مع الحبيب المصطفى ﷺ :سيرة فعلية لا قولية فقط
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
300ـ سيرة فعلية لا قولية فقط
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأَخْلَاقُ الحَسَنَةُ لَا تُزْرَعُ في النُّفُوسِ عَنْ طَرِيقِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَا عَنْ طَرِيقِ التَّعَالِيمِ النَّظَرِيَّةِ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ كُلُّ رَاعٍ لِرَعِيَّتِهِ: عَلَيْكُمْ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، افْعَلُوا هَذَا، وَاتْرُكُوا هَذَا؛ التَّرْبِيَةُ عَلَى الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ لَا تَكُونُ بِمُجَرَّدِ الكَلَامِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَرْبِيَةِ التَّابِعِينَ عَنْ طَرِيقِ الأُسْوَةِ الصَّالِحَةِ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، لِأَنَّ الرَّجُلَ السَّيِّئَ في سُلُوكِهِ وَأَخْلَاقِهِ لَا يُرَبِّي عَلَى الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ بِأَقْوَالِهِ، وَلَا يَتْرُكُ أَثَرَاً طَيِّبَاً في نُفُوسِ أَتْبَاعِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا تَرْكَ أَثَرٍ طَيِّبٍ في نُفُوسِ الَّذينَ سَنُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، الَّذينَ سَنُسْأَلُ عَنْ تَرْبِيَتِهِمْ عَلَى الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ الحَسَنَةِ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ قُدْوَةً لَهُمْ في سُلُوكِنَا وَأَفْعَالِنَا، بِحَيْثُ لَو نَظَرُوا إِلَيْنَا لَجَذَبَهُم المَنَظَرُ، وَلَسَبَتْهُمُ الأَخْلَاقُ.
إِذَا أَرَدْنَا أَنْ يَحْصُلَ التَّابِعُ لَنَا عَلَى قَدْرٍ كَبِيرٍ مِنَ الفَضْلِ وَالفَضَائِلِ وَالأَخْلَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِينَا القَدْرُ الكَبِيرُ، وَالقِسْطُ الأَجَلُّ مِنْ هَذَا الفَضْلِ، وَتِلْكَ الفَضَائِلِ وَالأَخْلَاقِ، وَإِلَّا فَلَا يَطْمَعِ المَتْبُوعُ في تَابِعِهِ، وَلَا الرَّاعِي في رَعِيَّتِهِ، وَلَا المُؤَدِّبُ في مُؤَدَّبِهِ.
غَرَسَ الأَخْلَاقَ في نُفُوسِ الصَّحَابَةِ بِسِيرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَتْبُوعَاً مِنْ قِبَلِ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ الإِمَامُ وَالقُدْوَةُ وَالأُسْوَةُ وَالرَّاعِي، بِتَقْرِيرٍ مِنَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾. ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
لَقَدْ غَرَسَ في نُفُوسِ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ الأَخْلَاقَ الحَسَنَةَ الفَاضِلَةَ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَثَلَ الأَعْلَى للخُلُقِ الذي يَدْعُو إِلَيْهِ، وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ مَوْلَانَا جَلَّ جَلَالُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
لَقَدْ غَرَسَ في نُفُوسِهِمُ الخُلُقَ السَّامِيَ، وَذَلِكَ بِسِيرَتِهِ العَطِرَةِ، قَبْلَ أَنْ يَغْرِسَهُ بِمَا يَقُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحَادِيثَ وَحِكَمٍ وَعِظَاتٍ؛ أَمَا قَالَ قَوْمُهُ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ البِعْثَةِ: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقَاً؟ رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
أَمَا قَالُوا عَنْهُ يَوْمَ اخْتَلَفُوا فِي الْحَجَرِ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَضَعُوهُ: هَذَا الْأَمِينُ، يَا مُحَمَّدُ، قَدْ رَضِينَا بِكَ؟ رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا رَاعٍ وَكُلُّنَا مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَلْنَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الخُلُقِ الحَسَنِ قَبْلَ أَنْ نَكُونَ رُعَاةً.
أَيُّهَا الزَّوْجُ، كُنْ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ قَبْلَ زَوَاجِكَ، وَيَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ، كُونِي صَاحِبَةَ خُلُقٍ حَسَنٍ قَبْلَ زَوَاجِكِ، يَا أَيُّهَا المُدِيرُ، كُنْ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَن قَبْلَ تَسَلُّمِ إِدَارَتِكَ، يَا أَيُّهَا التَّاجِرُ، يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ، يَا أَيُّهَا الوَاعِظُ، يَا أَيُّهَا الخَطِيبُ، كُونُوا جَمِيعَاً قَبْلَ تَسَلُّمِكُمُ المَهَامَّ مِمَّنْ عُرِفُوا بِالخُلُقِ الحَسَنِ، فَعِنْدَهَا يُقْبَلُ مِنْكُمُ النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ، وَإِلَّا فَفَاقِدُ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ.
سِيرَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفِعْلِيَّةُ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَاعِيَاً إلى اللهِ تعالى، كَانَ مَبْعُوثَاً لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ، كَانَ مُعَلِّمَاً للأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الإِحْسَانَ إلى النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ السَّعَادَةِ، بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ تَسْتَعْبِدُ قُلُوبَهُمْ، وَتُسْعَدُ بِالقُرْبِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقَاً»؟ رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ في سِيرَتِهِ وَسُلُوكِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، دَعَا أُمَّتَهُ إلى حُسْنِ الخُلُقِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقَاً» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
لَقَدِ اسْتَجَابَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفِعْلَ قَبْلَ القَوْلِ.
روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشَاً وَلَا مُتَفَحِّشَاً.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفَّاً قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ. (يَعْنِي: تَطْلُبُ المَرْأَةُ المَمْلُوكَةُ مُسَاعَدَتَهُ، فَيُلَبِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَلَبَهَا وَيَنْقَادُ لَهَا، وَلَيْسَ المُرَادُ مَسْكَ يَدِهِ).
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ ضَاعَ شَبَابُ الأُمَّةِ وَشَابَّاتُهَا في هَذِهِ الآوِنَةِ، لَقَدْ فَقَدَ الكَثِيرُ مِنْهُمُ الأَخْلَاقَ الحَسَنَةَ، لِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ وَالمُرَبِّينَ وَالنُّصَّاحِ وَالوُعَّاظِ عَنِ الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يُشَاهِدُونَ الأُسْوَةَ السُّلُوكِيَّةَ قَبْلَ الأَقْوَالِ ولا بَعدَهَا، بَلْ يُشَاهِدُونَ السُّلُوكَ غَيْرَ المَرْضِيِّ ، لِذَا تَرَاهُمْ لَا يَتَأَثَّرُونَ، بَلْ تَزْدَادُ أَخْلَاقُهُمْ وَأَحْوَالُهُمْ سُوءَاً.
مَنِ المَسْؤُولُ عَنْ ذَلِكَ؟ كُلُّ قُدْوَةٍ فِينَا.
المُؤْمِنُ الحَقُّ ذُو خُلُقٍ كَرِيمٍ، وَذُو حِلْمٍ وَرِفْقٍ وَأَنَاةٍ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، لَا يَرَى مِنْهُ الآخَرُونَ غَضَبَاً وَلَا حَمَاقَةً، وَلَا حِقْدَاً وَلَا حَسَدَاً، وَلَا كَرَاهِيَةً للنَّاسِ، بَلْ يَرَوْنَ فِيهِ رَجُلَاً فَاضِلَاً يَحْمِلُ خُلُقَاً كَرِيمَاً وَحُبَّاً وَنُصْحَاً وَتَوْجِيهَاً.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
300ـ سيرة فعلية لا قولية فقط
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأَخْلَاقُ الحَسَنَةُ لَا تُزْرَعُ في النُّفُوسِ عَنْ طَرِيقِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَا عَنْ طَرِيقِ التَّعَالِيمِ النَّظَرِيَّةِ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ كُلُّ رَاعٍ لِرَعِيَّتِهِ: عَلَيْكُمْ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، افْعَلُوا هَذَا، وَاتْرُكُوا هَذَا؛ التَّرْبِيَةُ عَلَى الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ لَا تَكُونُ بِمُجَرَّدِ الكَلَامِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَرْبِيَةِ التَّابِعِينَ عَنْ طَرِيقِ الأُسْوَةِ الصَّالِحَةِ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، لِأَنَّ الرَّجُلَ السَّيِّئَ في سُلُوكِهِ وَأَخْلَاقِهِ لَا يُرَبِّي عَلَى الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ بِأَقْوَالِهِ، وَلَا يَتْرُكُ أَثَرَاً طَيِّبَاً في نُفُوسِ أَتْبَاعِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا تَرْكَ أَثَرٍ طَيِّبٍ في نُفُوسِ الَّذينَ سَنُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، الَّذينَ سَنُسْأَلُ عَنْ تَرْبِيَتِهِمْ عَلَى الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ الحَسَنَةِ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ قُدْوَةً لَهُمْ في سُلُوكِنَا وَأَفْعَالِنَا، بِحَيْثُ لَو نَظَرُوا إِلَيْنَا لَجَذَبَهُم المَنَظَرُ، وَلَسَبَتْهُمُ الأَخْلَاقُ.
إِذَا أَرَدْنَا أَنْ يَحْصُلَ التَّابِعُ لَنَا عَلَى قَدْرٍ كَبِيرٍ مِنَ الفَضْلِ وَالفَضَائِلِ وَالأَخْلَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِينَا القَدْرُ الكَبِيرُ، وَالقِسْطُ الأَجَلُّ مِنْ هَذَا الفَضْلِ، وَتِلْكَ الفَضَائِلِ وَالأَخْلَاقِ، وَإِلَّا فَلَا يَطْمَعِ المَتْبُوعُ في تَابِعِهِ، وَلَا الرَّاعِي في رَعِيَّتِهِ، وَلَا المُؤَدِّبُ في مُؤَدَّبِهِ.
غَرَسَ الأَخْلَاقَ في نُفُوسِ الصَّحَابَةِ بِسِيرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَتْبُوعَاً مِنْ قِبَلِ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ الإِمَامُ وَالقُدْوَةُ وَالأُسْوَةُ وَالرَّاعِي، بِتَقْرِيرٍ مِنَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾. ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
لَقَدْ غَرَسَ في نُفُوسِ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ الأَخْلَاقَ الحَسَنَةَ الفَاضِلَةَ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَثَلَ الأَعْلَى للخُلُقِ الذي يَدْعُو إِلَيْهِ، وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ مَوْلَانَا جَلَّ جَلَالُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
لَقَدْ غَرَسَ في نُفُوسِهِمُ الخُلُقَ السَّامِيَ، وَذَلِكَ بِسِيرَتِهِ العَطِرَةِ، قَبْلَ أَنْ يَغْرِسَهُ بِمَا يَقُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحَادِيثَ وَحِكَمٍ وَعِظَاتٍ؛ أَمَا قَالَ قَوْمُهُ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ البِعْثَةِ: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقَاً؟ رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
أَمَا قَالُوا عَنْهُ يَوْمَ اخْتَلَفُوا فِي الْحَجَرِ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَضَعُوهُ: هَذَا الْأَمِينُ، يَا مُحَمَّدُ، قَدْ رَضِينَا بِكَ؟ رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا رَاعٍ وَكُلُّنَا مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَلْنَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الخُلُقِ الحَسَنِ قَبْلَ أَنْ نَكُونَ رُعَاةً.
أَيُّهَا الزَّوْجُ، كُنْ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ قَبْلَ زَوَاجِكَ، وَيَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ، كُونِي صَاحِبَةَ خُلُقٍ حَسَنٍ قَبْلَ زَوَاجِكِ، يَا أَيُّهَا المُدِيرُ، كُنْ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَن قَبْلَ تَسَلُّمِ إِدَارَتِكَ، يَا أَيُّهَا التَّاجِرُ، يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ، يَا أَيُّهَا الوَاعِظُ، يَا أَيُّهَا الخَطِيبُ، كُونُوا جَمِيعَاً قَبْلَ تَسَلُّمِكُمُ المَهَامَّ مِمَّنْ عُرِفُوا بِالخُلُقِ الحَسَنِ، فَعِنْدَهَا يُقْبَلُ مِنْكُمُ النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ، وَإِلَّا فَفَاقِدُ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ.
سِيرَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفِعْلِيَّةُ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَاعِيَاً إلى اللهِ تعالى، كَانَ مَبْعُوثَاً لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ، كَانَ مُعَلِّمَاً للأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الإِحْسَانَ إلى النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ السَّعَادَةِ، بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ تَسْتَعْبِدُ قُلُوبَهُمْ، وَتُسْعَدُ بِالقُرْبِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقَاً»؟ رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ في سِيرَتِهِ وَسُلُوكِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، دَعَا أُمَّتَهُ إلى حُسْنِ الخُلُقِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقَاً» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
لَقَدِ اسْتَجَابَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفِعْلَ قَبْلَ القَوْلِ.
روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشَاً وَلَا مُتَفَحِّشَاً.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفَّاً قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ. (يَعْنِي: تَطْلُبُ المَرْأَةُ المَمْلُوكَةُ مُسَاعَدَتَهُ، فَيُلَبِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَلَبَهَا وَيَنْقَادُ لَهَا، وَلَيْسَ المُرَادُ مَسْكَ يَدِهِ).
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ ضَاعَ شَبَابُ الأُمَّةِ وَشَابَّاتُهَا في هَذِهِ الآوِنَةِ، لَقَدْ فَقَدَ الكَثِيرُ مِنْهُمُ الأَخْلَاقَ الحَسَنَةَ، لِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ وَالمُرَبِّينَ وَالنُّصَّاحِ وَالوُعَّاظِ عَنِ الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يُشَاهِدُونَ الأُسْوَةَ السُّلُوكِيَّةَ قَبْلَ الأَقْوَالِ ولا بَعدَهَا، بَلْ يُشَاهِدُونَ السُّلُوكَ غَيْرَ المَرْضِيِّ ، لِذَا تَرَاهُمْ لَا يَتَأَثَّرُونَ، بَلْ تَزْدَادُ أَخْلَاقُهُمْ وَأَحْوَالُهُمْ سُوءَاً.
مَنِ المَسْؤُولُ عَنْ ذَلِكَ؟ كُلُّ قُدْوَةٍ فِينَا.
المُؤْمِنُ الحَقُّ ذُو خُلُقٍ كَرِيمٍ، وَذُو حِلْمٍ وَرِفْقٍ وَأَنَاةٍ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، لَا يَرَى مِنْهُ الآخَرُونَ غَضَبَاً وَلَا حَمَاقَةً، وَلَا حِقْدَاً وَلَا حَسَدَاً، وَلَا كَرَاهِيَةً للنَّاسِ، بَلْ يَرَوْنَ فِيهِ رَجُلَاً فَاضِلَاً يَحْمِلُ خُلُقَاً كَرِيمَاً وَحُبَّاً وَنُصْحَاً وَتَوْجِيهَاً.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ. آمين.
اليوم في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
اليوم في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
اليوم في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
اليوم في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin