مع الحبيب المصطفى: تعامله ﷺ مع المذنبين (1
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
282ـ تعامله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع المذنبين (1)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ مِنْ أَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رِعَايَتُهُ وَعِنَايَتُهُ بِالتَّائِبِينَ، وَعَلَّمَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ كَيْفَ تَكُونُ رِعَايَةُ التَّائِبِينَ، وَكَيْفَ يَكُونُ التَّعَامُلُ مَعَهُمْ، وَكَيْفَ يَكُونُ الإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ يَجِبُ نِسْيَانُ مَاضِيهِمُ الذي كَانَ في العِصْيَانِ، وَالنَّظَرُ إلى حَاضِرِهِمْ في الطَّاعَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَكَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى هَذَا الخُلُقِ تُجَاهَ العُصَاةِ المُذْنِبِينَ الذينَ يُرِيدُونَ التَّوْبَةَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى أَنْ نَأْخُذَ بِأَيْدِي التَّائِبِينَ، وَأَنْ نُرْشِدَهُمْ إلى مَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نُحْسِنَ التَّعَامُلَ مَعَهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ؟
كُونُوا على حَذَرٍ مِنْ هَجْرِ العُصَاةِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى رِعَايَةِ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، وَأَنْ نَكُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَجْرِهِمْ، وَمُقَاطَعَتِهِمْ، وَعَدَمِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَتَصَيَّدُ هَؤُلَاءِ العُصَاةَ وَالمُذْنِبِينَ، هُنَاكَ شَيَاطِينُ الإِنْسِ وَالجِنِّ الذينَ يُرِيدُونَ لَهُمْ أَنْ يَمِيلُوا مَيْلَاً عَظِيمَاً؛ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينُ على اسْتِعْدَادٍ تَامٍّ لِاحْتِوَاءِ وَإِيوَاءِ هَؤُلَاءِ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، وَهُمْ حَرِيصُونَ كُلَّ الحِرْصِ على جَذْبِهِمْ إِلَيْهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلَاً عَظِيمَاً﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا على حَذَرٍ مِنْ هَجْرِ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، فَهُمْ مَرْضَى، وَيَحْتَاجُونَ إلى رِعَايَةٍ وَعِنَايَةٍ، فَلَا تَدَعُوهُم لِشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَجَرَ سَيِّدَنَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَمَرَ الصَّحَابَةَ بِهَجْرِهِمْ، مَاذَا فَعَلَ مَلِكُ غَسَّانَ؟
تَلَقَّفَ الخَبَرَ وَاسْتَغَلَّهُ، وَأَرْسَلَ إلى كَعْبٍ يَقُولُ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ، وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. رواه الشيخان.
مَوْقِفٌ خَطِيرٌ وَخَطِيرٌ جِدَّاً، فَمَاذَا كَانَ مَوْقِفُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟
لَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ في مِحْنَةٍ عَظِيمَةٍ، وَابْتِلَاءٍ شَدِيدٍ، فَصَمَدَ وَتَصَدَّى لِهَذِهِ المِحْنَةِ، وَالْتَجَأَ إلى اللهِ تعالى، وَقَالَ: وَهَذَا أَيْضَاً مِنَ البَلَاءِ؛ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا (يَعْنِي: أَحْرَقَ الكِتَابَ). رواه الشيخان.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ وَضْعُ المُذْنِبِينَ اليَوْمَ وَحَالُهُمْ كَوَضْعِ وَحَالِ سَيِّدِنَا كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الثَّبَاتِ على الحَقِّ، وَهُمْ على بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ كَمَا كَانَ سَيِّدُنَا كَعْبٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ هَلْ يَقِفُ عُصَاتُنَا اليَوْمَ كَمَوْقِفِهِ، أَمْ تَنْزَلِقُ أَقْدَامُهُمْ؟
كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى التَّنَبُّهِ لِإِخْوَةٍ لَنَا وَقَعُوا في الذُّنُوبِ وَالعِصْيَانِ أَنْ لَا نَخْسَرَهُمْ، فَأَعْدَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ يَتَرَبَّصُونَ بِنَا الدَّوَائِرَ، لِذَا لِنَكُنْ على حَذَرٍ مِنْ هَجْرِ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نَرْعَاهُمْ رِعَايَةَ الإِنْسَانِ المَرِيضِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ.
لِأَنَّ هَجْرَهُمُ اليَوْمَ قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في إِمْعَانِهِمْ في الضَّلَالِ وَزِيَادَةِ الغِوَايَةِ بِسَبَبِ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ وَقِلَّةِ النَّاصِحِينَ، فَمِنَ الإِجْرَامِ هَجْرُهُمْ في هَذِهِ الآوِنَةِ، وَخَاصَّةً بَعْدَمَا عَرَفْنَا بِأَنَّ الشَّرْقَ وَالغَرْبَ وَالفِرَقَ الضَّالَّةَ قَدْ كَشَّرَتْ عَنْ أَنْيَابِهَا في هَذِهِ الأَزْمَةِ لِاصْطِيَادِ المُسْلِمينَ الذينَ غَرِقُوا في المَعَاصِي وَالبُعْدِ عَنِ اللهِ تعالى.
التَّعَامُلُ مَعَ المُذْنِبِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَرَفْنَا قِصَّةَ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ في عَهْدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَرَفْنَا كَيْفَ كَانَ مَوْقِفُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِبِّهِ بْنِ حِبِّهِ، حَيْثُ أَدَّبَهُ حَالَاً وَقَالَاً عِنْدَمَا تَشَفَّعَ فِيهَا، نَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةَ المُغْضَبِ، وَهَذِهِ تَرْبِيَةٌ بِالحَالِ، وَرَبَّاهُ قَوْلَاً بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟» وَكَانَتْ نَتِيجَةُ التَّرْبِيَةِ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَقَطَعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهَا.
وَلَكِنْ كَيْفَ تَعَامَلَ مَعَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا يَعْلَمُ قِصَّةَ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَهَا، وَلَكِنَّ الكَثِيرَ مِنَّا لَا يَعْلَمُ تَتِمَّةَ القِصَّةِ، وَالتي ذَكَرَهَا الشيخان رَحِمَهُمَا اللهُ تعالى، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
نَعَمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، هَكَذَا يَكُونُ التَّعَامُلُ مَعَ المُذْنِبِ التَّائِبِ، لَمْ وَلَنْ يَكُونَ مَنْبُوذَاً في المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ، لَا وَلَنْ يُنْظُرَ إِلَيْهِ نَظْرَةَ ازْدِرَاءٍ وَاحْتِقَارٍ على مَا صَدَرَ مِنْهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا عَوْنَاً للعُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ، حَبِّبُوهُمْ إلى اللهِ تعالى، وَحَبِّبُوا اللهَ تعالى لَهُمْ، أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِظَهْرِ الغَيْبِ، كُونُوا عَوْنَاً لَهُمْ على التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ للهِ تعالى، فَالعَدُوُّ يَتَرَبَّصُ بِنَا الدَّوَائِرَ، لَا تَخْسَرُوا إِخْوَانَكُمْ، وَلَا تَكُونُوا سَبَبَاً في زِيَادَةِ غِوَايَتِهِمْ، انْظُرُوا إِلَيْهِمْ نَظْرَةَ رَحْمَةٍ وَشَفَقَةٍ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُخَلِّقَنَا بِأَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
282ـ تعامله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع المذنبين (1)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ مِنْ أَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رِعَايَتُهُ وَعِنَايَتُهُ بِالتَّائِبِينَ، وَعَلَّمَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ كَيْفَ تَكُونُ رِعَايَةُ التَّائِبِينَ، وَكَيْفَ يَكُونُ التَّعَامُلُ مَعَهُمْ، وَكَيْفَ يَكُونُ الإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ يَجِبُ نِسْيَانُ مَاضِيهِمُ الذي كَانَ في العِصْيَانِ، وَالنَّظَرُ إلى حَاضِرِهِمْ في الطَّاعَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَكَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى هَذَا الخُلُقِ تُجَاهَ العُصَاةِ المُذْنِبِينَ الذينَ يُرِيدُونَ التَّوْبَةَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى أَنْ نَأْخُذَ بِأَيْدِي التَّائِبِينَ، وَأَنْ نُرْشِدَهُمْ إلى مَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نُحْسِنَ التَّعَامُلَ مَعَهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ؟
كُونُوا على حَذَرٍ مِنْ هَجْرِ العُصَاةِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى رِعَايَةِ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، وَأَنْ نَكُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَجْرِهِمْ، وَمُقَاطَعَتِهِمْ، وَعَدَمِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَتَصَيَّدُ هَؤُلَاءِ العُصَاةَ وَالمُذْنِبِينَ، هُنَاكَ شَيَاطِينُ الإِنْسِ وَالجِنِّ الذينَ يُرِيدُونَ لَهُمْ أَنْ يَمِيلُوا مَيْلَاً عَظِيمَاً؛ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينُ على اسْتِعْدَادٍ تَامٍّ لِاحْتِوَاءِ وَإِيوَاءِ هَؤُلَاءِ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، وَهُمْ حَرِيصُونَ كُلَّ الحِرْصِ على جَذْبِهِمْ إِلَيْهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلَاً عَظِيمَاً﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا على حَذَرٍ مِنْ هَجْرِ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، فَهُمْ مَرْضَى، وَيَحْتَاجُونَ إلى رِعَايَةٍ وَعِنَايَةٍ، فَلَا تَدَعُوهُم لِشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَجَرَ سَيِّدَنَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَمَرَ الصَّحَابَةَ بِهَجْرِهِمْ، مَاذَا فَعَلَ مَلِكُ غَسَّانَ؟
تَلَقَّفَ الخَبَرَ وَاسْتَغَلَّهُ، وَأَرْسَلَ إلى كَعْبٍ يَقُولُ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ، وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. رواه الشيخان.
مَوْقِفٌ خَطِيرٌ وَخَطِيرٌ جِدَّاً، فَمَاذَا كَانَ مَوْقِفُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟
لَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ في مِحْنَةٍ عَظِيمَةٍ، وَابْتِلَاءٍ شَدِيدٍ، فَصَمَدَ وَتَصَدَّى لِهَذِهِ المِحْنَةِ، وَالْتَجَأَ إلى اللهِ تعالى، وَقَالَ: وَهَذَا أَيْضَاً مِنَ البَلَاءِ؛ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا (يَعْنِي: أَحْرَقَ الكِتَابَ). رواه الشيخان.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ وَضْعُ المُذْنِبِينَ اليَوْمَ وَحَالُهُمْ كَوَضْعِ وَحَالِ سَيِّدِنَا كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الثَّبَاتِ على الحَقِّ، وَهُمْ على بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ كَمَا كَانَ سَيِّدُنَا كَعْبٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ هَلْ يَقِفُ عُصَاتُنَا اليَوْمَ كَمَوْقِفِهِ، أَمْ تَنْزَلِقُ أَقْدَامُهُمْ؟
كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى التَّنَبُّهِ لِإِخْوَةٍ لَنَا وَقَعُوا في الذُّنُوبِ وَالعِصْيَانِ أَنْ لَا نَخْسَرَهُمْ، فَأَعْدَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ يَتَرَبَّصُونَ بِنَا الدَّوَائِرَ، لِذَا لِنَكُنْ على حَذَرٍ مِنْ هَجْرِ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نَرْعَاهُمْ رِعَايَةَ الإِنْسَانِ المَرِيضِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ.
لِأَنَّ هَجْرَهُمُ اليَوْمَ قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في إِمْعَانِهِمْ في الضَّلَالِ وَزِيَادَةِ الغِوَايَةِ بِسَبَبِ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ وَقِلَّةِ النَّاصِحِينَ، فَمِنَ الإِجْرَامِ هَجْرُهُمْ في هَذِهِ الآوِنَةِ، وَخَاصَّةً بَعْدَمَا عَرَفْنَا بِأَنَّ الشَّرْقَ وَالغَرْبَ وَالفِرَقَ الضَّالَّةَ قَدْ كَشَّرَتْ عَنْ أَنْيَابِهَا في هَذِهِ الأَزْمَةِ لِاصْطِيَادِ المُسْلِمينَ الذينَ غَرِقُوا في المَعَاصِي وَالبُعْدِ عَنِ اللهِ تعالى.
التَّعَامُلُ مَعَ المُذْنِبِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَرَفْنَا قِصَّةَ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ في عَهْدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَرَفْنَا كَيْفَ كَانَ مَوْقِفُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِبِّهِ بْنِ حِبِّهِ، حَيْثُ أَدَّبَهُ حَالَاً وَقَالَاً عِنْدَمَا تَشَفَّعَ فِيهَا، نَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةَ المُغْضَبِ، وَهَذِهِ تَرْبِيَةٌ بِالحَالِ، وَرَبَّاهُ قَوْلَاً بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟» وَكَانَتْ نَتِيجَةُ التَّرْبِيَةِ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَقَطَعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهَا.
وَلَكِنْ كَيْفَ تَعَامَلَ مَعَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا يَعْلَمُ قِصَّةَ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَهَا، وَلَكِنَّ الكَثِيرَ مِنَّا لَا يَعْلَمُ تَتِمَّةَ القِصَّةِ، وَالتي ذَكَرَهَا الشيخان رَحِمَهُمَا اللهُ تعالى، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
نَعَمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، هَكَذَا يَكُونُ التَّعَامُلُ مَعَ المُذْنِبِ التَّائِبِ، لَمْ وَلَنْ يَكُونَ مَنْبُوذَاً في المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ، لَا وَلَنْ يُنْظُرَ إِلَيْهِ نَظْرَةَ ازْدِرَاءٍ وَاحْتِقَارٍ على مَا صَدَرَ مِنْهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا عَوْنَاً للعُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ، حَبِّبُوهُمْ إلى اللهِ تعالى، وَحَبِّبُوا اللهَ تعالى لَهُمْ، أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِظَهْرِ الغَيْبِ، كُونُوا عَوْنَاً لَهُمْ على التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ للهِ تعالى، فَالعَدُوُّ يَتَرَبَّصُ بِنَا الدَّوَائِرَ، لَا تَخْسَرُوا إِخْوَانَكُمْ، وَلَا تَكُونُوا سَبَبَاً في زِيَادَةِ غِوَايَتِهِمْ، انْظُرُوا إِلَيْهِمْ نَظْرَةَ رَحْمَةٍ وَشَفَقَةٍ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُخَلِّقَنَا بِأَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin