مع الحبيب المصطفى: «كيف بك إذا لبست سواري كسرى»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
210ـ «كيف بك إذا لبست سواري كسرى»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أَكْرَمَنَا بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ، وشَرَّفَنَا وأَعَزَّنَا بِنِعْمَةِ الإِسْلامِ، فإذا عَظُمَ الخَطْبُ، واشْتَدَّ الكَرْبُ، فلا نَجَاةَ إلا إلى اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾.
وإذا تَضَاعَفَ الضُّرُّ، وزَادَ السُّوءُ، فلا كَاشِفَ لَهُ إلا اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلَاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
وإذا تَوَالَى الهَمُّ، وتَتَابَعَ الغَمُّ، فلا فَارِجَ لَهُ إلا اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبَاً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وإذا جَاءَتِ النِّقْمَةُ، أو حَلَّتِ الفِتْنَةُ، فلا صَارِفَ لَهَا إلا اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
وكُلَّمَا عَظُمَتِ الخُطُوبُ، وتَزَايَدَتِ الكُرُوبُ، فلا مَلْجَأَ إلا إلى اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ صِلَةَ العَبْدِ بِرَبِّهِ، وتَعَلُّقَهُ بِهِ تعالى، ويَقِينَهُ بِوَعْدِهِ الذي لا يُخْلَفُ، ورِضَاهُ بِقَضَائِهِ وقَدَرِهِ، ومَحَبَّتَهُ في ثَوَابِهِ، هوَ المُعَوَّلُ عَلَيهِ في كُلِّ خَطْبٍ، وهوَ المَوْثُوقُ بِهِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى في كُلِّ كَرْبٍ.
«كَيْفَ بِكَ إذا لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟»:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ العَبْدَ المُؤْمِنَ عِنْدَمَا يَقْرَأُ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، يَرَى قَوْلَ اللهِ تعالى مُجَسَّدَاً في سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عِنْدَمَا يَقُولُ: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: اليَقِينُ باللهِ تعالى هوَ حَيَاةُ القَلْبِ، بِهِ يَطْمَئِنُّ ويَقْوَى، فإذا تَمَكَّنَ اليَقِينُ باللهِ تعالى من القَلْبِ عِنْدَهَا يَرَى المُؤْمِنُ البَلاءَ نِعْمَةً، والمِحْنَةَ مِنْحَةً، ولهذا كَانَ من دُعَاءِ عَطَاءِ الخُرَاسَانِيِّ: اللَّهُمَّ هَبْ لِي يَقِينَاً بِكَ حَتَّى تَهُونَ عَلَيَّ مُصِيبَاتُ الدُّنيَا، وحَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ لا يُصِيبُنَا إلا مَا كُتِبَ لَنَا، ولا يَأْتِينَا من هذا الرِّزْقِ إلا مَا قَسَمْتَ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ يَقِينُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِرَبِّهِ أَعْظَمَ يَقِينٍ، عِنْدَمَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مُهَاجِرَاً، وَلَحِقَهُ سُرَاقَةُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «كَيْفَ بِكَ وقَد لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟».
فَيَقُولُ لَهُ: سِوَارَيْ كِسْرَى بْنِ هُرمُزَ؟
قَالَ: «نَعَم».
أيُّها الإخوة الكرام: يَتَعَجَّبُ سُرَاقَةُ من قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وهوَ يَنْظُرُ إِلَيهِ أَنَّهُ قَد خَرَجَ من مَكَّةَ وَحِيدَاً مُطَارَدَاً، وفي الظَّاهِرِ بِلا قُوَّةٍ، ولا أَنْصَارٍ، ولا أَتْبَاعٍ، طَرِيدَاً، شَرِيدَاً، مُهَاجِرَاً، خَارِجَاً من بَلَدِهِ الحَبِيبَةٍِ مَكَّةَ، ومَعَ ذلكَ يَقُولُ: «كَيْفَ بِكَ إذا لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟».
نَعَم أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّهُ الإِيمَانُ الرَّاسِخُ القَوِيُّ الثَّابِتُ، أَشَدُّ شُمُوخَاً من الشُّمِّ العَالِي، إِنَّهُ الإِيمَانُ بِوَعْدِ اللهِ تعالى الذي وَعَدَهُ بالنَّصْرِ والتَّمْكِينِ.
إِنَّ الإِيمَانَ بِوَعْدِ اللهِ تعالى الذي لا يُخْلَفُ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. إِنَّهُ الإِيمَانُ بِوَعْدِ اللهِ تعالى: ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. وبِوَعْدِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
وَيَتَحَقَّقُ الوَعْدُ لِسُرَاقَةَ:
أيُّها الإخوة الكرام: نَحْنُ على يَقِينٍ بِأَنَّ كَلامَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لَيْسَ كَكَلامِ بَقِيَّةِ البَشَرِ، كَلامُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.
لَمَّا فَتَحَتْ جُيُوشُ المُسْلِمِينَ العِرَاقَ، وأَجْزَاءً من فَارِسَ، وَدَخَلُوا عَاصِمَةَ مِلْكِ كِسْرَى المَدَائِنَ، جَمَعَ قَائِدُ جُيُوشِ المُسْلِمِينَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كُنُوزَ كِسْرَى، فَأَرْسَلَهُمَا إلى الخَلِيفَةِ الفَارُوقِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.
أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا رَأَى سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كُنُوزَ كِسْرَى قَالَ قَوْلَتَهُ المَشْهُورَةَ: واللهِ إِنَّ قَوْمَاً أَدَّوْا هذهِ الأَمَانَةَ كَامِلَةً غَيْرَ مَنْقُوصَةٍ، واللهِ إِنَّهُم لَأُمَنَاءُ.
فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، عَفَفْتَ فَعَفُّوْا، وَلَوْ رَتَعْتَ لَرَتَعُوا.
يَا سُرَاقَةُ، اليَوْمَ يَوْمُ الوَفَاءِ:
أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا وُضِعَتْ كُنُوزُ كِسْرَى في المَسْجِدِ، وَقَفَ سَيِّدُنَا عُمَرُ الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، لِيُخَاطِبَ سُرَاقَةَ: يَا سُرَاقَةُ، اليَوْمَ يَوْمُ الوَفَاءِ.
ثمَّ أَمْسَكَ الفَارُوقُ بِذِرَاعَيْ سُرَاقَةَ ورَفَعَهُمَا حَتَّى يَرَاهُمَا المُسْلِمُونَ، ويَرَوْا تَصْدِيقَ اللهِ وَعْدَهُ لِرَسُولِهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وقَالَ الفَارُوقُ رَافِعَاً صَوْتَهُ: الحَمْدُ للهِ الذي سَلَبَهُمَا كِسْرَى بْنَ هُرمُزَ وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمَ، أَعْرَابِيَّاً من بَنِي مُدْلِجٍ، وَجَعَلَ يَقْلِبُ بَعْضَ ذلكَ بَعْضَاً.
فَقَالَ: إنَّ الذي أَدَّى هذا لَأَمِينٌ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا أُخْبِرُكَ، أَنْتَ أَمِينُ اللِه، وهُمْ يُؤَدُّونَ إِلَيْكَ مَا أَدَّيْتَ إلى اللهِ، فإذا رَفَعْتَ رَفَعُوا.
قَالَ: صَدَقْتَ؛ ثمَّ فَرَّقَهُ.
وفي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُ: اِرْفَعْ يَدَيْكَ فَقُلْ: اللهُ أَكْبَرُ، الحَمْدُ للهِ الذي سَلَبَهَا كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ الذي كَانَ يَقُولُ: أَنَا رَبُّ النَّاسِ، وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ بْنِ جُعْشَمَ أَعْرَابِيَّاً من بَنِي مُدْلِجٍ.
وَرَفَعَ بِهَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ صَوْتَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَقَّقَ اللهُ تعالى وَعْدَهُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وتَحَقَّقَتْ بِشَارَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ التي بَشَّرَهُم بِهَا يَوْمَ الخَنْدَقِ، عِنْدَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَحْفِرُ الخَنْدَقَ هوَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ عِنْدَمَا ضَرَبَ الصَّخْرَةَ الضَّرْبَةَ الأُولَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، واللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا».
ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ» وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ» رواه الإمام أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وفي رِوَايَةِ البيهقي قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أَضَاءَتْ لِي مِنهَا قُصُورُ الحِيْرَةِ، وَمَدَائِنُ كِسْرَى، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيهَا».
فَجَعَلَ المُنَافِقُونَ يَسْخَرُونَ ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورَاً﴾.
فِقْهُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: بَعْدَ أَنْ أَلْبَسَ سَيِّدُنَا عُمَرُ سُرَاقَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا سِوَارَيْ كِسْرَى، قَالَ لَهُ: يَا سُرَاقَةُ، اِنْزَعْهَا.
فَقَالَ: لا أَنْزِعُ هذا اللِّبَاسَ.
قَالَ: لماذا؟
قَالَ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ حِينَمَا خَرَجَ مُهَاجِرَاً ولَحِقْتُ بِهِ، فَقَالَ لِي: «كَيْفَ بِكَ إذا لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟».
فَضَحِكَ عُمَرُ، وقَالَ: هَلْ قَالَ لَكَ: اِمْتَلَكْتَ؟ أو قَالَ: «لَبِسْتَ؟».
قَالَ: «لَبِسْتَ».
قَالَ: هَا أَنْتَ لَبِسْتَهَا، فَانْزَعْهَا.
وهذا من فِقْهِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ المُلْهَمِ، الذي قَالَ فِيهِ الحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» رواه الحاكم والترمذي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وفي رِوَايَةِ الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ». قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ.
والذي كَانَ يَفِرُ الشَّيْطَانُ من طَرِيقِهِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِيهَاً يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكَاً فَجَّاً قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجَّاً غَيْرَ فَجِّكَ» رواه الإمام البخاري.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعَادَةُ يَطْلُبُهَا الجَمِيعُ، والقَلِيلُ مَن يَجِدُهَا، والنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ في مُنْظُورِهِم للسَّعَادَةِ، والحَقِيقَةُ أَنَّ السَّعَادَةَ تَكْمُنُ في الإِيمَانِ، واليَقِينِ باللهِ تعالى، وبِأَنَّ وَعْدَهُ لا يُخْلَفُ «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنَّا عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
210ـ «كيف بك إذا لبست سواري كسرى»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أَكْرَمَنَا بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ، وشَرَّفَنَا وأَعَزَّنَا بِنِعْمَةِ الإِسْلامِ، فإذا عَظُمَ الخَطْبُ، واشْتَدَّ الكَرْبُ، فلا نَجَاةَ إلا إلى اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾.
وإذا تَضَاعَفَ الضُّرُّ، وزَادَ السُّوءُ، فلا كَاشِفَ لَهُ إلا اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلَاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
وإذا تَوَالَى الهَمُّ، وتَتَابَعَ الغَمُّ، فلا فَارِجَ لَهُ إلا اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبَاً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وإذا جَاءَتِ النِّقْمَةُ، أو حَلَّتِ الفِتْنَةُ، فلا صَارِفَ لَهَا إلا اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
وكُلَّمَا عَظُمَتِ الخُطُوبُ، وتَزَايَدَتِ الكُرُوبُ، فلا مَلْجَأَ إلا إلى اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ صِلَةَ العَبْدِ بِرَبِّهِ، وتَعَلُّقَهُ بِهِ تعالى، ويَقِينَهُ بِوَعْدِهِ الذي لا يُخْلَفُ، ورِضَاهُ بِقَضَائِهِ وقَدَرِهِ، ومَحَبَّتَهُ في ثَوَابِهِ، هوَ المُعَوَّلُ عَلَيهِ في كُلِّ خَطْبٍ، وهوَ المَوْثُوقُ بِهِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى في كُلِّ كَرْبٍ.
«كَيْفَ بِكَ إذا لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟»:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ العَبْدَ المُؤْمِنَ عِنْدَمَا يَقْرَأُ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، يَرَى قَوْلَ اللهِ تعالى مُجَسَّدَاً في سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عِنْدَمَا يَقُولُ: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: اليَقِينُ باللهِ تعالى هوَ حَيَاةُ القَلْبِ، بِهِ يَطْمَئِنُّ ويَقْوَى، فإذا تَمَكَّنَ اليَقِينُ باللهِ تعالى من القَلْبِ عِنْدَهَا يَرَى المُؤْمِنُ البَلاءَ نِعْمَةً، والمِحْنَةَ مِنْحَةً، ولهذا كَانَ من دُعَاءِ عَطَاءِ الخُرَاسَانِيِّ: اللَّهُمَّ هَبْ لِي يَقِينَاً بِكَ حَتَّى تَهُونَ عَلَيَّ مُصِيبَاتُ الدُّنيَا، وحَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ لا يُصِيبُنَا إلا مَا كُتِبَ لَنَا، ولا يَأْتِينَا من هذا الرِّزْقِ إلا مَا قَسَمْتَ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ يَقِينُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِرَبِّهِ أَعْظَمَ يَقِينٍ، عِنْدَمَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مُهَاجِرَاً، وَلَحِقَهُ سُرَاقَةُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «كَيْفَ بِكَ وقَد لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟».
فَيَقُولُ لَهُ: سِوَارَيْ كِسْرَى بْنِ هُرمُزَ؟
قَالَ: «نَعَم».
أيُّها الإخوة الكرام: يَتَعَجَّبُ سُرَاقَةُ من قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وهوَ يَنْظُرُ إِلَيهِ أَنَّهُ قَد خَرَجَ من مَكَّةَ وَحِيدَاً مُطَارَدَاً، وفي الظَّاهِرِ بِلا قُوَّةٍ، ولا أَنْصَارٍ، ولا أَتْبَاعٍ، طَرِيدَاً، شَرِيدَاً، مُهَاجِرَاً، خَارِجَاً من بَلَدِهِ الحَبِيبَةٍِ مَكَّةَ، ومَعَ ذلكَ يَقُولُ: «كَيْفَ بِكَ إذا لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟».
نَعَم أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّهُ الإِيمَانُ الرَّاسِخُ القَوِيُّ الثَّابِتُ، أَشَدُّ شُمُوخَاً من الشُّمِّ العَالِي، إِنَّهُ الإِيمَانُ بِوَعْدِ اللهِ تعالى الذي وَعَدَهُ بالنَّصْرِ والتَّمْكِينِ.
إِنَّ الإِيمَانَ بِوَعْدِ اللهِ تعالى الذي لا يُخْلَفُ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. إِنَّهُ الإِيمَانُ بِوَعْدِ اللهِ تعالى: ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. وبِوَعْدِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
وَيَتَحَقَّقُ الوَعْدُ لِسُرَاقَةَ:
أيُّها الإخوة الكرام: نَحْنُ على يَقِينٍ بِأَنَّ كَلامَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لَيْسَ كَكَلامِ بَقِيَّةِ البَشَرِ، كَلامُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.
لَمَّا فَتَحَتْ جُيُوشُ المُسْلِمِينَ العِرَاقَ، وأَجْزَاءً من فَارِسَ، وَدَخَلُوا عَاصِمَةَ مِلْكِ كِسْرَى المَدَائِنَ، جَمَعَ قَائِدُ جُيُوشِ المُسْلِمِينَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كُنُوزَ كِسْرَى، فَأَرْسَلَهُمَا إلى الخَلِيفَةِ الفَارُوقِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.
أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا رَأَى سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كُنُوزَ كِسْرَى قَالَ قَوْلَتَهُ المَشْهُورَةَ: واللهِ إِنَّ قَوْمَاً أَدَّوْا هذهِ الأَمَانَةَ كَامِلَةً غَيْرَ مَنْقُوصَةٍ، واللهِ إِنَّهُم لَأُمَنَاءُ.
فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، عَفَفْتَ فَعَفُّوْا، وَلَوْ رَتَعْتَ لَرَتَعُوا.
يَا سُرَاقَةُ، اليَوْمَ يَوْمُ الوَفَاءِ:
أيُّها الإخوة الكرام: عِنْدَمَا وُضِعَتْ كُنُوزُ كِسْرَى في المَسْجِدِ، وَقَفَ سَيِّدُنَا عُمَرُ الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، لِيُخَاطِبَ سُرَاقَةَ: يَا سُرَاقَةُ، اليَوْمَ يَوْمُ الوَفَاءِ.
ثمَّ أَمْسَكَ الفَارُوقُ بِذِرَاعَيْ سُرَاقَةَ ورَفَعَهُمَا حَتَّى يَرَاهُمَا المُسْلِمُونَ، ويَرَوْا تَصْدِيقَ اللهِ وَعْدَهُ لِرَسُولِهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وقَالَ الفَارُوقُ رَافِعَاً صَوْتَهُ: الحَمْدُ للهِ الذي سَلَبَهُمَا كِسْرَى بْنَ هُرمُزَ وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمَ، أَعْرَابِيَّاً من بَنِي مُدْلِجٍ، وَجَعَلَ يَقْلِبُ بَعْضَ ذلكَ بَعْضَاً.
فَقَالَ: إنَّ الذي أَدَّى هذا لَأَمِينٌ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا أُخْبِرُكَ، أَنْتَ أَمِينُ اللِه، وهُمْ يُؤَدُّونَ إِلَيْكَ مَا أَدَّيْتَ إلى اللهِ، فإذا رَفَعْتَ رَفَعُوا.
قَالَ: صَدَقْتَ؛ ثمَّ فَرَّقَهُ.
وفي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُ: اِرْفَعْ يَدَيْكَ فَقُلْ: اللهُ أَكْبَرُ، الحَمْدُ للهِ الذي سَلَبَهَا كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ الذي كَانَ يَقُولُ: أَنَا رَبُّ النَّاسِ، وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ بْنِ جُعْشَمَ أَعْرَابِيَّاً من بَنِي مُدْلِجٍ.
وَرَفَعَ بِهَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ صَوْتَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَقَّقَ اللهُ تعالى وَعْدَهُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وتَحَقَّقَتْ بِشَارَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ التي بَشَّرَهُم بِهَا يَوْمَ الخَنْدَقِ، عِنْدَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَحْفِرُ الخَنْدَقَ هوَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ عِنْدَمَا ضَرَبَ الصَّخْرَةَ الضَّرْبَةَ الأُولَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، واللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا».
ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ» وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ» رواه الإمام أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وفي رِوَايَةِ البيهقي قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أَضَاءَتْ لِي مِنهَا قُصُورُ الحِيْرَةِ، وَمَدَائِنُ كِسْرَى، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيهَا».
فَجَعَلَ المُنَافِقُونَ يَسْخَرُونَ ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورَاً﴾.
فِقْهُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: بَعْدَ أَنْ أَلْبَسَ سَيِّدُنَا عُمَرُ سُرَاقَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا سِوَارَيْ كِسْرَى، قَالَ لَهُ: يَا سُرَاقَةُ، اِنْزَعْهَا.
فَقَالَ: لا أَنْزِعُ هذا اللِّبَاسَ.
قَالَ: لماذا؟
قَالَ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ حِينَمَا خَرَجَ مُهَاجِرَاً ولَحِقْتُ بِهِ، فَقَالَ لِي: «كَيْفَ بِكَ إذا لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى؟».
فَضَحِكَ عُمَرُ، وقَالَ: هَلْ قَالَ لَكَ: اِمْتَلَكْتَ؟ أو قَالَ: «لَبِسْتَ؟».
قَالَ: «لَبِسْتَ».
قَالَ: هَا أَنْتَ لَبِسْتَهَا، فَانْزَعْهَا.
وهذا من فِقْهِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ المُلْهَمِ، الذي قَالَ فِيهِ الحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» رواه الحاكم والترمذي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وفي رِوَايَةِ الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ». قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ.
والذي كَانَ يَفِرُ الشَّيْطَانُ من طَرِيقِهِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِيهَاً يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكَاً فَجَّاً قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجَّاً غَيْرَ فَجِّكَ» رواه الإمام البخاري.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعَادَةُ يَطْلُبُهَا الجَمِيعُ، والقَلِيلُ مَن يَجِدُهَا، والنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ في مُنْظُورِهِم للسَّعَادَةِ، والحَقِيقَةُ أَنَّ السَّعَادَةَ تَكْمُنُ في الإِيمَانِ، واليَقِينِ باللهِ تعالى، وبِأَنَّ وَعْدَهُ لا يُخْلَفُ «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنَّا عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin