مع الحبيب المصطفى: يا أبا بكر, برد أمرنا وصلح
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
212ـ يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ في دُنْيَا النَّاسِ ذِكْرَيَاتٍ لا يُمَلُّ حَدِيثُهَا، ولا تُسْأَمُ سِيرَتُهَا، بَل قَد تَحْلُو أو تَعْلُو إذا أُعِيدَتْ وتَكَرَّرَتْ، كَمَا يَحْلُو مَذَاقُ الشَّهْدِ وهوَ يُكَرَّرُ، ومن الذِّكْرَيَاتِ التي لا يُمَلُّ حَدِيثُهَا هِجْرَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ التي كَانَتْ فَاتِحَةَ الأَمَلِ، وبَارِقَةَ النَّصْرِ، وطَرِيقَ العَوْدَةِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ولأَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، فَاتِحِينَ ظَافِرِينَ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾. أي: رَادُّكَ إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ.
«يَا أبَا بَكْرٍ، بَرُدَ أمْرُنَا وَصَلَحَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: في طَرِيقِ هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، الذي خَرَجَ مَعَ سَبْعِينَ رَجُلاً من قَوْمِهِ لِيَأْخُذَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ويَرُدَّهُ إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، ويَأْخُذَ الفِدْيَةَ مِئَةَ نَاقَةٍ للرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ومِئَةَ نَاقَةٍ للصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وأَرْضَاهُ.
وهذهِ المَرَّةُ الرَّابِعَةُ التي كَانَ فِيهَا الخَطَرُ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ولَكِنَّ اللهَ تعالى هوَ القَائِلُ لِحَبِيبِهِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾.
في المَرَّةِ الأُولَى، حَاصَرَ المُشْرِكُونَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَحَفِظَهُ اللهُ تعالى.
وفي المَرَّةِ الثَّانِيَةِ، عِنْدَمَا وَصَلُوا إلى غَارِ ثَوْرٍ، بَعْدَ أَنْ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَافَّةَ الأَسْبَابِ المَادِّيَّةِ، حَيْثُ كَلَّفَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِأَخْبَارِ قُرَيْشٍ إلى الغَارِ، وكَلَّفَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ أَنْ يَتْبَعَ أَثَرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ ذَهَابِهِ إلى مَكَّةَ لِيُخْفِي لَهُ آثَارَ الأَقْدَامِ، ومَعَ ذلكَ اكْتَشَفَ المُشْرِكُونَ أَمْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَوَصَلُوا إلى الغَارِ، بَل وَقَفُوا على بَابِهِ، ولَكِنْ سُبْحَانَ اللهِ! أَبَى اللهُ عزَّ وجلَّ إلا أَنْ يَنْصُرَ حَبِيبَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لَمْ يَبْقَ إلا أَنْ يَنْظُرُوا في دَاخِلِ الغَارِ، لقد قَطَعُوا مَسَافَةً طَوِيلَةً، وبَذَلُوا جُهْدَاً عَظِيمَاً، ولَمْ تَبْقَ إلا دَقِيقَةٌ أو دَقِيقَتَانِ ويُكْتَشَفُ أَمْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ولَكِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ الذي بِيَدِهِ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ مَنَعَهُم من النَّظَرِ إلى دَاخِلِ الغَارِ.
وفي المَرَّةِ الثَّالِثَةِ، عِنْدَمَا تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، ولَكِنْ ﴿واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. وَهُنَا سَاخَتْ أَقْدَامُ الفَرَسِ، ولَمْ يَتَمَكَّنْ سُرَاقَةُ من الوُصُولِ إلى الحَبِيبِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
وفي المَرَّةِ الرَّابِعَةِ والأَخِيرَةِ، عِنْدَمَا اكْتَشَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وأَرْضَاهُ ـ وحِينَهَا كَانَ من المُشْرِكِينَ ـ جَاءَ على رَأْسِ قَبِيلَةِ أَسْلَمَ.
جَاءَ في كِتَابِ الوَفَا بِتَعْرِيفِ فَضَائِلِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَن أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَتَطَيَّرُ، وَكَانَ يَتَفَاءَلُ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ جَعَلَتْ مِائَةً من الإِبِلِ فِيمَنْ يَأُخُذُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيُرُدُّهُ عَلَيْهِم حِينَ تَوَجَّهَ إلى المَدِينَةِ.
فَرَكِبَ بُرَيْدَةُ في سَبْعِينَ رَاكِبَاً من أَهْلِ بَيْتِهِ من بَنِي سَهْمٍ، فَتَلَقَّى نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أنْتَ؟».
فَقَالَ: أَنَا بُرَيْدَةُ.
فَالْتَفَتَ إلى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ: «يَا أبَا بَكْرٍ، بَرُدَ أمْرُنَا وَصَلَحَ».
ثمَّ قَالَ: «مِمَّنْ أنْتَ؟».
قَالَ: مِنْ أَسْلَمَ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: «سَلِمْنَا».
قَالَ: «مِمَّنْ؟».
قَالَ: من بَنِي سَهْمٍ.
قَالَ: «خَرَجَ سَهْمُكَ يَا أبَا بَكْرٍ».
فَقَالَ بُرَيْدَةُ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَسُولُ اللهِ».
فَقَالَ بُرَيْدَةُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأَسْلَمَ بُرَيْدَةُ وَأَسْلَمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ جَمِيعَاً.
فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لا تَدْخُل المَدِيْنَةَ إلا وَمَعَكَ لِوَاءٌ». فَحَلَّ عِمَامَتَهُ ثمَّ شَدَّهَا في رُمْحٍ، ثمَّ مَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، تَنْزِلُ عَلَيَّ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ نَاقَتِي هذهِ مَأْمُورَةٌ».
فَقَالَ بُرَيْدَةُ: الحَمْدُ للهِ الذي أَسْلَمَتْ بَنُو سَهْمٍ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ.
﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنْظُرُوا إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الوَاثِقِ بِرَبِّهِ، كَيْفَ يَسْتَغِلُّ المَوَاقِفَ من خِلالِ التَّفَاؤُلِ، في هذا المَوْقِفِ العَصِيبِ يَدْعُو سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بُرَيْدَةَ ومَن مَعَهُ إلى الإِسْلامِ، وبِفَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ الذي بِيَدِهِ قُلُوبُ العِبَادِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، فَتَحَ قُلُوبَ هؤلاءِ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ونَجَحَ مَعَهُم في الأَمْرِ الذي صَعُبَ عَلَيهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ عَامَاً كَامِلَةً في مَكَّةَ، فَلَمْ يُؤْمِنْ بِدَعْوَتِهِ الكَثِيرُ، وَمِنْهُم مَن هوَ قَرِيبٌ جِدَّاً مِنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، مِثْلُ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وأَولادِ عَمِّهِ، وغَيْرِهِم.
ومَعَ ذلكَ وهُنَا في هذا المَقَامِ، والرَّجُلُ يَأْتِي بالسِّلاحِ ويُحَاصِرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ويَلْمَعُ بَرِيقُ المَالِ والإِبِلِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، ومَعَ ذلكَ وَضَعَ اللهُ عزَّ وجلَّ في قَلْبِهِ الإِسْلامَ في لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، فَآمَنَ هوَ ومَن مَعَهُ، أَلَيْسَ اللهُ غَالِبَاً على أَمْرِهِ؟
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ الحَدِيثَ عَن هِجْرَةِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُجَدِّدُ الإِيمَانَ، ويَبْعَثُ اليَقِينَ في نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ، ويَشُدُّ العَزْمَ، ويَرْبِطُ الجَأْشَ.
الهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ تُذَكِّرُنَا بالإِيمَانِ الحَقِّ، وبالصَّبْرِ الجَمِيلِ، وبالتَّضْحِيَةِ والفِدَاءِ، والبَذْلِ والسَّخَاءِ، والأُخُوَّةِ والإِيثَارِ، وتُذَكِّرُنَا بِأَنَّ نَصْرَ اللهِ تعالى لأَوْلِيَائِهِ ولأَحِبَّائِهِ ولأَصْفِيَائِهِ مُحَقَّقٌ، وتُذَكِّرُنَا بِأَنَّ مَن تَوَكَّلَ على اللهِ تعالى هَدَاهُ، ومَن لاذَ بِهِ كَفَاهُ، قَالَ تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾.
هِجْرةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تُعَلِّمُنَا أَنَّ المُؤْمِنَ لا يُفَرِّطُ بالأَسْبَابِ مَهمَا كَانَ تَعَلُّقُهُ بالمُسَبِّبِ عزَّ وجلَّ، لأَنَّ ذلكَ من تَمَامِ التَّوَكُّلِ على الحَيِّ الذي لا يَمُوتُ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُشَرِّفَنَا بِخِدْمَةِ هذا الدِّينِ العَظِيمِ، وأَنْ يُثَبِّتَنَا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وفي الآخِرَةِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
212ـ يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ في دُنْيَا النَّاسِ ذِكْرَيَاتٍ لا يُمَلُّ حَدِيثُهَا، ولا تُسْأَمُ سِيرَتُهَا، بَل قَد تَحْلُو أو تَعْلُو إذا أُعِيدَتْ وتَكَرَّرَتْ، كَمَا يَحْلُو مَذَاقُ الشَّهْدِ وهوَ يُكَرَّرُ، ومن الذِّكْرَيَاتِ التي لا يُمَلُّ حَدِيثُهَا هِجْرَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ التي كَانَتْ فَاتِحَةَ الأَمَلِ، وبَارِقَةَ النَّصْرِ، وطَرِيقَ العَوْدَةِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ولأَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، فَاتِحِينَ ظَافِرِينَ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾. أي: رَادُّكَ إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ.
«يَا أبَا بَكْرٍ، بَرُدَ أمْرُنَا وَصَلَحَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: في طَرِيقِ هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، الذي خَرَجَ مَعَ سَبْعِينَ رَجُلاً من قَوْمِهِ لِيَأْخُذَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ويَرُدَّهُ إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، ويَأْخُذَ الفِدْيَةَ مِئَةَ نَاقَةٍ للرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ومِئَةَ نَاقَةٍ للصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وأَرْضَاهُ.
وهذهِ المَرَّةُ الرَّابِعَةُ التي كَانَ فِيهَا الخَطَرُ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ولَكِنَّ اللهَ تعالى هوَ القَائِلُ لِحَبِيبِهِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾.
في المَرَّةِ الأُولَى، حَاصَرَ المُشْرِكُونَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَحَفِظَهُ اللهُ تعالى.
وفي المَرَّةِ الثَّانِيَةِ، عِنْدَمَا وَصَلُوا إلى غَارِ ثَوْرٍ، بَعْدَ أَنْ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَافَّةَ الأَسْبَابِ المَادِّيَّةِ، حَيْثُ كَلَّفَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِأَخْبَارِ قُرَيْشٍ إلى الغَارِ، وكَلَّفَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ أَنْ يَتْبَعَ أَثَرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ ذَهَابِهِ إلى مَكَّةَ لِيُخْفِي لَهُ آثَارَ الأَقْدَامِ، ومَعَ ذلكَ اكْتَشَفَ المُشْرِكُونَ أَمْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَوَصَلُوا إلى الغَارِ، بَل وَقَفُوا على بَابِهِ، ولَكِنْ سُبْحَانَ اللهِ! أَبَى اللهُ عزَّ وجلَّ إلا أَنْ يَنْصُرَ حَبِيبَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لَمْ يَبْقَ إلا أَنْ يَنْظُرُوا في دَاخِلِ الغَارِ، لقد قَطَعُوا مَسَافَةً طَوِيلَةً، وبَذَلُوا جُهْدَاً عَظِيمَاً، ولَمْ تَبْقَ إلا دَقِيقَةٌ أو دَقِيقَتَانِ ويُكْتَشَفُ أَمْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ولَكِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ الذي بِيَدِهِ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ مَنَعَهُم من النَّظَرِ إلى دَاخِلِ الغَارِ.
وفي المَرَّةِ الثَّالِثَةِ، عِنْدَمَا تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، ولَكِنْ ﴿واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. وَهُنَا سَاخَتْ أَقْدَامُ الفَرَسِ، ولَمْ يَتَمَكَّنْ سُرَاقَةُ من الوُصُولِ إلى الحَبِيبِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
وفي المَرَّةِ الرَّابِعَةِ والأَخِيرَةِ، عِنْدَمَا اكْتَشَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وأَرْضَاهُ ـ وحِينَهَا كَانَ من المُشْرِكِينَ ـ جَاءَ على رَأْسِ قَبِيلَةِ أَسْلَمَ.
جَاءَ في كِتَابِ الوَفَا بِتَعْرِيفِ فَضَائِلِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَن أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَتَطَيَّرُ، وَكَانَ يَتَفَاءَلُ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ جَعَلَتْ مِائَةً من الإِبِلِ فِيمَنْ يَأُخُذُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيُرُدُّهُ عَلَيْهِم حِينَ تَوَجَّهَ إلى المَدِينَةِ.
فَرَكِبَ بُرَيْدَةُ في سَبْعِينَ رَاكِبَاً من أَهْلِ بَيْتِهِ من بَنِي سَهْمٍ، فَتَلَقَّى نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أنْتَ؟».
فَقَالَ: أَنَا بُرَيْدَةُ.
فَالْتَفَتَ إلى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ: «يَا أبَا بَكْرٍ، بَرُدَ أمْرُنَا وَصَلَحَ».
ثمَّ قَالَ: «مِمَّنْ أنْتَ؟».
قَالَ: مِنْ أَسْلَمَ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: «سَلِمْنَا».
قَالَ: «مِمَّنْ؟».
قَالَ: من بَنِي سَهْمٍ.
قَالَ: «خَرَجَ سَهْمُكَ يَا أبَا بَكْرٍ».
فَقَالَ بُرَيْدَةُ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَسُولُ اللهِ».
فَقَالَ بُرَيْدَةُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأَسْلَمَ بُرَيْدَةُ وَأَسْلَمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ جَمِيعَاً.
فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لا تَدْخُل المَدِيْنَةَ إلا وَمَعَكَ لِوَاءٌ». فَحَلَّ عِمَامَتَهُ ثمَّ شَدَّهَا في رُمْحٍ، ثمَّ مَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، تَنْزِلُ عَلَيَّ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ نَاقَتِي هذهِ مَأْمُورَةٌ».
فَقَالَ بُرَيْدَةُ: الحَمْدُ للهِ الذي أَسْلَمَتْ بَنُو سَهْمٍ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ.
﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنْظُرُوا إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الوَاثِقِ بِرَبِّهِ، كَيْفَ يَسْتَغِلُّ المَوَاقِفَ من خِلالِ التَّفَاؤُلِ، في هذا المَوْقِفِ العَصِيبِ يَدْعُو سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بُرَيْدَةَ ومَن مَعَهُ إلى الإِسْلامِ، وبِفَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ الذي بِيَدِهِ قُلُوبُ العِبَادِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، فَتَحَ قُلُوبَ هؤلاءِ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ونَجَحَ مَعَهُم في الأَمْرِ الذي صَعُبَ عَلَيهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ عَامَاً كَامِلَةً في مَكَّةَ، فَلَمْ يُؤْمِنْ بِدَعْوَتِهِ الكَثِيرُ، وَمِنْهُم مَن هوَ قَرِيبٌ جِدَّاً مِنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، مِثْلُ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وأَولادِ عَمِّهِ، وغَيْرِهِم.
ومَعَ ذلكَ وهُنَا في هذا المَقَامِ، والرَّجُلُ يَأْتِي بالسِّلاحِ ويُحَاصِرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ويَلْمَعُ بَرِيقُ المَالِ والإِبِلِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، ومَعَ ذلكَ وَضَعَ اللهُ عزَّ وجلَّ في قَلْبِهِ الإِسْلامَ في لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، فَآمَنَ هوَ ومَن مَعَهُ، أَلَيْسَ اللهُ غَالِبَاً على أَمْرِهِ؟
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ الحَدِيثَ عَن هِجْرَةِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُجَدِّدُ الإِيمَانَ، ويَبْعَثُ اليَقِينَ في نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ، ويَشُدُّ العَزْمَ، ويَرْبِطُ الجَأْشَ.
الهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ تُذَكِّرُنَا بالإِيمَانِ الحَقِّ، وبالصَّبْرِ الجَمِيلِ، وبالتَّضْحِيَةِ والفِدَاءِ، والبَذْلِ والسَّخَاءِ، والأُخُوَّةِ والإِيثَارِ، وتُذَكِّرُنَا بِأَنَّ نَصْرَ اللهِ تعالى لأَوْلِيَائِهِ ولأَحِبَّائِهِ ولأَصْفِيَائِهِ مُحَقَّقٌ، وتُذَكِّرُنَا بِأَنَّ مَن تَوَكَّلَ على اللهِ تعالى هَدَاهُ، ومَن لاذَ بِهِ كَفَاهُ، قَالَ تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾.
هِجْرةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تُعَلِّمُنَا أَنَّ المُؤْمِنَ لا يُفَرِّطُ بالأَسْبَابِ مَهمَا كَانَ تَعَلُّقُهُ بالمُسَبِّبِ عزَّ وجلَّ، لأَنَّ ذلكَ من تَمَامِ التَّوَكُّلِ على الحَيِّ الذي لا يَمُوتُ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُشَرِّفَنَا بِخِدْمَةِ هذا الدِّينِ العَظِيمِ، وأَنْ يُثَبِّتَنَا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وفي الآخِرَةِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin