مع الحبيب المصطفى:تعامله ﷺ مع المذنبين (4)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
285ـ تعامله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع المذنبين (4)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العَبْدُ المُذْنِبُ العَاصِي هُوَ عَبْدٌ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى رَجَاءِ رَحْمَةِ اللهِ تعالى وَعَفْوِهِ وَغُفْرَانِهِ، هُوَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى إِبْعَادِهِ عَنِ اليَأْسِ وَالقُنُوطِ مِن رَحْمَةِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِهِ وَيَكِيدُ لَهُ كَيْدَاً، وَيَقُولُ لَهُ: لَقَدْ أَذْنَبْتَ وَعَصَيْتَ وَتَمَادَيْتَ، فَأَيَّ تَوْبَةٍ تَرْجُوهَا؟ وَكَيْفَ تُدْرِكُ التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ وَقَدْ فَعَلْتَ وَجَنَيْتَ وَارْتَكَبْتَ الكَبَائِرَ؟
يُحَاوِلُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَجْعَلَهُ يَائِسَاً مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَقَانِطَاً مِنْ مَغْفِرَتِهِ، بَلْ قَدْ يُزَيِّنُ لَهُ الكُفْرَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَيُوَسْوِسُ لَهُ: اكْفُرْ بِاللهِ وَبِدِينِ اللهِ، ثُمَّ أَسْلِمْ، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا يَعْلَمُ عَدَاوَةَ الشَّيْطَانِ للإِنْسَانِ، وَأَنَّهُ أَقْسَمَ لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ سَيُغْوِي الجَمِيعَ ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾. ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾. فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ المُسلِمُ عَوْنَاً للشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيهِ؟
كُونُوا عَوْنَاً لِأَخِيكُمْ عَلَى شَيْطَانِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عِنْدَمَا يَرَوْنَ عَاصِيَاً يَكُونُونَ عَوْنَاً للشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيهِمْ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ أُسْلُوبِهِمُ الفَظِّ الغَلِيظِ مَعَهُ، وَنَسِيَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ مِنَ الوَاجِبِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا عَوْنَاً لِأَخِيهِمْ عَلَى شَيْطَانِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا دُعَاةً إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كُونُوا مُـبَشِّرِينَ لَا مُنَفِّرِينَ، كُونُوا رُحَمَاءَ بِالعُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، وَلْنَتَعَلَّمْ جَمِيعَاً حُسْنَ الأَخْلَاقِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلْنَتَعَلَّمِ الحِرْصَ عَلَى هِدَايَةِ العُصَاةِ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ مِنْ خِلَالِ شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَحْشِيٍّ قَاتَلِ حَمْزَةَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ تَدْعُونِي إِلَى دِينِكَ، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ أَوْ أَشْرَكَ أَوْ زَنَا يَلْقَ أَثَامَاً يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَخْلُدُ فِيهِ مُهَانَاً، وَأَنَا قَدْ صَنَعْتُ ذَلِكَ؟ فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ رُخْصَةٍ؟
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمُ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.
فَقَالَ وَحْشِيٌّ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا شَرْطٌ شَدِيدٌ، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً، فَلَعَلِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى هَذَا.
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
فَقَالَ وَحْشِيٌّ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَى بَعْدَ مشيئةٍ، فَلَا أَدْرِي يُغْفَرُ لِي أَمْ لَا، فَهَلْ غَيْرُ هَذَا؟
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
قَالَ وَحْشِيٌّ: هَذَا؛ فَجَاءَ فَأَسْلَمَ.
فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَا أَصَبْنَا مَا أَصَابَ وَحْشِيٌّ؟
قَالَ: «هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُعَلِّمِ النَّاسَ وَخَاصَّةً العُصَاةَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَقْطَعُوا رَجَاءَهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ يُحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللهِ تعالى، وَأَنْ لَا يُسِيئُوا الظَّنَّ بِاللهِ تعالى، لِأَنَّهُ مِنَ المُوبِقَاتِ وَالمُهْلِكَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرَاً﴾.
اللهُ تعالى يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ نَتَعَامَلُ مَعَ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، لَقَدْ عَلَّمَنَا أَنْ نَسْلُكَ مَعَهُمْ سُلُوكَ الحُكَمَاءِ حَتَّى نُنْقِذَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى.
لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقُولَ لِأَنْفُسِنَا وَلِلْعُصَاةِ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ إِذَا تَابَ إلى اللهِ تعالى وَصَدَقَ في تَوْبَتِهِ.
روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «للهُ أَشَدُّ فَرَحَاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ».
مَا أَرْحَمَ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ، مَا أَكْرَمَهُ، مَا أَحْلَمَهُ، مَا أَعْظَمَهُ، عِنْدَمَا يُخَاطِبُ عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرَاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعَاً، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعَاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعَاً، وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ابْعَثُوا الأَمَلَ في نُفُوسِ العُصَاةِ، بَدِّدُوا اليَأْسَ في نُفُوسِهِمْ، لَا تُقَنِّطُوهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، أَسْمِعُوهُمْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. آيَةٌ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ الرَّجَاءِ في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ﴾. سمَّاهُمْ عِبَادَاً لَهُ، لِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ مُوَحِّدُونَ، وَإِنْ كَانُوا عُصَاةً خَاطِئِينَ.
أَسْمِعُوهُمْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا جَمِيعَاً التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ النَّصُوحَ. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
285ـ تعامله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع المذنبين (4)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العَبْدُ المُذْنِبُ العَاصِي هُوَ عَبْدٌ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى رَجَاءِ رَحْمَةِ اللهِ تعالى وَعَفْوِهِ وَغُفْرَانِهِ، هُوَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى إِبْعَادِهِ عَنِ اليَأْسِ وَالقُنُوطِ مِن رَحْمَةِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِهِ وَيَكِيدُ لَهُ كَيْدَاً، وَيَقُولُ لَهُ: لَقَدْ أَذْنَبْتَ وَعَصَيْتَ وَتَمَادَيْتَ، فَأَيَّ تَوْبَةٍ تَرْجُوهَا؟ وَكَيْفَ تُدْرِكُ التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ وَقَدْ فَعَلْتَ وَجَنَيْتَ وَارْتَكَبْتَ الكَبَائِرَ؟
يُحَاوِلُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَجْعَلَهُ يَائِسَاً مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَقَانِطَاً مِنْ مَغْفِرَتِهِ، بَلْ قَدْ يُزَيِّنُ لَهُ الكُفْرَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَيُوَسْوِسُ لَهُ: اكْفُرْ بِاللهِ وَبِدِينِ اللهِ، ثُمَّ أَسْلِمْ، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا يَعْلَمُ عَدَاوَةَ الشَّيْطَانِ للإِنْسَانِ، وَأَنَّهُ أَقْسَمَ لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ سَيُغْوِي الجَمِيعَ ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾. ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾. فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ المُسلِمُ عَوْنَاً للشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيهِ؟
كُونُوا عَوْنَاً لِأَخِيكُمْ عَلَى شَيْطَانِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عِنْدَمَا يَرَوْنَ عَاصِيَاً يَكُونُونَ عَوْنَاً للشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيهِمْ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ أُسْلُوبِهِمُ الفَظِّ الغَلِيظِ مَعَهُ، وَنَسِيَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ مِنَ الوَاجِبِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا عَوْنَاً لِأَخِيهِمْ عَلَى شَيْطَانِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا دُعَاةً إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كُونُوا مُـبَشِّرِينَ لَا مُنَفِّرِينَ، كُونُوا رُحَمَاءَ بِالعُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، وَلْنَتَعَلَّمْ جَمِيعَاً حُسْنَ الأَخْلَاقِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلْنَتَعَلَّمِ الحِرْصَ عَلَى هِدَايَةِ العُصَاةِ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ مِنْ خِلَالِ شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَحْشِيٍّ قَاتَلِ حَمْزَةَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ تَدْعُونِي إِلَى دِينِكَ، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ أَوْ أَشْرَكَ أَوْ زَنَا يَلْقَ أَثَامَاً يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَخْلُدُ فِيهِ مُهَانَاً، وَأَنَا قَدْ صَنَعْتُ ذَلِكَ؟ فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ رُخْصَةٍ؟
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمُ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.
فَقَالَ وَحْشِيٌّ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا شَرْطٌ شَدِيدٌ، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً، فَلَعَلِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى هَذَا.
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
فَقَالَ وَحْشِيٌّ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَى بَعْدَ مشيئةٍ، فَلَا أَدْرِي يُغْفَرُ لِي أَمْ لَا، فَهَلْ غَيْرُ هَذَا؟
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
قَالَ وَحْشِيٌّ: هَذَا؛ فَجَاءَ فَأَسْلَمَ.
فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَا أَصَبْنَا مَا أَصَابَ وَحْشِيٌّ؟
قَالَ: «هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُعَلِّمِ النَّاسَ وَخَاصَّةً العُصَاةَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَقْطَعُوا رَجَاءَهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ يُحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللهِ تعالى، وَأَنْ لَا يُسِيئُوا الظَّنَّ بِاللهِ تعالى، لِأَنَّهُ مِنَ المُوبِقَاتِ وَالمُهْلِكَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرَاً﴾.
اللهُ تعالى يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ نَتَعَامَلُ مَعَ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، لَقَدْ عَلَّمَنَا أَنْ نَسْلُكَ مَعَهُمْ سُلُوكَ الحُكَمَاءِ حَتَّى نُنْقِذَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى.
لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقُولَ لِأَنْفُسِنَا وَلِلْعُصَاةِ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ إِذَا تَابَ إلى اللهِ تعالى وَصَدَقَ في تَوْبَتِهِ.
روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «للهُ أَشَدُّ فَرَحَاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ».
مَا أَرْحَمَ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ، مَا أَكْرَمَهُ، مَا أَحْلَمَهُ، مَا أَعْظَمَهُ، عِنْدَمَا يُخَاطِبُ عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرَاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعَاً، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعَاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعَاً، وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ابْعَثُوا الأَمَلَ في نُفُوسِ العُصَاةِ، بَدِّدُوا اليَأْسَ في نُفُوسِهِمْ، لَا تُقَنِّطُوهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، أَسْمِعُوهُمْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. آيَةٌ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ الرَّجَاءِ في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ﴾. سمَّاهُمْ عِبَادَاً لَهُ، لِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ مُوَحِّدُونَ، وَإِنْ كَانُوا عُصَاةً خَاطِئِينَ.
أَسْمِعُوهُمْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا جَمِيعَاً التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ النَّصُوحَ. آمين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin