الرسالة (89)
"أهونية الإدراك": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والصّلاة والسّلام على أشرف الخلق، حبيب الحق، أكمل رسل الله ـ من روحي وروح العالمين فداه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أمّا بعدُ: فقال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)).
"أي سادة": نحن نكلم العقل، ثم نأتي بدلالة العلم، ثم بالدلالة الكبرى من أدلة الكتاب والسنة؛ ليكون الأمر مسلَّماً عقلاً وشرعاً.
فنقول وبالله التوفيق: لكل شيء عناصره، الذي يتكون منها، أو كما يقال: "المواد الأولية لكل صنعة"؛ فهذا الإنسان كوَّنه الله تعالى؛ أي: أنشأه النشأة الأولى؛ وكان عدماً محضاً قبل الوجود، وعناصر تكوينه ثلاثة:-
العنصر الأول: خَلَقه الله تعالى من التراب، فكوَّن خلاياه كلها فيه؛ كما قال تعالى: ((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ))، وقوله ـ جلَّ ثناؤه: ((وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً))، وقال ـ جلَّ شأنه: ((مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)).
العنصر الثاني: الروح التي هي سر الحياة؛ وهي لطيفة ربّانيّة جعلها الخالق المهيمن؛ مهيمنة على الجسد كله، وهي: من أمر الله ـ عزَّ وجلَّ؛ وهي مخلوقة قبل الجسد، وهي أبدية لا تموت؛ كما قال تعالى: ((وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي))، وقال ـ جلَّ شأنه: ((قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)).
ـ فإذا التقت الروح بالجسد الميت، وهو التراب، صار حياً بإذن الله الخلاق؛ كما قال ـ جلَّ مجده: ((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ))؛ "أي إخوتي": فكيف إذا التقت اللطيفة وهي الروح؛ بلطيفة القلب، بجلال وجمال اللطيف ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله. فتأملوا.
ـ والروح: سر حياتنا لا نراها؛ لأنها لطيفة من أمر الله؛ فكيف باللطيف الذي خلقها!؛ كما قال ـ جلَّ جلاله: ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)). فتأمل.
العنصر الثالث: الإدراك؛ كما قال ـ تبارك وتعالى: ((كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ))، فلا يعلم الإنسان بشيء قبل وجوده، وكان عدماً محضاً، فإدراكنا للوجود كان بعد الوجود.
ـ فإذا مات الإنسان وصار تراباً، فهو أهون عليه أن يدرك أن الذي سواه من لا وجود إلى وجود، ثم أنشأ فيه عناصر الوجود، بإرادة الربّ الموجود ـ جلَّ وعلا ـ الذي يرجعه إلى الوجود بعد ما تعلم الوجود؛ فإدراكك للرجعة بعد الموت مع بساطة الإدراك؛ لأنك خُلقت من لا وجود، ولا عناصر للوجود، وبعد الموت سترجع بإعادة؛ وليست النشأة الأولى، ولا خلق الروح، ولا عدم الإدراك.
ـ إذاً: عناصرك بعد الوجود، وبعد الموت موجودة؛ فخلقك ـ جلَّ وعلا ـ قبل الوجود وليس معك عنصر واحد، وأما بعد الموت فرجوعك وليس إنشاؤك مع وجود العناصر كلّها، "إنه لمثل أعلى في أهونية الإدراك"؛ فالذي سواك من لا وجود إلى وجود؛ فببساطة الإدراك ـ بالمسلَّم الذهني، واليقين الإيماني، أنك سترجع إلى الوجود بأمر الخالق البارئ المصور هو الله ـ جلَّ في علاه، والعناصر كلها موجودة؛ فانظر بإدراك وانتباه إلى قوله ـ جلَّ عظمته: ((وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)).
اللَّهم؛ أحينا في عالم الدنيا؛ بالإنابة والفناء والبقاء، وفي عالم البرزخ؛ بالأنس، وفسحة الدار، ويوم القيامة؛ بالرضا وحسن اللقاء، وارحم هذه الأمة المرحومة، بالحفظ والنصر والمغفرة والرحمات. آمينَ. والحمد لله رب العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
"أهونية الإدراك": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والصّلاة والسّلام على أشرف الخلق، حبيب الحق، أكمل رسل الله ـ من روحي وروح العالمين فداه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أمّا بعدُ: فقال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)).
"أي سادة": نحن نكلم العقل، ثم نأتي بدلالة العلم، ثم بالدلالة الكبرى من أدلة الكتاب والسنة؛ ليكون الأمر مسلَّماً عقلاً وشرعاً.
فنقول وبالله التوفيق: لكل شيء عناصره، الذي يتكون منها، أو كما يقال: "المواد الأولية لكل صنعة"؛ فهذا الإنسان كوَّنه الله تعالى؛ أي: أنشأه النشأة الأولى؛ وكان عدماً محضاً قبل الوجود، وعناصر تكوينه ثلاثة:-
العنصر الأول: خَلَقه الله تعالى من التراب، فكوَّن خلاياه كلها فيه؛ كما قال تعالى: ((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ))، وقوله ـ جلَّ ثناؤه: ((وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً))، وقال ـ جلَّ شأنه: ((مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)).
العنصر الثاني: الروح التي هي سر الحياة؛ وهي لطيفة ربّانيّة جعلها الخالق المهيمن؛ مهيمنة على الجسد كله، وهي: من أمر الله ـ عزَّ وجلَّ؛ وهي مخلوقة قبل الجسد، وهي أبدية لا تموت؛ كما قال تعالى: ((وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي))، وقال ـ جلَّ شأنه: ((قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)).
ـ فإذا التقت الروح بالجسد الميت، وهو التراب، صار حياً بإذن الله الخلاق؛ كما قال ـ جلَّ مجده: ((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ))؛ "أي إخوتي": فكيف إذا التقت اللطيفة وهي الروح؛ بلطيفة القلب، بجلال وجمال اللطيف ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله. فتأملوا.
ـ والروح: سر حياتنا لا نراها؛ لأنها لطيفة من أمر الله؛ فكيف باللطيف الذي خلقها!؛ كما قال ـ جلَّ جلاله: ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)). فتأمل.
العنصر الثالث: الإدراك؛ كما قال ـ تبارك وتعالى: ((كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ))، فلا يعلم الإنسان بشيء قبل وجوده، وكان عدماً محضاً، فإدراكنا للوجود كان بعد الوجود.
ـ فإذا مات الإنسان وصار تراباً، فهو أهون عليه أن يدرك أن الذي سواه من لا وجود إلى وجود، ثم أنشأ فيه عناصر الوجود، بإرادة الربّ الموجود ـ جلَّ وعلا ـ الذي يرجعه إلى الوجود بعد ما تعلم الوجود؛ فإدراكك للرجعة بعد الموت مع بساطة الإدراك؛ لأنك خُلقت من لا وجود، ولا عناصر للوجود، وبعد الموت سترجع بإعادة؛ وليست النشأة الأولى، ولا خلق الروح، ولا عدم الإدراك.
ـ إذاً: عناصرك بعد الوجود، وبعد الموت موجودة؛ فخلقك ـ جلَّ وعلا ـ قبل الوجود وليس معك عنصر واحد، وأما بعد الموت فرجوعك وليس إنشاؤك مع وجود العناصر كلّها، "إنه لمثل أعلى في أهونية الإدراك"؛ فالذي سواك من لا وجود إلى وجود؛ فببساطة الإدراك ـ بالمسلَّم الذهني، واليقين الإيماني، أنك سترجع إلى الوجود بأمر الخالق البارئ المصور هو الله ـ جلَّ في علاه، والعناصر كلها موجودة؛ فانظر بإدراك وانتباه إلى قوله ـ جلَّ عظمته: ((وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)).
اللَّهم؛ أحينا في عالم الدنيا؛ بالإنابة والفناء والبقاء، وفي عالم البرزخ؛ بالأنس، وفسحة الدار، ويوم القيامة؛ بالرضا وحسن اللقاء، وارحم هذه الأمة المرحومة، بالحفظ والنصر والمغفرة والرحمات. آمينَ. والحمد لله رب العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin