مع الحبيب المصطفى: كان عمله ﷺ ديمة
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
59 ـ كان عمله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ديمة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: جاءَ في شَرحِ السُّنَّةِ للحافِظِ البغوي، عن جُبَيرٍ بن نفيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ مُرسَلاً قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ما أوحِيَ إليَّ أن أجمَعَ المالَ وأكونَ من التَّاجرينَ، ولكن أوحِيَ إليَّ أن ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾.
فالعَابِدُ مَهمَا ارتَفَعَت مَقَاماتُهُ في العِباداتِ، لا يَستَغني عن عِبادَةِ ربِّهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَسقُطُ عنهُ الأمرُ التَّكليفِيُّ بالعِبادَةِ ما دَامَ حَيَّاً عَاقِلاً، قال تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيَّاً﴾. أي مَثيلاً مُسامِيَاً له ومُشابِهَاً، بَل هوَ سُبحانَهُ وتعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير﴾.
كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانَت عِبادَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُستَمِرَّةً مُتَواصِلَةً في اللَّيلِ والنَّهارِ، روى الشيخان عَنْ عَلْقَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئاً مِن الْأَيَّامِ؟
قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ؟
فلم يَدَعْ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَوافِلَهُ وتَطَوُّعاتِهِ طِيلَةَ عُمُرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى ابن ماجه والإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِهِ، مَا مَاتَ حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَكَانَ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيراً.
خُذوا من الأعمالِ ما تُطيقونَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقَد كَانَ سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَريصَاُ على استِقامَةِ الأمَّةِ على العَمَلِ بِشَكلٍ مُستَمِرٍّ إلى نِهايَةِ الأجَلِ، لا أن يُقبِلُوا على العَمَلِ مَرَّةً ثمَّ يَدَعُوهُ.
روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيراً بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ.
فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ ـ يَرجِعونَ ويَجتِمِعونَ ـ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، حَتَّى كَثُرُوا.
فَأَقْبَلَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِن الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ».
وفي رواية الإمام مسلم: وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ.
وفي رواية للشيخين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ».
فأوغلوا فيه برفق:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَرَّضَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ على العِبادَةِ، ولكن كانَ يَكرَهُ للإنسانِ أن يَتَكَلَّفَ من النَّوافِلِ فَوقَ طاقَتِهِ، خَوفَ القَطيعَةِ، وتَحذيراً من التَّركِ.
روى الإمام أحمد عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ». أي: اُدخُلوا وتَعَمَّقوا فيه بِرِفقٍ.
وروى البيهقي عن عبدِ الله بن عمرو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن رسول ِالله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، ولا تُبَغِّض إلى نَفسِكَ عِبادَةَ ربِّكَ، فإنَّ المنبَتَ ـ المنقَطِعَ، وهوَ الرَّاكِبُ الذي حَمَّلَ دابَّتَهُ على الإسراعِ فَوقَ طَاقَتِها ـ لا سَفَراً قَطَعَ، ولا ظَهراً أبْقَى، فاعمَلْ عَمَلَ امرِئٍ تَظُنُّ أن لن يَموتَ أبداً، واحذَرْ حَذَراً تَخشَى أن تَموتَ غَداً».
«لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ»:
أيُّها الإخوة الكرام: الإسلامُ دِينُ الوَسطَيَّةِ والاعتِدالِ، وطَلَبَ من العَبدِ أن يُعطي كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّهُ، بِمَا فيه الجَسَدَ، وطَلَبَ منهُ بالمُقابِلِ أن يَدخُلَ في العِبادَةِ على جِدٍّ ونَشاطٍ في العَمَلِ.
روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَسجِدَ، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ.
فَقَالَ: «مَا هَذَا الْحَبْلُ؟»
قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ».
وروى الشيخان أيضاً عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ، حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ ـ أي: نُعَاسَاً ثَقِيلاً ـ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ ـ أي: فَيَدعُوا على نَفسِهِ ـ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الكَمالُ في الإنسانِ الاستِقامَةُ على العِبادَةِ، لأنَّها عَينُ الكَرامَةِ، ولأنَّ القَليلَ الدَّائِمَ خَيرٌ من الكَثيرِ المنقَطِعِ، والمُعَوَّلُ عليهِ حُسنُ الخاتِمَةِ، فاللهُ تعالى لا يَنظُرُ إلى الكَمِّ، بل يَنظُرُ إلى النَّوعِ المُستَمِرِّ، فإذا كانَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَمَلُهُ دِيمَةً، فنحنُ يَنبَغي علينا أن نَكونَ حَريصينَ على ذلكَ، رَجاءَ أن يُختَمَ لنا بالعَمَلِ الصَّالِحِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا للاقتِداءِ بهذا الحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، واختُم لنا بالباقِياتِ الصَّالِحاتِ آجالَنا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
59 ـ كان عمله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ديمة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: جاءَ في شَرحِ السُّنَّةِ للحافِظِ البغوي، عن جُبَيرٍ بن نفيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ مُرسَلاً قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ما أوحِيَ إليَّ أن أجمَعَ المالَ وأكونَ من التَّاجرينَ، ولكن أوحِيَ إليَّ أن ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾.
فالعَابِدُ مَهمَا ارتَفَعَت مَقَاماتُهُ في العِباداتِ، لا يَستَغني عن عِبادَةِ ربِّهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَسقُطُ عنهُ الأمرُ التَّكليفِيُّ بالعِبادَةِ ما دَامَ حَيَّاً عَاقِلاً، قال تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيَّاً﴾. أي مَثيلاً مُسامِيَاً له ومُشابِهَاً، بَل هوَ سُبحانَهُ وتعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير﴾.
كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانَت عِبادَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُستَمِرَّةً مُتَواصِلَةً في اللَّيلِ والنَّهارِ، روى الشيخان عَنْ عَلْقَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئاً مِن الْأَيَّامِ؟
قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ؟
فلم يَدَعْ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَوافِلَهُ وتَطَوُّعاتِهِ طِيلَةَ عُمُرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى ابن ماجه والإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِهِ، مَا مَاتَ حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَكَانَ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيراً.
خُذوا من الأعمالِ ما تُطيقونَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقَد كَانَ سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَريصَاُ على استِقامَةِ الأمَّةِ على العَمَلِ بِشَكلٍ مُستَمِرٍّ إلى نِهايَةِ الأجَلِ، لا أن يُقبِلُوا على العَمَلِ مَرَّةً ثمَّ يَدَعُوهُ.
روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيراً بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ.
فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ ـ يَرجِعونَ ويَجتِمِعونَ ـ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، حَتَّى كَثُرُوا.
فَأَقْبَلَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِن الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ».
وفي رواية الإمام مسلم: وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ.
وفي رواية للشيخين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ».
فأوغلوا فيه برفق:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَرَّضَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأمَّةَ على العِبادَةِ، ولكن كانَ يَكرَهُ للإنسانِ أن يَتَكَلَّفَ من النَّوافِلِ فَوقَ طاقَتِهِ، خَوفَ القَطيعَةِ، وتَحذيراً من التَّركِ.
روى الإمام أحمد عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ». أي: اُدخُلوا وتَعَمَّقوا فيه بِرِفقٍ.
وروى البيهقي عن عبدِ الله بن عمرو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن رسول ِالله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، ولا تُبَغِّض إلى نَفسِكَ عِبادَةَ ربِّكَ، فإنَّ المنبَتَ ـ المنقَطِعَ، وهوَ الرَّاكِبُ الذي حَمَّلَ دابَّتَهُ على الإسراعِ فَوقَ طَاقَتِها ـ لا سَفَراً قَطَعَ، ولا ظَهراً أبْقَى، فاعمَلْ عَمَلَ امرِئٍ تَظُنُّ أن لن يَموتَ أبداً، واحذَرْ حَذَراً تَخشَى أن تَموتَ غَداً».
«لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ»:
أيُّها الإخوة الكرام: الإسلامُ دِينُ الوَسطَيَّةِ والاعتِدالِ، وطَلَبَ من العَبدِ أن يُعطي كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّهُ، بِمَا فيه الجَسَدَ، وطَلَبَ منهُ بالمُقابِلِ أن يَدخُلَ في العِبادَةِ على جِدٍّ ونَشاطٍ في العَمَلِ.
روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَسجِدَ، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ.
فَقَالَ: «مَا هَذَا الْحَبْلُ؟»
قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ».
وروى الشيخان أيضاً عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ، حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ ـ أي: نُعَاسَاً ثَقِيلاً ـ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ ـ أي: فَيَدعُوا على نَفسِهِ ـ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الكَمالُ في الإنسانِ الاستِقامَةُ على العِبادَةِ، لأنَّها عَينُ الكَرامَةِ، ولأنَّ القَليلَ الدَّائِمَ خَيرٌ من الكَثيرِ المنقَطِعِ، والمُعَوَّلُ عليهِ حُسنُ الخاتِمَةِ، فاللهُ تعالى لا يَنظُرُ إلى الكَمِّ، بل يَنظُرُ إلى النَّوعِ المُستَمِرِّ، فإذا كانَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَمَلُهُ دِيمَةً، فنحنُ يَنبَغي علينا أن نَكونَ حَريصينَ على ذلكَ، رَجاءَ أن يُختَمَ لنا بالعَمَلِ الصَّالِحِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا للاقتِداءِ بهذا الحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، واختُم لنا بالباقِياتِ الصَّالِحاتِ آجالَنا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin