مع الحبيب المصطفى:إطعام الطعام
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
252ـ إطعام الطعام
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: السَّعَادَةُ هَدَفٌ مَنْشُودٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ عَاقِلٍ، وَمَطْلَبٌ يَسْعَى إِلَيْهِ عُقَلَاءُ الـبَشَرِ، السَّعَادَةُ فِيهَا الرَّاحَةُ وَالأُنْسُ، وَلِلسَّعَادَةِ أَبْوَابٌ وَمَفَاتِيحُ تُسْتَجْلَبُ بِهَا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ.
مِنْ أَبْوَابِ السَّعَادَةِ اليَسِيرَةِ على الخَلْقِ، الإِحْسَانُ إلى خَلْقِ اللهِ تعالى؛ وَأَحَبُّ الخَلْقِ إلى اللهِ تعالى أَنْفَعُهُم لِعِيَالِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ مُتَفَاوِتِينَ في الرِّزْقِ، فَمِنْهُمُ الغَنِيُّ وَمِنْهُمُ الفَقِيرُ، قَالَ تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً سُخْرِيَّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
وَطَلَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الأَغْنِيَاءِ الشُّكْرَ، وَطَلَبَ مِنَ الفُقَرَاءِ الصَّبْرَ، وَعَلَّمَ الجَمِيعَ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ.
وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى بِالفُقَرَاءِ أَنْ جَعَلَ لَهُمْ حَقَّاً وَاجِبَاً في أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ، وَرَغَّبَ في بَذْلِ المَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ للمُحْتَاجِينَ، وَوَعَدَ على ذَلِكَ بِالأَجْرِ العَظِيمِ، وَالعَاقِبَةِ الحَمِيدَةِ.
مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ العَظِيمَةِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالإِحْسَانُ إلى الفُقَرَاءِ، وَخَاصَّةً اليَتَامَى وَالأَرَامِلَ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْـمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ وَأَحْسِبُهُ قَالَ ـ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وروى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟
قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
وروى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ(أَسْرَعَ وَأَقْبَلَ) النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَكُونُوا إِخْوَانَاً كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ».
وروى الحاكم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ مُوجِبَاتِ الْـمَغْفِرَةِ إِطْعَامُ الْـمُسْلِمِ السَّغْبَانِ (الجَائِعِ)».
وروى الحاكم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا بِرُّ الْحَجُّ؟
قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ».
الرَّحْمَةُ شِعَارُ المُؤْمِنِينَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الرَّحْمَةُ هِيَ شِعَارُ وَدِثَارُ المُؤْمِنِينَ وَالأَخْيَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَهِيَ شَأْنُ المُوَفَّقِينَ المُسَدَّدِينَ، فَكَمْ وَكَمْ فَرَّجَ اللهُ تعالى بِالرَّحْمَةِ مِنْ هُمُومٍ، وَأَزَالَ بِهَا الغُمُومَ، وَنَفَّسَ بِهَا الكُرُوبَ؛ بِالرَّحْمَةِ يَرْحَمُ اللهُ المُتَرَاحِمِينَ؛ بِالرَّحْمَةِ تُفْتَحُ أَبْوَابُ البَرَكَاتِ وَالخَيْرَاتِ مِنَ السَّمَاءِ؛ بِالرَّحْمَةِ بُعِثَ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حَدِيثٌ شَرِيفٌ مَنْ تَأَمَّلَهُ وَجَدَ فِيهِ العِبْرَةَ الجَلِيلَةَ وَالكَرِيمَةَ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ (زَانِيَةٍ) مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ (بِئْرٍ) يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ المَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا إلى آثَارِ رَحْمَةِ المَخْلُوقِ بِالمَخْلُوقِ، امْرَأَةٌ عَاصِيَةٌ مُذْنِبَةٌ، بَعِيدَةٌ عَنِ اللهِ تعالى، عِنْدَمَا رَأَتِ الكَلْبَ يَلْعَقُ الثَّرَى مِنْ شِدَّةِ الظَّمَأِ وَالعَطَشِ أَشْفَقَتْ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتِ البِئْرَ، وَمَلَأَتْ خُفَّهَا مِنَ المَاءِ، ثمَّ سَقَتْ ذَلِكَ الكَلْبَ وَأَطْفَأَتْ ظَمَأَهُ وَعَطَشَهُ، فَنَظَرَ اللهُ تعالى إلى رَحْمَتِهَا بِهَذَا المَخْلُوقِ، فَشَكَرَ لَهَا مَعْرُوفَهَا، فَغَفَرَ ذَنْبَهَا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِشَرْبَةِ مَاءٍ غُفِرَتْ ذُنُوبُهَا، وَبِشَرْبَةِ مَاءٍ سُتِرَتْ عُيُوبُهَا، وَبِشَرْبَةِ مَاءٍ رَضِيَ عَنْهَا رَبُّهَا عَزَّ وَجَلَّ، وَبِشَرْبَةِ مَاءٍ دَخَلَتْ جَنَّةَ رَبِّهَا تَبَارَكَ وتعالى.
الضُّعَفَاءُ وَالفُقَرَاءُ بِحَاجَةٍ إلى رَحْمَةٍ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَحْوَجُ النَّاسِ اليَوْمَ إلى الرَّحْمَةِ هُمُ الضُّعَفَاءُ وَالفُقَرَاءُ وَالأَرَامِلُ وَاليَتَامَى، وَمِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ العَظِيمَةِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ، فَالطَّعَامُ الذي تُقَدِّمُهُ للضَّعِيفِ وَالفَقِيرِ وَالأَرْمَلَةِ وَاليَتِيمِ تَنَالُ بِهِ أَجْرَ الصَّائِمِ الذي لَا يُفْطِرُ، وَالقَائِمِ الذي لَا يَفْتُرُ؛ كَمَا تَقَدَّمَ مَعَنَا في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَعَلَّ القَلِيلَ مِنَ المَالِ وَالطَّعَامِ تُكَفْكِفُ بِهِ دُمُوعَ هَؤُلَاءِ، وَتَجْبُرُ بِهِ كَـسْرَ قُلُوبِهِم، يُكَفْكِفُ اللهُ تعالى بِهِ عَنْكَ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ.
روى الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالصَّدَقَاتُ، وَالإِحْسَانُ لِخَلْقِ اللهِ تعالى مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ التي تُفَرِّجُ الهُمُومَ وَالكُرُبَاتِ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحْوَجَنَا إلى رَحْمَةِ اللهِ تعالى، فَكَمْ للهِ تعالى عَلَيْنَا مِنْ نِعْمَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْـصَى، وَمِنَنٍ لَا تُكَافَأُ وَلَا تُجْزَى؛ مَا أَحْوَجَنَا للتَّعَرُّضِ إلى رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَمِنْ أَسْبَابِ رَحْمَةِ اللهِ تعالى إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَمِنْ أَسْبَابِ مَغْفِرَةِ اللهِ تعالى إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَتَفْرِيجُ كُرُوبِ المَكْرُوبِينَ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ التي تَمُرُّ على الأُمَّةِ.
اللَّهُمَّ لَا تَنْزَعِ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِنَا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
252ـ إطعام الطعام
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: السَّعَادَةُ هَدَفٌ مَنْشُودٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ عَاقِلٍ، وَمَطْلَبٌ يَسْعَى إِلَيْهِ عُقَلَاءُ الـبَشَرِ، السَّعَادَةُ فِيهَا الرَّاحَةُ وَالأُنْسُ، وَلِلسَّعَادَةِ أَبْوَابٌ وَمَفَاتِيحُ تُسْتَجْلَبُ بِهَا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ.
مِنْ أَبْوَابِ السَّعَادَةِ اليَسِيرَةِ على الخَلْقِ، الإِحْسَانُ إلى خَلْقِ اللهِ تعالى؛ وَأَحَبُّ الخَلْقِ إلى اللهِ تعالى أَنْفَعُهُم لِعِيَالِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ مُتَفَاوِتِينَ في الرِّزْقِ، فَمِنْهُمُ الغَنِيُّ وَمِنْهُمُ الفَقِيرُ، قَالَ تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً سُخْرِيَّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
وَطَلَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الأَغْنِيَاءِ الشُّكْرَ، وَطَلَبَ مِنَ الفُقَرَاءِ الصَّبْرَ، وَعَلَّمَ الجَمِيعَ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ.
وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى بِالفُقَرَاءِ أَنْ جَعَلَ لَهُمْ حَقَّاً وَاجِبَاً في أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ، وَرَغَّبَ في بَذْلِ المَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ للمُحْتَاجِينَ، وَوَعَدَ على ذَلِكَ بِالأَجْرِ العَظِيمِ، وَالعَاقِبَةِ الحَمِيدَةِ.
مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ العَظِيمَةِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالإِحْسَانُ إلى الفُقَرَاءِ، وَخَاصَّةً اليَتَامَى وَالأَرَامِلَ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْـمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ وَأَحْسِبُهُ قَالَ ـ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وروى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟
قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
وروى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ(أَسْرَعَ وَأَقْبَلَ) النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَكُونُوا إِخْوَانَاً كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ».
وروى الحاكم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ مُوجِبَاتِ الْـمَغْفِرَةِ إِطْعَامُ الْـمُسْلِمِ السَّغْبَانِ (الجَائِعِ)».
وروى الحاكم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا بِرُّ الْحَجُّ؟
قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ».
الرَّحْمَةُ شِعَارُ المُؤْمِنِينَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الرَّحْمَةُ هِيَ شِعَارُ وَدِثَارُ المُؤْمِنِينَ وَالأَخْيَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَهِيَ شَأْنُ المُوَفَّقِينَ المُسَدَّدِينَ، فَكَمْ وَكَمْ فَرَّجَ اللهُ تعالى بِالرَّحْمَةِ مِنْ هُمُومٍ، وَأَزَالَ بِهَا الغُمُومَ، وَنَفَّسَ بِهَا الكُرُوبَ؛ بِالرَّحْمَةِ يَرْحَمُ اللهُ المُتَرَاحِمِينَ؛ بِالرَّحْمَةِ تُفْتَحُ أَبْوَابُ البَرَكَاتِ وَالخَيْرَاتِ مِنَ السَّمَاءِ؛ بِالرَّحْمَةِ بُعِثَ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حَدِيثٌ شَرِيفٌ مَنْ تَأَمَّلَهُ وَجَدَ فِيهِ العِبْرَةَ الجَلِيلَةَ وَالكَرِيمَةَ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ (زَانِيَةٍ) مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ (بِئْرٍ) يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ المَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا إلى آثَارِ رَحْمَةِ المَخْلُوقِ بِالمَخْلُوقِ، امْرَأَةٌ عَاصِيَةٌ مُذْنِبَةٌ، بَعِيدَةٌ عَنِ اللهِ تعالى، عِنْدَمَا رَأَتِ الكَلْبَ يَلْعَقُ الثَّرَى مِنْ شِدَّةِ الظَّمَأِ وَالعَطَشِ أَشْفَقَتْ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتِ البِئْرَ، وَمَلَأَتْ خُفَّهَا مِنَ المَاءِ، ثمَّ سَقَتْ ذَلِكَ الكَلْبَ وَأَطْفَأَتْ ظَمَأَهُ وَعَطَشَهُ، فَنَظَرَ اللهُ تعالى إلى رَحْمَتِهَا بِهَذَا المَخْلُوقِ، فَشَكَرَ لَهَا مَعْرُوفَهَا، فَغَفَرَ ذَنْبَهَا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِشَرْبَةِ مَاءٍ غُفِرَتْ ذُنُوبُهَا، وَبِشَرْبَةِ مَاءٍ سُتِرَتْ عُيُوبُهَا، وَبِشَرْبَةِ مَاءٍ رَضِيَ عَنْهَا رَبُّهَا عَزَّ وَجَلَّ، وَبِشَرْبَةِ مَاءٍ دَخَلَتْ جَنَّةَ رَبِّهَا تَبَارَكَ وتعالى.
الضُّعَفَاءُ وَالفُقَرَاءُ بِحَاجَةٍ إلى رَحْمَةٍ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَحْوَجُ النَّاسِ اليَوْمَ إلى الرَّحْمَةِ هُمُ الضُّعَفَاءُ وَالفُقَرَاءُ وَالأَرَامِلُ وَاليَتَامَى، وَمِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ العَظِيمَةِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ، فَالطَّعَامُ الذي تُقَدِّمُهُ للضَّعِيفِ وَالفَقِيرِ وَالأَرْمَلَةِ وَاليَتِيمِ تَنَالُ بِهِ أَجْرَ الصَّائِمِ الذي لَا يُفْطِرُ، وَالقَائِمِ الذي لَا يَفْتُرُ؛ كَمَا تَقَدَّمَ مَعَنَا في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَعَلَّ القَلِيلَ مِنَ المَالِ وَالطَّعَامِ تُكَفْكِفُ بِهِ دُمُوعَ هَؤُلَاءِ، وَتَجْبُرُ بِهِ كَـسْرَ قُلُوبِهِم، يُكَفْكِفُ اللهُ تعالى بِهِ عَنْكَ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ.
روى الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالصَّدَقَاتُ، وَالإِحْسَانُ لِخَلْقِ اللهِ تعالى مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ التي تُفَرِّجُ الهُمُومَ وَالكُرُبَاتِ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحْوَجَنَا إلى رَحْمَةِ اللهِ تعالى، فَكَمْ للهِ تعالى عَلَيْنَا مِنْ نِعْمَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْـصَى، وَمِنَنٍ لَا تُكَافَأُ وَلَا تُجْزَى؛ مَا أَحْوَجَنَا للتَّعَرُّضِ إلى رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَمِنْ أَسْبَابِ رَحْمَةِ اللهِ تعالى إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَمِنْ أَسْبَابِ مَغْفِرَةِ اللهِ تعالى إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَتَفْرِيجُ كُرُوبِ المَكْرُوبِينَ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ التي تَمُرُّ على الأُمَّةِ.
اللَّهُمَّ لَا تَنْزَعِ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِنَا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin