقبلت منه أوامره .
تقعد في الدست وتتصدر لا كلام حتى يقوم توحيدك على رجله ويثبت بين يدي الحق عز وجل .
وتخرج من بيضة وجودك وتقعد في حجر اللطف وتكون تحت جناح الأنس به وتلقط حب الإخلاص وتشرب ماء المشاهدة .
ثم تبقى على ذلك إلى أن تصير دی?ا ، فحينئذ تصير حافظا للدجاج مؤثرا لهم بالحب مؤذنا منبها للناس في الليل والنهار تنبههم إلى طاعة ربهم عز وجل .
یا جاهل اترك الدفتر من يدك وتعال اقعد ههنا بين يدي على رأسك .
العلم يؤخذ من أفواه الرجال لا من الدفاتر يؤخذ من الحال لا من المقال ، يؤخذ من الفنانين عنهم وعن الخلق الباقين بالحق عز وجل .
الدائرة على فنائك عنك وعنهم ثم وجودك به ، مت عن غيره ثم أحيا به وله . اصحب خدم الحق عز وجل الذين لا يبرحون على بابه شغلهم الامتثال لأمره والانتهاء عن نهيه والموافقة لقدره شرط الرضا والموافقة والعبودية .
ويلك لا تكذب تدعى الرضا وتغيرك بقة ولقمة وكلمة وكسر عرض .
لا تكذب ما أسمع كذبك ولا أعمل به , ولا أصدقك عليه .
آحاد أفراد من الخلق يوحي إلى قلوبهم يقذف إليها كلمات يخصها يعرفون الخير ويوقفون عليه كيف لا يكون كذلك وهم على متابعة الرسول في أقواله وأفعاله.
وهو عليه الصلاة والسلام أوحي إليه ظاهرا وهم يوحي إلى قلوبهم باطنا لأنهم وراثه وأتباعه في جميع ما أمرهم به.
إن أردت أن تصح لك هذه المتابعة فأكثر من ذكر الموت فإن ذكره يعينك على نفسك وهواك وشيطانك وانعزالك عن دنياك .
من لم يتعظ بالموت فما الى وعظه سبيل ، قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : "كفى بالموت واعظا".
قسمك يأتيك إن زهدت أو رغبت ، فإذا زهدت وصل أليك قسمك وأنت عزيز.
وإذا رغبت وصل إليك وأنت غير عزیز .
المنافق يستحي من الله عز وجل وقت حضور الخلق عنده و يتواقح عليه وقت خلوته .
( ويلك ) لو صح إيمانك به واعتقادك أنه ناظر إليك قريب منك رقيب عليك لاستحيت منه.
إني أقول لكم الحق ولا أخاف منكم ولا أرجوكم أنتم وأهل الأرض عندي كالبق وكالذر لأني أرى الضر والنفع من الله عز وجل لا منكم .
المماليك والملوك عندي سواء أنكروا على أنفسكم وعلى غيركم بالشرع لا بالهوى والنفس والطبع .
ما سكت الشرع عنه فوافقوه في سكوته وما نطق به فوافقوه في نطقه .
( یا غلام ) لا تنكر على غيرك بنفسك وهواك بل أنكر عليه بإيمانك ، الإيمان هو المنكر ، واليقين هو المزيل ، والرب عز وجل هو الناصر ينصرك ويباهي بك .
قال الله عز وجل : " إن ينصركم الله فلا غالب لكم" .
وقال الله عز وجل : " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ".
إذا أنكرت منكرا غيرة لله عز وجل أعانك على إزالته ونصرك على أهله وأذلهم لك.
وإذا أنكرته بنفسك وهواك وشيطانك وطبعك خذلك ولم ينصرك على أهله ، ولم تقدر على إزالته.
الإيمان هو المنكر فكل من?ر لا يكون إنكاره بالإيمان فليس بمنكر.
الإنكار بلا أنت تريد أن يكون لله عز وجل لا لخلقه لدينه لا لنفسك له لا لك .
دع عنك الهوس وأخلص في أعمالك الموت على رصد منك لا بد لك من العبور على قنطرته.
دع عنك هذا الحرص الذي قد فضحك ماهو لك لا بد أن يأتيك وما هو لغيرك لا يأتيك فاشتغل بالله عز وجل واترك طلب مالك وما لغيرك .
قال الله عز وجل لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه " .
أشد الأشياء على من عرف الله عز وجل ، النطق مع الخلق والقعود معهم .
ولهذا يكون ألف عارف والمتكلم فيهم واحد إلا أنه يحتاج إلى قوة الأنبياء عليهم السلام وكيف لا يحتاج إلى قوتهم وهو يريد أن يقعد بين أجناس الخلق يخالط من يعقل ومن لا يعقل .
يقعد مع منافق ومؤمن فهو على مقاساة عظيمة صابر على ما يكره ومع ذلك فهو محفوظ فيما هو فيه معان عليه لأنه ممتثل لأمر الحق عز وجل في كلامه على الخلق لم يتكلم بنفسه وهواه واختياره وإرادته إنما أجبر على الكلام فلا جرم يحفظ فيه .
إن أردت أن تعرف الله عز وجل فأسقط قدر الخلق من قلبك فيما يلي الضر والنفع فإنك ما تعرفه إلا بذلك ،
( ويحك ) الدنيا في اليد يجوز في الجيب يجوز ادخارها السبب بنية صالحة يجوز ، أما في القلب فلا يجوز .
وقوفها على الباب يجوز أما دخولها إلى ما وراء الباب لا ولا كرامة لك .
إذا فني هذا العبد عنه وعن الخلق صار كأنه مفقود ممحولا يتغير باطنه عند مجيء الآفات يوجد عند مجيء أمر الله عز وجل فيمتثله ، وعند مجيء نهيه فينتهي عنه.
لا يتمنى شيئا ولا يحرص على شيء يرد التكوين إلى قلبه يسلم إليه تقليب الأعيان.
أين أنتم وهم یا خونة في العلم والعمل ، يا أعداء الله ورسوله ، يا قاطعي عباد الله عز وجل .
أنتم في ظلم ظاهر ونفاق ظاهر ، هذا النفاق الى متى يا علماء ويا زهاد ؟
كم تنافقون الملوك والسلاطين حتى تأخذوا منهم حطام الدنيا وشهواتها ولذاتها.
أنتم وأكثر الملوك في هذا الزمان ظلمة خونة في مال الله عز وجل في عباده ،
اللهم أكسر شوكة المنافقين واخذلهم أو تب عليهم واقمع الظلمة وطهر الأرض منهم أو أصلحهم آمين .
وقال رضي الله عنه :
يا ملوك یا مماليك يا ظالمون ويا عادلون يا منافقون ويا مخلصون الدنيا إلى أمد والآخرة إلى أبد .
فارق من سوى الحق عز وجل بمجاهدتك وزهدك ، نظف قلبك من غير ربك عز وجل .
احذر أن يصطادك شيء أو يحبسك شيء أو يوقفك شيء عن مولاك عز وجل .
فإذا جاءت الأقسام تناولها بيد الأمر بيد الموافقة على قدم الزهد فيها لا بيد الاختيار لها والحب لها .
الزهد إذا دام عمل في البدن فيورث في القلب حزنا وفي البنية نحولا فإذا تحقق هذا الحزن النحول جاء الفرج من الحق عز وجل بالفرح به والمعرفة له فيذهب الحزن والهم .
المؤمن منقطع القلب عن الخلق وعن الأهل والمال والولد ، وإنما يتشاغل بهم وقلبه منتظر لمجيء رسول الملك وصل باب البلد وقد ودع أهله وهو قاعد بينهم .
المؤمن أبدا مودع هو بين الخلق وقد ودعهم ذره مع الخلق وحبله مع الخالق .
إذا وقر التوحيد في القلب صح العمل من حيث الظاهر لأنه يستوي ظاهرك وباطنك غناك وفقرك إقبال الخلق وأدبارهم ذمهم لك ومدحهم .
كيف لا تخرجها وقد ضاقت مضغتك عنها بما رحبت وامتلأ قلبك بالله عز وجل وبذكره والشوق إليه ، فحينئذ : " هنالك الولاية لله الحق" .
تصير محبا حقا عالما معلما حكيما محكما قريبا مقربا أديبا مؤدبا مغني عن الخلق يعني مكفيا عنهم بكفاية .
يا جاهل تعلم من جهلك أنك قد تركت التعلم واشتغلت بالتعليم لا تتعب ما يجيء منك شيء ولا يفلح على يديك أحد لأن من لا يحسن أن يكون معلم نفسه فكيف يكون معلم غيره .
( یا قوم ) لا تعجزوا الله عز وجل قدره فتلحقوا بالكفار اعملوا بالحكم حتى يلحقهم ذلك العمل بالعلم.
فإذا تحقق عندكم العمل رأيتم القدرة فحينئذ يجعل التكوين في أيدي قلوبكم وأسراركم .
إذا لم يبق بينك وبين الله حجاب من حيث قلبك قدرك على التكوين و أطلعك على خزائن سره وأطعمك طعام فضله وسقاك شراب الأنس وأقعدك على مائدة القرب منه .
وكل هذا ثمرة العلم بالكتاب والسنة اعمل بها ولا تخرج عنها حتى يأتيك صاحب العلم الله عز وجل فيأخذك إليه.
إذا شهد لك معلم الحكم بالحزق في كتابه نقلك إلى كتاب العلم فإذا تحققت فيه أقيم قلبك ومعناك والنبي في صحبتهما آخذ بأيديها ويدخلهما إلى الملك
ويقول لهما : أنتما عرفتما .
وقال رضي الله تعالى عنه في عشرين من شعبان من السنة :
الدنيا كلها حكمة وعمل الآخرة كلها قدرة فهذه مبنية على الحكمة وتلك مبنية على القدرة .
فلا تترك العمل في دار الحكمة ولا تعجز قدرته في دار القدرة.
أعمل في دار الحكمة بحكمته ولا تتكل على قدرته.
لا تجعل القدر عذرا لنفسك فإنها تحتج به وتترك العمل.
العذر بالقدر حجة الكسالى إنما يكون العذر بالقدر في غير الأوامر والنواهي .
وقال رضي الله تعالى عنه بعد كلام :
المؤمن لا يسكن إلى هذه الدنيا ولا إلى ما فيها يأخذ قسمه منها ويتنحى بقلبه إلى الحق عز وجل .
يقف هناك حتى ينحي عنه وهج الدنيا ويؤذن لقلبه بالدخول عليه سفارة سره يخرج السر إلى القلب والقلب إلى النفس المطمئنة والجوارح الطائعة .
فبينا هو كذلك إذ أغنى عياله عنه وحيل بينه وبينهم يكفيه شرور الخلق ويطيعهم له ويحيل بين قلبه وقلوبهم ، ويبقى وحده مع ربه عز وجل.
كأن الخلق لم يخلقوا بالاضافة إليه ، كأن لا خلق لربه عز وجل سواه يبقى ربه عز وجل فاعلا وهو مفعول فيه ، يبقى مطلوبه وهو طالبه ، يبقى أصله وهو فرعه ، لا يعرف غيره ولا يرى غيره ، يطويه عن الخلق ." ثم إذا شاء أنشره".
لم يوجده بينهم لمصالحهم ولهدايتهم ويصبر على أذاهم لمرضاة الحق عز وجل .
القوم حراس القلوب والأسرار قائمون مع الحق عز وجل لا مع غيره عاملون له لا لغيره .
یا منافق ما عندك من هؤلاء القوم خبر ولا من الإيمان خبر ولا من الأنس بالله عز وجل خبر ، عن قريب تموت وتندم بعد الموت .
قد قنعت بفصاحة اللسان مع عجمة الجنان وهذا لا ينفعك ، الفصاحة للقلب لا للسان ،ابك على نفسك ألفا وعلى غيرك مرة.
یا میت القلب يا غائب عن القوم یا مدبرا یا محجوبا بك وبالخلق عن الحق عز وجل .
إلهي أني كنت أخرس فأنطقتني فأنفع الخلق بنطقي وكمل لهم الصلاح على يدي وإلا ردني إلى الخرس .
( یا قوم ) إني أدعوكم إلى الموت الأحمر وهو مخالفة النفس والهوى والطبع والشيطان والدنيا والخروج عن الخلق وترك ما سوى الحق عز وجل في الجملة جاهدوا في هذه الأحوال ولا تيأسوا
فإن الحق عز وجل : "كل يوم هو في شأن ".
أسالوه على قدر قدرته ؟
اسألوه من حيث القدرة لا من حيث الحكمة ؟
اسألوه من حيث علمه لا من حيث علمكم ؟
اسألوه بقلوبكم وأسراركم لا بلقلقة اللسان ؟
اسألوه من وراء تجوز علمكم وقدرتكم ؟
قفوا بين يديه على قدم الإفلاس من جميع الأشياء ، لاتتعاملوا عليه ، ولا تتمقدروا عليه ، ولا تتعملقوا عليه ، ولا تردوا تدبيره بتدبيركم إلى الجهال.
من لم يعمل بعلمه فهو جاهل ، وإن كان متقنا لحفظه والعمل بمعانيه .
تعلمك للعلم من غير عمل يردك إلى الخلق وعملك بالعلم يردك إلى الحق عز وجل ويزهدك في الدنيا ويبصرك بباطنك يشغلك عن تزیین الظاهر ويلهمك بتزيين الباطن فحينئذ يتولاك الحق عز وجل لأنك قد صلحت له ، قال الله عز وجل :
" وهو يتولى الصالحين".
يتولى ظواهرهم وبواطنهم , يربي ظواهرهم بيد حكمته وبواطنهم بيد علمه .
فلا يخافون من غيره ولا يرجون غيره ولا يأخذون إلا منه ولا يعطون إلا فيه يستوحشون من غيره يستأنسون به ويسكنون إليه.
هذا آخر الزمان قد كثر فيه التغيير و التبدیل ، هو زمان الفترة زمان النفاق ونفاقه.
یا منافق أنت عبد الدنيا والخلق ترائيهم وتعمل لهم وتنسى نظر الحق عز وجل اليك.
تظهر أنك تعمل للآخرة وكل عملك وقصدك للدنيا.
عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : « إذا تزين العبد يعمل الآخرة وهو لا يريدها ولا يطلبها لعين في السموات باسمه ونسبه" .
إني أعرفكم يا منافقون من طريق الحكم والعلم ولكن أستر?م بستر الله عز وجل.
( ويحك ) ما تستحي جوارحك ، ما طهرت من المعاصي والنجاسات الظاهرة ، تدعى طهارة الباطن طهارة القلب ما صحت فكيف السر ما تأدبت مع المخلوق وتدعى الأدب مع الخالق .
المعلم ما رضي عنك ولا تأدبت معه وقبلت منه أوامره .
تقعد في الدست وتتصدر لا كلام حتى يقوم توحيدك على رجله ويثبت بين يدي الحق عز وجل .
وتخرج من بيضة وجودك وتقعد في حجر اللطف وتكون تحت جناح الأنس به وتلقط حب الإخلاص وتشرب ماء المشاهدة .
ثم تبقى على ذلك إلى أن تصير دی?ا ، فحينئذ تصير حافظا للدجاج مؤثرا لهم بالحب مؤذنا منبها للناس في الليل والنهار تنبههم إلى طاعة ربهم عز وجل .
یا جاهل اترك الدفتر من يدك وتعال اقعد ههنا بين يدي على رأسك .
العلم يؤخذ من أفواه الرجال لا من الدفاتر يؤخذ من الحال لا من المقال ، يؤخذ من الفنانين عنهم وعن الخلق الباقين بالحق عز وجل .
الدائرة على فنائك عنك وعنهم ثم وجودك به ، مت عن غيره ثم أحيا به وله . اصحب خدم الحق عز وجل الذين لا يبرحون على بابه شغلهم الامتثال لأمره والانتهاء عن نهيه والموافقة لقدره شرط الرضا والموافقة والعبودية .
ويلك لا تكذب تدعى الرضا وتغيرك بقة ولقمة وكلمة وكسر عرض .
لا تكذب ما أسمع كذبك ولا أعمل به , ولا أصدقك عليه .
آحاد أفراد من الخلق يوحي إلى قلوبهم يقذف إليها كلمات يخصها يعرفون الخير ويوقفون عليه كيف لا يكون كذلك وهم على متابعة الرسول في أقواله وأفعاله.
وهو عليه الصلاة والسلام أوحي إليه ظاهرا وهم يوحي إلى قلوبهم باطنا لأنهم وراثه وأتباعه في جميع ما أمرهم به.
إن أردت أن تصح لك هذه المتابعة فأكثر من ذكر الموت فإن ذكره يعينك على نفسك وهواك وشيطانك وانعزالك عن دنياك .
من لم يتعظ بالموت فما الى وعظه سبيل ، قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : "كفى بالموت واعظا".
قسمك يأتيك إن زهدت أو رغبت ، فإذا زهدت وصل أليك قسمك وأنت عزيز.
وإذا رغبت وصل إليك وأنت غير عزیز .
المنافق يستحي من الله عز وجل وقت حضور الخلق عنده و يتواقح عليه وقت خلوته .
( ويلك ) لو صح إيمانك به واعتقادك أنه ناظر إليك قريب منك رقيب عليك لاستحيت منه.
إني أقول لكم الحق ولا أخاف منكم ولا أرجوكم أنتم وأهل الأرض عندي كالبق وكالذر لأني أرى الضر والنفع من الله عز وجل لا منكم .
المماليك والملوك عندي سواء أنكروا على أنفسكم وعلى غيركم بالشرع لا بالهوى والنفس والطبع .
ما سكت الشرع عنه فوافقوه في سكوته وما نطق به فوافقوه في نطقه .
( یا غلام ) لا تنكر على غيرك بنفسك وهواك بل أنكر عليه بإيمانك ، الإيمان هو المنكر ، واليقين هو المزيل ، والرب عز وجل هو الناصر ينصرك ويباهي بك .
قال الله عز وجل : " إن ينصركم الله فلا غالب لكم" .
وقال الله عز وجل : " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ".
إذا أنكرت منكرا غيرة لله عز وجل أعانك على إزالته ونصرك على أهله وأذلهم لك.
وإذا أنكرته بنفسك وهواك وشيطانك وطبعك خذلك ولم ينصرك على أهله ، ولم تقدر على إزالته.
الإيمان هو المنكر فكل من?ر لا يكون إنكاره بالإيمان فليس بمنكر.
الإنكار بلا أنت تريد أن يكون لله عز وجل لا لخلقه لدينه لا لنفسك له لا لك .
دع عنك الهوس وأخلص في أعمالك الموت على رصد منك لا بد لك من العبور على قنطرته.
دع عنك هذا الحرص الذي قد فضحك ماهو لك لا بد أن يأتيك وما هو لغيرك لا يأتيك فاشتغل بالله عز وجل واترك طلب مالك وما لغيرك .
قال الله عز وجل لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه " .
أشد الأشياء على من عرف الله عز وجل ، النطق مع الخلق والقعود معهم .
ولهذا يكون ألف عارف والمتكلم فيهم واحد إلا أنه يحتاج إلى قوة الأنبياء عليهم السلام وكيف لا يحتاج إلى قوتهم وهو يريد أن يقعد بين أجناس الخلق يخالط من يعقل ومن لا يعقل .
يقعد مع منافق ومؤمن فهو على مقاساة عظيمة صابر على ما يكره ومع ذلك فهو محفوظ فيما هو فيه معان عليه لأنه ممتثل لأمر الحق عز وجل في كلامه على الخلق لم يتكلم بنفسه وهواه واختياره وإرادته إنما أجبر على الكلام فلا جرم يحفظ فيه .
إن أردت أن تعرف الله عز وجل فأسقط قدر الخلق من قلبك فيما يلي الضر والنفع فإنك ما تعرفه إلا بذلك ،
( ويحك ) الدنيا في اليد يجوز في الجيب يجوز ادخارها السبب بنية صالحة يجوز ، أما في القلب فلا يجوز .
وقوفها على الباب يجوز أما دخولها إلى ما وراء الباب لا ولا كرامة لك .
إذا فني هذا العبد عنه وعن الخلق صار كأنه مفقود ممحولا يتغير باطنه عند مجيء الآفات يوجد عند مجيء أمر الله عز وجل فيمتثله ، وعند مجيء نهيه فينتهي عنه.
لا يتمنى شيئا ولا يحرص على شيء يرد التكوين إلى قلبه يسلم إليه تقليب الأعيان.
أين أنتم وهم یا خونة في العلم والعمل ، يا أعداء الله ورسوله ، يا قاطعي عباد الله عز وجل .
أنتم في ظلم ظاهر ونفاق ظاهر ، هذا النفاق الى متى يا علماء ويا زهاد ؟
كم تنافقون الملوك والسلاطين حتى تأخذوا منهم حطام الدنيا وشهواتها ولذاتها.
أنتم وأكثر الملوك في هذا الزمان ظلمة خونة في مال الله عز وجل في عباده ،
اللهم أكسر شوكة المنافقين واخذلهم أو تب عليهم واقمع الظلمة وطهر الأرض منهم أو أصلحهم آمين .
وقال رضي الله عنه :
يا ملوك یا مماليك يا ظالمون ويا عادلون يا منافقون ويا مخلصون الدنيا إلى أمد والآخرة إلى أبد .
فارق من سوى الحق عز وجل بمجاهدتك وزهدك ، نظف قلبك من غير ربك عز وجل .
احذر أن يصطادك شيء أو يحبسك شيء أو يوقفك شيء عن مولاك عز وجل .
فإذا جاءت الأقسام تناولها بيد الأمر بيد الموافقة على قدم الزهد فيها لا بيد الاختيار لها والحب لها .
الزهد إذا دام عمل في البدن فيورث في القلب حزنا وفي البنية نحولا فإذا تحقق هذا الحزن النحول جاء الفرج من الحق عز وجل بالفرح به والمعرفة له فيذهب الحزن والهم .
المؤمن منقطع القلب عن الخلق وعن الأهل والمال والولد ، وإنما يتشاغل بهم وقلبه منتظر لمجيء رسول الملك وصل باب البلد وقد ودع أهله وهو قاعد بينهم .
المؤمن أبدا مودع هو بين الخلق وقد ودعهم ذره مع الخلق وحبله مع الخالق .
إذا وقر التوحيد في القلب صح العمل من حيث الظاهر لأنه يستوي ظاهرك وباطنك غناك وفقرك إقبال الخلق وأدبارهم ذمهم لك ومدحهم .
كيف لا تخرجها وقد ضاقت مضغتك عنها بما رحبت وامتلأ قلبك بالله عز وجل وبذكره والشوق إليه ، فحينئذ : " هنالك الولاية لله الحق" .
تصير محبا حقا عالما معلما حكيما محكما قريبا مقربا أديبا مؤدبا مغني عن الخلق يعني مكفيا عنهم بكفاية .
يا جاهل تعلم من جهلك أنك قد تركت التعلم واشتغلت بالتعليم لا تتعب ما يجيء منك شيء ولا يفلح على يديك أحد لأن من لا يحسن أن يكون معلم نفسه فكيف يكون معلم غيره .
( یا قوم ) لا تعجزوا الله عز وجل قدره فتلحقوا بالكفار اعملوا بالحكم حتى يلحقهم ذلك العمل بالعلم.
فإذا تحقق عندكم العمل رأيتم القدرة فحينئذ يجعل التكوين في أيدي قلوبكم وأسراركم .
إذا لم يبق بينك وبين الله حجاب من حيث قلبك قدرك على التكوين و أطلعك على خزائن سره وأطعمك طعام فضله وسقاك شراب الأنس وأقعدك على مائدة القرب منه .
وكل هذا ثمرة العلم بالكتاب والسنة اعمل بها ولا تخرج عنها حتى يأتيك صاحب العلم الله عز وجل فيأخذك إليه.
إذا شهد لك معلم الحكم بالحزق في كتابه نقلك إلى كتاب العلم فإذا تحققت فيه أقيم قلبك ومعناك والنبي في صحبتهما آخذ بأيديها ويدخلهما إلى الملك
ويقول لهما : أنتما عرفتما .
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin