مع الحبيب المصطفى : «ادْنُ يَا وَابِصَةُ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
239ـ «ادْنُ يَا وَابِصَةُ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَيْنَا إِنْ كُنَّا مُؤْمِنِينَ أَنْ نَتَبَاعَدَ عَن المُحَرَّمَاتِ وَنَتَجَافَى عَنْهَا، وَأَنْ نَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حَاجِزَاً قَوِيَّاً، وَسَدَّاً مَنِيعَاً، وَأَنْ نَسْلُكَ مَسْلَكَ الوَرَعِ واتِّقَاءِ الشُّبُهَاتِ والرِّيَبِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِن الْـمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرَاً لِمَا بِهِ الْبَأْسُ» رواه الترمذي عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْ وَرِعَاً تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعَاً تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنَاً، وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمَاً، وَأَقِلَّ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ» رواه ابن ماجه عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ العِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ من فَضْلِ العِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمُ الوَرَعُ (الوَرَعُ: في الأَصْلِ: الكَفُّ عن المَحَارِمِ والتَّحَرُّجُ مِنْهَا، ثمَّ اسْتُعِيرَ للكَفِّ عَن المُبَاحِ والحَلَالِ)» رواه الحاكم عَن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ.
«ادْنُ يَا وَابِصَةُ»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ على الوَرَعِ، وَذَلِكَ من خِلالِ تَوْجِيهِهِ لَهُم، وَنُصْحِهِ لَهُم، وهذا شَأْنُ الُمحِبِّ لِمَنْ أَرَادَ الخَيْرَ والهِدَايَةَ لِلْغَيْرِ، وهذا شَأْنُ مَن كَانَ رَحِيمَاً بالخَلْقِ.
روى الإمام أحمد عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئَاً مِن الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَإِذَا عِنْدَهُ جَمْعٌ، فَذَهَبْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ.
فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ.
فَقُلْتُ: أَنَا وَابِصَةُ، دَعُونِي أَدْنُو مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ.
فَقَالَ لِي: «ادْنُ يَا وَابِصَةُ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ».
فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَقَالَ: «يَا وَابِصَةُ، أُخْبِرُكَ مَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ، أَوْ تَسْأَلُنِي».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخْبِرْنِي.
قَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَن الْبِرِّ وَالْإِثْمِ».
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي وَيَقُولُ: «يَا وَابِصَةُ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ».
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد أَنْزَلَ اللهُ تعالى على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُ العَظِيمَ، كِتَابَاً مُحْكَمَ البَيَانِ، وَظَاهِرَ البُرْهَانِ، وَبَيَّنَ فِيهِ للأُمَّةِ مَا تَحْتَاجُهُ من حَلالٍ وَحَرَامٍ، لِتَكُونَ الأمَّةُ على بَصِيرَةٍ من أَمْرِهَا، وَحَتَّى لا تَضِلَّ السَّبِيلَ، قَالَ تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانَاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدَىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
«قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: بَعْدَ أَنْ أَنْزَلَ اللهُ تعالى القُرْآنَ العَظِيمَ على قَلْبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَنْ يُبَيِّنَهُ للنَّاسِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾.
من هذا المُنْطَلَقِ بَيَّنَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا أَشْكَلَ على الأُمَّةِ، وَتَرَكَهَا على المَحَجَّةِ البَيْضَاءِ، روى الإمام أحمد عَن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟
قَالَ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ (أَيْ: على الْمِلَّةِ وَالْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَل الشَّبَهَ أَصْلَاً) لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ (لا يَمِيلُ) عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافَاً كَثِيرَاً، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْـمَهْدِيِّينَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدَاً حَبَشِيَّاً، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّمَا الْـمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ».
وَيَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمَاً. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.
وَلَـمَّا شَكَّ النَّاسُ في مَوْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَمُّهُ العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: واللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَرَكَ السَّبِيلَ نَهْجَاً وَاضِحَاً، فَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَحَرَّمَ الحَرَامَ، وَنَكَحَ وَطَلَّقَ، وَحَارَبَ وَسَالَمَ.
الوَرَعُ نَهْجُ الأَتْقِيَاءِ الصَّالِحِينَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: فَمَا تَرَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَلالَاً إلا مُبَيَّنَاً، ولا حَرَامَاً إلا مُوَضَّحَاً، وَشَرَحَ اللهُ تعالى صُدُورَ الأَتْقِيَاءِ والصَّالِحِينَ فَأَخَذُوا بالحَلالِ وَاكْتَفَوْا بِهِ، وَاجْتَنَبُوا الحَرَامَ وَابْتَعَدُوا عَنْهُ، وَلَكِنْ بَقِيَتْ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لا يَجْرُؤُ أَحَدٌ على تَحْرِيمِهَا بسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ، والقَائِلُ بِحِلِّهَا قَلِيلٌ وَقَد يَكُونُ مُتَرَدِّدَاً، لِذَلِكَ سَلَكَ الأَتْقِيَاءُ والصَّالِحُونَ سَبِيلَ الخَائِفِينَ على دِينِهِم الذينَ يَخْشَوْنَ الهَلاكَ بالوُقُوعِ في الحَرَامِ، فَكَانَ سَبِيلُهُم التَّوَرُّعَ عَن الشُّبُهَاتِ وَاجْتِنَابِهَا والزُّهْدِ فِيهَا، وَكَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإِمَامَ والقُدْوَةَ فِيهَا، كَمَا كَانَ قُدْوَةً وَإِمَامَاً في سَائِرِ الأَقْوَالِ والأَفْعَالِ والأَحْوَالِ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: «لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِن الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا».
وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم لا يُدْخِلُونَ بُطُونَهُم إلا الحَلالَ النَّقِيَّ.
فهذا الصِّدِّيق رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَعْظَمُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً بَعْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمَاً بِشَيْءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ.
فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ.
فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: رَجُلٌ من أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ الحَبِيبَ الأَعْظَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، لَعَلَّنَا نَأْخُذُ بهذا الحَدِيثِ.
روى الإمام أحمد عَن الْخُشَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِمَا يَحِلُّ لِي وَيُحَرَّمُ عَلَيَّ.
فَصَعَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصَوَّبَ فِيَّ النَّظَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ».
وَقَالَ: «لَا تَقْرَبْ لَحْمَ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا ذَا نَابٍ مِن السِّبَاعِ».
وروى الإمام أحمد عَن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا الْإِثْمُ؟
فَقَالَ: «إِذَا حَكَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ».
قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ؟
قَالَ: «إِذَا سَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ، وَسَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ، فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ».
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا للأَخْذِ بها الأَصْلِ، وَأَنْ يُخْرِجَ من قُلُوبِنَا حُبَّ الدُّنْيَا وَزَخَارِفِهَا وَأَمْوَالِهَا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
239ـ «ادْنُ يَا وَابِصَةُ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَيْنَا إِنْ كُنَّا مُؤْمِنِينَ أَنْ نَتَبَاعَدَ عَن المُحَرَّمَاتِ وَنَتَجَافَى عَنْهَا، وَأَنْ نَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حَاجِزَاً قَوِيَّاً، وَسَدَّاً مَنِيعَاً، وَأَنْ نَسْلُكَ مَسْلَكَ الوَرَعِ واتِّقَاءِ الشُّبُهَاتِ والرِّيَبِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِن الْـمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرَاً لِمَا بِهِ الْبَأْسُ» رواه الترمذي عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْ وَرِعَاً تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعَاً تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنَاً، وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمَاً، وَأَقِلَّ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ» رواه ابن ماجه عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ العِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ من فَضْلِ العِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمُ الوَرَعُ (الوَرَعُ: في الأَصْلِ: الكَفُّ عن المَحَارِمِ والتَّحَرُّجُ مِنْهَا، ثمَّ اسْتُعِيرَ للكَفِّ عَن المُبَاحِ والحَلَالِ)» رواه الحاكم عَن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ.
«ادْنُ يَا وَابِصَةُ»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ على الوَرَعِ، وَذَلِكَ من خِلالِ تَوْجِيهِهِ لَهُم، وَنُصْحِهِ لَهُم، وهذا شَأْنُ الُمحِبِّ لِمَنْ أَرَادَ الخَيْرَ والهِدَايَةَ لِلْغَيْرِ، وهذا شَأْنُ مَن كَانَ رَحِيمَاً بالخَلْقِ.
روى الإمام أحمد عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئَاً مِن الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَإِذَا عِنْدَهُ جَمْعٌ، فَذَهَبْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ.
فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ.
فَقُلْتُ: أَنَا وَابِصَةُ، دَعُونِي أَدْنُو مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ.
فَقَالَ لِي: «ادْنُ يَا وَابِصَةُ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ».
فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَقَالَ: «يَا وَابِصَةُ، أُخْبِرُكَ مَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ، أَوْ تَسْأَلُنِي».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخْبِرْنِي.
قَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَن الْبِرِّ وَالْإِثْمِ».
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي وَيَقُولُ: «يَا وَابِصَةُ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ».
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد أَنْزَلَ اللهُ تعالى على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُ العَظِيمَ، كِتَابَاً مُحْكَمَ البَيَانِ، وَظَاهِرَ البُرْهَانِ، وَبَيَّنَ فِيهِ للأُمَّةِ مَا تَحْتَاجُهُ من حَلالٍ وَحَرَامٍ، لِتَكُونَ الأمَّةُ على بَصِيرَةٍ من أَمْرِهَا، وَحَتَّى لا تَضِلَّ السَّبِيلَ، قَالَ تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانَاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدَىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
«قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: بَعْدَ أَنْ أَنْزَلَ اللهُ تعالى القُرْآنَ العَظِيمَ على قَلْبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَنْ يُبَيِّنَهُ للنَّاسِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾.
من هذا المُنْطَلَقِ بَيَّنَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا أَشْكَلَ على الأُمَّةِ، وَتَرَكَهَا على المَحَجَّةِ البَيْضَاءِ، روى الإمام أحمد عَن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟
قَالَ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ (أَيْ: على الْمِلَّةِ وَالْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَل الشَّبَهَ أَصْلَاً) لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ (لا يَمِيلُ) عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافَاً كَثِيرَاً، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْـمَهْدِيِّينَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدَاً حَبَشِيَّاً، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّمَا الْـمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ».
وَيَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمَاً. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.
وَلَـمَّا شَكَّ النَّاسُ في مَوْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَمُّهُ العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: واللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَرَكَ السَّبِيلَ نَهْجَاً وَاضِحَاً، فَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَحَرَّمَ الحَرَامَ، وَنَكَحَ وَطَلَّقَ، وَحَارَبَ وَسَالَمَ.
الوَرَعُ نَهْجُ الأَتْقِيَاءِ الصَّالِحِينَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: فَمَا تَرَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَلالَاً إلا مُبَيَّنَاً، ولا حَرَامَاً إلا مُوَضَّحَاً، وَشَرَحَ اللهُ تعالى صُدُورَ الأَتْقِيَاءِ والصَّالِحِينَ فَأَخَذُوا بالحَلالِ وَاكْتَفَوْا بِهِ، وَاجْتَنَبُوا الحَرَامَ وَابْتَعَدُوا عَنْهُ، وَلَكِنْ بَقِيَتْ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لا يَجْرُؤُ أَحَدٌ على تَحْرِيمِهَا بسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ، والقَائِلُ بِحِلِّهَا قَلِيلٌ وَقَد يَكُونُ مُتَرَدِّدَاً، لِذَلِكَ سَلَكَ الأَتْقِيَاءُ والصَّالِحُونَ سَبِيلَ الخَائِفِينَ على دِينِهِم الذينَ يَخْشَوْنَ الهَلاكَ بالوُقُوعِ في الحَرَامِ، فَكَانَ سَبِيلُهُم التَّوَرُّعَ عَن الشُّبُهَاتِ وَاجْتِنَابِهَا والزُّهْدِ فِيهَا، وَكَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإِمَامَ والقُدْوَةَ فِيهَا، كَمَا كَانَ قُدْوَةً وَإِمَامَاً في سَائِرِ الأَقْوَالِ والأَفْعَالِ والأَحْوَالِ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: «لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِن الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا».
وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم لا يُدْخِلُونَ بُطُونَهُم إلا الحَلالَ النَّقِيَّ.
فهذا الصِّدِّيق رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَعْظَمُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً بَعْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمَاً بِشَيْءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ.
فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ.
فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: رَجُلٌ من أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ الحَبِيبَ الأَعْظَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، لَعَلَّنَا نَأْخُذُ بهذا الحَدِيثِ.
روى الإمام أحمد عَن الْخُشَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِمَا يَحِلُّ لِي وَيُحَرَّمُ عَلَيَّ.
فَصَعَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصَوَّبَ فِيَّ النَّظَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ».
وَقَالَ: «لَا تَقْرَبْ لَحْمَ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا ذَا نَابٍ مِن السِّبَاعِ».
وروى الإمام أحمد عَن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا الْإِثْمُ؟
فَقَالَ: «إِذَا حَكَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ».
قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ؟
قَالَ: «إِذَا سَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ، وَسَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ، فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ».
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا للأَخْذِ بها الأَصْلِ، وَأَنْ يُخْرِجَ من قُلُوبِنَا حُبَّ الدُّنْيَا وَزَخَارِفِهَا وَأَمْوَالِهَا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin