الرسالة (10)
"المغيبات الخمس": قال سيدي وسندي في علوم الكتاب والسنة حضرة الوالد الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)).
"أي ولدي": سؤالك الثالث: هل أن المغيبات الخمسة المذكورة في القرآن المجيد، والسنة الطاهرة، لا يعلمها إلا الله، ولا يُعلّم بها أحدا؛ فنقول وبالله التوفيق: علم الله لذاته ذات، أي الله عالم بذاته ، وصفات الله من ذاته؛ فهو قدوس في ذاته وصفاته وأفعاله؛ فإذا أراد شيئاً توجه إليه فكُون بالأمر كامل التقدير؛ مثال ذلك: الله بذاته مريد، فإذا أراد ـ جلّ وعلا ـ بدون أن يقول كن؛ لأنه ـ جلّ وعلا، منزه عن الحروف والأصوات؛ لأنها من صفات المخلوق؛ فتكوّن الأمر بإرادة ظاهرة التكوين، فالصفة عين الذات من حيث: الله عليم بذاته، مريد بذاته، متكلم بذاته، فلما رأينا آثار هذه القدرة وهذه الإرادة فصارت صفة من حيث التقدير؛ فلا هي خارجة عن الذات من حيث ذاتها لله، ولا هي عين الذات من حيث التقدير بالإرادة؛ فالله تعالى عالم بذاته علماً حقيقياً استغراقياً، وإذا شاء علّم وحده من الغيب الذي بيده تعالى؛ كما قال ـ جلَّ شأنه: ((عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى))، فالشديد بمعنى القوي، والقوي بمعنى الشديد؛ فالله من شدة قوته يعلم البادئ والمنتهي، ويعلمه من الغيب بمشيئته حيث شاء ـ جلَّ وعلا .
"أي ولدي": المغيبات الخمس: علمٌ غيبي بإحاطته عند ذات الحق وحده، وما يُرى اليوم من أمر معلومات الطب في الأرحام، والأنواء، وغيرهما يحتاج إلى إيضاح:-
فاعلم أن آية المغيبات الخمسة؛ لقوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))، جاءت بلغة القرآن وبِلُغَتِهِ العربية الموضحة لهذا الإبـهام، ومنها "براعةُ الاستهلالِ": فقد جاءت بخبر مقدم ـ والخبر يفيد العموم، فعمومُ الغيبِ في هذه المغيبات عندَهُ وَحدَهُ ـ جَلَّ وعلا ـ "والبعضُ منها وفي غيرها إذا شاء علّم"، كما أسلفنا من قبلُ. ولو أخذنا من المغيباتِ الخمسةِ واحدةٌ وهي: ((الأرحام))؛ كما قال تعالى: ((وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ))فـ ((يَعْلَمُ)) فعل مضارع للحال والاستقبال وهو: للعموم، فهو ـ جلَّ وعلا ـ يَعْلَمُ "الإقرار"، "والتكوين"، "والحياة المتصلة لحظةً بلحظةٍ من نطفتها إلى ولادتـها"؛ كما قال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) و((مَا)): "بمعنى الذي وتفيد الاستغراق لجميع الأرحام وما أُقِرَ فيها"؛ لقوله تعالى: ((وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ))، وقال تعالى: ((وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ))، وهي: "لكل الأرحامِ"، "وجميع الإقرار"، "وبكلِ التقديرِ" ـ وكما في الكون من مخلوقاتٍ ـ من انسها وجنّـها وحيواناتـها وطيورها وأشجارها ونباتاتها ومن البكتريا والفيروس وجميع الحشرات وغيرها ما يُعلم وما لا يُعلم، ما يُرى وما لا يُرى؛ كما قال تعالى: (( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)) ، إذاً: "من الذي يعلم هذا الإعجاز والتحدي بكلِ إقراره وحياةِ أشهرهِ وأيامِهِ ولحظاتهِ لكل أنثى في الوجود ؟ إلا اللَّه ـ الخالق البارئ المصور الجليل ـ جلَّ جلالهُ وعمَّ نوالهُ"؛ كما قال تعالى: ((اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)) ، "وهذا هو الغيبُ المتحدى بهِ، لا يَعلمه نبيٌ مرسل، ولا مَلَكٌ كريم، ولا قلبٌ مُلهَم، ولا قَلمٌ مُعلّم؛ وَقس على ذلك في الإحاطةِ بمُغيباتِ الله ـ تبارك وتعالى ربنا وتقدس".
ـ "وأمّا بشيءٍ من الأرحام" ـ كرحم إنسيَةٍ من أنثى البشرِ أو غيره، فهو: للتبعيض الذي أذِنَ الله بهِ ـ عزَّ وجل؛ كما قال تعالى: ((وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)). وقوله تعالى: (( فِي الْأَرْحَامِ ))، وهو: جَمعُ رحمٍ، والقاعدةُ في اللغة العربية: أن لام الجنس إذا دخل على المفرد أفاد العموم، وإذا دخل على الجمع أفاد النوع؛ كما قال الخالق المجيد ـ جَلَّت عظمته: ((هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))، "وهذا إعجازٌ غيبيٌّ آخر"؛ فالتحدي بالمغيبات التي لا يَعلَمُها إلا الله فهو: "الإقرارُ، والعمومُ، والاستغراقُ، والنوعُ، لكل ما خلق الله في أرحام أنثى المخلوقات كلها، ومن لحظة تكوينها إلى ولادتها". وأمّا قوله تعالى: ((بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ)) ، فقد أذِن الحق سبحانه، للنبوةِ بمشيئَتِهِ ورضوانه عن طريق وحي السماء أن يُعلّم النّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحداً من الأرحام؛ كما قال تعالى: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً))، أو عن طريق القلب؛ من الإلهام أو الفتح من خاصة رحمته لأحبابه؛ كما قال تعالى: ((قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً))، ومن ذلك ما روى الإمام مالك عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: ((وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ وَلَا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ)) قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا أَبَتِ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْتُهُ إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنْ الْأُخْرَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ((ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ أُرَاهَا جَارِيَةً))، وفي رواية: ((قد أُلقي في روعي أنها جارية فاستوصي بها خيرا))، فولدت أم كلثوم ـ رضي الله تعالى عنها، وغير ذلك كثير لأفراد الأمة بتوفيق الله ورحمته، والحمد لله على ذلك.
ـ وإما عن طريق القلم؛ لقوله تعالى: ((الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ))، أي: علمهم ـ جلَّ وعلا ـ بالقلم ما لم يعلموا، وهذا غيب أذن الله تعالى به، ليكون الجديد في العلم في كل زمان؛ فيريهم الحق آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق؛ ومن هذا ما يقع في الطب عن طريق السونار وغيره، وهذا أصبح معلوماً مسلّما. فتنبه لذلك.
وقد أفردنا كتاباً موسوماً في هذه الأمور العظام أسميناه "الموازنة بعقيدة الغيب" فراجعه وتأمل.
فتح الله علينا وعليك، وعلى الأحبة والأمة فتوح العلماء الصالحين، وجعل لنا لسان صدق في الآخرين، وتولنا بذات رحمته في الدنيا والآخرة ويوم العرض على الله، آمين. والصلاة والسلام على النبي الأمي فاتح باب العلم وعين اليقين، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
"المغيبات الخمس": قال سيدي وسندي في علوم الكتاب والسنة حضرة الوالد الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)).
"أي ولدي": سؤالك الثالث: هل أن المغيبات الخمسة المذكورة في القرآن المجيد، والسنة الطاهرة، لا يعلمها إلا الله، ولا يُعلّم بها أحدا؛ فنقول وبالله التوفيق: علم الله لذاته ذات، أي الله عالم بذاته ، وصفات الله من ذاته؛ فهو قدوس في ذاته وصفاته وأفعاله؛ فإذا أراد شيئاً توجه إليه فكُون بالأمر كامل التقدير؛ مثال ذلك: الله بذاته مريد، فإذا أراد ـ جلّ وعلا ـ بدون أن يقول كن؛ لأنه ـ جلّ وعلا، منزه عن الحروف والأصوات؛ لأنها من صفات المخلوق؛ فتكوّن الأمر بإرادة ظاهرة التكوين، فالصفة عين الذات من حيث: الله عليم بذاته، مريد بذاته، متكلم بذاته، فلما رأينا آثار هذه القدرة وهذه الإرادة فصارت صفة من حيث التقدير؛ فلا هي خارجة عن الذات من حيث ذاتها لله، ولا هي عين الذات من حيث التقدير بالإرادة؛ فالله تعالى عالم بذاته علماً حقيقياً استغراقياً، وإذا شاء علّم وحده من الغيب الذي بيده تعالى؛ كما قال ـ جلَّ شأنه: ((عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى))، فالشديد بمعنى القوي، والقوي بمعنى الشديد؛ فالله من شدة قوته يعلم البادئ والمنتهي، ويعلمه من الغيب بمشيئته حيث شاء ـ جلَّ وعلا .
"أي ولدي": المغيبات الخمس: علمٌ غيبي بإحاطته عند ذات الحق وحده، وما يُرى اليوم من أمر معلومات الطب في الأرحام، والأنواء، وغيرهما يحتاج إلى إيضاح:-
فاعلم أن آية المغيبات الخمسة؛ لقوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))، جاءت بلغة القرآن وبِلُغَتِهِ العربية الموضحة لهذا الإبـهام، ومنها "براعةُ الاستهلالِ": فقد جاءت بخبر مقدم ـ والخبر يفيد العموم، فعمومُ الغيبِ في هذه المغيبات عندَهُ وَحدَهُ ـ جَلَّ وعلا ـ "والبعضُ منها وفي غيرها إذا شاء علّم"، كما أسلفنا من قبلُ. ولو أخذنا من المغيباتِ الخمسةِ واحدةٌ وهي: ((الأرحام))؛ كما قال تعالى: ((وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ))فـ ((يَعْلَمُ)) فعل مضارع للحال والاستقبال وهو: للعموم، فهو ـ جلَّ وعلا ـ يَعْلَمُ "الإقرار"، "والتكوين"، "والحياة المتصلة لحظةً بلحظةٍ من نطفتها إلى ولادتـها"؛ كما قال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) و((مَا)): "بمعنى الذي وتفيد الاستغراق لجميع الأرحام وما أُقِرَ فيها"؛ لقوله تعالى: ((وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ))، وقال تعالى: ((وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ))، وهي: "لكل الأرحامِ"، "وجميع الإقرار"، "وبكلِ التقديرِ" ـ وكما في الكون من مخلوقاتٍ ـ من انسها وجنّـها وحيواناتـها وطيورها وأشجارها ونباتاتها ومن البكتريا والفيروس وجميع الحشرات وغيرها ما يُعلم وما لا يُعلم، ما يُرى وما لا يُرى؛ كما قال تعالى: (( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)) ، إذاً: "من الذي يعلم هذا الإعجاز والتحدي بكلِ إقراره وحياةِ أشهرهِ وأيامِهِ ولحظاتهِ لكل أنثى في الوجود ؟ إلا اللَّه ـ الخالق البارئ المصور الجليل ـ جلَّ جلالهُ وعمَّ نوالهُ"؛ كما قال تعالى: ((اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)) ، "وهذا هو الغيبُ المتحدى بهِ، لا يَعلمه نبيٌ مرسل، ولا مَلَكٌ كريم، ولا قلبٌ مُلهَم، ولا قَلمٌ مُعلّم؛ وَقس على ذلك في الإحاطةِ بمُغيباتِ الله ـ تبارك وتعالى ربنا وتقدس".
ـ "وأمّا بشيءٍ من الأرحام" ـ كرحم إنسيَةٍ من أنثى البشرِ أو غيره، فهو: للتبعيض الذي أذِنَ الله بهِ ـ عزَّ وجل؛ كما قال تعالى: ((وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)). وقوله تعالى: (( فِي الْأَرْحَامِ ))، وهو: جَمعُ رحمٍ، والقاعدةُ في اللغة العربية: أن لام الجنس إذا دخل على المفرد أفاد العموم، وإذا دخل على الجمع أفاد النوع؛ كما قال الخالق المجيد ـ جَلَّت عظمته: ((هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))، "وهذا إعجازٌ غيبيٌّ آخر"؛ فالتحدي بالمغيبات التي لا يَعلَمُها إلا الله فهو: "الإقرارُ، والعمومُ، والاستغراقُ، والنوعُ، لكل ما خلق الله في أرحام أنثى المخلوقات كلها، ومن لحظة تكوينها إلى ولادتها". وأمّا قوله تعالى: ((بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ)) ، فقد أذِن الحق سبحانه، للنبوةِ بمشيئَتِهِ ورضوانه عن طريق وحي السماء أن يُعلّم النّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحداً من الأرحام؛ كما قال تعالى: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً))، أو عن طريق القلب؛ من الإلهام أو الفتح من خاصة رحمته لأحبابه؛ كما قال تعالى: ((قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً))، ومن ذلك ما روى الإمام مالك عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: ((وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ وَلَا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ)) قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا أَبَتِ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْتُهُ إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنْ الْأُخْرَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ((ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ أُرَاهَا جَارِيَةً))، وفي رواية: ((قد أُلقي في روعي أنها جارية فاستوصي بها خيرا))، فولدت أم كلثوم ـ رضي الله تعالى عنها، وغير ذلك كثير لأفراد الأمة بتوفيق الله ورحمته، والحمد لله على ذلك.
ـ وإما عن طريق القلم؛ لقوله تعالى: ((الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ))، أي: علمهم ـ جلَّ وعلا ـ بالقلم ما لم يعلموا، وهذا غيب أذن الله تعالى به، ليكون الجديد في العلم في كل زمان؛ فيريهم الحق آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق؛ ومن هذا ما يقع في الطب عن طريق السونار وغيره، وهذا أصبح معلوماً مسلّما. فتنبه لذلك.
وقد أفردنا كتاباً موسوماً في هذه الأمور العظام أسميناه "الموازنة بعقيدة الغيب" فراجعه وتأمل.
فتح الله علينا وعليك، وعلى الأحبة والأمة فتوح العلماء الصالحين، وجعل لنا لسان صدق في الآخرين، وتولنا بذات رحمته في الدنيا والآخرة ويوم العرض على الله، آمين. والصلاة والسلام على النبي الأمي فاتح باب العلم وعين اليقين، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin