الرسالة (90)
"المناجاة والحضور": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمد لله على نعمائه الظاهرة والباطنة، والصّلاة والسّلام على نبي الرحمة، الهادي إلى صراط مستقيم، وعلى آله وأصحابه، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
أمّا بعد: فقال تعالى: ((وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ))، ((وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ))، قال أهل العلم: أتى بـ (مِنْ) لتنصيص العموم؛ فكل خير، وقربة، وعبادة، داخل في ذلك، أي فإن الله به عليم، وهذا يتضمن غاية الحث على أفعال الخير كلها، من جميع أنواع الطاعات، والقربات، والمحبوبات، وفي الإنفاق وغيره؛ كما قال تعالى: ((لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ))، إنفاقاً في مرضاة الله تعالى، وفي سبيل البر والخيرات.
"أي سادة": نفقة البدن: العبادة بالدوام، ونفقة اللسان: دوام الذكر والتلاوة، ونفقة العينين: نظرهما بالاعتبار، ودراسة العلوم، والقرآن المجيد، فالحذر ثم الحذر من الغفلات، في المجالس وغيرها، التي فيها لهو مباح، أو مكروه الذي يشغلك؛ عن "المناجاة والحضور"؛ فكيف بجلسات نظر الحرام، كالنظر إلى التلفاز؛ فهو آله لهوٍ فيه المحرم. فتنبه.
فاحتسبوا أنفسكم، وأموالكم، وأهليكم، لله لا لغيره؛ فكن منفقاً ما لديك، سواء كان ذلك: كلاماً، أو صمتاً، أو نوماً، وغير ذلك، وكن دائماً بحضورٍ، ومناجاة، وذكر، وخدمة، واجتهد من الوظائف ما هو الأقرب إلى الله تعالى؛ كما قال ـ جلَّ وعلا: ((أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ))؛ فاجتهد بعظيم التوجه والقصد إلى الله تعالى، واجعل نومك، وقومتك، لله ـ جلَّ وعلا؛ كما قال سيدنا معاذ بن جبل ـ رضي الله تعالى عنه: (أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي بِمَا أَحْتَسِبُ بِهِ قَوْمَتِي)، فشهد له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالفقه والأفضلية؛ أما الفقه: فقال له ـ صلى الله عليه وسلم: ((هذا من العلم))، أما الأفضلية: فلقوله ـ صلى الله عليه وسلم: ((يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ))، فَقَالَ: ((أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ))، وفي السنة يكرر هذا الورد ثلاث مرات، بعد كل فريضة، والزيادة في النوافل والدعاء طيب.
((يَعْلَمْهُ اللّهُ))، فيكفيكم علمه ـ جلَّ وعلا ـ على ما سواه، ويجازيكم على وفق ما قدره وقضاه، ولا يظلم ربك أحداً، ((وَتَزَوَّدُواْ)) بالتقوى عن الدنيا وما فيها؛ لمعادكم بالاتقاء عن رضى المولى ـ جلَّ في علاه.
((فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))، وهو الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة وأنس ونعيم دائم أبدا، وفي الخبر قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: ((خير الزاد التقوى، وخير ألقي في القلب اليقين))، ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به، الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين، الناجين من العذاب الأليم.
"أي إخوتي": صحبة العارفين بالله تعالى؛ من زاد التقوى؛ كما قال تعالى: ((وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً))، وقال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ)). فتأمل.
"أي سادة": إن الإنسان له سفران، سفر في الدنيا، وسفر من الدنيا؛ فالسفر في الدنيا لا بد له من زاد، وهو: الطعام، والشراب، والمركب، والمال.
والسفر من الدنيا لا بد له أيضاً من زاد، وهو: معرفة الله، ومحبته، والإعراض عمّا سواه؛ بالاشتغال بطاعته، والاجتناب عن مخالفته ومناهيه؛ وهذا الزاد خير من زاد المسافر في الدنيا؛ لأن زاد الدنيا يخلصك من عذاب منقطع؛ وزاد الآخرة يخلصك من عذاب دائم، وزاد الدنيا فان، وزاد الآخرة يوصلك إلى لذات باقية خالصة أبدية لا تنتهي، اللَّهم؛ أدركنا بلطفك، يا خفي الألطاف، يا لطيف يا واسع يا عليم، يا الله.
((وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ))، فإن قضية اللب: خشية الله وتقواه؛ حثهم على التقوى، ثم أمرهم أن يكون المقصود بها هو الله تعالى، فيتبرأوا عن كل شيء سواه، وهو مقتضى العقل المعرى عن شوائب الهوى؛ فلذلك خص أولوا الألباب بالخطاب؛ فإن لم يتقه فكأنه لا لب له؛ فعلى العاقل تخليص العقل من الشوائب، وتهذيب النفس وتكميلها بالوصول إلى أعلى المراتب.
اللَّهم؛ آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها،أنت وليها ومولاها.
اللَّهم؛ أنت الذي أنعمت، أنت الذي هديت، فزدنا ولا تنقصنا اختم حياتنا عليك، وامتنا على كمال الحب والإيمان، يا الله، ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))، ((سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).
ابنه وخادمه محمّد
"المناجاة والحضور": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمد لله على نعمائه الظاهرة والباطنة، والصّلاة والسّلام على نبي الرحمة، الهادي إلى صراط مستقيم، وعلى آله وأصحابه، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
أمّا بعد: فقال تعالى: ((وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ))، ((وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ))، قال أهل العلم: أتى بـ (مِنْ) لتنصيص العموم؛ فكل خير، وقربة، وعبادة، داخل في ذلك، أي فإن الله به عليم، وهذا يتضمن غاية الحث على أفعال الخير كلها، من جميع أنواع الطاعات، والقربات، والمحبوبات، وفي الإنفاق وغيره؛ كما قال تعالى: ((لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ))، إنفاقاً في مرضاة الله تعالى، وفي سبيل البر والخيرات.
"أي سادة": نفقة البدن: العبادة بالدوام، ونفقة اللسان: دوام الذكر والتلاوة، ونفقة العينين: نظرهما بالاعتبار، ودراسة العلوم، والقرآن المجيد، فالحذر ثم الحذر من الغفلات، في المجالس وغيرها، التي فيها لهو مباح، أو مكروه الذي يشغلك؛ عن "المناجاة والحضور"؛ فكيف بجلسات نظر الحرام، كالنظر إلى التلفاز؛ فهو آله لهوٍ فيه المحرم. فتنبه.
فاحتسبوا أنفسكم، وأموالكم، وأهليكم، لله لا لغيره؛ فكن منفقاً ما لديك، سواء كان ذلك: كلاماً، أو صمتاً، أو نوماً، وغير ذلك، وكن دائماً بحضورٍ، ومناجاة، وذكر، وخدمة، واجتهد من الوظائف ما هو الأقرب إلى الله تعالى؛ كما قال ـ جلَّ وعلا: ((أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ))؛ فاجتهد بعظيم التوجه والقصد إلى الله تعالى، واجعل نومك، وقومتك، لله ـ جلَّ وعلا؛ كما قال سيدنا معاذ بن جبل ـ رضي الله تعالى عنه: (أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي بِمَا أَحْتَسِبُ بِهِ قَوْمَتِي)، فشهد له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالفقه والأفضلية؛ أما الفقه: فقال له ـ صلى الله عليه وسلم: ((هذا من العلم))، أما الأفضلية: فلقوله ـ صلى الله عليه وسلم: ((يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ))، فَقَالَ: ((أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ))، وفي السنة يكرر هذا الورد ثلاث مرات، بعد كل فريضة، والزيادة في النوافل والدعاء طيب.
((يَعْلَمْهُ اللّهُ))، فيكفيكم علمه ـ جلَّ وعلا ـ على ما سواه، ويجازيكم على وفق ما قدره وقضاه، ولا يظلم ربك أحداً، ((وَتَزَوَّدُواْ)) بالتقوى عن الدنيا وما فيها؛ لمعادكم بالاتقاء عن رضى المولى ـ جلَّ في علاه.
((فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))، وهو الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة وأنس ونعيم دائم أبدا، وفي الخبر قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: ((خير الزاد التقوى، وخير ألقي في القلب اليقين))، ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به، الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين، الناجين من العذاب الأليم.
"أي إخوتي": صحبة العارفين بالله تعالى؛ من زاد التقوى؛ كما قال تعالى: ((وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً))، وقال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ)). فتأمل.
"أي سادة": إن الإنسان له سفران، سفر في الدنيا، وسفر من الدنيا؛ فالسفر في الدنيا لا بد له من زاد، وهو: الطعام، والشراب، والمركب، والمال.
والسفر من الدنيا لا بد له أيضاً من زاد، وهو: معرفة الله، ومحبته، والإعراض عمّا سواه؛ بالاشتغال بطاعته، والاجتناب عن مخالفته ومناهيه؛ وهذا الزاد خير من زاد المسافر في الدنيا؛ لأن زاد الدنيا يخلصك من عذاب منقطع؛ وزاد الآخرة يخلصك من عذاب دائم، وزاد الدنيا فان، وزاد الآخرة يوصلك إلى لذات باقية خالصة أبدية لا تنتهي، اللَّهم؛ أدركنا بلطفك، يا خفي الألطاف، يا لطيف يا واسع يا عليم، يا الله.
((وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ))، فإن قضية اللب: خشية الله وتقواه؛ حثهم على التقوى، ثم أمرهم أن يكون المقصود بها هو الله تعالى، فيتبرأوا عن كل شيء سواه، وهو مقتضى العقل المعرى عن شوائب الهوى؛ فلذلك خص أولوا الألباب بالخطاب؛ فإن لم يتقه فكأنه لا لب له؛ فعلى العاقل تخليص العقل من الشوائب، وتهذيب النفس وتكميلها بالوصول إلى أعلى المراتب.
اللَّهم؛ آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها،أنت وليها ومولاها.
اللَّهم؛ أنت الذي أنعمت، أنت الذي هديت، فزدنا ولا تنقصنا اختم حياتنا عليك، وامتنا على كمال الحب والإيمان، يا الله، ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))، ((سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).
ابنه وخادمه محمّد
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin