مع الحبيب المصطفى: الاستغفار بعد الطاعات
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
192ـ الاستغفار بعد الطاعات
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ المُؤمِنَ الحَقَّ هوَ الذي لا يَفرَحُ بِمَتَاعِ الحَيَاةِ وَزِينَتِهَا، ولا يَحزَنُ لِزَوَالِهَا، وإِنَّمَا فَرَحُهُ واسْتِبْشَارُهُ بِأَعمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وبِمِقْدَارِ مَا يَزِيدُ من الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ بِمِقْدَارِ مَا يَفرَحُ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾. وحُزْنُ المُؤمِنِ الحَقِّ يَكُونُ على تَفْرِيطِهِ في حُقُوقِ اللهِ تعالى، ومَعصِيَتِهِ لَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ أَكرَمُ من أَنْ يُزِيغَ قَلبَ إِنسَانٍ مُهْتَدٍ عَامِلٍ بالطَّاعَاتِ، بَعِيدٍ عن المَعَاصِي والمُنكَرَاتِ، روى الحاكم وابن ماجه عن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ أُصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ».
ثمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أَقْوَاماً، وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
«إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على عِبَادَةِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، فَمَا كَانَ يَغضَبُ لِعَرَضٍ من أَعرَاضِ الدُّنيَا، ومَا كَانَ يَلتَفِتُ إلى الدُّنيَا بِزَخَارِفِهَا، بَل كَانَ يَغضَبُ غَضَبَاً شَدِيدَاً إذا شُغِلَ عن عِبَادَةِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ.
روى الإمام مسلم عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَاراً، كَمَا حَبَسُونَا وَشَغَلُونَا عَن الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ».
وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فُرْضَةٍ ـ مَدْخَلٍ ـ مِنْ فُرَضِ الْخَنْدَقِ: «شَغَلُونَا عَن الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ ـ أَوْ قَالَ: قُبُورَهُمْ وَبُطُونَهُمْ ـ نَاراً».
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَقَّقَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الهَدَفَ والغَايَةَ من وُجُودِهِ، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. فَكَانَ سَيِّدَ العَابِدِينَ، وكَانَ يَخْتِمُ هذهِ العِبَادَةَ بالاستِغفَارِ.
روى الإمام البخاري عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «واللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
وروى الإمام أحمد والترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ يَقُولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ ـ مِائَةَ مَرَّةٍ ـ».
الاستِغفَارُ بَعدَ الطَّاعَاتِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ من الاستِغفَارِ بَعدَ الطَّاعَاتِ، وذلكَ امتِثَالاً لأَمْرِ اللهِ تعالى، لأنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ عِبَادَهُ بالاستِغفَارِ بَعدَ الطَّاعَاتِ، كَمَا أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالاستِغفَارِ بَعدَ دُخُولِ النَّاسِ في دِينِ اللهِ أَفوَاجَاً، فَقَالَ تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾.
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾.
وقال تعالى: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
المَثَلُ التَّطبِيقِيُّ من حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الاستِغفَارِ:
أيُّها الإخوة الكرام: تَعَرَّفُوا على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وذكَ من خِلالِ التِزَامِهِ لأَوَامِرِ اللهِ تعالى لَهُ، وللأُمَّةِ بالاستِغفَارِ، ثمَّ لِنَنْظُرْ إلى أَنفُسِنَا، أَينَ نَحنُ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
روى الإمام مسلم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِن الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعاً، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي».
وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ».
وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ».
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
وروى الإمام البخاري عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ؛ إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ـ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ـ وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَهُ».
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ من الاسْتِغفَارِ، وخَاصَّةً بَعدَ الطَّاعَاتِ، مَع أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قَالَ لَهُ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾.
تَعْلِيمُهُ لأَصْحَابِهِ الكِرَامِ الاسْتِغفَارَ:
أيُّها الإخوة الكرام: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغفِرُ بَعدَ الطَّاعَاتِ، ويُعَلِّمُ أُمَّتَهُ والخَاصَّةَ مِنهُمُ الاسْتِغفَارَ.
روى الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي.
قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَبِيراً ـ أو: كَثِيراً ـ وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: تَعَالَوا لِنَسْمَعْ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾.
لِنُكْثِرْ من الاسْتِغفَارِ بَعدَ الطَّاعَاتِ، وبَعدَ المُخَالَفَاتِ والمَعَاصِي والمُنكَرَاتِ، ولِنَتَحَلَّ بِصِفَاتِ المُتَّقِينَ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِم: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾.
لقد كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُكْثِرُونَ من الاسْتِغفَارِ، وخَاصَّةً بَعدَ فَقْدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ: كَانَ لَنَا أَمَانَانِ، أَحَدُهُمَا كَوْنُ الرَّسُولِ فِينَا، فَذَهَبَ وَبَقِيَ الاسْتِغفَارُ، فَإِنْ ذَهَبَ هَلَكنَا.
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: رُوِيَ عن بَعْضِ الأَعرَابِ، أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ اسْتِغفَارِي مَعَ إِصْرَارِي لَؤْمٌ، وَإِنَّ تَرْكِيَ الاسْتِغفَارَ مَعَ عِلْمِيَ بِسَعَةِ عَفْوِكَ لَعَجْزٌ، فَكَم تَتَحَبَّبُ إِلَيَّ بالنِّعَمِ مَعَ غِنَاكَ عَنِّي، وَأَتَبَغَّضُ إِلَيكَ بالمَعَاصِي مَعَ فَقْرِي إِلَيكَ، يَا مَن إِذَا وَعَدَ وَفَى، وَإِذَا تَوَعَّدَ تَجَاوَزَ وَعَفَا، أَدْخِلْ عَظِيمَ جُرْمِي في عَظِيمِ عَفْوِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا، واكشِفْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
192ـ الاستغفار بعد الطاعات
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ المُؤمِنَ الحَقَّ هوَ الذي لا يَفرَحُ بِمَتَاعِ الحَيَاةِ وَزِينَتِهَا، ولا يَحزَنُ لِزَوَالِهَا، وإِنَّمَا فَرَحُهُ واسْتِبْشَارُهُ بِأَعمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وبِمِقْدَارِ مَا يَزِيدُ من الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ بِمِقْدَارِ مَا يَفرَحُ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾. وحُزْنُ المُؤمِنِ الحَقِّ يَكُونُ على تَفْرِيطِهِ في حُقُوقِ اللهِ تعالى، ومَعصِيَتِهِ لَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ أَكرَمُ من أَنْ يُزِيغَ قَلبَ إِنسَانٍ مُهْتَدٍ عَامِلٍ بالطَّاعَاتِ، بَعِيدٍ عن المَعَاصِي والمُنكَرَاتِ، روى الحاكم وابن ماجه عن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ أُصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ».
ثمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أَقْوَاماً، وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
«إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على عِبَادَةِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، فَمَا كَانَ يَغضَبُ لِعَرَضٍ من أَعرَاضِ الدُّنيَا، ومَا كَانَ يَلتَفِتُ إلى الدُّنيَا بِزَخَارِفِهَا، بَل كَانَ يَغضَبُ غَضَبَاً شَدِيدَاً إذا شُغِلَ عن عِبَادَةِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ.
روى الإمام مسلم عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَاراً، كَمَا حَبَسُونَا وَشَغَلُونَا عَن الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ».
وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فُرْضَةٍ ـ مَدْخَلٍ ـ مِنْ فُرَضِ الْخَنْدَقِ: «شَغَلُونَا عَن الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ ـ أَوْ قَالَ: قُبُورَهُمْ وَبُطُونَهُمْ ـ نَاراً».
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَقَّقَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الهَدَفَ والغَايَةَ من وُجُودِهِ، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. فَكَانَ سَيِّدَ العَابِدِينَ، وكَانَ يَخْتِمُ هذهِ العِبَادَةَ بالاستِغفَارِ.
روى الإمام البخاري عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «واللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
وروى الإمام أحمد والترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ يَقُولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ ـ مِائَةَ مَرَّةٍ ـ».
الاستِغفَارُ بَعدَ الطَّاعَاتِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ من الاستِغفَارِ بَعدَ الطَّاعَاتِ، وذلكَ امتِثَالاً لأَمْرِ اللهِ تعالى، لأنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ عِبَادَهُ بالاستِغفَارِ بَعدَ الطَّاعَاتِ، كَمَا أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالاستِغفَارِ بَعدَ دُخُولِ النَّاسِ في دِينِ اللهِ أَفوَاجَاً، فَقَالَ تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾.
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾.
وقال تعالى: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
المَثَلُ التَّطبِيقِيُّ من حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الاستِغفَارِ:
أيُّها الإخوة الكرام: تَعَرَّفُوا على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وذكَ من خِلالِ التِزَامِهِ لأَوَامِرِ اللهِ تعالى لَهُ، وللأُمَّةِ بالاستِغفَارِ، ثمَّ لِنَنْظُرْ إلى أَنفُسِنَا، أَينَ نَحنُ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
روى الإمام مسلم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِن الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعاً، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي».
وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ».
وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ».
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
وروى الإمام البخاري عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ؛ إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ـ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ـ وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَهُ».
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ من الاسْتِغفَارِ، وخَاصَّةً بَعدَ الطَّاعَاتِ، مَع أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قَالَ لَهُ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾.
تَعْلِيمُهُ لأَصْحَابِهِ الكِرَامِ الاسْتِغفَارَ:
أيُّها الإخوة الكرام: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغفِرُ بَعدَ الطَّاعَاتِ، ويُعَلِّمُ أُمَّتَهُ والخَاصَّةَ مِنهُمُ الاسْتِغفَارَ.
روى الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي.
قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَبِيراً ـ أو: كَثِيراً ـ وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: تَعَالَوا لِنَسْمَعْ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾.
لِنُكْثِرْ من الاسْتِغفَارِ بَعدَ الطَّاعَاتِ، وبَعدَ المُخَالَفَاتِ والمَعَاصِي والمُنكَرَاتِ، ولِنَتَحَلَّ بِصِفَاتِ المُتَّقِينَ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِم: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾.
لقد كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُكْثِرُونَ من الاسْتِغفَارِ، وخَاصَّةً بَعدَ فَقْدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ: كَانَ لَنَا أَمَانَانِ، أَحَدُهُمَا كَوْنُ الرَّسُولِ فِينَا، فَذَهَبَ وَبَقِيَ الاسْتِغفَارُ، فَإِنْ ذَهَبَ هَلَكنَا.
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: رُوِيَ عن بَعْضِ الأَعرَابِ، أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ اسْتِغفَارِي مَعَ إِصْرَارِي لَؤْمٌ، وَإِنَّ تَرْكِيَ الاسْتِغفَارَ مَعَ عِلْمِيَ بِسَعَةِ عَفْوِكَ لَعَجْزٌ، فَكَم تَتَحَبَّبُ إِلَيَّ بالنِّعَمِ مَعَ غِنَاكَ عَنِّي، وَأَتَبَغَّضُ إِلَيكَ بالمَعَاصِي مَعَ فَقْرِي إِلَيكَ، يَا مَن إِذَا وَعَدَ وَفَى، وَإِذَا تَوَعَّدَ تَجَاوَزَ وَعَفَا، أَدْخِلْ عَظِيمَ جُرْمِي في عَظِيمِ عَفْوِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا، واكشِفْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin