مع الحبيب المصطفى: نرجو بركته لصبياننا
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
226ـ نرجو بركته لصبياننا
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لا يُؤْمِنُ العَبْدُ حَتَّى يُحِبَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولا تَكْفِي مَحَبَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ مَحْبُوبٍ في قَلْبِهِ بَعْدَ اللهِ تعالى، وَأَجَلَّ إِنْسَانٍ في نَظَرِهِ، وَأَكْرَمَ مَخْلُوقٍ من خَلْقِ اللهِ تعالى.
أيُّها الإخوة الكرام: مَا رَقِيَ مَن رَقِيَ، وَمَا وَصَلَ مَن وَصَلَ إلى اللهِ تعالى، وَمَا رَضِيَ اللهُ تعالى عَمَّنْ رَضِيَ عَنْهُ، إلا عِنْدَمَا سَرَى حُبُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في عُرُوقِهِ كَمَا سَرَى المَاءُ في الشَّجَرِ، وَفَدَاهُ بِرُوحِهِ وَمَالِهِ وَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَقَدَّمَ حُبَّهُ على سَائِرِ المَوْجُودَاتِ من المَخْلُوقَاتِ.
أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَخْرٌ للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، وللمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَهُ اللهُ تعالى بلا تُرْجَمَانٍ، وَأَقْسَمَ اللهُ تعالى بِرُوحِهِ وَحَيَاتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما عِنْدَ هذهِ الآيَةِ: مَا خَلَقَ اللهُ، وَمَا ذَرَأَ، وَمَا بَرَأَ نَفْسَاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ من مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْتُ اللهَ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ غَيْرِهِ. اهـ. فَأَيُّ شَرَفٍ هذا، وَأَيُّ مَكَانَةٍ هذهِ، فَلِذَا يَحِقُّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَفْخَرَ بهذا الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يَفْخَرَ بالانْتِمَاءِ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
عَرَقُهُ الشَّرِيفُ، وَطِيبُ رَائِحَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: نُفُوسُ المُؤْمِنِينَ تَتَشَوَّقُ وَتَشْتَاقُ لِسَمَاعِ بَعْضِ صِفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِتَزْدَادَ حُبَّاً فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ من صِفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ طِيبَاً، وَكَانَتْ رَائِحَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبَ الطِّيبِ، وَكَانَتْ رَائِحَتُهُ الزَّكِيَّةُ أَطْيَبَ من النَّفَحَاتِ العَنْبَرِيَّةِ والمِسْكِيَّةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَا شَمِمْتُ عَنْبَرَاً قَطُّ، وَلَا مِسْكَاً، وَلَا شَيْئَاً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مَسِسْتُ شَيْئَاً قَطُّ، دِيبَاجَاً (نَوْعٌ مِن الْحَرِير) وَلَا حَرِيرَاً، أَلْيَنَ مَسَّاً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وروى كذلك عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى (يَعْنِي الظُّهْرَ) ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ (صِبْيَانٌ) فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدَاً وَاحِدَاً.
قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي؛ فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدَاً أَوْ رِيحَاً، كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ (السَّقْطُ الَّذِي فِيهِ مَتَاعُ الْعَطَّارِ).
وروى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقَاً، وَلَا مَسَسْتُ خَزَّاً قَطُّ (نَوْعٌ مِن الْحَرِير) وَلَا حَرِيرَاً وَلَا شَيْئَاً كَانَ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ مِسْكَاً قَطُّ، وَلَا عِطْرَاً كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ (أَيْ: فِي الصَّفَاءِ وَالْبَيَاضِ) إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ (أَيْ: يَمِيل إِلَى سَمْتِهِ) وَلَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وروى الإمام البخاري عَن الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ (في نِصْفِ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الحَرِّ) إِلَى الْبَطْحَاءِ (المَسِيلُ الوَاسِعُ) فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ (أَطْوَلُ من العَصَا وَأَقْصَرُ من الرُّمْحِ) وكَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ، فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ.
قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِن الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِن الْمِسْكِ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْم أَنَّ آمِنَةَ أَمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لمَّا وَلَدَتهُ قَالَتْ: (ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيهِ فَإِذَا هُوَ كَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، رِيْحُهُ يَسْطَعُ كَالمِسْكِ الأَذْفَرِ)
تَطَيُّبُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِعَرَقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَكْرَمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ جَعَلَ رَائِحَةَ عَرَقِهِ طَيِّبَةً طِيبَاً ذَاتِيَّاً، حَتَّى كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم يَأْخُذُونَ عَرَقَهُ الشَّرِيفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَجْعَلُوهُ في طِيبِهِم.
روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ.
قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا: هَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَامَ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ.
قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا (صُنْدُوقٌ صَغِيرٌ يُوضَعُ فِيهِ مَا يَعِزُّ من مَتَاعٍ) فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا.
فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟».
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا.
قَالَ: «أَصَبْتِ».
أيُّها الإخوة الكرام: أُمُّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنها كَانَتْ خَالَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الرَّضَاعَةِ، كَمَا يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: اِتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمَاً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. اهـ.
وَجَاءَ في كِتَابِ الشِّفَا: وَأُمُّ سُلَيْمٍ هذهِ وَأُخْتُهَا أُمُّ مَلْحَانَ خَالَتَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من جِهَةِ الرَّضَاعِ. اهـ.
أيُّها الإخوة الكرام: حَاشَا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، بَلْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ أَنْ يَنْفِيَ الوَهْمَ والظَّنَّ بِهِ هذا الظَّنَّ، روى الشيخان عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفَاً، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلَاً، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ لِأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلَانِ مِن الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ».
فَقَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ!
قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِن الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرَّاً ـ أَوْ قَالَ: شَيْئَاً ـ».
وفي هذا تَشْرِيعٌ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من أَنْ تُسَوِّلَ نَفْسُ أَحَدِهِم مَهْمَا ارْتَفَعَتْ مَرْتَبَتُهُ وَدَرَجَتُهُ وَزَكَتْ نَفْسُهُ من أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ رِيحُ عَرَقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبَ من رِيحِ المِسْكِ، وَمَعَ ذلكَ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الطِّيبَ في كَثِيرٍ من الأَوْقَاتِ، لِيَسُنَّ ذلكَ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَتَّبِعُوهُ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُبِّبَ إِلَيْهِ الطِّيبُ، روى الإمام أحمد والنسائي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِن الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ».
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ للنَّاسِ يَتَزَيَّنُ وَيَتَطَيَّبُ وَيُسَرِّحُ شَعْرَ لِحْيَتِهِ، وَكُلُّ ذلكَ تَعْلِيمٌ للأُمَّةِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا للاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
226ـ نرجو بركته لصبياننا
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لا يُؤْمِنُ العَبْدُ حَتَّى يُحِبَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولا تَكْفِي مَحَبَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ مَحْبُوبٍ في قَلْبِهِ بَعْدَ اللهِ تعالى، وَأَجَلَّ إِنْسَانٍ في نَظَرِهِ، وَأَكْرَمَ مَخْلُوقٍ من خَلْقِ اللهِ تعالى.
أيُّها الإخوة الكرام: مَا رَقِيَ مَن رَقِيَ، وَمَا وَصَلَ مَن وَصَلَ إلى اللهِ تعالى، وَمَا رَضِيَ اللهُ تعالى عَمَّنْ رَضِيَ عَنْهُ، إلا عِنْدَمَا سَرَى حُبُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في عُرُوقِهِ كَمَا سَرَى المَاءُ في الشَّجَرِ، وَفَدَاهُ بِرُوحِهِ وَمَالِهِ وَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَقَدَّمَ حُبَّهُ على سَائِرِ المَوْجُودَاتِ من المَخْلُوقَاتِ.
أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَخْرٌ للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، وللمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَهُ اللهُ تعالى بلا تُرْجَمَانٍ، وَأَقْسَمَ اللهُ تعالى بِرُوحِهِ وَحَيَاتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما عِنْدَ هذهِ الآيَةِ: مَا خَلَقَ اللهُ، وَمَا ذَرَأَ، وَمَا بَرَأَ نَفْسَاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ من مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْتُ اللهَ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ غَيْرِهِ. اهـ. فَأَيُّ شَرَفٍ هذا، وَأَيُّ مَكَانَةٍ هذهِ، فَلِذَا يَحِقُّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَفْخَرَ بهذا الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يَفْخَرَ بالانْتِمَاءِ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
عَرَقُهُ الشَّرِيفُ، وَطِيبُ رَائِحَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: نُفُوسُ المُؤْمِنِينَ تَتَشَوَّقُ وَتَشْتَاقُ لِسَمَاعِ بَعْضِ صِفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِتَزْدَادَ حُبَّاً فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ من صِفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ طِيبَاً، وَكَانَتْ رَائِحَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبَ الطِّيبِ، وَكَانَتْ رَائِحَتُهُ الزَّكِيَّةُ أَطْيَبَ من النَّفَحَاتِ العَنْبَرِيَّةِ والمِسْكِيَّةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَا شَمِمْتُ عَنْبَرَاً قَطُّ، وَلَا مِسْكَاً، وَلَا شَيْئَاً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مَسِسْتُ شَيْئَاً قَطُّ، دِيبَاجَاً (نَوْعٌ مِن الْحَرِير) وَلَا حَرِيرَاً، أَلْيَنَ مَسَّاً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وروى كذلك عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى (يَعْنِي الظُّهْرَ) ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ (صِبْيَانٌ) فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدَاً وَاحِدَاً.
قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي؛ فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدَاً أَوْ رِيحَاً، كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ (السَّقْطُ الَّذِي فِيهِ مَتَاعُ الْعَطَّارِ).
وروى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقَاً، وَلَا مَسَسْتُ خَزَّاً قَطُّ (نَوْعٌ مِن الْحَرِير) وَلَا حَرِيرَاً وَلَا شَيْئَاً كَانَ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ مِسْكَاً قَطُّ، وَلَا عِطْرَاً كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ (أَيْ: فِي الصَّفَاءِ وَالْبَيَاضِ) إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ (أَيْ: يَمِيل إِلَى سَمْتِهِ) وَلَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وروى الإمام البخاري عَن الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ (في نِصْفِ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الحَرِّ) إِلَى الْبَطْحَاءِ (المَسِيلُ الوَاسِعُ) فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ (أَطْوَلُ من العَصَا وَأَقْصَرُ من الرُّمْحِ) وكَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ، فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ.
قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِن الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِن الْمِسْكِ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْم أَنَّ آمِنَةَ أَمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لمَّا وَلَدَتهُ قَالَتْ: (ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيهِ فَإِذَا هُوَ كَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، رِيْحُهُ يَسْطَعُ كَالمِسْكِ الأَذْفَرِ)
تَطَيُّبُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِعَرَقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَكْرَمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ جَعَلَ رَائِحَةَ عَرَقِهِ طَيِّبَةً طِيبَاً ذَاتِيَّاً، حَتَّى كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم يَأْخُذُونَ عَرَقَهُ الشَّرِيفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَجْعَلُوهُ في طِيبِهِم.
روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ.
قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا: هَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَامَ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ.
قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا (صُنْدُوقٌ صَغِيرٌ يُوضَعُ فِيهِ مَا يَعِزُّ من مَتَاعٍ) فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا.
فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟».
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا.
قَالَ: «أَصَبْتِ».
أيُّها الإخوة الكرام: أُمُّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنها كَانَتْ خَالَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الرَّضَاعَةِ، كَمَا يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: اِتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمَاً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. اهـ.
وَجَاءَ في كِتَابِ الشِّفَا: وَأُمُّ سُلَيْمٍ هذهِ وَأُخْتُهَا أُمُّ مَلْحَانَ خَالَتَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من جِهَةِ الرَّضَاعِ. اهـ.
أيُّها الإخوة الكرام: حَاشَا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، بَلْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ أَنْ يَنْفِيَ الوَهْمَ والظَّنَّ بِهِ هذا الظَّنَّ، روى الشيخان عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفَاً، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلَاً، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ لِأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلَانِ مِن الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ».
فَقَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ!
قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِن الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرَّاً ـ أَوْ قَالَ: شَيْئَاً ـ».
وفي هذا تَشْرِيعٌ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من أَنْ تُسَوِّلَ نَفْسُ أَحَدِهِم مَهْمَا ارْتَفَعَتْ مَرْتَبَتُهُ وَدَرَجَتُهُ وَزَكَتْ نَفْسُهُ من أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ رِيحُ عَرَقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبَ من رِيحِ المِسْكِ، وَمَعَ ذلكَ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الطِّيبَ في كَثِيرٍ من الأَوْقَاتِ، لِيَسُنَّ ذلكَ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَتَّبِعُوهُ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُبِّبَ إِلَيْهِ الطِّيبُ، روى الإمام أحمد والنسائي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِن الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ».
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ للنَّاسِ يَتَزَيَّنُ وَيَتَطَيَّبُ وَيُسَرِّحُ شَعْرَ لِحْيَتِهِ، وَكُلُّ ذلكَ تَعْلِيمٌ للأُمَّةِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا للاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin