مع الحبيب المصطفى :تعامله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع المذنبين (2)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
283ـ تعامله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع المذنبين (2)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى على عَبْدِهِ أَنْ كَرَّمَهُ على سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلَاً﴾. وَعَلِمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ضَعْفَ العَبْدِ أَمَامَ نَفْسِهِ وَأَهْوَائِهِ وَشَيْطَانِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ في الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا، فَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِأَنْ فَتَحَ لَهُ بَابَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُغْلِقْ بَابَ رَحْمَتِهِ عَنْهُ، وَشَرَعَ لَهُ الاسْتِغْفَارَ، وَبَيَّنَ لَهُ طَرِيقَ الهُدَى، وَسَبِيلَ الفَلَاحِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
مُعَامَلَةُ المُذْنِبِ في المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاجِبٌ عَلَيْنَا شَرْعَاً أَنْ نَسْلُكَ طَرِيقَ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، كَالطَّرِيقِ الذي سَلَكَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ الأُسْوَةُ وَالقُدْوَةُ لَنَا في جَمِيعِ شُؤُونِنَا.
كَيْفَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلى المُذْنِبِ؟ وَكَيْفَ كَانَ مَوْقِفُهُ مِنْهُ؟ وَكَيْفَ كَانَ يُعَامِلُهُ؟ وَكَيْفَ كَانَ يُوَاجِهُهُ؟ وَكَيْفَ كَانَ يَلْقَاهُ؟
لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً بِكُلِّ مَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ الكَلِمَةُ مِنْ مَعْنَىً، لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على إِنْقَاذِ المُذْنِبِ مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى، إِنْ في الدُّنْيَا، وَإِنْ في الآخِرَةِ.
روى الإمام الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِالمُشْرِكِينَ، ثُمَّ نَدِمَ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ أَنْ سَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟
قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمَاً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ فَأَسْلَمَ.
وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى بِعَبْدِهِ العَاصِي، وَمِنْ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهِ؛ فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذِهِ الأَخْلَاقِ تُجَاهَ العَاصِي؟
مُرَاعَاةُ شُعُورِ التَّائِبِ إِذَا صَلَحَ حَالُهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ، حَتَّى يَكُونَ المُجْتَمَعُ عَوْنَاً لَهُ على طَاعَةِ اللهِ تعالى، وعلى الاسْتِقَامَةِ على شَرْعِ اللهِ تعالى.
«لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَنْظُرْ إلى سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مُعَامَلَتِهِ للمُذْنِبِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ؛ فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ: مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ».
وفي رِوَايَةٍ أَيْضَاً عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارَاً، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمَاً فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهِ وَرَسُولَهُ».
وفي رِوَايَةٍ أَيْضَاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ.
قَالَ: «اضْرِبُوهُ».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ».
وفي رِوَايَةٍ لأبي داود قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «بَكِّتُوهُ (التَّبْكُيتُ كَالتَّقْرِيعِ وَالتَّعْنِيفِ)».
فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: مَا اتَّقَيْتَ اللهَ، مَا خَشِيتَ اللهَ، وَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَرْسَلُوهُ.
وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «وَلَكِنْ قُولُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ الدَّاعِي إلى اللهِ تعالى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَا قَلْبٍ كَبِيرٍ يَسَعُ النَّاسَ جَمِيعَاً بِمُخْتَلَفِ أَوْضَاعِهِمْ وَنَفْسِيَّاتِهِمْ، وَأَنْ يَتَعَامَلُ مَعَهُمْ بِرِفْقٍ، وَيَسْلُكَ مَعَهُمْ أَفْضَلَ السُّبُلِ في التَّعَامُلِ؛ هَكَذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَمَعَ القُلُوبَ حَوْلَهُ، وَمَلَكَهَا بِحُسْنِ خُلُقِهِ وَسَمَاحَتِهِ؛ وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ في حَقِّهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وَالقَائِلُ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَيْفَ تَعَامُلُنَا اليَوْمَ مَعَ المُذْنِبِ العَاصِي؟ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالوَيْلِ وَالثُّبُورِ، دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِسُوءِ الخَاتِمَةِ، اكْفِهْرَارُ الوَجْهِ فِيهِ، الغِلْظَةُ عَلَيْهِ، التَّشْهِيرُ بِهِ وَالسُّخْرِيَةُ مِنْهُ، إلى مَا هُنَاكَ مِنْ أَسَالِيبَ تَكُونُ عَوْنَاً للشَّيْطَانِ عَلَيْهِ.
أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ يَفْتَحُ صَدْرَهُ وَقَلْبَهُ الشَّرِيفَ للعُصَاةِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُنْقِذَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ فَتَىً شَابَّاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا؛ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ.
فَقَالَ: «ادْنُهْ» فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبَاً.
قَالَ: فَجَلَسَ؛ قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ».
قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ».
قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ».
قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ».
قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ».
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ».
قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
هَكَذَا وَجَّهَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَكَذَا نَصَحَهُ، لَمْ يَقُلْ لَهُ: اغْرُبْ عَن وَجْهِي، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: أَلَا تَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ تعالى، كَيْفَ تَقُولُ لِي هَذَا الكَلَامَ؟ حَاشَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ.
هَذَا هُوَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْهُ في تَعَامُلِنَا مَعَ المُذْنِبِينَ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، حَيْثُ يَتَلَقَّفُهُمُ الشَّرْقُ وَالغَرْبُ وَالفِرَقُ الضَّالَّةُ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ سُوءِ تَعَامُلِنَا وَسُوءِ تَصَرُّفِنَا مَعَ العُصَاةِ، حَيْثُ كَانَ البَعْضُ عَوْنَاً لِشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ على العُصَاةِ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
283ـ تعامله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مع المذنبين (2)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى على عَبْدِهِ أَنْ كَرَّمَهُ على سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلَاً﴾. وَعَلِمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ضَعْفَ العَبْدِ أَمَامَ نَفْسِهِ وَأَهْوَائِهِ وَشَيْطَانِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ في الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا، فَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِأَنْ فَتَحَ لَهُ بَابَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُغْلِقْ بَابَ رَحْمَتِهِ عَنْهُ، وَشَرَعَ لَهُ الاسْتِغْفَارَ، وَبَيَّنَ لَهُ طَرِيقَ الهُدَى، وَسَبِيلَ الفَلَاحِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
مُعَامَلَةُ المُذْنِبِ في المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاجِبٌ عَلَيْنَا شَرْعَاً أَنْ نَسْلُكَ طَرِيقَ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، كَالطَّرِيقِ الذي سَلَكَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ الأُسْوَةُ وَالقُدْوَةُ لَنَا في جَمِيعِ شُؤُونِنَا.
كَيْفَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلى المُذْنِبِ؟ وَكَيْفَ كَانَ مَوْقِفُهُ مِنْهُ؟ وَكَيْفَ كَانَ يُعَامِلُهُ؟ وَكَيْفَ كَانَ يُوَاجِهُهُ؟ وَكَيْفَ كَانَ يَلْقَاهُ؟
لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً بِكُلِّ مَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ الكَلِمَةُ مِنْ مَعْنَىً، لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على إِنْقَاذِ المُذْنِبِ مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى، إِنْ في الدُّنْيَا، وَإِنْ في الآخِرَةِ.
روى الإمام الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِالمُشْرِكِينَ، ثُمَّ نَدِمَ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ أَنْ سَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟
قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمَاً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ فَأَسْلَمَ.
وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى بِعَبْدِهِ العَاصِي، وَمِنْ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهِ؛ فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذِهِ الأَخْلَاقِ تُجَاهَ العَاصِي؟
مُرَاعَاةُ شُعُورِ التَّائِبِ إِذَا صَلَحَ حَالُهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ، حَتَّى يَكُونَ المُجْتَمَعُ عَوْنَاً لَهُ على طَاعَةِ اللهِ تعالى، وعلى الاسْتِقَامَةِ على شَرْعِ اللهِ تعالى.
«لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَنْظُرْ إلى سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مُعَامَلَتِهِ للمُذْنِبِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ؛ فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ: مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ».
وفي رِوَايَةٍ أَيْضَاً عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارَاً، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمَاً فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهِ وَرَسُولَهُ».
وفي رِوَايَةٍ أَيْضَاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ.
قَالَ: «اضْرِبُوهُ».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ».
وفي رِوَايَةٍ لأبي داود قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «بَكِّتُوهُ (التَّبْكُيتُ كَالتَّقْرِيعِ وَالتَّعْنِيفِ)».
فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: مَا اتَّقَيْتَ اللهَ، مَا خَشِيتَ اللهَ، وَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَرْسَلُوهُ.
وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «وَلَكِنْ قُولُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ الدَّاعِي إلى اللهِ تعالى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَا قَلْبٍ كَبِيرٍ يَسَعُ النَّاسَ جَمِيعَاً بِمُخْتَلَفِ أَوْضَاعِهِمْ وَنَفْسِيَّاتِهِمْ، وَأَنْ يَتَعَامَلُ مَعَهُمْ بِرِفْقٍ، وَيَسْلُكَ مَعَهُمْ أَفْضَلَ السُّبُلِ في التَّعَامُلِ؛ هَكَذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَمَعَ القُلُوبَ حَوْلَهُ، وَمَلَكَهَا بِحُسْنِ خُلُقِهِ وَسَمَاحَتِهِ؛ وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ في حَقِّهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وَالقَائِلُ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَيْفَ تَعَامُلُنَا اليَوْمَ مَعَ المُذْنِبِ العَاصِي؟ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالوَيْلِ وَالثُّبُورِ، دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِسُوءِ الخَاتِمَةِ، اكْفِهْرَارُ الوَجْهِ فِيهِ، الغِلْظَةُ عَلَيْهِ، التَّشْهِيرُ بِهِ وَالسُّخْرِيَةُ مِنْهُ، إلى مَا هُنَاكَ مِنْ أَسَالِيبَ تَكُونُ عَوْنَاً للشَّيْطَانِ عَلَيْهِ.
أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ يَفْتَحُ صَدْرَهُ وَقَلْبَهُ الشَّرِيفَ للعُصَاةِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُنْقِذَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ فَتَىً شَابَّاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا؛ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ.
فَقَالَ: «ادْنُهْ» فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبَاً.
قَالَ: فَجَلَسَ؛ قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ».
قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ».
قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ».
قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ».
قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟».
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ».
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ».
قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
هَكَذَا وَجَّهَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَكَذَا نَصَحَهُ، لَمْ يَقُلْ لَهُ: اغْرُبْ عَن وَجْهِي، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: أَلَا تَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ تعالى، كَيْفَ تَقُولُ لِي هَذَا الكَلَامَ؟ حَاشَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ.
هَذَا هُوَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْهُ في تَعَامُلِنَا مَعَ المُذْنِبِينَ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، حَيْثُ يَتَلَقَّفُهُمُ الشَّرْقُ وَالغَرْبُ وَالفِرَقُ الضَّالَّةُ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ سُوءِ تَعَامُلِنَا وَسُوءِ تَصَرُّفِنَا مَعَ العُصَاةِ، حَيْثُ كَانَ البَعْضُ عَوْنَاً لِشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ على العُصَاةِ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin