مع الحبيب المصطفى: «اصدقني ما الذي جئت له؟»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
238ـ «اصدقني ما الذي جئت له؟»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: عِلْمُ البَشَرِ قَاصِرٌ ضَعِيفٌ قَلِيلٌ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلَاً﴾. الـبَشَرُ لا يَعْلَمُونَ من الغَيْبِ شَيْئَاً، وَلَكِنَّ اللهَ تعالى هُوَ الذي يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾. يَعْلَمُ الأَشْيَاءَ قَبْلَ وُجُودِهَا، وَبَعْدَ وُجُودِهَا ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
﴿إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾. يَعْلَمُ مَا نُسِرُّ وَمَا نُعْلِنُ، إِنَّهُ العِلْمُ الكَامِلُ المُطْلَقُ، يَعْلَمُ وَيَسْمَعُ وَيَرَى دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ على الصَّخْرَةِ المَلْسَاءِ في اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ.
«اصْدُقْنِي مَا الذي جِئْتَ لَهُ؟»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ هُوَ العَلِيمُ الخَبِيرُ، عَالِمُ الغَيْبِ، إِذَا شَاءَ أَنْ يُطْلِعَ أَحَدَاً من خَلْقِهِ على بَعضِ المُغَيَّبَاتِ يُطْلِعُهُ، لِأَنَّهُ هُوَ القَائِلُ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدَاً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾. ومن جُمْلَةِ مَا أَطْلَعَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَن مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: جَلَسَ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُمْ عَنَتَاً، إِذْ هُمْ بِمَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بن عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى أَصْحَابِ بَدْرٍ.
قَالَ: فَذَكَرُوا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ بِمَصَائِبِهِمْ.
فَقَالَ صَفْوَانُ: واللهِ إِنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ.
وَقَالَ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ: صَدَقْتَ واللهِ، لَوْلا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي قَضَاؤُهُ، وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَإِنَّ لِي فِيهِمْ عِلَّةً، ابْنِي عِنْدَهُمْ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِم.
فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ، فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ، وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُسْوَتُهُمْ مَا بَقُوا لا يَسَعُهُمْ شَيْءٌ نَعْجَزُ عَنْهُمْ.
قَالَ عُمَيْرٌ: اكْتُمْ عَلَيَّ شَأْنِي وَشَأْنَكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرُ بِسَيْفِهِ، فَشُحِذَ وَسُمَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْـمَدِينَةِ.
فَبَيْنَا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ بِالْـمَدِينَةِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ يَتَذَاكَرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا أَكْرَمَهُمُ اللهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، إِذْ نَظَرَ إِلَى عُمَيْرِ بن وَهْبٍ قَدْ أَنَاخَ بِبَابِ الْـمَسْجِدِ مُتَوَشِّحَ السَّيْفِ، فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ، مَا جَاءَ إِلا لِشَرٍّ، هَذَا الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ(يعني: قَدَّرَ عَدَدَنَا).
ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ، قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحَاً السَّيْفَ.
قَالَ: «فَأَدْخِلْهُ».
فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ، فَلَبَّبَهُ بِهَا، وَقَالَ عُمَرُ لِرِجَالٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ، وَاحْذَرُوا هَذَا الْكَلْبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ.
ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ، فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، ادْنُ يَا عُمَيْرُ».
فَدَنَا، فَقَالَ: أَنْعِمُوا صَبَاحَاً، وَكَانَتْ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ، السَّلامُ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
فَقَالَ: أَمَا واللهِ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ كُنْتَ لَحَدِيثَ الْعَهْدِ بِهَا.
قَالَ: «فَمَا جَاءَ بِكَ؟».
قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ.
قَالَ: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟».
قَالَ: قَبَّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ، فَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئَاً؟
قَالَ: «اصْدُقْنِي مَا الذي جِئْتَ لَهُ؟».
قَالَ: مَا جِئْتُ إِلا لِهَذَا.
قَالَ: «بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَتَذَاكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتَ: لَوْلا دَيْنٌ عَلَيَّ، وَعِيَالِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدَاً، فَتَحَمَّلَ صَفْوَانُ لَكَ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي، واللهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ».
قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللهِ نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلا أَنَا وَصَفْوَانُ، فَوَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ مَا أَنْبَأَكَ بِهِ إِلا اللهُ، فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانِي لِلإِسْلامِ، وَسَاقَنِي هَذَا الْـمَسَاقَ، ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ، وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُمْ».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ جَاهِدَاً عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللهِ، شَدِيدَ الأَذَى عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأُقْدِمَ مَكَّةَ، فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللهِ وَإِلَى الإِسْلامِ، لَعَلَّ اللهَ يَهْدِيهِمْ، وَإِلا آذَيْتُهُمْ، كَمَا كُنْتُ أُؤْذِي أَصْحَابَكَ فِي دِينِهِمْ.
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ، قَالَ لِقُرَيْشٍ: أَبْشِرُوا بِوَاقِعَةٍ تَأْتِيكُمُ الآنَ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ.
وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ إِسْلامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لا يُكَلِّمَهُ أَبَدَاً وَلا يَنْفَعَهُ بنفْعٍ أَبَدَاً.
فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى الإِسْلامِ، وَيُؤْذِي مَنْ يُخَالِفُهُ أَذَىً شَدِيدَاً، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ.
«مَاذَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: مِمَّا أَطْلَعَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بَعْضِ المُغَيَّبَاتِ، مَا حَدَّثَ بِهِ فَضَالَةُ بْنُ عُمَيْرٍ نَفْسَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ.
روى ابْنُ هِشَامٍ في السِّيرَةِ كَمَا جَاءَ في كِتَابِ الرَّوْضِ الأُنْفِ، أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ الْـمُلَوِّحِ اللَّيْثِيِّ أَرَادَ قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَامَ الْفَتْحِ.
فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَضَالَةُ؟».
قَالَ: نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «مَاذَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟».
قَالَ: لَا شَيْءَ، كُنْتُ أَذْكُرُ اللهَ.
قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «اسْتَغْفِرِ اللهَ» ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَسَكَنَ قَلْبُهُ.
فَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: واللهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتَّى مَا مِنْ خَلْقِ اللهِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ.
قَالَ فَضَالَةُ: فَرَجَعْتُ إلَى أَهْلِي، فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةِ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إلَيْهَا.
فَقَالَتْ: هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ.
فَقُلْتُ: لَا، وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ:
قَالَتْ هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْت لا *** يَـأْبَى عَـلَـيْـكِ اللهُ وَالْإِسْـلَامُ
لَـوْمَـا رَأَيْـتِ مُحَـمَّـدَاً وَقَـبِـيلَهُ *** بِالْفَتْحِ يَوْمَ تَـكَـسَّـرَ الْأَصْـنَامُ
لَـرَأَيْـتِ دِيـنَ اللهِ أَضْـحَـى بَيِّنَاً *** وَالشِّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْلَامُ
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من أَشْرَحِ النَّاسِ صَدْرَاً، وَأَعْظَمِهِم قَدْرَاً، وَأَعْلاهُم شَرَفَاً، وَأَبْهَاهُم وَجْهَاً، وَأَكْثَرِهِم تَبَسُّمَاً، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْتَلِكُ النُّفُوسَ بِابْتِسَامَتِهِ المُشْرِقَةِ.
انْظُرُوا إلى الابْتِسَامَةِ التي مَلَكَتْ قَلْبَ وَفُؤَادَ فَضَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَقَلْبَ وَفُؤَادَ عُمَيْرٍ بْنَ وَهْبٍ الجُمَحِيِّ، لَقَد حَوَّلَتْهُ من مُبْغِضٍ إلى مُحِبٍّ، ومن عَدُوٍّ إلى صَحَابِيٍّ جَلِيلٍ، ومن عَاصٍ إلى طَائِعٍ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ لِحَبِيبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هَلْ نَسِيَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُم لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُم، وَلْيَسَعْهُم مِنْكُم بَسْطُ الوَجْهِ، وَحُسْنُ الخُلُقِ»؟ رواه الحَاكِم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَهَلْ نَسِيَتْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ »؟ رواه الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَهَلْ نَسِيَتِ الأُمَّةُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾؟
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
238ـ «اصدقني ما الذي جئت له؟»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: عِلْمُ البَشَرِ قَاصِرٌ ضَعِيفٌ قَلِيلٌ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلَاً﴾. الـبَشَرُ لا يَعْلَمُونَ من الغَيْبِ شَيْئَاً، وَلَكِنَّ اللهَ تعالى هُوَ الذي يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾. يَعْلَمُ الأَشْيَاءَ قَبْلَ وُجُودِهَا، وَبَعْدَ وُجُودِهَا ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
﴿إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾. يَعْلَمُ مَا نُسِرُّ وَمَا نُعْلِنُ، إِنَّهُ العِلْمُ الكَامِلُ المُطْلَقُ، يَعْلَمُ وَيَسْمَعُ وَيَرَى دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ على الصَّخْرَةِ المَلْسَاءِ في اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ.
«اصْدُقْنِي مَا الذي جِئْتَ لَهُ؟»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ هُوَ العَلِيمُ الخَبِيرُ، عَالِمُ الغَيْبِ، إِذَا شَاءَ أَنْ يُطْلِعَ أَحَدَاً من خَلْقِهِ على بَعضِ المُغَيَّبَاتِ يُطْلِعُهُ، لِأَنَّهُ هُوَ القَائِلُ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدَاً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾. ومن جُمْلَةِ مَا أَطْلَعَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَن مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: جَلَسَ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُمْ عَنَتَاً، إِذْ هُمْ بِمَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بن عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى أَصْحَابِ بَدْرٍ.
قَالَ: فَذَكَرُوا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ بِمَصَائِبِهِمْ.
فَقَالَ صَفْوَانُ: واللهِ إِنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ.
وَقَالَ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ: صَدَقْتَ واللهِ، لَوْلا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي قَضَاؤُهُ، وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَإِنَّ لِي فِيهِمْ عِلَّةً، ابْنِي عِنْدَهُمْ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِم.
فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ، فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ، وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُسْوَتُهُمْ مَا بَقُوا لا يَسَعُهُمْ شَيْءٌ نَعْجَزُ عَنْهُمْ.
قَالَ عُمَيْرٌ: اكْتُمْ عَلَيَّ شَأْنِي وَشَأْنَكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرُ بِسَيْفِهِ، فَشُحِذَ وَسُمَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْـمَدِينَةِ.
فَبَيْنَا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ بِالْـمَدِينَةِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ يَتَذَاكَرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا أَكْرَمَهُمُ اللهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، إِذْ نَظَرَ إِلَى عُمَيْرِ بن وَهْبٍ قَدْ أَنَاخَ بِبَابِ الْـمَسْجِدِ مُتَوَشِّحَ السَّيْفِ، فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ، مَا جَاءَ إِلا لِشَرٍّ، هَذَا الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ(يعني: قَدَّرَ عَدَدَنَا).
ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ، قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحَاً السَّيْفَ.
قَالَ: «فَأَدْخِلْهُ».
فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ، فَلَبَّبَهُ بِهَا، وَقَالَ عُمَرُ لِرِجَالٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ، وَاحْذَرُوا هَذَا الْكَلْبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ.
ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ، فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، ادْنُ يَا عُمَيْرُ».
فَدَنَا، فَقَالَ: أَنْعِمُوا صَبَاحَاً، وَكَانَتْ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ، السَّلامُ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
فَقَالَ: أَمَا واللهِ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ كُنْتَ لَحَدِيثَ الْعَهْدِ بِهَا.
قَالَ: «فَمَا جَاءَ بِكَ؟».
قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ.
قَالَ: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟».
قَالَ: قَبَّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ، فَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئَاً؟
قَالَ: «اصْدُقْنِي مَا الذي جِئْتَ لَهُ؟».
قَالَ: مَا جِئْتُ إِلا لِهَذَا.
قَالَ: «بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَتَذَاكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتَ: لَوْلا دَيْنٌ عَلَيَّ، وَعِيَالِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدَاً، فَتَحَمَّلَ صَفْوَانُ لَكَ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي، واللهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ».
قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللهِ نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلا أَنَا وَصَفْوَانُ، فَوَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ مَا أَنْبَأَكَ بِهِ إِلا اللهُ، فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانِي لِلإِسْلامِ، وَسَاقَنِي هَذَا الْـمَسَاقَ، ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ، وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُمْ».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ جَاهِدَاً عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللهِ، شَدِيدَ الأَذَى عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأُقْدِمَ مَكَّةَ، فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللهِ وَإِلَى الإِسْلامِ، لَعَلَّ اللهَ يَهْدِيهِمْ، وَإِلا آذَيْتُهُمْ، كَمَا كُنْتُ أُؤْذِي أَصْحَابَكَ فِي دِينِهِمْ.
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ، قَالَ لِقُرَيْشٍ: أَبْشِرُوا بِوَاقِعَةٍ تَأْتِيكُمُ الآنَ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ.
وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ إِسْلامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لا يُكَلِّمَهُ أَبَدَاً وَلا يَنْفَعَهُ بنفْعٍ أَبَدَاً.
فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى الإِسْلامِ، وَيُؤْذِي مَنْ يُخَالِفُهُ أَذَىً شَدِيدَاً، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ.
«مَاذَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: مِمَّا أَطْلَعَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بَعْضِ المُغَيَّبَاتِ، مَا حَدَّثَ بِهِ فَضَالَةُ بْنُ عُمَيْرٍ نَفْسَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ.
روى ابْنُ هِشَامٍ في السِّيرَةِ كَمَا جَاءَ في كِتَابِ الرَّوْضِ الأُنْفِ، أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ الْـمُلَوِّحِ اللَّيْثِيِّ أَرَادَ قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَامَ الْفَتْحِ.
فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَضَالَةُ؟».
قَالَ: نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «مَاذَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟».
قَالَ: لَا شَيْءَ، كُنْتُ أَذْكُرُ اللهَ.
قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «اسْتَغْفِرِ اللهَ» ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَسَكَنَ قَلْبُهُ.
فَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: واللهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتَّى مَا مِنْ خَلْقِ اللهِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ.
قَالَ فَضَالَةُ: فَرَجَعْتُ إلَى أَهْلِي، فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةِ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إلَيْهَا.
فَقَالَتْ: هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ.
فَقُلْتُ: لَا، وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ:
قَالَتْ هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْت لا *** يَـأْبَى عَـلَـيْـكِ اللهُ وَالْإِسْـلَامُ
لَـوْمَـا رَأَيْـتِ مُحَـمَّـدَاً وَقَـبِـيلَهُ *** بِالْفَتْحِ يَوْمَ تَـكَـسَّـرَ الْأَصْـنَامُ
لَـرَأَيْـتِ دِيـنَ اللهِ أَضْـحَـى بَيِّنَاً *** وَالشِّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْلَامُ
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من أَشْرَحِ النَّاسِ صَدْرَاً، وَأَعْظَمِهِم قَدْرَاً، وَأَعْلاهُم شَرَفَاً، وَأَبْهَاهُم وَجْهَاً، وَأَكْثَرِهِم تَبَسُّمَاً، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْتَلِكُ النُّفُوسَ بِابْتِسَامَتِهِ المُشْرِقَةِ.
انْظُرُوا إلى الابْتِسَامَةِ التي مَلَكَتْ قَلْبَ وَفُؤَادَ فَضَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَقَلْبَ وَفُؤَادَ عُمَيْرٍ بْنَ وَهْبٍ الجُمَحِيِّ، لَقَد حَوَّلَتْهُ من مُبْغِضٍ إلى مُحِبٍّ، ومن عَدُوٍّ إلى صَحَابِيٍّ جَلِيلٍ، ومن عَاصٍ إلى طَائِعٍ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ لِحَبِيبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هَلْ نَسِيَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُم لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُم، وَلْيَسَعْهُم مِنْكُم بَسْطُ الوَجْهِ، وَحُسْنُ الخُلُقِ»؟ رواه الحَاكِم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَهَلْ نَسِيَتْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ »؟ رواه الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَهَلْ نَسِيَتِ الأُمَّةُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾؟
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin