الرسالة (12)
"وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمد لله السرمدي الأبدي، والصّلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وآدم منجدل في طينته، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم ومحبيهم أهل الصدق والصفاء والوفاء ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ويرضى عنا بهم، آمين.
أمّا بعد: فقال تعالى: ((هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))، قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ)). رواه مسلم وغيره، روى البيهقي عن مقاتل بن حيان ـ رضي الله عنه، قال: بلغنا في قوله ـ عزَّ وجلَّ : (( هُوَ الْأَوَّلُ)) قبل كل شيء، ((وَالْآخِرُ)) بعد كل شيء، ((وَالظَّاهِرُ)) فوقَ كل شيء، ((وَالْبَاطِنُ)) أقرب من كل شيء. قال الإمام الجنيد ـ رضي الله عنه: نفى القدم عن كل أول بأوليته، ونفى البقاء عن كل آخر بآخريتهِ، واضطر الخلق إلى الإقرار بربوبيته بظاهريته، وحجب الأفهام عن إدراك كُنْهِه وكيفيتهِ بباطنيتهِ. اهـ. فسبحان عالم السر والنجوى؛ كما قال ـ جلَّ شأنه: ((وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى))، فلا يغيب عنه مثقال ذرة من عمل الظاهر والباطن، وأمرنا ـ جلَّ وعلا ـ بترك المآثم الظاهرة والباطنة؛ فقال تعالى: ((وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)): ((وَذَرُوا)) أي: اتركوا أيها المؤمنون الصادقون ((ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)) فالمآثم الظاهرية، وهي: ما ظهر للناس واكتسبته الجوارح، وهي: الإشراكُ بالله تعالى، والسحر، والقتل، والربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المؤمنات المحصنات، وعقوق الوالدين، والكذب، والزنا، وشرب الخمر، وقول الزور، والسرقة، والغيبة، والنميمة، والعزائم الباطلة، واتخاذ الأخدان، وغيرها.
ـ "وأما المآثم الباطنية"، وهي ما خفي عن الناس وكان من عمل القلب، التي هي أشد إثماً من المآثم الظاهرية؛ لأن من ضروب البلاغة: ((التعدي من الأدنى إلى الأعلى))، فعلى ذلك يكون باطن الإثم أشدُ إثماً من ظاهره؛ ومن هذه المآثم الباطنية: الحقد، والحسد، والضغائن، والطمع، والكبر، والرياء، والنفاق، وحب الدنيا، والعقائد الفاسدة، وأذية القلوب، والعُجب بالنفس ـ الذي هو من أخبث الخبائث، وبه لُعن إبليس اللعين؛ لقوله: ((قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)) ، وإعجاب المرء بنفسه لغير الخدمة في سبيله تعالى، مع نسيان نعمة الله عليه؛ قال تعالى حاكياً عن قارون: ((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)) ، ثم قال تعالى: ((فَخَسَفْنَا بِهِ)).
قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ مهلكات: شحٌ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وثلاثٌ منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا)).
"أي إخوتي" قبول العالم بدينه ودعوته؛ "بإخلاصه"، وقبول العارف مع ذلك؛ "بصفائه" ليكون القلب أهلاً لتجليات الحق، ومستودعاً للفيوضات الربانية.
"أي سادة" ليس لمن سلك، ولكن لمن سلك وملك، وليس بطول المدة ولكن لمن صدق، وليس لمن أُذن، ولكن لمن أناب وافتقر وخدم ـ ـ ليكون بين العبودية والخدمة، اللَّهم؛ وفقنا لذلك آمين.
اللَّهم؛ آتِ نفوسنا هداها وتقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
((رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )).
اللَّهم؛ يا مقلب القلوب والأبصار، ثبت قلوبنا على دينك ومحبتك، آمين.
((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)).
((سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).
ابنه وخادمه محمّد
"وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمد لله السرمدي الأبدي، والصّلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وآدم منجدل في طينته، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم ومحبيهم أهل الصدق والصفاء والوفاء ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ويرضى عنا بهم، آمين.
أمّا بعد: فقال تعالى: ((هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))، قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ)). رواه مسلم وغيره، روى البيهقي عن مقاتل بن حيان ـ رضي الله عنه، قال: بلغنا في قوله ـ عزَّ وجلَّ : (( هُوَ الْأَوَّلُ)) قبل كل شيء، ((وَالْآخِرُ)) بعد كل شيء، ((وَالظَّاهِرُ)) فوقَ كل شيء، ((وَالْبَاطِنُ)) أقرب من كل شيء. قال الإمام الجنيد ـ رضي الله عنه: نفى القدم عن كل أول بأوليته، ونفى البقاء عن كل آخر بآخريتهِ، واضطر الخلق إلى الإقرار بربوبيته بظاهريته، وحجب الأفهام عن إدراك كُنْهِه وكيفيتهِ بباطنيتهِ. اهـ. فسبحان عالم السر والنجوى؛ كما قال ـ جلَّ شأنه: ((وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى))، فلا يغيب عنه مثقال ذرة من عمل الظاهر والباطن، وأمرنا ـ جلَّ وعلا ـ بترك المآثم الظاهرة والباطنة؛ فقال تعالى: ((وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)): ((وَذَرُوا)) أي: اتركوا أيها المؤمنون الصادقون ((ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)) فالمآثم الظاهرية، وهي: ما ظهر للناس واكتسبته الجوارح، وهي: الإشراكُ بالله تعالى، والسحر، والقتل، والربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المؤمنات المحصنات، وعقوق الوالدين، والكذب، والزنا، وشرب الخمر، وقول الزور، والسرقة، والغيبة، والنميمة، والعزائم الباطلة، واتخاذ الأخدان، وغيرها.
ـ "وأما المآثم الباطنية"، وهي ما خفي عن الناس وكان من عمل القلب، التي هي أشد إثماً من المآثم الظاهرية؛ لأن من ضروب البلاغة: ((التعدي من الأدنى إلى الأعلى))، فعلى ذلك يكون باطن الإثم أشدُ إثماً من ظاهره؛ ومن هذه المآثم الباطنية: الحقد، والحسد، والضغائن، والطمع، والكبر، والرياء، والنفاق، وحب الدنيا، والعقائد الفاسدة، وأذية القلوب، والعُجب بالنفس ـ الذي هو من أخبث الخبائث، وبه لُعن إبليس اللعين؛ لقوله: ((قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)) ، وإعجاب المرء بنفسه لغير الخدمة في سبيله تعالى، مع نسيان نعمة الله عليه؛ قال تعالى حاكياً عن قارون: ((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)) ، ثم قال تعالى: ((فَخَسَفْنَا بِهِ)).
قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ مهلكات: شحٌ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وثلاثٌ منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا)).
"أي إخوتي" قبول العالم بدينه ودعوته؛ "بإخلاصه"، وقبول العارف مع ذلك؛ "بصفائه" ليكون القلب أهلاً لتجليات الحق، ومستودعاً للفيوضات الربانية.
"أي سادة" ليس لمن سلك، ولكن لمن سلك وملك، وليس بطول المدة ولكن لمن صدق، وليس لمن أُذن، ولكن لمن أناب وافتقر وخدم ـ ـ ليكون بين العبودية والخدمة، اللَّهم؛ وفقنا لذلك آمين.
اللَّهم؛ آتِ نفوسنا هداها وتقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
((رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )).
اللَّهم؛ يا مقلب القلوب والأبصار، ثبت قلوبنا على دينك ومحبتك، آمين.
((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)).
((سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).
ابنه وخادمه محمّد
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin