كتاب الفتح الرباني والفيض الرحماني للشيخ عبد القادر الجيلاني ـ 50 تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم

المجلس الخمسون تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم
وقال رضي الله تعالى عنه بكرة الجمعة في المدرسة ثامن عشر شعبان سنة خمس وأربعين وخمسمائة بعد كلام :
اشتغل بإصلاحك وصلاحك ودع عنك القال والقيل وهوس الدنيا تفرغ من همومها ما استطعت .
كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم".
یا جاهلا بالدنيا لو عرفتها ما طلبتها ، إن جاءت إليك أتعبتك ، وإن تولت حسرتك.
لو عرفت الله عز وجل لعرفت به غيره ولكنك جاهل به وبرسله وأنبيائه وأوليائه .
( ويحك ) أما تتعظ بما جرى على من تقدم من الخلق من هذه الدنيا .
اطلب الخلاص منها ، اخلع لباسها واهرب منها اخلع لباس النفس وسر إلى باب الحق عز وجل.
إذا انخلعت من نفسك فقد انخلعت مما سوى الله عز وجل ، وإن كان ما سواه تابعا للنفس فتح عن نفسك وقد رأيت ربك عز وجل.
سلم إليه وقد سلمت جاهد فيه وقد اهتديت ، واشكره وقد زادك سلم إياك والخلق إليه ، لا تعترض عليه فيك ولا في غيرك.
القوم لا يريدون مع الله عز وجل إرادة ولا يختارون معه اختيارا ، لا يحرصون على طلب أقسامهم ، ولا ينظرون إلى أقسام غيرهم.
إن أردت صحبه القوم دنيا وآخرة فوافقه في أقواله وأفعاله وإرادته ، إني أراك قد عكست الأمر وجعلت مخالفته ومنازعته دأبك بالليل والنهار ، يقول لك افعل ولا تفعل .
كأنه هو العبد وأنت المعبود ، سبحانه ما أحلمه ، لولا حلمه لرأيت ضد ما عندك ،إن أردت الفلاح فعليك بالسكون بين يديه.
سكون الظاهر والباطن سوء الأدب عندي وإنما أعده رخصة ، أد الأمر وانته عن النهي .
ووافق القدر وسكن ظاهر و باطنك عن الكلام بين يديه وقد رأيت الخير دنیا وآخرة ، لا تسأل الخلق شيئا فإنهم عجزة فقراء لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرا ولا نفعا .
اصبر مع الله عز وجل لا تستعجله ولا تستبخله ولا تتهمه عليها هو أشفق عليكم منكم ، منك عليك .
ولهذا قال بعضهم إيش علي مني ، عليكم بالموافقة له عز وجل فهو أعلم منكم بكم ليس كل ما فيه مصلحة لكم يطلعكم عليه .
قال الله عز وجل : " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
وقال : " ويخلق ما لا تعلمون" .
وقال : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا".
ومن أراد سلوك طريق الحق عز وجل فليهذب نفسه قبل سلوكه فهى سيئة الأدب لأن النفس أمارة بالسوء.
إيش تعمل عند الحق عز وجل كيف في سيرك إليه ؟
جاهدها حتى تطمئن فإذا اطمأنت استصحبها معك إلى بابه .
لا توافقها إلا بعد الرياضة بعد التعليم وحسن الأدب والطمأنينة إلى وعد الله عز وجل ووعيده .
هي عمياء خرساء طرشاء مخبلة جاهلة بربها عز وجل عدوة له .
فبدوام المجاهدات تنفتح عيناها وينطلق لسانها وتسمع أذنها ویزول خبلها وجهلها وعداوتها لربها عز وجل.
وهذا يحتاج إلى حبال ورجال ودوام ساعة بعد ساعة و يوم بعد يوم وسنة بعد سنة.
ما يجيء هذا مجاهدة ساعة يوم شهر اضربها بسوط الجوع امنعها حظها وأوفها حقها .
احمل عليها ولا تخف من سيفها وسكينها سيفها خشب ما هو حديد ، لها ?لام بلا أفعال ، كذب بلا صدق ، عهد بلا وفاء.
لا مودة لها ، جولة بلا دولة ، إبليس الذي هو أميرها لا قوة له عن المؤمنين الصادقين في عداوته ومخالفته فكيف هي.
لا تظن أنه دخل الجنة وأخرج آدم عليه السلام منها بقوته .وإنما الحق عز وجل قواه على ذلك وجعله سببا لا أصلا.
یا قليل العقل لا تهرب من باب الحق عز وجل لأجل بلية يبتليك بها فإنه أعرف منك بمصلحتك ما يبتليك إلا لفائدة وحكمة .
إذا ابتلاك فاثبت وارجع إلى ذنوبك وأكثر الاستغفار والتوبة واسأله الصبر والثبات عليها ، وقف بين يديه و تعلق بذيل رحمته واسأله ?شف ذلك عنك وبيان وجه المصلحة فيه .
إن أردت الفلاح فاصحب شيخا عالما بحكم الله عز وجل وعلمه يعلمك و يؤدبك ويعرفك الطريق إلى الله عز وجل .
المريد لا بد له من قائد ودلیل لأنه في برية فيها عقارب وحيات وآفات وعطش وسباع مهلكة .
فيحذره من هذه الآفات ويدله على موضع الماء والأشجار المثمرة .
فإذا كان وحده من غير دلیل وقع في أرض مسبعة وعرة كثيرة السباع والعقارب والحيات والآفات .
یا مسافرا في طريق الدنيا لا تفارق القافلة والدليل والرفقاء وإلا ذهب منك مالك وروحك .
وأنت یا مسافرا في طريق الآخرة كن أبدا مع الدليل إلى أن يوصلك إلى المنزل ، اخدمه في الطريق وأحسن أدبك معه ولا تخرج عن رأيه فيعلمك ويقربك إليه ثم يستنيبك في الطريق لرؤيته نجابتك وصدقك وحذقك .
فيصيرك أميرا فيها وسلطانا على أهلها ، يستخلفك في مراكبه فلا تزال على ذلك إلى أن يأتي بك إلى نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم.
فيسلمك إليه فيقربك عينا ثم يستنيبك على القلوب والأحوال والمعاني فتصير سفيرا بين الله عز وجل وبين خلقه غلاما بين يدي نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم .
تأتي إلى الخلق والخالق مرة ، بعد مرة هذا شيء لا يجيء بالتخلي والتمني ولكن بشيء وقر في الصدور وصدقه العمل.
القوم نزاع العشائر من كل ألف ألف إلى انقطاع النفس واحد .
يسمعون كلام الله عز وجل بقلوبهم ومعانيهم ويصدقون ذلك السماع بأعمال جوارحهم .
يا جهال توبوا إلى الله عز وجل وارجعو إلى جادة الصديقين واتبعوهم في أقوالهم وأفعالهم .
ولا تتبعوا بنبات " المدعين في" الطرق المنافقين الطالبين الدنيا المعرضين عن الآخرة التاركين لجادة الحق عز وجل التي كان عليها من تقدم ، خذوا يمينا وشمالا ووراء .
طلبوا طريق الكسالى ولم يمروا بجادتهم في الجادة الصحيحة التي هي الطريق إلى الحق عز وجل .
( يا غلام ) هؤلاء الذين تعاشرهم في الدنيا للدنيا غدا لا تراهم تقطع بينكم ، فكيف لا تقطع بينك وبين أقرانك السوء الذين عاشرتهم في غير الله عز وجل.
إن كان ولا بد لك من معاشرة الخلق فعاشر المتورعين المتزهدين العارفين العاملين مريدي الحق عز وجل ومرادیه .
عاشر من يأخذ منك الخلق ويعطيك قرب الحق عز وجل .
يأخذ منك الضلال ويقيمك على الجادة يعصب عينيك عن الدنيا ثم يفتحها على الآخرة .
ينحي من بين يديك طبق الدنيا ويترك بدله طبق الأخرى .
ينحي عنك الخفاية ويترك بدها الحرية .
يقيمك من بين الحيات والعقارب والسباع و يقعدك في الأمن والراحة والطيبة.
عاشر من هذه صفته واصبر على كلامه واقبل أمره ونهيه وقد رأيت الخير عاجلا غير أن أجل.
الشجاعة صبر ساعة بك لا يجيء شيء ولابد منك .
اشتر الرز?ارية والزنبيل واقعد على باب العمل فإن قدر عملك فسوف تعمل .
أعط السبب حقه وتوكل واقعد على باب العمل فإن أخذوا الرز?ارية ولم يأخذوك لا تبرح من مكانك حتى تيأس من أحد يدعوك إلى عمله.
فحينئذ ألق نفسك في بحر التوكل فتجمع بين السبب والمسبب .
أحسن أدبك بين يدي معلمك ولی?ن صمتك أكثر من نطقك .
فإن ذلك سبب لتعلمك وقربك إلى قلبه حسن الأدب يقربك وسوء الأدب يبعدك ، كيف يحسن أدبك وأنت لا تخالط الأدباء ؟
كيف تتعلم وأنت لا ترضى بعلمك ولا تحسن ظنك فيه ؟.