مع الحبيب المصطفى: مقام العبودية يتطلب الاستغفار
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
278ـ مقام العبودية يتطلب الاستغفار
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تعالى بِالاسْتِغْفَارِ مِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِنَا الصَّغِيرَةِ وَالكَبِيرَةِ، مَا كَانَ مِنْهَا سِرَّاً أَو عَلَانِيَةً، عَمْدَاً أَو خَطَأً، لَيْلَاً أَو نَهَارَاً، وَأَمَرَنَا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَسَمَّى وَوَصَفَ نَفْسَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِالغَافِرِ وَالغَفُورِ وَالغَفَّارِ، حَتَّى لَا يَيْأَسَ مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ وَآثَامُهُ؛ وَأَثْنَى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ على المُسْتَغْفِرِينَ وَالتَّائِبِينَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾. وَوَعَدَهُم بِجَزِيلِ الثَّوَابِ إِنْ تَابُوا وَاسْتَغْفَرُوا وَرَجَعُوا إلى اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالَاً بَعِيدَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.
هَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لِأَنَّ اللهَ تعالى عَلِمَ ضَعْفَنَا، فَرَغَّبَنَا بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ، وَبَسَطَ يَدَهُ في النَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، وَبَسَطَهَا في اللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا جَرَحْنَا آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمَّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ يَسْتَغْفِرُونَ اللهَ تعالى:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَلِأَهَمِّيَّةِ الاسْتِغْفَارِ في حَيَاةِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعْصُومَاً أَو غَيْرَ مَعْصُومٍ طَلَبَ اللهُ تعالى مِنْهُ الاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
وَقَدْ قَصَّ عَلَيْنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْبِيَائِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتُوبُونَ إلى اللهِ تعالى وَيَسْتَغْفِرُونَهُ، فَذَكَرَ لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَبِي البَشَرِ وَأُمِّهِمْ أَنَّهُمَا قَالَا: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وَذَكَرَ لَنَا عَنْ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وَذَكَرَ لَنَا عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾.
وَذَكَرَ لَنَا عَنْ سَيِّدِنَا دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ: ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعَاً وَأَنَابَ﴾.
وَذَكَرَ لَنَا عَنْ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكَاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.
وَأَمَرَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾. وَهَذَا شَرَفٌ لِأُمَّتِهِ بِأَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِذَا فَهُوَ يَسْتَغْفِرُ لَنَا في حَالِ حَيَاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وفي حَالِ حَيَاتِهِ البَرْزَخِيَّةِ، جَزَاهُ اللهُ تعالى عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّاً عَنْ أُمَّتِهِ.
طَلَبَ مِنَّا الاسْتِغْفَارَ بَعْدَ ذَلِكَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَنَا وَشَرَّفَنَا وَأَكْرَمَنَا وَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَنَا رَبُّنَا تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾. وَقَالَ لَنَا في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ».
لَقَدْ أَمَرَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِالاسْتِغْفَارِ بَعْدَ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، لِيَكُونَ كَفَّارَةً لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ خَلَلٍ أَو تَقْصِيرٍ، كَمَا شَرَعَ لَنَا الاسْتِغْفَارَ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وفي خِتَامِ صَلَاةِ التَّهَجُّدِ في الأَسْحَارِ، وفي خِتَامِ كُلِّ مَجْلِسٍ.
فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرَاً وَأَعْظَمَ أَجْرَاً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وَسَنَّ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الاسْتِغْفَارَ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَةِ، روى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْـصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثَاً.
وَقَالَ تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلَاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾.
وروى الحاكم عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَقَالَهَا فِي مَجْلِسِ ذِكْرٍ كَانَتْ كَالطَّابِـعِ يُطْبَعُ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَهَا فِي مَجْلِسِ لَغْوٍ كَانَتْ كَفَّارَةً لَهُ».
بَلْ وَشَرَعَ لَنَا الاسْتِغْفَارَ في حَالِ الكِبَرِ، عِنْدَ خِتَامِ العُمُرِ، فهذا سَيِّدُنَا رَسُوُلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَانَ الأَجَلُ وَالانْتِقَالُ إِلى الرَّفِيْقِ الأَعْلَى ،وَهُوَ فِي الثَّالِثَةِ وَالسِّتِينَ مِن عُمُرِهَ خَاطَبَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً﴾.
اسْتِغْفَارُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ مِنْ صِفَاتِ العَبْدِ الذي تَحَقَّقَ بِمَقَامِ العُبُودِيَّةِ للهِ تعالى، الذي لَزِمَ عَتَبَةَ العُبُودِيَّةِ، وَعَرَفَ نَفْسَهُ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَأَنَّ اللهَ جَلَّ في عُلَاهُ هُوَ سَيِّدُهُ، وَأَنَّ هَذَا العَبْدَ رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى الذي أَسْبَغَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ الظَّاهِرَةَ وَالبَاطِنَةَ، فَكَانَ عَاجِزَاً عَنْ شُكْرِهَا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَرَفَتِ الأُمَّةُ الإِسلامِيَّةُ جَمْعَاءَ أَنَّ الذي تَحَقَّقَ بِمَقَامِ العُبُودِيَّةِ للهِ تعالى هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِشَهَادَةِ اللهِ تعالى، حَيْثُ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَقَامِ العُبُودِيَّةِ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، وَعِنْدَمَا وَقَفَ في مَقَامِ التَّبْلِيغِ، وَكَانَ يُصَرِّحُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَمِيعِ مَوَاطِنِهِ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، لِذَا رَأَيْنَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الاسْتِغْفَارِ، وَمُكْثِرَاً مِنْهُ.
روى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي المَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
وروى الإمام مسلم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفَاً، وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعَاً، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَـصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي».
وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ».
وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ».
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ جَالِسَاً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ اسْتَغْفَرَ مِائَةَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، أَوْ إِنَّكَ تَوَّابٌ غَفُورٌ».
وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
وروى الإمام الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ إِلَّا قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّي وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَكْثَرَ مَا تَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ إِذَا قُمْتَ!
قَالَ: «لَا يَقُولُهُنَّ مِنْ أَحَدٍ حِينَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ المَجْلِسِ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَعْصُومُ يُكْثِرُ الاسْتِغْفَارَ، مَعَ أَنَّ اللهَ تعالى قَالَ لهُ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِينَاً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطَاً مُسْتَقِيمَاً﴾. وَمَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا ذَنْبَ لَهُ، لَا قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَلَا بَعْدَ الرِّسَالَةِ، فَكَيْفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَالُنَا نَحْنُ؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيَّ وَعَلَيْكُم بِالاسْتِغْفَارِ مَعَ تَحْقِيقِ شُرُوطِهِ ؛وَهِيَ الإِقْلَاعُ: عَنِ الذَّنْبِ، وَالنَّدَمُ على مَا فَعَلْنَا، وَالجَزْمُ على أَنْ لَا نَعُودَ، وَأَنْ نُعِيدَ الحُقُوقَ لِأَصْحَابِهَا؛ لِأَنَّ الاسْتِغْفَارَ يُزِيلُ الوَحْشَةَ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ، وَيَصْرِفُ كَيْدَ الشَّيْطَانِ، وَيَجِدُ بِهِ العَبْدُ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، وَتَحْصُلُ لَهُ مَحَبَّةُ اللهِ تعالى، وَيَزِيدُ في العَقْلِ وَالإِيمَانِ، وَيَكُونُ المُسْتَغْفِرُ في ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، وَيَنَالُ بَرَكَةَ وَاسْتِغْفَارَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ اسْتِغْفَارِ حَمَلَةِ العَرْشِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
278ـ مقام العبودية يتطلب الاستغفار
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تعالى بِالاسْتِغْفَارِ مِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِنَا الصَّغِيرَةِ وَالكَبِيرَةِ، مَا كَانَ مِنْهَا سِرَّاً أَو عَلَانِيَةً، عَمْدَاً أَو خَطَأً، لَيْلَاً أَو نَهَارَاً، وَأَمَرَنَا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَسَمَّى وَوَصَفَ نَفْسَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِالغَافِرِ وَالغَفُورِ وَالغَفَّارِ، حَتَّى لَا يَيْأَسَ مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ وَآثَامُهُ؛ وَأَثْنَى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ على المُسْتَغْفِرِينَ وَالتَّائِبِينَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾. وَوَعَدَهُم بِجَزِيلِ الثَّوَابِ إِنْ تَابُوا وَاسْتَغْفَرُوا وَرَجَعُوا إلى اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالَاً بَعِيدَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.
هَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا، لِأَنَّ اللهَ تعالى عَلِمَ ضَعْفَنَا، فَرَغَّبَنَا بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ، وَبَسَطَ يَدَهُ في النَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، وَبَسَطَهَا في اللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا جَرَحْنَا آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمَّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ يَسْتَغْفِرُونَ اللهَ تعالى:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَلِأَهَمِّيَّةِ الاسْتِغْفَارِ في حَيَاةِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعْصُومَاً أَو غَيْرَ مَعْصُومٍ طَلَبَ اللهُ تعالى مِنْهُ الاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
وَقَدْ قَصَّ عَلَيْنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْبِيَائِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتُوبُونَ إلى اللهِ تعالى وَيَسْتَغْفِرُونَهُ، فَذَكَرَ لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَبِي البَشَرِ وَأُمِّهِمْ أَنَّهُمَا قَالَا: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وَذَكَرَ لَنَا عَنْ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وَذَكَرَ لَنَا عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾.
وَذَكَرَ لَنَا عَنْ سَيِّدِنَا دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ: ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعَاً وَأَنَابَ﴾.
وَذَكَرَ لَنَا عَنْ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكَاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.
وَأَمَرَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾. وَهَذَا شَرَفٌ لِأُمَّتِهِ بِأَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِذَا فَهُوَ يَسْتَغْفِرُ لَنَا في حَالِ حَيَاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وفي حَالِ حَيَاتِهِ البَرْزَخِيَّةِ، جَزَاهُ اللهُ تعالى عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّاً عَنْ أُمَّتِهِ.
طَلَبَ مِنَّا الاسْتِغْفَارَ بَعْدَ ذَلِكَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَنَا وَشَرَّفَنَا وَأَكْرَمَنَا وَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَنَا رَبُّنَا تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾. وَقَالَ لَنَا في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ».
لَقَدْ أَمَرَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِالاسْتِغْفَارِ بَعْدَ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، لِيَكُونَ كَفَّارَةً لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ خَلَلٍ أَو تَقْصِيرٍ، كَمَا شَرَعَ لَنَا الاسْتِغْفَارَ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وفي خِتَامِ صَلَاةِ التَّهَجُّدِ في الأَسْحَارِ، وفي خِتَامِ كُلِّ مَجْلِسٍ.
فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرَاً وَأَعْظَمَ أَجْرَاً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وَسَنَّ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الاسْتِغْفَارَ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَةِ، روى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْـصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثَاً.
وَقَالَ تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلَاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾.
وروى الحاكم عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَقَالَهَا فِي مَجْلِسِ ذِكْرٍ كَانَتْ كَالطَّابِـعِ يُطْبَعُ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَهَا فِي مَجْلِسِ لَغْوٍ كَانَتْ كَفَّارَةً لَهُ».
بَلْ وَشَرَعَ لَنَا الاسْتِغْفَارَ في حَالِ الكِبَرِ، عِنْدَ خِتَامِ العُمُرِ، فهذا سَيِّدُنَا رَسُوُلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَانَ الأَجَلُ وَالانْتِقَالُ إِلى الرَّفِيْقِ الأَعْلَى ،وَهُوَ فِي الثَّالِثَةِ وَالسِّتِينَ مِن عُمُرِهَ خَاطَبَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً﴾.
اسْتِغْفَارُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ مِنْ صِفَاتِ العَبْدِ الذي تَحَقَّقَ بِمَقَامِ العُبُودِيَّةِ للهِ تعالى، الذي لَزِمَ عَتَبَةَ العُبُودِيَّةِ، وَعَرَفَ نَفْسَهُ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَأَنَّ اللهَ جَلَّ في عُلَاهُ هُوَ سَيِّدُهُ، وَأَنَّ هَذَا العَبْدَ رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى الذي أَسْبَغَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ الظَّاهِرَةَ وَالبَاطِنَةَ، فَكَانَ عَاجِزَاً عَنْ شُكْرِهَا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَرَفَتِ الأُمَّةُ الإِسلامِيَّةُ جَمْعَاءَ أَنَّ الذي تَحَقَّقَ بِمَقَامِ العُبُودِيَّةِ للهِ تعالى هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِشَهَادَةِ اللهِ تعالى، حَيْثُ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَقَامِ العُبُودِيَّةِ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، وَعِنْدَمَا وَقَفَ في مَقَامِ التَّبْلِيغِ، وَكَانَ يُصَرِّحُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَمِيعِ مَوَاطِنِهِ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، لِذَا رَأَيْنَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الاسْتِغْفَارِ، وَمُكْثِرَاً مِنْهُ.
روى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي المَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
وروى الإمام مسلم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفَاً، وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعَاً، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَـصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي».
وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ».
وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ».
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ جَالِسَاً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ اسْتَغْفَرَ مِائَةَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، أَوْ إِنَّكَ تَوَّابٌ غَفُورٌ».
وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
وروى الإمام الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ إِلَّا قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّي وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَكْثَرَ مَا تَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ إِذَا قُمْتَ!
قَالَ: «لَا يَقُولُهُنَّ مِنْ أَحَدٍ حِينَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ المَجْلِسِ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَعْصُومُ يُكْثِرُ الاسْتِغْفَارَ، مَعَ أَنَّ اللهَ تعالى قَالَ لهُ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِينَاً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطَاً مُسْتَقِيمَاً﴾. وَمَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا ذَنْبَ لَهُ، لَا قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَلَا بَعْدَ الرِّسَالَةِ، فَكَيْفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَالُنَا نَحْنُ؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيَّ وَعَلَيْكُم بِالاسْتِغْفَارِ مَعَ تَحْقِيقِ شُرُوطِهِ ؛وَهِيَ الإِقْلَاعُ: عَنِ الذَّنْبِ، وَالنَّدَمُ على مَا فَعَلْنَا، وَالجَزْمُ على أَنْ لَا نَعُودَ، وَأَنْ نُعِيدَ الحُقُوقَ لِأَصْحَابِهَا؛ لِأَنَّ الاسْتِغْفَارَ يُزِيلُ الوَحْشَةَ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ، وَيَصْرِفُ كَيْدَ الشَّيْطَانِ، وَيَجِدُ بِهِ العَبْدُ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، وَتَحْصُلُ لَهُ مَحَبَّةُ اللهِ تعالى، وَيَزِيدُ في العَقْلِ وَالإِيمَانِ، وَيَكُونُ المُسْتَغْفِرُ في ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، وَيَنَالُ بَرَكَةَ وَاسْتِغْفَارَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ اسْتِغْفَارِ حَمَلَةِ العَرْشِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin