مع الحبيب المصطفى : «أَفْلَحَ مَن رُزِقَ لُبَّاً»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
232ـ «أَفْلَحَ مَن رُزِقَ لُبَّاً»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ اللهَ تعالى أَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ الظَّاهِرَةَ والبَاطِنَةَ، ومن هذهِ النِّعَمِ التي أَفَاءَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا نِعْمَةُ العَقْلِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ مَالِ الإِنْسَانِ، بِهِ يَقْضِي المَرْءُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ في سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ، وَبِهِ يَسْعَى إلى عَمَلِ الخَيْرِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَلِأَهْلِهِ وَلِوَطَنِهِ،وَلِكُلِّ مَن يُحِبُّ.
وَمِمَّا لا شَكَّ فِيهِ بِأَنَّ العَقْلَ من أَجَلِّ النِّعَمِ التي أَنْعَمَ اللهُ تعالى بِهَا على الإِنْسَانِ، وَبِهِ مَيَّزَهُ عَن الحَيَوَانِ، وَجَعَلَهُ سَيِّدَ هذا الكَوْنِ، وَمَكَّنَهُ من السَّيْطَرَةِ عَلَيْهِ، وَتَسْخِيرِهِ لِخَيْرِ البَشَرِيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلَاً﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: العَقْلُ هِبَةٌ إِلَهِيَّةٌ وَهَبَهَا اللهُ تعالى للإِنْسَانِ، وَشَرَّفَهُ بِهَا على جَمِيعِ المَوْجُودَاتِ، بِهِ يَعْرِفُ العَاقِلُ حَسَنَ الأَشْيَاءِ وَقَبِيحَهَا، وَكَمَالَهَا وَنُقْصَانَهَا، وَبِهِ يَعْلَمُ خَيْرَ الخَيْرَيْنِ، وَشَرَّ الشَّرَّيْنِ.
أَرْجَحِيَّةُ عَقْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد بَلَغَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من أَرْجَحِيَّةِ عَقْلِهِ وَكَمَالِهِ الغَايَةَ القُصْوَى التي لَمْ يَبْلُغْهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، وَذَلِكَ بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى وَفَضْلِهِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾. لَقَد أقْسَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهذا القَسَمِ العَظِيمِ على سَعَةِ عَقْلِ هذا الرَّسُولِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ جُنُونٍ، وَإنَّمَا هُوَ صَاحِبُ العَقْلِ الأَكْمَلِ، والعِلْمِ الوَاسِعِ الأَفْضَلِ، وَكَيْفَ لا يَكُونُ عَقْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ كُلِّ العُقُولِ، وَقَد أَنْعَمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ، وَأَكْرَمَهُ وَخَصَّهُ بالنُّبُوَّةِ والرِّسَالَةِ، وَنُزُولِ القُرْآنِ العَظِيمِ على قَلْبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلَ خَلْقِ اللهِ تعالى عَقْلاً، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: أَفْضَلُ النَّاسِ أَعْقَلُ النَّاسِ؛ وَذَلِكَ نَبِيُّكُم مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَيَقُولُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ التَّابِعِيُّ الثِّقَةُ، الذي روى لَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا: قَرَأْتُ في أَحَدٍ وَسَبْعِينَ كِتَابَاً (يَعْنِي من الكُتُبِ السَّابِقَةِ) فَوَجَدْتُ في جَمِيعِهَا أَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لَمْ يُعْطِ جَمِيعَ الخَلْقِ من بَدْءِ الدُّنْيَا إلى انْقِضَائِهَا من العَقْلِ في جَنْبِ عَقْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلا كَحَبَّةِ رَمْلٍ من بَيْنِ جَمِيعِ رِمَالِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلَاً، وَأَفْضَلُهُم رَأْيَاً.
دِفَاعُ اللهِ تعالى عَن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد تَوَلَّى اللهُ تعالى الدِّفَاعَ عَن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهذا كَانَ من خُصُوصِيَّاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
لَقَد كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ قَبْلَهُ يُدَافِعُ عَن نَفْسِهِ التُّهَمَ التي وُجِّهَتْ إِلَيْهِ من قِبَلِ قَوْمِهِ الذينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِم، قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَن قَوْمِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَمَا قَالُوا لِسَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾. فَقَالَ سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ مُدَافِعَاً عَن نَفْسِهِ: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وقَالَ قَوْمُ هُودٍ لِسَيِّدِنَا هُودٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾. فَرَدَّ عَلَيْهِم مُدَافِعَاً عَن نَفْسِهِ: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾.
وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورَاً﴾. فَقَالَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مُدَافِعَاً عَن نَفْسِهِ: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورَاً﴾.
أَمَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَد قَالَ تعالى مُدَافِعَاً عَن حَبِيبِهِ وَمُصْطَفَاهُ: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾.
وروى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيَّاً فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ نَصْرَانِيَّاً، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ.
فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا، فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ.
فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ؛ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِن النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ.
الحَمْدُ للهِ الذي هَدَاكَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: قَبْلَ أَنْ أَتَحَدَّثَ عَن بَعْضِ الأَمْثِلَةِ التي تَدُلُّ على أَرْجَحِيَّةِ عَقْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَقُولُ: أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ العَقْلِ الذي يُسْلِمُنَا إلى مَجَامِعِ الخَيْرِ والفَضْلِ، وَيُبْعِدُنَا عَن الشَّرِّ والانْحِرَافِ والضَّلالِ، لِأَنَّ هذا يُفْرِحُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَمَّا جَاءَ سَيِّدُنَا خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنَاً مُسْلِمَاً، قَالَ: فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ (يَعْنِي على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) فَمَا زَالَ يَتَبَسَّمُ إِلَيَّ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بالنُّبُوَّةِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الحَمْدُ للهِ الذي هَدَاكَ، قَد كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلَاً رَجَوْتُ أَنْ لا يُسْلِمَكَ إلا إلى خَيْرٍ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَد رَأَيْتَ مَا كُنْتُ أَشْهَدُ من تِلْكَ المَوَاطِنِ عَلَيْكَ مُعَانِدَاً عَن الحَقِّ، فَادْعُ اللهَ يَغْفِرْهَا لِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِخَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ كُلَّ مَا أَوْضَعَ فِيهِ من صَدٍّ عَن سَبِيلِكَ» رواه البيهقي عَن خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
«أَفْلَحَ مَن رُزِقَ لُبَّاً»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنَا لُبَّاً نَسْلَمُ بِهِ على دِينِنَا وَدُنْيَانَا، فَقَد أَفْلَحَ مَن رُزِقَ لُبَّاً سَلَّمَهُ لِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ قُرَّةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ لَنَا أَرْبَابٌ وَرَبَّاتٌ نَعْبُدُهُنَّ مِنْ دُونِ اللهِ، فَدَعَوْنَاهُنَّ فَلَمْ يُجِبْنَ، وَسَأَلْنَاهُنَّ فَلَمْ يُعْطِينَ، فَجِئْنَاكَ فَهَدَانَا اللهُ بِكَ، فَنَحْنُ نَعْبُدُ اللهَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ مَنْ رُزِقَ لُبَّاً».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُكْسُنِي ثَوْبَيْنِ مِنْ ثِيَابِكَ قَدْ لَبِسْتَهُمَا، فَكَسَاهُ.
فَلَمَّا كَانَ بِالْمَوْقِفِ فِي عَرَفَاتٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَعِدْ عَلِيَّ مَقَالَتَكَ».
فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ مَنْ رُزِقَ لُبَّاً».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: العَقْلُ السَّلِيمُ هُوَ الذي يُلْزِمُ صَاحِبَهُ التَّمَسُّكَ بهذا الدِّينِ، لِأَنَّهُ الدِّينُ الذي أَتَمَّهُ اللهُ تعالى وَأَكْمَلَهُ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ المُحْكَمُ، وَهُوَ المَعْقُولُ المُبْرَمُ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ العَقْلِ الذي يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَن الرَّدَى. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
232ـ «أَفْلَحَ مَن رُزِقَ لُبَّاً»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ اللهَ تعالى أَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ الظَّاهِرَةَ والبَاطِنَةَ، ومن هذهِ النِّعَمِ التي أَفَاءَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا نِعْمَةُ العَقْلِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ مَالِ الإِنْسَانِ، بِهِ يَقْضِي المَرْءُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ في سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ، وَبِهِ يَسْعَى إلى عَمَلِ الخَيْرِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَلِأَهْلِهِ وَلِوَطَنِهِ،وَلِكُلِّ مَن يُحِبُّ.
وَمِمَّا لا شَكَّ فِيهِ بِأَنَّ العَقْلَ من أَجَلِّ النِّعَمِ التي أَنْعَمَ اللهُ تعالى بِهَا على الإِنْسَانِ، وَبِهِ مَيَّزَهُ عَن الحَيَوَانِ، وَجَعَلَهُ سَيِّدَ هذا الكَوْنِ، وَمَكَّنَهُ من السَّيْطَرَةِ عَلَيْهِ، وَتَسْخِيرِهِ لِخَيْرِ البَشَرِيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلَاً﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: العَقْلُ هِبَةٌ إِلَهِيَّةٌ وَهَبَهَا اللهُ تعالى للإِنْسَانِ، وَشَرَّفَهُ بِهَا على جَمِيعِ المَوْجُودَاتِ، بِهِ يَعْرِفُ العَاقِلُ حَسَنَ الأَشْيَاءِ وَقَبِيحَهَا، وَكَمَالَهَا وَنُقْصَانَهَا، وَبِهِ يَعْلَمُ خَيْرَ الخَيْرَيْنِ، وَشَرَّ الشَّرَّيْنِ.
أَرْجَحِيَّةُ عَقْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد بَلَغَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من أَرْجَحِيَّةِ عَقْلِهِ وَكَمَالِهِ الغَايَةَ القُصْوَى التي لَمْ يَبْلُغْهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، وَذَلِكَ بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى وَفَضْلِهِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾. لَقَد أقْسَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهذا القَسَمِ العَظِيمِ على سَعَةِ عَقْلِ هذا الرَّسُولِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ جُنُونٍ، وَإنَّمَا هُوَ صَاحِبُ العَقْلِ الأَكْمَلِ، والعِلْمِ الوَاسِعِ الأَفْضَلِ، وَكَيْفَ لا يَكُونُ عَقْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ كُلِّ العُقُولِ، وَقَد أَنْعَمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ، وَأَكْرَمَهُ وَخَصَّهُ بالنُّبُوَّةِ والرِّسَالَةِ، وَنُزُولِ القُرْآنِ العَظِيمِ على قَلْبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلَ خَلْقِ اللهِ تعالى عَقْلاً، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: أَفْضَلُ النَّاسِ أَعْقَلُ النَّاسِ؛ وَذَلِكَ نَبِيُّكُم مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَيَقُولُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ التَّابِعِيُّ الثِّقَةُ، الذي روى لَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا: قَرَأْتُ في أَحَدٍ وَسَبْعِينَ كِتَابَاً (يَعْنِي من الكُتُبِ السَّابِقَةِ) فَوَجَدْتُ في جَمِيعِهَا أَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لَمْ يُعْطِ جَمِيعَ الخَلْقِ من بَدْءِ الدُّنْيَا إلى انْقِضَائِهَا من العَقْلِ في جَنْبِ عَقْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلا كَحَبَّةِ رَمْلٍ من بَيْنِ جَمِيعِ رِمَالِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلَاً، وَأَفْضَلُهُم رَأْيَاً.
دِفَاعُ اللهِ تعالى عَن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد تَوَلَّى اللهُ تعالى الدِّفَاعَ عَن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهذا كَانَ من خُصُوصِيَّاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
لَقَد كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ قَبْلَهُ يُدَافِعُ عَن نَفْسِهِ التُّهَمَ التي وُجِّهَتْ إِلَيْهِ من قِبَلِ قَوْمِهِ الذينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِم، قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَن قَوْمِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَمَا قَالُوا لِسَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾. فَقَالَ سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ مُدَافِعَاً عَن نَفْسِهِ: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وقَالَ قَوْمُ هُودٍ لِسَيِّدِنَا هُودٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾. فَرَدَّ عَلَيْهِم مُدَافِعَاً عَن نَفْسِهِ: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾.
وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورَاً﴾. فَقَالَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مُدَافِعَاً عَن نَفْسِهِ: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورَاً﴾.
أَمَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَد قَالَ تعالى مُدَافِعَاً عَن حَبِيبِهِ وَمُصْطَفَاهُ: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾.
وروى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيَّاً فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ نَصْرَانِيَّاً، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ.
فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا، فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ.
فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ؛ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِن النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ.
الحَمْدُ للهِ الذي هَدَاكَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: قَبْلَ أَنْ أَتَحَدَّثَ عَن بَعْضِ الأَمْثِلَةِ التي تَدُلُّ على أَرْجَحِيَّةِ عَقْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَقُولُ: أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ العَقْلِ الذي يُسْلِمُنَا إلى مَجَامِعِ الخَيْرِ والفَضْلِ، وَيُبْعِدُنَا عَن الشَّرِّ والانْحِرَافِ والضَّلالِ، لِأَنَّ هذا يُفْرِحُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَمَّا جَاءَ سَيِّدُنَا خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنَاً مُسْلِمَاً، قَالَ: فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ (يَعْنِي على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) فَمَا زَالَ يَتَبَسَّمُ إِلَيَّ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بالنُّبُوَّةِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الحَمْدُ للهِ الذي هَدَاكَ، قَد كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلَاً رَجَوْتُ أَنْ لا يُسْلِمَكَ إلا إلى خَيْرٍ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَد رَأَيْتَ مَا كُنْتُ أَشْهَدُ من تِلْكَ المَوَاطِنِ عَلَيْكَ مُعَانِدَاً عَن الحَقِّ، فَادْعُ اللهَ يَغْفِرْهَا لِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِخَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ كُلَّ مَا أَوْضَعَ فِيهِ من صَدٍّ عَن سَبِيلِكَ» رواه البيهقي عَن خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
«أَفْلَحَ مَن رُزِقَ لُبَّاً»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنَا لُبَّاً نَسْلَمُ بِهِ على دِينِنَا وَدُنْيَانَا، فَقَد أَفْلَحَ مَن رُزِقَ لُبَّاً سَلَّمَهُ لِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ قُرَّةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ لَنَا أَرْبَابٌ وَرَبَّاتٌ نَعْبُدُهُنَّ مِنْ دُونِ اللهِ، فَدَعَوْنَاهُنَّ فَلَمْ يُجِبْنَ، وَسَأَلْنَاهُنَّ فَلَمْ يُعْطِينَ، فَجِئْنَاكَ فَهَدَانَا اللهُ بِكَ، فَنَحْنُ نَعْبُدُ اللهَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ مَنْ رُزِقَ لُبَّاً».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُكْسُنِي ثَوْبَيْنِ مِنْ ثِيَابِكَ قَدْ لَبِسْتَهُمَا، فَكَسَاهُ.
فَلَمَّا كَانَ بِالْمَوْقِفِ فِي عَرَفَاتٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَعِدْ عَلِيَّ مَقَالَتَكَ».
فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ مَنْ رُزِقَ لُبَّاً».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: العَقْلُ السَّلِيمُ هُوَ الذي يُلْزِمُ صَاحِبَهُ التَّمَسُّكَ بهذا الدِّينِ، لِأَنَّهُ الدِّينُ الذي أَتَمَّهُ اللهُ تعالى وَأَكْمَلَهُ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ المُحْكَمُ، وَهُوَ المَعْقُولُ المُبْرَمُ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ العَقْلِ الذي يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَن الرَّدَى. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin