مع الحبيب المصطفى: أَزْهَرُ اللَّوْنِ هَدِبُ الْأَشْفَارِ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
223ـ أَزْهَرُ اللَّوْنِ هَدِبُ الْأَشْفَارِ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام مسلم عن الْبَرَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ رَجُلَاً مَرْبُوعَاً، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِن وَلَا بِالْقَصِيرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ ـ كَثِيرَ الشَّعْرِ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ ـ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئَاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
إِنَّ الصُّورَةَ المِثَالِيَّةَ الكَامِلَةَ في شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا الرَّسُولِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَتَجَلَّى في خُلُقِهِ وفي خَلْقِهِ مَعَاً، وَهِيَ بَالِغَةٌ في كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْتَهَى الكَمَالِ والحَمْدُ للهِ وَاهِبِهِ والمُتَفَضِّلِ بِهِ.
أَزْهَرُ اللَّوْنِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهَاً، وَكَانَ وَجْهُهُ الشَّرِيفُ مُشْرِقَاً مُنِيرَاً، يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: إِنَّ للحَسَنَةِ نُورٌ في القَلْبِ، وَضِيَاءً في الوَجْهِ. اهـ.
أيُّها الإخوة الكرام: إِذَا كَانَ للحَسَنَةِ نُورَاً في وَجْهِ العَابِدِ، بِبَرَكَةِ فِعْلِهِ للطَّاعَةِ، وَبِتَرْكِهِ المَعْصِيَةِ، فَكَيْفَ بِوَجْهِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟
روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَلَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
أَزْهَرُ اللَّوْنِ: هُوَ الأَبْيَضُ المُسْتَنِيرُ، وَهُوَ أَحْسَنُ الأَلْوَانِ.
كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ: أَيْ: في الصَّفَاءِ والبَيَاضِ.
إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ: يَمِيلُ إلى سُنَّتِهِ وَقَصْدِ مَشْيِهِ.
هَدِبَ الْأَشْفَارِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَحْسَنَ الخَلْقِ صُورَةً، وَأَكْمَلَهُم خَلْقَاً، رَزَقَهُ اللهُ جَمَالَ الظَّاهِرِ وَجَمَالَ البَاطِنِ، روى الإمام أحمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ضَخْمَ الرَّأْسِ، عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ، هَدِبَ الْأَشْفَارِ ـ أَيْ: كَثِيرَ أَطْرَافِ الجُفُونِ ـ مُشْرَبَ الْعَيْنِ بِحُمْرَةٍ، كَثَّ اللِّحْيَةِ ـ أَيْ كَثِيفهَا ـ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعَاً، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ.ـ أَيْ:غَلِيظَهُمَا فِي خُشُونَةٍ ـ
بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ التَّعَرُّفَ على صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الخَلْقِيَّةِ تَزِيدُ في إِيمَانِ المُؤْمِنِ، لأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتْ مَعْرَِفَتُهُ بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَأَحْوَالِهِ وَأَوْصَافِهِ وَتَفَاصِيلِ مَا جَاءَ بِهِ أَكْثَرَ، كُلَّمَا كَانَتْ مَدْعَاةً لِزِيَادَةِ الإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَزِيَادَةً في مَحَبَّتِهِ.
جَاءَ في سُنَنِ الترمذي أَنَّ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ ـ الْمُتَنَاهِي فِي الطُّولِ ـ وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ ـ الْمُتَنَاهِي فِي الْقِصَرِ ـ وَكَانَ رَبْعَةً مِن الْقَوْمِ ـ أَيْ: مُتَوَسِّطًا ـ وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبِطِ، كَانَ جَعْدَاً رَجِلَاً ـ أَي: لَيْسَ نِهَايَةً في الجَعْدِ، ولا في الاسْتِرْسَالِ ـ وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ ـ أَيْ الْمُنْتَفِخِ الْوَجْهِ ـ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ أَيْ: لَمْ يَكُنْ مُسْتَدِيرَاً كَامِلَاً، بَلْ كَانَ فِيهِ تَدْوِيرٌ مَاـ وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ، مُشْرَبٌ ـ أَيْ مَخْلُوطٌ بِحُمْرَةٍ ـ أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ ـ أَيْ: شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ فِي شِدَّةِ بَيَاضِهَاـ أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ ـ أَيْ: طَوِيلُ شَعْرِ الْأَجْفَانِ ـ جَلِيلُ الْمُشَاشِ ـ أَيْ: عَظِيمُ رُؤُوسِ الْعِظَامِ كَالْمِرْفَقَيْنِ الْكَتِفَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ ـ وَالْكَتَدِ ـ مُجْتَمِعِ الْكَتِفَيْنِ ـ أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ ـ هُوَ الَّذِي لَيْسَ عَلى بَدَنِهِ شَعْرٌ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّ الشَّعْرَ كَانَ فِي أَمَاكِنَ مِنْ بَدَنِهِ كَالْمَسْرُبَةِ وَالسَّاعِدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ فَإِنَّ ضِدَّ الْأَجْرَدِ الْأَشْعَرُ وَهُوَ الَّذِي عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ شَعْرٌ ـ شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ ـ كَأَنَّهُ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ رَفْعَاً قَوِيَّاً وَهِيَ مِشْيَةُ أَهْلِ الْجَلَادَةِ وَالْهِمَّةِ ـ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعَاً ـ أَيْ بِكُلِّيَّتِهِ ـ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّاً، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرَاً، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً ـ أَيْ لِسَانَاً وَقَوْلَاً ـ وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً ـ سَلِسٌ مِطْوَاعٌ مُنْقَادٌ قَلِيلُ الْخِلَافِ وَالنُّفُورِ ـ وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ التَّعَرُّفَ على صِفَاتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الخَلْقِيَّةِ تَزِيدُ في إِيمَانِ المُؤْمِنِ، وَتَزِيدُ في مَحَبَّتِهِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَمِن خِلالِ الإِيمَانِ والحُبِّ تَزِيدُ الطَّاعَةُ، وبذلكَ يَنَالُ العَبْدُ شَرَفَ الصُّحْبَةِ والمَعِيَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
وَكَانَ سَيِّدُنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: فَأَنَا أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ لِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَعْمَلُ بِعَمَلِهِمْ.
اللَّهُمَّ بِبَرَكَةِ حُبِّنَا لَهُم اُحْشُرْنَا مَعَهُم. آمين يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
223ـ أَزْهَرُ اللَّوْنِ هَدِبُ الْأَشْفَارِ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام مسلم عن الْبَرَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ رَجُلَاً مَرْبُوعَاً، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِن وَلَا بِالْقَصِيرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ ـ كَثِيرَ الشَّعْرِ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ ـ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئَاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
إِنَّ الصُّورَةَ المِثَالِيَّةَ الكَامِلَةَ في شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا الرَّسُولِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَتَجَلَّى في خُلُقِهِ وفي خَلْقِهِ مَعَاً، وَهِيَ بَالِغَةٌ في كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْتَهَى الكَمَالِ والحَمْدُ للهِ وَاهِبِهِ والمُتَفَضِّلِ بِهِ.
أَزْهَرُ اللَّوْنِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهَاً، وَكَانَ وَجْهُهُ الشَّرِيفُ مُشْرِقَاً مُنِيرَاً، يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: إِنَّ للحَسَنَةِ نُورٌ في القَلْبِ، وَضِيَاءً في الوَجْهِ. اهـ.
أيُّها الإخوة الكرام: إِذَا كَانَ للحَسَنَةِ نُورَاً في وَجْهِ العَابِدِ، بِبَرَكَةِ فِعْلِهِ للطَّاعَةِ، وَبِتَرْكِهِ المَعْصِيَةِ، فَكَيْفَ بِوَجْهِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟
روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَلَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
أَزْهَرُ اللَّوْنِ: هُوَ الأَبْيَضُ المُسْتَنِيرُ، وَهُوَ أَحْسَنُ الأَلْوَانِ.
كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ: أَيْ: في الصَّفَاءِ والبَيَاضِ.
إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ: يَمِيلُ إلى سُنَّتِهِ وَقَصْدِ مَشْيِهِ.
هَدِبَ الْأَشْفَارِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَحْسَنَ الخَلْقِ صُورَةً، وَأَكْمَلَهُم خَلْقَاً، رَزَقَهُ اللهُ جَمَالَ الظَّاهِرِ وَجَمَالَ البَاطِنِ، روى الإمام أحمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ضَخْمَ الرَّأْسِ، عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ، هَدِبَ الْأَشْفَارِ ـ أَيْ: كَثِيرَ أَطْرَافِ الجُفُونِ ـ مُشْرَبَ الْعَيْنِ بِحُمْرَةٍ، كَثَّ اللِّحْيَةِ ـ أَيْ كَثِيفهَا ـ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعَاً، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ.ـ أَيْ:غَلِيظَهُمَا فِي خُشُونَةٍ ـ
بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ التَّعَرُّفَ على صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الخَلْقِيَّةِ تَزِيدُ في إِيمَانِ المُؤْمِنِ، لأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتْ مَعْرَِفَتُهُ بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَأَحْوَالِهِ وَأَوْصَافِهِ وَتَفَاصِيلِ مَا جَاءَ بِهِ أَكْثَرَ، كُلَّمَا كَانَتْ مَدْعَاةً لِزِيَادَةِ الإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَزِيَادَةً في مَحَبَّتِهِ.
جَاءَ في سُنَنِ الترمذي أَنَّ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ ـ الْمُتَنَاهِي فِي الطُّولِ ـ وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ ـ الْمُتَنَاهِي فِي الْقِصَرِ ـ وَكَانَ رَبْعَةً مِن الْقَوْمِ ـ أَيْ: مُتَوَسِّطًا ـ وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبِطِ، كَانَ جَعْدَاً رَجِلَاً ـ أَي: لَيْسَ نِهَايَةً في الجَعْدِ، ولا في الاسْتِرْسَالِ ـ وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ ـ أَيْ الْمُنْتَفِخِ الْوَجْهِ ـ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ أَيْ: لَمْ يَكُنْ مُسْتَدِيرَاً كَامِلَاً، بَلْ كَانَ فِيهِ تَدْوِيرٌ مَاـ وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ، مُشْرَبٌ ـ أَيْ مَخْلُوطٌ بِحُمْرَةٍ ـ أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ ـ أَيْ: شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ فِي شِدَّةِ بَيَاضِهَاـ أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ ـ أَيْ: طَوِيلُ شَعْرِ الْأَجْفَانِ ـ جَلِيلُ الْمُشَاشِ ـ أَيْ: عَظِيمُ رُؤُوسِ الْعِظَامِ كَالْمِرْفَقَيْنِ الْكَتِفَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ ـ وَالْكَتَدِ ـ مُجْتَمِعِ الْكَتِفَيْنِ ـ أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ ـ هُوَ الَّذِي لَيْسَ عَلى بَدَنِهِ شَعْرٌ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّ الشَّعْرَ كَانَ فِي أَمَاكِنَ مِنْ بَدَنِهِ كَالْمَسْرُبَةِ وَالسَّاعِدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ فَإِنَّ ضِدَّ الْأَجْرَدِ الْأَشْعَرُ وَهُوَ الَّذِي عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ شَعْرٌ ـ شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ ـ كَأَنَّهُ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ رَفْعَاً قَوِيَّاً وَهِيَ مِشْيَةُ أَهْلِ الْجَلَادَةِ وَالْهِمَّةِ ـ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعَاً ـ أَيْ بِكُلِّيَّتِهِ ـ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّاً، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرَاً، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً ـ أَيْ لِسَانَاً وَقَوْلَاً ـ وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً ـ سَلِسٌ مِطْوَاعٌ مُنْقَادٌ قَلِيلُ الْخِلَافِ وَالنُّفُورِ ـ وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ التَّعَرُّفَ على صِفَاتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الخَلْقِيَّةِ تَزِيدُ في إِيمَانِ المُؤْمِنِ، وَتَزِيدُ في مَحَبَّتِهِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَمِن خِلالِ الإِيمَانِ والحُبِّ تَزِيدُ الطَّاعَةُ، وبذلكَ يَنَالُ العَبْدُ شَرَفَ الصُّحْبَةِ والمَعِيَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
وَكَانَ سَيِّدُنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: فَأَنَا أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ لِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَعْمَلُ بِعَمَلِهِمْ.
اللَّهُمَّ بِبَرَكَةِ حُبِّنَا لَهُم اُحْشُرْنَا مَعَهُم. آمين يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin